البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مفهوم القضاء والقدر وخلق الأعمال في كلام الإمام علي (عليه السلام)

الباحث :  رسول كاظم عبد السادة
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  18
السنة :  شهر شوال 1440هـ / 2019م
تاريخ إضافة البحث :  July / 9 / 2019
عدد زيارات البحث :  11670
تحميل  ( 1006.947 KB )
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
سنحاول القيام بدراسةٍ جديدةٍ لبيان الخطوط العريضة للفكرالكلامي عند الإمام أمير المؤمنين (ع)... ولكن بطورٍ يستفاد من الأخبار كأدلةٍ فوق دليل العقل بل حاكمة عليه لبيان تابعيته للمعصوم (ع) لا حاكميته عليه، كما قال مولانا الإمام الرضا (ع)  لابن السكيت حين سأله ماالحجة اليوم؟ فقال (ع): العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه والكاذب على الله فيكذبه، فمنتهى سير العقل في المعرفة بيان الصادق من الكاذب في الإبلاغ عن الله.
إن مثل هذا المنهج لايعتبر تجميداً لقدرات العقل، وإنما تصحيحا للمستقلات العقلية عن الانحراف نحو القواعد الخاطئة، فإن متابعة مظاهر العقل الكلي رسول الله صلى الله عليه وآله  وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، أسلم في تحقيق نتائج البحث من اتباع غيرهم، إذ كل العقول رؤوس من ذلك العقل[1] بحسب إستعدادها لقبول الفيض، قال أمير المؤمنين (ع): ذهب من ذهب إلى غيرنا إلى عيونٍ كدرةٍ يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب إلينا إلى عيونٍ صافيةٍ تجري بأمر الله لا نفاذ لها[2].
القضاء والقدر وخلق الأعمال
شطرت مسألة القضاء والقدر البشرية إلى ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: هو المذهب القائل بها وهم الجبرية أو الحتميون.
المذهب الثاني: المنكر لها وهم القدرية دعاة الإرادة الحرة (المفوضة).
المذهب الثالث: المذهب الوسط المخالف للمجبرة والقدرية وهم أصحاب الأمر بين الأمرين.
وقبل التعرف على مراد الإمام أمير المؤمنين (ع)  في هذه المسألة وقبل الدخول فيها لا بد من مناقشة ثلاث نقاطٍ:
الأولى: في معنى القضاء والقدر لغةً وإصطلاحًا.
الثانية: في بيان المذهبين الأوليين المجبرة والمفوضة.
الثالثة: في بيان المشكلة المتنازع عليها وهي الأفعال الإنسانية.
ثم بعد ذلك نعرض مراد الإمام أمير المؤمنين (ع)  مع ملخص عن المذهب الوسط وهو المذهب الرافض للجبرية والقدرية.
التمهيد: تعريفاتٌ أوليةٌ

