البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تجلي مظاهر (الإمامة) في الترميز السمعي

الباحث :  م. م. عماد صالح جوهر التميمي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  18
السنة :  شهر شوال 1440هـ / 2019م
تاريخ إضافة البحث :  July / 9 / 2019
عدد زيارات البحث :  824
تحميل  ( 708.263 KB )
استثمر النص القرآني الصوت الغيبي استثماراً فنيّاً معجزاً؛ وذلك من خلال استعماله أصواتًا ماضيةً لم تُسمع في عالمنا الحاضر(المحسوس)، وأخرى مستقبلية لم تُقرع بعد، وقد عُبِّر عنها بأسلوبٍ أقربَ ما يكون إلى الخيال، كأصوات القيامة ومشاهدها، قال تعالى: ﴿يَوۡمَئِذٖ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا﴾ [طه: 108]، وكلام الدابة في آخر الزمان، قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ  ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: 82]، وأصوات السابقين ممن عاصر الأنبياء والرسل، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ﴾ [الحجرات: 2]، وأصوات العوالم غير الإنسانية (عالم الشياطين)، قال تعالى: ﴿وَٱسۡتَفۡزِزۡ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتَ  مِنۡهُم بِصَوۡتِكَ وَأَجۡلِبۡ عَلَيۡهِم بِخَيۡلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِ وَعِدۡهُمۡۚ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾  [الإسراء: 64 ].
 ولا شك في أنَّ اعتناء النص القرآني بالأصوات الغيبية يحمل مسوّغاته الفكرية والدينية التي تستهدف تعميق رؤيةٍ خاصةٍ قصدها السياق، فقد عرض القرآن الكريم كثيراً من الإشارات السمعية التي تناولت ترسيخ أصل (الإمامة)، التي تُعدُّ من المفاهيم الفكرية المؤكَّدة في سياقاتٍ نصيةٍ مختلفةٍ، وهي من الأصول العقدية المستندة إلى أسسٍ غيبيةٍ، والمرتبطة بفكرة الجزاء والعقاب القائمة على العروج إلى عالمٍ غيبيٍّ أرفعَ وأسمى من عالمنا المحسوس، وهذا ما يحيل استجابة التلقي إلى توثيق العلاقة بين العالمين المجرد والمحسوس من خلال تفعيل المدركات الحسية، ولا سيما الحاسة السمعية، لتستوعب النفس المفاهيم غير المدركة عن طريق (الإيحاء السمعي)، وتتقبل فكرة عالم (القيامة) غير المدرك، فقد لا يدخل المشهد الغيبي في ضمن المرئيات البصرية، إلَّا أنَّنا نسمعه من خلال الأصوات والصرخات التي اعتدنا أن نسمعها في عالمنا المحسوس.
 وقد اقتضى البحث في هذا الموضوع أن ينقسم على ثلاثة مباحثَ، خُصص المبحث الأول لبيان مفهوم الترميز السمعي القرآني، وتناول المبحثان الآخران تجلي مفهوم (الإمامة) في الإيحاءات السمعية القرآنية من حيث الاستماع الإرادي وغير الإرادي.

المبحث الأول
الترميز السمعي القرآني (المصطلح والمفهوم)
إنَّ مجرى البحث في مفهوم الترميز السمعي القرآني يجنح إلى بيان الرمز البعيد عن الإيهام والغرابة، والبريء من الغموض المستعصي على الفهم والإدراك[1]، والقريب من تلك الرموز العفوية التي كان لها حضورٌ واضحٌ في الأدب العربي القديم[2]، فالرمز (القديم) ينهض أساساً على ((عناصر الإيحاء والإيماء واستبطان الدلالة، من خلال صيغٍ تعبيريةٍ متعددةٍ، منها المجاز والكناية والاستعارة والوصف والتشبيه وغيرها من فنون القول العربي))[3].
وهناك من يرى أنَّ القرآن الكريم استعمل طائفةً من الرّموز في أكثرَ من سورةٍ، وقد أشار إلى ذلك درويش الجندي قائلاً: ((إنَّ الرَّمزيَّة في القرآن الكريم جاريةٌ في نطاق الرّمزية العربية المعهودة في كلام العرب من الإيجاز والتعبير غير المباشر، الذي قد يدعو إلى الغموض الذي يخفى على غير الأذكياء))[4]، وقد يذهب صاحب هذا الرأي إلى أبعدَ من ذلك فيرى أنَّ في القرآن من الرَّمز ما قد يعلو على الفهم، مثل الحروف التي افتتحت بها طائفة من السور، وقد يصل الترميز في بعض الحالات إلى درجة -على حد تعبير درويش الجندي- الغموض غير المحدود، ما يجعله يتلاقى مع الرَّمزيّة الأوربية[5].
 ولا يمكن لنا أن ننكر ما يحمل هذا الرأي من رؤيةٍ حداثيةٍ، إلَّا أنَّنا لا نتفق معه كليّاً، ذلك أنَّ التعبير القرآني -قبل كل شيءٍ- يعدُّ رسالةً دينيةً غايتها الإبلاغ، الأمر الذي يتطلَّب وضوح البيان ومراعاة مستوى التلقي (المكلف) لتيسير الامتثال للأمر الإلهي، فالنص القرآني ((رسالةٌ لسانيةٌ في حدِّ نفسه ولكنها شهادةٌ عن رسالةٍ عقائديةٍ))[6]، وهذه الرسالة لم تكن غريبةً عن المرسَل إليه ولم تكن مفارقةً لبنيته الثقافية فقد أُنزلت على نسق الكلام العربي، وهذا يعني أنَّ القرآن يخاطب بحدود هذا الكلام، فهو يخلو من الطلاسم والألغاز المبهمة، لأنَّه جاء تحدّياً لحضارة البيان بمنطوق البيان[7].
 بيد أنَّ هذا لا ينفي وجود عددٍ من النصوص القرآنية التي يعلو فهمها على العامة من الناس، ويستعصي تأويلها عليهم، وهذا أمرٌ لا يُخِلّ  بالإعجاز والبيان، فنجد من الآيات ما حملت وجوهاً مختلفةً في التأويل وخَفي معناها، للزوم حكمةٍ معينةٍ، وهذا يحتِّم وجود رموزٍ وشفراتٍ مفهومةٍ قائمةٍ على اتفاقٍ أو مواضعةٍ بين المرسل والمرسل إليه وإلَّا أصبح التأثير ضرباً من المستحيل، فعملية البث بجانبيها الإرسالي والاستقبالي متوقفةٌ ((على وجود شفرةٍ لغويةٍ، وخاصةٍ مشتركةٍ كليّاً بين الجانبين أو جزئيّاً في الأقل))[8].
فلا بد من التسليم -ههنا- بوجود معنًى حاضرٍ عند المرسل إليه (الخواص من الناس) قد قصده المرسل وإلَّا لانتفت الحكمة من التنزيل أساساً، وقد أكَّد القرآن الكريم هذه الحقيقية حين وصف هؤلاء الخواص بـ(الراسخين في العلم)، قال تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ  ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ﴾ [آل عمران: 7]، فالخطاب القرآني موجَّهٌ للجميع إلَّا أنَّ مستويات التلقي تتفاوت في المنزلة والاستجابة[9].
  ولا بدّ من ملاحظة أنَّ الإرث البلاغي أدخل (الرمز) تحت لائحة الكناية التي تحتاج إلى فكرٍ وتأمُّلٍ سواءً قلَّت لوازمها الذهنية أو كثُرت[10]، والمتتبع لدلالة الرمز عند البلاغيين العرب القدامى يرى أنَّها اتفقت مع الأصل اللغوي الدال على (الإشارة والإيماء)[11] وهي توافق إلى- حدِّ ما– ما جاء في معنى الرمز الوارد في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزٗاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ﴾ [آل عمران:41].
