الباحث : د. طلال عتريسي
اسم المجلة : العقيدة
العدد : 31
السنة : صيف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : July / 13 / 2024
عدد زيارات البحث : 365
الملخّص
باتت زيارة الأربعين موضع اهتمامٍ بحثي على المستويات الاجتماعية والثقافية والفكرية، وفي الأوساط الدولية وفي مراكز الدراسات المختلفة، وقد ترافق هذا الاهتمام مع التأكيد أنّ مثل هذه الزيارة هي حدثٌ غير مسبوقٍ في التاريخ البشري عبر العصور.
سيتناول البحث علاقة زيارة الأربعين بإحياء عاشوراء كحدثين مترابطين من حيث الأبعاد العقائدية والعاطفية والنفسية، ومن حيث الظروف التي واجهت الشيعة في إحياء هاتين المناسبتين. كما سيعالج البحث فكرةً مركزيةً هي الأنموذج الذي تقدّمه زيارة الأربعين، في تفاصيلها كافة على مستوى سلوك الآلاف ممّن يستضيف الزوّار، ويقوم بخدمتهم الواسعة والمتنوعة تطوعًا وهو لا يتوخى أيّ ربحٍ أو منفعةٍ مادية، بل التقرب إلى الله من خلال خدمة زوّار الحسين (عليه السلام). وهذا ما يمكن أنْ نطلق عليه (المجتمع التراحمي) انسجامًا مع البعد القرآني: ﴿مَثَلُ المؤمنين في تَوادِّهم وتراحمِهم﴾.
يحاول البحث أنْ يبيّن أنّ هذا (المجتمع التراحمي) الذي هو أحد تعبيرات الحياة الطيّبة، يتناقض مع المجتمعات الحديثة المعاصرة، التي تتنامى فيها الفردانية التي تبرّر الأنانية وسطوة المال، وأولوية المنفعة، والتي يغيب عنها أيّ بعدٍ إنساني أو معنوي. ومع مقولات العولمة مثل الأقوى لا ينتظر الأضعف، والأسرع يلتهم الأبطأ.
يريد البحث أنْ يبيّن أنّ ظاهرة مشاركة الشباب في زيارة الأربعين تتعارض أيضًا مع المقولات التي تتهم هؤلاء الشباب بالعبثية وبالانصراف عن الدين وعن طقوسه وشعائره. ما يستدعي إعادة النظر في مثل هذه المقولات على المستويات الثقافية والاجتماعية، والتفكير فيها من منطلقاتٍ نظريةٍ مغايرةٍ، لها علاقة بواقع مجتمعاتنا وثقافة هذه المجتمعات على ضوء ما تقدمه تجربة زيارة الأربعين.
الكلمات المفتاحيّة: زيارة الأربعين، المجتمع التراحمي، الشباب، الحياة الطيّبة، الشيعة، الحداثة ، الغرب، الفردانية.
Abstracts
The Ziyarat Arba'een has become a subject of research interest at the social, cultural, and intellectual levels, in international circles and in various study centers. This interest has been accompanied by the assertion that such a visit is an unprecedented event in human history across the ages. The research will address the relationship of the Ziyarat Arba'een with the revival of Ashura as two interconnected events in terms of doctrinal, emotional, and psychological dimensions, and in terms of the circumstances faced by the Shia in reviving these two occasions. The research will also address a central idea, which is the model presented by the Ziyarat Arba'een, in all its details at the level of the behavior of the thousands who host the visitors, and provide them with extensive and diverse voluntary services, without seeking any profit or material benefit, but to draw closer to Allah through serving the visitors of Hussein (peace be upon him). This can be referred to as (the compassionate society) in harmony with the Quranic dimension: “The example of the believers in their affection and mercy for each other”. The research attempts to show that this (compassionate society), which is one of the expressions of the good life, contradicts with modern contemporary societies, where individualism that justifies selfishness, the dominance of money, and the priority of benefit, grows, and any human or moral dimension is absent from it. Along with globalization slogans like the strongest does not wait for the weakest, and the fastest devours the slowest. The research wants to show that the phenomenon of youth participation in the Ziyarat Arba'een also contradicts the statements that accuse these young people of frivolity and turning away from religion and its rituals and rites. This calls for a reconsideration of such statements at the cultural and social levels, and thinking about them from different theoretical perspectives, related to the reality of our societies and the culture of these societies in light of what the experience of the Ziyarat Arba'een offers.
Keywords: Ziyarat Arba'een, compassionate society, youth, good life, Shia, modernity, West, individualism.
المقدّمة
لم يكن العالَم يعرف الكثير عن الزيارة التي يقوم بها الشيعة في العراق إلى كربلاء في الذكرى الأربعين لمقتل الامام الحسين(عليه السلام)، والتي اشتهرت بزيارة الأربعين. كان العالم مشغولًا في العقود القليلة الماضية بقضايا إسلاميّة يعدّها أكثرأهميةٍ مثل العنف والتطرّف، وما أُطلق عليه (الإرهاب)، خاصّة بعد صعود تنظيمات مثل طالبان والقاعدة وداعش وسواها من تنظيمات إسلامية شغلت الباحثين في مراكز الدراسات السياسية والفكرية والاستراتيجية في أنحاء مختلفة من العالم.وقد ذهب كثيرٌ من الباحثين في هذه المراكز إلى محاولة ربط عنف هذه التنظيمات بأصول الاسلام، وليس بالأصول الفكرية والفقهية لهذه التنظيمات؛ ليكون الإسلام نفسه كدين هو المسؤول عن العنف والإرهاب والتطرف. كما شُغل العالم في الوقت نفسه وليس بعيدًا من أدوار هذا (الاسلام المتطرف) وممارساته بالحرب في أفغانستان، وبالأوضاع الداخلية في البلدان العربية والاسلامية، وبما أطلق عليه (الثورات العربية). فلم تكن ظاهرةٌ اجتماعيةٌ فريدةٌ سلميّةٌ غير عنفية مثل ظاهرة الأربعين في أولويات الاهتمام الفكري أو البحثي في العقود الماضية.
إلا إنّ عاشوراء كحدثٍ تاريخي، أو كطقوسٍ وشعائر وممارساتٍ لم تغب عن اهتمام الباحثين في مجال الدراسات الاسلامية أو حتى في دراسات المستشرقين[1]. خاصّة أنّ إحياء هذه المناسبة لم ينقطع عبر التاريخ ، على الرغم من الظروف الصعبة والقاسية التي واجهها الشيعة، كما أنّ هذا الإحياء توسّع وازداد انتشارًا بعد انتصار الثورة الاسلامية في إيران عام 1979م.وبعد سقوط النظام العراقي عام 2003 م، الذي كان قد مارس التضييق والمنع على العلماء وعلى سائر الراغبين في المشاركة في هذه المناسبة.
ما ينبغي الإشارة إليه وملاحظته سواء في تلك الدراسات الاستشراقية والتاريخية عن الشيعة وعقائدهم، أم عن عاشوراء وإحيائها، أنّ واقع الشيعة اليوم يختلف من حيث الفاعلية والدور والحيوية، عن تلك المراحل التي دُرست فيها عقائدهم وشعائرهم قبل عقود طويلة. ولا شك من منظور اجتماعي في أنّ تلك الفاعلية أو الحيوية تركت تأثيراتٍ مباشرة على إحياء مناسبات الشيعة سواء عاشوراء نفسها أم زيارة الأربعين بما هي امتداد للإحياء العاشورائي. وحتى على طبيعة الصورة التي بات الشيعة أكثر حرصًا على تقديمها بشكل أفضل عن أنفسهم بعدما جعلتهم وسائل التواصل الالكترونية والتطورات التكنولوجية، تحت مرمى نظر العالم وسمعه وبصره. وربما نستطيع أنْ نربط بين تزايد الاهتمام السياسي والفكري والاعلامي بالشعائر العاشورائية وبزيارة الأربعين مع تزايد دور الشيعة وفاعليتهم الفكرية والسياسية والعلمية.
