محتويات العدد
■ الغدير و أنثروبولوجيا العِمّة بحثٌ في الرمزيّة السياسيّة للعمّة وصلتها بخلافة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)
الشيخ الدكتور محمد شقير
■ سبل التحصين العقدي ودور الانتماء إلى أهل البيت (عليهم السلام) في تحصيلها « دراسةٌ في الأسس والمباني »
الدكتور الشيخ لقاء الكعبي
■ أَلْفَاْظُ الْطَّبِيْعَةِ فِيْ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ « دِرَاْسَةٌ فِيْ الْبُعْدَيِنِ الْدَّلَاْلِيّ وَالْعَقَدِيّ »
الدكتور أَحمَد مُوَفق مَهدِيّ
■ زيارة الأربعين أنموذجٌ لمجتمع تراحمي نقيض الفردانية الحداثية
الدكتور طلال عتريسي
الدراسات و التحقيق
■ مولد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وشهادته
الشيخ محمد باقر ملكيان
■ نقد الإلحاد المعاصر(الحلقة الثانية)
الشيخ علي ديلان
بسم الله الرحمن الرحيم
افتتاحية العدد
الغدير مشروع لدوام الإسلام الأصيل
اتسمت الأممُ السالفةُ بتحريفها للكتبِ السماويّةِ السابقة وشرائعِ الرسل المبعوثين إليهم، فهي سنّة تاريخيّة نصّ عليها القرآن بقوله تعالى: (...مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ...)[1]. مما يشوّهُ الرؤيّةِ الدينيّة، وتبدّلُ الصورةِ الأصليّةِ للدين، وضياع أهدافه ومقاصده، فيتحول من دين إلهي إلى أفكار بشرية أيديولوجية؛ ولهذا تبرز الحاجةُ إلى تصحيح الانحراف فيبعثُ اللهُ تعالى الأنبياءَ، ويرسلُ الرسلَ، ليُعيدوا حركةَ الدين إلى مسارها السليم، ويحيوا ما انطمسَ من معالمِه، ويأخذوا بأيدي الناس إلى الصراط المستقيم.
وقد أخبرَ النبيُّ محمدٌّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، أصحابَه بأنّهم سائرونَ على سننِ من قبلهم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ، فروي عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّه قَال: «لتركبن سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ولا تخطئون طريقتهم شبر بشبر وذراع بذراع وباع بباع حتى أن لو كان من قبلكم دخل جحر ضب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى تعني يا رسول الله؟ قال: فمن أعني »[2]. ولعلّ أبرز السنن الماضية لليهود والنصارى هي التحريف والانقلاب والتمرد، ولمّا كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء والمرسلين؛ فلا نبيَّ بعده ليصحح ما ستقع فيه أمّته ويطال شريعته؛ ههنا وبالذات تنبعث الحاجة والضرورة إلى من يقوم بتلك المهمّة الخطيرة، من دون أن يكون نبيًّا؛ لكن ينبغي أن يكون علمه إلهيًّا، وليس مجتهدًا متأوّلًا كغيره؛ وإلّا نُقض الغرض. وقد عمل النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) على تربية ذلك البديل الإلهي، وأولاه بالرعاية والتربية والتعليم، وقد بيّن للمسلمين مناقبه وفضائله الفريدة في أحاديث عديدة، ومناسبات مختلفة ممّا يجعله صالحًا لتلك المهمّة المنوطة به، حتّى جاء الأمر الإلهي بأن يصدح بذلك من دون لبس فكان أن تُوّج عليّ (عليه السلام) بالخلافة والولاية في غدير خم.