ولم تستطع الدراسات الحديثة التي حاولت التوغّل في عالم الرمز الخروج (كلّيّاً) عما استقر عليه المفهوم القديم، فقد ربطت ((بين الإشارة والرمز))[12] وتمخَّضت الرؤى النقدية المعاصرة بالإشارات الكنائية والاستعارية والمجازية بل ذهب بعضها إلى تحديد ((الرؤيا الرمزية في الأسلوب الكنائي))[13]، غير أنَّ هذه العناصر البلاغية بقيت في ضمن الإطار الحداثي مجرد أدواتٍ أسلوبيةٍ مجاورةٍ للرمز[14]، أو أنَّها إجراءٌ لغويٌّ يختزن في داخله قوةً رمزيةً باطنيةً، وهي لا تمثل إلَّا السطوح اللغوية للرموز[15]، ولا نجادل في تقدير قيمة ما بذله المحدثون من جهدٍ نقديٍّ في هذا الجانب، بيد أنَّ هذا كله لا يؤدي إلى إقصاء العناصر البلاغية (الكناية أو الاستعارة أو المجاز...) من  دلالتها الرمزية سواءً أكان ذلك على المستوى الإشاري[16] أم التصويري، فقد ينبعث من تركيبها الفني إشاراتٌ موحيةٌ تحرِّك إحساس المتلقي، وأسند درويش الجندي هذا النوع من التعبير إلى ما أسماه بـ(الرمزية الأسلوبية)[17] القائمة على مجازية التعبير، أو قد تكوِّن هذه العناصر صوراً تعبيريةً ذاتَ أبعادٍ رمزيةٍ، فليس الرمز – كما يرى عز الدين إسماعيل- إلَّا ((وجهاً مقنّعاً من وجوه التعبير بالصورة))[18]، أو هو تركيبٌ لفظيٌّ يستلزم مستويين: مستوى الصورة الحسية، ومستوى الحالات المعنوية الناتجة من هذه الصورة[19].
ووصف قيس حمزة الخفاجي الرمز الشعري بأنَّه: ((دالٌّ نصِّيٌّ حاضرٌ يوحي بمدلولٍ (واحدٍ أو أكثرَ)، فكريٌّ وشعوريٌّ غائبٌ واقعٌ خارج التوجّه الظاهر للبنية الشعرية، لكنَّ الرؤية النقدية النافذة تستطيع أن تكشف عن تخّفيه وراء هذا التوجّه الظاهر، وتبرزه من أجل أن يأخذ بُعدُه التطبيقي، على مستوياتٍ متعددةٍ، مداه الأوسع))[20].
والمتأمّل في النص القرآني يجد أنَّ استثمار الرمز يتناسب مع طبيعة قدرات المتلقي ووعيه، فقد يدركه القارئ ويستحضره حين تلقي النص أي ((يتضمن عبارةً واحدةً تشير إلى الطرف المحذوف))[21] إشارةً مباشرةً، وقد يتركب من عبارتين أو أكثر كـ(الجملة أو المقطع) فيُنتزع المعنى من التركيب اللغوي، أو من خلال مجموعة الصور والإشارات الظاهرة التي يقدِّمها السياق العام، والتي توجه انتباهنا إلى معانٍ أخرَ تختلف عن المعنى المباشر[22]، وفي إطار هذا المستوى الرمزي يمكننا أن نلمح توظيفاً رمزيّاً في القرآن الكريم يوحي بإشاراتٍ سمعيةٍ كاشفةٍ عن معانٍ غيرِ ظاهرةٍ على سطح النص تتعلَّق بمفهوم أحقيَّة الاستخلاف بعد النبي الأكرم (ص).

المبحث الثاني
الإمامة ورمزية الاستماع الإرادي
المقصود بالاستماع الإرادي: هو التحكم في الإرادة السمعية عن طريق الإصغاء إلى المصوِّت أو عدمه، وبمعنًى آخرَ هو حرية المستمع في قبول الصوت المسموع، فالاستماع في التكوين الإنساني أمرٌ اختياريٌّ، والإنسان غيرُ مضطرٍّ في العملية السمعية، وهو مختارٌ- تكوينيَّاً- أن يسمع الأصوات.
والمتأمّل في النصوص القرآنية يجد مساحةً واسعةً مُنحت للإنسان في حرية السمع، وسنتناول -ههنا- بعض النصوص التي استندت إلى الإيحاء السمعي، وهي في معرض بيان منزلة (الإمامة) ومن يؤول إليه قيادة الدين والإنسان، إذ مُنح المستمع الإرادة الكاملة في سماع المصوِّت.
رمزية (التذكرة) والأذن الواعية:
أورد النص القرآني ترميزاً سمعيّاً يختزن معنًى فكريّاً يحدِّد أهم ما يجب أن يتصف به المؤهَّل لقيادة الأمة، ونلمح ذلك في  التركيب المجازي الوارد في قوله تعالى: ﴿لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ﴾ [الحاقة: 12].
الأذن الواعية: هي الحافظة التي عقلت وتدبَّرت عن الله تعالى ما سمعت، وانتفعت بما سمعت[23]، والنص، في معرض بيان الكمال الإنساني، وقد أنجز قيمةً بلاغيةً عاليةً صحبتها قيمةٌ فكريةٌ، من خلال ما حقَّقه  التكثيف الدلالي في الإسناد المجازي الذي اختزل عبء الأداء في نقل المعنى، إذ أسند فعل الوعي إلى الأذن، والحال أنَّها وسيلةٌ في إحداث الوعي، وكان حقُّ الفعل أن يُسند إلى فاعله الحقيقي والمقصود -كما أورد أرباب التأويل- الإمام عليٌّ (ع) [24]، فالوعي في الأصل هو حفظ القلب، والأذن في حقيقتها هي وسيلةٌ سمعيةٌ يستعان بها على ذلك، وقد تتوزع العلاقة السببية في المجاز العقلي على أنواعٍ متعددةٍ ((كأن يكون الفاعل وسيلة إحداث الفعل أو حافزاً عليه، أو آمراً به))[25] فالتركيب المجازي أسند الفعل إلى أداة حدوثه وسببه وهي (الأذن).
 وما يبدو لنا أنَّ ذلك جاء تعظيماً لشأن صاحبها- الإمام عليٍّ (ع) - وقد أكَّد ذلك السياق الذي أورد التركيب بصيغة الإفراد والتنكير، وأشار إلى ذلك صاحب الكشاف، إذ يقول: ((لِمَ قيل: أذُنٌ واعيةٌ، على التوحيد والتنكير؟ قلت: للإيذان بأن الوعاة فيهم قلةٌ، ولتوبيخ الناس بقلة من يعي منهم؛ وللدلالة على أنَّ الأذن الواحدة إذا وعت وعقلت عن اللَّه فهي السواد الأعظم عند اللَّه، وأنَّ ما سواها لا يبالي بهم بالةً وإن ملأوا ما بين الخافقين))[26].
 ولا ريب أنَّ (الوعي) بالمسائل الإلهية شرطٌ رئيسٌ يجب توافره في قيادة الأمة، والإمام عليٌّ (ع) حَرِيٌّ بهذا الوعي، وكان مختاراً في سماع ما يدعو إلى إحياء قلبه وعقله، وهو القائل: ((كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعاً ورسول الله (ص) حينئذ صامتٌ ما أذن له في الإنذار والتبليغ))[27]، بيد أنَّ بعض الأسماع صمت لنداء الحق وأصاخت لنداء الشيطان فكانت تستمع أصوات الجحود والباطل، قال تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ 23 أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ﴾ [محمد:23- 24].