لم تكن زيارة الأربعين موضع اهتمامٍ بحثيّ أو إعلامي أو سياسي لأسبابٍ كثيرة. ففي العراق طوال حكم النظام السابق لم يكن من المسموح أصلًا للشيعة إقامة التجمعات أو إحياء المناسبات مثل عاشوراء، فكيف بزيارة الأربعين وما قد يجتمع فيها من حشود مليونية تتوجه سيرًا على الأقدام نحو مدينة كربلاء.
لقد استعاد العراقيون بعد سقوط النظام العراقي(2003م) إحياء زيارة الأربعين تدريجًا على الرغم من المخاطر الأمنية والتفجيرات المتنقلة التي كانت تهدد حياتهم وأرزاقهم، يدفعهم الى ذلك شعور عميق بالتعويض عن السنوات الطوال التي انقضت ولم يتمكنوا فيها من إحياء هذه المناسبة العزيزة عليهم التي باتت جزءًا من ثقافتهم الشعبية والدينية والاجتماعية. لذا امتزجت الدوافع الإيمانية بحوافز التعويض النفسي في وقتٍ واحد. كما بات لإحياء الأربعين دلالة سياسية غير مباشرة تتصل بسقوط النظام الذي كان يمنع احياء هذه الزيارة.
تحوّلت زيارة الأربعين تدريجًا إلى محل اهتمامٍ إعلاميّ عالميّ وعربيّ وإسلاميّ، ومحل اهتمامٍ بحثيّ وأكاديميّ على المستويات التربوية والسياسية والاجتماعية والنفسية، بعدما بدأت وسائل الاعلام تنقل حجم المشاركة الشعبية والجماهيرية في هذه الزيارة التي لا تقتصر على العراقيين وحدهم، بل تحوّلت الى أكبر تجمعٍ شعبي سنوي لملايين الشيعة (وحتى غير الشيعة) يُقّدر بنحوعشرين مليونًا من مختلف أنحاء العالم.
كان للبعد المذهبي الذي روجت له قنواتٌ إعلاميةٌ ومرجعياتٌ سياسيةٌ وفكريةٌ ودينية، وللفتن التي رُوّج لها، وعمليات القتل التي مورست بعناوين مذهبية ودينية، تأثيره أيضًا على الاهتمام بكل شعائر الشيعة وممارساتهم المختلفة في مناسباتهم الدينية. وقد أتى هذا الاهتمام من الأوساط كافة، سواء من تلك التي تترصد الشيعة وكلّ ما يقومون به وتريد أنْ تثبت أنّ لديهم ممارسات لا تتوافق مع الاسلام، وتبرر بالتالي اتهامهم بالكفر، وبالخروج عن الدين، أو من تلك التي تريد أنْ تعرف مدى ما بلغه الشيعة من تطوّر في أوضاعهم الاجتماعية والثقافية من خلال ممارساتهم الدينية والعاشورائية تحديدًا؛ ولذا يثار النقاش في كلّ عامٍ حول ما يجري في عاشوراء من حضور ومشاركة شعبية، أو من ممارساتٍ مثل التطبير والضرب بالسلاسل، أو من مبالغاتٍ غريبةٍ ودموية ، أو حول ما يقال في السيرة من مضامين أخلاقية ودينية وتربوية، أو سياسية واجتماعية وثقافية.
لا يمكن أنْ نفصل بين هذا الاندفاع الواسع لإحياء زيارة الأربعين من داخل العراق وخارجه وبين ما تشهده مجالس عاشوراءفي العالمين العربي والاسلامي وحتى في دول الغرب، من توسّعٍ ملحوظٍ للمشاركين فيها من الأوساط الاجتماعية كافة. بحيث يمكن أنْ نعدّ إحياء عاشوراء هو التمهيد المنطقي، والعاطفي، والنفسي للمشاركة في إحياء الأربعين.
لا شك في أنّ أي باحث، أو حتى أي مهتم ، يستطيع أنْ يلاحظ بسهولة كيف توسّع إحياء مجالس عاشوراء على امتداد جغرافيا العالم، في بلدانٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ وصولًا إلى أفريقيا وأوروبا، وحتى إلى الولايات المتحدة. وقد تزايدت أعداد المشاركين فيها ولم تتراجع بمرور السنوات، من المراحل العمرية كافة، على الرغم من عمليات قتل وتفجير حصلت في أكثر من مكانٍ في لبنان، وفي باكستان، أو حتى في العراق في السنوات القليلة الماضية.
ما تجدر الإشارة إليه هنا والتوقف عنده مليًا، وهو ينطبق على إحياء عاشوراء وعلى إحياء الأربعين، أنّ المقولات الثقافية السائدة خاصّة في الدراسات الاجتماعية كانت وما تزال توكّد على الترابط بين التطور التكنولوجي واستخدام التقنيات الحديثة، وبين ابتعاد الشباب عن القيم العائلية وعن الممارسات الاجتماعية التقليدية[2]، خاصة وأنّ إحياء عاشوراء يعدّ ممارسةً تقليديةً متوارثةً جيلًا عن جيل. لكن ما نلحظه من المنظور الاجتماعي نفسه هو خلاف هذه المقولات تمامًا، ذلك أنّ مشاركة الشباب وحتى الفتيان، تتزايد في مجالس عاشوراء وحتى في زيارة الأربعين وليس العكس. ما يعني أنّ هذا الربط بين استخدام التقنيات الحديثة والتراجع عن الممارسات التقليدية الاجتماعية ليس صحيحًا في ما يتعلق بعاشوراء والأربعين. وهي مقولة افترض أصحابها أنّها مقولةٌ علميةٌ يقينيةُ وثابتةُ وتصح في كلّ زمانٍ ومكان. كما يعني هذا الأمر من منظورٍ بحثيّ وعلمي إعادة النظر في مثل هذه الأطروحات والمقولات التي تتعارض مع ما يجري على أرض الواقع. وهذا يحتاج الى مقارباتٍ نظريةٍ مختلفةٍ لتفسير هذا الالتحاق المتزايد لأعداد الشباب ومشاركتهم في ممارسات تتناقض تمامًا مع اتجاه المجتمعات نحو التحديث، وتتعارض مع نزوع الأفراد نحو العزلة والفردانية التي نتجت عن استخدام التقنيات الحديثة في المجتمعات المعاصرة.
أنموذج الفردانية الحداثية
أسهمت عوامل عدّة، فلسفية واجتماعية واقتصادية في نشأة الفردانية وتطورها في الغرب الحديث. «كانت الثورة الصناعية في أوروبا بداية التحول الكبير الذي سيأخذ الأفراد والمجتمع نحو قيم المنفعة وتحصيل المال...ومع استبعاد الدين عن منظومة الحياة والتفكير والمعرفة، بات الانسان، وبمعزل عن أي مرجعية دينية، هو الذي يقرر ما يريد وما لا يريد. لقد أصبح الإنسان هو مركز الكون بعدما كان الله هو هذا المركز»[3].
