البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

فاطمة الزهراء (عليها السلام) ونصرة الاسلام المحمدي

الباحث :  د- عامر عبد زيد الوائليّ
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  22
السنة :  صيف 2021م / 1442هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 27 / 2021
عدد زيارات البحث :  622
تحميل  ( 1.066 MB )
الملخّص

سطر الباحث الى الوقوف عند مقاصد خطبة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء ع من خلال دفاعها عن اطروحة الاسلام المحمدي, مظهرا تهافت الاطروحة المضادة سعيا الى بيان نهج تحرير العقول من الاعتقاد بتصورها المضلل, واقفا عند بيان الصديقة الشهيدة تناقض المقدمات التي جاءت بها السلطة في تلك الواقعة التأريخية التي ادت الى انشقاق الامة والى اثار واقعية نعيش معالمها حتى وقتنا الحاضر, فقد عرض الباحث نص الخطبة وقام بتناولها بالاستجلاء والاستنطاق والتحليل مبينا اطروحة النص الجوهرية في انقسام الامة وخروجها عما اراد لها خالقها ورسوله وما خلفه الانقسام بعد ذلك من الاثار العظيمة, كل ذلك من خلال دراسة لمنهج النص وبراهينه في الدفاع والنقد والخلوص الى تقويم محصلته المعرفية التي رصدت التداعيات لهذه الحادثة المؤصلة لمحنة الامة الاسلامية الى اليوم

الكلمات المفتاحية
{فاطمة الزهراء, الاسلام المحمدي, النهج القويم}

Abstracts
Fatimah Al-Zahraa and the Victory of Mohammady Islam
Dr. Amir Abd-Zaid
The researcher exclusively highlights the purposes behind the sermon of the honest martyr Fatimah Al-Zahraa (PBUH) through her defense for the thesis of Mohammady Islam. The paper goes on to show the eagerness of the counter-thesis seeking to explain the approach to liberating minds from believing in its misleading perception. Significantly, by standing firmly at the statement of the honest martyr, it opposes the contradictions made by the authority in that historical incident, which led to the split of the nation and to realistic effects that we live with until the present time.
Accordingly, the researcher presents the text of the sermon and sheds light on it with clarification, interrogation, and analysis, indicating the text's essential thesis in the division of the nation, also indicating Al-Zahraa’s departure from what her Creator and Messenger wanted for her, and what the division left behind of great and drastic effects.
Ultimately, it is all accomplished by means of a thorough study of the text's methodology and its evidence in both defense and criticism. This is followed by a conclusion and evaluation of the text's knowledge outcome that monitored the implications of this unique incident, which is firmly rooted in the plight of the Islamic nation to this day.

Keywords: Fatimah Al-Zahraa; Mohammady Islam; The Right Approach
Ariderit? Nam, unum res fac molic obsentem ina, quid condeferces sili itam.

«تحليل نصّ»
في سعينا إلى تحليل النصّ الذي هو جزء من خطبة للزهراء(عليها السلام)، وهي تحاول من خلاله الدفاع عن أطروحة الإسلام المحمّديّ، وتبيّن تهافت الأطروحة المضادّة، وتسعى إلى تحرير العقول منها، وهي تبيّن تناقض المقدّمات التي انطلقت منها تلك الواقعة التاريخيّة التي شهدت انشقاق الأمّة، وآثار ذلك الاجتماعيّة، والنفسيّة، ونحن نحاول فهمها وتفسيرها، ونقد تلك الظروف التي قادت إلى الانشقاق؛ إذ قالت السيّدة الزهراء(عليها السلام):

«أصْبَحَتُ واللهِ عَائِفَة لِدُنْياكُم، قَالِيَةً لِرِجَالِكُم، لَفِظْتُهُمْ قَبْلَ أنْ عجمتُهُمْ وشَنِئْتُهُم بَعدَ أنْ سبرتُهُم، فَقُبحًا لِفلولِ الحدِّ، وخور القَنَاةِ، وخطل الرَّأيِ، و : (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة :80].
لا جَرَمَ لَقَد قَلَّدتُهُم ربقتَها، وشَننْتُ عَليهم غَارَها، فجدعًا وعقرًا وسُحقًا لِلقَومِ الظَّالِمِينَ، وَيْحَهُم أنَّى زَحْزَحُوهَا عَن رَواسِي الرَّسَالَة، وقَوَاعِد النبُوَّةِ، ومَهْبِطَ الوَحْيِ الأمِينِ، والطبين بِأمْرِ الدُّنيَا والدِّينِ : ( أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) [الزمر :15].

