البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

حديث الغدير والدلالة على الإمامة (القسم الاول)

الباحث :  أ.د. الشيخ محمّد شقير
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  26
السنة :  شتاء 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  March / 1 / 2023
عدد زيارات البحث :  1201
تحميل  ( 1.338 MB )
الملخّص
يهدف هذا البحث إلى تبصّر دلالة حديث الغدير على ‏الإمامة والخلافة من خلال الجمع ما بين منهجين‎: ‎الأول ‏دلالي لغوي، يرتكز على القرائن الداخلية المتضمّنة في ‏حديث الغدير،‎ ‎والثاني اجتماعي، تاريخي، سياسي، فلسفي، ‏وديني،‎ ‎يسعى إلى قراءة النص متصلاً‎ ‎بقرائنه الخارجية، ‏ومتموضعاً‎ ‎في مختلف سياقاته الدينية والتاريخية وغيرها ‏ذات الصلة، وذلك بهدف استكشاف جميع أبعاد النص ‏ودلالاته؛ وهو ما سعينا إلى القيام به، من خلال مجمل تلك ‏القرائن الخارجية ذات الصّلة بهذا النص،‎ ‎والتي تعين على ‏فهمه، وتبيّن مراده، وجميع سياقاته المتداخلة مع دلالته‎. ‎

وهذا هو القسم الأول من البحث، الذي يعالج مجمل القرائن ‏الداخلية من حديث الغدير،‎ ‎بالإضافة إلى بعض القرائن ‏الخارجية ذات الصلة بدلالته.‏

الكلمات المفتاحية
{ الإمام علي(عليه السلام)، الإمامة، حديث الغدير ، الخلافة ، القرائن الداخلية ‏والخارجية }


Ghadir Khumm and the connection to Imamate

Dr. Mohammed Shaker
Lebanese University ‎
Abstracts

This study aims to insight into the connection between Ghadir Khumm on the imamate and ‎Caliphate by comping two methods: the first is linguistic semantics, focuses on the internal ‎clues which embedded in Ghadir Khumm, and the second is social, historical, political, and ‎philosophically, and religiously, aims to keep reading the text connected to the external ‎clues, positioned in deferent religious and historic context, and more related, mainly is ‎aiming to discover all the textual dimensions and its semantics‏.‏

And this is the first part of the study which addresses most of the internal clues of Ghadir ‎Khumm, in addition to some external clues related to its meaning‏.‏

keywords: Imam Ali, imamate, Ghadir Khumm, Caliphate, the internal and external clues

لعلّ إشكاليّة الدلالة في حديث الغدير ما زالت تُرفد بما يسوّغ ضرورة البحث المستجدّ فيها، وأهميّة تقديم مقاربات جديدة في العديد من أبعادها، بهدف تحقيق الاستجابة الفكريّة المطلوبة في هذا السياق. وهذا لا يضرّ الفكر الإسلاميّ الشيعي في ميدان العقدي؛ إذ إنّ دفع الشبهات ومواجهة التحدّيات المعرفيّة، هما من أهمّ العوامل والأسباب لخلاقيّة هذا الفكر وتحفيز إنتاجه وإبداعه.
إنّ هذا البحث، هو محاولة تسعى إلى تحقيق إضافة في هذا الإطار؛ إذ يرمي إلى الخوض في دلالة حديث الغدير عل الإمامة والخلافة، من خلال الاستفادة من مجمل القرائن ذات الصلة من داخل حديث الغدير، ومن خارجه بما يساعد على تبيّن تلك الدلالة، وتحديد مضمونها.
لذلك؛ سوف نذكر وباختصار مجمل الأدلّة -القرائن- الّتي تثبت فرضية الإمامة، والّتي يُستفاد منها بطلان جميع الفرضيات الأخرى -وليس فقط فرضية إرادة المحبّة- الّتي ذُكِرَت لتحريف دلالة حديث الغدير عن مُراد النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) منه، وهدفه من بيانه.

وفي دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة رأيان:
الأوّل: أنّه يدلّ على الإمامة من دون حاجة إلى قرائن تعيّن هذه الدّلالة، إذ يكفي قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه، فعليّ مولاه» لنستفيد هذا المعنى، سوى أنّ تلك القرائن تكون بمثابة مؤيّد لها ومؤكّد عليها.

الثّاني: أنّه يدلّ على الإمامة بمعونة تلك القرائن، والّتي هي قرائن كثيرة ومتنوّعة، بما يثبت بطلان جميع الفرضيات الأخرى، سوى فرضية الإمامة والخلافة، الّتي تدلّ عليها تلك القرائن، وتثبتها بشكل واضح، بما لا يدعَ من مجال لأي شكٍّ أو لبسٍ في المقام.
وعليه، سنذكر مجمل تلك القرائن ذات الصِّلة، لتكون بمثابة مؤيّد للقول بالإمامة، بناءً على الرّأي الأوّل؛ أو معيّن له، بناءً على الرّأي الثّاني. وعلى كلا الرّأيين سوف ننتهي إلى القول بدلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة، واستبعاد جميع الفرضيات الأخرى.

المطلب الأول : القرائن الداخلية  لحديث الغدير
: حيث لن نعتمد نصوص الحديث الواردة لدى المسلمين الشّيعة، وإلّا لو اعتمدنا هذه النّصوص فإنّ فيها الكثير من القرائن ذات الصِّلة، وإنّما سنعتمد على القرائن الواردة في نصوص مصادر مدرسة الخلافة؛ أمّا تلك القرائن فهي:

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «كأنّي دعيت فأجبت»[1]، بما يعني الحديث عن حصول فراغ في المرجعية الدّينية والسّياسيّة للأمّة، ما يشكّل قرينة على أنّ البيان اللاحق بصدد تعيين من يملأ ذلك الفراغ.

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»[2]، قبل قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه فعليّ مولاه»؛ ما يعني أنّ ولاية عليّ(عليه السلام) هي استمرار لولاية النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن سِنخها. فإن كانت ولاية النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على المؤمنين ولاية شاملة لأمور الدّين والدّنيا، فكذلك ولاية عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إبلاغ الولاية: «الّلهم أنت شهيدي عليهم أنّي قد بلّغت ونصحت»[3]؛ إذ إنّ إشهاد النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الله تعالى على الأمّة (أي إنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أشهد الله تعالى على أمّته) أنّه قد بَلّغَ ونصح؛ يدلّ على أنّ هذا البلاغ يتضمّن معنى غاية في الخطورة والأهمّية -بل والإشكاليّة بالمعنى السياسي والاجتماعي- حتّى يبادر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إشهاد الله تعالى عليهم أنّه قد قام بما عليه، وبقي ما عليهم القيام به، مِمّا قد يوحي إلى ما كان يجده النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لديهم من دواعي الرّفض وعدم القبول بهذا البلاغ، فيعمل على أن يستثير فيهم الشعور بشهادة الله تعالى ورؤيته لِما يقوم به من إبلاغ ونصح، عسى أن يستحثّهم على قبول بلاغه، وتليين قلوبهم له، وليزيد لديهم الشّعور بالمسؤولية، ليستدعي منهم المزيد من الحوافز لقبول البلاغ، عندما يلفت أسماعهم إلى أنّه قد أفرغ ما في ذمّته من مسؤولية، لتصبح بكاملها عليهم وعلى عاتقهم؛ مِمّا يشير إلى أهمّية موضوع البلاغ وجملة ملابساته، والّتي تنسجم مع الإمامة والخلافة.
قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي تارك فيكم الثّقلين»[4]، قبل قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه فعلي مولاه»؛ ما يعني أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان في مقام بيان المرجعية العامّة، الّتي سوف تقوم بملء الفراغ الّذي سوف يحصل نتيجة وفاته(صلى الله عليه وآله وسلم)، فتحدّث عن الثقلين: القرآن وأهل البيت (عليهم السلام) عامّة، ومن ثمّ تحدّث عن عليّ(عليه السلام) بشكل خاص، إذ إنّ البيان العام في هكذا موارد في المرجعية يستدعي بيانًا تفصيليًّا يوضح من هي تلك المرجعيّة بشخصها، فكان الحديث عن عليّ(عليه السلام)، ليكون خليفة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن سوف يقوم بملء الفراغ من بعده.