 وما ينبغي إثباته -ههنا- هو أنَّ النص استثمر حاسة السمع استثماراً بلاغيّاً معجزاً في الكشف عن مضمونٍ فكريٍّ تجسَّد في تركيبٍ مجازيٍّ خيَّب أفق التوقع، ويمكن إثبات ذلك بالمخطط الآتي:
يعي الإمام التذكرة
يعي(فعل)
الـ (التعريف)
إمام(فاعل)
الـ (التعريف)
التذكرة(مفعول)
إسناد حقيقي
تعي الأذن التذكرة
تعي(فعل)
الـ (التعريف)
أذن(فاعل)
الـ (التعريف)
التذكرة(مفعول)
إسناد مجازي
إنَّ الجملتين مقبولتان من حيث الشكل التركيبي، إلَّا أنَّ الجملة الثانية تستوقف المتلقي وتلفت انتباهه، على الرغم من أنَّها لم تخرج عن قالب الجملة العربية، لاشتمالها على الغرابة أو الخروج عن المعهود، فالإسناد جعل (الأذن) تشارك الكائن الحي في التعقّل والحفظ، وهذه  تمثّل - كما يرى جان كوهن Jean Cohen- منافرةً إسناديةً،[28] فالمسند -ههنا- لا يلائم المسند إليه إذا أخذناه بالمعنى الحرفي (الأذن أداة السمع غير العاقلة)، إلَّا أنَّ هذا مجرد مفهومٍ أوّلُ يُحيلنا على مفهومٍ ثانٍ وهو (يعي الأنسان الواعي التذكرة)، وبهذا ((نعيد الجملة إلى المعيار))[29]، فهذا التجوّز حصل في الإسناد والنسبة دون المعنى اللغوي، بمعنًى آخرَ يقوم هذا النوع من التجوّز على ((تكسير رابطٍ عقليٍّ به يجري تأليف الكلام))[30]؛ لأنَّ ركني الإسناد استعملا في المعنى اللغوي بحسب ما وضع لهما، ولكنَّ المجاز وقع في مستوى الجملة النحوية وهو يتمثل في خروج المتكلم عن العلاقات: التوزيعية والتبادلية[31] التي تربط وحدات التأليف في الجملة، وقد أرجع (جاكوبسون) هذا الخروج في الترتيب المستعمل في التأليف اللفظي إلى الوظيفة الشعرية[32].
رمزية (الأذان) والأسماع الصاغية: 
الأذان كلمة دالة على الصوت العالي ((والأَذانُ والأَذِينُ والتَّأْذِينُ النّداءُ إلى الصلاة وهو الإعْلام بها وبوقتها))[33]؛ ويبدو أنَّ الأثر الديني هو الذي منح التطور الدلالي لهذه اللفظة[34]، فالأصل اللغوي للفظة (الأذان) يجسِّد معنى الإعلام، أو الإسماع، أو إباحة عمل شيءٍ[35]، وقد جاءت هذه اللفظة في القرآن الكريم لإعلام أمرٍ توحيديٍّ خاصٍّ بالعقيدة أُوكلت مهمته إلى الإمام علي بن أبي طالب (ع) [36]، قال تعالى: ﴿وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 3].
وقد وظَّف النص القرآني مفردة الأذان الصوتي لبيان رؤية فكرية، وهي إعلان البراءة من المشركين، وتنكير (الأذان) جاء يناسب السياق الذي قصد به العموم المطلق؛ ذلك أنَّه إعلام بتشريع سماوي عام في البراءة من الكفار[37].
أنَّ عبارة ﴿بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ﴾ توحي بأنَّ تبليغ (البراءة) متعلق بالأصل التوحيدي، وأنَّ مهمة هذا التبليغ المستندة إلى الأعلام السمعي هي مهمة رساليةٌ لا تُؤدَّى إلَّا من قبل نبيٍّ أو وصيٍّ، فما كان من النبي (ص) إلَّا أن يُنيب عنه رجلًا اجتمعت فيه خصال النبوة، فكان الإمام عليٌّ (ع) أحقَّ من غيره بذلك، حتى إذا كان يوم النحر قام أمير المؤمنين علي (ع) مصوِّتاً في أقدس زمان ومكان ﴿بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ﴾ هو يرفع صوته بما أُمر به، ولم يفرض على أحدٍ الاستماع، فإذعان الناس يوم الحج الأكبر إلى هذا الصوت يوحي بمقبولية المصوِّت عند المسلمين، وأنَّه مبلِّغٌ شرعيٌّ عن النبي والوحي.
وقد ورد في عيون الأخبار عن الإمام الرضا (ع) عن آبائه عن عليٍّ (ع) قال: بينما أنا أمشي مع النبي (ص) في بعض طرقات المدينة إذ لقَينا شيخٌ طويلٌ كثُّ اللحية بعيدُ ما بين المنكبين، فسلم على النبي ورحب به ثم التفت إليّ فقال: السلام عليك يا رابع الخلفاء ورحمة الله وبركاته، أليس كذلك هو يا رسول الله؟ فقال له: بلى ثم مضى فقلت: يا رسول الله ما هذا الذي قال لي هذا الشيخ وتصديقك له؟ قال: أنت كذلك والحمد لله، إنَّ الله عز وجل قال في كتابه: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة: 30] والخليفة المجعول فيها آدم (ع) ، وقال: ﴿يَٰدَاوُۥدُ إِنَّا جَعَلۡنَٰكَ خَلِيفَةٗ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا نَسُواْ يَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ﴾ [ص: 26] فهو الثاني، وقال حكاية عن موسى (ع) حين قال لهارون (ع) ﴿وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾ [الأعراف: 142] فهو هارون اذا استخلفه موسى (ع) في قومه وهو الثالث، وقال: ﴿وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 3] وكنت أنت المبلغ عن الله وعن رسوله، وأنت وصيّي ووزيري وقاضي ديني والمؤدي عنّي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنَّه لا نبي بعدي، فأنت رابع الخلفاء كما سلم عليك الشيخ، أولا تدري من هو؟ قلت: لا، قال: ذاك أخوك الخضر (ع) فاعلم[38].
رمزية (الصدود) والأصوات اللاغية:
يظهر السياق القرآني ترميزاً سمعيّاً يتجلَّى من خلاله مظهرٌ من مظاهر الخلافة الشرعية، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ 57 وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف: 57 - 58].
فالسياق ينبئ عن صدور موقفٍ جدليٍّ يتوكَّأ على ضجيج الأصوات المرتفعة الصادرة من جهاتٍ مصوِّتةٍ أوهنتها الحجة اللازمة[39]، وقد كشف النص عن مدى الانحراف الفكري المعاصر لعهد النبوة، إذ تعالت أصوات التهكم والاستهزاء للحط والنيل من المفاهيم القرآنية، فكانوا يصدون عنها بالحجج الواهية والأصوات اللاغية، ويفهم هذا المعنى من عبارة ﭽ ﯞﭼ  الواردة في النص، و(الصدُّ) هو شِدَّة الضَّحِكِ والجَلَبة المصحوبة بالصوت المرتفع[40]، وعند التأمل بالأخبار الصحيحة نجد أنَّ النص في معرض بيان مقام الإمامة الذي هو أشبه ما يكون بمقام النبوة، فينقل صاحب مجمع البيان ما روي عن سادة أهل البيت (ع) عن علي (ع) أنه قال: جئت إلى رسول الله (ص) يوماً فوجدته في ملأٍ من قريشٍ فنظر إليّ ثم قال يا عليُّ إنَّما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم أحبه قومٌ فأفرطوا في حبه فهلكوا، وأبغضه قومٌ فأفرطوا في بغضه فهلكوا، واقتصد فيه قومٌ فنجوا فعظم ذلك عليهم فضحكوا وقالوا: يشبهه بالأنبياء والرسل فنزلت الآية[41].
وورد في الكافي عن أبى بصيرٍ أنَّه قال: بينا رسول الله (ص) ذات يومٍ جالساً إذ أقبل أمير المؤمنين (ع) فقال له: إنَّ فيك شبهاً من عيسى بن مريم، لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولاً لا تمر بملأٍ من الناس إلَّا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة، قال: فغضب الأعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدةٌ من قريشٍ معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلاً إلَّا عيسى ابن مريم، فأنزل الله عز وجل على نبيه ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ﴾ [الزخرف: 57][42].
فاستماع الناس لهذا المثل القرآني الذي أبرز منزلة الإمام عليٍّ (ع) كان إراديّاً؛ وهذا ما تؤكِّده ردود بعض الأفعال- غير الأخلاقية – الصادرة من بعض الأصوات الشاذة عن الإسلام الحقيقي من خلال(الصدود) الصوتي الذي أظهر ما تخفي النفوس من مكامنَ ساخطةٍ ومخالفةٍ للتشريع الإلهي والتبليغ النبوي.