هكذا بدأ مسار الفردانية الذي يُعلي شأن الفرد ورغباته وحاجاته على أيّ شأنٍ ديني أو اجتماعي. أسهم الصعود الرأسمالي الذي واكب عصر النهضة في تعزيز قيم الفردانية، بعدما دعا (آدم سميث) (توفي عام 1790م) في مؤلّفه المعروف (بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها) (1776)، والذي اشتهر اختصارًا باسم (ثروة الأمم) إلى تعزيز المبادرة الفردية، والمنافسة، وحرية التجارة، بوصفها الوسيلة الفضلى لتحقيق أكبر قدر من الثروة والسعادة. أي أن سميث سيكون من أبرز الداعين في مؤلفه هذا إلى الربط بين الفردانية وبين تحصيل الثروة والتملك وتحقيق السعادة. وستكون أطروحة آدم سميث في (ثروة الأمم) من أهم ما سيتعرف عليه وما سيدرسه طلاب الجامعات في أنحاء مختلفة من العالم في تخصص الإقتصاد. ولا شك في أنّ المنافسة، والتملك، وتكديس الثروة الفردية كشروط للسعادة، بحسب آدم سميث لن تتوافق على الإطلاق مع ما يجري في زيارة الأربعين، التي سيشعر المشاركون فيها من زوار أو ممن يخدمونهم بالسعادة لأسباب مغايرة لا علاقةلها لا بالتملك ولا بالمنافسة ولا بتكديس الثروة.
وفي شرحه لطبيعة هذا النظام ينفي(آدم سميث) أي بعدٍ إنساني أو خيري أو أخلاقي عن ما يقوم الأفراد؛ لأنّ الهدف العقلاني هو المصلحة الخاصة، أي الفردانية. وها هو يقول على سبيل المثال: «إنّنا لا نتوقع أنْ نحصل على طعامنا نتيجة نزعة الخير عند الجزار أو الخباز لكن من منطلق رغبتهما في تحقيق مصالحهما الخاصة، هذه المصلحة الذاتية العقلانية، هي التي يمكن أنْ تؤدي إلى تحقيق الرخاء الاقتصادي»[4].
ولكن ماذا لو كان هناك من لا يستطيع أنْ يدفع ثمن اللحم أو الخبز؟هل سيشعر الخبّاز أو الجزّار حينها بالسعادة؟ وماذا لو قرر الخبّاز الذي لا يعمل وفق نزعة الخير كما يفترض آدم سميث أنْ يعطي بعض الخبز مجانًا بسبب وجود نزعة الخير عنده؟ فهل سيؤدي هذا الأمر إلى منع تحقق الرخاء الإقتصادي، كما يفترض آدم سميث؟
إنّ ربط السعادة بتحقيق المصالح الخاصة كما يعتقد آدم سميث، هو الذي ينفي أي احتمال للفعل الانساني، كأن يعطي الخبّاز خبزًا لأناسٍ لا يملكون المال مثلًا، أو أنْ يفعل الجزّار ذلك، فهذا غير متوقعٍ أصلًا في فلسفة الفردانية، وسلوكياتها.
صحيح أنّ هذا التوجه هو توجّهٌ اقتصادي، لكنّه في الوقت نفسه هو توجّهٌ فكريّ وفلسفيّ واجتماعي. ولانستطيع منهجيًا أنْ نفصل في أيّ عملية اقتصادية تستهدف الربح، والتحفيز على التملك وتعطيم المنفعة والتملك، وبين أبعادها الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية.
عندما نقول إنّ السمة الأساس للرأسمالية حسب تعريفات المفكّرين الاقتصاديين هي الدافع الى تحقيق الربح، فهذه التعريفات بُنيت على فكرة أنّ هدف الانسان في هذه الحياة هو تحقيق الربح والمنفعة الشخصية وعلى هذه الفكرة بُنيت نظرية الرأسمالية، بل نظريات أخرى في العلوم الإنسانية أيضًا عدّت هدف الإنسان في الحياة هو المنفعة واللذة والربح، وهي التي ستبرر الفردانية التي سيتمحور حولها وجود هذا الإنسان وأولوياته في الحياة[5]. ومع تعاظم الفردانية ستتراجع بلا شكّ قيم التضحية والتطوع والقيم الانسانية والأخلاقية والمعنوية، كما ستتراجع معها حتى قيم الارتباط الأسري التي لم تعد ترى في هذا الارتباط سوى ضوابط وقيود تحدّ من الحرية الفردية للرجل والمرأة على حدٍّ سواء.
كيف تحوّل الإنسان إلى هذه الفردانية التي جعلت هدف الحياة هو الربح والتملك والاستهلاك والتي ربطتها نظرية سميث وسواه بالسعادة؟«دعه يعمل دعهيمر»، هي التي بررت الفردانية وشجعت عليها. «دعه يعمل دعه يمر»، تعني لا تسأله عن شيء، ولا تحاسبه، ولا تقل له ماذا تعمل، دعه يعمل سواء في أمور مقبولة أم غير مقبولة، أخلاقية أم غير أخلاقية، مفيدة أم غير مفيدة، «دعه يعمل دعه يمر» هذا الشعار يجسد الغاية التي هي الربح والربح فقط ؛ لذا بإمكان الإنسان أنْ يعمل ما يشاء، لا أحد يحاسبه، ولا أحد يتدخل في ما يعمل، أي أنت حر، تختار ما تريد. هذا النظام الاقتصادي هو نتاج تغيّر في الجانب الفكري والفلسفي والاجتماعي، وهو نتاج ما حصل في الغرب من تهميش الكنيسة واستبعاد الدين وكما يسميه البعض استضعاف الدين، كما كانالوضع في بلادنا قبل نصف قرن.
جاءت الرأسمالية بخلفياتها الفلسفية والاجتماعية لتقول إنّ الوعد الديني بالحياة الأخروية التي كانت تقدمه المسيحية والكنيسة، قد انتهى، وهو أصلًا لا وجود له، وإنّ الوعد الحقيقي هو في هذه الدنيا التي نعيشها، يعني لا تؤجل رغباتك، ولا تؤجل ما تحب أن تعمله، ولا تبذل أيّجهدٍ إلالتحقيق ما ينفعك ويحقق لك الملذات في هذه الدنيا. «وفي هذا المشهد الاقتصادي، لم تعد الأنانية والمادية تُرى كمشاكل أخلاقية، بل كأهداف جوهرية للحياة»[6].
ما سبق من معايير لتحقيق السعادة، وأهداف الحياة الجوهرية، يتعارض تمامًا مع ما يجري في أثناء زيارة الأربعين، وما يُقدّم فيها من خدماتٍ وما يتطلع إليه المشاركون في الزيارة ومن يقدّمون الخدمات إلى هؤلاء الزوّار، من أهدافٍ لا تمت بصلة إلى قيم المنفعة وتأجيل الرغبة، والتعلق بالتملك والربح .
إنّ (الأنا) وفردانيتها في ممارسات الأربعين تذوب تمامًا في الإنتماء إلى(الجماعة)، ليس من أجل تحقيق المنفعة الذاتية، بل من أجل الأجر والثواب والأمل بالشفاعة وتعظيمًا للإمام الحسين(عليه السلام)، من خلال خدمة الجماعة التي أتت لزيارته. أي أنّ (الأنا) تذوب في البعد المعنوي الإيماني المتعلق بالإمام الحسين(عليه السلام) عبر الخدمة التي تقدمها هذه (الأنا) لزوار الإمام.