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام): «فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»[5]؛ أي إنّ القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام)، سوف يستمرّان معًا في التّاريخ إلى يوم القيامة. وإنّ معنى أن يكون أهل البيت (عليهم السلام) مع القرآن الكريم، هو أن يتكاملا معًا لتأدية الدّور نفسه، والوظيفة نفسها.
وإذا كان دور القرآن الكريم هو الإمامة والهداية، فإنّ دور أهل البيت (عليهم السلام) هو أيضًا الإمامة والهداية. وإنّ الحديث عن ولاية عليّ(عليه السلام)، في سياق الحديث عن الإمامة والهداية بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ قرينة على المُراد من تلك الولاية، وليكون بمثابة بيانٍ تفصيلي لتلك الهداية، وتشخيصٍ لتلك الإمامة بعد وفاة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرةً.

قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله...» [6]؛ إذ إنّ دلالة حديث الغدير لو كانت -كما يزعم أولئك- المحبّة، لما كان من مطلوبية للحديث عن نصرةٍ لعليّ(عليه السلام) أو خذلانٍ له... بينما عندما نقول إنّ المُراد من الحديث هو الإمامة والخلافة؛ فهو ما يستدعي الكلام عن نصرة عليّ(عليه السلام) في إعماله لإمامته، وعن نصرته في أخذه بأسباب الخلافة، وعن خذلانه في مقابل ذلك، ما يشكّل قرينة على أنّ المُراد من الحديث هو الإمامة والخلافة.

المطلب الثاني : القرائن الخارجية لحديث الغدير:
فقد نجد الكثير من القرائن الّتي يمكن أن يُستفاد منها مزيد تأكيد على أنّ المُراد من حديث الغدير هو الإمامة والخلافة، والّتي يمكن تصنيفها إلى قرائن يُستحصَل عليها من النّص (القرآن والسّنّة) والسيرة؛ وقرائن تتأتّى من التّاريخ ونصوصه وفلسفة الدّين... على أن نبدأ بالعنوان الأوّل:

القسم الأول : القرائن المتأتّية من القرآن والسّنّة وفهم الصّحابة:
وتشمل على الآيات القرآنية الّتي نزلت في الغدير، وأحاديث النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) المفسّرة لحديثه، وسيرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الّتي قد تعين على تشخيص دلالته، وصولًا إلى كيفية تلّقي الصّحابة لذاك الحديث وتعبيرهم عنه:

أولا : قرائن من القرآن الكريم:
إنّ بعضًا من آيات القرآن الكريم قد نزل في الغدير، وهي تشكّل قرينة على تشخيص المُراد من خطبة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغدير؛ ومن هذه الآيات آيتا التّبليغ وإكمال الدّين.

النص القرآني الأول : آية التّبليغ: وهي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾[7]، إذ إنّ من يتدبّر هذه الآية يلاحظ ما يلي:

أوّلًا: إنّ الله تعالى يخاطبه كرسول، ويطلب منه أن يبلّغ ما أُنزِل إليه من ربّه؛ مع إنّ من شأن الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلّغ ما يَنزل إليه من ربّه، دون أن يكون هناك تأكيد خاص في هذا المورد أو ذاك؛ فكأنّ هذا الأمر الّذي أنزله الله تعالى يوم الغدير يحتاج إلى عناية خاصّة منه تعالى، هذه العناية الّتي تمثّلت في توجيه طلب خاص إلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بأن يبلّغ هذا الأمر الّذي أنزله الله تعالى؛ وهذا التّأكيد الخاص والعناية الخاصّة أوفق بالإمامة والخلافة من غيرها، حيث إنّ ما يحتاج إلى هذا التّخصيص والعناية هو الإمامة، وليس المحبّة.

ثانياً: يقول الله تعالى في هذه الآية إنّ هذا الأمر المُراد إبلاغه هو من الله تعالى -وليس من النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)- وإنّه منزلٌ منه تعالى، وليس نابعًا من أيّ مصدرٍ آخر؛ ليكون هذا التّعبير من جهة بمثابة إلفاتٍ إلى قداسة هذا الشّيء المنزل، وضرورة الالتزام به وعدم مخالفته، ومن جهة أخرى ليكون في ذلك إلفات إلى أنّ هذا البلاغ ليس نابعًا من محاباة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لابن عمّه وصهره وقرابته، وإنّما هو قائم على أساسٍ من الأمر الإلهي والمصالح الواقعية. وإنّ هذا الإلفات إلى إنّ مصدرية هذا البلاغ هو الله تعالى، ليكون أشدّ مقبولية، وأبعد عن اتّهام النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ تجعله أوفق بالإمامة من غيرها، لأنّها هي ما يحتاج إلى هذا الإلفات، وذاك الاحتراز.

ثالثاً: إنّ الله تعالى يؤكّد على النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلّغ هذا الأمر -كأنّ الأسلوب يتضمّن شيئًا من التّهديد، والّذي هو في الواقع ليس تهديدًا للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما للرافضين لهذا البلاغ والمعترضين عليه- ومن الواضح أنّ الأمر الّذي يحتاج إلى كلّ ذلك التّأكيد -بل التّهديد- لِما قد يلقاه من اعتراض، ورفض، وعصيان، ومصالح دنيويّة، وأطماع سلطويّة ورئاسيّة؛ هو الإمامة والخلافة وليس المحبّة. وهو ما يشكّل قرينة -أيضًا- على إرادة الإمامة وليس المحبّة.

رابعاً: إنّ الله تعالى سوف يلغي كلّ الرّسالة، وينزلها منزلة المعدوم، ويعتبرها كأنّها لم تكن؛ إذا لم يبادر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إبلاغ هذا الأمر ﴿وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾، ما يعني أنّ وزن هذا الأمر المُراد تبليغه بوزن الرّسالة، وأن أهميته توازي أهمّيتها، وأنه سوف يترك تأثيره على جميع تلك الرّسالة، ومسارها، واستقامتها، وهدايتها، وعدم انحرافها... من حيث الدّور الّذي سيقوم به، وطبيعته، والنّتائج الّتي تترتّب عليه، وآثاره؛ وهو -أي ذاك الأمر الّذي يكون له كل تلك النتائج الّتي توازي جميع الرسالة، ويترك آثاره عليها بهذا المستوى-؛ أوفق بالإمامة والخلافة من غيرها، لِما للإمامة والخلافة من ذاك الأثر الخطير، والدور الّذي يرتبط بمسار الرّسالة، واستقامتها، وجميع مضامينها، وعدم انحرافها، وهدايتها.

النص القرآني الثاني : آية كمال الدّين: وهي قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾[8]، والّتي نزلت في يوم الغدير، حيث يمكن الإشارة إلى الملاحظات التّالية:

أوّلًا: إنّها تتحدّث عن حدث يرتبط تحديدًا بذلك اليوم ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ...﴾؛ فلو كان نزولها في المحبّة لَما كان ذلك الوجه في ربطها بذلك اليوم تحديدًا، لأنّ محبّة أهل البيت (عليهم السلام) عامّة، وعليّ(عليه السلام) خاصّة؛ كان قد بيّنها النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بقوّة في مناسباتٍ متعدّدة، وبأشكالٍ مختلفة، وكان قد ذكر جميل آثارها وجليلها؛ فلماذا يربط الأمر بالمحبة بذلك اليوم؟

أمّا لو كان نزول الآية في الخلافة والإمامة، فيصبح الأمر في غاية الوضوح والمقبوليّة، لأنّ حدث نصب عليّ(عليه السلام) إمامًا وهاديًا قد حصل في ذلك اليوم (الثّامن عشر من ذي الحجّة)، فيكون من الصّحيح تصدير الآية بقوله تعالى ﴿الْيَوْمَ...﴾، للإلفات إلى ذلك الحدث الكبير والخطير الّذي حصل في ذلك اليوم، وهو ولاية عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، بما تعنيه من هداية عامّة في الدّين والدّنيا.