وَمَا نَقمُوا مِنْ أبِي الحَسَن ؟! نَقمُوا وَاللهِ مِنْهُ نَكِيرَ سَيْفِهِ، وَشِدَّةَ وَطْئِهِ، ونكَالَ وَقْعَتِهِ، وتَنَمُّرِهِ فِي ذَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .
واللهِ لَو تَكافّوا عَن زمَامِ نبْذَه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إليهِ لاعْتَلَقَهُ، ولسَارَ بِهِم سَيرًا سُجُحًا، لا يُكَلِّمُ خشاشُهُ، ولا يُتَعْتِعُ رَاكِبُهُ، ولأوْرَدَهُمْ مَنْهَلًا نَمِيرًا، صَافِيًا رَويًّا، فَضْفَاضًا، تَطْفَحُ ضِفَّتَاهُ، وَلا يَتَرنَّقُ جَانِبَاهُ .

ولأصْدَرَهُم بطانًا، ونَصَحَ لَهُمْ سِرًّا وَإعْلانًا، ولم يكن يحلى من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غير ريِّ النَّاهِلِ، وشبْعَةِ الكَافِلِ، وَلَبَانَ لَهُمُ الزَّاهِدُ مِنَ الرَّاغِبِ، والصَّادِقُ مِنَ الكَاذِبِ: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96] [1].

يعبّر هذا النصّ عن امرأة احتلّت مكانة متميّزة في المجتمع الإسلاميّ، وشهدت كلّ رهانات الدعوة أنّها تربّت في مدرسة النبوّة، وتخرّجت من معهد الرسالة، وتلقّت عن أبيها الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تلقّاه عن ربّ العالمين، وممّا لا شكّ فيه أنّها تعلّمت في دار أبويها ما لم تتعلّمه طفلة غيرها في مكّة [2].
وكانت السيّدة الزهراء(عليها السلام) صاحبة عزيمة وإصرار وإرادة قوية؛ وهي تحذو حذو أبيها في كلّ كمال، حتى قالت عنها عائشة: ما رأيت أحدًا من خلق الله أشبه حديثًا وكلامًا برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه أخذ بيدها فقبّلها، ورحّب بها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها، قامت إليه ورحّبت به، وأخذت بيده فقبّلتها[3]. وهي التي أعدّها النبيّ منذ صغرها، إذ كانت ابنته الزهراء هي موضع دلاله، وتقديره وحبّه وحنانه على هذا المستوى الرفيع.

ولفاطمة بنت محمّد مكانة عظيمة عند المسلمين بشتّى طوائفهم؛ فتجمع على أنّ لها شأنًا عند الله يفوق كلّ نساء العالم، وأنّها سيّدة نساء العالمين وفقًا للمنظور الإسلاميّ [4]، وهو أمر أكّد عليه كثير من العلماء، ومنهم الحسن البصريّ، الذي قال فيها: ما كان في هذه الأمّة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورّمت قدماه[5]، فمكانتها هذه تأتي من إخلاصها للإسلام ولنبيّه؛ إذ كان الرسول يحاول أن يخفّف عنها عبء الألم، ويحثّها على التجلّد قائلًا: «لا تبكي يا بنيّة، فإنّ الله مانع أباك، وناصره على أعداء دينه ورسالته» [6] .

وفاطمة هي تجسيد للكوثر، فذرّيّة الرسول منها، وأبناؤها هم الأئمّة المعصومون ثاني الثقلين اللذين تركهما محمّد في أمّته، وجعلهم لا يفترقون عن الثقل الأوّل، القرآن الكريم، يصونونه، ويضحّون لأجله، والثقلان هذان: (لكتاب والعترة) استمرار لوجود محمّد ورسالته، ووسيلة لسلامة سير الأمّة في الخطّ الصحيح دون الانحراف والضلال، وهذا الشأن الفاطميّ العظيم، ورد على لسان رسول الله في موارد مختلفة أنّه قال: «ذرّيّتي من نسل عليّ وفاطمة»، وقال: «الحسن والحسين ابناي إمامان»، وقال: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»[7] .

