البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ظاهرة الوحي "قراءة تحليلية مقارنة في ضوء الآراء الكلامية"

الباحث :  د. حاتم الجياشي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  24
السنة :  صيف 2022م / 1443هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 20 / 2022
عدد زيارات البحث :  3789
تحميل  ( 1.153 MB )
الملخّص
اقتضت طبيعة هذه الدراسة أن نقسمها -بعد المقدمة-على سبعة محاور:‏
فأمّا المحور الأول: فتكفل بتبيين المفاهيم التصورية لهذه الدراسة، من حيث إيضاح ‏مفهوم الوحي لغة واصطلاحاً، والوحي في الاستعمال القرآني وفي المعنى الشرعي ‏أيضاً.‏
وأما المحور الثاني: فأخذ على عاتقه تبيين أدلة إمكانية وقوع الوحي، وهنا اقتضت ‏الأدلة وقوع الوحي خارجاً، لما تبين معنا في طيات البحث.‏
وأما المحور الثالث: فتبنّى إيراد الأدلة على الحاجة للوحي، وتبين لدينا أن الحاجة ‏للوحي قائمة وثابتة بالدليل العقلي والنقلي، وسوف يقف القارئ الكريم على ذلك في ‏مطالعته لهذه الدراسة.‏

وأما المحور الرابع: فمتكفل بتبيين حقيقة الوحي في الفكر الإسلامي، وبيّنّا فيه أقوال ‏العلماء في دراسة هذه الظاهرة وأسباب اختلافهم فيها.‏
وأمّا المحور الخامس: فأوضحنا فيه تحليل هذه الظاهرة ودراستها من زاوية المقارنة بين ‏التفاسير الكلامية، ومعرفة أوجه الاتفاق والاختلاف وأسباب ذلك.‏

وأما المحور السادس: فتناولنا فيه حقيقة الوحي من زاوية الحداثويين الإسلاميين، ‏وأوضحنا ما ذهبوا إليه من إثارات وشبهات حول ظاهرة الوحي.‏
وعقدنا المحور السابع: لنقد الرؤية الحداثوية لظاهرة الوحي، فأوضحنا وَهْن الرؤية ‏التي تبناها هؤلاء، وضعف الأدلة التي ساقوها لما ذهبوا إليه في رؤيتهم حول هذه ‏الظاهرة.‏
ثم ختمت هذه الدراسة بأهم ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات حولها.‏


الكلمات المفتاحية
{التفاسير الكلامية ، الحداثويين، محمد أركون، الوحي الإلهي، الوحي}



Study of the phenomenon of oracle reading in the term of the verbal opinions Comparative analysis
Dr.HATEM KAREEM ABDUALHUSEIN

Abstract‎
This study its nature required to divide it into five categories:‎
First category: ensure to explain the figurative phenomenon to this study through explaining the ‎phenomenon of oracle terminologically and linguistically, so the oracle in the qur'anic used, and the ‎legitimate ‎
The second category: has taken it upon itself to explain the evidence of oracle happening out, for what was ‎explained to us during this study.‎

The third category: the evidence shows the need for oracle, and shows for us the need for oracle is still ‎there straight, and steady by mentality, and transmission evidence and this will the reader getting it during ‎his reading this study.‎
The fourth category: has taken it upon itself to explain the reality of oracle in the Islamic religion, and here ‎we explained the scientific sayings, in the study of this phenomenon, and its reasons for disagreement.‎
Fifth category: we explained the analysis of this phenomenon and studied it by making a comparison ‎between the verbal explanations.‎
Sixth category: we addressed the reality of oracle from the opinion of the Islamic modernists; we explained ‎what they have gone from implications, and suspicion about the phenomenon of oracle. ‎
The seventh category: is that we appreciate the modernist view of the phenomenon of the oracle, we ‎explained the weakness of the view adopted by those and the weakness of the evidence that they have ‎given when they went in their view about this phenomenon. ‎
‎     Then this study concluded with the most important results and suggestions. ‎

Keywords: explanations, modernists, Mohammed Arkoun, oracle verbal, oracle.‎


المقدمة:
شكلت ظاهرة الوحي في الأديان السماوية المنزَّلة من عند الله -المرتكز الأساس، وتعد المكون الصلب لجوهرها وروحها، فالمعنى الأصلي لكونها أدياناً إلهية أن الله هو الذي أنزلها وأوحاها إلى أشخاص من البشر قد اجتباهم وخصهم بإبلاغ رسالته إلى بني جنسهم، وأن البشر ليس لهم تدخّل وأثر في صياغة ما أمرهم الله بإيصاله إلّا في التلقي والعمل فقط، وتقوم حقيقة الوحي على أنه إعلام وإخبار من الله تعالى بما يريد من عباده العمل به والأخذ بقوانينه. وهذا يدل على أن ظاهرة الوحي مكونة من أمور أساسية: المرسِل، وهو الله تعالى؛ ومستقبل الرسالة، وهو النبي؛ ومضمون الرسالة، وهو الدين المنزَّل بشرائعه وأحكامه المختلفة.

فمصدر الوحي ومنبعه الوحيد ومنطلقة وابتداؤه من الله تعالى، لا من أحد سواه؛ ولهذا ارتأينا في هذه الدراسة أن نسبر غور ظاهرة الوحي في التفاسير الكلامية؛ لما لهذا البحث من أهمية عظيمة في الساحة العقدية، فهي الركن الذي تُبتنى عليه مباحث أصول الدين؛ لأن الإيمان بالوحي هو إيمان بالقرآن مع انحصاره به، فالباحث بجهده حاول الكشف عن أهم المباحث التي توضح ما احتوى عليه العنوان؛ ليرفع بذلك إشكالية عدم انطباق المعنون على ما هو موجود في العنوان حول ظاهرة الوحي الإلهي، آملاً من الله تعالى التوفيق والسداد لبلوغ المبتغى والمأمول، وأنا جئت مكملاً لا مدعياً الكمال في ذلك؛ لأن الكمال له وحده سبحانه.
وأخيراً أرجو أن أكون قد وفقت في الوقوف على ما يحيط بهذه الدراسة من مطالب، وقبل الوقوف على جوهر البحث وكنهه، لا بد من تبيين المفاهيم التصورية لهذه الدراسة:

الوحي في اللغة: قال أهل اللغة إن الوحي هو: الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك. يقال: وحيت إليه الكلام وأوحيت. ووحي وحياً، وأوحى أيضاً، أي: كتب، ...، وهو أن تكلمه بكلام تخفيه[1]، ومنه قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:164]، أي أوحى إليه على سبيل الكلام، وقالوا أيضاً إن أصل الوحي: الإشارة السّريعة، ولتضمُّن السّرعة قيل: أمر وَحْيٌ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرّمز والتّعريض، وقد يكون بصوت مجرّد عن التّركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة[2]، وهذا معناه أن الوحي يقصد منه الكلام في بعض الأحيان كقول أبي ذويب:

فقالَ لها وقد أوحَتْ إليهِ *** ألا لِلّـهِ أُمُّكَ لا تَعيفُ
ومن خلال هذا الذي ذكرناه يتضح لنا أن مفهوم الوحي مكون من أمرين (الإعلام والخفاء)، وعليه فكل الموارد التي استعمل فيها القرآن لفظ الوحي كانت من باب إستعمال اللفظ في مصاديقه المختلفة؛ وذلك لوجود هذه الجهة المشتركة أي الإعلام والخفاء بين هذه المصاديق المختلفة، وهذا ما أشار إليه العلامة المصطفوي في معنى (وحي) بــ»أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو إلقاء أمر في باطن غيره، سواء كان الإلقاء بالتكوين أو بإيراد في القلب، وسواء كان الأمر علماً أو إيماناً أو نوراً أو وسوسة أو غيرها، وسواء كان إنساناً أو ملكاً أو غيرهما، وسواء كان بواسطة أو بغير واسطة، ويفيد العلم واليقين، ...، وأكثر استعماله في المعنويّات، وهو مطلق وأعمّ»[3].

بعبارة أخرى: إن الوحي في اللغة له خمسة أنواع من المعاني:
1 – الإلهام الفطري للإنسان، ودليله قوله تعالى:﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾[القصص:7].
2 – الإلهام الغريزي للحيوان، ودليله قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النحل:68].
3 – الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء، ودليله قوله تعالى:﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً  وَعَشِيًّا﴾[مريم:11].
4 – وسوسة الشيطان وتزيينه الشر في نفس الإنسان، ودليله قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام:121]، وقوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام:112].
5 – ما يلقيه الله إلى ملائكته من أمره ليفعلوه، ودليله قوله تعالى: ﴿ِإذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [ألأنفال:12].

الوحي في الاصطلاح: «إعلام الله لأحد أنبيائه بحكم شرعي أو نحوه. وقيل: عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قِبَل الله تعالى بواسطة أو بغير واسطة، والأوّل بصوت يسمعه أو بدون صوت»[4]، وعرفه السيد العلامة الطباطبائي بالإدراك الغيبي في تفسيره الميزان، فقال: «وهذا الإدراك والتلقي من الغيب هو المسمى في لسان القرآن بالوحي»[5].

وعرفه السيد الشهيد الصدر قائلاً «الوحي عبارة عن فكرة يدركها الإنسان، مصحوبة بالشعور الواضح، بأنها ملقاة من طرف أعلى منفصل عن الذات الإنسانية، وشعور آخر واضح بالطريقة التي تم فيها الإلقاء، مع وجود عنصر الغيب والخفاء في هذه العملية، ولذا تسمى بالوحي»[6]، وهو التعريف الأرجح عند الباحث.

الوحي في العرف القرآني:
إن للقرآن الكريم أثراً كبيراً في إثراء اللغة العربية بتوسيع وابتكار معانٍ ومفاهيم جديدة لم تكن مستعملة في اللغة العربية من قبل، والوحي من الألفاظ التي استعملها القرآن الكريم فبين له أبعاداً جديدة إضافة إلى ما أوضحه من معانٍ كانت متداولة في اللغة، فكانت لهذه الإضافة أبعاد روحية سمت باللغة العربية إلى معانٍ شريفة راقية في التعبير.
فقد استوعب القرآن الكريم جميع التصريفات اللغوية لمادة الوحي، وعبر عن أغلبها بمعانيها المتداولة، وصبّها جميعاً في قوالب جديدة ترابطت فيها المعاني المتعددة، أو انفصلت بعضها عن بعض، وقد ورد ذلك في آيات متعددة ستكون مداراً للبحث فيما سيأتي مطالب، إذن فلما كان الإلقاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة جبريل (عليه السلام) وبسماع الكلام أو إلقاء في الروع أو رؤيا بالمنام فكل هذا مما خفي على غيره، لذا فقد عبّر سبحانه عن ذلك بالوحي[7]، وهي معانٍ لم يكن بعضها معروفاً في العربية.
ويُرجع ابن الأنباري سبب التسمية بالوحي -فيما كان إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)- إلى أن الملك أسرَّه عن الخلق، وخص به النبي المبعوث إليه[8]، ويقال للكلمة الإلهيّة التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه: وحيٌ، ليكون شاملاً لأشكال متعددة عبرت عنها الآية في قوله تعالى: ﴿ِوَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ﴾ [الشورى: ٥١] للإحاطة بها، إذ تبيّن أنواع التكليم الإلهي للبشر.

ثمّ إنّ القرآن الكريم استخدم ألفاظاً أخرى للتعبير عن المعنى نفسه في الوحي والكلام الإلهي، سواء تضمن ذلك معنى المتقدم-الإعلام والخفاء-أو إشارة إليه من طرف خفي، فقد قال تعالى في الوحي:﴿ إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ..﴾ [النساء: ١٦٣]. وقال في الإلهام: ﴿وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها﴾ [الشمس: ٧ ـ ٨]. وقال في الإنباء: ﴿قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [التحريم ٣]. وعبّر عن ذلك أيضاً بالقصّ قال تعالى: ﴿َقُصُّ الْحَقَ﴾ [الأنعام: ٥٧]. وأشار إليه أيضاً بالتكليم، قال تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً﴾ [النساء: ١٦٤]. وعبر عنه كذلك بـ(القول)، قال تعالى: ﴿فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ﴾ [طه: ١١٧]، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [التكوير: ١٩].

وبياناً لمعنى التّسخير والإلهام الغريزي أو الفطرة؛ استعمل لفظ الوحي، فقال تعالى: ﴿وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨]، وقال: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها﴾ [الزلزلة: ٤ ـ ٥].
وضمّن معنى الوسوسة والتغرير في لفظ الوحي، فقال تعالى: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ [الأنعام: ١١٢].
ومن هنا يظهر أن الاستعمالات اللغوية للوحي اتسعت بما أضافه القرآن الكريم عليها من معانٍ جديدة، فصار الوحي يتناول:

١ ـ الإلهام الفطري للإنسان كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى﴾ [القصص: ٧]، وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ﴾ [المائدة: ١١١].
٢ ـ الإلهام الغريزي: (التّسخير) أو التقدير أو النطق -لمن جعله حياً بالنسبة للسماء والأرض-.
٣ ـ الإلهام الإلهي للأنبياء، فهو خاص بإبلاغهم تعاليم السماء.

وبعودتنا إلى مادة الوحي لاستقصاء استعمالها في القرآن الكريم فيما يختص بأنواع وأشكال الوحي التي عبرت عنها آية الشورى: ﴿وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: ٥١]؛ نجد أن القرآن الكريم يستعمل الاسم المصدري (وحي – وحياً) في الدلالة غالبا على النوع الأول من الوحي الوارد في الآية ، كما يستعمله أحياناً في تنزيل القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في قوله تعالى: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ [طه: ١١٤] وهو النوع الثالث من الوحي في الآية.
فاستعمال اسم الوحي مقتصر في القرآن على ما كان إلهاماً وقذفاً في النفس، أو ما كان بواسطة الملك . وهو أيضاً حين استخدم المصدر لم يذكر (الإيحاء) الذي هو مصدر الفعل (أوحى)، وإنما استخدم المصدر (وَحْي) وهو من الفعل (وحي). قال تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى﴾ [النجم: ٤]. علماً أن كلمة الوحي استعملت في القرآن الكريم ست مرات فقط، وكانت جميعها في سور مكية.

وهذا ما لاحظه الفخر الرازي، أن القرآن حين يستخدم الصيغة الفعلية، لا يذكر صيغة (وَحِيَ) ومصدرها (وَحْي) بل يستخدم صيغة (أوحى) ومصدرها (إيحاء).