أولاً: معنى القضاء والقدر
 (القدر) يفتح ثم فتح لغته هو الطاقة والمقدار والقضاء والحكم وهو ما يقدره الله عز وجل من القضاء ويحكم به من الأمور [3].
واصطلاحًا: تفصيل إرادة الفاعل وتخصيص إيجاد الأشياء في أزمانٍ وأماكنَ وعلى أشكالٍ معينةٍ فهو وجود الكائنات على حسب أحكام الإرادة وتفصيل  جميع الموجودات في اللوح المحفوظ بعد أن كانت مجملةً [4].
وبعبارةٍ أخرى: لما كان القدر أحد مراتب فعل الله التي تبدأ بالمشيئة ثم الإرادة ثم القدر ثم القضاء ثم الإمضاء، فالمشيئة هي أول ميل نفسك إلى وجهة الشيء وإحداثه وإظهاره، وأما الإرادة فهي تصميم عزمك على مقتضى ذلك الميل، والقدر هو تحديد نفسك له وتجزئة وتفصيل أحواله. وأما القضاء فهو إتمام ذلك الشيء في نفسك وتركيبه بأجزائه، وأما الإمضاء فهو إظهار ما أحكمته ودبرته في نفسك في الوجود الخارجي الكوني.
إذًا فالقدر هو كما عبر عنه الإمام الرضا (ع) الهندسة وحدود الأشياء.
 أما القضاء لغةً فهو إتمام الشيء أو الحكم، واستقضى فلانٌ أي جعل قاضيًا يحكم بين الناس، وقضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه  فيكون بمعنى الخلق[5].
واصطلاحا: الأجل أو فض الحكومة أو إصدار الحكم أو وجود جميع الموجودات في اللوح المحفوظ إجمالا.
أما عند المتكلمين فهو الحكم الكلي الإجمالي على أشخاص الموجودات بأحوالها حكمًا لا يتبدل من الأزل إلى الأبد كالحكم بأنّ كلَّ نفسٍ ذائقةُ الموت[6].
ويؤخذ على هذا التعريف بأن القضاء يطرأ عليه التغيير بطروّ قانون البداء حيث قالوا (ع): إذا وقع الإمضاء فلا بداء[7]، نعم في أحد مراتبه لا يطرأ عليه البداء كما سيأتي مفصلًا.
ولما كان القضاء في سلسلة مراتب الفعل سابقًا على الإمضاء فهو مشمولٌ بقانون البداء[8].
فلا يصح وصفه باللا تبديل من الأزل إلى الأبد. نستنتج من هذا أن القضاء والقدر مرتبطان وكلاهما يجب الرضا به لأن مجموعهما فعل الله.
ثانيا: معنى القضاء والقدر في القرآن:
والقضاء والقدر في القرآن لفظٌ يطلق ويراد به أحد معانٍ ثلاثةٍ:
الأول: الخلق والإتمام. ومنه قوله تعالى ﴿فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ﴾[9] أي خلقهن وأتمهن. وقوله تعالى ﴿وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا﴾[10] أي خلق فيها أقواتها.
الثاني: الحكم والإيجاب ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ﴾[11] أي أوجب وحكم ألا تعبدوا إلا إياه.
الثالث: البيان والإعلام ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ﴾[12] أي أعلمناهم وأخبرناهم وقوله تعالى: ﴿قَدَّرۡنَٰهَا مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ﴾[13] أي بينا أنها من الغابرين.
وسوف نناقش استناد القضاء والقدر إلى هذه المعاني الثلاثة وأي المعاني منها يوجب القول بالقضاء والقدر.
وقال أهل المعرفة أن أقسام القضاء عشرة:
الأول: العلم وهو قول الله عز وجل: ﴿إِلَّا حَاجَةٗ فِي نَفۡسِ يَعۡقُوبَ قَضَىٰهَاۚ﴾[14] يعني علمها.
الثاني: الإعلام وهو قوله عز وجل ﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ﴾[15]2 وقوله عزوجل ﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَيۡهِ ذَٰلِكَ ٱلۡأَمۡرَ﴾[16] أي أعلمناه.
الثالث: الحكم وهو قوله عزوجل ﴿وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ﴾[17] أي يحكم.
والرابع: القول وهو قوله عزوجل ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُم بِحُكۡمِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ﴾[18] أي يقول الحق.
والخامس: الحتم وهو قوله عزوجل: ﴿فَلَمَّا قَضَيۡنَا عَلَيۡهِ ٱلۡمَوۡتَ﴾[19] يعني حتمنا فهو القضاء الحتم.
والسادس: الأمر وهو قوله عز وجل: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ﴾[20] يعني أمر ربك.
والسـابع: الخلق وهو قوله عز وجل: ﴿فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ﴾[21] يعني خلقها.
الثـامن: الفعل وهو قوله عزوجل ﴿فَطَرَنَاۖ فَٱقۡضِ مَآ أَنتَ قَاضٍۖ﴾[22] أي إفعل ما أنت فاعل.
التـاسع: الإتمام وهو قوله عزوجل ﴿فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ﴾[23]، وقوله عز وجل حكايةً عن موسى (ع) ﴿أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ﴾[24].
العاشر: الفراغ من الشيء وهو قوله عزوجل ﴿قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾[25] يعني فرغ لكما منه[26].

ثالثا: الجبر والتفويض:
إن مسألة الجبر والتفويض من أهم المسائل النظرية وأقدم المعتقدات التي وقعت محلاًّ لمعركة الآراء وضلت لشدة غموضها العقول والأفكار، وهي من أهم أسباب تشعب المذاهب وتعدد الفرق، الموجب لتكفير الأمة بعضها البعض على الرغم من الروابط الدينية التي تربطها من جهةٍ أخرى، وقد ملأت جانباً عظيماً من كتب التأليف والتصنيف، ونالت حظّاً وافراً من البحث والدّرس والجدل عند الفلاسفة والسالكين مسلكهم قبل الإسلام وبعده [27].

المبحث الاول
بيان الفرقتين المجبرة والمفوضة
بعد أن بيّنّا معنى القضاء والقدر نناقش الآن نشوء الفرقتين الجبرية والقدرية وأعلامهما، وهما فرقتان عقائديتان خرجتا عما عليه جمهور العلماء في هذه المسألة ولنرى أولا القائلين بالقدر وهم:

أولا: المجبرة:
ويصطلح عليهم الفلاسفة المعاصرون بالحتميّين وعلى مقالتهم بالحتمية[28] وليس هم في داخل دائرة الإسلام فقط وأنما في كافة الأديان والملل وحتى الملاحدة فإنهم يسندون الإرادة إلى الطبيعة[29]، والذي يهمنا هنا هم مجبرة أهل الإسلام وهم طائفة ظهرت في القرن الأول الهجري على رأسها جهم بن صفوان وتسمى أيضا بالجهمية نسبة إليه وهم ضد القدرية يقولون:
1 - إن الإنسان مجبرٌ لا اختيار له ولا قدرة.
2 - إن الله تعالى قدّر الأعمال أزلًا وخلقها.
فعارضتهم المعتزلة لأنهم يعطلون الجزاء ويلغون المسؤولية[30].
وسميت هذه الطائفة بالمجبرة عند الكلامين والدافع لهذا القول زعمهم أن هذا من لوازم قدرة الله تعالى التامة لكل شيءٍ وإحاطته تعالى بجميع الموجودات وسلطانه عليها[31].
فلو أردنا أن نقول بحرية الإرادة وتأثيرها الحقيقي في الأفعال لآل الأمر - كما يزعمون - إلى خروج الإنسان من سلطان الله تعالى.
ومن سلبيات القول بهذا الرأي وهذه العقيدة أنها أعطت المغرضين مادةً خصبةً في دفع الشريعة عن مجالها ومستقرها وذلك عن طريق تجميد إرادة الإنسان والغاء دوره في ممارسة أي عملٍ، ومما يؤكد ذلك ما ذهبت إليه الفرق الجبرية بمقالاتها. وقبل أن نطلع على هذه المقالات لا بد من الإشارة إلى أعلام هذه الفرقة من الإسلام ومنشئها، وأولهم كما أكد عليه أغلب المؤرخين:

1 - الجعد بن درهم:
وهو مولًى لبني مروان أو الحكم أو سواه وهو من خراسان وأخته كانت أم مروان بن محمد[32] ولا تعرف سنة ومكان ولادته ولكن يعرف أنه كان يقيم بدمشق ثم ذهب مؤدبًا لابن مروان بن محمد عندما كان هذا الأخير واليًا على الجزيرة، سمي مروان بالجعدي لتأديبه ابن مروان، نشر في الجزيرة آراءه في نفي الصفات فنفي إلى البصرة والكوفة، وفي الكوفة التقى بجهم بن صفوان ثم أمر هشام بن عبد الملك عامله على العراق خالد بن عبد الله القسري بقتله فقتله سنة 120 هـ وقال خالد ليلة خطبة العيد:
أيها الناس ضحوا قَبِل الله ضحاياكم فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا ولا موسى كليمًا.
ثم نزل وذبحه أسفل المنبر حوالي سنة 120 هـ وهو أول من تكلم بخلق القرآن[33].
وقال بالتعطيل أي الصفات هي أنّ الذات ثم قال بالحسم وعنه أخذ الجهم بن صفوان وقد أخذ الجبر عن بعض آيات القرآن.
وعن أبان بن سمعان أخذ القول بخلق القرآن وهذا أخذه عن طالوت بن أخت لبيد بن أعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وآله[34]، وكان يقول بخلق القرآن[35]، ويسمى القائلون بمقالته بالجعدية وعنه أخذ:

2 - جهم بن صفوان:
وهو من موالي الأزد اليمانية وأصله من بلخ بخراسان لا تعرف سنة ولادته وكل ما يعرف عنه أنه ذهب إلى الكوفة والتقى بالجعد وربما بأبي حنيفة أيضا، وأخذ عن الجعد القول بخلق القرآن ثم رجع إلى بلخ يناظر فيها مقاتل بن سلمان المتهم بالتشبيه وإثبات الصفات الجسدية لله وكان مقاتل مقرّبًا من سلم بن أحوز المازني قائد نصر بن سيار فاستطاع أن ينفي جهما إلى ترمذ وبقي فيها إلى أن اِنضمّ إلى جيش الحارث بن سريح[36].
ويقال أنه في ترمذ ناقش السمنية[37]، وهناك اتصل بالحارث الذي كانت تؤيده القبائل اليمانية، وكان مندوبه في المفاوضات مع سلم بن أحوز المازني، ولما أخفقت ثورة الحارث قتل على يد الحارث هذا سنة 128هـ، والأسباب سياسيةٌ كما هو واضحٌ ومن أبرز آرائِه في مسألة الجبر قوله:

إن الله خالق جميع الأفعال والأشياء وصفة الخلق مقتصرةٌ عليه لا حرية ولا إرادة خارج إرادة الله، والإنسان أشبه شيءٍ بالريشة[38].
ويسمى الجماعة القائلين بمقالته «بالجهمية» وهم أشهر فرقةٍ قالت بالجبر ويقال لهم مرجئة أهل خراسان[39].

بعض مقالات أهل الجبر وآرائهم:
للجهمية عدةُ مقالاتٍ ذكرها علماء الفرق، فقد قالت الجهمية بعدة مقالاتٍ منها:
أولاً: إن الاختيار من الحيوانات غيرُ شيءٍ مما يجري عليهم فإنهم كلهم مضطرون لا استطاعة لهم بحالٍ.
ثانياً: إن كل ما ينسب فعلًا إلى أحدٍ غير الله فنسبته على سبيل المجاز وهو بمنـزلة قول القائل: سقط الجدار ودارت الرحى وجرى الماء وانخسفت الشمس[40].
ثالثاً: أما فرقة الصّباحية[41] فقد قالت أن الخلق والأمر من الله لم يزالا كما لم يزل الخالق ومثل ذلك بالنائم يرى أنه بالشام أو بمكة و يأكل أو يشرب من غير أن يكون شيءٌ من ذلك.
رابعاً: وكل هؤلاء مُجمعون على أن الكفر والمعاصي بقضاء الله وقدرته وسعة علمه وقدره[42].