وانطلاقًا من هذه المكانة وتلك المواصفات التي تمتّعت بها هذه السيّدة العظيمة جعلت منها صاحبة فكر عقديّ يعبّر عن صميم الإسلام المحمّديّ، وقد كانت تدرك دورها في محاربة الانحراف الذي حصل، وهي معدّة لهذه المهمّة الكبيرة.



المقدّمة
النصّ يتمركز حول «إشكال مركزيّ»، ومن ثمّ فهو نصّ يعبّر عن الإشكال الذي أصاب الأمّة بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، وكيف تنازع المسلمون حول الخلافة، في سقيفة بني ساعدة.
فالإشكال كان يبدو وكأنّه إشكال سياسيّ، إلّا أنّ النصّ يوضح أنّه إشكال دينيّ، باعتبار أنّه حرف مسار الدين يوم خرج هؤلاء عما كان قد اختطه الله ورسوله لمن يأتي بعد النبيّ.
ولعلّ هذا الإشكال هو المتمثّل بتلك القطيعة التي أحدثها هؤلاء يوم أخذوا الأمر على محامل غير سليمة، وبايعوا ما لم يحدّده النبيّ، وهذا ما جعل السيّدة الزهراء(عليها السلام)، تبيّن غربتها عن أفعالهم تلك بقولها: «أصبحت والله عائفه لدنياكم قالية لرجالكم»، فالأمر ليس بالأمر الهيّن؛ فهو خروج على ثوابت الدين بقولها: «ويحهم أنّی زحرحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة، ومهبط الوحي الأمين ».
نحاول في هذا المقال أن نحلّل هذا الإشكال المركزيّ الذي أحدث الانشقاق الكبير في الأمّة وفيه خروج عن الشريعة، وانفصام بين النصّ، وعترة النبيّ. وقد كانت السيّدة الزهراء(عليها السلام)بقولها هذا تعبّر عن دورها الجهاديّ، وهو استمرار لجهادها في بيت أبيها، ومن ثمّ في بيت زوجها، فضلًا عن مشاركتها الأفعال في الأحداث العامّة، ومنها مشاركتها في مقدمّة النساء المسلمات في الحروب التي خاضها المسلمون في التمريض، ومن ثمّ جاء هذا النصّ؛ ليعبر عن استمرارها في مسيرتها الجهاديّة؛ إذ كانت قد أدّت دورًا بارزًا وشاقًّا في نصرة الحقّ والدفاع عن وصيّة الرسول(صلى الله عليه واله وسلم)، وذلك حينما كانت تقوم بزيارات سرّيّة لأصحاب الرسول تشجّعهم على الوقوف بجانب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد وقفت بشكل لا مثيل له وبصورة حادةّ - بحسب ما نقله المؤرّخون - مع عليّ في أصعب أيّام حياته، وقد جعلت من خاتمة حياتها فعلًا احتجاجيًّا من خلال وصيّتها؛ إذ أوصت بسرعة دفنها، وإخفاء قبرها، وقد جعلت من هذين الشرطين كسندين لاعتراضها على الوضع العام [8]

التحليل:
في هذه النقطة من مقالنا نحاول أن نحلّل مباني النصّ؛ فالتحليل هو قول ما يقوله النصّ، وذلك بتوضيح ما هو ظاهر، وإظهار ما هو خفيّ، وفكّ ما هو غامض، وتبسيط ما هو معقّد، وتوحيد ما هو مشتّت، وتفصيل ما هو مجمل عبر تسليط الصور على الغايات، والمرامي التي كانت حاضرة فيه، وتكشف فيها نقاط ثلاث نحاول بسطها من خلال النصّ، ونقف فيها عند موقف صاحبة النصّ، أي أطروحة النصّ المركزيّة، ومنهجها في الاستدلال على إثبات النصّ وتقويمه .