إذن: كان للقرآن الكريم دور بارز في إثراء لفظ الوحي، والسمو به إلى معانٍ جديدة لم تكن اللغة -والبيئة العربية وما يحيطها من اتجاهات فكرية ودينية- قد عرفتها بالمعنى الذي جاء بها القرآن الكريم وضمّنها في هذا اللفظ، فالقرآن الكريم أضفى على لفظ الوحي فجعله شاملاً لمعانٍ ومفاهيم بعيدة الخفاء شديدة العمق.

الوحي بالمعنى الشرعي على أربعة مستويات:
1 – مكالمة الرب لعبده بغير واسطة، كما قال سبحانه: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ...﴾ [الأعراف: 143]، وقد كلم الله تعالى نبيه محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم) بغير واسطة حين عرج به إلى السماء.
2 – ما يكون إلهاماً يقذفه الله في قلب نبي على وجه من العلم الضروري، لا يجد فيه شكّاً ولا يستطيع له دفعاً. مثل قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن روح القدس نفث في رُوعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب»[9].
3 – رؤيا المنام للأنبياء، وهي من الوحي كما في قوله تعالى عن إبراهيم (عليه السلام) ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات:102]، وكما في قول عائشة رضي الله عنها: «أول ما بُدئ به رسول الله: الرؤيا الصالحة، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح»[10].
4 – ما يكون بوساطة جبريل (عليه السلام)-وهو أفضل الملائكة الذين خلقهم لعبادته وتنفيذ أوامره لا يعصون ما أمرهم-بأمر الله كما في قولهِ ﴿وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [سورة الشعراء:192-194].

استحوذ تعريف اللغويين على اهتمام الباحثين في علوم القرآن، حيث إنّ نظرهم في تعريف الوحي اصطلاحاً كان مبنياً على ما ذكره اللغويون من معنى للوحي، ولكن مع إضافة قيد جديد يحدد لنا النسبة وأنها من الله تعالى، نرى أن بعضهم قد عقد البحث حول الوحي الإلهي واكتفى بما ذكره اللغويون من تعريف للوحي، والبعض الآخر قد ذكر تعريفاً للوحي بحسب مفهوم الشرع ضمنه الإعلام الخفي، ومن هنا فلا بأس في الإشارة إلى بعض هذه التعاريف التي ذكرها كِلا الفريقين السنة والشيعة.
فقد ذكر بعض الباحثين من أهل السنة تعريفاً للوحي، فقال: إن الوحي في مفهوم الشرع هو «إعلام الله أنبياءه ورسله بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو کتاب بواسطة أو بدون واسطة»[11]، وعرّفه آخر بقوله: «إعلام الله تعالى أنبياءه الشيء، إما بكتاب أو برسالة ملك أو منام أو إلهام»[12].

وأما في مدرسة أهل البيت b، فقد عرفه السيد العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان بالإدراك الغيبي -وقد ذكرناه سابقاً-، وعبّر عنه في مكان آخر بقوله: «ومن هنا يظهر أن هذا الشعور من غير سنخ الشعور الفكري، بمعنى أن ما يجده الإنسان من النتائج الفكرية من طریق مقدماتها العقلية غير ما يجده من طريق الشعور النبوي، والطريق غير الطريق».
فعبر السيد العلامة عن الوحي بالشعور، وأن طريقته هي طريقة الإلقاء من الغير بخلاف الطريق الفكري العادي، فإن طريقه هو الجهد الشخصي، ولعل هذا هو نفس ما ذكره السيد محمد باقر الحكيم في كتابه علوم القرآن عندما قال: «الوحي عبارة عن فكرة يدركها الإنسان، مصحوبة بالشعور الواضح بأنها ملقاة من طرف أعلى منفصل عن الذات الإنسانية، وشعور آخر واضح بالطريقة التي تم فيها الإلقاء، مع وجود عنصر الغيب والخفاء في هذه العملية، ولذا تسمى بالوحي».

ومن الواضح أن السيد الشهيد الصدر هنا فسر الوحي الإلهي بأنه إعلام خفي من الله تعالی، وهذا هو الموجود في روايات أهل البيت (b)، ولكن مع توسعة في مفهوم الكلام، بمعنى أن كلام الله لا يختص بالخطاب واللفظ، بل يشتمل ويصدق على الإلهام وغیره. «فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه سأل جبرائيل (عليه السلام) مِن أين تأخذ الوحي؟ فقال: آخذه من إسرافيل (عليه السلام)، فقال: ومن أين يأخذه إسرافيل؟ قال: يأخذه من ملك فوقه من الروحانيين، قال: فمن أين يأخذه ذلك الملك؟ قال: يُقذف في قلبه قذفاً، فهذا وحي، وهو كلام الله عز وجل، وكلام الله ليس بنحو واحد، منه ما كلم الله به الرسل، ومنه ما قذفه في قلوبهم، ومنه رؤيا يريها الرسل، ومنه وحي وتنزيل يُتلى ويُقرأ، فهو كلام الله، فاكتفِ بما وصفتُ لك من كلام الله، فإن معنى كلام الله ليس بنحو واحد، فإن منه ما يبلّغ به رسلُ السماء رسلَ الأرض»، ومن خلال ما ذكرناه من تعاريف يتضح لنا عدة أمور:

أولاً-إن للوحي عدة أطراف، هي المعبَّر عنها بأبعاد الوحي، وهي عبارة عن:
1-الموحي -بالكسر-، وهو الله سبحانه وتعالى.
۲- والموحى إليهم، وهم الأنبياء والرسل.
۳- والموحی به، وهو الشرع أو الكتاب.
4-والوسيلة التي يتم عن طريقها الإيحاء.

فالوحي هو عبارة عن العملية المشتملة على هذه الأطراف الأربعة كلها، كما أشار السيد الحكيم في كلامه الذي نقلناه سابقاً، ولكن نحن نطلق لفظ الوحي على خصوص الموحى به من باب إطلاق اللفظ على اللازم وإرادة الملزوم؛ لأن لازم الوحي أن يكون هناك موحى به، فنحن أطلقنا الوحي على اللازم -وهو الموحى به- وأردنا الملزوم، أي: نفس علمية الوحي، وهذا الإطلاق موجود في كلام العرب كثيراً.

ثانيا-إن مفهوم الوحي في نظر المسلمين مكون من أمرين أساسيين:
1-الإعلام الذي هو نقطة أساسية وجوهرية في بيان حقيقة الوحي الإسلامي، وذلك لأنه من خلال أخذ قيد الإعلام في حقيقة الوحي.
2-الخفاء؛ وذلك لأن هذا الوحي من الله تعالى لأنبيائه ورسله يكون خفياً على غيرهم، وبعضهم قد أضاف قيد السرعة كما أشرنا سابقة.

ثالثاً-إن الوحي بمفهومه العام يشمل غير القرآن، كالأحاديث القدسية التي كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينسبها مباشرة إلى الله عز وجل، أو النبوية إذا كانت مرتبطة بالتشريعات، أو كالروايات والأحاديث التي جاءت لبيان بعض الأمور العقائدية أو لبيان حكم شرعي أو لتفصيل مجمل أو إيضاح عام، حيث إنه قد ورد في بعض الروايات من كلا الفريقين -بشكل واضح وصريح- أن جبرائيل كان ينزل ويعلّم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض الأحكام والأمور التي هي ليست قرآناً.
فمن أحاديث السنة ما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، أن النبي قال: «إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها»[13]، وعلى هذا الأساس فإن الكثير من الروايات تصرح لنا بأن الوحي ليس مختصاً بالقرآن وإنما هو شامل لغيره، هذا إذا نظرنا إلى هذه المسألة من وجهة نظر خاصة، أي من ناحية الروايات الخاصة التي صرحت بذلك.

المصطلحات ذات الصلة بالبحث:
التلقي: من الصيغ التي يعبر بها القرآن الكريم عن الوحي بلا واسطة، وقيل إن (تلقّى) أصله (أخذ). وقيل أصله: التفعُّل من اللقاء كما يتلقّى الرجلُ الرجلَ، يستقبله عند قدومه من غيبة وسفر، فقوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى﴾ أي: كأنه استقبله فتلقاه بالقبول حين أوحي إليه، وهذه الصيغة لم تنسب إلّا إلى آدم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أول من تلقّى الكلام عنه تعالى بمعنى العلم والمعرفة في الوحي من البشر، فهو أول من كلّمه وتبادل معه الخطاب، فيثبت أنه أول نبي. قال تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ٣٧][14].
المناداة: وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم بصيغة فعل النداء تعبيراً عن الحال مع النبي، كما في قوله تعالى:﴿ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا...﴾ [الصافات: ١٠٤]، فهذا النداء لم يكن ضمن الرؤيا نفسها، بل حدث بالإلقاء الخفي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بدليل أنه كان إخباراً له (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه قد صدّق الرؤيا، وكقوله تعالى: ﴿وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الشعراء: ١٠].

الرؤيا في المنام: ورد ذكر الرؤيا في القرآن، وأنها استُخدمت طريقة للوحي النبوي إلى عدة أنبياء، منهم:
إبراهيم (عليه السلام): قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: ١٠٢].
العهد: جاءت الآيات بكون هذا العهد من الله مع عدة أنبياء، وذلك كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ [طه: ١١٥]. قال ابن عباس: معناه: أمرناه وأوحينا إليه ألّا يقرب الشجرة ولا يأكل منها؛ فترك الأمر[15]. وكقوله تعالى: ﴿وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: ١٢٥]. وقد فسّر الفخر الرازي (العهد) هنا: بالأسر أيضاً فعهدنا إليهما معناه: ألزمناهما وأمرناهما أمراً وثقنا عليهما فيه[16].

التفهيم: والفهم: هيئة في الإنسان بها يتحقّق معاني ما يحسن، وأفهمته: إذا قلت له حتى تصوّره. ولم يرد ذكر التفهيم بوصفه من أشكال الوحي للأنبياء b إلّا إلى سليمان (عليه السلام)، وذلك في قضية الحرث، قال تعالى: ﴿وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً.﴾ [الأنبياء: ٧٨-٧٩].

أدلة الحاجة إلى الوحي في الفكر الإسلامي:
بإمكاننا أن نثبت حاجة البشر إلى الوحي من خلال عدة طرق، منها:

١-الدليل العقلي
العقل هو طريق عام وليس مختصاً بالديانة الإسلامية فحسب، بل شامل حتى للديانات السماوية الأخرى، كاليهودية والنصرانية المؤمنة بأصل فكرة الوحي، وتوضيح هذا الطريق يبتني على بيان مقدمتين:

الأولى: الهدف من خلق الإنسان.
يشكّل الإنسان جزءاً من منظومة هذا الكون والوجود الذي خلقه الله تعالى، فهو كغيره من الموجودات يوجد له هدف هو الوصول إلى كماله النهائي، وهذا الهدف يرجع إلى ذات الإنسان لا إلى الله تعالى كما هو واضح؛ لأن أي عمل (كالخلق) مثلاً يصدر من موجود مرید شاعر حکیم عالم...، عندما يصدر منه فإنّه لا يخلو من واحد من أهدافٍ وغاياتٍ ثلاثة لا رابع لها -على سبيل الحصر العقلي-:

أ-إما لجلب المنفعة وتحقيقها لذاته، أي لذات الفاعل والخالق.
ب- وإما لجلب المنفعة له وللآخرين.
ج-وإما لجلب المنفعة للآخرين فقط.

الثانية: محدودية الإنسان عن إدراك جميع الوسائط.
صحيح أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، يشهد بذلك الواقع وبعض الآيات الشريفة، كقوله تعالى: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقویم﴾ [التين: 4]، من حيث الخلقة في البدن، وتميزه بالعقل والنطق والتمييز والاختيار والتدبر، فهو مدرك للأشياء بالوسائل الحسية والعقلية، كالحواس الظاهرة التي يدرك من خلالها الأشياء المادية، والعقل الذي يدرك من خلاله معاني تلك الأشياء المادية وغيرها، كإدراكه لله سبحانه وتعالى الذي هو ليس مادياً، تعالى الله عن ذلك عُلوّاً كبيراً؛ ولكن مع ذلك يبقى قاصراً عن إدراك جميع الوسائط التي تقع في طريق سلوكه إلى هدفه وتكامله النهائي، وكذا العقبات والعراقيل والانحرافات والمزالق التي تعيق وتمنع من هذا الوصول.

ومن المعلوم أن الإنسان لا يصل بنفسه إلى هدفه النهائي إلّا إذ كان عالماً بجميع الوسائط المؤدية إلى هذا الهدف، وبالعراقيل المانعة من الوصول إليه -بخلاف بعض الحيوانات فإنها تصل إلى هدفها من خلال ما أودعه الله فيها من أمور غريزية-، وبما أنه قاصر عن هذا الإدراك فيتعين على الخالق الحكيم -بمقتضى حكمنه الإلهية- أن يوفر للبشر الوسائل والمستلزمات الضرورية التي يحتاجونها، ويدلهم على طريق الوصول، ولا طريق لذلك إلّا الوحي[17].

٢-الدليل القرآني
حاول بعض العلماء الباحثين -كالسيد العلامة الطباطبائي- الاستفادة من بعض الآيات القرآنية الدالة على حاجة البشر إلى الوحي وبعث الأنبياء كقوله تعالى: ﴿‌كَانَ ‌النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213]؛ لبيان أن الإنسان كما هو مفطور على الحياة المدنية والاجتماعية مع بقية أفراد نوعه بالطبع، كذلك هو مفطور على الاختلاف معهم، ولا مانع من وجود أمرين فطريّين متنافرین ما دام يوجد أمر ثالث حاكم عليهما معاً، وهذا الاختلاف والتنازع على نوعين؛ أحدهما: في أمور الدنيا وهو المرفوع بالوحي وببعث النبيين، والثاني: في أمور الدين الذي حصل نتيجة بغي حملة الكتاب والعلماء، إذن فالسبب في بعث الأنبياء وإنزال الوحي هو وقوع الاختلاف، فلأجل رفع هذا الاختلاف بعث الله النبيّين وأنزل الوحي.

يقول السيد العلامة الطباطبائي: وهذا الاختلاف كما عرفت ضروري الوقوع بين أفراد المجتمعين من الإنسان؛ لاختلاف الخلقة باختلاف المواد، وإن كان الجميع إنساناً بحسب الصورة الإنسانية الواحدة، والوحدة في الصورة تقتضي الوحدة من حيث الأفكار والأفعال بوجه، واختلاف المواد يؤدي إلى اختلاف الإحساسات والإدراكات والأحوال في عين أنها متحدة بنحو، واختلافها يؤدي إلى اختلاف الأغراض والمقاصد والآمال، واختلافها يؤدي إلى اختلاف الأفعال، وهو المؤدي إلى اختلال نظام الاجتماع.
ثم قال: وظهور هذا الاختلاف هو الذي استدعى التشريع، وهو جعل قوانين كلية يوجب العمل بها ارتفاع الاختلاف ونيل كل ذي حق حقه وتحميلها الناس)، فسبب التشريع ونزول الوحي هو حل ورفع هذا الاختلاف لأجل التوصل إلى العدل الاجتماعي، فحاجة البشر إلى الوحي تبتني على جملة من المقدمات التي ذكرها السيد العلامة في بحثه حول الآية السابقة.