رمزية (النعق) والأصوات الهادية:
يطالعنا النص القرآني بصورة سمعية  ضمَّت صوراً رمزية متداخلة تمحورت جميعها حول (نداء الهداية)، قال تعالى: ﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءٗ وَنِدَآءٗۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [البقرة: 171].
أورد صاحب تفسير الصافي ((ومثل الذين كفروا في عبادتهم الأصنام واتخاذهم الأنداد من دون محمد وعلي كمثل الذى ينعق -يصوت- بما لا يسمع منه إلا دعاءً ونداءً لا يفهم ما يراد منه))[43]، فالنص يشير إلى عامل المشقة والتحمُّل الملقى على عاتق الدعاة من الأنبياء والأوصياء (ع) في هداية البشرية[44].
اقتضى مقام حال (الكفار) المتمثِّل في إعراضهم عن الإجابة لصوت ونداء الهدى، أو إقبالهم على عبادة الأصنام[45]، هذا التركيب التمثيلي القائم على الترميز السمعي، والظاهر من التعبير القرآني هو تشبيه حال المُعْرِض عن الهداية بـ(الناعق) والأصل أن يُشبَّه بـ(الأنعام)، فنلحظ أنَّ هناك تداخلاً صوريّاً ولنقل –عدولاً- استند إلى توظيفٍ أسلوبيٍّ تمثَّل في الإيجاز الخاص بالحذف، والحذف في طبيعته يرجع إلى ((ثقة القائل في إدراك المتلقي للمعنى العام))[46] اعتماداً على المخزون الثقافي والمعرفي لدى المتلقي، ونحن إثر هذا العدول نقف وقفة تأمُّلٍ وحذرٍ آخذين بعين الحسبان التوجيه اللغوي والتفسيري للوصول إلى مقاصد النص.
توافقت النظرة اللغوية والتفسيرية على أنَّ هناك  محذوفاً حقّقه السياق لغرض      ((سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى))[47]، وقد جاء ذلك على سبيل الإيجاز بالحذف، وهو ((ما يحذف منه المفرد والجملة لدلالة فحوى الكلام على المحذوف ولا يكون إلا فيما زاد معناه على لفظه))[48]، وتقدير الحذف يكون على ثلاثة أوجه:
الأول: ومثل الذين كفروا في دعائك لهم كمثل الناعق في دعائه المنعوق به.
الثاني: ومثل الذين كفروا في دعائهم الأوثان كمثل الناعق في دعائه الأنعام.
الثالث: مثل واعظ الذين كفروا كمثل نعق الناعق بما لا يسمع، وهذا من باب
حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه[49].
وجملة القول: مثل الذين كفروا في دعائك إياهم، كمثل الناعق في دعائه للأنعام التي لا تفقه ما يقال لها، وإنَّما تستجيب للصوت فقط ولا تعرف المغزى، فقد اعتمدت هذه الصورة ((على إشعاع السياق بالمضمون))[50] ووضوح المعنى عند المخاطب وهو ظاهرٌ في كلام العرب، يقال: الرجل يخافك كخوف الأسَد، والمعنى: كخوف الرجل من الأسد، فأضاف الخوف إلى الأسد وهو في الأصل مضافٌ إلى الرجل، لأنَّ الأسد معروفٌ بأنَّه المُخوف[51].
والمتأمل في هذا النص يلمح أنَّ السياق يصرُّ على تعزيز دلالة (عدم السماع) على الرغم من أنَّ هناك صوتاً  مسموعاً يدعو إلى الحق، ونلحظ ذلك من خلال أمرين:
الأول: من خلال استدعاء الفعل (ينعق) من الحيز الحيواني الذي يرمز إلى فقدان الجانب الإنساني لدى هذه الثلة الضالة، فضلاً عن فقدان الجانب الحياتي المتحقّق في رمزيَّة الغراب التي توحي بالموت والهلاك في التداول العرفي[52].
الثاني: من خلال فقدان آليات الإدراك جميعها  ﭽ ﭵ  ﭶ  ﭷ  ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ   ﭼ فقد سلب النص معاني الحياة كلها من هؤلاء الكفار(الأحياء/ الأموات) وفي هذا إشارةٌ واضحةٌ إلى أنَّ هؤلاء الأحياء هم في الواقع أمواتٌ لا يسمعون ولا يعقلون[53].
 ويمكن تحديد بعض الصور الرمزية المتداخلة بالشكل الآتي:
كالحيوان
كالميت 
كالأصمّ
كالأبكم
كالأعمى
كالذي لا يعقل
كصوت الناعق
كالراعي الناعق

المبحث الثالث
الإمامة ورمزية الاستماع الاضطراري
المقصود بالاستماع الاضطراري: هو عدم التحكم في الإرادة السمعية وسلب الاختيار في عملية الإصغاء إلى المصوِّت، وبمعنًى آخرَ هو سلب حرية المستمع بإخضاعه قهراً لاستماع المصوِّت، وتحقّق هذا الأمر لا يكون إلَّا في حالة الأعجاز التكويني الخاص بالتحكم الكوني الخاضع للسلطة الإلهية المطلقة، والولاية التكوينية الممنوحة من هذه السلطة العليا للأنبياء والأوصياء (ع)، وكذلك في حالة سلب الإرادة الإنسانية عند الموت واقتراب الساعة والحساب.
وسنرصد في هذا الجانب عدداً من الإشارات الرمزية/ السمعية الداخلة تحت لائحته (الغيبيات) التي لم تقع عليها مداركنا الحسية، ولا سيما البصرية منها، لأنها أقرب ما تكون إلى عالم التصوّر الذي لا يمكن مشاهدته بالحاسة الباصرة، بيد أنها قد تخرق أسماعنا؛ فقد لا يدخل المشهد الغيبي في ضمن المرئيات البصرية، إلَّا أنَّنا نسمعه من خلال الأصوات والصرخات التي اعتدنا سماعها في عالمنا المحسوس، ويبدو أنَّ النص القرآني راعى مسألتين مهمتين في هذا الجانب:
الأولى: الطبيعة الحسية للمسموعات الباعثة على الحركة والموحية بالحياة، للتأثير في المتلقي الذي قد ينكر هذا اليوم الذي يُعد من المغيَّبات غير المدركة، قال تعالى: ﴿فَتَوَلَّ عَنۡهُمۡۘ يَوۡمَ يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡءٖ نُّكُرٍ﴾ [القمر: 6].
الثانية: طبيعة الفطرة الإنسانية القائمة على المدركات السمعية التي تتميز بأنَّها ((أنسب الأشياء وأقربها إلى فطرة الإنسان؛ فمن طبيعة الطفل الوليد أنَّه يستجيب للأصوات المسموعة، ويتأثر بها قبل استجابته للمرئيات، فحاسة السمع أسبق إليه من حاسة البصر، ومن طبيعة المدركات الحسية أنها أسرع انتشاراً وأرحب مجالاً من بقية مدركات الحس))[54]، وهذا يمكن لمسه في جماليات التلقي التي تجد أنَّ المسموع الذي تميل إليه النفس -كالشعر المنطوق مثلاً- أكثر قبولاً من الشعر المرئي المكتوب، ذلك أنَّ  السمع ((أنسب قنوات التواصل والتلقي مع الشعر، لأنَّ السامع يستقبل ما يرضيه وما يغضبه))[55]، وهذا الأمر متوافرٌ أيضاً في التلاوة الصوتية للكتب السماوية المنزلة.
ولهذا يمكن القول: إنَّ النص القرآني قد راعى الجانب الحسي (السمعي) في الأصوات غير المدركة لأبعادٍ موضوعيةٍ فكريةٍ، كتثبيت الأصول العقدية وتقبلها للنفس الإنسانية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال النصوص المستندة إلى الأصوات الغيبية التي دارت حول مدار الإمامة الحقة للإمام علي (ع) وأبنائه المصطفين.

الترميز السمعي (لدابة الأرض): 
من الإشارات الصوتية الغيبية التي أقرَّها النص القرآني كلام دابة الأرض، الذي يُعدُّ من علامات القيامة، وأحد أشراط الساعة[56]، قال تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: 82].