إنّ المشقة التي تتسبب بها خدمة زوار الأربعين، هي التي تحقق السعادة والإطمئنان لمقدميها، لا تتفق على الإطلاق مع معايير السعادة الحداثية التي ربطت هذه السعادة بالتملك والاقتناء والتفاخر، وبتحقيق المنفعة الذاتية.
وخلافًا للفردية المطلقة «التي أدّت إلى التشظي اللامتناهي للعقائد، والتي حطّمت الإجماع الديني الضروري للسلام والوئام الاجتماعي، وأدّت إلى فقدان أوروبا لاتجاهها الأخلاقي..»[7]. تحولت زيارة الأربعين إلى وسيلةً للتضامن الاجتماعي والعقائدي، والإلتزام الأخلاقي، والانخراط في روح الجماعة وتقليص مساحة الفردانية والأنانية.
وفي كتابه عن (الثمن الباهظ للمادية) يقول تيم كاسر: «لقد تم إغراء عددٍ كبيرٍ منا بالإعتقاد أنّ امتلاك مزيدٍ من الثروة والممتلكات المادية أساسي للحياة الكريمة. لقد تشربنا فكرة أنّ الانسان، لكي يكون سعيدًا، يجب أنْ يكون ميسورًا أولًا. وقد تعلّم كثيرون منا عن وعي أو عن غير وعي، تقييم رفاهيتنا وإنجازاتنا ليس فقط من خلال النظر إلى الداخل إلى روحنا أو كمالنا، بل من خلالالنظر خارجيًا إلىما نملك وإلىما نقدر على شرائه. وعلى نحو مشابه، لقد تبنينا نظرةً كونيةً لا يُحكم فيها على قيمة ونجاح الآخرين من خلال حكمتهم الظاهرة ولطفهم، أو مساهماتهم الاجتماعية، بل من خلال الحكم على ما يملكون مثل الملابس المناسبة والسيارة المناسبة وبشكل عام الأشياء المناسبة...»[8].
ما يتحدث عنه (كاسر) من مواصفاتٍ لتحقيق السعادة مثل (الملابس والممتلكات المادية ، وعدم النظر إلى ما في داخلنا)، لا علاقة له بمعايير ما يجري في زيارة الأربعين التي يشعر فيها الناس بالسعادة من الزوار، وحتى ممّن يقدّمون لهم شتى الخدمات من خلال شعورهم الداخلي الباطني الذي لا يتعلّق بأيّ بعدٍ ماديّ أو شكلي، أو ملابسٍ مناسبة، أو أيّ مظهرٍ من المظاهر الاجتماعية، كما تفترض الحداثة الغربية.
كان هذا المنظور المادي الفرداني للسعادة بالتملك والنظر إلى الخارج، وليس إلى داخل الانسان، نتاج ما سبقت الإشارة إليه، عن عصر النهضة الأوروبية «الذي سيتقدم معه الإلحاد كخيار أقوى من الإيمان. هكذا أدخلت عقلية الفردانية العالم الغربي على وجه الخصوص في أزمة اكتئاب، وفقدان العلاقات الإنسانيّة الصادقة. هذه العقلية التي هي نتاج النهضة العلميّة والحداثة التكنولوجيّة قلبت أسلوب حياة الإنسان الغربي ومنهجه المعرفي رأسًا على عقب، فصار ضحيّة العلاقات السطحيّة، والتحلّل الأخلاقي، وثقافة الاستهلاك والاستبدال وغيرها من الأزمات الاجتماعية وروحيّة»[9].
وفي سياق هذا النقد لحداثة المجتمع الغربي يؤكّد (ألفن توفلر) أنّ «كلّ الجذور القديمة الثابتة كالدين، والأمّة، والمجتمع والأسرة، والمهنة تهتزّ الآن كلّها بقوّة تحت التأثير العاصف لدفعة التغيير المتسارعة»[10]. إنّ من أهم ما ينتقده (توفلر) في المجتمع الغربي هو تفشّي ثقافة الاستهلاك المادّيّة التي ولّدت بدورها ثقافة الاستبداليّة Replaceability، وعادة «التخلّص من الأشياء، حيث أصبح الإنسان المعاصر يستخدم الكثير من المنتجات التي يرميها بعد الاستعمال لمرّة واحدة، أو سرعان ما تنتهي صلاحيّتها. فلم يعُد الشخص يكتفي بالموجود وأصبح غارقًا في حالة (عدم الرضا)، وهو سببٌ آخر لتعاسة وكآبة الإنسان المعاصر. وهكذا يبقى الإنسان في دوّامة غير متناهيةٍ من الرغبات التي لا تشبعه. ولا يخفى أنّ هذه الدوامة بدورها تجرّ الإنسان لعدم الاستقرار النفسي وبالتالي توليد الاكتئاب[11].
لم تقتصر الفردانية على هذه الرغبة بالتملك أوبالاستهلاك لجلب السعادة، بل تحولت الفردانية إلى حالة من القطيعة مع الآخر الذي لم تعد الحياة معه ضرورية، وهذا ما يفسّر كيف تراجعت الرغبة في بناء حياة أسرية مع (الآخر)، بعدما باتت الأسرة عبئًا على فردانية كلّ طرفٍ فيها، وكذلك بات إنجاب الأولاد عبئًا إضافيًا؛ لأنّ حقيقة العيش مع الآخرين لا يُنظر إليها عمومًا على أنهّا ضرورية؛ لأنّها تتعارض من منظور الفردانية مع أنانية الإنسان، وهذا ما يجعل الانسان في حال صراعٍ دائمٍ مع الآخرين، الذين ينازعونه على الإمكانيات، وقد لخّص جان بول سارتر هذا الصراع بمقولته الشهيرة «الآخر هو الجحيم».
«إن مثل هذا الصنف من الفردانية، الذي يغيّب البعد المتسامي للإنسان... يقع على الطرف النقيض لأيّ غيريةٍ، وأيّ عقلانيةٍ حقيقية. وعندما بلغ اكتفاء (الأنا) بذاتها درجات الذروة، شكّلت السبب الحاسم للانحطاط الراهن للغرب»[12].
الأنموذج التراحمي في زيارة الأربعين
الآخر في الأربعين ليس (الجحيم)، وليس المنافِس على الربح وعلى المنفعة الشخصية، الآخر في الأربعين أنموذجٌ غير فريدٍ يتسابق فيه الأفراد والجماعات على خدمته، لطلب الرحمة والتقرب ونيل الأجر والثواب. هو نقيض الآخر في منظور سارتر وفردانية النظام الرأسمالي والقيم الاستهلاكية. هو الآخر من المنظور القرآني الذي جعل بين الناس توادًّا وتراحمًا مثل ما جعل بين أفراد الأسرة مودّةً ورحمة. الآخر هو أخ في الدين ونظير في الخلق كما قال الإمام علي(عليه السلام)، وليس جحيمًا.