أ-إن الإنسان اجتماعي بالطبع، فهو بحاجة إلى غيره، وغيره كذلك بالنسبة إليه، فكل واحد له دوره في بناء الحياة الاجتماعية؛ لأنه لا يستطيع كل فرد لوحده أن يقوم بجميع الأعمال والأفعال التي يحتاجها، ومن المعلوم أنه كلما ازدادت الطلبات ازدادت الحاجة إلى الغير، وأهم شيء يطلبه الإنسان في حياته الدنيوية والأخروية، هو دفع المكاره عن نفسه وجلب السعادة لها.
ب- إن الإنسان ليس مزوداً ببعض الإلهامات الغريزية، التي من خلالها يستطيع تحديد ما يحتاجه في مسيرته بشكل تلقائي وتكويني كغيره من الحيوانات مثل النحل والنمل وغيرهما، إذ لو كان مزوداً بمثل هذه الغرائز والإلهامات لكانت الحاجة إلى غيره أفضل عوامل المحبة والوئام والتعاون بين الأفراد؛ لأن كل نفس حينئذ تشعر أن بقاءها مرهون ببقاء الكل والجميع، والمحبة والتعاون هما أساس السلم ورسول السكينة إلى القلوب، وهي التي تُحبب الشخص للعمل من أجل الآخرين، والدفاع عنهم عند الخطر؛ لأن الدفاع عنهم دفاع عن نفسه وبقائها، فالمحبة والتعاون من شأنهما أن يكونا حافظين لنظام الأمم وبقائها واستمرارها.
ج- مما لا شك فيه أن مواهب الناس تتفاوت من ناحية الفهم والإدراك وقوة العقل والبدن والصبر وتحمل المشقات، فمنهم المقصر ضعفاً وكسلاً، ولكنه الطامح شهوة ومالاً وطمعاً، فيرى من أخيه أنه العون له على ما يريد من شؤون وجوده، ولكنه يذهب من ذلك إلى تخيّل اللذة والاستئثار بجميع ما لديه، يريد أن يأخذ ولا يعطي، فقد يجد اللذة في أن يتمتع ولا يفعل شيئاً، في أن يتسلط ويغصب حقوق غيره من دون مقابل، عندها يُقيم مقام العمل الصالح والفكر الصالح التسلطَ والهيمنةَ والاعتداءَ، ويجهد نفسه في استنباط ضروب الاحتيال والكذب، كي يتمتع على حساب غيره حينها يختل نظام المجتمع والتعاون، فيحل التناهب مكان التواهب، والحيل مقام العقل، والشقاق مكان الوفاء؛ فيحصل الاختلاف.

ولم يقف هوس الإنسان في التنافس عند حدود اللذة المادية والجسدية، بل تطاول إلى التنافس حتى في اللذائذ الروحية والمعنوية، فحاول بعض أهل البصيرة وضع قوانين لحل تلك النزاعات والتنافسات المادية والمعنوية والروحية، ولكن كل هذه المحاولات التي قام بها بعض رجالات التاريخ (کبوذا وغيره) - باءت بالفشل؛ وذلك لأنها واجهت مشكلتين أساسيتين:

1-أن الواضع لتلك القوانين -حتى ولو كان من رجال الصلاح- يبقى قاصراً عن إدراك جميع القوانين التي تكون في صالح العباد، وتؤدي إلى سعادتهم.
۲- أنه لا يمكن لأي مخلوق بشري -مهما علا شأنه- أن يلزم جميع أفراد البشر بما توصل إليه من أفكار وقوانين وتشريعات، وإن كانت تلك التشريعات على حق، وهذا ما عليه سيرة المجتمعات عبر التاريخ.
٣-دليل السنة الشريفة

إن هناك بعض الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة توضح لنا حاجة البشر لنزول الوحي وبعث الأنبياء، وهي كثيرة سنقتصر على ذكر رواية واحد بغية الاختصار وعدم الإطالة، هي ما ورد عن الصادق (عليه السلام) في مناظرة له مع أحد الزنادقة، يرويها الشيخ الصدوق في كتاب علل الشرائع، قال: «عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: للزنديق الذي سأله: من أين أثبت الرسل والأنبياء؟ فقال: إنا لـمّا أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً، لم يجز أن يشاهده خلقه ويلامسوه ويباشرهم ويباشروه، ويحتاجهم ويحتاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده، ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه عز وجل، وهم الأنبياء وصفوته في خلقه، حكماء مؤدبون بالحكمة مبعثون بها غير مشاركين للناس في شيء من أحوالهم، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في  كل دهر وزمان ما أتت به الرسل الأنبياء من الدلائل والبراهين، لكي لا تخلو أرض الله من حجه يكون معه علم على صدق مقالته، وجواز عدالته»[18].

أدلة إمكانية ووقوع الوحي في الفكر الإسلامي:
ذكر المسلمون العديد من الأدلة الدالة على وقوع الوحي خارجاً، ويمكن أن نقسم هذه الأدلة على قسمين: عقلية ونقلية، والنقلية على نحوین: من خارج القرآن الكريم ومن داخله.

الأدلة العقلية على وقوع الوحي:
أ-دليل المتكلّمين: ذهب بعض المتكلمين -انطلاقاً من قاعدة التحسين والتقبيح العقليين وأن ما كان حسناً ينبغي على الله أن يفعله وما كان قبيحاً ينبغي تركه- إلى القول بضرورة وقوع النبوة والوحي خارجاً، وذلك بتقريب:
أنه بعد أن ثبت إمكان الوحي عقلاً، وأنه لا دليل على امتناعه، وثبت أيضاً أن البشر محتاجون إليه؛ وذلك لِـما فيه من مصالح جمّة تعود على العباد والمجتمع، كحلّ مسائل الخلاف التي تتولّد فيما بينهم، ووصولهم إلى كمالهم النهائي، والهدف المنشود لهم بمساعدته، فينبغي على الله فعله[19].
فإذا ثبت أن البشر محتاجون إليه (أي للوحي) وفيه مصلحتهم؛ فهو حسن، وإذا كان حسناً فينبغي على الله تعالى أن يوقعه ويحققه خارجاً، وبذلك يثبت المطلوب، وهو وقوع الوحي خارجاً بفعل الله تعالى. إلّا أنّ هذا المسلك لم يَلقَ قبولاً من قبل الفلاسفة وذلك للأسباب الآتية:

1-أنّ هذا المسلك فيه تحديد لما يجب على المولى أن يفعل، وما يجب علیه ترکه.
۲- أنّ الحسن والقبح مجرد أمور اعتبارية، تصدق فقط وفقط في نطاق الحياة البشرية، ولا تصدق على غيرها.
٣-أنّ هذا الاستدلال يبدأ من نقطة مفترضة من عند أنفسنا، هي: إذا كان الأنبياء موجودين، فإن وجودهم نافع ومفيد، فالمقدمة القائلة (إنّ وجودهم مفيد) قد افترضناها، ثم انتقلنا إلى القول (وكل شيء مفيد حسن)؛ إذن: يجب على الله فعله[20].

ب-دليل الفلاسفة
هذا المنهج مُبتَنٍ على ما يسمى بمقولة الاحتياج، وخلاصته: إذا كان عندنا موجود من الموجودات، وكان محتاجاً إلى شيء آخر في حياته الوجودية، فحتى يوجد ذلك الشيء ويثبت للأول المحتاج، لا بد وأن يكون ممكنا في حقه وبالنسبة إليه، وإلّا فمجرد الاحتياج إلى الشيء لا يصيره ممكن الوقوع خارجاً، بمعنى أنه قد تثبت حاجة الوجود الأول للشيء، ولكنه لا يوجد له (أي للوجود الأول) قابلية لتلقيه، فحينئذ يصير ذلك الشيء غير ممكن على الرغم من وجود الحاجة إليه، وعليه فلو كان موجود الإنسان مثلاً بحاجة إلى شيء معين في مساره الطبيعي وفي حياته الوجودية، وكان له القابلية لتلقي ذلك الشيء، ومع ذلك لم يعط ذلك الشيء؛ كان معناه أن القابلية موجودة ولكن الفاعلية غير موجودة، ومن ثَمّ ذهب الفلاسفة إلى القول بأن كل شيء غير موجود في هذا العالم، تعود عِلّة عدم وجوده إلى عدم إمكانه وعدم قابليته، وأما ما كان ممكناً وله قابلية الثبوت للأول المحتاج، والأول كان له قابلية الاستيعاب لذلك الشيء، فلا بد وأن يوجد؛ وذلك لأن الله فاعل تام لا يمكن أن يمتنع الفيض من ناحيته، إذ لا مجال للبخل في ذاته حتى يمتنع الفيض، وعليه فكل ما له قابلية الوجود والإدامة في هذا العالم، سيُفاض عليه الوجود من قبل الله تعالى جزماً[21].
ومن هذه الزاوية أطلّ الفلاسفة والحكماء على مسألة الوحي والنبوة، معتمدين في استدلالهم على مقدمتين أساسيتين:

الأولى: أنّ أصل الوحي والنبوة ممكن، بمعنى أنه من الممكن اتصال الإنسان بعالم الغيب وما وراء الطبيعة، إذ لا مانعَ عقليَّ من ذلك.
الثانية: أنّ البشر محتاجون إلى الوحي والنبوة، إذ إنّ عدم وجود الوحي والنبوة خارجاً سوف يؤدي إلى ظهور فراغ لدى البشر واضطراب المجتمع البشري الذي تكثر فيه الاختلافات والنزاعات بين أفراده، ولا بد من وجود حل لها.

وبضم إحدى هاتين المقدمتين إلى الأخرى؛ استنتج الفلاسفة وقوع الوحي والنبوة خارجا؛ وذلك لأن كل ما كان ممکن الوجود، وكان الطرف الآخر محتاجاً إليه في مساره الطبيعي - سيُفاض من الله. والناس محتاجون إلى الوحي، وهو ممکن الوجود، ولا مانع منه، فسيُفاض من قبل الله تعالى؛ لأن الله هو الفاعل التام، ولا مجال للبخل في ذاته حتى يمتنع الفيض من قِبَله، وبذلك يثبت المطلوب، وهو وقوع الوحي خارجاً، وهذا المسلك يفترق عن الأول من ناحية عدم فرض وجوب فعل شيء على المولى.

الأدلة النقلية على وقوع الوحي.
هنا يُنظر للأدلة النقلية مرةً على أنها خارجة عن محيط القرآن، ومرة على أنها داخلة في محيطه:
أ-الأدلة النقلية الخارجية: استدل بعض المسلمين على وقوع الوحي والرسالة بالتواتر، مع تفصيل بين الحاضر في زمن الرسالة والغائب عن زمنها (أي عن البعثة)، حيث قال: «الدليل على رسالة نبي وصدقه فيما يحكي عن ربه ظاهرٌ للشاهد الذي يرى حاله، ويبصر ما آتاه الله من الآيات البينات، ويحقق بالعيان ما يغنيه عن البيان، أما للغائب عن زمن البعثة فدليلها التواتر، وهو –كما تبين في علم الأصول حجيته ودليله- رواية خبر عن مشهود من جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، وآياته قهر النفس على اليقين بما جاء فيه، كالأخبار بوجود مكة...»[22].

ب-الأدلة النقلية الداخلية
إنّ الأدلة الدالة على وقوع الوحي من القرآن كثيرة جدّاً، نكتفي بذكر بعضها، كقوله تعالی: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [يوسف:3]، « وقال جل شأنه في آية أخرى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ...﴾ [الأنعام:19]، وكقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [سورة النجم: 3-4]، ولكن لا يخفى ما في هذا الاستدلال من نقص؛ لأنه استدلال على وقوع الوحي بالوحي الواقع وهو مصدره.

حقيقة الوحي في الفكر الإسلامي:
يمثل القرآن الكريم المورد الأساسي في دراسة الوحي، بوصفه أهم وأدق نصّ موحى من الله تعالى، فهو وثيقة مهمة في التعرّف على الفهم الإسلامي للوحي وما يمثله، لذلك لا بدّ من استقصاء أبعاد هذا الفهم الإسلامي للوحي اعتماداً على ما فصّله المفسرون والعلماء من تعريفات استمدوها من القرآن الكريم.

والقرآن الكريم أكثر الكتب السماوية حديثاً عن الوحي وطبيعته، وبيان وسائله وأنواعه ومصدره ومتلقيه[23].
فقد ورد ذكر الوحي بلفظه الصريح وبصيغه المتعددة في ثمانية وسبعين موضعاً[24]، تُضاف إليها مواضع أخرى كثيرة وردت فيها الإشارة إلى الوحي بغير لفظه، من خلال مرادفاته أو معانيه.

وأجمع المسلمون -تبعاً للكتاب والسنة- على كونه سبحانه متكلماً، فجميع الاتجاهات الفكرية الإسلامية متفقة على القول: إنه تعالى متكلم، إلّا أنهم اختلفوا في حقيقة هذا الكلام. فإنّ البحث في المسالة يُعدّ إحدى أهم المسائل التي تطرق إليها بحث الكلامي الإسلامي، وتُعدّ هذه المسالة أيضاً من أوائل المسائل التي طُرحت على الساحة الإسلامية للنقاش في تاريخ علم الكلام. وقد شغلت مسألة الكلام الإلهي بال العلماء والمفكرين الإسلاميين، وبرز ذلك على أشَدِّه في العصر العباسي بظهور مسألة أخرى مرتبطة بالكلام الإلهي - هي: القول بخلق القرآن، وحدثت بسبب هذه المسالة صدامات دامية ذكرها التاريخ وسجل تفاصيلها، وعرفت بــ(محنة خلق القرآن)، ولا بد من التنبيه على أنّ هذه الفكرة بالخصوص ممّا أثاره النصارى الذين كانوا في حاشية البيت الأموي، وعلى رأسهم يوحنا الدمشقي، الذي يشكك المسلمين في دينهم. في أن القرآن نصّ على أنّ عيسى بن مريم كلمة الله ألقاها إلى مريم، فصار ذلك وسيلة لأن يبث هذا الرجل بين المسلمين قِدَم كلمة الله عن طريق خاص، بأنْ كان يسألهم: أكلمة الله قديمة أولاً؟

فإن قالوا: قديمة، قال: ثبتت دعوى النصارى بأنّ عيسى قديم، وإن قالوا: لا، قال: زعمتم أنّ كلامه مخلوق[25].