ثانيًا: إنّها تتحدّث عن إكمال الدّين، أي إنّ الأمر الّذي حدث في ذلك اليوم قد كَمل به الدّين، وهو ما يشير إلى أمرٍ ذي بالٍ وأهمية، بحيث استحقّ أن يُفرَد في القرآن الكريم بكونه أمرًا يَكمُل به الدّين، ومن دونه يبقى الدّين ناقصًا؛ وهو ما يتوافق مع الإمامة والخلافة، والّتي هي (الإمامة) -بالإضافة إلى دورها الدّنيوي- شأنٌ ديني، يتّصل بالهداية المعنوية والروحية، والمرجعية الدّينية والمعرفية، ومجمل ما يرتبط بشؤون الدّين ومظهراته.

ثالثاً: تتحدّث الآية عن ذلك الأمر الّذي به قد تمّت النِّعمة، وأنّه من دونه تبقى نِعمة هذا الدّين نِعمة ناقصة، وهو ما يشير أيضًا إلى كون ذلك الأمر أمرًا ذا أهمّية وخطورة، حتّى يُفرَد بهذا التّعبير في القرآن الكريم، ويخصّص من دون بقيّة الأمور، بأنّه قد تمّت النِّعمة به، ووصلت إلى غايتها ببيانه، وبلغت سنامها بالإفصاح عنه. وهو ما يتوافق مع الإمامة الدّينيّة والدّنيوية، لِما لها من آثارٍ كبيرة جدًّا، ونتائج جليلة جدًّا، على المستوى الإيماني، والمعنوي، والدّيني، والدّنيوي.. يمكن أن توصف -بكلّ يقين- أنّ بها تمام النِّعمة.

رابعاً: تتحدّث الآية عن أنّه بذلك الأمر الّذي حدث في ذلك اليوم، قد رضي الله تعالى الإسلام دينًا؛ وهو ما يدلّ على أهمّية ومحوريّة ذلك الأمر في الإسلام، إذ به يرضى الله الإسلام دينًا، ومن دونه لا ينال الإسلام ذلك الرِّضا؛ وهو ما يتوافق مع الإمامة، ويتلاءم مع مكانتها، لِما لها من دور محوري، وغاية في الأهمّية في حفظ الدّين، وصونه من التّحريف، وهداية الأمّة، وقيادة التّجربة الإسلاميّة على أكثر من مستوى.

ثانياً : قرائن من سيرة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وخطابه في عليّ(عليه السلام):
من أهمّ القرائن على تحديد المُراد من حديث الغدير مجمل سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يرتبط بالإمام عليّ(عليه السلام)، ومختلف شؤونه، من جهة. وما كان يصدر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من خطاب وأحاديث في عليّ(عليه السلام) وفضائله وصفاته ومجمل ما يرتبط به، من جهة أخرى وعليه، سنتحدّث بشكل موجز في كِلا الأمرَين:

الأمر الأوّل: والّذي يتمثّل في كثير من الأمور، والّتي منها اختصاصه بالنّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) منذ صغر سنّه، واهتمام النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بإعداده إعدادًا خاصًّا تربويًّا وإيمانيًّا ورساليًا، ومؤاخاته له، وإيكاله الكثير من شؤون الرّسالة الإسلاميّة، وخصوصًا أشدّها وأحمزها ونجاحاته فيها؛ وكونه ثقة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ويده، والمرضي عنده لديه، والأقرب إليه؛ إذ لم يؤثر أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد أنكر عليه أمرًا من الأمور، أو أخّره في أيّ منها، أو عامله بطريقة تظهر عدم رضى أو ضعف ثقة؛ بل على العكس من ذلك، فإنّ جميع الشّواهد تثبت أنّه (عليه السلام) كان ثقة النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويده الّتي يصول بها، بل ومن يعتمد عليه في صغير الأمور وجليلها؛ وتزويجه من ابنته فاطمة (عليها السلام)، وتقديمه في ذلك على جميع من خطبها، وتأميره على الجميع (أي جعله (عليه السلام) أميرًا عليهم)، بمن فيهم كبار الصّحابة وشيوخهم، وعدم تأمير أحدٍ عليه على الإطلاق، في أيّ من المواقف والسّرايا والغزوات -وهنا السؤال الّذي يطرح نفسه: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرتضِ أن يؤمّر -ولو لمدّة يسيرة- أحدًا من الصّحابة على عليّ(عليه السلام)، في أيّ من المواقف والسّرايا على كثرتها واختلافها، وطيلة سنواتٍ طوال من حياته (عليه السلام)؛ فهل يُعقل أن يرتضي النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون أحدٌ ما أميرًّا عليه (عليه السلام) بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) ولمدّة طويلة، مع ما يمكن أن يفضي إليه ذلك من الانتقاص من عليّ(عليه السلام)، وتعطيل أكثر من دور له في الشّأنين الدّيني والسّياسي؟-؛ وسعى النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إبراز فضله وجليل قدره، بل وتقديمه في الفضائل كلّها على الصحابة -إلى حدّ أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يُتّهم بمحاباة صهره وابن عمّه- والوقوف بقوّة أمام كلّ تلك المحاولات للانتقاص منه، وتشويه سمعته، والإضرار بمكانته، والّتي كانت تقوم بها قريش لغايات سياسيّة وغير سياسيّة ظهرت لاحقًا.

إنّ من يعاين مجمل سيرة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في مختلف الشّؤون الّتي ترتبط بالإمام عليّ(عليه السلام)، منذ أن كان صغيرًا إلى زمان وفاة النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، من عنايته الخاصّة به، وتقديمه إياه، ومختلف الأدوار والمهام الّتي كان يكلها إليه، وخصوصًا تلك الّتي تتّصل بتحدّيات الرسالة الإسلاميّة، والمخاطر الّتي مرّت بها؛ يستنتج أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) كان هو المقدّم من قِبَل النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) على الجميع لخلافته، والمختار من قِبَله لإمامة الأُمّة، وإدارة شؤونها.
الأمر الثّاني: ويشتمل على مجمل ما قاله النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في عليّ(عليه السلام) وفضائله الّتي تقدَّم بها على جميع الصّحابة، حيث يمكن تصنيف هذه الفضائل إلى قسمين:

الأوّل: ويشتمل على تلك الفضائل الّتي تفيد خلافة عليّ(عليه السلام) بشكل واضح وصريح، من قبيل قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) في عليّ(عليه السلام): «هذا خليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»[9]، وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ عليًّا منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي»[10]، أو قوله: «عليّ أوّل مَن آمن بي، وأوّل مَن يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق الأُمّة، يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وهو الصدّيق الأكبر، والخليفة من بعدي»[11]، أو قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «كنت أنا وعليّ نوراً بين يدي الله عزّ وجلّ، يُسبّح الله ذلك النّور ويُقدّسه قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلمّا خلق الله آدم ركب ذلك النّور في صلبه، فلم يزل في شيء واحد حتّى افترقنا في صلب عبد المطّلب؛ ففيَّ النبوّة، وفي عليّ الخلافة»[12].

ورغم أنّ هذا النوع من الأحاديث قد ورد في مصادر مدرسة الخلافة؛ إلّا أنّه قد تعرَّض إلى حملة تشكيك كبيرة جدّاً، في سنده ورجاله، قام بها العديد من علماء الحديث والجرح والتعديل وغيرهم، حيث يمكن أن تلمس مدى التعصّب الأعمى في كتابات بعضهم؛ إذ يكفي أن يكون في سند الحديث من يوالي عليّاً(عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) حتّى يكون مشمولاً بتلك الحملة، ويوصم بأكثر من وصم، ويتّهم بأكثر من اتّهام، لإسقاط روايته، وتعطيل دلالتها في الشّأنين الدّيني والسّياسي.

