البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مدرسة قمّ الكلاميّة

الباحث :  السيد حسن الطالقاني
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  26
السنة :  شتاء 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  March / 1 / 2023
عدد زيارات البحث :  617
تحميل  ( 1.295 MB )
الملخّص
يمكن تحديد بعض المدارس في تاريخ كلام الإماميّة؛ حيث لـ "الكلام" في أكثرها مكانة مرموقة وممتازة، وإن ‏دور هذه المدارس في تاريخ كلام الإماميّة واضح وغنيّ عن الاستدلال. بيد أن مدرسة قم ـ من بين هذه ‏المدارس ـ قلّما كانت تُعرف بالكلام، وإنما كانت معروفة على أساس صبغتها الغالبة في الاتجاه إلى الرواية ‏والحديث، بل ومعارضتها للكلام أيضاً.  ومن هنا فقد تمّت الغفلة في دراسة تاريخ كلام الإمامية، عن ذكر ‏شخصيات وتراث هذه المدرسة الفكرية، ودور ذلك في التفكير الكلامي للإمامية. وفي التحقيقات المختصرة ‏والمبعثرة التي أنجزت حول هذا الحقل الفكري، وحتى في الآثار التي جعلت من قم ـ بوصفها "مدرسة" ـ ‏محوراً للدراسة، لم يتم النظر إلى البُعد الكلامي من المدرسة الفكرية في قم، وإنما نظرت إليها من زاوية الحقل ‏الروائي فقط. وقد بلغ الأمر في تجاهل قم في تاريخ الأفكار الكلامية، إلى أن يتجاوز حدود الغفلة، حيث هناك ‏من يذهب إلى التعريف بمدرسة قم بوصفها مدرسة غير كلامية، بل ومناهضة لعلم الكلام أيضاً. ولكن يبدو أننا ‏نشهد في قم تياراً كلامياً متواصلاً ـ وإن كان بطبيعة الحال بأسلوب مختلف عن أسلوب المتكلمين العقلانيين ـ ‏وقد تمكّن هذا التيار من خلال حمله لخصائص التيار الكلامي أن يلعب دوراً في تاريخ كلام الإمامية، ويتحوّل ‏إلى تيار مؤثر ومتواصل في تاريخ الفكر الإمامي. نسعى في هذا المقال إلى إثبات أن "الكلام" كان في مدرسة ‏قم فعالاً وحيوياً، وفي الحدّ الأدنى كانت هناك سلسلة متصلة من عدد لا بأس به من مشايخ قم ناشطة في علم ‏الكلام وبأسلوب محدّد، وقد أوجدوا مدرسة كلامية في قم.‏
ومع انتقال التراث الفكري للمحدّثين / المتكلمين في الكوفة إلى مدينة قم، واعتناقه من قبل مشايخ هذه ‏الحاضرة الروائية، تحوّل هذا التيار إلى أهم تيار فكري في قم؛ حيث أنه على الرغم من الاختلافات الداخلية ‏والخطوط الفكرية المتمايزة، قد أسس ـ حتى نهاية مرحلة نشاط مدرسة قم في السنوات الأخيرة من القرن الرابع ‏للهجرة ـ تياراً متواصلاً ومدرسة كلامية واضحة المعالم. وقد تمكن هذا التيار ـ من خلال امتلاكه للخصائص ‏الكلامية وبأسلوبه المحدد ـ من إنتاج تراث قيّم في حقل الكلام البياني، وحوّل مدرسة قم إلى مدرسة لها ‏تأثيرها وأهميّتها في تاريخ التفكير الكلامي عند الشيعة الإمامية.‏

الكلمات المفتاحية
{التيار الكلامي والروائي، التراث الحديثي، الكليني، الصدوق، الأشعري، البرقي، ابراهيم بن هاشم}

The verbal school of Qum
Sayeed Hassan Talaqani
Arabization: Sayeed Hassan Ali Mutar

Abstract‎
Some of the schools that can be identified in the history of imamate speech for speech ‎has a highly distinguished position, and the role these schools in the history of ‎imamate speech is obvious, however, the school of Qum among these school rarely ‎knows that speech, but it was known depends on its majority style by tending for ‎narrative and hadith, but rather its dissent to the speech too. And from this, the ‎negligence of studying the history of imamate speech, about mentioning the characters ‎and the heritage of this intellectual school, and the role of that in the verbal thinking ‎for imamate, and in the scattered and brief investigations which done about this ‎intellectual field, and even in the heritage which make Qum by describe it as a school, ‎as a theme for studying, they don’t look to the speech domain of the school of the ‎school of Qum, rather than look at it only from narrative field, and the negligence ‎Qum of the history of the intellectual speeches to become more than negligence, since ‎some of them define the school of Qum by describing it as nonverbal school, and  ‎consider it as against the science of speech, however but we can see in Qum a ‎continuous trend of speech, even if it's in a different style from the intellectual speech, ‎and becomes this trend by caring the characters  of speech trend playing an important ‎role in the history speech imamate,  and become an effective continuous trend in the ‎imamate thinking,  we try in this article to prove that speech at the school of Qum was ‎‎ vital and effective, At the very least, there was a continuous chain of a good number ‎of sheikhs of Qum who were active in theology and in a specific style, and they ‎established a theological school in Qum. With the transfer of the intellectual heritage ‎of the hadith/theologians in Kufa to the city of Qum and its embrace by the sheiks of ‎this fictional metropolis, this current turned into the most important intellectual current ‎in Qum. Whereas, despite the internal differences and distinct intellectual lines, he ‎established - until the end of the stage of activity of the Qum School in the last years ‎of the fourth century AH - a continuous stream and a clear-cut theological school. This ‎current was able - through its possession of theological characteristics and its specific ‎style - to produce a valuable heritage in the field of rhetorical discourse, and ‎transformed the Qum school into a school that has influence and importance in the ‎history of theological thinking among the Imamate Shia. ‎
Keywords:the verbal and narrative trend, the heritage narrative, al-Kulayni, Al-sadooq, al-Ashari, Al-barqi,Ibrahim bin Hashem.



تيار المُحدِّثين المتكلمين 
إنّ من بين المدارس الفكرية الشيعيّة الأولى التي تمّ تأسيسها في السنوات المبكرة من القرن الثاني ومنذ عصر إمامة الإمام الباقر (عليه السلام)، مدرسة الكوفة[1]. لا شكّ في أنّ هذه المدرسة من أكثر المدارس تأثيراً في مراحل تاريخ كلام الإمامية ومعقلاً أصلياً لتبلور التفكير الشيعي عبر التاريخ؛ ففي هذه المدرسة كان أن انتشرت المعارف الاعتقادية لأهل البيت (عليهم السلام)، وتمّ بيانها ضمن إطار من النظريات الكلامية، وبذلك تبلور "الكلام" بمعناه المصطلح.
في هذه المرحلة التي كانت متزامنة مع عصر حضور أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، عمل جميع أصحاب الإمامية ـ في ضوء إيمانهم بالمرجعية العلمية للأئمة، ولغرض معرفة حقائق الدين على أساس تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) ـ على نقل الروايات والحفاظ على التراث الحديثي؛ ومن هنا فإن عنوان "المُحدِّث" عنوان واسع وشامل يستوعب مختلف التيارات والانتماءات الفكرية. وفي هذا البين كانت هناك جماعة من العلماء قد اقتصر جهدها على رواية الحديث وإبداع مجموعات روائية وحديثية، واشتهروا باسم "المحدّثين". ولكن كان هناك في الوقت نفسه مجموعة أخرى من كبار علماء الإمامية في هذه المرحلة، وقد كان هؤلاء بالإضافة إلى كونهم من المحدّثين، قد عُرفوا بوصفهم من "المتكلّمين" أيضاً. لقد اكتسب الكلام بوصفه علماً تعريفات متنوّعة، وتمّ التعريف به في مختلف المراحل بمعايير متنوّعة، ومع ذلك يمكن التعريف بخصائص للمتكلمين، فمن ذلك أنّ المتكلمين يتلقون المعرفة الدينية ضمن إطار من النظام المعرفي؛ ومن هنا فإنّهم ـ خلافاً للمحدّثين ـ ملتفتين إلى التناقضات الداخلية للنصوص، ويعملون لذلك على الشرح والبيان من أجل إيضاح المفاهيم وإظهار النظام المعرفي داخل النصّ المقدّس. ومن ناحية أخرى فإنّ المتكلم يلتفت إلى الأسئلة الخارجية أيضاً، ويعمل في المواجهة مع الأفكار المخالفة على النقد والمناظرة وكتابة الردود.

بالنظر إلى هذه الخصائص يمكن القول: إنّ هناك في الكوفة ـ بالإضافة إلى تيار المحدّثين الذي كان يكتفي بمجرّد نقل روايات أهل البيت (عليهم السلام)، ويُحجم عن الدخول في دائرة الشرح والتفسير الكلامي ـ تيارين كلاميين مُهمّين في الحدّ الأدنى، وإنّ هذين التيارين على الرغم من أنواع الشبه الكثيرة الموجودة بينهما، كانا يختلفان من بعض الجهات أيضاً. إنّ هذين التيارين اللذين يتم التعريف بهما باسم "التيار الكلامي" و"التيار الروائي / الكلامي"، كانا في اتجاه مشترك ـ كما هو أسلوب جميع أصحاب الإمامية في ذلك العصر ـ يريان نفسيهما ملزَمين بالسؤال في حقل المسائل الفكرية والاعتقادية من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وكذلك نقلها إلى الآخرين. والشاهد على هذا المدّعى أن جميع الأشخاص المنتسبين إلى هاتين الجماعتين يُعدّون ضمن الرواة الكبار لأخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام). بيد أنّ اختلاف هاتين الجماعتين كان يكمن في أنّ الاتجاه الكلامي الساعي إلى إعادة قراءة المعارف المأثورة عن مدرسة أهل البيت وبيانها بشكل عقلي والدفاع عنها في مواجهة التيارات الفكرية المنافسة، وبأدبيات جديدة. وفي المقابل فإن الاتجاه الروائي ـ بالنظر إلى اعتقاده بأن التراث الروائي المأثور عن أهل البيت (عليهم السلام) بما ينطوي عليه من الأطر والأدبيات ـ كافياً لتلبية حاجة المجتمع الإسلامي والإجابة عنها ـ كان بصدد السعي إلى الفهم الدقيق لذات المعارف والتعاليم وعرضها على مجتمع المؤمنين، وكان لذلك يُحجم عن الدخول في دائرة التنظير والبيان من خارج أطر النصوص المأثورة. إنّ هذا التيار الذي كان يعمل على بيان المباني الاعتقادية للشيعة في إطار نقل التراث الروائي، وإنْ لم يكن يخرج عن إطار النص ـ خلافاً للمتكلمين ـ ولم يكن بصدد الشرح والبيان من خارج النص، كان له نظرة منظمة إلى المضامين الاعتقادية للروايات، وكان ـ مثل المتكلمين ـ يسعى إلى بيان وشرح هذا النظام المعرفي. إنّ الذهن الباحث والتحليلي لهؤلاء الأشخاص، لم يكن يطالب بكلام الإمام المعصوم (عليه السلام) عن تعبّد، بل يطالب به بوصفه مرشداً وهادياً إلى معطى عقلاني ومنظم.
إن مجهود تيار المحدّثين المتكلمين وإنْ كان مختلفاً عن أسلوب المتكلمين في إطار نقل التراث الروائي والحديثي وفي المنهج،  ولكن يبدو أنه لا يختلف في أصوله وجذوره عن التيار الكلامي بشكل جوهري، ويمكن في الواقع عُّد هذا التيار الفكري جزءاً من التيار الكلامي. لقد كان هذا التيار في الكوفة يُعدّ هو التيار الغالب، ويمكن أنْ نذكر له الكثير من المصاديق. إنً زرارة بن أعين، والمحدّثين الكبار من أسرته، وأبا بصير، ومحمد بن مسلم، وابن أبي عمير، وغيرهم، من الأمثلة والنماذج الواضحة على هذا الاتجاه الفكري.