فلأجل ذلك قامت المعتزلة لحسم ساحة النزاع، فقالوا: إنّ القرآن حادث لا قديم، مخلوق لله سبحانه. ولمّا لم تكن هذه المسألة مطروحة في العصور السابقة بين المسلمين، تشعبت فيها الآراء وتضاربت الأقوال، حتى لقد صدرت بعض النظريات الموهونة جدّاً، لكن نظرية المعتزلة لاقت القبول في عصر الخليفة المأمون إلى عصر المتوكل، إلّا أنّ الأمر انقلب من عصر المتوكل إلى زمن انقضاء المعتزلة - لصالح أهل الحديث والحنابلة[26].

ولأجل تصحيح كونه قديماً؛ فسّره الأشاعرة بأنه معنى قائم بذاته يسمى الكلام الغني، وأما المعتزلة والإمامية فقالوا: إنّ معنى كلامه أنّه موجد للحروف والأصوات في الخارج؛ فهو حادث.

وإن الطريق إلى ثبوت هذه الصفة عند الأشاعرة هو العقل، وعند العدليّة هو السمع، وأما النقل فقد تضافرت الآيات على توصيفه به، قال تعالى: ﴿مِنْهُم مَن كَلَّمَ اللّهُ﴾ [البقرة:235]. وقال تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾ [النساء:164]. وقال سبحانه: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾ [الأعراف:143].

وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَر أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى:51]. وقد بيّن تعالى أن تكليمه الأنبياء لا يعدو الأقسام الآتية:

1 ـ (إلّا وحياً).
2 ـ (أو من وراء حجاب).
3 ـ (أو يرسل رسولاً).
فقد أشار بقوله: ﴿إلا وحياً﴾ إلى الكلام المُلقى في روح الأنبياء وبسرعة وخفاء، وأشار بقوله تعالى: ﴿أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَاب﴾ إلى الكلام المسموع لموسى (عليه السلام) في البقعة المباركة، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص:30].
وأشار بقوله: ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ إلى الإلقاء الذي يتوسط فيه ملك الوحي، قال سبحانه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ﴾ [الشعراء:193-194]. ففي الحقيقة: إن الموحي في الأقسام الثلاثة هو الله سبحانه، تارة بلا واسطة بالإلقاء في الروح، أو بالتكليم من وراء حجاب بحيث يسمع الصوت ولا يرى المتكلم، وأخرى بواسطة الرسول، فهذه الأقسام الثلاثة هي الوارد في الآية المباركة.

 أولاً ـ الأشاعرة:
موقفهم من الكلام الإلهي:
إن الكلام صفة لذاته تعالى لم يزل ولا يزال موصوفاً به، وإنه قائم به ومختص بذاته، وهو غير الله تعالى، فهو عندهم قديم أيضاً[27] ، وهذا الكلام القديم -الذي قالوا إنه صفة له تعالى- عبروا عنه بالكلام النفسي، فجعلت الأشاعرة التكلّم من الصفات الذاتية، ووصفوا كلامه سبحانه بالكلام النفسي، وقالوا: «إن الكلام النفسي غير العلم وغير الإرادة والكراهة.

فأما الإنشاء، ففي مورد الأمر: إرادة في الذهن، وفي مورد النهي: كراهة فيه. وفي الاستفهام والتمني والترجّي: ما يناسبها.

فالأشاعرة قائلون بأنّ في الجمل الإخبارية وراء العلم، وفي الإنشائية -كالأمر والنهي مثلاً- وراء الإرادة والكراهة، شيئاً في ذهن المتكلم يسمى بالكلام النفسي، وهو الكلام حقيقة، وأما الكلام اللفظي فهو تعبير عنه، وهذا الكلام (النفسي) في الإنسان حادث يتبع حدوث ذاته، وفيه سبحانه قديم لقدم ذاته».

خلق القرآن أو حدوثه عندهم:
إن موقف الفرق المختلفة من الكلام الإلهي أدّى إلى البحث في القرآن الكريم بوصفه كلامه تعالى، فدارت حوله مناقشات عنيفة أدت إلى محنة خلق القرآن، وقد تحمل أحمد ابن حنبل جانباً من أعباء تلك المحنة، وتماشياً مع آرائها في الكلام بين القدم والحدوث؛ خاضت الفرق الإسلامية في مسألة خلق القرآن من نفس الناحية، كرَدّ فعل على ظهور هذه المسألة من قبل المعتزلة.

وقد رفض أهل السنة والأشعرية هذا القول، بل كفّروا من يقول بأن القرآن مخلوق، فأهل السنة يرون أن القرآن صفة ذات له تعالى فهو قديم بقدمه، وهذا من قولهم بأن القرآن كلام الله، إذ يرون: أن قول القائل (القرآن) وقوله (كلام الله) كلاهما معنى واحد، واللفظان مختلفان[28] ، إذ إنّ هذا القرآن المتلوّ في المحاريب والمكتوب في المصاحف غير مخلوق ولا محدث، بل قديم مع الله تعالى[29] .
فاستدل الأشعرية على القول بقِدَم القرآن: بأن القول (إن القرآن مخلوق) لم يرد في القرآن ولا في السنة، ولم يجمع المسلمون على ذلك؛ فردّوا القول بخلق القرآن، وقالوا: إن ما نسمعه ونتلوه في المحاريب هو (عبارة) عن كلامه تعالى.
وعبر الباقلاني عن رأي الأشعرية في ذلك بقوله: إن المسموع هو كلام الله تعالى القديم، فهو صفة له قديمة موجودة بوجوده قبل سماع السامع لها.
قال الفخر الرازي: إن القرآن اسم يقال بالاشتراك على الصفة القديمة القائمة بذات الله تعالى، وعلى هذه الحروف والأصوات، ولا نزاع في أن الكلمات المركبة من هذه الحروف والأصوات محدَثة مخلوقة، والتحدّي إنّما وقع بها لا بالصفة القديمة[30].
قال الباجوري الأشعري: في «مذهب أهل السنة أن القرآن -بمعنى الكلام النفسي- ليس بمخلوق، وأما القرآن -بمعنى اللفظ الذي نقرؤه- فهو مخلوق، لكن يمتنع أن يقال (القرآن مخلوق) ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إلّا في مقام التعليم؛ لأنه ربما أوهم أن القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق، ولذلك امتنعت الأئمة من القول بخلق القرآن»[31] .

الكلام الموحى ونسبته عند الأشاعرة:
تبعاً لموقف كل فريق من الكلام الإلهي وحدّ الكلام عنده، فقد اختلفوا في النص الموحى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو القرآن، إن كان كلامه تعالى ذاته يوحى إلى النبي أو غيره، فإذا كان الأول ففي القرآن ما ينسبه إلى غيره كجبريل والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ وذلك في سورتي [التكوير: ١٩]، و [الحاقة: ٤٠]، فأريد بالأولى جبريل وفي الثانية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

واختلفوا تبعاً لذلك أيضاً في الكلام الذي يكلّم به تعالى العباد، أ هو الكلام الأزلي القديم الذي ليس بالحروف والأصوات أم غير ذلك؟
فقالت الأشعرية: إن المتلوّ والمسموع من الكلام الإلهي -أي القرآن الكريم هنا- هو كلامه تعالى الأزلي القديم الذي ليس بحرف ولا صوت، بل الصفة القديمة له تعالى.
ويفصّل الفخر الرازي موقف أهل السنة من نسبة كلامه تعالى إلى غيره وهو كلامه على الحقيقة باتفاق جميعهم - بأن ذلك على سبيل الإضافة، فهو: كلام الله تعالى بمعنى أنه تعالى هو الذي أظهره في اللوح المحفوظ، وهو الذي رتبه ونظمه، وهو كلام جبريل A، بمعنى: أنه هو الذي أنزله من السماوات إلى الأرض، وهو كلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بمعنى: أنه هو الذي أظهره إلى الخلق، ودعا الناس إلى الإيمان به، وجعله محجّة لنبوّته.

وفسر ابن تيمية كون كلامه تعالى مضافاً إلى غيره، بأنه تعالى خص به الرسل لتعذر سماع العامة له، يقول ابن تيمية: إن الله تعالى دلّ عباده بالدلالات العيانية المشهودة والدلالات المسموعة وهي كلامه، لكن عامتهم تعذر أن يسمعوا منه كلامه، فأرسل إليهم بكلامه رسلاً، وأنزل إليهم كتباً كما يفعل الناس، يرسلون إلى من بعد عنهم رسولاً ويكتبون إليه كتباً[32].

كيفية الوحي عندهم:
تتفق كيفية الوحي من جوانب معينة عند الاتجاهات المختلفة مع موقفها من الكلام وخلق القرآن، ويمثل حدّ الكلام عند كل فريق مدخلاً إلى تحديد موقفه من طريقة الوحي للكلام الإلهي وكيفية ذلك، فأهل السنة والحنابلة منهم خصوصاً -وهم يرون أن الكلام الذي هو الحروف والأصوات قديم معه تعالى- يقولون: (إن الملك أو الرسول إنما يسمع منه هذه الحروف والأصوات بغير واسطة)[33].

ويفصّل الباقلاني رأي الأشعرية في كيفية الوحي وما يسمعه البشر من كلامه تعالى بأن ذلك على مراتب ثلاث هي:
الأولى: ـ أن يسمع بغير واسطة ولكن من وراء حجاب، وهذا الحجاب للسامع وليس له تعالى، من ذلك ما كان لموسى (عليه السلام)، إذ سمع الكلام دون واسطة، ولكنه حجب عن النظر.
الثانية: ـ أن يسمع كلامه تعالى بواسطة، كاستماع الخلق من الرسول عند قراءته.
الثالثة: ـ أن يسمع كلامه تعالى بغير واسطة ولا حجاب، وهذا كتكليمه تعالى لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة المعراج، وهو ما أشارت إليه الآية قوله تعالى: ﴿فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى﴾ [النجم: ١٠].
حيث يرى الباقلاني أن هذا الوحي المراد في الآية لم يكن على سبيل الإلهام، وإنما كان سماعاً وإفهاماً من غير واسطة.
وإثبات الأشعرية هنا لسماع الكلام مباشرة، يستندون فيه إلى الاستدلال بجواز الرؤية الذي يقولون به، ويقيسون عليه سماع الكلام، ووجه الاستدلال فيه -كما ينقل عنهم الفخر الرازي- أنه: « لـمّا لم يمتنع رؤية ما ليس بمكيّف، فكذا لا يستبعد سماع ما ليس بمكيّف».

ثانياً-المعتزلة
موقفهم من الكلام الإلهي:
قالت المعتزلة: كلامه تعالى أصوات وحروف ليست قائمة بذاته تعالى، بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي. وقد صرح بذلك القاضي عبد الجبار، فقال: « حقيقة الكلام: الحروف المنظومة والأصوات المقطعة، وهذا كما يكون منعماً بنعمة توجد في غيره، ورازقاً برزق يوجد في غيره، فهكذا يكون متكلماً بإيجاد الكلام في غيره، وليس من شرط الفاعل أن يحل عليه فعلاً «. فكلامه تعالى إما أن يكون جسماً أو عرضاً، واعتبر النظّام وعدد من المعتزلة أن كلام المخلوقات عرَض، أما كلام الله فهو جسم[34]، وعليه فإن كلام الله مخلوق محدث؛ لأن الأجسام والأعراض لا يمكن أن تكون إلا كذلك. وإذا كان كلام الله مخلوقاً فالقرآن مخلوق أيضاً؛ لأنه كلام الله تعالى، وهنا نشأت مشكلة أخرى، وهي: إذا كان كلام الله محدثاً مخلوقاً فكيف أحدث الله الكلام؟
يجيبون بأنه لا يمكن أن يكون الله قد أحدث الكلام في ذاته؛ لأنه إذا تكلم خلق في ذاته الصوت الذي هو جسم أو عرَض، فأصبحت ذاته محلّاً للحوادث، ولا يجوز أن يحدث إلّا في محل؛ لأن الأجسام والأعراض تتطلب محلّاً تقوم به، فلا يبقى إلّا أنه يحدث في محل.
وبذلك، فإن الله متكلم، ولكن لا بكلام قديم بل بكلام محدث يحدثه وقت الحاجة إلى الكلام، وهذا الكلام المحدث ليس قائماً بالله، بل خارجاً عن ذاته، يحدثه في محل، فيُسمع من المحل. فكلامه تعالى مخلوق في محل كما أحدثه تعالى في الشجرة مثلاً، ويتأكد قولهم بحدوث الكلام من خلال حد الكلام عندهم، فالقاضي عبد الجبار جعل حد الكلام: ما حصل فيه نظام مخصوص من هذه الحروف المعقولة، حصل في حرفين أو حروف، فما اختص بذلك وجب كونه كلاماً، وما فارقه لم يجب كونه كلاماً [35] . إلّا أن أبا علي الجبائي كان يرى الحروف وحدها حدّاً للكلام، وجمع أبو هاشم الجبائي بين الأصوات والحروف في حد الكلام، وذلك فيما نقله عنه القاضي عبد الجبار.

ونقل الشهرستاني عنهما القول بأن حد الكلام أصوات مقطّعة وحروف منظومة، والقاضي عبد الجبار يخلص من التحديدات المتعددة وخصوصاً رأيه، وهو ما عليه المعتزلة جميعاً أن الكلام عرَض خلقه الله تعالى؛ لأن الأعراض محدَثة، لهذا كان كلامه محدثاً[36].

خلق القرآن أو حدوثه عند المعتزلة:
يتلخّص موقف المعتزلة هنا في أن القرآن عرَض مخلوق خلقه تعالى، إذ الأعراض محدثة، فيقول القاضي عبد الجبار أحد أهم أئمة المعتزلة: «القرآن كـلام الله ووحيه، وهـو مخلــوق محــدَث، أنزلـه الله على نبيـه ليـكــون علمـاً ودالّاً على نبوته، وجعله دلالة لنـا علــى الأحكــام لنرجع إليه في الحــلال والحــرام، واستـوجب منـا بـذلك الحمـد والشكر والتحميد والتقديس... القــرآن يتقــدم بعضـه على بعض، وما هذا سبيله لا يجوز أن يكـــون قديماً، إذ القـديم هـو مـا لا يتقدمـه غيره... وآخر، ونصف وربع، وسدس وسبـع، وما يكون بهذا الوصف، كيف يجوز أن يكون قديماً؟»[37].
إن المقدمات العقلية التي استند إليها المعتزلة تتصف بالضرورة العقلية، وكأن هذا الأمر ضروري للدفاع عن العقيدة الإسلامية في مواجهة غير المسلمين الذين يشككون بالعقيدة الإسلامية.
لم يكتفِ المعتزلة بتجاوز المألوف في الجدل بقولهم بخلق القرآن، بل تجاوزوا ذلك إلى نفي صفة الإعجاز عنه، وهو ما نُظر إليه بوصفه مسّاً بمقدساتٍ أجمع عليها المسلمون، وكانت مصدر فخرهم وتميزهم بأنّ كتابهم العظيم يستحيل الإتيان به من حيث النظم والبلاغة والفصاحة.