أمّا الثّاني: وهو الّذي يدلّ على الخلافة والإمامة مع بعض النظر، ويحتاج إلى شيء من إعمال الفكر، أو الاستدلال؛ وهو أمر جدّاً منطقي، ويحمل مبرّراته التاريخيّة وغيرها، وخصوصًا عندما نقرأ خطاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومجمل ما صدر عنه متموضعًا في سياقاته الاجتماعيّة والسياسيّة والدينيّة والتاريخيّة، وغير منفصلٍ عنها؛ لنعي أنّ هذا الأسلوب من بيان الفضائل، إنّما كان يختزن محاولة لتجاوز جملة تلك العوائق، الّتي يُراد منها إسقاط البيان الدّيني في عليّ(عليه السلام)، وتقدّمه على الآخرين في الإمامة والخلافة.

وأعتقد في هذا الموضوع، أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد اعتمد أساليب وطرقًا مختلفة في إطار سعيه إلى تجاوز ما سوف تقوم به قريش من عبثٍ في سنّته وأحاديثه، وتحديدًا ما يتّصل منها بعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وفضائله، وتقديمه على الجميع، وبيان أنّه الخليفة من بعده والإمام على أمّـته.

إذ إنّ قريشًا قد شنّت حربًا شعواء على سنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وخصوصًا ما يتّصل منها بفضائل أهل البيت (عليهم السلام)، وفضائل عليّ(عليه السلام)، وبالأخصّ ما يرتبط منها بالمشروعيّة السّياسيّة والدّينيّة للإمام عليّ(عليه السلام) وخلافته؛ لأنّها كانت ترى في تلك الفضائل أساسًا لمشروعيّة تهدّد مشروعيّتها المدّعاة، والّتي اصطنعتها في قبال مشروعيّة أهل البيت (عليهم السلام).
وبهذه الخلفيّة وغيرها، يمكن أن نفهم تلك الحرب الّتي تمثّلت في إحراق أحاديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنع تدوينها، والّلجوء إلى حبس من كان يحدّث بها[13]، وفرض الإقامة الجبريّة عليه، ومنعه من روايتها؛ بل التّهديد بنفيه إلى بلادٍ بعيدة، وممارسة العنف الجسديّ بحقّ مَن كان يرويها، «ما كنّا نستطيع أن نقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى قُبض عمر، كنّا نخاف السياط»؛ كما نُقِلَ عن أبي هريرة[14].

وإنّ هذه السياسة قد شكّلت لاحقًا أساسًا لدى السّلطة الأمويّة لتتوسّع بها، وتتّخذ منها مستندًا لمشروعها، ولتمارسها بطريقة فاضحة جدًّا، تعبّر عن أهدافها الحقيقيّة، وغاياتها الّتي كانت تسعى إليها؛ وهو ما أدّى على الأمد البعيد إلى التسبّب بأضرار فادحة جدًّا في سنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأحاديثه، حيث ضاع أو نُسي الكثير منها، ووقع الكثير من الخطأ والخلط فيها (زيادةً أو نقصانًا أو تبديلًا أو حملٍ على غير معناه...)، وفتح الباب على مصراعيه أمام الوضّاعين والكذّابين والمحرّفين لممارسة الدسّ والكذب والوضع والتحريف، وصار متاحًا لمجمل العوامل السياسيّة والعنصريّة والدنيويّة وغيرها، أن تعبث بسنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وتعمل على تحريفها والتّبديل فيها؛ ولو أنّهم جمعوا سنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من بداية الأمر، وأعطوها حقّها، وقاموا بواجبهم نحوها، ورعوا حرمتها، وعملوا على تدوينها، وحفظها، وحافظوا عليها؛ لتجنّبنا الكثير الكثير من المفاسد والنتائج السلبيّة؛ بل الآثار الكارثيّة على الدين وفهمه، وعلى الأُمّة ومساراتها، وعلى مجمل أحوالها في الدّين والدنيا والاجتماع والسّياسة وسوى ذلك، والّتي -أي تلك المفاسد والنّتائج- ما زلنا نعاني بقوّة منها، ونقاسي ضرّها، ونحتلب ضرعها، إلى دهرنا هذا، واليوم الّذي نعيش.

الأساليب البيانية النبوية في تعيين الخلافة
أمّا تلك الأساليب والطرق الّتي نعتقد أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد اعتمدها لبيان خلافة الإمام عليّ(عليه السلام) وإمامته، وتجاوز سياسات قريش ومشروعها في القضاء على المشروعيّة الدينيّة والسياسيّة لأهل البيت (عليهم السلام) عامّةً وعليّ(عليه السلام) خاصّة؛ فهي -على ما نعتقد- ما يمكن الإضاءة عليه في هذَين الأسلوبَين:

-1 أسلوب الملازمة : وهو الّذي نستفيد منه الإمامة والخلافة بالتلازم وإعمال الفكر للانتقال من الملزوم إلى اللازم، حيث إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد يُبيّن مسألة ما أو يقدّم معطى ما، ولكن هذا المعطى يصلح أن يكون أساسًا للانتقال إلى لازم الخلافة والإمامة، من قبيل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عليّ(عليه السلام): «أوحي إليّ في عليّ ثلاث: أنّه سيّد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين»[15]. هذا الحديث الّذي استدركه الحاكم النيسابوري على صحيحَي مسلم والبخاري، وذكر أنّه حديث صحيح، ولكن لم يخرجاه. فهنا عندما يقول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في عليّ(عليه السلام) أنّه سيّد المسلمين؛ فهل يمكن أن يكون أحدٌ من المسلمين -مع ذلك- سيّدًا له وعليه؟ والجواب أنّه لا يمكن ذلك، وإلّا كيف يكون عليّ(عليه السلام) سيّد المسلمين، ويكون في الوقت نفسه رجلٌ من المسلمين آخر سيّدًا عليه؛ ألا يعني ما سلف أن يكون هذا الرجل سيّدًا على سيّده؟!

إنّ هذا يتضمّن شيئًا من التّهافت؛ لأنّ معنى أن يكون عليّ(عليه السلام) سيّد المسلمين، هو أن لا أحد من المسلمين سيكون سيّدًا عليه. وعندما نقول إنه لا يصحّ أن يكون أحدٌ من المسلمين سيّدًا على عليّ(عليه السلام)، فمعناه أنّه لا يصحّ أن يكون أحدٌ من المسلمين خليفة على عليّ(عليه السلام)؛ لأنّ الخلافة تعني السيادة، فعندما ننفي أن يكون أحدٌ ما سيّدًا على عليّ(عليه السلام)، يعني أنّنا ننفي أن يكون أحدٌ ما خليفة على عليّ(عليه السلام). وهو يقود -في مقام تحديد مَن هو الخليفة- إلى أنّ عليًّا هو خليفة المسلمين؛ لأنّه إن كان لا بدّ من خليفة، ولم يكن صحيحًا أن يكون أحد خليفة على عليّ(عليه السلام) (سيّدٌ عليه)؛ فهذا يعني أنّه هو الخليفة.

بل قد نقول بطريقة الإثبات مباشرة، إنّ السيادة على المسلمين تعني الخلافة عليهم -لأنّه هنا يتحدّث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عن مطلق السيادة، وعلى جميع المسلمين-، وعندما يقول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) عن عليّ(عليه السلام) إنّه سيّد المسلمين، فهو يقول إنّه الخليفة عليهم، من باب التلازم بين السيادة والخلافة.
ومن هذا القبيل قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا سيّد ولد آدم، وعليّ سيّد العرب»[16]، وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض»[17].