إنّ زيارة الأربعين وما يجري فيها من عملٍ تطوعي فردي وجماعي، هو عملٌ لا يبغي الربح ولاالتنافس، ولا التباهي، ولا أيّ مقابلٍ مادي، وهو بالنسبة إلى من يقوم به سلوكٌ تعبدي للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ولنيل الأجر، من خلال خدمة ملايين الزوار الذين يتوجهون لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام). أي إنّ الثقافة التي تظلل هذا السلوك وتحثّ عليه هي ثقافةٌ إيمانيةٌ بسيطةُ غير معقّدةٍ تتصل بتقاليد وممارسات اجتماعية منغرسة في ثقافة العراقيين، لم تختف أو تزول، على الرغم مما أشرنا إليه من ظروفٍ صعبةٍ وقاسيةٍ عاشها العراقيون مع السلطات الحاكمة.
في الأربعين تختلف معايير السعادة تمامًا. السعيد هو من تمكّن من خدمة الزوار، وهو من استطاع أنْ يقدم هذه الخدمة إلى أوسع عددٍ ممكنٍ منهم، وكلٌّ بحسب استطاعته. ليس هناك معيار مادي لما يُقّدم، قد يكون كوبًا من الماء وقد يكون وجبة طعام، وقد يكون مكانًا للراحة أو للنوم. مقياس السعادة هنا هو الشعور بالرضا لتقديم الخدمة، والسعادة هي الشعور بالتقرب إلى الله بخدمة زوار الحسين(عليه السلام). إنّه شعور داخلي باطني معنوي لا يمكن قياسه، بالمعايير التجريبية التي ذهبت إليها معظم الدراسات في العلوم الاجتماعية والنفسية التي عرفتها المناهج الغربية في دراسة الإنسان وتفسير سلوكه في العلوم الانسانية.
لم يكن لمنطق الفردانية الحداثية، وإعلاء شأن الأنا، ولمنطق تمجيد المصلحة الذاتية، ونظريات الربح وتكديس الثروة وتقديس قيم التملك والاستهلاك، التي لا تجعل للحياة سوى هدف البحث عن المنفعة، كما قدمته التجربة الحضارية الغربية خلال مائتي عام، أنْ يُحيط بمثل هذا العمل التطوعي التعبدي الذي ينفي عن الفعل الإنساني أيّ هدفٍ لجني المال أو تحقيق الربح أو التنافس. فما تأسست عليه هذه الفردانية الحداثية هو نتاج منطق مغاير تمامًا لمنطق التعبد والتطوع وخدمة الناس (الزوار) من دون توقع أي مقابل.
إنّ جوهر ما يجري في زيارة الأربعين، يقوم على العمل التطوعي، والخدمة المجانية للزوّار. ومثل هذا العمل في خدمة ملايين الأشخاص في وقتٍ واحد، ومن دون أيّ مصلحة، أو رغبةٍ في ربح، أو في منفعةٍ ماديةٍ لن نجد له مثيلًا في التاريخ المعاصر، وربما حتى في التاريخ الإنساني.
ولا شك في أنّ مثل هذا العمل يترك أثرًا مهمًا في نفس المشارك المتطوع على مستوى ترفعه عن (الأنا)، فهو لا ينتظر تقديرًا من أحد، ولا يتوقع ربحًا. بل على العكس هو يبذل ممّا يملك. والهدف هو هدف معنوي يتصل بما يتطلع إليه من أجرٍ وثوابٍ على المستوى الديني؛ لأنّ أصل هذه الخدمة التطوعية التي قام بها وحصل عليها الزوار إنّما كانت من أجل الهدف الذي أتوا من أجله وهو زيارة الامام الحسين(عليه السلام).
كما أنّ الزائر نفسه الذي يحصل على كلّ هذا الاهتمام والرعاية وحسن الاستقبال والود، ويرى بأم العين كيف يتنافس العراقيون على خدمته، من دون أيّ مقابلٍ مادي، ومن أجل هدف (مؤجّل) هو الأجر والثواب، سيصبح بلا شك، أكثر استعدادًا لتقبّل المشاركة بدوره في العمل التطوعي مستقبلًا، وفي أي عملٍ يمكن أنْ يحقق خدمة للناس وللمحتاجين في بلده وليس بالضرورة أنْ يكون ذلك في زيارة الاربعين فقط. وهذا يتعارض تمامًا مع تلك التوجهات التي تؤكّد على أولوية الفردانية وعلى حبّ الذات التي تبشر بها وتروج لها أدبيات الحداثة المختلفة.
إنّ ما يجري في زيارة الأربعين يتناقض تمامًا مع ما يجري في ما نسميه (مجتمع السوق) المجتمع الأربعيني يسهم في خلق (المجتمع التراحمي)، وهو نقيض (مجتمع السوق). هذا المجتمع هو مجتمع يحكم على أعضائه باعتبارهم مُستهلكين في المقام الأول، بل في المقام الأول والأخير. إنّه مجتمعٌ لا يرى الإنسان إلا مجموعة من الحاجات المادية البسيطة المجردة التي تحددها الاحتكارات وشركات الإعلانات والأزياء وفكرة تعظيم لذّة المستهلك وزيادة أرباح الشركات»[13]. هذا المجتمع يَحكم على أعضائه ويقيّمهم بما لديهم من قدرةٍ استهلاكيةٍ وما يتبعونه من سلوكٍ استهلاكي. وهذه هي سمات(مجتمع الاستهلاك) الذي لا يعترف بقيم البساطة، والإكتفاء، والقناعة، وعدم الإسراف.
إنّ الثقافة التي تفضّل البعد الاقتصادي على أيّ بعدٍ آخر تربوي أو نفسي أو أمومي، والثقافة التي تقيّم عمل المرأة وتحدد قيمتها بما تنتجه من مالٍ، وتعدّ عملها المنزلي الأمومي بلا قيمة (غير منتج) هي في الواقع ثقافة الشركات والمؤسسات وثقافة السوق والعرض والطلب «التي أعادت صياغة الإنسان ذاته في ضوء معايير المنفعة المادية والجدوى الاقتصادية، وهو عنصر أساسي في منظومة الحداثة الغربية، زاد معه تسلّع الإنسان وتشيؤه (ما يعني إزاحته عن المركز على أنْ تحل السلع والأشياء محله). وتزايدت هيمنة القيم البرّانية المادية مثل: الكفاءة في العمل في الحياة العامة مع إهمال الحياة الخاصة، والاهتمام بالمرأة العاملة (البرّانية) مع إهمال دور المرأة الأم (الجوّانية)، والاهتمام بالإنتاجية على حساب القيم الأخلاقية والاجتماعية الأساسية (مثل تماسك الأسرة وحق الأطفال في توفير الطمأنينة لهم)، واقتحام وسائل الإعلام وقطاع اللذة مجال الحياة الخاصة، وإسقاط أهمية الإحساس بالأمن النفسي الداخلي، وإسقاط أهمية فكرة المعنى باعتبارها فكرة ليست كمّية أو مادية...» [14].
بل سينشأ علمٌ خاصٌّ لهذا التحريض على الشراء، سيربط بين الشراء والتملك وبين السعادة هو (علم اقتصاد السعادة) وسيوظّف عدد متزايد من الشركات (مديرين للسعادة)، وستنشأ تخصصات أكاديمية مثل (علم نفس المستهلك) من أجل فهم كيفية استجابة الإفراد وانفعالاتهم لإعلانات مختلفة. «ولو أرّخنا لبداية علم النفس الحديث بالعام 1879، فما هي إلا عشرون عامًا أخرى قبل نشوء حقل (علم نفس المستهلك).. وبالتالي نحن بحاجة إلى فحص تاريخ علم النفس والنزعة الإستهلاكية باعتبارهما مشروعين متشابكين»... وقد أسفر الكثير من التقدم التقني عن طفرة علمية داخل منظومة أبحاث السوق» على أساس «أنّ الاستهلاك هو ما يولد الرفاهية العقلية العظمى»[15].