إنً هذين التيارين الفكريين / الكلاميين، بعد اجتيازهما مرحلة التأسيس والدخول في العصر الذهبي لكلام الإمامية في القرن الثاني، وصلا إلى مصير مختلف. إنّ التيار الكلامي الذي كان يعمد إلى التنظير على أساس النصوص الدينية، ويقوم بالتفسير ما وراء النصّي، ويدعم الكلام العقلي والحقل الدفاعي، قد تعرّض في نهاية القرن الثاني للهجرة إلى التوقّف والركود، ويعود السبب في ذلك ـ إلى حدّ ما بطبيعة الحال ـ إلى الضغوط السياسية وأجواء التقية التي كانت تحكم تلك الفترة. إلا أن التيار الروائي / الكلامي قد أنجز مهمته في إطار حفظ التراث الروائي  ونقله إلى نهاية مرحلة نشاط مدرسة الكوفة (منتصف القرن الثالث للهجرة). في ذات هذه الفترة الزمنية حيث شهدت المدرسة الكلامية في الكوفة فترة من الضعف والركود في التنظيرات الكلامي، وتتجه نحو الأفول والانطفاء، كانت هناك حاضرة أخرى تشهد ـ من خلال الاستفادة من تراث الكوفة ـ تأسيس مدرسة فكرية أخرى، سرعان ما حلّت محلّ الكوفة وأصبحت معقلاً لتواجد علماء الشيعة، وأضحت محوراً لفكر التشيّع. ولم يكن هذا المعقل الجديد سوى مدينة قم.

تأسيس مدرسة قم
لقد تمّ تأسيس مدينة قم في أواخر القرن الهجري الأول، بعد هجرة العرب الأشاعرة من الكوفة، لتكتسب بذلك مدينة قم هوية عربية / شيعية[2]، وسرعان ما تحوّلت ـ بفعل مجيء رجال من تلك الأصقاع من رواة حديث أهل البيت (عليهم السلام) ـ إلى مدرسة روائية. وبعد مضيّ عدّة عقود، ارتفع عدد المحدّثين ورواة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في قم، وتمّ جمع عدد من الأحاديث في هذه المدرسة. ولكن حتى نهاية القرن الثاني للهجرة لم يكن هناك ظهور لمدرسة قم في قبال المدرسة الروائية للكوفة، وكان لها حجم أقل من التراث الروائي. ثم بالتدريج وبعد مضي ما يقلّ عن نصف قرن، في أوائل القرن الثالث للهجرة، إثر انتقال التراث الروائي من الكوفة إلى قم، دخلت هذه المدرسة الروائية مرحلة جديدة من الازدهار والتطوّر المعرفي. وقبل هذه المرحلة الزمنية كان هناك ارتباط روائي بين قم والكوفة أيضاً، بيد أنّ هذا الارتباط كان في الغالب محدوداً ولا يتجاوز الشكل الشفوي. وإنّ الذي كان جديداً في هذه المرحلة الزمنية، وصار هو السبب في التحوّل، هو الانتقال الواسع للتراث المكتوب في الكوفة، من ذلك ـ على سبيل المثال ـ أنّ مجموع آثار مئة راو للحديث، إنّما هو مجرّد جانب من التراث المنقول من راوٍ واحد في هذه المرحلة[3].

إنّ أسباب انتقال التراث الروائي من الكوفة إلى قم، والشخصيات المؤثرة في هذا الانتقال للتراث الروائي، قصّة مستقلة تحتاج إلى متسع ومجال أكبر في مقالة أخرى، ولكن يمكن القول ـ على نحو الإجمال ـ إنّ الجزء الأكبر من التراث المكتوب في الكوفة قد انتقل حتى نهاية القرن الثالث للهجرة إلى قم، بهمّة وجهود رجال في كلتا المدرستين الروائيتين في قم والكوفة. إنّ انتقال هذا الحجم الكبير من الآثار الروائية بشكل مكتوب، وفي قالب القواعد والأصول المعتبرة بنقل الحديث، بوساطة رواة بارزين وممتازين، قد شكل نقطة تحوّل وانطلاقة في هذه المدرسة الروائية، وبطبيعة الحال فإنّ الأوضاع السياسية والاجتماعية المستقرة والاتحاد والتناغم المذهبي في قم، كان له دور واضح في التأسيس لهذه المدرسة الروائية. وربما أمكن القول إنّ نقطة بداية التأسيس لمدرسة قم كانت قد انطلقت في العقود الأولى من القرن الثالث للهجرة وانتقال التراث الروائي الكوفي إليها، بيد أنّ قم سرعان ما تحوّلت قبل انقضاء القرن الهجري الثالث إلى أكبر معقل روائي للشيعة، حيث ظهرت بوصفها مدرسة فكرية، وحلّت محلّ مدرسة الكوفة.

إنّ الاتجاه الأصلي في قم كان اتجاهاً روائياً، ولا شك في أن تبلور أكبر المدارس الروائية للشيعة إنّما كان في مدينة قم، ولكن يمكن الإشارة إلى وجود مدرسة كلامية في أحشاء هذه المدرسة الروائية؛ وقد مثّلت هذه المدرسة الكلامية ـ بالنظر إلى جذورها وخلفياتها في الكوفة ـ تياراً مستمرّاً ومؤثراً في تاريخ كلام الإمامية.

في مسار نقل التراث، لا محالة تنتقل الأفكار والمعتقدات الكلامية بشكل طبيعي وتلقائي أيضاً، وإنّ المدرسة التي تستقبل هذا التراث تتخذ مبنى لها على أساس من الأساليب والملاكات المقبولة لديها، وتعمل في ضوء ذلك على إنتاج تراث جديد، بيد أن هذا المسار لا يقتصر على انتقال المعتقدات فقط، بل تنتقل معه المناهج والأساليب أيضاً. سبق أنْ أشرنا إلى أن ّ قم كانت تحتوي ـ في الحدّ الأدنى ـ على اتجاهين رئيسين في الأبحاث الكلامية، وهما: الاتجاه الروائي / الكلامي الذي كان متمسّكاً ببيان وشرح المسائل العقائدية في إطار النص، والاتجاه الآخر هو الاتجاه الكلامي البحت، الذي كان يعمل على تقديم الشروح والبيانات من خارج النصّ، ويقوم بإنتاج النظريات الكلامية بأدبيات جديدة وممتازة، من أجل الدفاع عن المفاهين الاعتقادية. وحيث كان الاتجاه الفكري الغالب في قم هو الاتجاه الروائي في إطار المعايير الدقيقة والمتشدّدة في قبول الأحاديث، لم تكن هناك في مدينة قم تلك المكانة والموقعية للتنظيرات الكلامية المستندة إلى المعطيات العقلية والتفسيرات والشروح من خارج النصوص الروائية، وفي المجموع لم يكن أغلب مشايخ قم ينظرون إلى التيارات الكلامية بإيجابية أو تفاؤل. وكانت هناك بعض الروايات التي تعزز هذه النظرة السلبية إلى التيارات الكلامية. وكان مشايخ قم يعملون على رواية هذه الطائفة من الأحاديث المشتملة على نقد بعض المتكلمين أو النهي عن بعض الأساليب أو الأبحاث الكلامية، بل وكانوا في بعض الأحيان يعملون على جمعها ضمن مجموعة تهدف إلى نقد التيار الكلامي[4]. ويمكن بحث وتقرير مواجهة بعض مشايخ قم لشخص هشام بن الحكم وتلاميذه وأفكاره الكلامية ضمن هذا الإطار[5]. طبقاً لهذه الرؤية، على الرغم من انتقال تراث الخط الكلامي من الكوفة إلى قم، فأنّه لم يُقبل منه سوى ذلك الجانب الذي تبقى في إطار نقل روايات أهل البيت ومعارفهم (عليهم السلام)، وأما أساليب الكوفيين في التفسيرات العقلية والنظريات الكلامية، فكان يتمّ نقدها، ولا تنقل إلا قليلاً[6].

وفي الحقيقة فإنّ التيار الكلامي الرئيس في الكوفة الذي كان له التأثير الأكبر في قم هو تيار المحدّثين المتكلمين أو الخط الروائي / الكلامي، الذي كان يشتمل ـ بطبيعة الحال ـ على الجزء الأهم من الدقائق الكلامية للكوفة، وكان من خلال تنظيم تنظيم روايات أهل البيت (عليهم السلام) ومجعنا روايات أهل البيت (عليهم السلام) قد أبدع وألف الكثير من الأعمال والآ ثار الكلامية. ويبدو أنّ تراث هذا التيار لم ينتقل وحده إلى قم فقط، وإنّما انتقلت معه حتى الأساليب الكلامية له أيضاً ولكن ضمن حاضنة جديدة وبذات الملاكات المعرفية، ومن هنا نجد بعض الشخصيات البارزة في قم تنتمي إلى هذا التيار الفكري.

وبهذا البيان فإنه على الرغم من أنّ التيار الكلامي للكوفة لم يجد لنفسه موطناً في قم، وكان الاتجاه الأصلي في هذه المدرسة قائماً على نقل الحديث، ولا شك في أنّه قد أسس بذلك لأكبر مدرسة روائية في عالم التشيّع، إلا أنّ هناك بعض الشواهد التي تدل على أن هذه المدرسة الروائية، لم تكن مجرّد تيار لنقل الأحاديث والروايات فقط، بل وكانت بالإضافة إلى  ذلك تحتوي على نشاط فكري / معرفي أيضاً، وإن نشاطها الروائي كان يتمّ ضمن إطار نظري وكلامي تابع لمنهج علمي محدّد. وكانت نتيجة هذه الهواجس والاتجاهات الكلامية، هي نقد الأحاديث وتنقيتها وتنظيم الآثار على أساس المحاور الكلامي التي أدّت إلى ظهور مدرسة قم الكلامية. إنّ نظرة على الشهادة العملية لمدرسة قم تثبت ـ في الكثير من الموارد ـ أن تعاطي مشايخ قم مع التراث الواصل إلى هذه المدرسة، وقبول أو رفض هذا التراث، لم يكن يقوم على مجرّد الأساليب المقبولة في الرواية فقط، بل وفي الوقت نفسه على أساس قيَم الجوهر الاعتقادي لهذا التيار أيضاً. وكذلك لا بدّ من الالتفات إلى أنّ تنظيم وتبويب الروايات الاعتقادية وترتيب هذه الروايات على أساس الأطر المعرفية، إنما تحقق للمرّة الأولى في مدينة قم.