أطروحة النصّ:
إنّ السؤال الذي يحاول أن يجيب عليه النصّ هو ما تحاول أطروحة النصّ المركزية الإجابة عنه؛ كونها الموقف الذي يدافع عنه الكاتب أو القائل في النصّ، وهو بالضرورة موقف تفكير صاحب النصّ في النصّ: وهو تقسيم النصّ إلى وحدات معنويّة تكشف عن تدرّجه وتماسكه وتكامله.
فأطروحة نص السيّدة الزهراء(عليها السلام) يتعلّق بالحدث الجلل الذي أصاب الأمّة بعد غياب نبيّها (صلى الله عليه واله وسلم)، وهو انقسام الأمّة، وخروجها لما أراد لها الله، ورسوله والحوادث كثيرة ترصد تَشَكّل الخلاف بين المسلمين، وبداية محنة الانقسام يوم خرجوا على الوصيّ واختاروا أن يقدّموا قريشًا، وعندا اختاروا المبايعة على هذا الأمر حتى يظهروا، وكأنّها نهج ومسار على الرغم من أنّها لم تصمد فكلّ من تولى الخلافة كان يوصي بمن يأتي بعده، حتى تحولّه إلى ملك مع معاوية الذي نصب يزيد بعده، وأجبر المسلمين على مبايعته، وكان الثمن قتل الحسن (عليه السلام) عن طريق سمّه، وقتل الحسين(عليه السلام) وأصحابه، فكان مسار السقيفة يرسم الأحداث لما بعده.

فالسؤال الذي تجيب عنه أطروحة النصّ هو نقد وتوصيف لما حدث، حيث تقول السيّدة الزهراء(عليها السلام): وما نقموا من أبي حسن؟ وهذا سؤال مفصليّ مرتبط بالإسلام وأحداثه الجسام، وهو سؤال لا ينتظر إجابة؛ لأنّها تجيب عنه بما يبيّن ويكشف الموقف الذي تنتقده السيّدة الزهراء(عليها السلام) بقولها: «نقموا والله الكبر منه، نكير سيفه وشدّة وطأته ، ونكال وقعته، وتنمّره في ذات الله عز وجل»، أي أنّ الأمر مرتبط بجهاد الإمام(عليه السلام)، ودفاعه عن الإسلام وعقيدته، وشدّته بالحقّ لوجه الله، مما يعني أنّ الخلاف بين مسارين: الأول اختطه النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم)، وسار عليه الإمام عليّ (عليه السلام)، ومسار آخر مختلف تمامًا ينكر الأوّل ويخرج عليه.
فأطروحة النصّ تبيّن طبيعة الانحراف الذي أحدثه هؤلاء، وجعلهم يخرجون الأمر عن سياقه الذي اختطه الله ورسوله؛ ولهذا جاء دعاء السيّدة الزهراء على المخالفين لنهج الإسلام ومُحْدِثي الشرخ الذي سوف يجرّ الإسلام إلى الشقاق؛ فتقول بحقّ هؤلاء وهي توجّه خطابها إلى نسوة الأنصار ومن خلفهم إلى أصحاب الأمر بقولها: «لا جرم لقد قلّدتهم ربقتها، وشنَنَت عليهم عارها، فجدعًا وعَقرًا، وسُحقًا للقوم الظالمين». فهي بهذا تقوم بدورها الذي أشار إليه الرسول، إذ قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): «إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانًا، ويقينًا إلى مشاشها، ففرغت لطاعة الله»، وقد وظّفت كلّ هذا العلم بالشريعة من أجل الدفاع عن النهج القويم.