من الواضح أنَّ سياق النص مبهمٌ مرموزٌ فيه، وقد أغرب أهل التأويل وأمعنوا في الاختلاف في صفة هذه الدابة وحقيقتها ومعنى تكليمها وكيفية خروجها[57]، ومهما ظهر من التأويل حول هيئة وصفة هذا المصوِّت الغيبي، فإنَّ السياق أثبت قدسيته من حيث التكليم والنطق، فهو علامةٌ إلهيةٌ ناطقةٌ يفضح صوتها المسموع كلَّ من لا يوقن بآيات الله (Y)، وقيل: إنَّ معنى (تكلمهم) من الكَلْم والتجريح، أي تسمهم بالعصا والخاتم[58] ويبدو أنَّ هذا المفهوم أُخذ من تعدّد القراءة،[59] والغريب أنَّ صاحب الكشاف أجاز هذه القراءة، إذ يقول: ((ويجوز أن يكون تكلمهم من الكَلْم أيضاً، على معنى التكثير، يقال: فلان مكلِّم، أي مجرّح)).[60]
ولا يمكننا أن نقرَّ هذا المعنى لجملة أمورٍ، منها: أنَّ ظاهر النص يشير إلى معنى الكلام المنطوق والمسموع فلا مسوِّغ للتأويل[61]، وكذلك فإنَّ هذا القول لا يصمد أمام  الآثار المستفيضة الواردة في صفة منطق الدابة، التي تؤكِّد صدور الكلام من مخلوقٍ يقترب في هيئته من الإنسان، ويخرج من أعظم المساجد حرمةً وهو المسجد الحرام، وله سيماء من هذه الأمة، وهو اللسان العربي المبين[62]، ويكلِّم الناس ((بما يسوؤهم من أنَّهم صائرون إلى النار، من الكلام بلسان الآدميين الذي يفهمونه ويعرفون معناه))[63].
 وهذا الأمر يجعلنا نستبعد أن تكون هذه الدابة من الجنس الحيواني، فالوظيفة المصيرية التي يتقرَّر من خلالها فرز الإنسان الكامل (المؤمن) عن الكافر، لا يمكن أن تقوم بحالٍ من الأحوال على حيوانٍ تلازمه –عقلاً– صفة النقص، وإن كان ذلك أمراً خارقاً للعادة الطبيعية.
 ولذلك يمكننا أن نقرِّر وبكل اطمئنانٍ: أن ليس من الإنصاف والموضوعية أن تُسْتَبعد النصوص التي تشير إلى أنَّ هذه المصوِّت المقدَّس الذي تسمعه البشرية جمعاء -قهراً- والذي ينطق بما يؤول إليه مصير البشر هو فضيلةٌ خاصةٌ دوَّنها النص القرآني للإمام عليّ بن أبي طالبٍ (ع) [64]، والذي يؤول إليه مثل هذا الأمر العظيم المؤيد بالغيب الإلهي –لا ريب– أن تؤول إليه إمامة المجتمع المتصف بالنقص والخروج عن الضابط المرسوم من قبل شريعة السماء.

الترميز السمعي (لليوم العاصف): 
ومن الصور الرمزية السمعية ما جاءت في تجسيد (أعمال الكفار) الوارد في قوله تعالى: ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡۖ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَرَمَادٍ ٱشۡتَدَّتۡ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوۡمٍ عَاصِفٖۖ لَّا يَقۡدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَٰلُ ٱلۡبَعِيدُ﴾ [إبراهيم: 18].
جسَّد لنا السياق مشهداً حسيًّا متخيّلاً صوَّر لنا ضياع الأعمال سدى، وحاول أن يُسمعنا صوت الهبوب من خلال الإيحاء السمعي الكامن في المبالغة والتركيز على شدة هبوبها، فالذي يواجه الريح الشديدة يسمع –اضطراراً– أصوات عصفها الرهيبة، ولم يكتف النص بتصوير شدة الريح  بل أسند الفاعلية والصفة الثبوتية (العصف) إلى زمن الهبوب على سبيل الإسناد المجازي، وجعلها تابعةً (لليوم) وحقها أن تكون وصفاً (للريح)، ذلك أن العصف منحصرٌ في ذلك اليوم فجاء للمبالغة، وكذلك حذف لفظ (الريح) لتقدّم ذكره في الكلام وهذا من بلاغة الإيجاز وهو متداولٌ عرفاً عند العرب[65].
وعلى الرغم ممّا قدَّمه المشهد المرئي من رسمٍ دقيقٍ للهيئة الحاصلة في عدم الانتفاع، فإنَّ الإيحاء السمعي المتمثِّل في تجسيد الزمن رسم لنا عظمة الرهبة المتحقّقة عند سماع العصف، ولا ريب أنَّ هذا الإيحاء يحرّك الخيال والوجدان نحو ذلك اليوم الموعود (غير المدرك)، فالرماد الدقيق لا يصمد أمام قوة الريح وعصفها، وكذا حال العباد عندما يقفون عاجزين لمواجهة مصيرهم المحتوم في ذلك اليوم المهول.
وقد ورد في الخبر الصحيح أنَّ هذا النص مثلٌ ضُرِب لأعمال من لم يقرّ بولاية عليٍّ u[66]، فعن محمد بن مسلمٍ قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: ((كل من دان الله عز وجل بعبادةٍ يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله، فسعيه غيرُ مقبولٍ وهو ضالٌّ متحيرٌ والله شانئٌ لأعماله، ومثله كمثل شاةٍ ضلت عن راعيها وقطيعها... ذَعِرةً، متحيرةً، تائهةً لا راعيَ لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها، فبينا هي كذلك إذِ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهر عادل أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفرٍ ونفاقٍ، وأعلم يا محمد أنَّ أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصفٍ لا يقدرون مما كسبوا على شيءٍ ذلك هو الضلال البعيد))[67].
 فالترميز السمعي المتمثل بـ(اليوم العاصف) يوحي بالمبالغة والشدة التي تقلع كلَّ شيءٍ لم يُبْنَ على أساسٍ قويٍّ ورصينٍ، وكذلك تكون أعمال العباد يوم القيامة لا تصمد أمام شدة الموقف والحساب وتحبط جميعها كالهباء المنثور في فضاءٍ واسعٍ ما لم تثبت على ثقلٍ راسخٍ، ولا يوجد كـالإمامة –وهي الأصل المكمِّل للتوحيد والنبوة- أصلٌ عقديٌّ راسخٌ تبنى عليه كلُّ الطاعات المرتبطة بمنظومة التشريع الإلهي، فإذا ذهب ذلك الأصل تزلزلت كلَّ التشريعات غير المستندة إلى أصلٍ ثابتٍ، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ [النساء: 59].

الترميز السمعي (لمؤذن الأعراف):
يستشرف النص القرآني صوتاً غيبيّاً لم يقع بعد، وهو صوتٌ ينطلق من  مؤذِّن (الأعراف) المبشِّر أصحاب الجنة والنار في عرصات القيامة بمضمون اللعنة الإلهية المحدَّد (بالظالمين)، قال تعالى: ﴿وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدۡ وَجَدۡنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّٗا فَهَلۡ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمۡ حَقّٗاۖ قَالُواْ نَعَمۡۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُۢ بَيۡنَهُمۡ أَن لَّعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأعراف: 44].
وما يلفت أنظارنا أنَّ النص القرآني منح مساحةً حواريةَ (اختياريةً) في أحد مشاهد الآخرة لفئتين اختلفت من حيث الرؤية والأفكار في عالم الدنيا، فلا يخفى أن هاتين الفئتين كانتا تعبّران عمّا تضمران من عقائدَ بأصواتٍ مسموعةٍ، وكان الإصغاء لهذه الأصوات  اختياريّاً، كم ظهر ذلك واضحاً في محاورة النبي نوح (ع) لقومه، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوۡتُ قَوۡمِي لَيۡلٗا وَنَهَارٗا ٥ فَلَمۡ يَزِدۡهُمۡ دُعَآءِيٓ إِلَّا فِرَارٗا ٦ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا﴾ [نوح: 5 - 7]، فمن الواضح أنَّ الاستكبار جعل قوم نوحٍ (ع) لا يصغون إلى صوت الحق، ما دفعهم ذلك إلى إغلاق أسماعهم بإرادتهم الضالة، وهذه الحرية في الإصغاء من خصائص عالم الدنيا القائم على الاختيار في قبول رأي الآخر.