إنّ هذا النوع من المواجهة والتعاطي مع الحديث يعكس التصوّرات المعرفية والكلامية لمشايخ قم، وأنّهم مثل أسلافهم في الكوفة كانوا يسعون إلى بيان المعارف الاعتقادية من من خلال نقل الروايات الواصلة من أهل البيت (عليهم السلام)، وتقديم منظومة معرفية واضحة ومتناغمة. وبطبيعة الحال يجب أن لا نغفل عن حقيقة أنّ الأسلوب الكلامي لهذه المدرسة، هو أسلوب نقلي وقائم على النصوص، وكما كانت خصيصة هذا التيار في الكوفة، فإنّ هذه الطائفة من المتكلمين في قم لم تكن تسعى إلى البيان والشرح من خارج المنظومة الروائية والمواجهة مع الأفكار المنافسة، بل كانت تسعى إلى فهم المنظومة المعرفية داخل الروايات، وتقديم هذا النظام المعرفي إلى مجتمع المؤمنين. وبطبيعة الحال، حيث كان هذا التيار ملتفتاً أيضاً إلى التساؤلات الخارجية، فإنّه حيثما توفّرت الأرضية للمواجهة الخارجية، فإنه كان يتقيّد بذات المنظومة المعرفية، ويبادر إلى الإجابة عن تلك الأسئلة على أساس ذات المبنى.

وحيث إنّ الفضاء في مدينة قم كان متناغماً ويخلو من الأفكار المخالفة؛ فإنّه قلما كانت تبرز هناك المشاحنات والمواجهات مع الشبهات والتساؤلات الخارجية، وكانت أغلب الجهود الكلامية لهذه المدرسة تصبّ في حقل بيان المعارف الاعتقادية. ومن ناحية أخرى حيث إنّ تيار المحدّثين المتكلمين يتمحور حول النص، ويعمل على بيان المعتقدات ضمن إطار النصّ المقدّس؛ كانت أكثر الآثار التي تمّ إنتاجها في مدرسة قم ـ في إطار الآثار الروائية ـ تعمل على تقديم نظام وبيان لمفاهيم النصّ. وعلى الرغم من ذلك كله فإنّ وجود بعض الاختلافات الداخلية بين الأصحاب، وكذلك قرب مدينة قم من مدينة الريّ التي كانت في تلك المرحلة موئلاً لمختلف الأفكار والفرق المذهبية ـ من قبيل: المعتزلة، وأصحاب الحديث، والزيدية، والإسماعيلية من القرامطة، وكان هذا الأمر يعكر صفو الهدوء الذي تنعم به مدينة قم ـ يخلق أرضية خصبة للمواجهة الخارجية بالنسبة إلى بعض مشايخ قم، ويمكن مشاهدة الكلام الدفاعي والإثبات العقلاني للمعارف في هذه المواجهة مع الأفكار المنافسة، الأمر الذي يشكل في حدّ ذاته شاهداً آخر على وجود تيار كلامي مهم في مدينة قم.

إنّ المدرسة الكلامية في قم بما لها من خصائص تيار المحدّثين المتكلمين، تيار متواصل منذ بداية تأسيس هذه المدرسة، والذي يختتم في نهاية المطاف بالشيخ الكليني والشيخ الصدوق، ويمكن اعتبار الكليني والصدوق من نتائج وثمار هذه المدرسة الكلامية. وبالنظر إلى أهمية هاتين الشخصيتين، وكذلك هامش الوصول الأكبر لآثارهما وأفكارهما؛ سوف نعمل أولاً على بحث خصائص التكلم والنشاط الكلامي في آثار الشيخ الكليني والشيخ الصدوق، لننتقل بعد ذلك إلى سائر الشخصيات الأخرى في هذا التيار الفكري.

الشيخ الكليني والشيخ الصدوق نموذج التفكير الكلامي في قم
إنّ أبا جعفر محمد بن يعقوب الكليني محُدِّث كبير في عصر ازدهار مدرسة قم؛ ويمكن الادعاء بأنّه كان قريباً من جميع التراث الروائي الواصل إلى قم والريّ عبر الطرق المعتبرة. لقد ولد الشيخ الكليني في منطقة كُلين من توابع مدينة الريّ، وبدأ يدرس العلم ويأخذ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) في الريّ، وقد تأثر ـ بطبيعة الحال ـ بالفضاء الاجتماعي والثقافي لمدينة الريّ. ومع ذلك كله فإنّه قد حصل على الفائدة العظمى من روايات الشيعة في قم وكبار مشايخ قم، وهذا ما تكشفه أسانيد كتاب الكافي بوضوح. وعلى هذا الأساس يجب اعتباره من ثمار مدرسة قم. إنّ الشخصية الروائية والاعتبار  الروائي للشيخ الكليني مقبولة من قبل الجميع، ولكن لا ينبغي أنْ نغفل عن أنّ الشيخ الكليني كان في الوقت نفسه متكلماً كبيراً من قسم المحدّثين المتكلمين؛ فهو في الوقت الذي يعلن عن وفائه للنص وبقائه ضمن إطار الروايات، يعمل على بيان المعارف الدينية، بل والدفاع عنها أيضاً. سبق أنْ أشرنا إلى أنّ المحدِّثين المتكلمين من خلال الاتجاه الناظر إلى المضامين الاعتقادية للروايات بشكل منتظم، يسعون إلى فهم وبيانه هذا النظام المعرفي.

وعلى هذا الأساس فقد ذهب الشيخ الكليني ـ عندما رأى انحراف أهل زمانه، وكذلك مطالبته بتأليف كتاب جامع لتحصيل علم الدين ـ إلى تأليف أثر بديع مثل كتاب الكافي على أساس ذات النظام المعرفي المقتبس من الروايات[7]. إنّ دراسة كتاب الكافي تظهر أنّ هذا الكتاب ليس مجرد مجموعة روائية فقط، بل إنّ ترتيب وتنظيمها الروايات فيه تحكي عن نظام فكري يظهر من وراء هذه المجموعة. إن الكليني في مقدمة هذا الكتاب يتحدّث عن المنزلة السامية للعقل ويشبّهه بالمحور الذي يدور التكليف مداره، ويكون معياراً لتشخيص الحق من الباطل، وملاكاً لتحديد الثواب والعقاب[8]. إنّه من خلال تقديم "كتاب العقل" وذكر ستٍّ وثلاثين رواية بشأن أهمية وموقعه العقل في نظام المعرفة الدينية، يؤكد هذه المسألة وهي أن نقل الروايات لا يعني التعبّد والتقبل المجرّد من الفهم والتعقّل، بل يتمّ تقديم مضامين الروايات بوصفها تراثاً عقلياً وفي نظام معقول. إنّ الترتيب المنطقي والمنسجم للروايات في الكتب والأبواب وحتى بين الروايات الموجودة في كل باب، يعمل على إظهار هذا النظام بشكل واضح.

وبالإضافة إلى الترتيب المنظّم للروايات، فإنّ الشروح التي يضيفها الشيخ الكليني على هامش بعض الروايات[9]، تمثل نموذجاً آخر عن النشاط الكلامي له، وبطبيعة الحال فإنّ هذه الشروح ـ كما هو مقتضى أسلوب المحدّثين المتكلّمين ـ يتمّ تقديمها في أغلب الموارد في إطار وأدبيات الروايات. وعلى الرغم من ذلك نجده في بعض الموارد ـ من أجل بيان المعارف الكامنة في الأحاديث ـ يتماهى مع التيار الكلامي، وقد يصل هذا التماهي في بعض الموارد إلى حدّ نقل كلمات هشام بن الحكم إلى جانب ذكر الروايات أيضاً[10].

سبق أنْ أشرنا إلى أنّ المحدّثين المتكلمين، وإنْ كانوا في الظروف العادية نصيّين، ويذهبون إلى الاعتقاد بأنّه لا ينبغي تجاوز أدبيات النص، إلا أنهم عند ظهور بوادر المواجهات الخارجية، يتجهون إلى اتخاذ موقف الدفاع عن نظامهم المعرفي. وقد أدّى اتساع رقعة النفوذ السلبي والتخريبي للقرامطة في الريّ، إلى أنْ يتصدّى الشيخ الكليني لتأليف كتاب (الردّ على القرامطة) في الردّ على آرائهم ومواقفهم.

كما نشاهد هذه الخصائص بوضوح في أداء الشيخ الصدوق أيضاً؛ ولكنّه حيث كان له حضور في البلاط البويهي، وكانت له أسفار متعدّدة ولا سيّما في حوزة الشرق الإسلامي، فقد التقى بمختلف الجماعات من المتكلمين والمخالفين لهم. ومن هنا فإننا نلاحظ دخوله إلى الأندية الكلامية والمواجهات الخارجية حتى في إطار المناظرة بشكل أكبر.

وعند مراجعتنا لفهرسة آثار الشيخ الصدوق نرى ما يزيد على الثلاثين كتاباً في إثبات وشرحها المفاهيم الكلامية والدفاع عنها[11]. وأنّ بعض هذه الآثار ـ من قبيل كتاب (التوحيد) ـ قد تمّ تأليفها لغاية الدفاع عن عقائد الشيعة، حيث عمد إلى توضيح وبيان الأحاديث بأسلوب استدلالي والاستفادة من الأدلة العقلية. إنّ كلام الشيخ الصدوق في تضاعيف الروايات وتوظيفه للبراهين العقلية وحتى الأدلة الكلامية المشهورة، يعكس هذه الخصائص بوضوح[12]. إنّ كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) بدوره في موضوع الإمامة والمهدوية، من بين المؤلفات الأخرى للشيخ الصدوق التي تحمل هذه الخصائص؛ فقد عمد الشيخ الصدوق في هذا الكتاب أولاً إلى إقامة الأدلة العقلية لإثبات ضرورة ووجوب الإمامة، ثم انتقل بعد ذلك إلى إثبات إمامة الإمام الثاني عشر، وأقام الدليل على طول عمره. إنّ رسالة الاعتقادات وكتاب الهداية للشيخ الصدوق بدورها مجموعات منظمة من المعارف الشيعية التي تمّ تنظيمها على أساس التعاليم الروائية، ويعمل في الكثير من الموارد حتى على الاستفادة من ألفاظ الروايات، وفي الوقت نفسه قدّم فيها منظومة معرفية. إنّ هذه الرسائل تعدّ من أوائل الجهود الإمامية في إطار تدوين فهرست جامع ورسمي لمعتقدات الإمامية.

إنّ من بين أبرز الأنشطة الكلامة لشخص من المتكلمين، هو التحاور مع المخالفين في باب الموضوعات الكلامية، من أجل إثبات الرأي الحق والردّ على نظريات المخالفين. وعلى هذا الأساس فإنّ الشيخ الصدوق لم يكن يخالف المناظرة والاحتجاج مع المخالف، بل وكان يرى ذلك متطابقاً مع السيرة العملية لأهل البيت (عليهم السلام). وبطبيعة الحال فإنّه لم يكن يجيز الاحتجاج والمناظرة لجميع الأشخاص، وإنّما يرى أنّ المختصّين في علم الكلام هم وحدهم الذين يجوز لهم المناظرة مع الخصوم والاحتجاج عليهم، وذلك شريطة أنْ يتقيّدوا في احتجاجهم بكلمات أو مضامين كلام أهل البيت (عليهم السلام) [13]. وهو لا يكتفي بمجرّد نقل وتقرير مناظرات الأئمة وبعض المتكلمين في عصر الحضور مع الجماعات المخالفة في جميع آثاره فقط[14]، بل قام بنفسه بالعديد من المناظرات المتعدّدة مع أصحاب الآراء المخالفة. وقد ورد بيان بعض هذه المناظرات وشرحها ـ التي كانت تنعقد بحضور ركن الدولة الديلمي ـ في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة)[15]. وقد ذكر النجاشي في فهرسة آثار الشيخ الصدوق، خمسة كتب في شرح مناظرة الشيخ الصدوق مع المخالفين بحضور ركن الدولة الديلمي[16]. كما عمد بعض تلاميذ الشيخ الصدوق إلى جمع بعض مناظراته وتنظيمها، ومن بينهم الشيخ جعفر الدوريستي الذي أعدّ نسخة من مناظرات الشيخ الصدوق، وقد عمد القاضي نور الله التستري إلى النقل من تلك النسخة في كتاب (مجالس المؤمنين)[17].