ثانيا: القدرية:
وهم الذين لم يقولوا بالقضاء والقدر وهم جماعة من التابعين قالوا بحرية الإرادة[43] وقدرة العبد على أعماله وأن العبد خالقٌ لأفعاله دون أن يكون لله عليه سلطانٌ فيها[44].
رددوا هذا القول في الشام والعراق وكان على رأسهم معبد الجهني وغيلان الدمشقي وهم ضد الجبرية ومهدت القدرية لظهور المعتزلة وتلاشوا فيهم[45].
ويسمى المعتزلة أحيانا بالقدرية فقد قالوا بأن أفعال الإنسان هي أفعالٌ حقيقيةٌ وهو مختارٌ فيها له السلطان فيها إلا أن إرادته هي السبب الحقيقي في وجودها.
وقد أطلق على هذه الطائفة اسم (المفوضة) باعتبار أن لازم القول بحرية الإرادة تفويض العبد في أفعاله، والدافع لهذا القول هو اعتقادهم بأن دخول أفعال الإنسان في سلطان الله ودخول إرادته بها يستلزم في زعمهم أن يكون العقاب للمذنبين ظلمًا وحسابهم جورًا ومن أبرز أعلامهم كما ذكرنا.

1 - معبد الجهني:
قال عنه الذهبي: إنه أول من تكلم بالقدر فقتله عبد الملك أو الحجاج صبرا لخروجه مع إبن الأشعث[46].
وقال ابن نباتة: إنه أخذ هذا القول من رجلٍ من أهل العراق أسلم ثم تنصر[47].
 وقال ابن قتيبة، عن الأوزاعي: إن معبداً الجهني هذا هو أول من تكلم بالقدر ثم بعده غيلان الدمشقي[48].
وتذكر بعض المصادر أن معبدا كان يأتي الحسن البصري ويقول له: يا أبا سعيد هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري أعمالنا على قدرة الله تعالى[49].

2 - غيلان الدمشقي:
يقول ابن قتيبة: إنه كان قبطيّا قدريّا تكلم بالقدر بعد معبد الجهني وقد أخذه عبد الملك وقتله[50] وله مناقشاتٌ مع خصومه مثل ربيعة الرأي، وعمر بن عبد العزيز الذي سجنه ثم استدعاه مرة أخرى حيث لم يقلع عن مقالته فتراجع غيلان أمامه وله مناقشةٌ مع الأوزاعي أمام هشام قبل أن يقتله[51] وهو من تلامذة معبد الجهني في القول بحرية الإرادة[52].