قدّمت الحداثةَ نفسها بديلًا من مَمْنُوعاتِ الدِّين، ومن تأجيلِ الرَّغبات، واختصرت معنى الوجود في السَّعادة الآنيَّة، وليس في أيِّ توقُّع آخر غيبيّ، أو ما بعد دنيويّ لتلك السَّعادة.ولعلّ هذا ما قصده نيتشه عندما قال: «لقد خطونا نحو عصر الظُّلمة الّذي لم يهرّب الآلهة فحسب»؛ بل أمات بارقة النُّور الإلهيّ في التَّاريخ... لقد حلّ «عصر انحطاط المعنويَّة»، وهيمنت الموضوعات الكمِّيَّة على الهواجس النَّوعيَّة، وتحوّلت كلّ الحياة إلى معادلةٍ اقتصاديَّةٍ نفعيَّةٍ. إنَّ الإنسان الحالي ينزلق من أزمةٍ إلى أزمةٍ؛ إنّ العصر الحديث هو «عصر نسيان الوجود». لقد تشكّل «عصر بلا فكرٍ تمامًا». إنّه «عصر اللَّامعنى والعدميَّة»[16].
إنّ هذه الزيارة تقدّم أنموذجًا يتعارض تمامًا مع كلّ ما أنتجته الحداثة من قيمٍ ومفاهيم في العلاقات الانسانية، التي تراجعت تقنيات التواصل الحديثة على المستويات العاطفية والانفعالية. كماتراجعت كل الأفكار عن التسامح والتعاون ومدّ يد العون للضعيف وللفقير. باتت مؤسسات العولمة الدولية لا تعطي قروضًا إلّا إذا رفعت الحكومات المستدينة الدعم عن خبز الفقراء وطبابتهم ومساعداتهم الاجتماعية. أما ما يمكن أنْ يحدث بعد ذلك من توتّراتٍ اجتماعية ومن تدهورٍ في حياة الناس، وما يمكن أنْ يصيبهم من أمراضٍ ومن عجزٍ عن معالجة هذه الأمراض فلا أحد يهتم، فهذه ليست مشكلة البنوك الدولية. باتت العولمة الحداثية تقول للحكومات إنّ على كلّ فردٍ أنْ يتحمل وحده مسؤولية شيخوخته وصحته وتعليم أولاده. أرادت هذه الحداثية العولميّة بما أنتجته من قيمٍ ثقافيةٍ واجتماعية، ومن قوانين وشروط اقتصادية، أنْ تقضي لا على أيّ سياسةٍ تهدف الى تحقيق التضامن الرعائي من الجانب الحكومي فحسب، بل حتى على أيّ تفكيرٍ فرديّ بمثل هذا التضامن مع الآخر. وقد انسحب هذا النوع من التفكير والتراجع عن خدمة الآخر على قطاعاتٍ واسعةٍ من المفكّرين والباحثين، وحتى على كثيرٍ من المؤسّسات المعنية بمثل هذه القضايا.
لم يعدّ مقبولًا بالنسبة الى مؤسسات العولمة أنْ ينتظر أحدٌ أحدًا. الضعيف ينسحب من السباق. في المدرسة يجب أنْ نفصل المتفوقين عن الطلاب العاديين، وأنْ نعزل ذوي المستويات الدنيا؛ أي لا يجب أنْ تتعايش في صفٍ واحدٍ ومكانٍ واحدٍ قدرات مختلفة. إنّه منطق المصنع والمصرف الذي انسحب على المؤسسات الأخرى. لا يمكن الصبر على الضعيف لكي يتحسن ويتقدّم. ولا يمكن للقوي والمقتدر أنْ يمدّ يد المساعدة لمن يحتاجها حتى يواصل الجميع بقدراتهم وطاقاتهم المختلفة معًا في المدرسة أو في المصنع أو في أيّ مكانٍ آخر يلتقي فيه الناس.
وفي البيت بات عاديًّا أنْ يعيش المسنون خارج أسرهم، في أماكن خاصّة بهم؛ لأنّ وجودهم يعيق حركة الأبناء من النساء والرجال عن الذهاب الى العمل وفي تحصيل المال الذي بات أهم من برّ الوالدين. لقد فككت قيم الحداثة العلاقات العائلية، وعلاقات التضحية والوفاء، وعلاقات التضامن والتماسك التي يعيش في ظلها أفراد الأسرة من الفئات العمرية كافة: الطفل والشاب والمسن والحفيد والقريب. انصرف الناس الى شؤونهم الفردية الخاصة. باتت هذه ثقافة تنتشر بقوةٍ وتكاد تصبح ثقافة عادية وطبيعية، ويصبح الاعتراض عليها مستغربًا.
«فتاريخ الحداثة الغربية، كما يقول زيغمونت باومن، هو تاريخ صعود النزعة الفردانية في مجتمعات الغرب، وصولًا إلى ما يسميه باومان بمجتمع الأفراد. إذ أصبح البشر أحرارًا من الداخل، ليس فقط في قبول الحقيقة الإلهية كما عند مارتن لوثر أو في الاختيار الأخلاقي عند كانط، بل أيضا أحرارًا في خلق القيم والأخلاق ذاتها من دون أيّ مرجعيةٍ مجتمعيةٍ أو سياسيةٍ أو دينية. لقد باتت النزعة الفردانية التي خلقت الغرب الحديث الليبرالي كما نعرفه اليوم، وحشًا منفلتًا لا عقال له، وتحطم في طريقها جميع شبكات الأمان والتضامن الاجتماعي والفعالية السياسية، وتخلق في المقابل شعورًا مؤلمًا وحادًا بالعزلة والهشاشة والخوف، كتتويج أخير وتراجيدي لمسيرة الفردانية الغربية...»[17].
قلبت زيارة الأربعين هذه المقاييس كلّها. في زيارة الأربعين الناس لا تعرف بعضها، لكنها تسعى نحو هدفٍ واحدٍ، وتسير في طريقٍ واحد. ولا أحدٌ يريد بدلًا أومقابلًا ماديًا لقاء ما يقدمه من خدمات لهؤلاء القادمين من انحاء العالم كافة. ما يجري هنا هو ما يتطلع إليه القرآن الكريم، في الكثير من آياته، من حثٍّ على استباق الخيرات، ومن ربط الإيمان بالعمل الصالح.
هذا المنطق (التراحمي) يخالف كلّ ما انتجته الحداثة من قيم الربح والخسارة ومن قيم الحرص والتنافس، ومن عدّ الربح المادي قيمةً لا تعلوها قيمة. هنا الأمور معكوسة تمامًا؛ التنافس هو لخدمة الزوّار، وليس لتحقيق الربح. السرعة المطلوبة هي في توفير ما يحتاجه الزائر لكي يشعر بالأمان والاطمئنان، وليس لتحقيق أيّ عائدٍ للطرف المقابل.