بيد أنَّ الاختيار يُسلب في مشاهد الحساب، كما أكَّد ذلك مشهد (الأعراف)، إذ فوجئ الفريقان (أصحاب الجنة والنار) بمفارقةٍ سمعيةٍ قاطعت حوارهما المسموع، وذلك حينما انطلق صوت (مؤذن الأعراف) ليعلن مصير الفئتين، وقد أكَّدت النصوص الروائية أنَّ مؤذن الأعراف هو أمير المؤمنين (ع) إذ يؤذن أذاناً يُسمع الخلائقَ كلها.[68]
ولعلَّ هذه الرسالة الصوتية (الغيبية) هي بيان حال الفريقين في ذلك الموطن المهول، فقد أورد أرباب التفسير أنَّ المراد من ((الإعلام بلعنة الله تعالى لهم، زيادةً لسرور أصحاب الجنة وحزن أصحاب النار))[69]، فالأذان -ههنا- إشارة سمعية تستشرف انفعالاً داخليّاً انتاب أعماق النفس الإنسانية في لحظاتٍ مستقبليةٍ رهيبةٍ غيرِ محسوسةٍ.

الترميز السمعي (للكتاب الناطق):
ومن الإيحاء السمعي ما جاء في الإسناد المجازي الوارد في قوله تعالى: ﴿ هَٰذَا كِتَٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيۡكُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّا كُنَّا نَسۡتَنسِخُ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [الجاثية: 29]، يتمثَّل المجاز العقلي الوارد في النص في إسناد الفعل (ينطق) إلى (الكتاب)، والحال أنَّ النطق من لوازم الصوت المسموع، والظاهر من النص أنَّ الكتاب مثَّل وسيلة لإظهار النطق، وإسناد النطق إليه ((مجاز عقلي وإنَّما تنطق بما في الكتاب ملائكة الحساب))[70]، ويحتمل أن يكون الناطق من أُثبت عمله في صحيفة الأعمال، قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا 13 ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا﴾ [الإسراء: 13-14].
وما يبدو من هذا الترميز الصوتي أنَّ (الناطق الحقيقي) لم يكن ذَا شأنٍ عاديٍّ وقد يفوق الملائكة، وهو يمثِّل دور الشاهد الحق القريب من الخالق والخلق في يوم الجزاء، وهو النبي الأعظم (ص) والأئمة الأطهار (ع)، وما يؤكِّد هذا التأويل مجيء بعض الأخبار الواردة في بيان مفهوم النطق الوارد في النص، فعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (ع): قوله تعالى: ﭽ ﯤ  ﯥﯦ   ﯧ  ﯨﯩ  ﭼ قال: ((إنَّ الكتاب لا ينطق ولكن محمّدًا وأهل بيته هم الناطقون بالكتاب))[71]، وكذلك أثبت السياقُ إشارةً واضحةً توحي إلى قدسية النطق، إذ جيء بضمير العظمة (نا) مضافاً للكتاب، وذلك لتفخيم شأن الكتاب[72]، وهذا ما يوحي بعظمة الناطق.
ولا ريب أنَّ هذه المرتبة العظيمة التي مُنحت الأئمة الأطهار (ع) حق الشهادة في الحياة الآخرة أعطت أحقيَّة الاستخلاف في الحياة الدنيا، ذلك أنَّهم (ع) يمثلون صوت القرآن الناطق.

الخاتمة
أثمر البحث جملةً من النتائج تمركزت حول (الترميز الصوتي) الذي يحمل –بلا شكٍّ- مسوّغاتٍ فكريةً استهدفت تعميق رؤيةٍ خاصةٍ لبعض المقاصد القرآنية، فالتعبير الرمزي (السمعي) القرآني جاء يتناسب مع طبيعة قدرات المخاطب ووعيه، فهو بعيدٌ عن الإيهام المستعصي على الفهم، ويُنتزع -عادةً - من الأساليب البلاغية والفنية كـ(المجاز والكناية والاستعارة والتشبيه)، وقد تجلّت مظاهر (الإمامة) في سياقاتٍ تعبيريةٍ مختلفةٍ يعتمد بعضها على (الإيحاء السمعي)، فترسيخ هذا الأصل (الإمامة) يُعدُّ من المفاهيم العقدية المستندة بطبيعتها إلى أسسٍ غيبيةٍ، وهو مرتبطٌ بفكرة الجزاء والعقاب القائمة على العروج إلى عالمٍ غيبيٍّ لا يدرك بالحواس، وهذا ما يحيل المتلقي إلى توثيق العلاقة بين العالمين المجرد والحسي من خلال تفعيل المدركات السمعية، لاستيعاب المفاهيم غير المدركة عن طريق (الترميز السمعي)، وتتقبل فكرة عالم الآخرة.

------------------------------------------
[1]    - استند المفهوم الرمزي للشعر في المذهب الغربي إلى الإفراط في الغموض، بوصف الشعر رياضةً في  المعرفة الغيبية قبل أن يكون تجربةً فنيةً مادتها الكلمات واللغة، فهو ضربٌ من الكشف يطرق أبواب المجهول ويستشرف أفق الجمال الخالد في نوعٍ من الاتحاد الصوفي، وصورةٍ لحلمٍ ذاتِ مضمونٍ مثاليٍّ، ونفحةٍ سحريةٍ تتخطى العناصر الشكلية، فالرمز ليس صورةً لغويةً أو كلمةً تستمد جمالها مما تدل عليه، بل هو تجربةٌ حيةٌ ذاتُ معنًى روحيٍّ غامضٍ. ينظر: الرمز والرمزية في الشعر المعاصر: 103 – 105.
[2]    - ينظر: الرَّمزية في الأدب العربي، درويش الجندي، دار نهضة مصر، القاهرة، د.ط، 1958م: 205 – 210، وملامح الرمز في الغزل العربي القديم، حسن جبار شمسي، دار السياب، لندن، ط1، 2008م: 18.
[3]- ملامح الرمز في الغزل العربي القديم: 19.
[4] - الرَّمزية في الأدب العربي: 187- 188.
[5]- م. ن: 192.
[6]- الخطاب القرآني: 12.
[7]- ينظر: م. ن: 11 – 12.
[8]- نظرية التوصيل في النقد الأدبي العربي الحديث: 260.
[9] - ورد في الروايات أنَّ القرآن الكريم نزل على أربعة أشياء: العبارة والإشارة واللطائف والحقائق; فالعبارة للعوام، والإشارة للخواصّ، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء. ينظر: مستدرك سفينة البحار: 8 / 447.
[10] - ينظر: مفتاح العلوم: 521، والبلاغة - فنونها وأفانينها: 353.
[11]  - الرَّمْزُ في اللغة: هو الإشارة إلى شيءٍ مما يُبانُ بلَفْظ، أو هو الإيماءُ بأَيِّ شيءٍ أَشرتَ إليه سواءً كان ذلك بالشَّفتين أَي تحريكهما بكلامٍ غيرِ مفهومٍ باللفظ من غير إبانةٍ بصوتٍ، أو بالعينين أو بالحاجِبين أو بالفَمِ أو باليَدِ، وقيل: هو تصويتٌ خفيٌّ باللسان كالهَمْس، وأمَّا الرمز البلاغي فهو: أن تشير إلى قريبٍ منك على سبيل الخفية.  ينظر: مفتاح العلوم: 521، ولسان العرب: مادة (رمز) 5 / 312.
[12]  - ملامح الرمز في الغزل العربي القديم: 16.
[13]  - الكناية في ضوء التفكير الرمزي، رسالة ماجستير، نائلة قاسم لمغون، كلية اللغة العربية، جامعة أم القرى، 1984م: 150.