المبحث الثاني
الأفعال الإنسانية ومسألة القضاء والقدر
 اختلف المسلمون في الأفعال فصاروا بين الجبر والتفويض، فأما أهل الجبر فاختلفوا بينهم أيضا على آراء:
الأول: من قال أن العبد لا يقدر على شيءٍ من أفعاله ولا يفرّقون بين حركة المرتعش وغيره فرقًا.
الثاني: من فرّق بين الحركتين.
الثالث: من قال بتأثير قدر العباد في أفعالهم لكنها صادرةٌ عنهم وواجبه وداعيه بالوجوب السابق من سلسلة علله الموجبة إلى الواجب.
الرابع: منهم من قال أن العبد هو العلة القريبة المباشرة والله هو العلة البعيدة.
أما أهل التفويض فقد قالوا باستقلال العباد في الأفعال.
ولكن مذهب أهل البيت (ع) غير ذلك، فإن الفعل لا يتحقق إلا بحسب هذا الترتيب:
1. المشيئة إلى إيجاد الفعل.
2. الإرادة.
3. القدر.
4. القضاء.
5. الإمضاء.
وهي منطبقة في العالم الكبير والصغير باعتبار أن الإنسان مُنطَوٍ فيه جميع العوالم لقول أمير المؤمنين (ع):
وتحسب أنك جرمٌ صغيرٌ
وفيك انطوى العالَمُ الأكبرُ[53]
أما المرتبة الأولى لإيجاد الفعل، فهي المشيئة، إذ إن الفاعل لا يوجد فعله إلا حينما يتوجه إلى ذلك الفعل لكي يوجده وقبل التوجه فإن الفعل ليس له ذكرٌ في ذات الفاعل، لذلك اِصطلح عليها أهل البيت (ع) بـ(الذكر الأول)
قال الإمام الرضا (ع)  ليونس بن عبد الرحمن: أ تدري ما المشيئه؟ قال يونس: قلت: لا. قال: هي الذكر الأول[54].
وهنا شيءٌ مهمٌّ يجب الالتفات إليه وهو: هل إن الفاعل يعلم بهذه المشيئة أم لا؟ جوابه نعم، لأن مشيئة الفاعل قائمةٌ بعلمه فكيف يشاء فعلا يجهله. قال الإمام (ع):  بعلمه كانت المشيئة [55].
المرتبة الثانية: هي عزيمة الفاعل بعد ثبوت مشيئتة لإيجاد ذلك الفعل وتسمى الإرادة فإذا شئت شيئاً أردت إيجاده.
المرتبة الثالثة: بعد ثبوت إرادة الإيجاد للفعل تحصل عند الفاعل تخطيطاتٌ ونظمٌ لذلك المراد، ومواصفاتٌ وهيئاتٌ وأركانٌ تسمى مقادير كما يقول الإمام: القدر هو الهندسة.
المرتبة الرابعة: القضاء وهو إتمام الفعل من جميع جهاته[56].
المرتبة الخامسة: هو الإمضاء، ومعناه إخراج ما شئت وأردت وقدرت وقضيت إلى الخارج والتحقق، وهذه المرتبة بعدها لا يحصل البداء لقوله (ع): (فإذا وقع الإمضاء فلا بداء).
هنا قد عرفت كيفية صدور الفعل عن الفاعل مفصّلًا بحسب مراتبه الخمسة
فلنعد الآن إلى مسألة الجبر والاختيار إذًا وكيفية تلقّي الفعل الإلهي. قد علمت أن القضاء والقدر واقعان ضمن سلسلة الفعل، فالأشياء قبل أن تكون كانت حصصًا غيرَ متمايزةٍ وغيرَ مشخصةٍ وكانت مجعولةً بجعل الوجود وتابعةً لجعله كما هو المحقق فعلا.
وهذه الحصص سألت كينوناتها ووجوداتها بلسان حالها من موجدها، فأعطاها مقبولاتها وما سألت، بحسب إجابتها، فإن الله سبحانه وتعالى عدلٌ يعطي إلى كلِّ ذي حقٍّ حقه، ويسوق إلى كل مخلوقٍ رزقه، وسؤالها وجودها، غير أنها قبل السؤال كانت حصصًا غيرَ متمايزةٍ – كما ذكرنا – قابلةً لكل صورةٍ من ملكٍ أو شيطانٍ.
مثاله الخشب: وهو مادةٌ قابلةٌ لأن يُصنع منها السرير للملك والصندوق للمصحف أو الصنم للعبادة أو التابوت، فمادة الخشب هي القابل للصورة، كذلك هذه الحصص الوجودية قابلٌ لهذه الصور.
وكان لا بد من أن يحصل نوع اختيارٍ لهذه الحصص كي تحدد ماهياتها وصورها، وإلا حصل الجبر المحذور منه، فلا يكون الله عادلاً جل وعلا، لأنه لو أعطى القابليات بلا اختيارٍ من القوابل لما كان لله حجةٌ على الكافرين إذ سيقولون ربنا إنك اخترت لنا صورة الكفر والإنكار واخترت لغيرنا صورة الإيمان والطاعة فما ذنبنا؟
فلذلك أرسل سبحانه وتعالى في ذلك العالم – عالم الحصص غير المتمايزة –رسولًا مذكرًا وكان هذا الرسول أشرف الرسل وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآله ﴿هَٰذَا نَذِيرٞ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلۡأُولَىٰٓ﴾[57] فقال لهم: يقول لكم ربكم ألست بربكم..؟ قالوا: بلى. قال: ومحمدٌ نبيكم؟ قالوا: بلى. قال: وعليٌّ إمامكم؟ فأبى أكثر الخلق.
 فمنهم من أقر واعترف ومنهم من أنكر، فبحسب قبول تلك الحصص هذه الصورة التي هي التكليف المحدد للقابليات تحددت قابلية كل حصةٍ فمن أنكر خلقه من صورة الإنكار ومن أقّر خلقه من صورة الإقرار وهي الطاعة ﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤۡمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبۡلُۚ﴾[58]، ولذلك خلقهم. ثم أرسلهم في مراتب العوالم النـزولية في عالم الجبروت عقلانيين، وفي الملكوت نفسانيين، وفي الملك َجسامًا ناميةً، واشترط في أهل الإنكار البداء، ليدل على أن فعل استجابتهم لم يمض، ولم يشترط في أهل الإقرار ذلك حين قبض القبضتين وقال هذه إلى النار ولا أبالي وهذه إلى الجنة ولا أبالي[59].
إذا عرفت ذلك فأين كان الجبر؟ أحين عرض عليك تكليفك وأنت اخترت ذلك أم حين أنزلك إلى هذا العالم وكلفك بالطاعة وأمدك بالعقل الذي به تعبد الرحمن وتكتسب الجنان، ومتى فوض إليك الفعل وأنت محددٌ بشرط التكليف ﴿أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ﴾، إذًا فالخلاف في مسألة القضاء والقدر مبنيٌّ على الخلاف على الأعمال وخلقها.
أما القائلون بأن الإنسان فاعل لأفعاله وهم المعتزلة وأسلافهم من القدرية فقد اختلفوا في العلم بهذه الحقيقة هل هو استدلاليٌّ أم ضروريٌّ؟ قال بالأول أبو الحسن البصري. وقال آخرون بالثاني. وأما جهم بن صفوان فإنه قال:
إن الله تعالى هو الموجد لأفعال العباد وإضافته إليهم على سبيل المجاز، فإذا قيل فلانٌ صلى وصام كان بمنزلة قولنا طال وغني.
وقال ضرار بن عمرو النجار وحفص الفرد وأبو الحسن الأشعري: إن الله تعالى هو المحدث لها والعبد مكتسبٌ ولم يجعل لقدرة العبد أثرًا في الفعل بل القدرة والمقدور واقعان بقدرة الله تعالى وهذا الاقتران هو الكسب ومعنى الكسب الذي قال به الأشاعرة بأن ذات الفعل واقعٌ بقدرة الله وكونه طاعةً ومعصيةً صفتان واقعتان بقدرة العبد[60].
أي إن الفعل بحد ذاته وكونه ووجوده من موجده ليس بطاعةٍ ولا معصيةٍ لا هو حسنٌ ولا قبيحٌ والمشخص له العبد، وبطبيعة الحال هذه هي السفسطة بعينها، لأن الشيء والذي هو مَشِيئٌ من قِبل الله سبحانه وتعالى، لا يقع له كونٌ وجوديٌّ إلا بتشخُّصٍ إذ كما مر علينا فإن التقدير في الفعل قبل تحققه خارجًا ومعنى التقدير هو تحديده في كونه طاعةً أو معصيةً، وقال أبو الحسن من الأشاعرة: إن الفعل واقع بمجموع القدرتين[61].
شبهات الأشاعرة حول قدرة العبد على الفعل
أثار الأشاعرة مجموعة شبهاتٍ حول استناد الأفعال إلى الإنسان من المفيد لهذا البحث أن نذكر قسمًا منها مع أجوبة وردود تلك الشبهات.
الشبهة الأولى: قالوا أن العبد لو كان قادرا على الفعل لزم اجتماع قدرة الله وقدرة العبد على المقدور الواحد وهو الفعل فلو أراد الله إيجاد الفعل وأراد العبد إعدامه فإن وقع المرادان أو أُعدِما لزم اجتماع النقيضين وإن وقع مراد أحدهما دون الأخر لزم الترجيح من غير مرجحٍ.