إن البعد الايماني الديني هو نقيض تلك القيم كلّها التي لا ترى في الآخر إّلا مستهلكًا أوهدفًا لجني المال. في زيارة الأربعين التنافس له بعده الإيجابي. فهو ليس لإقصاء أيّ أحدٍ بل للمسارعة إلى خدمة الضيوف القادمين من شتى الأنحاء. منطق الأمورهنا مختلف تمامًا. نحن هنا أمام سلوك (تراحمي) يستند الى منطق لا تعرفه العولمة ولا الحداثة ومؤسساتها وقيمها. هذا المنطق يتصل بالرغبة في تحصيل الأجر والثواب، وفي التطلع الى (خدمة زوار الحسين). الهدف هو الحسين من خلال زوّاره. وهدف الثورة الحسينية لم يكن شخصيًا ولا يبحث عن منفعة فردية أو أسرية، بل كان هدفًا إنسانيًا قرآنيًا لطلب الإصلاح، ومواجهة الفساد والإنحراف. وما بذله الإمام الحسين كان ذروة التفاني في سبيل قضية سامية. نحن هنا أمام مدرسةٍ لها خصوصيتها في مبادئها وأصولها وبرامجها وأهدافها وفي النتائج التي يطمح الناس في الوصول اليها[18].
ويعد (المجتمع التراحمي) الذي يتشكل دوريًا في زيارة الأربعين هو المجتمع الذي يقدم أنموذجًا لعلاقات إنسانية غير مادية بين الأفراد، ولا تقوم على مجرد المنفعة، فهي مثل ما كانت أهداف الإمام الحسين، والثورة العاشورائية. وعلاقات المجتمع التراحمي ليست علاقات عقلانية مجردة، تخضع لحسابات تعاقدية محضة (أنْ يبحث الإمام الحسين عن مصلحته الذاتية، أو أنْ يرحل أتباعه وينصرفوا عنه حماية لأنفسهم ولمنفعتهم الخاصة والشخصية). والتراحم بهذا المعنى هو أبعد ما يكون عن الفردانية والذاتية بل هو يذهب في اتجاه معاكس تمامًا عندما يتحقق من خلال التعاون والإيثار. وهذاما يحصل تمامًا في زيارة الأربعين.
فكرة الحق الفردي والفردانية، وهي أساس الحالة التعاقدية، قلبت العلاقات الاجتماعية والأسرية رأسًا على عقب. فالمرأة هي ذلك الفرد وليس العضو في أسرة، والأمومة، حالة غير منتجة ماديًا ولا تتفق مع التعاقد، والعمل المنزلي لا قيمة له وليس (عملًا)؛ لأنّه من دون مقابل، ما يعني أنّه لا يتفق مع الحالة التعاقدية[19]. ما يحوّل العلاقات الأسرية إلى علاقات تناحرية وتنافسية، تغيب عنها قيم التواد والرحمة والتعاطف، في حين أنّ العلاقات الأسرية من منظور القرآن الكريم ينبغي أنْ تكون علاقات تراحمية بين الزوجين أنفسهم، وبين الأبناء والآباء؛ لأنّ الأسرة هي أساس الاجتماع الانساني. فقد جاءفي سورة الروم: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾[20].
أما في طبيعة العلاقة التراحميّة المطلوبة بين الأبناء والآباء، فيأمر القرآن الكريم الأبناء حتى بعدم التأفف في التعامل مع الوالدين، كما تنص على ذلك الآية الكريمة: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (الإسراء: 2325).
والعلاقات في الأنموذج التراحمي لا تُختصر ببعدها الأسري كما جاء في الآيات السابقة، بل تمتد هذه العلاقات إلى المجتمع الأوسع الذي لا يعظّم قيم التملك والاقتناء والاستهلاك، بل يحثّ على الإنفاق وعلى عدم التشدد في إقتناء المال والثروة ، وعلى ذمّ (الذين يكنزون الذهب والفضة) ولا ينفقونها على الناس والمحتاجين وفي سبيل الله. إنّها رؤيةٌ حضاريةٌ وإنسانيةٌ مختلفةٌ كليًا، سوف يكون ما يجري في زيارة الأربعين أكثر انسجامًا مع هذه الرؤية القرآنية للإنفاق مما يُحب الإنسان، تجاه أخيه الإنسان.وسنلاحظ في سورة البقرة في القرآن الكريم كيفية تنظيم هذا الإنفاق في الآية 177 : ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾[21].
هذا الإنفاق يجب أنْ يبدأ بذوي القربى، ثم اليتامى، ثم المساكين، ثم أبناء السبيل، ثم السائلين، وصولًا إلى من هم في الرقاب. هذا الإنفاق التراحمي يمتد إلى معظم أفراد المجتمع، ولا يقتصر على الأقارب فقط. وكذلك في الأربعين لا تتوجه الخدمة أصلًا (وهي بمنزلة إنفاق) على الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران، بل تستهدف هذه الخدمة أصلًا الزوار كافة، بغض النظرعن هويتهم الاجتماعية، أو جنسيّتهم. وهذا جوهر «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم».
تُقدّم زيارة الأربعين أنموذجًا أخلاقيًا اجتماعيًا استثنائيًا. فمن يشارك فيها وفي إدراة عملياتها كافة وفي تنظيم برامجها هم فئات الشعب كافة. ليس هناك متخصّصون وخبراء. وليس هناك رئيس أو زعيم أو مدير. وهذا شيء غريب في التعامل مع حشود تعد بالملايين. في كلّ بلاد العالم تحتاج مثل هذه الحشود إلى الآف العناصر للحماية ولحفظ الأمن ولمنع التصادم والاعتداءات. لكن في (ثقافة الاربعين) يتحول الجميع، لا فرق بين غني وفقير، أو بين مسؤول وغير مسؤول الى (خدّام). والخدّام ظاهرة تعرفها المقامات في إيران والعراق بشكل خاص عندما يتطوع شخصيات حتى من مواقع اجتماعية وثقافية عليا، ويحجزوا وقتًا لهم ليتمكنوا من خدمة الزوار، أو حتى لتنظيف ومسح أرضية هذه المقامات، والهدف هو التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ونيل الأجر والثواب من خلال خدمة الزوار في هذه المقامات. وهذا جوهر ما يتكرر في زيارة الأربعين.
وربما هذه هي المدرسة أو الظاهرة الوحيدة في العالم التي يتنافس فيها الناس لكي يكونوا في مواقع الخدمة، وليس في مواقع الرئاسة أوالزعامة أو الإمرة على الآخرين.
إنّ وجود مشاركين في زيارة الأربعين من مستوياتٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ واقتصاديةٍ مختلفةٍ على قدم المساواة في المشقة وفي الحصول على الاهتمام والخدمة سوف يترك بلا شكّ تأثيراتٍ نفسيةً وثقافيةً مهمةً خصوصًا لدى الفئات الاجتماعية العليا أو المقتدرين ماديًا واقتصاديًا لجهة التخفف المعنوي والمادي من متعلقات هذا المنصب أو تلك القدرة، أو لجهة الشعور بالتضامن والتساوي مع الآخرين في المواقع الآخرى الأضعف أو الأقل قدرة. وهذا يضفي على هذه الممارسة ذات الهدف الديني بعدًا اجتماعيًا تضامنيًا مهمًّا، قد لا نلحظه في أيّ ممارسةٍ أخرى.