وهنا أيضًا عندما يكون الحقّ مع عليّ(عليه السلام)، يدور معه حيثما دار؛ فهذا يعني أنّ الخلافة يجب أن تكون أيضًا مع عليّ(عليه السلام)؛ لأنّ خلافة المسلمين يجب أن تقوم على أساس من الحقّ، ويجب أن تُدار وتُساس على أساس من الحقّ، فإذا كان الحقّ مع عليّ(عليه السلام)؛ فهذا يعني أنّ الخلافة له، وأنّ الجميع يجب أن يسلّم بما يقوله عليّ(عليه السلام) [18]، وما يقوم به، وأن يكون معه وليس مع غيره.
وهذا ما فهمه من سمع هذا الحديث، فعمد إلى الوصل بينه وبين تلك الحرب الّتي وقعت بين عليّ(عليه السلام) ومعاوية، حيث إنّه لما عوتب سعد بن أبي وقاص من قِبَل معاوية في عدم وقوفه إلى جانبه في معركته مع الإمام عليّ(عليه السلام)، أجاب سعد مبرّراً عدم وقوفه إلى جانبه: «.. إنّي سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: “عليّ مع الحقّ أو [و] الحقّ مع عليّ، حيث كان”؛ قال [معاوية]: “من سمع ذلك؟” قال [سعد]: “قاله [أي النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)] في بيت أمّ سلمة [زوجة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)]”. قال [معاوية]: “فأرسِل إلى أمّ سلمة فسْألها؛ فقالت [أمّ سلمة]: قد قاله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتي”، فقال الرجل [معاوية] لسعد: “ما كنتَ عندي قطّ ألوم منك الآن”. فقال [سعد]: “ولِمَ؟” قال [معاوية]: “لو سمعتُ هذا من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، لم أزل خادمًا عليّ(عليه السلام) حتّى أموت”»[19].

ما يعنينا من هذا النصّ أمران: الأوّل: أنّ فهم سعد لهذا الحديث شكّل بالنسبة إليه مستندًا لعدم الوقوف مع معاوية ومشروعيّته السياسيّة الّتي ادّعاها، فضلًا عن حربه وخروجه على عليّ(عليه السلام). والثّاني: ما فهمه معاوية نفسه -بمعزل عن مدى كونه جادًّا في كلامه ذاك- من أنّه لو سمع هذا الحديث من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لغادر مشروعه ومشروعيّته السياسيّة (المدّعاة)، ولعمل في خدمة عليّ(عليه السلام) والوقوف إلى جانبه.
وأيضًا قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»[20]، حيث إنّ القرآن الكريم هو الهادي، وهو الإمام، وهو الّذي يجب تطبيقه وإقامته في الاجتماع الإسلاميّ العامّ، وهو دستور المسلمين. وهنا، إذا كان القرآن الكريم -بعلمه وتأويله وحقائقه وقيمه وموازينه وأهدافه...- مع عليّ(عليه السلام)؛ فهذا يعني أنّ عليّاً(عليه السلام) هو الأصلح والأقدر على إقامة الكتاب، وتحقيق مقاصده، وغاياته، وتطبيق قيمه ومعانيه؛ أي هو من يجب أن يكون الخليفة على المسلمين، والإمام لهم، حتّى يصبح القرآن هاديهم، وقائدهم، وإمامهم.

وكذلك، في قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا وعليّ حجّة الله على عباده»[21]، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) له (عليه السلام): «.. أنت أوّل من آمن بي، وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصدّيق الأكبر، وأنت الفاروق يفرق بين الحقّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين»[22]، حيث إنّ الدليل والمستند هنا هو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنت الفاروق يفرق بين الحقّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين»، وأيضًا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عليّ(عليه السلام): «هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله»[23]، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا مدينة العلم وعليّ بابها»[24]، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ عليًّا هاديًا مهديًّا، يأخذ بكم الطريق المستقيم»[25]، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ عليًّا منّي وأنا منه»[26]، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا عليّ، من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني»[27]؛ والّتي وردت جميعها في مصادر أهل السّنة، فضلًا عن مصادر الشيعة.

ولا شكّ في أنّ هذه الأحاديث يعضد بعضها بعضًا، ويعين بعضها على فهم بعض، إذا قرأناها منضمّة إلى بعضها، فتصبح دلالتها أقوى على المطلوب، وهو المنهج الصحيح في قراءة النصوص؛ أي قراءتها بشكل موضوعي.

-2 أسلوب التوصيف :  أي الأسلوب الّذي يعمد إلى بيان مجمل المواصفات الشخصيّة والعلميّة والمعنويّة وغيرها، الّتي تتوافر في شخص الإمام عليّ(عليه السلام)؛ ومن خلال معاينة مجمل هذه المواصفات، واتّصاف الإمام عليّ(عليه السلام) بها، ندرك أنّه الخليفة والإمام؛ لأنّ هذه المواصفات هي الّتي يجب أن تتوفّر فيمن يكون خليفة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإمام المسلمين.

وهذا الأسلوب من البيان، هو أسلوب عقلانيّ ومنطقيّ، أمّا كونه عقلائيّاً؛ فلأنّه معتمد عند العقلاء في شتّى المناصب والمواقع، إذ إنّهم يعمدون إلى ذكر مواصفات وكفاءات فلان من الناس، حتّى يقولوا إنّه الأشدّ أهليّة وكفاءة لهذا الموقع أو المنصب، ولبيان أنّ هذا الترشيح أو التعيين حمل مبرّراته العقلائيّة، وليجد نوع مقبوليّة لدى الآخرين، وغيرها من الفوائد الأخرى الّتي تترتّب عليه... أمّا كونه منطقيّاً؛ فلأنّه يعتمد على كبرى، مفادها أنّ من يكون خليفة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، يجب أن تتوافر فيه هذه المواصفات بأفضل مراتبها؛ وهو ما يقود إلى النتيجة التالية: إنّ من تتوافر فيه هذه المواصفات بأرقى مراتبها -وهو علي(عليه السلام) في هذا المورد- يجب أن يكون خليفة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).

وهنا، عندما نعمد إلى استقصاء مجمل ما ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من فضائل في عليّ(عليه السلام)، سواء كانت شخصيّة أو علميّة أو عمليّة أو معنويّة وأخلاقيّة، ونضمّها إلى بعضها، ونقرأها بشكل مجموعيّ وموضوعي، أي كموضوعٍ واحد؛ فما الّذي نستنتجه؟ وما الّذي نخلص إليه؟ سوف يكون أمراً تلقائيًّا عندها أن نخلص إلى هذه النتيجة، وهي أنّ شخصًا يملك مجمل هذه المواصفات المذكورة، كيف لا يكون خليفة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وإمام المسلمين؟

ويكفي أن نعود في موضوع الفضائل ونصوصها إلى المصنّفات الّتي جمعت فضائل الإمام عليّ(عليه السلام)، وليس شرطًا أن تكون هذه المصنّفات هي تلك الّتي جُمعت من مصادر الشيعة؛ بل يكفي أن نعود إلى أيّ من المصنّفات الّتي جُمعت من مصادر أهل السُّنَّة، حتّى نصل إلى تلك النتيجة، أنّ عليًّا هو خليفة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الإمام بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنّ شخصًا تكون له كلّ تلك الفضائل، كيف لا يكون مقدّمًا على الجميع في الخلافة؟ وكيف لا تكون له الأحقيّة في الإمامة؟

وإنّي لأعتقد أنّ بيان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لفضائل عليّ(عليه السلام) لم يكن بيانًا لمجرّد البيان، ولم يكن مبتورًا عن لوازمه وغاياته، ولم يكن فارغًا من مقاصده الدّينيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة ذات الصِّلة، وإنّما كان يريد الوصول إلى مقصده وهدفه، وهو تقدُّم عليّ(عليه السلام) في الخلافة والإمامة.