وجواب هذه الشبهة:
 أولا: إن قدرة الله وقدرة العبد طوليتان لا تتعارضان ولا تتعاكسان وكما قال أهل البيت (ع): إذا شئنا شاء الله ويريد الله ما نريده.
وثانيا: إذا سلمنا بعد ذلك فإن الواقع مراد الله تعالى لأن قدرته أقوى من قدرة العبد[62].
والله قادرٌ على منع العبد من فعل المعصية لكن من الحكمة أن لا يجبر الله العبد على عدم فعل المعصية لأنه ينافي التكليف إذ يكون العبد غير مكلفٍ… فخلى الله بين العبد وبين المعصيه بعد إعطاء البيان والقدرة.

وكما قال أبو الحسن الرضا (ع):
إن لله إرادتين ومشيئتين إرادة حتمٍ وإرادة عزمٍ، نهى وهو يشاء ويأمر وهو لا يشاء أو ما رأيت أنه نهى آدم وزوجته أن يأكلا من الشجرة وشاء ذلك ولو لم يشأ لما غلبت مشيئتهما مشيئه الله تعالى وأمر إبراهيم أن يذبح إسحق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى[63].
وسئل أمير المؤمنين (ع) عن مشيّة الله وإرادته، فقال (ع) :إنّ لله مشيئتين: مشيّة حتمٍ ومشيّة عزمٍ، وكذلك إنّ لله إرادتين: إرادة حتمٍ وإرادة عزمٍ، إرادة حتمٍ لا تخطئ وإرادة عزم تخطئ وتصيب، وله مشيّتان، مشيّة يشاء ومشيّة لا يشاء، ينهى وهو يشاء، ويأمر وهو لا يشاء، معناه أراد من العباد وشاء ولم يرد المعصية وشاء، وكلّ شيءٍ بقضائه وقدره، والاُمور تجري ما بينهما، فإذا أخطأ القضاء لم يخطئ القدر، وإذا لم يخطئ القدر لم يخطئ القضاء، وإنّما الخلق من القضاء إلى القدر، وإذا يخطئ فمن القدر إلى القضاء[64]. 
الشبهة الثانية: قالوا: لو أنا فاعلون في الإحداث لصح منا إحداث الجسم لوجود علة الحدوث.