في هذا المجال -كما في خلق القرآن- كان المعتزلة منطقيّين مع أنفسهم، وأمناء لمنهجهم العقلاني في النظر إلى الأمور، ومنها -على الأخصّ- النص الديني، برفض كل ما لا يقبله العقل.

الكلام الموحى وكيفية نسبته عند المعتزلة:
فالمعتزلة الذين قالوا بخلق القرآن ذهبوا إلى أن ما يسمعه الناس ويتلونه ليس بكلام الله على الحقيقة، وإنما هو كلامه تعالى مجازاً، فهو مضاف إليه وليس موجوداً بذاته في اللوح المحفوظ، وإنما هو حكاية عن ذلك. وقد مثّل القاضي عبد الجبار لهذا الرأي، بأنه: «كما تنشد اليوم قصيدة لأمرئ القيس، فهذه القصيدة مضافة إليه على الحقيقة، وإن لم يكن محدثاً لها من ناحيته في الوقت الحاضر»[38]. وقالوا حول نسبته إلى غيره تعالى كجبريل والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أنه كلامه تعالى: إن ذلك من باب التحمُّل، فقد يضاف كلام الغير إلى من تحمّله، وهذا كثير في اللغة، فإضافته إلى جبريل (عليه السلام) مثلاً كانت لأنَّهُ المظهر له حتى لولاه لَـما عُرف، فصحّت إضافته إليه[39].

كيفية الوحي عند المعتزلة:
هنا يقول المعتزلة: إن كلامه تعالى واحد، وهو كلام حادث، وإن ما في القرآن والتوراة والإنجيل كله كلام الله، وإن كونه حادثاً لا يعني أنه تعالى محلّ للحوادث؛ لأنه إنما يخلقه ويحدثه في محل، ويشيرون في هذا المعنى إلى سماع موسى (عليه السلام) لكلامه تعالى من الشجرة حين كلّمه عند طور سيناء، وذلك فيما قصّته الآية الكريمة، قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ...﴾ [القصص: ٣٠]. فهم يقولون في سماع موسى للكلام: إنّه تعالى أنشأ كلاماً خلقه في الشجرة [40] ، ومما يلاحظ هنا أن هذا يكاد يكون رأي المعتزلة في معنى الحجاب، إذ عندهم أنه تعالى (محتجب عن الرؤية، وأنه إنما يخلق الكلام في محل).

وقد اشترطت المعتزلة في هذا المحل -الذي يخلق فيه تعالى الكلام- أن يكون جماداً، كما هو الحال في الشجرة عند تكليم موسى (عليه السلام)، وذلك (حتى لا يكون «المحل» هو المتكلّم من دون الله).
فالمعتزلة يعبرون عما يلقى في الوحي من رأي يعبّر عنه الخياط، ويتمثل في أنهم يرون أن ما يوحى إلى النبي هو الفكرة التي يعبّر عنها بواسطة الكلام، باختلاف اللغة التي يعبر بها، لذلك فإن كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن باللغة العربية فعل طبيعي له؛ لأنه عربي، وأن الموحى إليه كان الفكرة التي عبر عنها هو بلغته العربية.

ومن هذه الفكرة بالذات انطلق بعض المعتزلة -كأبي موسى المردار، وعيسى بن صبيح البغدادي، والنظّام- في قولهم بأن وجه الإعجاز في القرآن الكريم ليس في نظمه وبلاغته، فالناس قادرون على مثل ذلك النظم والتأليف، وإن وجه الإعجاز والدلالة على النبوة فيه ما فيه من الإخبار بالغيوب.

ثالثاً ـ الإمامية:
موقفهم من الكلام الإلهي:
ذهبت الإمامية -يمثّلهم هنا الشيخ الطوسي- إلى أن كونه تعالى متكلّماً لا يكون إلا بكلام محدث؛ لأن حقيقة المتكلّم مَن وقع منه الكلام الذي هو هذا المعقول بحسب دواعيه وأحواله، وقالوا بأن كلامه تعالى يجب أن يوصف بما سمّاه به هو تعالى بكونه محدثاً [41]، وذلك في دلالة قوله تعالى: ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٢].
والإمامية كأهل الحديث والأشعرية، يرون أن الكلام صفة له تعالى، ولكنه ليس من الصفات الذاتية القديمة كالعلم والقدرة والحياة كما يرى أولئك، وإنما هو (من الصفات الإضافية كالخلق والرزق) (). واتفقت المعتزلة مع الإمامية في القول بحدوث الكلام. لذا ورد عن الإمام علي (عليه السلام): يقول لِـما أراد كونه: كُنْ، فيكون، لا بصوت يقرع، ولا بنداء يُسم، وإنما كلامه سبحانه فعلٌ منه، أنشأه ومثله، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً[42].

وهنا نورد كلاماً مهمّاً للعلامة الطباطبائي قدس سره -نأتي به لأهميته-، يقول:
ما يسمّى عند الناس قولاً وكلاماً عبارة عن إبراز الإنسان المتكلم ما في ذهنه من المعنى بواسطة أصوات مؤلفة موضوعة لمعنى، فإذا قرع سَمْعَ المخاطب أو السامع انتقل المعنى الموجود في ذهن المتكلم إلى ذهنهما فحصل بذلك الغرض من الكلام، وهو التفهيم والتفهم.[43]

وهناك نكتة نبّه عليها الحكماء فقالوا: حقيقة الكلام مُتقوّمة بما يدل على معنى خفي مُضمر، وأما بقية الخصوصيات ككونه بالصوت الحادث في صدر الإنسان، ومروره من طريق الحنجرة واعتماده على مقاطع الفم، وكونه بحيث يقبل أن يقع مسموعاً - فهذه خصوصيات تابعة للمصاديق، وليست دخيلة في حقيقة المعنى الذي يتقوّم به الكلام.

فالكلام اللفظي الموضوع، الدال على ما في الضمير: كلام، وكذا الإشارة الوافية لإراءة المعنى: كلام، كما أن إشارتك بيدك إلى القعود والقيام: أمرٌ وَقَولٌ. وكذا الوجودات الخارجية، فإنها لما كانت حاكية بوجودها عن وجود علّتها، وبخصوصياتها عن الخصوصيات الكامنة فيها؛ صارت الوجودات الخارجية -بما أن وجودها مثال لكمال علّتها- كلاماً. وعليه فمجموع العالم الإمكاني كلام الله سبحانه، ويتكلم به بإيجاده وإنشائه، فيظهر المكنون من كمال أسمائه وصفاته. وكما أنه تعالى خالق العالم والعالم مخلوقه، كذلك هو تعالى متكلّم بالعالم، مظهر به خبايا الأسماء والصفات، والعالم كلامه.

قال أمير المؤمنين وسيد الموحدين (عليه السلام) في نهج البلاغة:
«يُخْبِرُ لاَ بِلِسَانٍ وَلَهوَاتٍ، وَيَسْمَعُ لاَ بِخُروُقٍ وَأَدَوَاتٍ، يَقُولُ وَلاَ يَلْفِظُ، وَيَحْفَظُ وَلاَ يَتَحَفَّظُ، وَيُرِيدُ وَلاَ يُضْمِرُ. يُحِبُّ وَيَرْضَى مِنْ غَيْرِ رِقَّةٍ، وَيُبْغِضُ وَيَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ. يَقُولُ لِمَا أَرَادَ كَوْنَهُ: (كُنْ؛ فَيَكُونُ) لاَ بِصَوْتٍ يَقْرَعُ، وَلاَ بِنِدَاءٍ يُسْمَعُ، وَإِنَّمَا كَلاَمُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَمَثَّلَهُ، لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذلِكَ كَائِناً، وَلَوْ كَانَ قَدِيماً لَكَانَ إِلهاً ثَانِياً».[44]

وأما الشيخ المفيد، فقد وضح هذا الأمر في كتابه المسائل العكبرية -المسألة الحادية عشرة-بشكل جليّ[45]، فقال: وسُئل عن كلام الله لموسى (عليه السلام): بأي شيء كان ذلك، وقد علمنا أن النطق لا يخرج إلا عن مكيّف، تعالى الله عن ذلك! فما هذا النطق وما ورد فيه؟!

والجواب -وبالله التوفيق-: «إن الله تعالى كلّم موسى(عليه السلام) بأن فعل كلاماً له في الشجرة التي سمعه منها، أو في الهواء المتصل بها. والكلام غير محتاج إلى كيفية المتكلم به وإنما يحتاج إلى عمل يقوم به، سواء كان لفاعله كيفية أم لم يكن له. وكذلك ما عدا الكلام من الأغراض كلها يحتاج إلى كيفية، ...فيعلم أن المتكلم لا يحتاج في كونه متكلماً إلى كيفيته إذ كان معنى المتكلم وحقيقته من فعل الكلام، بدلالة أن كل من عرف شيئاً فاعلاً للكلام عرفه متكلماً. وكل من عرفه متكلماً علمه فاعلاً للكلام. ومن أثبت الأمر في فعله للكلام اشتبه في كونه متكلماً. وهذا واضح لمن تأمّله، إن شاء الله».

فهذا سبيل باب الإيحاء والوحي. وله من هذا السبيل المعجزات القوية والإخبار بالمغيبات والإنذار بالعقوبات قبل وقوعها.[46]
لقد قام ملا صدرا من أجل تعريف الوحي واختلافه مع سائر أقسام الإدراكات والمعارف، بإيجاد مقارنة ومقايسة قيّمة بينهما.[47]
ولهذا فرأيه هو أن الوحي عبارة عن علوم غير اكتسابية، يأخذها الأنبياء من الأمور التي هي ما وراء الطبيعة، بشكل تتجلى معها إفاضة المعرفة عليهم.

موقف مدرسة أهل البيت من خلق القرآن:
للإمامية هنا موقف مختلف جوهرياً عن سائر الفرق، في التعبير عن معنى كون القرآن محدثاً تبعاً لقولهم إنّ الكلام محدث؛ فهم توقّفوا عند القول بأن القرآن مخلوق، فقالوا: لا نصفه بأنه مخلوق؛ لأنه يوهم بأنه مكذوب أو مضاف إلى غير قائله، إذ إنّ ذلك المعتاد من هذه اللفظة، وورد هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ﴾ [ص: ٧]، وقوله تعالى: ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً﴾ [العنكبوت: ١٧]، فلم يوصف الكلام بالخلق إلّا إذا أريد به الكذب أو الانتحال.

وقد روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، أنه كان حين يُسأل عن خلق القرآن يقول: لا نقول ما يقولون، ولكن نقول إنه كلام الله.[48]

وما يراه الباحث هنا -توفيقاً بين الآراء المختلفة في القرآن الكريم بين القدم والحدوث أو الخلق كما يعبر عنه المعتزلة-إنَّ ما ذهب إليه السيد الطباطبائي، وهو رأي حسن فيه الكثير من التوفيق إلى المراد، وإجماله أنْ القرآن الكريم -إذا أريد به هذه الآيات التي نتلوها-بما أنَّهُ كلام دالّ على معانٍ ذهنية نظير سائر الكلام ليس بحسب الحقيقة لا حادثاً ولا قديماً.

نعم هو متّصف بالحدوث، أي: حدوث الأصوات التي هي معنونة بعنوان الكلام والقرآن.
وإنْ أريد به ما في علم الله تعالى من معانيها الحقة، كان كعلمه تعالى بكل شيء حقّ: قديماً بقِدَمه، فالقرآن قديم، أي: علمه تعالى به قديم، كما أنّ زيداً الحادث قديم، أي: أنّ علم الله تعالى به قديم إلّا أنه محدث خلقاً.

إذن: فالقرآن عند الطباطبائي من حيث قدمه أو حدوثه تابع لسنة وجوده، ورأي الطباطبائي هذا يشكل تفصيلاً لما ذهبت إليه الإمامية، فالقرآن محدث من حيث إنّه عبارة عن هذه الأصوات والحروف المكونة للآيات، وهو قديم من حيث إنّه في علمه تعالى، كما يعلم تعالى جميع الأشياء الحادث منها والقديم.

الكلام الموحى وكيفية نسبته:
أكد الإمامية أن القرآن الكريم هو الوحي، وهو كلامه تعالى على الحقيقة، وقد أجمل الشيخ المفيد ذلك بقوله: إن القرآن كلام الله ووحيه، وإنه محدث كما وصفه الله تعالى.[49]

ويفرق الشيرازي -صدر الدين محمد (ت ١٠٥٠ه‍/١٦٤٠م)- بين ما يسمعه النبي (عليه السلام) من جبريل، وما يسمعه الناس من النبي، إذ يقول: (إيّاك أن تظنّ أنّ تلقّي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كلام الله بواسطة جبريل (عليه السلام) واستماعه منه كاستماعك من النبي، أو تقول: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مقلّداً لجبريل...)، وقد شرح الشيخ محمد جواد مغنية ذلك؛ بأنّ ما بلّغه جبريل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو كلام الله بالذات، ووعاءهُ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على حقيقته، وعليه تكون معرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلامه تعالى هي عين كلامه تعالى، وكلام الله هو عين معرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).[50]

كيفية الوحي عندهم:
وقالت الإمامية -في كيفية وحيه تعالى لكلامه-: بأنه يخلقه في محل أيضاً، فتكليمه تعالى من وراء حجاب يرى فيه السيد المرتضى: (أنه تعالى ربما يفعل كلاماً في جسم محتجب عن المكلَّم، غير معلوم على سبيل التفصيل، فيسمع المخاطَب الكلام ولا يعرف محله على طريق التفصيل).[51]

وأما كيفية الاطّلاع على الغيب، فإن الشيخ المفيد -محمد بن محمد بن النعمان (ت٤١٣ه‍/١٠٢٢م)- يرى: أن ذلك يكون بالاطّلاع على اللوح المحفوظ، إذ إنّ هذا اللوح هو: (كتاب الله تعالى، كُتب فيه ما يكون إلى يوم القيامة، ...، وإن القلم هو الذي أحدث الله به الكتابة في اللوح، وجعل اللوح أصلاً ليعرف الملائكة منه ما يكون من غيب ووحي) [52].