لقد كان خطاب الفضائل خطاباً ممتدًّا إلى الشأنين الدينيّ والسياسيّ، وكان الأداة لإثبات المشروعيّة السياسيّة والدينيّة والمعبِّر عنها، ولا أدلّ على ذلك من حرب الفضائل الّتي شُنّت على أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم عامّة، وفضائل عليّ(عليه السلام) خاصّة؛ وذلك بهدف ضرب مشروعيّته السياسيّة والدينيّة، وإنتاج مشروعيّة بديلة.

لقد اعتمد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في بيانه هذا أسلوبًا عقلائيًّا، ينسجم مع ما هو معتمد لدى العقلاء عامّة، لإثبات تقدّم عليّ(عليه السلام) وأولويّته بالخلافة، حيث إنّ خطاب الفضائل كان بمثابة الحامل لتلك المشروعيّة الدينيّة والسياسيّة والمعبّر عنها، فلم يكن ذاك الخطاب خطابًا صوريًّا أو شكليًّا أو لمجرّد المدح وإبداء المناقب، ولم يكن خطابًا يُختزل في منتديات الشعر وجماليّات البيان ومدائح الّلسان، وإنّما كان خطابًا هادفًا إلى الاجتماع العامّ والاستجابة لتحدّياته، وقاصدًا مختلف شؤون الأمّة وحركتها، ومتطلّعًا إلى الدّلالة على الخلافة والإمامة، وساعيًا إلى إيجاد سبيل بديل أو إضافي؛ للالتفاف على كلّ مساعي قريش ومشروعها السياسي والديني الهادف إلى إسقاط مشروعيّة أهل البيت (عليهم السلام)، وتدشين مشروعيّـته البديلة.

ثالثاً : قرائن مما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام):
إذ يُعتَبَر ما ورد عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) من أهم القرائن على توضيح المُراد من حديث الغدير، وإزالة أي التباس فيه؛ وهنا يكمن أن نذكر ما يلي:

أوّلًا: إذ إنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما بلغه محاولة البعض تأويل حديث الغدير على غير وجهه، خرج كهيئة المُغضِب -أي غاضبًا- ويده في يد عليّ(عليه السلام)، وهو يقول: «من كنت مولاه، فهذا مولاه وإمامه، وحجّة الله عليه»[28].

وقد أتى الحديث في سياق دفع ذلك التّأويل الباطل لحديث الغدير، ليصرّح النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بإمامة عليّ(عليه السلام)  في قوله وبيانه ذاك.

وقد ورد عن الإمام الصّادق(عليه السلام) ، حين سأله سائل: «ما أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله لعليّ(عليه السلام)  يوم الغدير: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»؛ فاستوى جعفر بن محمد(عليه السلام)  قاعدًا، ثمّ قال: سُئِلَ والله عنها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «الله مولاي وأولى بي من نفسي، لا أمر لي معه. وأنا وليّ المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، لا أمر لهم معي. ومن كنت أولى به من نفسه، لا أمر له معي؛ فعليّ بن أبي طالب(عليه السلام)  مولاه، أولى به من نفسه، لا أمر له معه»»[29].

ودلالة هذا الحديث أيضاً واضحة على الإمامة والخلافة، لأنّ عليًّا(عليه السلام)  عندما يكون أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وعندما لا يكون لهم من أمر معه، وإنّما يكون هو من له الأمر معهم؛ فمعناه أنّ عليًّا(عليه السلام)  من له التصرّف بشؤونهم، والإمرة عليهم، ومن له حقّ السّمع والطاعة، وهو ما تعنيه الإمامة والخلافة، ولو من جهة البيان بما تستلزمه في دلالاتها.

وورد أيضًا أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «معاشر النّاس، أليس الله تعالى أولى بي من نفسي، يأمرني وينهاني، ما لي على الله أمر ولا نهي؟ قالوا: بلى يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): قال: «من كان الله وأنا مولاه، فهذا عليّ مولاه، يأمركم وينهاكم، ما لكم عليه من أمر ولا نهي...»»[30].
وقد رُويَ أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن قال: «أيّها النّاس، أتعلمون أنّ الله عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأولى بهم من أنفسهم... من كنت مولاه، فعليّ مولاه...»؛ فقام سلمان [الفارسي] فقال: «يا رسول الله، ولاءٌ كماذا؟ فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «ولاءٌ كولاي؛ من كنت أولى به من نفسه، فعليّ أولى به من نفسه»»[31].

ثانيًا: مناشدات الإمام عليّ(عليه السلام)  واحتجاجه بحديث الغدير: حيث إنّ الإمام عليّ(عليه السلام)  وفي مواقف عديدة مع الصّحابة وعامّة المسلمين، إبتداءً من الأيام الأولى الّتي تلت وفاة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ما بعدها؛ كان يناشد الصّحابة بالله تعالى، ويسألهم به تعالى، حتّى يجيبوه، ويقرّوا له أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال فيه ما قال في حديث الغدير، لتكون النّتيجة الإقرار له بذلك من مجملهم، والاعتراف به.

وعليه لا بدّ من ملاحظة أمرين: الأوّل إنّ ما يحتاج إلى كلّ تلك المؤونة الكبيرة (سؤالهم بالله تعالى)، والاستعانة بقدسية الله تعالى لاستنطاق الصّحابة، واستخراج ما في جوفهم، وعدم كتمانه؛ إنّما يتوافق مع موضوع الإمامة وقضية الخلافة، لأنّها ما يحتاج إلى كلّ تلك المؤونة، وهذا المستوى من التّوسّط والتّوسّل (بالله تعالى والتّذكير به)، حتّى يتحفّز أولئك الصّحابة لإخراج ما في جوفهم من علمٍ وخبرٍ في قضية الإمامة والخلافة، إذ إنّ الإمامة هي ما يحتاج أكثر إلى كلّ تلك الجرأة، وتجاوز حدود الخوف، وأسباب العصبية، والمصالح الدّنيوية؛ وليس قضيّة المحبّة، أو أيّ أمر آخر.

والثّاني أنّ الإمام عليّ(عليه السلام)  كان يحتجّ في تلك المواقف بحديث الغدير في سياق إثبات حقّه في الخلافة، وفي سياق ذلك الخلاف فيمن يمتلك المشروعية السياسيّة والدّينيّة بعد وفاة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) -كما في الفترة الّتي تلت مباشرة وفاة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي يوم الشّورى- وهو ما يشكّل قرينة إضافيّة على أنّ المُراد من حديث الغدير هو الإمامة والخلافة، وليس المحبّة أو غيرها.
هذا فضلًا عن نصوص عديدة يعبّر الإمام(عليه السلام)  فيها أنّه صاحب الحقّ، ومن ظُلم فيه، وغُصب حقُّه، وأنّه الأولى بالبيعة، وكل ما يفيد هذه النتيجة؛ أنّه من يملك المشروعيّة السياسيّة والدّينيّة بعد وفاة النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، من قبيل قوله(عليه السلام) : «إنّ فلانًا وفلانًا (يريد أبا بكر وعمر) أتياني وطالباني بالبيعة لمن سبيله أن يبايعني»، وأيضًا قوله(عليه السلام)  لما قيل له بايع: «أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي»؛ طبعًا بناءً على كون المشروعية السّياسيّة وغير السّياسيّة عند أهل البيت(عليهم السلام) مشروعيّة نصيّة، وترتكز بشكل أساس على حديث الغدير، حتى تكون ملازمةٌ ما بين تلك النّصوص، وبين نصّ الغدير.

ثالثًا: ما ورد عن السّيدة الزهراء(عليها السلام) في جوابها على سؤال حول نصّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وفاته على عليّ(عليه السلام)  بالإمامة، حيث يسألها الرّاوي:
قلت: «هل نصّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وفاته على عليّ(عليه السلام)  بالإمامة؟»
قالت(عليها السلام): «واعجبًا! أنسيتم يوم غدير خمّ؟»[32].