وجواب هذه الشبهة:
 أولا: إن الجسم يمتنع صدوره عنا لا لإجل الحدوث حتى يستلزم تعميم الإمتناع بل امتنع صدوره عنا لأننا أجسامٌ والجسم لا يؤثر في الجسم[65].
ثانيا: إن الجسم واقعٌ في مرتبةٍ واحدةٍ مع غيره من الأجسام فلا يمكن أن يحدث جسما إلا أن يكون في مرتبةٍ أعلى منه لأن المعلول في مرتبةٍ أدنى من العلة ولا ذكر للمعلول في رتبة علته، والمحدِث لا يقع في رتبة الحادث مطلقًا، فإذا أردنا إحداث الجسم ونحن في رتبته استحال ذلك، نعم إذا ارتفعت رتبة الشيء عن غيره جاز أن نقول أنه يحدثه، كما أحدث الله الأشياء بالفعل فإن الفعل شيءٌ مخلوقٌ.
عن أبي عبد الله (ع) قال: خلق الله المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة[66].
والإحداث المقصود هنا هو تغيير الصور، وإلا فالخارج من خزائن الإمكان إلى الكون والعين لا يحدثه الحادث مطلقًا.
الشبهة الثالثة: قالوا: إن العبد لو كان موجدًا لأفعال نفسه لكان عالمًا بها.
وأجيب عنها بأن الإيجاد لا يستلزم العلم فإن الفاعل قد يصدر عنه الفعل بمجرد الطبع كالإحراق الصادر من النار من غير علمٍ فلا يلزم من نفي العلم نفي الإيجاد نعم الإيجاد مع القصد يستلزم ذلك[67].
الشبهة الرابعة: لو كان العبد فاعلًا للإيمان لما وجب علينا شكر الله تعالى:
وأجيب عنها: إن الشكر ليس على فعل الإيمان بل على مقدماته وتعريفنا إياه وتمكنّنا منه وحضور أسبابه والاقتدار على شرائطه[68]، وقد استدلوا على بعض الآيات القرآنية بالجبر وأن الله فاعلٌ للأفعال وخالقٌ لها من ذلك قوله تعالى ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيۡءٖ﴾[69]. وقوله تعالى ﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ﴾[70] وقوله تعالى ﴿خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ﴾[71] وقوله تعالى ﴿وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا﴾[72].
وقد أجيب عن استدلالهم السمعي النقلي هذا بأن هذه الآيات :مؤوّلةٌ معارضةٌ لغيرها من عشرة أوجهٍ من الآيات التي تنسب فيها الأفعال والذنوب إلى الإنسان، فمن هذه الوجوه: الآيات الدالة على استغفار الأنبياء، والآيات الدالة على اعتراف الكفار بالذنوب، وآيات التهديد والتخيير من الله. وآياتٌ تنـزه أفعاله تعالى عن مشابهة أفعالنا وآياتٌ دالةٌ على ندم العباد على الكفر والمعاصي، والآيات التي تضيف الفعل إلى العبد، والآيات التي تمدح المؤمنين على الإيمان وتذم الكفار على الكفر، والآيات التي حث الله بها على الاستعانة به، والآيات التي يتحسر بها الكفار على عدم العمل، والآيات التي تحث على المسارعة إلى العمل.
والأمثلة لكل هذه الوجوه واضحةٌ من القرآن الكريم لمن أراد التوسّع فليراجعها في مظانّها، نعم الآيات صريحةٌ في الخلق ولكن هذا الخلق بمقتضى قابلياتهم إذ هم سألوه بلسان استعدادهم واختيارهم كما بيّنّا سابقًا. فإن الله سبحانه وتعالى عدلٌ أعطى كل من سأله استحقاقه، فقد خلق الأرض الطيبة وأعطاها قابلية إنبات الزرع لأنه من كمالها الذي سألته بنفسها ومنع الأرض السبخة قابلية الإنبات لأنها طلبت ذلك بلسانها فأعطاها ما سألت ﴿كُلّٗا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا﴾[73] وإنما هي حددت قابلياتها باختيارها لكونها عرضت عليها الولاية، فمن قبلت طابت ومن رفضت خبثت.
وبنفس الاعتبار خلق الحنطة وأعطاها قابلية الإنبات في الأرض الطيبة والنمو، لأنها سألت بلسان استعدادها وباختيارها ذلك، فلو أن الكافر سرق حنطة المؤمن وبذرها في أرض طيبة لنمت وأثمرت وليس الله سبحانه وتعالى راضيًا بغصب حنطة المؤمن ولا مانعًا قابلية الأرض والحنطة للإنبات والنمو، لأنه من استحقاقها وجرى ذلك من نقص قابلية الكافر، فهذا معنى الحديث القدسي:
أنا أولى بحسناتك منك، أي ما دبرته من قابلية الإنبات للحنطة وهذا خلق الله، وأنت أولى بسيئاتك مني[74] من غصب الكافر لحنطة المؤمن وهذا ﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ﴾[75] لأنه مجتثٌّ لا أصل له.
الرضا بالقضاء والقدر