2 - منهج النصّ وبراهينه في الدفاع والنقد:
البحث عن المنهج مرتبط بطبيعة معرفة صاحبة النصّ ومكانتها في الإسلام، مضافًا إلى معرفة النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم)، ومنهج النبوّة؛ فهذه المعرفة ضروريّة من أجل كشف المكانة التي تحتلّها السيّدة الزهراء(عليها السلام)، فهذه المكانة كان قد أعدّها الله ورسوله لها منذ البداية، لمن يتأمّل في سير الأحداث وترابط حلقاتها؛ فهي تكمل مسار النبوّة في دعمها ومناصرتها للإمام عليّ في ظلّ الغربة، والعنف الذي تعرّض له بعد وفاة النبيّ، غربة من المجتمع ومن الذين كانوا ينازعونه القرار، وهم على الرغم من قربهم منه إلّا أنّهم جهلوا حقّه، وتعاملوا معه بعنف رمزيّ له آثاره الرمزيّة، والمادّيّة، هنا كان دور السيّدة الزهراء(عليها السلام) في التأييد والنصرة، وهي تذكّرنا بمكانة السيّدة خديجة ودورها(عليها السلام) مع النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم)، وكيف كانت نهايتها في شعب بني طالب، وهي السيّدة القريشيّة صاحبة السلطة والمال والجاه الكبير في قومها، لكنّها ناصرت الإسلام مع أبي طالب إلى النهاية، واليوم تقف السيّدة الزهراء(عليها السلام)، اتجاه الإمام عليّ (عليه السلام) تناصره في ظلّ اجتماع الناس ضدّه، وهو يشعر بالغربة وكثرة الخصوم، فموقف السيّدة الزهراء كان له أثر عظيم في نفس الإمام؛ لما لها من رمزيّة كبيرة، كونها ابنة النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم)، وصاحبة العلم بالشريعة، وقد عبّر النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) عن مكانتها العلميّة الكبيرة التي احتلّتها بجهودها في طلب العلم ونشره، وهذا ما جعلها من أهمّ رواة الحديث، ومن حملة السُنّة المطهّرة، حتى أصبح كتابها الكبير الذي كانت تعتزّ به أشدّ الاعتزاز يُعرف باسم «مصحف فاطمة»، وانتقل إلى أبنائها الأئمّة المعصومين يتوارثونه كابرًا عن كابر.

إذ يكفيك دليلًا على ذلك، وعلى سموّها فكرًا وكمالًا وعلمًا ما جادت به قريحتها من خطبتين ألقتهما بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) إحداهما بحضور كبار الصحابة في مسجد الرسول(صلى الله عليه واله وسلم)، والأخرى في بيتها، وقد تضمّنتا صورًا رائعةً من عمق فكرها، وأصالته واتّساع ثقافتها، وقوّة منطقها وصدق نبوءاتها فيما ستنتهي إليه الأمّة بعد انحراف القيادة، هذا فضلًا عن رفعة أدبها، وعظيم جهادها في ذات الله، وفي سبيل الحقّ تعالى[9]، وهي في نفس المقام عارفة بمقام الإمام عليّ (عليه السلام) في غربته، وهي تناصره وتدخل السرور على نفسه وتشدّ أزره.