إنّ توظيف أدلة وبياناتهم المتكلمين التي تمّت الإشارة إليها في البحث بشأن الشيخ الكليني، له مصاديق كثيرة في آثار الشيخ الصدوق أيضاً. إذ أنه يعمد في بعض الأحيان إلى إدراج فصل كامل من كتاب لأحد المتكلمين مع ذكر اسم الكاتب وعنوان الكتاب، وأحياناً أخرى يستفيد من أدلة بعض المتكلمين وينقل عنهم دون ذكر الأسماء[18]، ويعمل في بعض الموارد على توظيف  إجابات المتكلمين عن شبهات وتساؤلات المخالفين[19]. إن هذا النقل للأقوال وإدراج أجزاء من كتب وأفكار تيار الكلام العقلي، يمثل شاهداً آخر على الاتجاه الكلامي للشيخ الصدوق، وتيار المحدّثين / المتكلمين بطبيعة الحال. ويمكن ملاحظة هذا الاتجاه والمنهج لدى الكثير من مشايخ قم. إن الهاجس المشترك بين جميع هؤلاء الأشخاص ـ كما أشرنا إلى ذلك بالنسبة إلى الشيخ الكليني والشيخ الصدوق ـ هو بيانه فهم النظام المعرفي من داخل الروايات، وبطبيعة الحال فإنهم في بعض الموارد حيث تحتدم المواجهة الخارجية، فإن ضرورة البيانات من خارج المنظومة تستوجب البيان والدفاع العقلاني من داخل المنظومة مع التقيّد بذات النظام المعرفي بطبيعة الحال.

وفيما يلي نشير إلى بعض هؤلاء المشايخ منذ عصر انتقال تراث الكوفة، وتبلور مدرسة قم إلى نهاية نشاط هذه المدرسة. وبطبيعة الحال حيث إن هذه المدرسة تحتوي في أحشائها على مختلف التيارات والاتجاهات الفكرية؛ سوف نسعى في رؤية ابتدائية إلى التعريف بهذه التيارات من خلال الفصل والتفكيك فيما بينها.

الخطوط الفكرية لتيار المُحدِّثين / المتكلمين في قم
إنّ من بين أهم الشخصيات التي لعبت دوراً في انتقال تراث الكوفة إلى قم، هم: إبراهيم بن هاشم القمّي، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وحسين بن سعيد الأهوازي، ومحمد بن خالد البرقي، ونجله أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ومحمد بن عبد الجبار، وسهل بن زياد الآدمي، ومحمد بن علي أبو سمينة، وابن أرومة وغيرهم. وعلى الرغم من أن أغلب هؤلاء قد استفادوا ـ من خلال انتمائهم إلى مشايخ مشتركين ـ من تيار فكري واحد، فإنّ الاختلاف في بعض المعتقدات أو المناهج والأساليب يكون منشأ لظهور خطوط فكرية متمايزة في تيار واحد؛ لذا يمكن الفصل والتفكيك بين تيار المحدّثين / المتكلمين في قم ـ ضمن رؤية دقيقة ـ وتقسيمهم إلى خطوط متمايزة.

الاتجاه الفكري لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري
إنّ من بين الأفرد الذين كان لهم دور في انتقال تراث الكوفة إلى قم، هو أحمد بن محمد بن عيسى، حيث كان له الحظ الأوفر في نقل هذا التراث إلى مدينة قم[20]، وربما كان هو الشخصية الأكثر تأثيراً وحضوراً في هذه الطبقة. لقد كان الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري[21]، من أصحاب الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، والإمام محمد الجواد (عليه السلام)، والإمام علي الهادي (عليه السلام)، وكان شيخ القمّيين وفقيههم، وكانت له الرئاسة عليهم ويتمتع في قم بمنزلة اجتماعية رفيعة[22]. وقد عمد في أخذ الحديث إلى شدّ الرحال إلى الكوفة، وحصل على الروايات من كبار مشايخ الكوفة وبغداد وحمل عنهم تراثهم الروائي. وقد كان الكثير من مشايخه في هذا الشأن من المنتمين إلى تيار المحدّثين / المتكلمين في الكوفة.

إنّ أحمد بن محمد بن عيسى بالإضافة إلى نقل تراث الكوفة المكتوب، كان له بعض المؤلفات أيضاً، ويبدو أنّ كتاب التوحيد، وفضل النبي، والأظلّة من أعماله الكلامية. وإن من بين خصائص أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، جهوده الواسعة في مواجهة تيار الغلو، والحدّ من انتشار تراث التيارات المنحرفة في قم[23]، الأمر الذي يشكل في حدّ ذاته نموذجاً بارزاً لجهوده الكلامية. وقد كان له الكثير من التلاميذ الذين شكلوا كوكبة من المحدّثين / المتكلمين، وواصلوا منهجه الفكري حتى الفترة الأخيرة من مدرسة قم. وقد كان لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري التأثير الأكبر على الطبقة الثانية من مشايخ مدرسة قم. ومن بين أفراد هذه الطبقة، كان لسعد بن عبد الله، ومحمد بن الحسن الصفار، ومحمد بن يحيى العطار، ومحمد بن علي بن محبوب، وعبد الله بن جعفر الحميري، النصيب الأوفر من الرواية عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وكانوا هم الأكثر قرباً من تفكيره، بحيث يمكن اعتبار أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري مؤسساً لمنعطف فكري في قم، تواصل في جيل من تلاميذه.

وقد كان لسعد بن عبد الله الأشعري، الشخصية المؤثرة في هذه الطبقة ـ وهو من سلالة الأشاعرة في قم ـ القرب الأكبر من أستاذه أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري. إن الكمّ الكبير من روايات سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد الأشعري، وكذلك حضور اسمه في طرق الفهارس بعد اسم أحمد من محمد بن عيسى الأشعري في أكثر الطرق؛ يثبت هذا التأثر بوضوح. وبالنظر إلى آثار سعد بن عبد الله ـ سواء في الكلام التفسيري أم في الكلام الدفاعي ـ يمكن اعتباره من المنتمين إلى تيار المحدّثين / المتكلمين بوضوح. وقد كان سعد بن عبد الله في النقد والمناظرة وكتابة الردود واسع النشاط، وكان شديداً في المواجهة مع الخط الكلامي والتنظيري لمدرسة الكوفة بطبيعة الحال. وعلى هذا الأساس فقد ألف كتاباً في بيان عيوب ومثالب هشام بن الحكم ويونس بن عبد الرحمن[24]، كما عمد في الردّ على كتاب لعلي بن إبراهيم حول واحدة من أفكار هشام بن الحكم إلى تأليف كتاب عنوانه (الردّ على علي بن إبراهيم في معنى هشام ويونس بن عبد الرحمن). إنّ هذه الآثار بالإضافة إلى الاتجاه الكلامي لسعد بن عبد الله الأشعري، تحكي عن انتشار وشيوع هذا النوع من الأبحاث الكلامية في الفضاء الفكري لمدرسة قم. ومن بين المؤلفات الكلامية الأخرى لسعد بن عبد الله في الردّ على التيارات المنحرفة، يمكن الإشارة إلى كتاب (الضياء في الردّ على المحمدية والجعفرية)، وكتاب (الردّ على الغلاة)، وكتاب (الردّ على المجبّرة). وربما أمكن تقييم تأليف وكتابة هذه الردود والمواجهات الكلامية لسعد بن عبد الله الأشعري، كنتيجة لارتباطه مع بغداد، وكذلك الأندية الروائية لأهل السنة.

ومن بين أعماله ومؤلفاته في حقل الكلام التفسيري والبياني، كتاب (بصائر الدرجات)، و(الاستطاعة)، و(مناقب الشيعة)، و(احتجاج الشيعة على زيد بن ثابت في الفرائض)[25]. ومن بين هذه الكتب يتناول كتاب (الاستطاعة) البحث بوضوح عن مسألة كلامية شائعة في الحقل الكلامي، ولا يمكن اعتباره مجرّد كتاب روائي يخلو من الاختلافات الكلامية.

والشخصية الأخرى التي كانت قريبة جداً من الناحية الفكرية إلى أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري مع سعد بن عبد الله، ويعدّ ـ بطبيعة الحال ـ من الشخصيات البارزة في تيار المحدّثين / المتكلمين، هو أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري. إنّ الروايات المتوفّرة عن الحميرية ليست كثيرة بالقياس إلى أقرانه، ولكن هذا المقدار الواصل منها يكفي لإثبات قربه الفكري من أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري. كما أنّ حضوره في طرق نقل التراث المكتوب والمنعكس في كتب الفهارس، يثبت دوره الفاعل في انتقال التراث[26]. لقد ألف الحميري الكثير من الآثار الهامّة في حقل الكلام، حيث تشتمل على أهم المسائل والموضوعات الكلامية في ذلك العصر، وهي آثار من قبيل: كتاب (الإمامة)، وكتاب (الدلائل)، وكتاب (العظمة والتوحيد)، وكتاب (الغيبة والحيرة)، وكتاب (التوحيد والبداء والإرادة والاستطاعة والمعرفة)، وكتاب (ما بين هشام بن الحكم وهشام بن سالم)، وكتاب (القياس، والأرواح، والجنة والنار، والحديثين المختلفين)[27]. وإنّ بعض هذه المؤلفات، من قبيل كتاب (الغيبة والحيرة)، ناظر إلى الأسئلة الخارجية والمسائل المطروحة في المجتمع الشيعي في تلك الفترة، حيث كان يتمّ تهديد حياة المجتمع الشيعي من خلال طرح هذا النوع من الشبهات، ويأتي هذا الكتاب في سياق الجهود المبذولة من أجل البيان الصحيح في دفع هذه الشبهات. كما أنّ الخوض في اختلافات الهشامين[28]، يحكي عن الهواجس الكلامية التي كانت تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام مشايخ قم، ومن بينهم عبد الله بن جعفر الحميري. إنّ العناوين الآخرى لكتب الحميري تؤيّد بدورها هذه النقطة، وهي أنّ أشخاصاً من أمثال الحميري، وإن كانوا يسعون إلى حفظ التراث الروائي بوصفهم من المحدّثين، إلا أنّ هذا الاتجاه لم يشكل مانعاً دون إبراز هواجسهم الكلامية، وإنهم كذلك كانوا يبذلون كل ما بوسعهم من الجهود الفكرية والعلمية في جميع المسائل التي تشغل اهتمام المتكلمين، ولا سيّما منها المسائل الخاصة بحقل الاعتقاد، وكانوا بطبيعة الحال ينظرون إلى اختلافات وأفكار المتكلمين أيضاً.
وكان أبو جعفر محمد بن الحسن بن فرّوخ الصفار ـ من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام) والإمام الحسن العسكري(عليه السلام) ـ صاحب كتاب (بصائر الدرجات)، بدوره من مشايخ قم الكبار، ومن الجيل الثاني في هذه المدرسة أيضاً. وحيث كان تلميذاً لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وإبراهيم بن هاشم، وأحمد البرقي، فقد كان له دور في انتقال جانب من تراث الكوفيين، وقد نقل ـ بطبيعة الحال ـ أكثر الروايات من طريق أحمد الأشعري. وبطبيعة الحال قد يكون هناك بعض الاختلاف اليسير بينه وبين أحمد بن محمد الأشعري في المسائل الاعتقادية، ولكن حتى في كتاب بصائر الدرجات نجد الحظ الأوفر لروايات أحمد الأشعري، الأمر الذي يحكي عن القرب الفكري بين الصفار وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري. ومن بين الآثار المتبقية عن الصفار نجد كتابه (بصائر الدرجات) معرّفاً عن واحد من الآراء المعرفية لمدرسة قم، وهو بطبيعة الحال من أهم المصادر في حقل معرفة الإمام.