فهو تعالى إذا أراد أن يُطلع حداً من الملائكة على الغيب، أو يحملهُ الرسالة إلى الأنبياء، فمصدرهم في ذلك -كما ورد في الروايات- هو الاطّلاع على ذلك اللوح، وأمّا ما يوحيه تعالى إلى نبيه فلذلك طريقان: فتارة يكون بإسماعه الكلام من غير واسطة، وتارة بإسماعه الكلام على ألسن الملائكة.

تحليل ومقارنة الآراء الكلامية:
أولاً: أوجه الاتفاق والاختلاف بين الآراء الكلامية في الوحي:
بعدما اتضح أن الأشاعرة يقولون إن كلامه تعالى صفة من الصفات الذاتية، لم يزل ولا يزال موصوفاً به، قائم به ومختص بذاته، وهو غيره تعالى، قديم وكلامه القديم، وعبروا عنه بالكلام النفسي، فمنه جمل إخبارية -وراء العلم-، ومنه جمل إنشائية كالأمر والنهي مثلاً -وراء الإرادة والكراهة-، وهو شيء في ذهن المتكلم يسمى بالكلام النفسي، وهو الكلام حقيقة، وأما الكلام اللفظي فهو تعبير عنه، وهذا الكلام (النفسي) في الإنسان حادث يتبع حدوثه ذاته، وفيه سبحانه قديم لقِدَم ذاته، وإن المتلوّ والمسموع من الكلام الإلهي -أي القرآن الكريم هنا- هو كلامه تعالى الأزلي القديم، الذي ليس بحرف ولا صوت، بل الصفة القديمة له تعالى، وقالوا إنّ الملك أو الرسول إنما يسمع منه هذه الحروف والأصوات بغير واسطة، وهنا السماع للكلام مباشرة، مستندين فيه إلى جواز الرؤية الذي يقولون به، ويقيسون عليه سماع الكلام.

وقالت المعتزلة: إن كلامه تعالى أصوات وحروف ليست قائمة بذاته تعالى، بل يخلقها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي، فكلامه تعالى مخلوق محدث، إذ لا يمكن أن يكون الله قد أحدث الكلام في ذاته؛ لأنه إذا تكلم خلق في ذاته الصوت الذي هو جسم أو عرض، فأصبحت ذاته محلّاً للحوادث، ولا يجوز أن يحدث إلّا في محل؛ لأن الأجسام والأعراض تتطلب محلّاً تقوم به، فلا يبقى إلّا أنه يحدثه في محل. ويحدثه وقت الحاجة إلى الكلام، وقد اشترطت المعتزلة في هذا المحل الذي يخلق فيه تعالى الكلام أن يكون جماداً، كما أحدثه تعالى في الشجرة؛ حتى لا يكون «المحل» هو المتكلم من دون الله، وعليه فالقرآن مخلوق أيضاً لأنه كلامه تعالى، وإن ما يسمعه الناس ويتلونه من القران ليس بكلام الله على الحقيقة، وإنما هو كلامه تعالى مجازاً، فهو مضاف إليه وليس موجوداً بذاته في اللوح المحفوظ، وإنما هو حكاية عن ذلك؛ لإنه تعالى محتجب عن الرؤية، وإن ما يوحى إلى النبي هو الفكرة التي يعبر عنها بواسطة الكلام، باختلاف اللغة التي يعبر بها، لذلك فإن كلام النبي بالقرآن باللغة العربية فعل طبيعي لأنه عربي، وإن الموحى إليه كان الفكرة التي عبر عنها هو بلغته العربية، وإن وجه الإعجاز في القرآن الكريم ليس في نظمه وبلاغته، فالناس قادرون على مثل ذلك النظم والتأليف، وإنما وجه الإعجاز والدلالة على النبوة فيه ما فيه من الإخبار بالغيوب.
وتقول الإمامية والأشعرية: إنّ الكلام صفة له تعالى، ولكنه ليس من الصفات الذاتية القديمة كالعلم والقدرة والحياة، وإنما هو (من الصفات الإضافية كالخلق والرزق)، واتفقت المعتزلة مع الإمامية في القول بحدوث الكلام، فكونه تعالى متكلّماً لا يكون إلّا بكلام محدث؛ لأن حقيقة المتكلم مَن وقع منه الكلام الذي هو هذا المعقول بحسب دواعيه وأحواله، وقالوا بأن كلامه تعالى يجب أن يوصف بما سمّاه به هو تعالى بكونه محدثاً.

فالكلام اللفظي الموضوع، الدال على ما في الضمير: كلام، وكذا الإشارة الوافية لإراءة المعنى: كلام، كما أن إشارتك بيدك إلى القعود والقيام: أمرٌ وقَولٌ. وكذا الوجودات الخارجية فإنها لما كانت حاكية بوجودها عن وجود علتها، وبخصوصياتها عن الخصوصيات الكامنة فيها؛ صارت الوجودات الخارجية -بما أن وجودها مثال لكمال علّتها-كلاماً. وعليه فمجموع العالم الإمكاني كلام الله سبحانه، ويتكلم به بإيجاده وإنشائه، فيظهر المكنون من كمال أسمائه وصفاته. وكما أنه تعالى خالق العالم والعالم مخلوقه، كذلك هو تعالى متكلم بالعالم، مظهر به خبايا الأسماء والصفات، والعالم كلامه. وثّمة رأي توفيقي بين الآراء المختلفة في القرآن الكريم بين القدم والحدوث أو الخلق -كما يعبر عنه المعتزلة-، وهو ما ذهب إليه السيد الطباطبائي: أن القرآن الكريم إذا أريد به هذه الآيات التي نتلوها بما انها كلام دال على معانٍ ذهنية نظير سائر الكلام ليس بحسب الحقيقة لا حادثاً ولا قديماً[53].

نعم، هو متصف بالحدوث، أي: بحدوث الأصوات التي هي معنونة بعنوان الكلام والقرآن، وإن أريد به ما في علم الله تعالى من معانيها الحقة؛ كان كعلمه تعالى بكل شيء حق: قديماً بقدمه.

فالقرآن قديم، أي: علمه تعالى به قديم، كما أن زيداً الحادث قديم، أي أنّ علم الله تعالى به قديم إلّا أنه محدث خلقاً.

إذن: فالقرآن عند العلامة الطباطبائي -من حيث قدمه أو حدوثه-تابع لسنة وجوده، ورأي العلامة الطباطبائي هذا يشكل تفصيلاً لما ذهبت إليه الإمامية، فالقرآن محدث من حيث هو عبارة عن هذه الأصوات والحروف المكونة للآيات، وهو قديم من حيث إنه في علمه تعالى كما يعلم تعالى جميع الأشياء، الحادث منها والقديم.
مما تقدم -من عرضٍ لمباني المدارس الكلامية التي لها الأثر البالغ في بيان معنى الوحي عند مفسري المذاهب الإسلامية وفي تفسير آيات القرآن الكريم- يتبين من أوجه الاتفاق والاختلاف ما يأتي:

أولاً: -قالت الأشعرية: إن الكلام صفة ذاتية له تعالى، وعبروا عنه بالكلام النفسي، واتفقت الإمامية معهم على أن كلامه صفة، ولكن ليس من الصفات الذاتية القديمة كالعلم والقدرة والحياة، وإنما هو (من الصفات الإضافية كالخلق والرزق).
ثانياً: -قالت المعتزلة: إن كلامه تعالى أصوات وحروف ليست قائمة بذاته تعالى، بل يخلقها ويحدثها في غيره كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي، أو في محل فيسمع من المحل. كما أحدثه تعالى في الشجرة وقت الحاجة إلى الكلام.
ووافقهم الإمامية على كونه تعالى متكلّماً، ولا يكون إلا بكلام محدث؛ لأن حقيقة المتكلّم مَن وقع منه الكلام وأنّ الكلام صفة له تعالى، ولكنه ليس من الصفات الذاتية القديمة، وإنما هو من الصفات الإضافية، ولم يحصروا كلامه تعالى بالكلام اللفظي، فالكلام اللفظي الموضوع الدال على ما في الضمير: كلام، وكذا الإشارة الوافية لإراءة المعنى: كلام، وكذا الوجودات الخارجية، بما أن وجودها مثال لكمال علتها؛ فهي: كلام. وعليه فمجموع العالم الإمكاني كلام الله سبحانه، ويتكلم به بإيجاده وإنشائه، فهو تعالى متكلم بالعالم، مظهر به خبايا الأسماء والصفات، والعالم كلامه.
ثالثاً: -قالت الأشعرية: إن القرآن صفة ذات له تعالى فهو قديم بقدمه، إذ إن هذا القرآن المتلوّ في المحاريب المكتوب في المصاحف غير مخلوق ولا محدث، بل قديم مع الله تعالى. وهو الذي أظهره في اللوح المحفوظ، وهو الذي رتبه ونظمه، وهو كلام الله عزوجل، أنزله جبريل (عليه السلام) من السماوات إلى الأرض، وهو كلام النبي، بمعنى: أنه هو الذي أظهره إلى الخلق ودعا الناس إلى الإيمان به وجعله محجّة لنبوته، واتفقت معهم الإمامية عن معنى كون القرآن قديماً، بأنّه إنْ أريد به ما في علم الله تعالى من معانيها الحقة، كان -كعلمه تعالى بكل شيء حق- قديماً بقدمه، فالقرآن قديم، أي: علمه تعالى به قديم.
رابعاً: -قالت المعتزلة: إن القرآن عرض مخلوق، خلقه تعالى إذ الأعراض محدثة، وكلامه حادث إنما يخلقه ويحدثه في محل، وقد اشترطوا في هذا المحل أن يكون جماداً كما هو الحال في الشجرة، واتفقت معهم الإمامية على كون القرآن محدثاً -تبعاً لقولهم إن الكلام محدث، إذا أريد به هذه الآيات التي نتلوها، لأنها كلام دال على معان ذهنية نظير سائر الكلام، ليس بحسب الحقيقة- لا حادثاً ولا قديماً. نعم هو متصف بالحدوث، أي: بحدوث الأصوات التي هي معنونة بعنوان الكلام والقرآن، فالقرآن محدث من حيث هو عبارة عن هذه الأصوات والحروف المكونة للآيات.
خامساً: - اتفقت الإمامية والمعتزلة والأشاعرة على أن الله تعالى يوحي إلى أنبيائه؛ إما من وراء حجاب، أو بواسطة ملاك الوحي، أو من غير واسطة؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ؀ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: 51]، ولكنهم اختلفوا في تفاصيلها، فأما الأشاعرة فقالت: إن الملك أو الرسول إنما يسمع بغير واسطة، ولكن من وراء حجاب، وهذا الحجاب للسامع وليس له تعالى. وأمّا الإمامية فقالت: إنه تعالى ربما يفعل كلاماً في جسم محتجب عن المكلَّم غير معلوم على سبيل التفصيل، فيسمع المخاطب الكلام، ولا يعرف محله على طريق التفصيل. وأما المعتزلة فترى أن الوحي يخلقه الله تعالى ويحدثه في محل، واشترطوا في هذا المحل أن يكون جماداً كما هو الحال في الشجرة.
وقالت الأشاعرة -عن طرق الوحي الأخرى- أنْ يُسمع كلامه تعالى بواسطة كاستماع الخلق من الرسول عند قراءته، أو أنْ يُسمع كلامه تعالى بغير واسطة ولا حجاب، وهذا الوحي سماعاً وإفهاماً من غير واسطة، قياساً على تجويزهم لرؤيته تعالى.
وأما الأمامية فترى أن الوحي إلى النبيّ له طريقان: فتارة يكون بإسماعه الكلام من غير واسطة، وتارة بإسماعه الكلام على ألسن الملائكة بعد أن يُطلِعَ أحداً من الملائكة على الغيب، أي على اللوح المحفوظ كما ورد في الروايات.

وقالت المعتزلة: إن ما يسمعه الناس ويتلونه ليس بكلام الله على الحقيقة، وإنما هو كلامه تعالى مجازاً، فهو مضاف إليه وليس موجوداً بذاته في اللوح المحفوظ، وإنما هو حكاية عن ذلك، وما يوحى إلى النبي هو الفكرة التي يعبر عنها بواسطة الكلام، باختلاف اللغة التي يعبر بها.

أسباب الاتفاق والاختلاف في الآراء الكلامية:
إنّ مرجع أسباب الاتفاق والاختلاف -كما تبين من خلال ما تقدم- هو الآراء الكلامية لكل فرقة، ومن ثَمَّ ألقت تلك الآراء بظلالها على آرائهم التفسيرية في بيان معنى الوحي وكيفيته.
فأما الأشاعرة فقالوا: إن الكلام صفة من صفات الذات، وهذا الكلام القديم عبروا عنه بالكلام النفسي، وإن القرآن الكريم المتلوّ والمسموع، هو كلامه تعالى الأزلي القديم الذي ليس بحرف ولا صوت، بل صفة قديمة، وهو الذي أظهره في اللوح المحفوظ ورتبه ونظمه، وهذا الوحي لم يكن على سبيل الإلهام، وإنما كان سماعاً وإفهاماً من غير واسطة مباشرة، مستندين فيه إلى الاستدلال بجواز الرؤية الذي يقولون به ويقيسون عليه سماع الكلام.

وأما المعتزلة فاستندوا إلى المقدمات العقلية التي تتصف بالضرورة العقلية، فقالوا إن الله متكلم، لا بكلام قديم، بل بكلام محدث، يحدثه وقت الحاجة إلى الكلام، وكلامه تعالى أصوات وحروف ليست قائمة بذاته تعالى، بل يخلقها خارجاً عن ذاته، يحدثها في محلٍ فيسمع من المحل غيره، كاللوح المحفوظ أو جبرائيل أو النبي، أو كما أحدثه تعالى في الشجرة، وعليه فالقرآن مخلوق أيضاً لأنه كلام الله تعالى، وهو ليس بكلام الله على الحقيقة، وإنما هو كلامه تعالى مجازاً، فهو مضاف إليه وليس موجوداً بذاته في اللوح المحفوظ، وإنما هو حكاية عن ذلك.

وذهبت الإمامية إلى كونه تعالى متكلماً بكلام محدث، وهو صفة من الصفات الإضافية لا الصفات الذاتية القديمة، والقرآن الكريم لا حادث ولا قديم، على تفصيل: بأن القرآن الكريم إذا أريد به هذه الآيات المتلوة بما أنها كلام؛ فهو متصف بالحدوث، وإن أريد به ما في علم الله تعالى؛ فالقرآن قديم.

ووحيه مخلوق يفعله في جسم محتجب عن المكلَّم غير معلوم على سبيل التفصيل، وإذا أراد أن يُطلِع أحداً من الملائكة على الغيب، أو يحمله الرسالة إلى الأنبياء، فإن ذلك يكون بالاطلاع على اللوح المحفوظ -كما ورد في الروايات-، ووحيه تعالى للأنبياء يكون بإسماعه الكلام من غير واسطة، أو بإسماعه الكلام على ألسن الملائكة، وهو كلامه تعالى على الحقيقة.