لقد تعرّضت السيّدة إلى عنف رمزيّ ومادّيّ كبيرين، في وقت كان النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) والإمام علّي (عليه السلام) يطرقون باب دارها؛ لأنّها مسكن راحة وأنس، في المقابل كان ثمّة مَن يهدّد بحرق دارها عليها، إذا لم يبايع الإمام عليّ (عليه السلام). كانت تلك هي الظروف التي ظهر النصّ موضوع دراستنا هذه؛ لأن فهم ظروف النصّ تجعلنا نستعيد الوضع النفسيّ لصاحب النصّ، وندرك عمق الخطر الذي كان تعيشه السيّدة الزهراء وآل البيت جميعًا.
فإنّ من لوازم فهم النصّ فهم مسار تفكير صاحبه، الذي يساعد على الكشف عن معاني النصّ، ويمكننا من تلخيص أفكاره، واكتشاف اللحظة السابقة ثم تأزيمها عبر كشف التصاعد الذي صاحبَ الأحداث التي يحاول النصّ أن يصفها، ويعبّر عن آثارها النفسّية بعد فهم تلك اللحظة التي مهّدت للنصّ، وأسهمت بإخراجه معبّرًا عنها وما فيها من آثار، هذا يجعلنا نستطيع تدبّر، وتفسير اللحظات التي جاءت بعد النصّ، وربطها بحبكة النصّ، فإنّ النصّ يبيّن الحالة التي كانت تعيشها الزهراء بعد خيبتها من مواقف الأنصار وسكوتهم عما حصل، كما يبيّن الأسباب التي جعلتهم لا يدركون كيف سارت الأحداث ولمَ استُبعد الإمام؛ فهم لو كانوا يدركون الأسباب لأدركوا أنّهم بهذا يجحدون نبيهم، وإمامهم، ودينهم؛ لأنّ الإمام تمّ استبعاده؛ لأنّه كان من المجاهدين في رفعة الإسلام ونبيّه؛ ولهذا تمّ استبعاده، والناس عندما وقفوا، ولم يناصروا الإمام فهم أمّا يجهلون قيمة الإمام ومكانته، وبالتالي المشروع الإسلاميّ في الإصلاح، وإمّا أنّهم يدركون أنّه انقلاب على المسار النبويّ، وهم يؤيّدونه ويدعمون أصحابه، وفي كلا الأمرين هم استحقّوا النقد والتوبيخ، بل والدعاء ضدّهم؛ لكونهم قد خالفوا النبيّ، وجحدوا مكانة الوصي، وفوّتوا على أنفسهم الدعم الإلهيّ عليهم: «ولفتحت عليهم بركات السماء، والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون»، بمعنى أنّهم لو كانوا قد أدركوا موقف السماء منهم بهذا الفعل الذي أبعدهم عن خير كانوا سوف يفوزون به لو ناصروا الإمام وأدركوا مكانته ودوره في نصرة الدين.

فهذا الموقف للسيّدة يظهر مكانتها العظيمة ومهمّته الخطيرة التي قادت إلى موتها وهي صغيرة السنّ، وهي المدركة لدورها الذي أعدّه الله ونبيّه لها في نصرة الإمام عليّ (عليه السلام)؛ إذ كانت مدركة أنّه عند زواجها من الإمام عليّ أنّها ستكون  أمام مسؤوليّة اجتماعيّة كبيرة؛ فلم يكن اختيارها له بصفته قادرًا على إدخال السعادة على من يتزوّجها؛ لأنّ كلّ من يعرف عليًّا (عليه السلام) عن قرب يدرك تمام الإدراك إنّه ليس من المهتمّين بمباهج الحياة اليوميّة؛ لذلك كانت فاطمة تدرك أنّ عليًّا لا يملك سوى المحبّة والسيف.

أوصى الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ابنته فاطمة بالصبر، والتحمّل، والنهوض بأعباء المسؤوليّة الملقاة على عاتقها؛ لأنّها كانت شخصّية تفوق سائر النساء، والرسول عندما يقول إنّها قادرة على أن تكون سيّدة النساء؛ فهذا الكلام ليس من باب المجاملة التي يثني فيها أب على ابنته؛ لأنّ الرسول لا يتّبع أمثال هذه المجاملات، لقد أرادها قدوة ومثالًا ُيحتذى به ليتعلم الناس منها الدروس والعِبَر، وهذا هو معنى (سيّدة نساء العالمين) [10].

-3 تقويم النصّ:
حاولنا أن نفكّر مع النصّ؛ كي يتردّد صداه أفكارًا في أنفسنا؛ لأنّ النصّ هو تفكّر ووجود يعبّر عن صاحبه وما شهده من معاناة، وحالما نفكّر في ما فكّر فيه صاحبه نكون قادرين على الفهم، والتأويل لما حدث فعلًا، وأراد صاحب النصّ إيصاله الى المتلقّي سواء أكان حاضرًا في مجلس السيّدة الزهراء(عليها السلام) أم لا، فالتقويم يقتضي عدّة آليّات، منها:

أوّلًا: الشرح، فهو آليّة تنشد البحث فيما إذا كان ما يقوله النصّ يطابق واقع الحال، وهذا ما يمكن العودة فيه إلى الدراسات التي درست الوقائع، والأفكار، ومنها: لو عدنا إلى الفضاء النبويّ لبداية تشكّل بيت آل محمّد ممثلًا بعليّ (عليه السلام)، وفاطمة، والحسن، والحسين % نجد البداية عندما خطب الإمام عليّ (عليه السلام) فاطمة من أبيها الرسول، قال له الرسول إنّ رجالًا آخرين كانوا قد طلبوا يدها، وأنّه سوف يأخذ رأيها في الخاطب الجديد، وذهب الرسول إلى ابنته، وأطلعها على الموضوع، ولم تعترض الزهراء هذه المرّة كما كانت تفعل من قبل، بل عبّرت عن رضاها بسكوتها؛ فخرج الرسول من عندها وهو يكبّر. ولا شكّ أنّ منح الرسول فاطمةَ حرّيّة اختيار الزوج هو تأصيل لمفهوم إسلاميّ مبتغاه منح المرأة حرّيّة اختيار الزوج. ويذكر مطهّري في هذا الجانب «إنّ الزواج هو صلة النفس بالنفس، وهي صلة السكن، والقرار، والمودة، والرحمة؛ لذلك تعدّ رباطًا إنسانيًّا وثيقًا، ولا يتمّ عقد الزواج دون رضاها واستئذانها»[11].

ويبدو أنّ هذا الزواج من كرم الله وعنايته، كونه منح السيّدة الزهراء العلم؛ إذ يقول الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ الله تعالى أعطى عشرة أشياء لعشرة من النساء... إلى أن قال: والعلم لفاطمة زوجة المرتضى»، فهي امرأة صاحبة مكانة كبيرة في الإسلام جمعت العلم الذي يجمع المعرفة والطاعة معًا، أو هو في مفهوم مركز الإخلاص القائم على الدراية العاميّة؛ فهي كانت تعرف الإمام معرفة عميقة، وتدرك أنّ طاعتها له هي طاعة لما أراده الله منه، وهي قد جمعت بهذا الموقف بين الانقياد بالجوارح من خلال العمل بمنهاج الإمام من خلال الطاعة، وعلى المستوى الجوانحيّ (القلبيّ) أي حالة الارتباط المشاعريّ الوجدانيّ بذلك الإمام من خلال استشعار مظلوميّته وغربته؛ إذ تحقّقَ المطلبان في الصدّيقة الزهراء(عليها السلام).
ثانيًا: آلية التأويل التي تقتضي الكشف عن معاني النصّ، وهو رهين انكشاف معاني الذات، فالنصّ يعبّر عن رسالة الزهراء في محاربة الانحراف، وعن نهجها في نظرتها للإمام عليّ، كما يكشف أسباب كره الإمام واستبعاده؛ باعتبار أنّه كان صاحب النهج الإصلاحيّ الموحّد للأمّة والمطبّق للشريعة، وهذا ما كانت السيّدة الزهراء قد صرّحت به بشكل واضح لا غبار عليه، وهي تعبّر عن مناصرتها وإخلاصها لهذا النهج بكلّ ما عرفت به منه صدق، وإخلاص، وهو ما جعل منها أقرب وأحبّ امرأة إلى رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)، وقد علّلت ذلك عائشة بقولها: « ما رأيت أحدًا كان أصدق لهجةً من فاطمة، إلاّ أن يكون الذي ولّدها (صلى الله عليه واله وسلم)[12]، وقد شهد القرآن الكريم ـ في سورة الدهر ـ على كمال إخلاصها وخشيتها لله سبحانه، وعلى عظيم إيمانها به وباليوم الآخر، وشهد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) لها، قائلًا: «إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيمانًا إلى مشاشها ففرغت لطاعة الله»[13] .