[14]  - ينظر: الرمز في الخطاب الأدبي: 15 – 32.
[15]  - ينظر: نظرية التأويل- الخطاب وفائض المعنى: 115 – 116.
[16]  - ينظر: الكناية في ضوء التفكير الرمزي- رسالة ماجستير: 128 – 129.
[17]  - ينظر: الرَّمزية في الأدب العربي: 418.
[18]  - الشعر العربي المعاصر– قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، عز الدين إسماعيل، دار الفكر العربي، القاهرة، ط3، د.ت: 195.
[19]  - الرمز والرمزية في الشعر العربي المعاصر: 204.
[20]  - المفارقة في شعر الرواد: 229.  
[21]  - الإسلام والأدب: 178.
[22]  - ينظر: الإسلام والأدب: 178، والرمز في الشعر العربي، ناصر لوحشي، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2011م: 66.
[23]  - ينظر: الكشاف: 4 / 588، وجامع البيان في تأويل القرآن: 23 / 578.
[24]  - ورد في الخبر الشريف: أنَّ النبي (ص)  قرأ: ﴿لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ﴾ ثم التفت إلى عليّ (ع) فقال: سأَلْتُ الله أنْ يَجْعَلَها أُذُنَكَ، قال عليّ (ع): فما سمعت شيئاً من رسول الله (ص) فنسيته، وفي خبرٍ آخرَ: قال رسول الله (ص): يا عَليُّ إنَّ اللهَ أمَرَنِي أنْ أُدْنِيَكَ وَلا أُقْصِيَكَ، وأنْ أُعَلِّمَكَ وأنْ تَعي، وحَقٌّ على اللهِ أنْ تَعِي، فنزلت ﴿لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ﴾. ينظر: أسباب نزول القرآن: 465، ومفاتيح الغيب: 30/624، وجامع البيان في تأويل القرآن: 23 / 579، وتفسير القرآن العظيم: 8/ 211، والآية: الحاقة: 12.
[25]  - دروس في البلاغة العربية نحو رؤيةٍ جديدةٍ: 47.
[26]  - الكشاف: 4 / 588.
[27]  - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي، محمد عبد الأمير النمري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1998م: 1/15.
[28]  - ينظر: بنية اللغة الشعرية: 107 – 109.
[29]  - م. ن: 109.
[30]  - دروسٌ في البلاغة العربية نحو رؤيةٍ جديدةٍ: 45.
[31]  - تتكون الجملة من وحدات يربطها نوعان من العلاقات: الأولى: علاقات توزيعيةports syntagmatiques)  (Rap-: وهي التي تحكم التأليف الخطي بين الوحدات والألفاظ، مثل: فعل – فاعل، ومضاف – مضاف إليه، جار- مجرور... إلخ. والثانية: علاقات تبادلية (rapports paradigmatiques): وتعني أنَّ كلَّ مكِّونٍ من هذا التأليف الخطي يمكن أن يبدَّل بألفاظٍ أخرى تربطه بها علاقةٌ تبادليةٌ، مثل: التأليف الخطي (ذعر الرجل ذعراً) – (خاف الولد خوفاً) – (فزع الطفل فزعاً). ينظر: مدخلٌ إلى المدارس اللسانية: 57 و66- 67، والمدارس اللسانية المعاصرة:81، وم. ن: 45 - 47.
[32]  - ينظر: قضايا الشعرية، رومان ياكوبسون، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنوز، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1988م: 33.
[33]  - ينظر: لسان العرب: مادة (أذن) 1 / 106.
[34]  - ينظر: التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم، عودة خليل أبو عودة، مكتبة المنار، الأردن، ط1، 1985م: 189.
[35]  - ينظر: لسان العرب: مادة (أذن) 1/ 105، والتطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم: 188.
[36]  - لَمّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ (ص)، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللّهِ لَو بَعَثْت بِهَا إلى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: لَا يُؤَدّي عَنّي إلّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمّ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (ع)، فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصّةِ مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةٍ، وَأَذّنْ فِي النّاسِ يَوْمَ النّحْرِ إذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى، أَنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلى مُدّتِهِ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ (ع) عَلَى نَاقَةِ النبي (ص) الْعَضْبَاء حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ النّحْرِ قَامَ (ع) فَأَذّنَ فِي النّاسِ بِاَلّذِي أُمرَ بِهِ، فَقَالَ (ع): أَيّهَا النّاسُ إنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلى مُدّتِهِ، وَأَجّلَ النّاسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَذّنَ فِيهِمْ، لِيَرْجِعَ كُلّ قَوْمٍ إلى مَأْمَنِهِم أو بِلَادِهِمْ ثُمّ لَا عَهْدٌ لِمُشْرِكِ وَلَا ذِمّةٌ إلّا أَحَدٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ َعَهْدٌ إلى مُدّةٍ فَهُوَ لَهُ إلى مُدّتِهِ فَلَم يَحُجّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَمْ يَطُف بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. ينظر: السيرة النبوية، عبد الملك بن هشام (ت: 213هـ)، تح: مصطفى السقا وآخرون، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط2، 1955م: 2 / 545 – 546، والجواهر الحسان في تفسير القرآن: 3 / 162.
[37]  - ينظر: ألفاظ الظهور والخفاء في القرآن الكريم - دراسةٌ دلاليةٌ، أطروحة دكتوراه، سهام الزبيدي، كلية التربية للبنات، جامعة بغداد، 2002م: 87.
[38]  - ينظر: عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، تح: حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، د.ط، 1984م: 12 - 13.
[39]  - ورد في سبب النزول: لمَّا نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ﴾ [الأنبياء: 98]، شق ذلك على أهل مكة، وقالوا: شتم الآلهة، فقال عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى: أنا أخصم لكم محمداً، فقال: يا محمد، هذا شيء لآلهتنا خاصةً؟ أم لكل من عبد من دون الله؟ قال: بل لكل من عبد من دون الله، فقال ابن الزبعرى: خصمت ورب هذه البنية - يعني الكعبة -  ألست تزعم أنَّ عيسى عبدٌ صالحٌ، وأنَّ عزيراً عبدٌ صالحٌ، وأنَّ الملائكة صالحون؟ قال النبي: بلى، قال: فهذه النصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيراً، وهذه بنو مليحٍ تعبد الملائكة، فضجت أصوات أهل مكة فرحاً وجذلاً وضحكاً بهذه الحجة الواهية.
وقد ذكر صاحب الميزان وجوهًا عدةً تُضعِف هذه الرواية متناً وسنداً، ويروى أنَّها نزلت في الإمام عليٍّ (ع)، فعن سلمان الفارسي (رض) قال: بينما كان النبي (ص) جالسًا مع أصحابه، إذ قال: إنَّه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم (ع) فدخل عليٍّ بن أبي طالبٍ (ع)، فقال بعضهم: أما رضي محمد أن فضَّل عليّاً علينا حتى يشبهه بعيسى بن مريم والله لآلهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية أفضل منه، فأنزل الله في ذلك المجلس: (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون)، وورد عن النبي (ص) أنه قال: يدخل من هذا الباب رجلٌ أشبه الخلق بعيسى فدخل عليٌّ (ع) فضحكوا من هذا القول فنزل ولما ضرب (الآية).  ينظر: أسباب نزول القرآن: 214 – 215، والسيرة النبوية: 1 / 359 - 360، وتفسير الصافي: 4 / 396 - 397، والميزان في تفسير القرآن: 14 / 335 – 337. 
[40]  - كتاب العين: مادة (صدد) 2 / 382.
[41]  - ينظر: مجمع البيان في تفسير القرآن: 9 / 80 – 81.
[42] ينظر: الكافي: 8 / 80.
[43]  - التفسير الصافي: 1 / 211.