وعندما يقول لها رفاعة بن رافع الزرقي: ««يا سيّدة النّساء، لو كان أبو الحسن(عليه السلام)  تكلّم في هذا الأمر (الخلافة)، وذكر للنّاس قبل أن يجري هذا العقد، ما عدلنا به أحدًا»؛ تجيبه (سلام الله تعالى عليها): «إليك عنّي، فما جعل الله لأحدٍ بعد غدير خمّ من حجّة، ولا عذر»»[33].
وعندما يقول لها الأنصار: «يا بنت محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، لو سمعنا هذا الكلام منك قبل بيعتنا لأبي بكر، ما عدلنا بعليّ(عليه السلام)  أحدًا؛ تجيبهم(عليها السلام): وهل ترك أبي يوم غدير خمّ لأحدٍ عذرًا؟»[34].
وهذه الرّوايات صريحة في بيان المُراد من حديث الغدير، وأنّه الإمامة والخلافة لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) .

رابعًا: ما ورد عن الإمام الحسن(عليه السلام)  في خطبته أمام معاوية بن أبي سفيان، حيث قال فيها عن أبيه: «... وقد رأوا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حين نصّبه بغدير خمّ، وسمعوه، ونادى له بالولاية، ثمّ أمرهم أن يبلّغ الشّاهد منهم الغائب»[35]؛ حيث إنّ المقام كان مقام وإثبات المشروعيّة الدّينيّة والسّياسيّة لعليّ(عليه السلام) ، فأتى الإمام الحسن(عليه السلام)  على ذِكر حديث الغدير في ذلك المقام، ما يسعف على بيان المقصود منه.
خامسًا: ما ورد عن الإمام الحسين(عليه السلام) ، حيث قال(عليه السلام) : «... إنّ الله تبارك وتعالى أدّب نبيّه الآداب كلّها، فلمّا استحكم الآداب، فوّض الأمر إليه، فقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾[36]»، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أدّب عليًّا(عليه السلام)  بتلك الآداب الّتي أدّبه بها، فلّما استحكم الآداب كلّها، فوّض الأمر إليه، فقال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»[37]، إذ إنّ ذكر حديث الغدير، كتعبيرٍ عن تفويض الأمر إلى عليّ(عليه السلام) ، بما يمثّله هذا التفويض من امتدادٍ لتفويض الله تعالى الأمر إلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ إنما يشكّل قرينة واضحة على أنّ المُراد من ذاك الحديث هو الإمامة والخلافة.
سادسًا: ما ورد عن الإمام عليّ بن الحسين السجّاد (عليهما السلام)؛ عندما سأله سائل، فقال له: «ما معنى قول النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه فعليّ مولاه»؛ قال(عليه السلام) : أخبَرَهم أنّه الإمام بعده»[38].

سابعًا: ما روي عن الإمام الباقر(عليه السلام)  في جوابه لأبان بن تغلِب، «قال: سألت أبا جعفر محمد بن عليّ(عليه السلام)  عن قول النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، فقال: يا أبا سعيد، تسأل عن مثل هذا؟! أعلَمهم أنّه يقوم مقامه»[39].

وهي واضحة الدّلالة من خلال قوله(عليه السلام) : «أَعلَمهم أنّه يقوم مقامه».
وعندما يُسأل الإمام الباقر(عليه السلام) : «يا ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، بماذا فُضّل عليّ (صلوات الله عليه) على النّاس؟ فقال: بقول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»، فقال الرجل: فهذا حديث معروف عند النّاس، يعرفه الخاصّ والعامّ، فهل غير ذلك؟ فقال له أبو جعفر(صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك، وهل تدري ما يجمعه هذا القول وما يقتضيه؟ إنّ الله عزّ وجلّ جعل له به على الأمّة، ما جعل لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عليها من السّمع والطّاعة»[40].

ودلالة هذه الأحاديث واضحة على تشخيص المُراد من حديث الغدير، وأنّه الإمامة والخلافة.
ثامنًا: عن الإمام الصّادق(عليه السلام)  قال: «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عرّف أصحابَه أميرَ المؤمنين(عليه السلام)  مرتين؛ وذلك أنّه قال(صلى الله عليه وآله وسلم) لهم: «أتدرون من وليّكم بعدي؟» قالوا: «الله ورسوله أعلم»، قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «فإنّ الله تبارك وتعالى قد قال: ﴿فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين﴾، يعني أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وهو وليّكم بعدي». والمرّة الثّانية يوم غدير خمّ، حين قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»».

فهنا بقرينة قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «بعدي»، يصبح واضحًا أنّ المراد هو الإمامة، وليس المحبّة، أو أيّة فرضية أخرى.
وعن الإمام الصادق(عليه السلام) : «.. لمّا قُبِض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جاء أربعون رجلًا إلى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ، فقالوا: لا والله، لا نعطي أحدًا طاعةً بعدك أبدًا، قال: ولِمَ؟! قالوا: إنّا سمعنا من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فيك يوم غدير...»[41].
وهنا أيضًا، عندما يرفض هؤلاء إعطاء الطاعة لأحدٍ سوى أمير المؤمنين(عليه السلام) ، استنادًا إلى ما سمعوه من النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خمّ؛ فهذا يعني دلالة حديث الغدير على الإمامة.

وقد وردت نصوصٌ أخرى عن الإمام الصّادق(عليه السلام) ، تصلح أن تكون قرينة على تحديد المُراد من حديث الغدير، وأنّه الإمامة والخلافة، وليس المحبّة[42].
تاسعًا: ما ورد عن الإمام الكاظم(عليه السلام)  من أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا أوقف أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)  في يوم الغدير موقفه المشهور... قال: ««ألا من كنت مولاه وأولى به، فهذا عليّ مولاه وأولى به، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله»؛ ثمّ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «قم يا أبا بكر، فبايع له بإمرة المؤمنين، فقام فبايع له بإمرة المؤمنين». ثمّ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «قم يا عمر، فبايع له بإمرة المؤمنين، فقام فبايع له بإمرة المؤمنين». ثمّ قال(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك لتمام التّسعة، ثمّ لرؤساء المهاجرين والأنصار، فبايعوا كلّهم..»[43].

ومن الواضح هنا أنّ البيعة بإمرة المؤمنين قرينة واضحة على أنّ المُراد من حديث الغدير هو الإمامة، وليس المحبّة؛ فضلاً عن قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «مولاه، وأولى به»، إذ إنّ الأولوية هنا تقتضي أيضًا الإمامة.

عاشرًا: ما ورد عن الإمام الهادي(عليه السلام)، حيث قال في معرض جوابه عن الأيام الّتي يُصام فيهن: «... ويوم الغدير، فيه أقام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أخاه عليًّا(عليه السلام) علمًا للنّاس، وإمامًا من بعده (عليه السلام)»[44].

وهو واضح الدلالة من حيث تعبيره(عليه السلام) أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قد أقام عليًّا إمامًا في يوم الغدير.
الحادي عشر: ما ورد عن الإمام العسكري(عليه السلام)، حين سُئِلَ عن معنى قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين(عليه السلام): «من كنت مولاه فهذا مولاه»؛ قال (عليه السّلام): «أراد بذلك أن جعله علَمًا يُعرَف به حزب الله عند الفُرقة»[45]؛ حيث إنّ كلامه (عليه السلام) عن كون الإمام عليّ(عليه السلام) علَمًا لتمييز حزب الله عن حزب الشّيطان عند الفرقة والاختلاف، تعبيرٌ عن أنّ دور الإمام عليّ(عليه السلام) -من حيث كونه علَمًا- يتّصل بالاجتماع العام الدّيني والسّياسي، لأنّ الفرقة كما تحصل في الشّأن الدّيني، فإنّها تحصل أيضًا في السّياسيّ. وتمييز حزب الله عن حزب الشّيطان كما يحصل في الشّأن الدّيني، فإنّه يحصل أيضًا في الشّأن العام، والسّياسي منه. وأن يمثّل الإمام علي(عليه السلام) علَمًا في هذين الشّأنين الدّيني والدّنيوي، تعبيرٌ عن توجيهه وقيادته لهذين الشّأنين؛ وهو ما يشكّل قرينة على إرادة الإمامة، وليس المحبّة.