تصوير ظاهرة الوحي عند الحداثويين الإسلاميين:
يوكد الحداثويّون كثيراً في كتاباتهم وتصريحاتهم على عدم بيان الإنكار الصريح والمباشر للأسس الدينية التي يعتقد بها المسلمون منذ عهد النبي، وإنما يكررون دوماً بأن لديهم رؤية جديدة ومختلفة عما هو موجود في الفكر الكلاسيكي للمسلمين، الذي يعيش حالة من الخيال والأساطير والتعلق بكل ما هو غيبي ومجهول توارثه العقل الإسلامي عمن سبقهم من الأئمة المؤسسين للشريعة وتفسير الدين وأصوله الإسلامية، ويزعمون أن هذه الرؤية هي التي ستحقق للمسلمين التقدم واللحاق بركب الحضارة.

فإنّهم -فيما يخص قضية الوحي-يكررون القول بوجود رؤيتين مختلفتين للوحي؛ الأولى: الرؤية الكلاسيكية السطحية التي تجعل الوحي حقيقة خارجة عن الواقع، ومتعالية عليه، وأنها نازلة من السماء إلى الأرض. والثانية: هي النظرة الحداثية التي قدمت رؤية واعية عميقة عن حقيقة ومعنى الوحي، ونظرة مختلفة عن تلك النظرة الكلاسيكية السائدة في الفكر الإسلامي، وتفسّره تفسيراً يتناسب مع متغيرات التاريخ والثقافة[54].
والمفكرون الحداثويون لا يقولون بكذب دعوى نزول الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل يسلّمون بذلك ويظهرون التصديق بنزول الوحي، لكن يتفقون على أن الوحي ليس حقيقة خارجة ومنفصلة عن حقيقة الإنسان، وأنه ليس كله نازلاً من المنبع الإلهي المطلق، وإنما هو حادثة متأثرة بالطبيعة الإنسانية، وممتزجة بالأمزجة البشرية، ومختلطة بالأبعاد النفسية والثقافية التي كان يعيشها النبي في ذلك الزمان.

وبعد اتفاقهم على هذا المعنى لمفهوم الوحي وحقيقته، اختلفوا في بيان وتفسير وتقريب ظاهر الوحي في رؤيتهم، فاختلفت كلماتهم وتنوعت مقولاتهم في بيان حقيقة تصوراتهم الجديدة للوحي.
فمنهم من صور الوحي بأنه عبارة عن حالة يعيشها النبي تفيض عليه من خلالها المعاني الدفينة التي كان يعيشها في حياته، فالوحي «حالة استثنائية يغيب فيها الوعي، وتتعطل الملكات، ليبرز المخزون المدفون في أعماق اللا وعي بقوة خارقة لا يقدر النبي على دفعها ولا تتحكم فيها إرادته».[55]
ومنهم من يكرر دوماً -كالدكتور محمد أركون- بأن هناك مفهوماً بسيطاً للوحي، شائعاً ومنتشراً في الفكر الإسلامي، ويبين من خلال أبحاثه ودراساته أن الهدف منها «زحزحة مفهوم الوحي وتجاوزه، أقصد: زحزحة وتجاوز التصور الساذج التقليدي الذي قذفته الأنظمة اللاهوتية».

ويؤكد أن من أهدافه المحورية إضفاء الأشكلة على مفهوم الوحي، أي: جعل الوحي إشكالية بعد أن كان يبدو بديهياً في الوعي الإسلامي، ويؤكد أن هذه الأشكلة هي بداية لتأسيس معنى جديد للوحي وتقديم صور جديدة تماماً عنه.
ويعتبر الوحي عند أركون ظاهرة اجتماعية “تظهر فيها لغة جديدة لكي تعدل جذرياً من نظرة الإنسان عن وضعه وعن كينونته في العالم، وعن علاقته بالتاريخ وعن فعاليته في إنتاج المعنى”[56].

وإذا كان الأمر كذلك، فلا فرق إذن بين الإسلام وغيره من الأديان الوضعية، وفي التصريح بذلك يقول أركون: «تحديدنا الخاص الذي نقدمه عن الوحي يمتاز بخصيصة فريدة، وهو أنه يستوعب بوذا وكونفوشيوس والحكماء الأفارقة، وكل الأصوات الكبرى التي جسدت التجربة الجماعية لفئة بشرية ما من أجل إدخالها في قدر تاريخي جديد».

ويذهب نصر حامد أبو زيد إلى أن للخيال الإنساني أثراً بالغاً في النبوة والوحي، ويقول: «إن تفسير النبوة اعتماداً على مفهوم الخيال معناه أن ذلك الانتقال من عالم البشر إلى عالم الملائكة؛ انتقال يتم من خلال فاعلية المخيلة الإنسانية التي تكون في الأنبياء بحكم الاصطفاء، والفطرة أقوى منها عند من سواهم من البشر، فإذا كانت فاعلية الخيال عند البشر العاديين لا تتبدى إلا في حالة النوم وسكون الحواس عن الانشغال بنقل الانطباعات من العالم الخارجي إلى الداخل؛ فإن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية المخيلة في اليقظة والنوم على السواء، وليس معنى ذلك بأي معنى من المعاني التسوية بين هذه المستويات من حيث قدرة المخيلة وفاعليتها، فالنبي يأتي دون شك على قمة الترتيب، يليه الصوفي، ثم يأتي الشاعر في نهاية الترتيب».[57]

فإذا ما تابعنا نصوص مفكري الحداثة سنجدها أنها متفقة في الكثير من المعاني التي ذكرت أنفاً، وكلها توكد على أن الوحي ليس حقيقة متعالية على الواقع البشري، بل إنّه متأثر بظروفه التاريخية لمحيطه الذي وجد فيه، وليس له الاستقلالية التامة، أي أنه ليس حالة مستقلة من حيث المصدر والمنبع.

إن المحور الأساسي والفكرة المشتركة في جميع الكتابات والنصوص الحداثية، هي ترجيح البعد المادي الحسي على البعد الغيبي، والارتكاز على النزعة المادية لتحليل ودراسة قضية الوحي، فيظهر ذلك وبقوة في النزوع إلى الأنسنة، التي تجعل الإنسان محور ومبدأ الأفكار، ومما لا يخفى أن هذا التوجه ناتج عن طغيان التفكير المادي، فنرى الحداثيين العرب يدأبون على إثبات الأثر الإنساني في أصل الوحي، وإزالة البعد الإلهي والمصدر الرباني عنه، وإزالة صفة الإطلاق، وتجاوز الظروف الزمكانية؛ « إن الوحي بما هو إنزال وتنزيل بحسب هذه الأطروحة، ليس واقعة أزلية ميتافيزيقية، وإنما واقعة تاريخية، غير مفارقة للواقع التاريخي والاجتماعي الذي نزل فيه» [58]. وهو أيضاً -من حيث هو نصّ- ليس «ظاهرة مفارقة للواقع، أو تمثل وثباً عليه، وتجاوزاً لقوانينه، بل كانت جزءاً من مفاهيم الثقافة، ونابعة من موضوعات صورها»[59]، «ومن الواقع تكوّن النص، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمُه، ومن ثَمَّ فهو إحدى نتائج هذا الواقع. فالواقع أولاً -كما يقول نصر بلغة يقينية وحاسمة-والواقع ثانية والواقع أخيراً.

وهذا تأسيس للهدف المحوري في مشروعهم، الذي يتمثل في إثبات تاريخية الأديان وتأثرها بالأوضاع الاجتماعية والثقافية، فهذه الفكرة هي قطب الرحى في المشروع الحداثي، وحجر الزاوية فيه.
والمواقف الذي ذهب إليها كثير من أتباع الخطاب الحداثي في مسالة الوحي - ليست جديدة، ولا من اختراعهم، إنما هي مبثوثة ومنتشرة في كتب الفلاسفة الغربيين، وكذلك هي مبثوثة ومنتشرة في كتب المستشرقين المعاصرين.

نقد الرؤية الحداثوية لظاهرة الوحي:
إن القارئ المتأمل في الخطاب الحداثي يلحظ بصورة واضحة أن ذلك الخطاب ليس مهتمّاً بتتبّع الوحي الإلهي وما جاء به؛ وليس لديه حرص على دراسة أحكامه ولا معرفة مراداته، ولا هو حريص على فهم تفاصيل الأحكام التي جاء بها، وإنما اشتغل أصحابه بالوحي محاولة منهم لإزاحة ما يقف دون التجديد الفكري الذي يسعون إلى تطبيقه في الفكر الإسلامي بعد أن أخذوه من الفكر الغربي.
فكثير منهم ليس لديهم معرفة تفصيلية بما جاء به الوحي، ولا خبرة لديهم في إدراك حقيقة ما قام به النبي من تبليغ الأحكام، ولا يملكون عمقاً في معرفة هوية الدين الحقيقية، ولا يوجد لديهم معرفة بالمصادر التي يقوم عليها الفكر الإسلامي.

وقد أدى بهم هذا القصور المعرفي إلى أن يتبنّوا تصورات هشة غير متماسكة، وبعيدة كل البعد عن حقيقة الوحي.
أولاً: إن القارئ للفكر الحداثي يتبين له وبوضوح فقدان الجدية البحثية في التعامل مع ظاهرة الوحي، فلم تأخذ بُعدها الحقيقي من النظر والتدقيق، فتعاملوا مع الوحي وكأنه ظاهرة غير معروفة في التاريخ الإسلامي، أو لا يوجد أي نص أو خبر يبين معنى الوحي ويختص به أو يذكر تفاصيله وأحواله وظروفه.
في حين أن حقيقة نزول الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصف حاله، قد تبين من خلال الروايات والأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة b، التي شرحت الظروف والأحوال التي كان ينزل فيها الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
بل إن الحداثويين تناسوا تفاصيل الوحي الواردة في القرآن، وكأنها لا وجود لها، لكنّ أي قارئ للقرآن يجد أنه تضمن تفاصيل حقيقة الوحي وأكد أن الوحي منزل من عند الله، وأن الله يختار من يشاء، وأن النبي يبلغ ما أنزل إليه، وأن طرق الوحي إلى النبي مختلفة، وكل تلك التفاصيل تدل -عند المصدق بالقرآن والمؤمن به- على أن الوحي النازل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن نتيجة حالته النفسية التي كان يعيشها، ولا هو نتيجة لقوة مخيلته وَحِدّة ذكائه، وإنما هو معارف نازلة من الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثانياً: إن في القرآن من المعارف والعلوم ما يستحيل على أي شخص تحصيلها بقوة عقله أو حِدّة ذكائه، ويستحيل أن يتكون نتيجة حالة نفسية، حيث اشتمل القرآن على أخبار الأمم والجماعات والأنبياء والأحداث التاريخية السابقة لزمانه بفترة زمنية بعيدة، لم يعاصرها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يتعلمها في حياته.
ومن تلك المعارف: التواريخ وعدد السنين، كما جاء في قصة نوح: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِـمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤١]، وجاء في قصة أصحاب الكهف: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾ [الكهف: ٥٢]، وكذلك تضمّن القرآن أسماء تفصيلية للرجال والأمم والقرى والقبائل.
وهذه الأمور لا يمكن الوصول إليها عن طريق قوة الذكاء ولا سعة المخيلة، ولا عن طريق التجربة الحياتية اليومية، ولا تكون نتيجة حالة نفسية.

ثالثاً: إذا كان الوحي من عنديات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان متأثراً بحالته النفسية أو العقلية، أو كانت لطبيعة حياته اليومية أو مخيلته أو لذكائه مدخلية في صياغة الوحي؛ لبان ذلك في القرآن، خاصة وأن هنالك بعض الأحوال الاستثنائية التي مرت به وقد أخذت منه مأخذاً، كحزنه على وفاة عمه وكافله (أبو طالب (عليه السلام)) وزوجته خديجة h اللَذَينِ كانا يُسانِدانِه، حتى أطلق على تلك السنة عام الأحزان، وفقد العون المعنوي بفقدهما، ومع ذلك كله لا نجد في القرآن أي أثر لهذه الأحداث الأليمة، فعدم وجود آثار لمثل تلك الأحداث، دليل على أن مشاعر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودواخله ليست مصدراً للوحي، وليس لها أثر فيه، وإنما هو حقيقة نازلة عليه من الله عز وجل.
إضافة لما تقدم، ثمّة إشكال منهجي فيما طرحه أصحاب الفكر الحداثوي، ذلك أنهم حصروا النبوة والوحي في القرآن فقط، بينما النبوة في حقيقتها ظاهرة مركبة أوسع من القران، فبالإضافة إليه فإن الله عز وجل ساق ما يؤيد نبيه بأدلة حسية وعقلية، وأحوال أخلاقية ونفسية وروحية عاشها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمّته.
والنتيجة -التي تتفق عليها كل الأدلة التي ذكرناها والتي لم نذكرها حتى لا يطول المقام بنا- التي صاغها الفكر الحداثي عن الوحي لا يمكن أن تكون حقيقة للوحي الإلهي، ولا يمكن أن تجتمع مع دلالات القرآن والبراهين العقلية، ولا مع حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نبوّته.

فمع ما قدمه الحداثيون من رأي ليس لنا إلّا أحد أمرين: إما أن نحكم ببطلان وخطأ النظرة الحداثية في تفسير الوحي ونأخذ بما يدل عليه القرآن والأدلة التاريخية، وإما أن نأخذ بالنظرة الحداثية ونضرب بقواطع القرآن والبراهين العقلية عرض الحائط، وهذا مما لا يمكن قبوله لمن له مُسْكةٌ من عقلٍ.