[44]  - جاء في البحار: ومثل الذين كفروا (في عبادتهم الأصنام واتخاذهم الأنداد من دون محمد وعلي صلوات الله عليهما) كمثل الذي ينعق بما لا يسمع (يصوت بما لا يسمع  إلا دعاءً ونداءً) لا يفهم ما يراد منه فيتعب المستغيث به، (صمٌّ بكمٌ عميٌّ) من الهدى في اتباعهم الأنداد من دون الله والأضداد لأولياء الله الذين سموهم بأسماء خيار خلفاء الله ولقبوهم بألقاب أفاضل الأئمة الذين نصبهم الله لإقامة دين الله، (فهم لا يعقلون) أمر الله تعالى. ينظر: بحار الأنوار: 9 / 187.
[45]  - يرى بعض أرباب التأويل أنَّ هذا المثل جاء بياناً لما طُوي في النص السابق الذي تضمن حالتين للكفار، الأولى: تشبيه حال الكفار في إعراضهم عن الإسلام بحال الذي ينعق بالغنم، والثانية تشبيه حال الكفار في إقبَالهم على الأصنام بحال الداعي للغنم، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَآ أَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ شَيۡ‍ٔٗا وَلَايَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة: 170]، فالتشبيه الوارد هو تشبيه هيئةٍ بهيئةٍ وهو مركبٌ تمثيليٌّ. ينظر: التحرير والتنوير: 2/ 110-111.
[46]  - فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور: 92.
[47]  - البرهان في علوم القرآن: 3/ 131.
[48]  - المثل السائر: 2 / 74.
[49]  - ينظر: معاني القرآن:1 / 100، والتبيان في تفسير القرآن:2 / 77 - 78، والبرهان في علوم القرآن: 3/ 131.
[50]  - فلسفة البلاغة بين التقنية والتطور: 94.
[51]  - ينظر: معاني القرآن:1 / 99، والتبيان في تفسير القرآن:2 / 77.
[52]  - ينظر: الإشارة الجمالية في المثل القرآني: 61.
[53]  - ينظر: م.  ن: 60 – 64.
[54]  - قراءة النص وجماليات التلقي بين المذاهب الغربية الحديثة وتراثنا النقدي، محمود عباس عبد الواحد، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1996م: 117.
[55] - م. ن: 118.
[56]  - ينظر: مفاتيح الغيب: 24 / 572، وحياة الحيوان الكبرى: 2 / 311
[57]  - ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن: 19/ 498 – 499، والكشف والبيان عن تفسير القرآن: 7/ 223- 225، والدر المنثور في التفسير بالمأثور، جلال الدين السيوطي(ت: 911هـ)، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، إيران، ط1، 1980م: 5/ 115 – 117، والميزان في تفسير القرآن: 15 / 398.
[58]  - ينظر: كتاب الحيوان: 7/ 50، والكشاف: 3/ 371 -372، وروح المعاني: 10/ 236.
[59]  - اختلف القرّاء في قراءة قوله: (تُكَلِّمُهُمْ)، فقرأ عامة قرّاء الأمصار: (تُكَلِّمُهُمْ) بضم التاء وتشديد اللام، بمعنى: تُخبرهم وتُحدثهم، وقرأ بعض القراء: تَكْلِمُهُمْ بفتح التاء وتخفيف اللام بمعنى: تسمهم.
 ينظر: جامع البيان في تأويل القرآن: 19/ 499، ومفاتيح الغيب: 24/ 572، وروح المعاني: 10/ 235.
[60]  - الكشاف: 3 / 372.
[61]  - قيل لأبي عبد الله الصادق (ع): إنَّ بعض الناس يقولون: إنَّ هذه الآية إنَّما تكلمهم، فقال (ع) كلمهم الله في نار جهنم، إنَّما هو تُكلِّمهم من الكلام. ينظر: مستدرك سفينة البحار: 3/ 240، والميزان في تفسير القرآن: 15/ 409.
[62]  -  وروى محمد بن كعب القرطي عن الإمام عليٍّ (ع) أنَّه سئل عن الدابة، فقال: أما والله مالها ذنبٌ وإنَّ لها لحيةً، وفي هذا القول إشارةٌ منه (ع) إلى أنَّها مخلوقٌ بشريٌّ، وقيل: تخرج من (الصفا) ومعها خاتم سليمان وعصا موسى، فتكلمهم بالعربية ببطلان الأديان، سوى دين الإسلام، وقيل: كلامها أن تقول: هذا مؤمنٌ وهذا كافرٌ، وقيل: كلامها ما قاله الله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ ٱلۡقَوۡلُ عَلَيۡهِمۡ أَخۡرَجۡنَا لَهُمۡ دَآبَّةٗ مِّنَ ٱلۡأَرۡضِ تُكَلِّمُهُمۡ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾.
ينظر: التبيان في تفسير القرآن: 8/ 111، وروح المعاني: 10/ 232، ومفاتيح الغيب: 24/ 572،  والكشاف: 3/ 371 – 372، وحياة الحيوان الكبرى: 2/ 311-315، والآية: النمل: 82.
[63]  - التبيان في تفسير القرآن: 8/ 119.
[64]  ينظر: مجمع البيان في تفسير القرآن: 7/ 366 – 377، والدر المنثور: 5/ 117، وروح المعاني: 10/ 233، والميزان في تفسير القرآن: 15/ 408 – 409.
[65]  ينظر: معاني القرآن: 2/ 74، مجاز القرآن، أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري (ت: 209هـ)، تح: محمد فواد سزگين، مكتبة الخانجى، القاهرة، د.ط، 1962م: 339، وروح المعاني: 7/ 193.
[66]  ينظر: مستدرك سفينة البحار: 1 / 197.
[67]  شرح أصول الكافي: 8 / 229.
[68]  ورد في أصول الكافي أنَّ المؤذن أمير المؤمنين (ع) يؤذن بين الفريقين التابعين له والظالمين له، ويخصّ الظالمين باللعن والبعد عن الرحمة، وينادي التابعين بالسلام والبشارة بالدخول إلى الجنة، ومما يدل على ذلك ما رواه علي بن إبراهيم عن أبي الحسن (ع) قال: المؤذن أمير المؤمنين (ع) يؤذن أذاناً يُسمع الخلائق كلها، والدليل على ذلك قوله تعالى: ﭽﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮﭼ فقال أمير المؤمنين (ع): كنت أنا الأذان في الناس، ونقل صاحب الميزان ما ورد في الكافي، وتفسير القمي، بإسنادهما عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (ع) في قوله تعالى: ﭽ ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ ﭼ قال: المؤذن أمير المؤمنين (ع) ورواه العياشي، وقد ورد في روضة الواعظين عن الباقر (ع) قال: المؤذن عليٌّ (ع)، وفي المعاني، وورد عن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: خطب أمير المؤمنين (ع) بالكوفة وبلغه أنَّ معاوية يسبه ويعيبه ويقتل أصحابه، ومما جاء في الخطبة: وأنا المؤذن في الدنيا والآخرة قال الله عز وجل: ﭽ ﭧ  ﭨ  ﭩ  ﭪ   ﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ ﭼ أنا ذلك المؤذن، وقال: ﭽﭫ  ﭬ  ﭭ  ﭮ   ﭯ  ﭰﭼ أنا ذلك الأذان، أي أنا المؤذن بذلك الأذان بقرينة صدر الكلام ويشير (ع) إلى قصة آيات البراءة، وجاء في المجمع ما رواه الحاكم الحسكاني بإسناده عن محمد بن الحنفية عن عليٍّ (ع) أنَّه قال: أنا ذلك المؤذن، وبإسناده عن ابن عباس أنه قال: لعليٍّ (ع) في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس قوله: فأذن مؤذنٌ بينهم، يقول: ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي. ينظر: شرح أصول الكافي: 7/ 95، ومستدرك سفينة البحار: 1/ 97، ومسند الإمام الرضا (ع): 2/ 48، وتفسير القمي: 1/ 231، والميزان في تفسير القرآن: 8/ 142 – 144.
[69]  روح المعاني: 4 / 362.
[70]  التحرير والتنوير: 25 /  383.
[71]  ينظر: أصول الكافي: 696، ومستدرك سفينة البحار: 10 / 80 - 81.
[72]  ينظر: روح المعاني: 13 / 153.