إنّ ترتيب الروايات والمنطق الداخلي لهذا الكتاب يكشف عن طرح عام لمنهج الوصول إلى المعارف الدينية. وبالإضافة إلى بصائر الدرجات، نجد من بين أعماله كتاب (الردّ على الغلاة)، وكتاب (المناقب)، وكتاب (المثالب) من بين تراثه الكلامي أيضاً.

الشخصية البارزة الأخرى في هذه الطبقة، هو محمد بن يحيى العطار. وقد تمّ التعريف به بوصفه "كثير الرواية". وقد نقل أكثر الروايات عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري. كما نقل الكثير من الروايات عن محمد بن يحيى بن عمران، ومحمد بن الحسن بن أبي الخطاب، وكذلك نقل في طرق نقل التراث المكتوب بواساطة الحميري والصفّار تراثاً متعدداً، وبطبيعة الحال فإنّ الراوي الوحيد لكتاب (بصائر الدرجات) للصفار، هو محمد بن يحيى العطار أيضاً. إنّ عدم روايته عن إبراهيم بن هاشم وأحمد البرقي ـ اللذين ستأتي الإشارة إلى تيارهما الفكري في هذه المقالة لاحقاً ـ يمكن أن يكون ذا مغزى، ويؤيّد تقابل الخط الفكري لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري مع الخطوط المقابلة. ولم ينقل له سوى كتاب (مقتل الحسين)، و(النوادر). بيد أنّ لرواياته في المصادر الروائية ـ ولا سيّما منها كتاب (الكافي) ـ ظهور خاص، وهي تشتمل على مختلف الأبواب الفقهية والاعتقادية.
وبعد هذه الطبقة، يرد ذكر أشهر شخصيات مدرسة قم، وهم: ابن الوليد، وابن بابويه، والشيخ الكليني. ومن بين هؤلاء يمكن اعتبار ابن الوليد وابن بابويه ضمن الخط الفكري لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

إنّ محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، وإنْ لم يكن قمّياً في الأصل[29]، إلا أنه يُعدّ في هذه المرحلة شيخ القمّيين، والخلف الصالح والممثل الفكري لخط سعد بن عبد الله الأشعري، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري. وله أكثر الروايات عن سعد بن عبد الله، والصفّار، وأحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى العطار، والحسين بن الحسن بن أبان. وفي المقابل لم يرو أيّ رواية عن علي بن إبراهيم. فعلى الرغم من أن ابن الوليد في طبقة تلاميذ علي بن إبراهيم، وله طريق إليه في طرق الفهارس، وحتى في الموارد التي ينقل فيها ابن الوليد رواية عن إبراهيم بن هاشم، إنما يروي بواسطة سعد بن عبد الله أو غيره من مشايخه، وليس من طريق علي بن إبراهيم، الأمر الذي من شأنه أنْ يُشير إلى نوع من التقابل والاختلاف والانتماء إلى مسارين فكريين متفاوتين. ومن بين مؤلفاته (تفسير القرآن) وكتاب (الجامع)، ويبدو أنّه كان في مختلف أبواب الفقه. وقد وصلتنا تقارير تفيد أن الآراء الكلامية لابن الوليد كانت قريبة من آراء أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، ويبدو أنّه كان مثله في شدّة الحذر والاحتياط والتشدّة في قبول الأخبار. وإنّ انتقاء واستثناء الروايات في الكتب الواصلة إليه، يمثل نموذجاً من هذا التشدّد والاحتياط في التعاطي مع الروايات.
يمكن تتبّع آثار وآراء وأفكار ابن الوليد بوساطة تلميذه الشيخ الصدوق. فقد كان الشيخ الصدوق ـ في أكثر أفكاره ـ تابعاً لأستاذه ابن الوليد. إنّ هذا الأمر بالإضافة إلى بعض إشارات الشيخ الصدوق نفسه، يتم تأييده بالنظر إلى الحجم الكبير من روايات ابن الوليد في آثار الشيخ الصدوق. وأما عدم دخول ابن الوليد في حقل الكلام الدفاعي وإنتاج الآثار وتأليف الكتب في هذا الحقل، فيجب أنْ يكون معلولاً لحضوره في قم. وإنّ الشيخ الصدوق لم يدخل في هذه المواجهات والنزاعات الخارجية إلا بسبب هجرته إلى الريّ، حيث كانت هناك ضرورة لدخوله في حقل الكلام الدفاعي، وأما ابن الوليد فلم يكن في مدينة قم يواجه مثل هذا الفضاء. ومع ذلك فإنّ موقفه في مواجهة تيار الغلو الذي كان على أعتاب الدخول إلى قم، كان مشهوراً وذائع الصيت تتناقله الأفواه ويجري على ألسن الناس، وإن نقده لهذا التيار في حدّ ذاته يُعدّ نوعاً من النشاط الكلامي، ويُعتبر من خصائص هذا التيار.

والشخص الآخر الذي كان معاصراً لابن الوليد، وكان إلى حدّ ما يشاطره في التفكير، وكان فاعلاً ومؤثراً في هذه المرحلة، فهو والد الشيخ الصدوق علي بن بابويه. كان أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (م: 329 هـ) من كبار الفقهاء والمحدّثين الشيعة، ومرجعاً في الأحكام لأهالي مدينة قم وضواحيها[30]. ويبدو أنّه كان إيراني الأصل، ولم يكن من القبائل العربية أو الأسر الأشعرية الأصيلة في قم. وقد حصل ابن بابويه على الفائدة القصوى من سعد بن عبد الله الأشعري. وبعد سعد كان عبد الله بن جعفر الحميري، وعلي بن إبراهيم، وأحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى العطار، من أهم مشايخه في الرواية والحديث. وكما يبدو من الروايات الواصلة إلينا منه، فقد كان لسعد بن عبد الله الأشعري الحظ الأوفر من رواياته، ويمكن العثور على اتجاهه الفكري القريب من ابن الوليد وسائر تلاميذ سعد بن عبد الله أيضاً. بيد أنّ اهتمامه بروايات علي بن إبراهيم والخط الفكري لإبراهيم بن هاشم، يجعله إلى حدّ ما مختلفاً عن ابن الوليد. كان علي بن بابويه كثير التأليف، حتى ورد في بعض التقارير أنه قد ألف مئتي كتاب[31]. ومن بين آثاره في حقل الكلام كتاب (التوحيد)، وكتاب (الإمامة والتبصرة من الحيرة). ومن بين هذه الكتب يُشير كتاب (الإمامة والتبصرة من الحيرة) إلى اهتمامه بالتساؤلات والاحتياجات العقائدية لأبناء عصره. ولم يصلنا من آثاره سوى هذا الكتاب[32]. بيد أنّ هناك كمّ كبير من رواياته قد انعكس بشكل خاص في آثار نجله الشيخ الصدوق. لا توجد في كتب الفهارس شواهد عن دوره في نقل التراث المكتوب، ولكن يمكن لنا أنْ نحدس من طرق الشيخ الصدوق في (المشيخة) أنّ علي بن بابويه، قد روى قسماً كبيراً من التراث المكتوب في الكوفة وقم. وقد كان لابن بابويه مناظرات ومواجهات مع بعض الأشخاص من أصحاب العقائد الفاسدة أيضاً، ومن بين ذلك يمكن الإشارة إلى مواجهته مع الحلاج[33]، ومناظرته مع محمد بن مقاتل الرازي[34].

وقد واصل الشيخ الصدوق هذا الاتجاه الفكري بعد ابن الوليد وبعد والده علي بن بابويه. وبطبيعة الحال فإنّ الشيخ الصدوق قد ابتعد عن هذا الاتجاه الفكري إلى حدّ ما بفعل تأثره بالاتجاهات الفكرية الأخرى، ولكن يمكن في المجموع تقييم خطه الفكري في مسار الاتجاه الفكري لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري. لقد سبق أنْ أشرنا إلى الاتجاه والجهود الكلامية للشيخ الصدوق، وأما هنا فسوف نكتفي بالتأكيد على هذه النقطة، وهي أنّ دراسة أفكار وتوجّهات الشخصيات المذكورة من أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري في نقطة بداية مدرسة قم، إلى الشيخ الصدوق ـ الذي يقع في نهاية النشاط الفكري لمدرسة قم ـ ترسم لنا خطاً فكرياً مترابط الحلقات. في هذا التيار وإنْ كان المحدّثون / المتكلمون يعملون على أساس الأسلوب النقلي / الروائي، إلا أنّهم يتمتعون بخصائص المتكلمين، ويقدّمون  جهوداً كلامية جديرة بالملاحظة.

الاتجاه الفكري لإبراهيم بن هاشم
بالإضافة إلى هذا الاتجاه الفكري ـ الذي ربما يكون هو الاتجاه الأهم والأكثر تأثيراً في قم، وكان له الكثير من الأتباع والأنصار في كل جيل ـ يمكن التعريف باتجاهات فكرية أخرى أيضاً، وهي تختلف في بعض الجهات عن الاتجاه الفكري لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.
وإنّ من بين تلك الاتجاهات الفكرية الموازية في نشاطها للاتجاه الفكري لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري في قم ـ وليس على تلك السعة بطبيعة الحال ـ هو الاتجاه الذي تسلل إلى قم بوساطة إبراهيم بن هاشم. لقد كان أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم القمّي كوفي المنشأ، وقد سبق له أن ترعرع في الكوفة[35]، ولكنه اشتهر لاحقاً بـ "القمي" بسبب إقامته وسكناه في مدينة قم، والدور البالغ الأهمية الذي لعبه في انتقال الحديث إلى هذه المدينة. لقد سبق لإبراهيم بن هاشم أنْ تربّى في مدرسة الكوفة الروائية، وأخذ العلم من كبار المحدّثين في ذلك العصر في كل من الكوفة وبغداد، ونقل تراثاً كبيراً ـ يمكن اعتباره هو التراث الروائي لمدينة الكوفة، ويشتمل على حجم كبير من التراث الروائي ونسخ متعددة من كتب مشايخ الكوفة ـ إلى مدينة قم. ويقال إنه كان أول شخص ينشر حديث الكوفيين في قم[36].
وقد بلغ عدد مشايخ إبراهيم بن هاشم في مدرسة الكوفة الروائية مئة وستين شيخاً[37]. وقد روى جميع كتب وروايات بعض مشايخه الكبار، من أمثال: محمد بن أبي عمير[38]، ونعلم أنّ ابن أبي عمير كان من أكبر المحدّثين المتكلمين في المدرسة الكلامية في الكوفة، الذي كان يجالس مشاهير المتكلمين في الكوفة، من أمثال: هشام بن الحكم، وهشام بن سالم لفترة طويلة، بل ودرس على يدهم أيضاً[39].