النتائج والتوصيات
-1 يقول الإمامية والأشعرية: إن الكلام صفة له تعالى، ولكنه ليس من الصفات الذاتية القديمة كالعلم والقدرة والحياة، بل هو (من الصفات الإضافية كالخلق والرزق).
2-اتفقت المعتزلة مع الإمامية في القول بحدوث الكلام، فكونه تعالى متكلّماً لا يكون إلا بكلام محدَث؛ لأن حقيقة المتكلم مَن وقع منه الكلام الذي هو هذا المعقول بحسب دواعيه وأحواله، وقالوا بأن كلامه تعالى يجب أن يوصف بما سمّاه به هو تعالى بكونه محدَثاً.
3-الكلام اللفظي الموضوع الدال على ما في الضمير: كلام، وكذا الإشارة الوافية لإراءة المعنى: كلام، كما أن إشارتك بيدك إلى القعود والقيام: أمرٌ وقَولٌ. وكذا الوجودات الخارجية فإنها لما كانت حاكية بوجودها عن وجود علّتها، وبخصوصياتها عن الخصوصيات الكامنة فيها؛ صارت الوجودات الخارجية -بما أن وجودها مثال لكمال علّتها- كلاماً. وعليه فمجموع العالم الإمكاني كلام الله سبحانه، ويتكلم به بإيجاده وإنشائه، فيظهر المكنون من كمال أسمائه وصفاته. وكما أنه تعالى خالق العالم والعالم مخلوقه، كذلك هو تعالى متكلم بالعالم، مظهر به خبايا الأسماء والصفات، والعالم كلامه.
4-اتفقت الإمامية والمعتزلة والأشاعرة على أن الله تعالى يوحي إلى أنبيائه؛ إما من وراء حجاب، أو بواسطة ملاك الوحي، أو من غير واسطة، ولكنهم اختلفوا في تفاصيلها.
5-مرجع أسباب الاتفاق والاختلاف -كما تبين من خلال ما تقدم- هو الآراء الكلامية لكل فرقة ومن ثَمَّ ألقت تلك الآراء بظلالها على آرائهم التفسيرية في بيان معنى الوحي وكيفيته.
6-المفكرون الحداثويّون لا يقولون بكذب دعوى نزول الوحي على النبي، بل يسلّمون بذلك ويظهرون التصديق بنزول الوحي، لكنّهم يتفقون على أن الوحي ليس حقيقة خارجة ومنفصلة عن حقيقة الإنسان، وليس كله نازلاً من المنبع الإلهي المطلق، وإنما هو حادثة متأثرة بالطبيعة الإنسانية، وممتزجة بالأمزجة البشرية، ومختلطة بالأبعاد النفسية والثقافية التي كان يعيشها النبي في ذلك الزمان.
7-يعتبر الوحي عند الحداثويين الإسلاميين ظاهرة اجتماعية، تظهر فيها لغة جديدة لكي تعدل جذرياً من نظرة الإنسان عن وضعه وعن كينونته في العالم، وعن علاقته بالتاريخ وعن فعاليته في إنتاج المعنى وإذا كان الأمر كذلك، فلا فرق إذن بين الإسلام وغيره من الأديان الوضعية.
8-إن الأخذ بالنظرة الحداثية هو ضرب بقواطع القرآن والبراهين العقلية لعُرضَ الحائط، وهذا مما لا يمكن قبوله لمن له مُسْكةٌ من عقل.
9-إن أصحاب الفكر الحداثوي حصروا النبوة والوحي في القرآن فقط، بينما النبوة في حقيقتها ظاهرة مركبة أوسع من القرآن، فبالإضافة إلى ذلك ساق الله عز وجل ما يؤيد نبيه بأدلة حسية وعقلية، وأحوال أخلاقية ونفسية وروحية عاشها النبي في أمته.
10-إن ترجيح البعد المادي الحسي على البعد الغيبي في تحليل ودراسة قضية الوحي - يظهر جلياً وبقوة في المذهب الأنسني، الذي يجعل من الإنسان المحور والمبدأ للأفكار، ومما لا يخفى أن هذا التوجه ناتج عن طغيان التفكير المادي.


التوصيات
1-أنْ تكثَّف الدراسات بطريقة موضوعية حول جدوائية الدراسات الحداثية في إيجاد حلول لبعض مشاكل التفكير الكلامي حول ظاهرة الوحي.
2-تسليط الضوء على حدود التفسير الكلامي لظاهرة الوحي ومدياته، فمعرفة حدود هذه التفاسير للوحي الإلهي لها دور أساسي في علاج كثير من القضايا الدينية، ومن ثَمَّ تجنيب الدين كثيراً من المشاكل التي زُجّ بها من دون أي عذر.
3-أنْ يحافظ الباحث على النقطة الجوهرية في دراسة الظاهرة الوحيانية من منظار التفسير الكلامي بصورة خاصة، وهي مسألة تعالي الوحي وارتباطه بالغيب، وعدم السماح للدراسات الحداثية أو غيرها بنزع هذا التعالي، فزوال تعالي الوحي وارتباطه بالغيب زوالٌ للقضية الدينية برُمّتها كما حدث هذا مع الحداثويين من المسلمين.
4-عدم التسرع في استخدام المناهج المستوردة من أفق ثقافات أخرى، التي لم تولد من رحم الدراسات الإسلامية المتّزنة والأصيلة، كما حصل مع محمد أركون ونصر حامد أبو زيد وغيرهما، فكثيراً مّا تؤدي مثل هذه المناهج إلى نتائج لا تمتّ للروح الدينية بصلة.
5-لا بد من النظر في التجربة الدينية السائدة حول ظاهرة الوحي كلامياً؛ لإيجاد نقاط القوة، وإبطال النظرة الكلية التي يحكم بها الفكر الحداثوي على التجربة الدينية برمّتها.



المصادر والمراجع

القرآن الكريم

ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، النبوات، المطبعة السلفية، القاهرة، 1386هـ.‏‎ ‎

ابن حزم، علي بن أحمد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، دار الندوة الجديدة ، بيروت ، ط1، 1317 ه‍.‏‎ ‎

ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1993م.‏

أبو زيد، نصر حامد. مفهوم النص، بیروت: المركز الثقافي العربي، ط ۲، 1994م، ص 34.‏

أبو زيد، نصر حامد. مفهوم النص، بیروت، المركز الثقافي العربي، ط ۲، 1994م، ص 34.‏

أبو زيد، نصر حامد. نقد الخطاب الديني، القاهرة: سينا للنشر، ط3، 1994م، ص:42-46.‏‎ ‎

الإمام علي بن أبي طالب، نهج البلاغة، تحقيق محمد عبده، ط1، 1398هـ ق.‏

الباقلاني، محمد بن الطيب، الإنصاف فيما يجب اعتقاده، مؤسسة الخانجي ، القاهرة، ط ٢، ١٩٦٣ م.‏‎ ‎

البخاري، محمد بن إسماعيل، فتح الباري شرح صحيح البخاري ، دار الفكر ، بيروت ، 1969 م.‏

الحكيم، محمد باقر، علوم القران ، مجمع الفكر الإسلامي، قم المقدسة، ط3، 1997م.‏

الخياط ، عبد الرحمن بن محمد المعتزلي، الانتصار، القاهرة، ط ١ ، 1925م.‏

الخياط المعتزلي، عبد الرحيم بن محمد، الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد، القاهرة، ط١، 1925 م.‏‎ ‎

الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن ، دار القلم، بيروت، ط1 1991م.‏‎ ‎

الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، دار القلم، بيروت، ط1، 1991م.‏

رشيد رضا، محمد، الوحي المحمدي ، دار المنار ، القاهرة ، ط ٥ ١٣٦٧ ه‍.‏

الزبيدي، محمد بن محمد، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الفكر، بيروت، ط1، 1414هـ.‏

السبحاني، جعفر بن محمد حسين، الإلهيات، ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻨﺸﺮ، بيروت، ط1، 1989م.‏‎ ‎

السبحاني، جعفر بن محمد حسين، بحوث في الملل والنحل، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، ط2، 1415هـ.‏‎ ‎

الشريف المرتضى، علي بن الحسين الموسوي، الأمالي (درر الفوائد وغرر القلائد)، دار الكتاب العربي، بيروت، ‏ط2، 1967م.‏

صدر المتألهين، محمد بن إبراهيم، المبدأ والمعاد، دفتر تبليغات إسلامي، قم، ط3 ،1380هـ.ق.‏

الصدوق، محمد بن علي ، التوحيد، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، ط5، 1416 هـ.‏‎ ‎

الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين، التوحيد، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت (د. ت).‏

الطباطبائي، محمد حسين، القرآن في الإسلام، دار الزهراء، بيروت، ط1، 1973 م.‏‎ ‎

الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الاعلمي، بيروت، ط1، 1997م.‏

الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط2، 1994 م.‏

الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، دار إحياء التراث العربي ، بيروت 1379 ه‍.‏‎ ‎

الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار المعرفة، بيروت، ط 3، 1978 م.‏

الطوسي، محمد بن الحسن، الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد، جمعية منتدى النشر، النجف الأشرف، 1979 م.‏‎ ‎

العاملي، فهيمي نور الدين، الوحي في الأديان الثلاثة، دار المحجة البيضاء، بيروت، ط1، 2009م.‏‎ ‎

عبد الرزاق، مصطفى بن الحسن، الدين والوحي والإسلام، دار إحياء الكتب العربية، مصر ، 1945م.‏

عبد المجيد الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2008م.‏‎ ‎

علي عبد الرازق، الدين والوحي والإسلام، دار إحياء الكتب العربية، مصر 1945 م.‏

عماد علي عبد السميع، الإسلام واليهودية دراسة مقارنة.‏

الفخر الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، دار الفكر ، بيروت ، ط ٣ ، 1985 م.‏

القاضي عبد الجبار المعتزلي، عبد الجبار بن أحمد، تنزيه القرآن عن المطاعن، دار النهضة الحديثة، بيروت، ط2، ‏‏2005م.‏‎ ‎

القاضي عبد الجبار المعتزلي، عبد الجبار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة ، مكتبة وهبة ، القاهرة ، ط1 ، 1965م.‏

القاضي عبد الجبار، عبد الجبار بن أحمد، المغني في أبواب التوحيد والعدل، الشركة العربية للطباعة والنشر، القاهرة‏، ط ١ ،1961 م.‏‎ ‎

القسطلاني، شهاب الدين، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت 2016م.‏

اللقاني، إبراهيم بن إبراهيم، القول السديد شرح جوهرة التوحيد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2013م.‏‎ ‎

المجلسي، محمد باقر محمد تقي، الأمالي ، طهران ، ط 1 ، 1310 ه‍.‏‎ ‎

محمد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، دار الساقي، بيروت، ‏‎2017‎م.  ‏

محمد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2005م.‏‎ ‎

محمد عبده، رسالة التوحيد، دار الكتاب العربي، القاهرة، ط1، 1966.‏‎ ‎

محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر، بيروت 1987 م.‏‎ ‎

المصطفوي، حسن محمد، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ط1، اثار العلامة المصطفوي، طهران 1385ش.‏

المعتق، عواد بن عبد الله، المعتزلة وأصولهم الخمسة، مكتبة الرشد، الرياض، ط4، 2001م. ‏

مغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف ، دار العلم للملايين ، بيروت، ط 2، 1978 م.‏‎ ‎

مغنية، محمد جواد، فلسفات إسلامية، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1978م.‏‎ ‎

المفيد، محمد بن النعمان، المسائل العكبرية، مكتب الأعلام الإسلامي، قم، ط1، 1413هـ ق.‏

المفيد، محمد بن محمد، أوائل المقالات ، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف ، ط ٣، 1973 م.‏‎ ‎

المفيد، محمد بن محمد، تصحيح الاعتقاد، المطبعة الحيدرية، النجف، ط ٣ ، 1973 م.‏‎ ‎

الميرداماد، محمد باقر، القبسات، دانشكاه طهران، إيران، ط2، 1946م.‏

------------------------------------
[1] ابن منظور، لسان العرب، ج15، ص379.
[2]  الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص858-859.
[3] المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج6، ص64-67.
[4] محمد رشيد، الوحي المحمدي، ص26.
[5] الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج14، ص305.
[6] الحكيم، علوم القرآن، ص25.
[7] مصطفى عبد الرازق، الدين والوحي والإسلام، ص227.
[8] الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، ج20، ص76.
[9] الصدوق، التوحيد، ص255.
[10] البخاري، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج1، ص31.
[11] القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، ج1، ص46.
[12] القسطلاني، مصدر سابق.
[13] الهيثمي، مجمع الزوائد، ج4، ص72.
[14] الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج1، ص175.
[15] الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج16، ص320.
[16] الفخر الرازي، مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، ج4، ص36.
[17] اللقاني، القول السديد شرح جوهرة التوحيد، ص170.
[18] الصدوق، مصدر سابق.
[19] السبحاني، الإلهيات، ص160-166.
[20] السبحاني، الملل والنحل، ج1، ص219-230.
[21] صدر المتألهين، المبدأ والمعاد، ص203-206.
[22] العاملي، الوحي في الأديان الثلاثة، ص122-126.
[23] مغنية، التفسير الكاشف، ج3، ص472.
[24] مصطفى عبد الرازق، الدين والوحي والإسلام، ص229.
[25] القاضي، المغني في أبواب التوحيد والعدل، ج7، ص84.
[26] المعتق، المعتزلة وأصولهم الخمسة، ص81-95.
[27] الخياط المعتزلي، الانتصار، ص98.
[28] ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج4، ص172.
[29] السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج1، ص44-48.
[30] الرازي، التفسير الكبير، ج17، ص97.
[31] البيجو ري الاشعري، تحفة المريد جوهر التوحيد، ص94.
[32] ابن تيمية، النبوات، ص166-168.
[33] الباقلاني، الإنصاف فيما يجب اعتقاده، ص108-110.
[34] عماد علي عبد السميع، الإسلام واليهودية دراسة مقارنة، ص46.
[35] القاضي، المغني، ص182-183.
[36] الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، ص57-58.
[37] القاضي، مصدر سابق، ص183-185.
[38] الخياط المعتزلي، مصدر سابق، ص98.
[39] القاضي، مصدر سابق.
[40] الخياط المعتزلي، مصدر سابق.
[41] الطوسي، الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد، ص 263.
[42] الشريف الرضي، نهج البلاغة، تحقيق محمد عبده، ص210.
[43] العلامة الطباطبائي، تفسير الميزان، ج18، 242.
[44] الشريف الرضي، نهج البلاغة، ج2، ص122.
[45] المفيد، المسائل العكبرية، المسألة الحادية عشر، ص43.
[46] المفيد، أوائل المقالات، ص39-41.
[47] صدرالمتألهين، المبدأ والمعاد، ص318.
[48] المجلسي، الأمالي، حديث 956، ص701.
[49] المفيد، أوائل المقالات، ص41-43.
[50] الشريف المرتضى، الأمالي (درر الفوائد وغرر القلائد)، ج1، ص270.
[51] الشريف المرتضى، مصدر سابق.
[52] المفيد، تصحيح الاعتقاد، ص74.
[53] العلامة، القرآن في الإسلام، ج1، ص11.
[54] محمد أركون، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ص181.
[55] عبد المجيد الشرفي، الإسلام بين الرسالة والتاريخ، ص176.
[56] محمد أركون، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، ص84.
[57] أبو زيد، نصر حامد. مفهوم النص، ص34.
[58] أبو زيد، نصر حامد. نقد الخطاب الديني، ص42-46.
[59] أبو زيد، نصر حامد، مفهوم النص، ص34-36.