والمقصود هنا هو التغيير المتوقع الذي سيحصل لهؤلاء المشاركين على مستوى السلوك الاندماجي التشاركي في المجتمع، والذي سوف يؤدي لاحقًا إذا توفرت له الظروف المناسبة، والبرامج الارشادية والدورات التدريبية الى تحوّلٍ ثقافيّ عميقٍ في العلاقات الاجتماعية والانسانية التضامنية في المجتمع. خصوصًا إنّنا أحوج ما نكون الى هذا السلوك التطوعي والتضامني في كثيرٍ من بلداننا العربية والاسلامية التي تعاني من ويلات الحروب وتداعياتها الأسرية والاجتماعية والنفسية.
في هذه الثقافة الأربعينية تتفاعل وتتوحّد كلّ أنواع الانتماء العشائري والاجتماعي والمناطقي على مستوى العراق. أي أنّ ما تفرقه السياسات والمصالح والخلافات في الحياة اليومية تجمعه زيارة الأربعين، ولو الى حين. وفي هذه المدرسة تتفاعل من خارج العراق كلّ الانتماءات العرقية والجغرافية بحيث تتحول الى ما يشبه ( الحجّ) المصغّر، وإنْ كانت أعداد المشاركين تفوق بأضعاف أعداد الحجيج الى بيت الله الحرام. وفي مثل هذه المناسبة، وفي مثل هذه المدرسة ستكون فرصة التعرف على ما يجري في بلاد العرب والمسلمين أوسع وأسهل، من خلال التواصل والنقاش الحر مع زوار تلك البلاد.
إنّ إحياء الأربعين ومشاركة الملايين في المسيرات الى كربلاء لغايات الأجر والثواب وإحياء الأمر (أحيوا أمرنا) له تلك التداعيات الاجتماعية والتربوية والثقافية المهمة. وهي فرصةٌ غير مسبوقةٍ في أيّ مجتمعٍ لتطوير الوعي التطوعي الاجتماعي، ولإذابة الفروق العرقية والاجتماعية والمناطقية، من دون توقع أيّ أجر، أو أيّ مقابل مادي. وتستحق هذه الزيارة وما يجري فيها إعادة النظر في بعض التعريفات السوسيولوجية النمطيّة التي تسم المجتمع التقليدي بالتخلف والحديث بالمتقدم.
إنّ كلّ ما يجري في زيارة الأربعين السنوية يسمح بأنْ نعدّها أنموذجًا عن مجتمع تراحمي أراده الله سبحانه وتعالى بين الناس وطلب منهم أنْ يعملوا من أجله ليس على المستوى الأسري فقط ﴿وجعلنا بينكم مودة ورحمة﴾، بل وعلى المستوى الاجتماعي أيضًا«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم». وما يجري في هذه الزيارة يتيح للمشاركين فيها كافة الاستفادة من تلك القيم الثقافية والمعنوية والأخلاقية التي أنتجتها عاشوراء. إنّها فرصةٌ استثنائيةٌ تتكرر كلّ عامٍ يجتمع فيها الناس من كلّ المشارب والأقطار. وعندما يعود من شارك في هذه الزيارة الى بلده والى مجتمعه، سوف يحمل معه في قلبه وعقله وفي جدانه، ما لقيه، وما شاهده من قيمٍ ومن سلوكيات التضحية، والصبر، والتعاون، والتحمل، والوفاء... وتقدّم الأربعين أنموذجها الأخلاقي وقيمها الثقافية التراحمية، المستمدة من مضامين الثورة العاشورائية ومن النصوص القرآنية، والتي تُعيد، خلافًا للحداثة وفردانيتها، وصل ما انقطع بين أبعاد الانسان الدينية والاجتماعية، والروحية، والمعنوية.
المصادر
باومن، زيغمونت، الحداثة السائلة، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2016 .
برمان، موريس، انحطاط الحضارة الأميركيّة، ترجمة: حسين الشوفي، ط١، بیروت، دار المدى للثقافة والنشر، ٢٠١٠.
تقرير «التكنولوجيات والقيم، الأثر على الشباب»، صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المملكة المغربية، عدد 31 /2017.
توفلر، ألفن صدمة المستقبل، ترجمة: محمد علي ناصف، ط٢، القاهرة، مكتبة الاسكندريّة، 1990.
جرادي، شفيق، الشعائر الحسينية من المظلومية الى النهوض، سلسلة أدبيات النهوض، بیروت، معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية.
روزنبلات، روجر، ثقافة الاستهلاك والحضارة والسعي وراء السعادة، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2011.
ريشار، يان، الاسلام الشيعي، بیروت، دار عطية للطباعة والنشر والتوزيع، 2009.
سميث، آدم، ثروة الأمم، بغداد، معهد الدراسات الاستراتيجية، د.ت.
عتريسي، طلال، الجندر المخادع، بیروت، جامعة المعارف، 2023.
عتريسي، طلال، العلوم الانسانية الغربية وليدة القطيعة الحداثيّة مع الدين، بیروت، مجلة جامعة المعارف، عدد 4/2021 .
كاسر، تيم، الثمن الباهظ للمادية، المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية، بيروت، 2017.
مجموعة باحثين، جوهر الغرب، دراسة نقدية في المباني التأسيسية للحضارة الحديثة، بیروت، المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية، 2022 .
المسيري، عبد الوهاب، قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى، ط2، القاهرة، دار نهضة مصر، 2011 .
اليعقوبي، حاتم كريم، «ثورة الإمام الحسين في منظور نخبةمن المستشرقين»، مجلة دراسات استشراقية، عدد 12 صيف 2017 تصدر عن المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية، العتبة العباسية المقدسة.
Berman، Morris، The Reenchantment of the World، Cornell University Press، 2nd Edition، 1998.
----------------------------------------
[1]. راجع على سبيل المثال كتابريشار، يان، الإسلام الشيعي، وكذلك مقالة حاتماليعقوبي، كريم، «ثورة الإمام الحسين في منظور نخبةمن المستشرقين».
[2]. راجع على سبيل المثال تقرير «التكنولوجيات والقيم، الأثر على الشباب»، صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المملكة المغربية، عدد 31 /2017.
[3]. عتريسي، طلال، الجندر المخادع،183.
[4]. سميث، آدم، ثروة الأمم، 200.
[5]. روزنبلات، روجر، ثقافة الاستهلاك والحضارة والسعي وراءالسعادة،8 و27.
[6]. كاسر، تيم، الثمن الباهظ للمادية، مقدمة الكتاب.
[7]. مجموعة باحثين، جوهر الغرب،535.
[8]. كاسر، تيم، الثمن الباهظ للمادية، 9.
[9]. Morris Berman, The Reenchantment of the World, 12.
راجع أيضًا ، برمان، موريس، انحطاط الحضارة الأميركيّة.
[10]. توفلر، ألفن، صدمة المستقبل،10.
[11]. م.ن، 51و54.
[12]. مجموعة باحثين، جوهر الغرب، 568 و571.
[13]. المسيري، عبد الوهاب، «قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى»،12.
[14]. عتريسي، طلال، الجندر المخادع، 181.
[15]. روزنبلات، روجر، ثقافة الاستهلاك والحضارة والسعي وراء السعادة، 1415.
[16]. عتريسي ، طلال، «العلوم الانسانية الغربية وليدة القطيعة الحداثيّة مع الدين»، 3031.
[17]. باومن، زيغمونت، «الحداثة السائلة».
[18]. جرادي، شفيق، الشعائر الحسينية من المظلومية الى النهوض،13 و17.
[19]. عتريسي، طلال، الجندر المخادع، 167.
[20]. الروم/ 20.
[21]. البقره/ 177.