ليس هناك أدلة أو مؤشرات واضحة تدل على انتماء إبراهيم بن هاشم إلى تيار المتكلمين في الكوفة، ولكنْ لا شك في أنّه من أهم وسائط انتقال أفكار المدرسة الكلامية لهشام بن الحكم، إلى مدينة قم. إن الكثير من روايات ومناظراته هشام بن الحكم قد انتقلت إلى قم من طريق إبراهيم بن هاشم. وعلاوة على ذلك فقد تمّ التعريف به بوصفه تلميذاً ليونس بن عبد الرحمن ـ وهو من كبار متكلمي الكوفة وكان تلميذاً لهشام بن الحكم[40] ـ وكان إبراهيم بن هاشم واسطة في انتقال تراث وأفكار يونس بن عبد الرحمن إلى قم.

وبعد إبراهيم بن هاشم، يُعدّ نجله علي بن إبراهيم الشخصية البارزة الأخرى في الطبقة الثانية من المحدّثين في قم، من طبقة سعد بن عبد الله والصفّار، ويبدو أنّه ينتمي إلى الاتجاه الفكري لإبراهيم بن هاشم. وعلى الرغم من نقل علي بن إبراهيم الكثير من الروايات عن سائر المشايخ الكبار في مدينة قم، من أمثال: أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، ومحمد بن عيسى بن عبيد أيضاً، يمكن اعتباره وارثاً لتراث أبيه الذي روى جميع التراث الذي تركه إبراهيم بن هاشم. وكان علي بن إبراهيم يروي من طريق أبيه ومحمد بن عيسى بن عبيد، تراث يونس بن عبد الرحمن وهشام بن الحكم، وكان هو بنفسه يميل إلى أفكار مدرسة هشام بن الحكم. وقد ألف في هذا الإطار رسالة تحت عنوان (رسالة في معنى هشام ويونس). ونعلم جيداً أنّ نظرية المعنى عند هشام بن الحكم كانت تمثّل واحدة من أهم نظرياته في إطار حلّ المسائل الإلهية[41]، التي كانت تتعرّض إلى النقد في الكوفة، ويبدو أن علي بن إبراهيم قد تصدّى للدفاع عن هذه النظرية. وبطبيعة الحال فإن هذا الكتاب قد تعرّض للنقد من قبل سعد بن عبد الله[42]. إنّ هذا الكتاب لعلي بن إبراهيم ونقده من قبل سعد بن عبد الله الأشعري ـ بالإضافة إلى الانتماء الكلامي لعلي بن إبراهيم للخط الفكري لهشام بن الحكم ـ يثبت انتشار هذا النوع من المسائل الكلامية بين مشايخ قم. ومن بين الآثار الكلامية الأخرى لعلي بن إبراهيم، يمكن لنا أن نذكر كتاب (التوحيد والشرك)، وكتاب (الأنبياء)، وكتاب (فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)). وبطبيعة الحال فإن تفسيره زاخر بالروايات الاعتقادية، ولا سيّما منها ما يرتبط بحقل المسائل المرتبطة بالإمامة. وفي المجموع فإن اهتمام علي بن إبراهيم بالتراث الفكري لهشام بن الحكم ويونس بن عبد الرحمن، ونقله لمناظراتهما وتراثهما، يضعه في اتجاه كلامي مختلف عن الاتجاه الكلامي لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري. وإن عدم نقله عن ابن الوليد ـ على ما سبقت الإشارة إلى ذلك، وتقابل سعد بن عبد الله معه ـ يؤيّد هذا الاختلاف في الاتجاهين.
وبعد علي بن إبراهيم، يمكن عدُّ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني، وارثاً لهذا الاتجاه الفكري[43]. وقد سبق أنْ تحدّثنا بشأن الشيخ الكليني واتجاهه الكلامي. وعلى الرغم من انتماء الشيخ الكليني ـ مثل سائر مشايخ قم ـ إلى تيار المحدّثين / المتكلمين، فإنّ ارتباطه الفكري بتيار أحمد بن محمد بن عيسى ـ الذين كان هو الاتجاه الفكري الأكثر تأصلاً في مدينة قم ـ قليل. إنّ دراسة أسانيد كتاب الكافي، تثبت أن الشيخ الكليني ـ خلافاً لابن الوليد وابن بابويه ـ كان متأثراً بعلي بن إبراهيم والاتجاه الفكري لإبراهيم بن هاشم بشكل أكبر، وفي المقابل كانت استفادته من تراث سعد بن عبد الله الأشعري قليلة جداً. إن اسناد الكافي يحكي عن أنّ ما يقرب من ثلث رواياته قد رويت من طريق علي بن إبراهيم. وعلى الرغم من أنّ الشيخ الكليني قد روى عن سائر الاتجاهات الفكرية في مدينة قم والري، فإنّ دراسة الأسانيد والمضامين المنقولة في الكافي، تشير إلى قربه الفكري من علي بن إبراهيم، ومن طريقه إلى تيار المتكلمين في الكوفة.

الاتجاه الفكري لمحمد بن خالد البرقي
بالإضافة إلى الاتجاه الفكري لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وإبراهيم بن هاشم، ربما أمكن عدّ محمد بن خالد البرقي وابنه أحمد بداية منهج فكري آخر في قم، يمتاز من تيار أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، في أسلوب الرواية والارتباط مع التيارات الفكرية الأخرى في الغالب. إنّ الصفة المشتركة بين هذا الأب ونجله، تكمن في النقل عن الضعفاء والمجاهيل، والاعتماد على الأخبار المرسلة. وربما كان الارتباط الروائي مع بعض الرواة المتهمين بالغلوّ يأتي في هذا السياق أيضاً. وعلى الرغم من ذلك فإنّ معتقدات هذا التيار الفكري في بعض المسائل الكلامية لم تكن تختلف كثيراً عن تيار أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وفي الطبقات اللاحقة كان هناك الكثير من الرواة المشتركين بين هذين التيارين.

كان محمد بن خالد البرقي[44] ـ من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، والإمام الرضا (عليه السلام)، والإمام الجواد (عليه السلام) ـ من وسائط انتقال تراث الكوفة إلى قم. يعود نسبه إلى برقة رود من المناطق الواقعة في ضواحي مدينة قم[45]. وقد عمد النجاشي إلى التعريف به بوصفه أديباً وعالماً بأخبار العرب وعلومهم، وذكر له بعض الكتب ولا سيّما في تاريخ العرب[46]، وقد رواها نجله أحمد، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري[47]. ومن بين آثاره الكلامية كتاب في علم الله. إنّ البرقي بالإضافة إلى مؤلفاته، قام من خلال سفره إلى الكوفة بنقل جزء من تراثها الروائي إلى مدينة قم. وربما كان هو أول شخص يعمل على نقل هذا الحجم من تراث الكوفة إلى قم. وطبقاً لتقرير الشيخ الطوسي، فإنّ محمد بن خالد البرقي قد روى ما يقرب من خمسين كتاباً، أكثرها عن مشايخ الكوفة. وقد ذكر النجاشي بدوره اسم محمد بن خالد في 38 طريقاً. ومن بين هذه الروايات ـ وأكثرها من طريق نجله أحمد البرقي وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ـ هناك الكثير منها يتعلق بالأبحاث الكلامية، وعن تيار المحدثين / المتكلمين.

وقد كان لنجله أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي ـ بدوره ـ دور في هذا الانتقال. وهو من أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام)، والإمام الهادي (عليه السلام). وقد ذكروا أنّ تاريخ وفاته كان في عام 274 أو 280 للهجرة[48]. وبطبيعة الحال فقد ـ كان مثل أبيه ـ يروي عن الضعاف، ويعتمد على الأخبار المرسلة، ولهذا السبب فقد ورد الطعن فيه وتضعيفه من قبل بعض المشايخ[49]. وهو لم يكتف بمجرّد نقل ورواية التراث الذي جاء به والده من الكوفة إلى قم، وقام بنشره في هذه المدينة فقط، بل عمد من خلال السفر إلى الكوفة وبغداد إلى الاستماع إلى قسم من تراث الكوفة من مشايخ الحديث، ونقله بنفسه إلى قم. وقد كان لأحمد البرقي بدوره العديد من الكتب، وقد عُرفت مجموعة منها بعنوان (المحاسن). وفي الأجزاء الواصلة إلينا من هذا الكتاب، يمكن لنا أن نقف على اهتمامه بالعقل وبعض الأبحاث الكلامية، على طريقة المحدّثين / المتكلمين[50].
وبعد أحمد البرقي، كان علي بن الحسين السعدآبادي وارث هذا التيار الفكري. ويبدو أنّه كان يروي مجرّد تراث أحمد بن محمد بن خالد فقط، وقد ورد ذكر اسمه في طرق الفهارس، وتمّ ذكره في إسناد الروايات بعد اسم أحمد بن محمد بن خالد أيضاً. وإنّ رواياته الكلامية مبثوثة في آثار الشيخ الصدوق والشيخ الكليني.
وكان محمد بن أبي القاسم عبيد الله عمران الجنابي المعروف بـ "ماجيلويه" من رواة هذه الطبقة أيضاً. وكان صهر أحمد البرقي وتلميذه، ومن أهم حلقات الاتصال ونقل تراث أبي سمينة بطبيعة الحال[51]. وقد ورد تقرير بآثاره في مختلف الموضوعات أيضاً.

الاتجاه الفكري للمتهمين بالغلوّ
إنّ الاتجاه الفكري الآخر الذي كان له دور في نقطة تبلور هذه المدرسة وانتقال تراث الكوفة ـ وربما اكتسب بعض الاختلافات عن سائر الخطوط الفكرية داخل المدرسة ـ هو التيار الذي اتهمه بعض مشايخ قم بالغلوّ. على الرغم من تأثير وتحوّل هذا الخط الفكري إلى تيار فعّال في قم يحتاج إلى المزيد من الدراسات، ويمكن القبول بالحضور الفكري لهذا التيار في بداية تأسيس هذه المدرسة وتأثيره الإجمالي.
وكان أبو جعفر محمد بن علي بن إبراهيم بن موسى الصيرفي الملقّب (أو المكنى) بـ "أبي سمينة" من الذين قاموا في هذه المرحلة بنقل قسم من تراث الكوفة إلى قم[52]. وهو رجل كوفي، وقد ورد ذكر اسمه في جملة أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)[53]. وقد حكم جميع الرجاليين بضعفه وفساد عقيدته. وقد كان لأبي سمينة الكثير من الكتب، وقيل: إن كتبه (في العدد) مثل كتب حسين بن سعيد[54]. وقد ذكر النجاشي أسماء خمسة من كتبه، وهي: كتاب (الدلائل)، وكتاب (الوصايا)، كتاب (العتق)، وكتاب (تفسير عمّ يتساءلون)، وكتاب (الآداب). وقد عمد أبو سمينة ـ بالإضافة إلى كتبه ـ إلى نقل قسم من تراث مشايخ الكوفة إلى قم[55].