إلى هنا نكون قد انتهينا من القسم الأول من هذا البحث. ويبقى أن نعرض للقسم الثاني منه –إنشاء الله تعالى- لاحقاً، حيث سيتمّ التطرق إلى كيفية تلقّي الصحابة -وخصوصاً الذين كانوا في غدير خمّ- لحديث الغدير، وتعبيرهم عن فهمهم له، وأيضاً إلى جملة من القرائن التاريخية والسياسية والفلسفة-دينية ذات الصلة بحديث الغدير، والتي تعين على صحة فهم ما أراده النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) منه، والذي عناه من بيانه.

مصادر البحث
ابن حاتم، الدّرر النظيم، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قمّ.
إبن حنبل، أحمد بن حنبل، مسند أحمد، دار صادر، بيروت.
الأسترآبادي، شرف الدين، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، مدرسة الإمام المهديّ (عج)، قمّ، 1407هـ.ق، ط1.
الأميني، الغدير، دار الكتاب العربي، بيروت، 1977م، ط4.
الجويني، فرائد السمطين.
الحاكم النيسابوري، المستدرك.
حامد، النقوي، خلاصة عبقات الأنوار، مؤسّسة البعثة، طهران، ط1.
الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، قمّ، 1414هـ.ق، ط2.
الذهبي، ميزان الاعتدال.
الصدوق، الخصال، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قمّ، 1403هـ.ق.
الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قمّ، ط1.
الطبرسي، الاحتجاج، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، 1966م.
الطبري، المسترشد، مؤسّسة الثقافة الإسلاميّة، قمّ، 1415هـ.ق.
الطبري، دلائل الإمامة، مؤسّسة البعثة، قمّ، 1413هـ.ق، ط1.
عبيد، علاء، فضائل أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب، مركز رحمة للعالمين، القاهرة، 2014م، ط1.
العسكريّ، مرتضى، معالم المدرستين، مؤسّسة النعمان، بيروت، 1990م.
القندوزي، ينابيع المودّة لذوي القربى، دار الأسوة، 1416هـ.ق، ط1.
الكوفي، محمّد بن سليمان، مناقب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة، قمّ، ط1.
المتّقي الهندي، كنز العمّال، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1989م.
المجلسيّ، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1983م، ط3.
مرتضى، جعفر، الصحيح من شيرة النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)، دار الحديث، قمّ، 1426هـ.ق، ط1.
المغربيّ، القاضي النعمان، شرح الأخبار، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قمّ.
النمازي، عليّ، مستدرك سفينة البحار، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قمّ، 1419هـ.ق.

----------------------------
[1] الأميني، الغدير، دار الكتاب العربي، بيروت، 1977م، ط4، ج1، ص30.
[2] المتّقي الهندي، كنز العمّال، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1989م، ج13، ص131.
[3] النقوي حامد، خلاصة عبقات الأنوار، مؤسّسة البعثة، طهران، ط1، ج9، ص177.
[4] أحمد بن حنبل، مسند أحمد، دار صادر، بيروت، ج3، ص14.
[5] الطبرسي، الاحتجاج، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، 1966م، ج1، ص216.
[6] عليّ النمازي، مستدرك سفينة البحار، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قمّ، 1419هـ.ق، ج7، ص544.
[7] سورة المائدة، الآية: 67.
[8] سورة المائدة، الآية: 3.
[9] الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قمّ، ط1، ج1، ص322.
[10] الطبري، المسترشد، مؤسّسة الثقافة الإسلاميّة، قمّ، 1415هـ.ق، ص624.
[11] الذهبي، ميزان الاعتدال، ج1، ص316؛ عن: علاء عبيد، فضائل أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب، مركز رحمة للعالمين، القاهرة، 2014م، ط1، ص308.
[12] الجويني، فرائد السمطين، ج1، ص41 و42 و44؛ عن: علاء عبيد، فضائل أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب، م. ن، ص55.
[13]  فقد ذكر الذهبي في كتابه «تذكرة الحفاظ»، أنّ عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء، وأبا مسعود الأنصاري، فقال: «قد أكثرتم الحديث عن رسول الله» (مرتضى العسكريّ، معالم المدرستين، مؤسّسة النعمان، بيروت، 1990م، ج2، ص45)؛ وذكر أبو يعلى الخليلي في كتابه «الإرشاد»، أنّ عمر بن الخطّاب قد حبس جماعة منهم أبو هريرة، وأنّهم كانوا في حبسه إلى أن مات.
[14] جعفر مرتضى، الصحيح من شيرة النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)، دار الحديث، قمّ، 1426هـ.ق، ط1، ج18، ص104.
[15] الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج3، ص138؛ أيضًا: علاء عبيد، مناقب أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب، م. س، ص190-199.
[16] علاء عبيد، فضائل أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب، م. س، ص200-203.
[17] م. ن، ص114-119.
[18] إنّ ما يُستفاد من هذا الحديث هو عصمة الإمام عليّ(عليه السلام)، في مختلف تجلِّياتها ومجالاتها، من دينيّة وسياسيّة وغيرها. وهذا يعني مطلوبيّة اتّباع الإمام عليّ(عليه السلام) في كلّ صغيرة وكبيرة؛ لأنّ معنى أن يكون عليّ(عليه السلام) معيارًا للحقّ هو أنّ من أراد الحقّ عليه أن يتَّبع عليًّا(عليه السلام)، وهذا يعني أيضًا أن تصبح مواقف الإمام عليّ(عليه السلام) وكلماته الفيصل بين الحقّ والباطل في القضايا الإشكاليّة كافّة، من تاريخيّة وعقديّة وغيرها.
[19] علاء عبيد، فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، م. س، ص15.
[20] م. ن، ص120-122.
[21] م. ن، ص349-350.
[22]  م. ن، ص302-317.
[23] م. ن، ص358-361.
[24] م. ن، ص206-214.
[25] م. ن، ص204-205.
[26] م. ن، ص152-158.
[27] م. ن، ص82-86.
[28] يوسف بن حاتم، الدّرر النظيم، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قمّ، ص445.
[29] محمّد بن سليمان الكوفي، مناقب الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) ، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة، قمّ، ط1، ج2، ص377.
[30] القندوزي، ينابيع المودّة لذوي القربى، دار الأسوة، 1416هـ.ق، ط1، ج2، ص282؛ قد ورد في المتن تعبير «أولى في عن نفسي» ولعلّه تصحيف، ولعلّ الصحيح ما ذكرناه في النصّ.
[31] الأميني، الغدير، م. س، ص165.
[32] المجلسيّ، بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1983م، ط3، ج36، ص353.
[33] الطبري، دلائل الإمامة، مؤسّسة البعثة، قمّ، 1413هـ.ق، ط1، ص122
[34] الصدوق، الخصال، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قمّ، 1403هـ.ق، ص173.
[35] المجلسيّ، بحار الأنوار، م. س، ج10، ص143.
[36] سورة الحشر، الآية: 7.
[37] محمّد بن سليمان الكوفي، مناقب الإمام أمير المؤمنين، م. س، ص428.
[38] القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قمّ، ج2، ص549.
[39] المجلسي، بحار الأنوار، م. س، ج37، ص223.
[40] م. ن، ص263.
[41] شرف الدين الأسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، مدرسة الإمام المهديّ (عج)، قمّ، 1407هـ.ق، ط1، ج2، ص699.
[42] المجلسيّ، بحار الأنوار، م. س، ج28، ص259.
[43] م. ن، ج37، ص142.
[44] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، قمّ، 1414هـ.ق، ط2، ج10، ص442.
[45] المجلسي، بحار الأنوار، م. س، ص223.