إذ حملت الإجراءات العملية التي قام بها رسول الله دلالاتٍ بيّنةً مهّدت لعملية نقل الخلافة الإلهيّة إلى الإمام علي (عليه السلام) من بعده، مثل حديث الدار، وخلافته في تبوك على المدينة، و نيابته في اليمن، و تبليغ سورة التوبة، حتى تجلّت تلك الاجراءات أوضح ما تجلّت في واقعة الغدير القائمة على قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ... ) [3]، إذ بلّغ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يُراد منه في النصّ الكريم بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((من كنتُ مَوْلاهُ فعلِيٌّ مَوْلاه)) [4]، فهنا تمت عرى هذا التلازم بين تبليغ ما أُنزل إليه بشأن الولاية و تبليغ عموم الرسالة؛ فجُعلت الولاية الإلهية التي أرادها النصّ الكريم مساويةً لتبليغه الرسالة؛ إذ بها أكمل الله لعباده الدين، وأتمّ عليهم النعمة، ورضي لهم الإسلامَ دينًا كامل الأركان: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[5].
ويُتجلّى في تبليغ الرسول ((من كنتُ مَوْلاهُ فعلِيٌّ مَوْلاه)) نقلُ قيادة مشروع النبيّ إلى الإمام علي، ومنحه المرجعية الدينية والفكرية والسياسيّة على الأمّة بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن ثم التأسيس لمجموعةٍ ذات سماتٍ يكون الإيمان بها والعمل على وفقهًا تحقيقاً لتلك الموالاة التي نادى بها النبيّ في حديثه؛ لتأخذ نموّها عبر التحوّلات التأريخيّة والمحافظة عليها من قبل قادة الدين حتى تتمظهر كتلة واحدة يكون الانتماء إليها حكايةً عن الالتزام بمجموعة الخصائص والأهداف الرسالية التي جاء بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وترجمه للناس عمليًّا الأئمّة المعصومون (عليهم السلام)بعده.
وإنّ الالتزام بهذه الخصائص والأهداف النبويّة – وهي سُنّة النبي- تحقق للإنسان قيمته وذاته وكماله من غير أنْ يقيم عليها شرطًا أو جزاءً، بل لشعوره العقائدي وإيمانه بأنّها سبيل للكمال والنجاة، تلك الالتزامات مجموعة هي عينها الانتماء الديني في الفكر الإمامي المعبّر عن هويته وخصائصه شريطة أنْ يكون تمسّكًا بمجموع ما جاء به النبيُّ والأئمّةُ (عليهم السلام) بنحوٍ غير قابل للتجزئة، فهو الارتباط الكلي والصلة الوثيقة التي أرادها رسول الله من قوله (فعلِيٌّ مَولاه) بكلّ ما يحمل النصّ من إطلاق وشمولية عابر للزمن والكيفية، حتى يكون الانتماءُ الإيمانَ المجموعي بهم، وبما يحملون، من الإمام علي حتى المهدي.
يأتي العدد الواحد والثلاثون من مجلة العقيدة الصادرة عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية حاملًا بين طيّاته مباحث تعنى بهذا الشأن، فصُدِّر ببحثٍ حول (الغدير وأنثروبولوجيا العِمّة)، يبيّن أحد إجراءات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عملية نقل الخلافة للإمام علي (عليه السلام)، باحثاً حول رمزيّة العمّة في البعد السياسي على الرئاسة والاستخلاف على الأمّة من بعده.
ثم يعقبه بحثٌ في ( سبل التحصين العقدي ودور الانتماء إلى أهل البيت في تحصيلها )، يتناول دورَ الوعي في مواجهة الضلالة، وبيانَ أنّ الانتماء الواعي عن بصيرةٍ من شأنه المحافظة على سلامة العقيدة.
وفي العدد بحوثٌ كلاميّةٌ أُخر تأتي في السياق نفسه، منها بحثٌ حول خطبة الزهراء بعد شهادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ويُختتم العدد بالحلقة الثانية من بحث (الإلحاد المعاصر) مناقشًا وناقدًا أبرز آراء قادته وموضوعاته.
نأمل أنْ تُقدّم أبحاث هذا العدد منفعةً معرفيّةً للقرّاء الكرام وعقيدتهم. واللهُ وليُّ التوفيق.
-----------------------
[1] سورة النساء: 46.
[2] القمي، علي بن ابراهيم، تفسير القمي، 2/413 .
[3] المائدة: 3.
[4] الصدوق، الخصال 572 / ح1 .
[5] المائدة: 67.