لقد كان أبو سمينة قبل مجيئه إلى مدينة قم، متهماً في الكوفة بالغلوّ والكذب. وقد وصل إلى قم ونزل لمدّة من الزمن ضيفاً على أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، حتى اشتهر في قم بالغلوّ أيضاً، فقام أحمد بن محمد بطرده من قم[56]. إن اتهام أبي سمينة بالغلوّ يُشير إلى اهتمامه بالأبحاث العقائدية. وفي مدّة أقامته في قم، استمع بعض مشايخ قم إلى كتبه ورواياته. ومن بين أهم الأشخاص الذين رووا عنه: أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ومحمد بن أبي القاسم ماجيلويه. لقد عمد مشايخ قم إلى رواية كتبه وأحاديث التي تخلو من الغلوّ والتخليط أو تلك التي انفرد فيها[57]؛ بحيث وردت في كتاب الكافي 282 رواية من طريق أبي سمينة.

وكان أبو جعفر بن أورمة القمّي من رواة تراث الكوفة في مدينة قم أيضاً. وقد عُدّ في عداد أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام)[58]، كما أدرك إمامة الإمام الهادي (عليه السلام) أيضاً[59]. وقد تمّ اتهام ابن أورمة بالغلوّ من قبل القمّيين، حتى أنهم عقدوا العزم على قتله[60]. وقد أدّى هذا الاتهام في الطبقات اللاحقة بأشخاص من أمثال ابن الوليد والشيخ الصدوق إلى الانتقاء من بين الروايات، واستثناء رواياته ورفض ما انفرد بروايته[61]. وربما لذلك على الرغم من تأليفه العديد من الكتب، لم يصل إلينا سوى القليل من الروايات المنقولة عنه[62].  وقد وردت هذه المجموعة من روايات ابن أورمة في الغالب في آثار الشيخ الكليني والشيخ الصدوق. والملفت للانتباه أنّ ابن أورمة نفسه قد ألّف كتاباً في الردّ على الغلاة. ومن بين مؤلفاته الأخرى في حقل الكلام، كتاب (مال نزل في القرآن في أمير المؤمنين)، وكتاب (المناقب)، وكتاب (المثالب).

وكان أبو سعيد سهل بن زياد الآدمي ـ وهو من أصحاب الإمام محمد الجواد (عليه السلام)، والإمام علي الهادي (عليه السلام)، والإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ـ من الأشخاص الذين أسهموا في انتقال التراث المكتوب من الكوفة إلى قم، بيد أن حضوره في قم لم يستمرّ طويلاً؛ إذ تمّ اتهامه من قبل أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري بالغلوّ والكذب، وعمد إلى إخراجه من مدينة قم[63]. إنّ سهل بن زياد بعد إخراجه من قد، كان له نشاط روائي في الريّ، وقد انتقل قسم كبير من تراثه الروائي إلى الشيخ الكليني بوساطة رواة حديثه، وقد تمّ تدوينها لتصل إلينا عبر كتاب الكافي. إنّ مجموع الروايات الواصلة عن سهل بن زياد، تثبت اهتمامه بحقل العقائد والأبحاث الكلامية. وقد ألّف في موضوع الإلهيات كتاب (التوحيد) وكان هذا الكتاب مشهوراً بين الأصحاب من الإمامية، ورووا عنه كثيراً[64].

وكان حسين بن عبيد الله المحرّر بدوره من أصحاب الإمام الهادي (عليه السلام)، ومن الرواة المثيرين للجدل في قم. وقد اتهمه أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري بالغلوّ أيضاً وأخرجه من قم[65]. وقد ورد ذكر اتهامه بالغلوّ في جميع المصادر، بيد أنّ النجاشي ـ يشير في الوقت نفسه ـ إلى أنّ كتبه صحيحة الحديث[66]. ومن بين آثاره الكلامية التي رواها عنه ـ في الغالب ـ محمد بن يحيى العطار، كتاب (الإيمان)، وكتاب (التوحيد)، وكتاب (الإمامة).

بالإضافة إلى هؤلاء الأشخاص الذين كانوا وسطاء في انتقال التراث الروائي من الكوفة إلى قم، كان هناك شخصيات أخرى مارست في مدينة قم نشاطاً كلامياً في هذه الزمنية، ولكننا ـ بسبب المعلومات الشحيحة المتوفّرة عنهم ـ لا نستطيع أنْ ننسبهم إلى واحد من الاتجاهات الفكرية المذكورة. ولكن مع ذلك فإنّ اتجاههم نحو التيار الروائي الكلامي من الوضوح بحيث لا يمكن إنكاره، وهذا الأمر يكفي لتحقيق غايتنا المتمثلة في إثبات وجود مدرسة كلامية في قم. ومن بين هؤلاء الأشخاص أحمد بن أبي زاهر الأشعري القمّي. وهو من الشخصيات البارزة والمعروفة في مدينة قم، وكان معاصراً لحلقات انتقال التراث الروائي للكوفة، من أمثال أحمد بن محمد بن عيسى. وعلى الرغم من تشكيك علماء الرجال في إتقان رواياته[67]، فإن بعض كبار المحدثين في قم، من أمثال أحمد بن إدريس، ومحمد بن يحيى العطار قد أخذوا عنه الحديث إلى الحد الذي تمّ معه التعريف بمحمد بن يحيى العطار بوصفه من خاصّة أصحاب أحمد بن أبي زاهر. إنّ أحمد بن أبي زاهر كما يبدو من عناوين مؤلفاته كان يحمل هواجس كلامية، وقد ألّف الكتب في أهم العناوين الكلامية موضع البحث والاختلاف. ومن بين آثاره كتاب (البداء)، وكتاب (صفة الرسل والأنبياء والصالحين)، وكتاب (الجبر والتفويض)، وكتاب (ما يفعل الناس حين يفقدون الإمام). وأما الروايات الواصلة عنه فهي غالباً ما تخصّ حقل الإمامة، وقد تمّ نقلها في كتاب (بصائر الدرجات) للصفار، وبعضها أيضاً في كتاب (الكافي) من طريق محمد بن يحيى العطار. إنّ صلة العطار الوثيقة به يمكن أن تبيّن توجهاته الفكرية إلى حدّ ما.
وكان محمد بن (أبي) إسحاق القمّي، بدوره راواياً آخر، وقد تمّ التعريف به بوصفه من أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام)، وكان له مؤلفات في الكلام، وقد رواها عنه أحمد بن محمد بن خالد[68].

أفول المدرسة الكلامية في قم
في النصف الثاني من القرن الرابع للهجرة ـ وبالتزامن مع ارتفاع شأن الكلام العقلي في بغداد، وانتقال التراث الفكري للإمامية إلى هذه الحاضرة الفكرية ـ أخذت مدرسة قم تفقد رونقها وبريقها بالتدريج. وتفاقمت هذه المسألة على نحو خاص بالنظر إلى التقابل والتضاد الذي اكتسبته مدرسة بغداد من الناحية المنهجية والأسلوبية في مواجهة مدرسة قم. إنّ اتساع رقعة الكلام العقلي في بغداد، وارتفاع حدّة الاعتراضات في مدرسة بغداد على المدرسة الفكرية في قم من جهة، وزيادة المواجهات الخارجية في دولة آل بويه ـ التي كانت بحاجة أكثر إلى الحوار من خارج النص والعقل ـ من جهة أخرى؛ مهّد الأرضية إلى أفول مدرسة قم، ولم نعد بعد الشيخ الصدوق ـ الذي مثّل نقطة الذروة في هذه المدرسة الفكرية ـ نشهد تياراً كلامياً متواصل الحلقات في قم، وهكذا يمكن لنا أن نعدّ رحيل الشيخ الصدوق نهاية لنشاط مدرسة قم.

بيد أنّ الذي يضفي على مدرسة قم أهمية مضاعفة، هو أنّها قد تمكنت من إيجاد تيار تاريخي له أنصاره في مختلف مراحل تاريخ التفكير الإمامي. من ذلك أنّ تيار المحدّثين / المتكلمين وإنْ كان يمتدّ بجذوره في الكوفة، إلا أنه لم يتحوّل إلى نظام معرفي إلا في مدينة قم، وقدّم خطّة ومنهجاً لأخذ المعارف الدينية، وعلى أساسه تمّ إبداع الجوامع والمصادر الروائية والاعتقادية. إلا أنّ هذا المنهج والأسلوب لم يضمحل بأفول مدرسة قم، وإنّما كان له أنصاره وأتباعه في المدارس الأخرى أيضاً.
وقد شهدت المدارس الفكرية في الري والحلة وفي نهاية المطاف في إصفهان، ظهور شخصيات كبار من أمثال: القطب الراوندي، وابن طاوس، والشهيد الثاني، والعلامة المجلسي وغيرهم، من الذين حافظوا على وفائهم لمنهج مدرسة قم، ومثلوا امتداداً تاريخياً لهذه المدرسة. وفي النقطة المقابلة، يمكن لظهور التيارات المخالفة لمدرسة قم أن تعكس بدورها أهمية هذه المدرسة في تاريخ تفكير الإمامية. فما نجده في بغداد وكذلك في المدارس الشيعية الأخرى من اتخاذ المواقف الجادّة، وتأليفهم الكتب تجاه مشايخ قم وأساليبهم في الأبحاث الكلامية، يدلّ في حدّ ذاته على أهمية هذه الحاضنة الفكرية.

المصادر
1 ـ ابن الغضائري، أحمد بن الحسين، الرجال، تحقيق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، دار الحديث، قم، 1422 هـ.
2 ـ ابن النديم، محمد بن إسحاق، فهرست ابن النديم، إعداد: رضا تجدد، انتشارات أمير كبير، طهران، 1366 هـ ش.
3 ـ الأشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تصحيح: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1369 هـ.
4 ـ الأفندي، الميرزا عبد الله، رياض العلماء وحياض الفضلاء، إعداد: السيد محمود المرعشي، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم المقدسة، 1403 هـ.
5 ـ البرقي، أحمد بن محمد، طبقات الرجال، انتشارات جامعة طهران، طهران، 1342 هـ ش.
6 ـ البرقي، أحمد بن محمد، تصحيح: جلال الدين المحدّث، المحاسن، دار الكتب الإسلامية، قم، 1371 هـ.
7 ـ التستري، القاضي السيد نور الله، مجالس المؤمنين، كتاب فروشي إسلامية، طهران، 1377 هـ ش.
8 ـ الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، أبو جعفر محمد بن علي، الاعتقادات، مؤسسة الإمام الهادي، قم، 1430 هـ.
9 ـ الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، أبو جعفر محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1395 هـ.
10 ـ الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، أبو جعفر محمد بن علي، مؤسسة النشر الإسلامي، 1314 هـ.
11 ـ الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، محمد بن علي، التوحيد، إعداد: السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.
12 ـ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال، إعداد: السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت، قم، 1363 هـ ش.
13 ـ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، الرجال، انتشارات الحيدرية، النجف الأشرف، 1381 هـ.
14 ـ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، نشر ستارة، قم، 1420 هـ.
15 ـ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة، إعداد: عباد الله الطهراني، دار المعارف الإسلامية، قم، 1411 هـ.
16 ـ القمي، محمد بن الحسن، تاريخ قم، إعداد: محمد رضا أنصاري قمي، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1385 هـ ش.
17 ـ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، دار الحديث، قم، 1429 هـ.
18 ـ الموسوي الخوئي، السيد أبو القاسم، معجم رجال الحديث، مركز نشر آثار الشيعة، قم، 1413 هـ.
19 ـ النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1407 هـ.