الخاتمة:
إنّ محاولتنا لدراسة الأفكار التي تحاول صاحبة النصّ إيصالها وصياغتها بوضوح، بالاعتماد على بلاغة عباراتها المؤثّرة وعمق إحساسها بالحادثة، وهي تحاول كشف ما هو مسكوت عنه من معاني وأبعاد استبعاد الإمام عليّ (عليه السلام) من الخلافة.
فهي السيّدة الجليلة القدر صاحبة المكانة الكبيرة روحيًّا واجتماعيًّا وعلميًّا، فشهادتها على العصر شهادة قيّمة وأصيلة، وتكتسب مصداقيّة كبيرة لدى المسلمين عامّة، وأنصار أهل البيت خاصّة، وقد كانت تدرك دورها في محاربة الانحراف الذي حصل، وهي معدّة لهذه المهمّة الكبيرة.
لهذا ظهر لنا بشكل لا لَبْس فيه حضور إشكال النصّ الذي يتناول موضوعًا مهمّا ومؤثّرًا، وهو موضوع مفصليّ وليس سياسيًّا فحسب، بل هو موضوع عقديّ ومعنويّ، والتهاون به تهاون بصحيح الإسلام، والتضحيات الجسام التي قدّمها آل البيت. فهو موضوع مفصليّ لايمكن أن يكون محلّ مساومة.
فأطروحة نصّ السيّدة الزهراء يتعلّق بالحدث الجلل الذي أصاب الأمّة بعد غياب نبيّها (صلى الله عليه واله وسلم)، وهو انقسام الأمّة وخروجها عن ما أراده لها الله ورسوله، والحوادث التي ترصد تشكّل الخلاف بين المسلمين كثيرة، وابتداءً من محنة الانقسام يوم خرجوا على الوصيّ واختاروا أن يقدّموا قريشًا، وقد اختاروا المبايعة على هذا الأمر في محاولة لإظهار أن ّ المبايعة نهج ومسار عام، على الرغم من أنّها لم تصمد، فكلّ من تولى الخلافة كان يوصي بمن يأتي بعده، حتى تحوّلت الخلافة إلى ملك مع معاوية الذي نصب يزيد بعده وأجبر المسلمين على مبايعته، وكان الثمن قتل الحسن عبر سمّه وقتل الحسين وأصحابه.
حاولنا في هذا المقال أن نحلّل هذا الاشكال المركزيّ الذي أحدث الانشقاق الكبير في الأمّة، وفيه خروج عن الشريعة وانفصام بين النصّ وعترة النبيّ.
ولعلّ هذا الإشكال هو المتمثّل بتلك القطيعة التي أحدثها هؤلاء يوم أخذوا الأمر على محامل غير سليمة، وبايعوا مَن لم يحدّده النبيّ، وهذا ما جعل السيّدة الزهراء(عليها السلام)، تبيّن رفضها لأفعالهم تلك، فالأمر ليس بالأمر الهيّن؛ فهو خروج على ثوابت الدين.

-------------------------------------
[1]  الصدوق ، معاني الأخبار، مؤسسة النشر الاسلامي، 1379 ه، قم ، ص 364
[2]  توفيق أبو علم، أهل البيت، مكتبة الإرشاد، ط1،1082، ص 116.
[3]  توفيق أبو علم، أهل البيت، ص 116.
[4]  ميرزا ال عصفور ، نهجنا في الحياة على مذهب آل البيت، دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
[5]  الشيخ محمّد باقر المجلسيّ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الائمّة الأطهار، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، ج 43، ص84.
[6]  انظر: الطبريّ، تاريخ الملوك والأمم، دار الفكر ـ بيروت، ج1، ص426.
[7]موسى الصدر، فاطمة فصل من كتاب الرسالة الإلهيّة، تاريخ النشر: 11ايلول 2020م ، الموقع: مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، الرابط: http://www.imamsadr.net/Home/index.php
[8]  موسى الصدر، فاطمة فصل من كتاب الرسالة الإلهيّة، تاريخ النشر: 11ايلول 2020م ، الموقع: مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، الرابط: http://www.imamsadr.net/Home/index.php
[9]  راجع الخطبتين فيما سيأتي من أحداث حياتها بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه واله وسلم).
[10] فراقد داود سلمان الشلال، مكانة السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) في فكر الشيخ (مرتضى مطهّري)، مركز دراسات الفاطميّة، http://alfatimi-basra.com/
[11] فراقد داود سلمان الشلال، مكانة السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) في فكر الشيخ (مرتضى مطهّري)، مركز دراسات الفاطميّة، http://alfatimi-basra.com/
[12]  توفيق أبو علم ، أهل البيت، مصدر سابق.
[13]  الشيخ محمّد باقر المجلسيّ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، ج43، ص 46.