-----------------------------
[1]  لمعرفة المزيد عن هذه المدرسة، انظر: أقوام كرباسي، أكبر، «مدرسه كلامي كوفه» (مدرسة الكوفة الكلامية)، مجلة: نقد و نظر، العدد: 65، 1391 هـ ش. (مصدر فارسي).
[2]  انظر: القمي، محمد بن الحسن، تاريخ قم، إعداد: محمد رضا أنصاري قمي، ص 688، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1385 هـ ش.
[3]  انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 218، نشر ستارة، قم، 1420 هـ.
[4]  انظر على سبيل المثال: الشيخ الصدوق أبو جعفر (ابن بابويه)، محمد بن علي، كتاب التوحيد، باب النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عزّ وجل؛ الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، محمد بن علي، الاعتقادات، باب الاعتقاد في التناهي عن الجدال والمراء في الله عزّ وجل وفي دينه.
[5]  لقد كان أحمد بن محمد بن عيسى يسيء الظن بيونس بن عبد الرحمن (انظر: الكشي، رجال الكشي، ج 2، ص 787). وقد ألف سعد بن عبد الله كتاباً في مثالب هشام بن الحكم ويونس بن عبد الرحمن (انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 177، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1407 هـ). وكان البرقي يعرّف هشام بن الحكم بوصفه من القائلين بالتجسيم (انظر: البرقي، أحمد بن محمد، طبقات الرجال، انتشارات جامعة طهران، طهران، 1342 هـ ش).
[6]  الشاهد على هذا المدّعى أن النجاشي والشيخ الطوسي ليس لهما من طريق إلا لـ «أصل هشام بن الحكم» ـ والذي هو كتاب روائي صرف يخلو من النظريات الكلامية ـ وليس لهما طريق متصل إلى آثاره الكلامية الأخرى. وعليه يمكن لهذه النقطة أن تكون شاهداً على أن القمّيين لم يرووا الآثار الكلامية لهشام بن الحكم، كي تصل بهذه الطريقة إلى بغداد.
[7]  انظر: الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج 1، ص 9، دار الحديث، قم، 1429هـ.
[8]  انظر: المصدر أعلاه، ص 19.
[9]  انظر على سبيل المثال: بيان الشيخ الكليني في التمييز بين صفات الذات وصفات الفعل في ذيل باب «الإرادة أنها من صفات الفعل» (انظر: الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج 1، ص 272 ـ 273).
[10]  انظر: الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج 1، ص 245، 1429 هـ.
[11]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 389، 1407 هـ.
[12]  انظر: الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، محمد بن علي، التوحيد، إعداد: السيد هاشم الحسيني الطهراني، ص 29، وص 129، وص 133، وص 143، وص 217، وص 291، مؤسسة النشر الإسلامي، قم. وهناك نماذج متعددة لذلك في كتاب: كمال الدين وتمام النعمة، ومعاني الأخبار، وعلل الشرائع، أيضاً.
[13] انظر: الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، أبو جعفر محمد بن علي،الاعتقادات،ص43، مؤسسة= =الإمام الهادي، قم، 1430 هـ.
[14]  انظر على سبيل المثال: الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، محمد بن علي، التوحيد، الفصل الخامس والستين، والسادس والستين.
[15]  انظر: الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، أبو جعفر محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح: علي أكبر الغفاري، ص 87، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1395 هـ.
[16]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 392، 1407 هـ.
[17]  انظر: التستري، القاضي السيد نور الله، مجالس المؤمنين، ج 1، ص 463، كتاب فروشي إسلامية، طهران، 1377 هـ ش.
[18] انظر: الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، محمد بن علي، الاعتقادات، ص 63 ـ 65، 1430 هـ.
[19]  من بين الأمثلة على ذلك: شبهات علي بن أحمد بن بشار، وأجوبة ابن قبة عنها (الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، كمال الدين وتمام النعمة، ص 51)، وجزء من كتاب الاشهاد لأبي زيد العلوي، وردّ ابن قبة عليه (الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، كمال الدين وتمام النعمة، ص 94)، وأجزاء من كتاب التنبيه لأبي سهل النوبختي (الشيخ الصدوق (ابن بابويه)، كمال الدين وتمام النعمة، ص 88).
[20]  طبقاً لتقريرات الفهارس المتوفرة، ورد ذكر اسم أحمد بن محمد بن عيسى في أكثر طرق القمّيين إلى تراث الكوفة. فقد ذكر الشيخ الطوسي اسمه في طريقه إلى تراث 135 شخصاً من الأصحاب، كما ذكر النجاشي بدوره اسمه في طريقه إلى تراث 110 شخص من رواة الحديث عنه أيضاً.
[21]  انظر بشأنه: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 351، وص 373، وص 383، 1420 هـ؛ النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 82، 1407 هـ.
[22]  انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد:السيد عبد العزيز = =الطباطبائي، ص 60، 1420 هـ؛ النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 81، ، 1407 هـ.
[23]  يأتي طرد أبي سمينة، وسهل بن زياد، وحسين بن عبيد الله من مدينة قم، في هذا السياق.
[24]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 177، 1407 هـ.
[25]  انظر: المصدر أعلاه.
[26]  طبقاً لمعطيات كتاب الفهرست للشيخ الطوسي والنجاشي، يقع الحميري في طريق نقل آثار 78 شخصاً من الرواة.
[27]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 219، 1407 هـ.
[28]  هشام بن الحكم، وهشام بن سالم. (المعرّب).
[29]  انظر بشأن ابن الوليد: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 383، 1407 هـ.
[30]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 261، 1407 هـ؛ ابن النديم، محمد بن إسحاق، فهرست ابن النديم، إعداد: رضا تجدد، ص  246، انتشارات أمير كبير، طهران، 1366 هـ ش.
[31]  انظر: ابن النديم، محمد بن إسحاق، فهرست ابن النديم، ص 246، 1366 هـ ش.
[32]  وبطبيعة الحال هناك من يرى أن كتاب (فقه الرضا) هو ذات كتاب (الشرائع) لعلي بن بابويه، وكذلك النسخة المنسوبة إلى الشيخ الصدوق باسم (مصادقة الإخوان)، قيل إنها هي كتاب (الإخوان) لابن بابويه أيضاً.
[33]  انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 247، 1420 هـ.
[34]  انظر: الأفندي، الميرزا عبد الله، رياض العلماء وحياض الفضلاء، إعداد: السيد محمود المرعشي، ج 6، ص 4، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم المقدسة، 1403 هـ.
[35]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 16، 1407 هـ؛ انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 11، 1420 هـ.
[36]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 16، 1407 هـ.
[37]  انظر: الموسوي الخوئي، السيد أبو القاسم، معجم رجال الحديث، ج 1، ص 317، مركز نشر آثار الشيعة، قم، 1413 هـ.
[38]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 327، 1407 هـ؛ انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 405، 1420 هـ.
[39]  انظر: الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج 2، ص 355، 1429 هـ.
[40]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 16، 1407 هـ.
[41]  انظر: الأشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، تصحيح: محمد محيي الدين عبد الحميد، ج 2، ص 52، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1369 هـ.
[42]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 177، 1407 هـ.
[43]  انظر في هذا الشأن: رضائي، محمد جعفر، «امتداد جريان فكري هشام بن حكم تا مدرسه كلامي بغداد» (امتداد التيار الفكري لهشام بن الحكم إلى المدرسة الكلامية في بغداد)، مجلة: نقد و نظر، العدد: 65، ص 31، عام 1391 هـ ش. (مصدر فارسي).
[44]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 335، 1407 هـ؛ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال، إعداد: السيد مهدي الرجائي، ص 640، مؤسسة آل البيت، قم، 1363 هـ ش؛ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، الرجال، ص 343 ـ 363، وص 377، انتشارات الحيدرية، النجف الأشرف، 1381 هـ؛ ابن الغضائري، أحمد بن الحسين، الرجال، تحقيق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، ص 93، دار الحديث، قم، 1422 هـ؛ البرقي، أحمد بن محمد، طبقات الرجال، ص 50، وص 54، وص 55، 1342 هـ ش.
[45]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني،= =ص 335، 1407 هـ.
[46]  لقد تحدّث النجاشي عن هذه الكتب، وهي: كتاب العلل، وكتاب في علم الباري، وكتاب الخطب. وقد ذكر له الشيخ الطوسي كتاباً بعنوان النوادر.
[47]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 335، 1407 هـ؛ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 460، 1420 هـ.
[48]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني، ص 77، 1407 هـ.
[49]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، ص 76، 1407 هـ؛ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 52، 1420 هـ؛ ابن الغضائري، الرجال، أحمد بن الحسين، الرجال، تحقيق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، ص 39، 1422 هـ.
[50]  انظر: البرقي، أحمد بن محمد، تصحيح: جلال الدين المحدّث، المحاسن، دار الكتب الإسلامية، قم، 1371 هـ؛ وانظر أيضاً: كتاب (الصفوة والنور والرحمة)، وكتاب (مصابيح الظُلَم).
[51]  انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 412، 1420 هـ.
[52]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، ص 332، 1407 هـ؛ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 412، 1420 هـ.
[53]  انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 314، 1420 هـ.
[54]  انظر: المصدر أعلاه.
[55]  لقد ورد ذكر اسمه في ثلاثة عشر طريقاً من طرق النجاشي إلى تراث الرواة الكوفيين، وقد= =روى عنه الشيخ الطوسي في خمسة طرق بواسطته.
[56]  انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 332، 1420 هـ؛ ابن الغضائري، الرجال، أحمد بن الحسين، الرجال، تحقيق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، ص 94، 1422 هـ.
[57]  انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 412، 1420 هـ.
[58]  انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، الرجال، ص 367، 1381 هـ.
[59]  وبذلك يكون من أصحاب الإمام محمد الجواد (عليه السلام) أو أدرك زمانه ـ في الحد الأدنى ـ أيضاً. (المعرّب).
[60] وقد تحدّث النجاشي عن هذا الأمر، بقوله: «محمد بن أورمة أبو جعفر القمّي، ذكره القميون وغمزوا عليه ورموه بالغلوّ، حتى دسّ عليه من يفتك به، فوجده يصلي من أول الليل إلى آخره؛ فتوقفوا عنه». وقد تحدّث ابن الغضائري عن ذلك بقوله: «وقد حدّثني الحسن= =بن محمد بن بندار القمّي ـ رحمه الله ـ قال: سمعت مشايخي يقولون: إن محمد بن أورمة لما طعن عليه بالغلوّ (اتفقت) الأشاعرة ليقتلوه، فوجدوه يُصلي الليل من أوله إلى آخره ليالي عديدة، فتوقفوا عن اعتقادهم».
[61]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، ص 329، 1407 هـ؛ الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 220، 1420 هـ.
[62]  في المجموع لا يتجاوز عدد الروايات المنقولة عنه الخمسين رواية
[63]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، ص 185، 1407 هـ؛ ابن الغضائري، الرجال، أحمد بن الحسين، الرجال، تحقيق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، ص 66، 1422 هـ.
[64]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، ص 185، 1407 هـ.
[65]  انظر: الكشي، رجال الكشي، ج 2، ص 799.
[66]  انظر: النجاشي، أحمد بن علي، رجال النجاشي، ص 42، 1407 هـ.
[67]  انظر: المصدر أعلاه، ص 88.
[68]  انظر: الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، فهرست كتب الشيعة، إعداد: السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص 437، 1420 هـ.