على هذا يكون القضاء والقدر مَرضيًّا عند الله، مثابًا من يتعبد به ولكن هل كل قضاءٍ وقدرٍ كذلك؟ قطعًا ليس كل قضاءٍ وقدرٍ مرضيًّا؟ وقد دلت أخبار أهل البيت (ع) على الرضا بالقضاء والقدر ونذكر هنا منها بالخصوص ما ورد على لسان سيد الموحدين أمير المؤمنين (ع):
الدنيا كلها جهلٌ إلا مواضع العلم والعلم كله حجةٌ إلا ما عُمل به والعمل كله رياءٌ إلا ما كان مخلصًا والإخلاص على خطرٍ حتى ينظر العبد بما يختم له[76].
وعن الأصبغ  بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (ع)  لرجلٍ: إن كنت لا تطيع خالقك فلا تأكل رزقه. وإن كنت واليت عدوه فاخرج عن ملكه. وإن كنت غير قانعٍ بقضائه وقدره فاطلب ربَّا سواه[77].
وعن الأصبغ  بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (ع): أما بعد فإن الاهتمام بالدنيا غيرُ زائدٍ في المضمون وفيه تضييع الزاد والإقبال على الآخرة غيرُ ناقصٍ من المقدور وفيه إحراز المعاد وأنشد:
لو كان في صخرةٍ في البحر راسيةٍ
صماءَ ملموسةٍ ملسٍ نواحيها
رزقٌ لنفسٍ براها الله لانفلقت
عنه فأدت إليه كلّ ما فيها
أو كان بين طباق السبع مجمعه
لسهّل الله في المرقى مراقيها
حتى يوافي الذي في اللوح خط له
إن هي أتته وإلا فهو يأتيها[78]
قد يُقال أن هذه الأخبار الداعية إلى الرضا بالقضاء يتبادر من مضمونها الجبر الباطل، لكننا قد بيّنّا إن القضاء والقدر هما من جملة أسباب الفعل الذي هو المشيئة فلله مشيئتان، مشيئة عزمٍ ومشيئة حتمٍ، فأما مشيئة الحتم فهي ما كان من إعطاء الوجود للشيء، وأما مشيئة العزم فهي ما كان من إعطاء الأوامر والتكاليف الشرعية لذلك الشيء الموجود، فأما مشيئة إعطاء الوجود الحتمية فهي بحسب مقبولية القابل ﴿أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا﴾[79]، وهذا كان في الخلق الأول في عالم الذر حين عرض التكاليف هناك فوافقت الخيرات مشيئة الحتم، وكذلك مشيئة العزم.
أما الشرور فلما كانت صادرةً من العبد، خلافًا للأوامر الشرعية فقد وافقت مشيئة العزم دون الحتم، فالرضا بالقضاء هو ما كان قضاء حتمياً.
وخلاصة القول: بعد أن مرّ بنا حديث المجبرة والمفوضة واطلعنا على آرائهم في مسألة القضاء والقدر وخلق الأعمال وعلمنا أن المجبرة أقروا بأن الأفعال منه تعالى ولا حق للإنسان في أن ينسب إليه الفعل وإن طوروا مذهبهم في ما بعد كما في مسألة الكسب عند الأشاعرة وكانت حجتهم الوحيدة التي يدافعون عنها بإصرارهم هذا هي :
إن نسبة الأفعال إلى الإنسان تجعل الإنسان خارجًا عن إرادة الله حتى أن الله سبحانه وتعالى يصبح عند خصومهم القدرية لو قالوا بنسبة الأفعال إلى الإنسان كإله أرسطو محركًا نهائيًّا فقط[80] وإن الحاجة إلى الله هي حاجة حدوثٍ لا إمكانٍ[81].
ولكن هؤلاء فروا من مشكلةٍ فوقعوا بأكثر منها إشكالا كالمستجير من الرمضاء بالنار حين عجزوا عن تفسير جملةٍ من الإشكالات والتي منها:
الأول: نسبة الظلم إلى الله تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا
الثاني: إبطال الثواب والعقاب.
الثالث: نسبة فعل القبائح إليه تنـزه عن ذلك وتقدس.
الرابع: إبطال التكليف وعبث بعثة الانبياء.
أما الأول: فنسبة الظلم إلى الله سبحانه وتعالى حيث قالوا أن الإنسان مجبرٌ فاذا فعل ذنبًا فلأنّ الله سبحانه تعالى هو الذي فعل ذلك لا قدرة ولا فعل للإنسان على الحقيقة فكيف يحاسب عليه الفرد. إن الحساب على ما لم يفعل ظلمٌ فالله إذًا ظالمٌ تعالى عن ذلك وتقدس. وهذه النتيجة مطعونة في كبراها بل إنها سالبةٌ بانتفاء الموضوع  فالله لم يحاسب على ما لم يفعل العبد وقد بين ذلك أمير المؤمنين (ع) في حديثه في القضاء والقدر قال  (ع): لو كان الوزر في الأصل محتومًا لكان الموزور في القصاص مظلومًا.
أما الثاني: إنهم لما الزموا أنفسهم القول بأن الأفعال من الله فما الداعي بأن يثاب الإنسان على فعلٍ لم يفعله هو وفعله غيره وقد بين ذلك أمير المؤمنين (ع) في حديثه المروي عن الشيخ الذي سأله بعد معركة صفين والذي سنذكره بعد قليلٍ كاملًا، قال (ع) :
أنّه لو كان كذلك بطل الثواب والعقاب.
وأما الثالث: فلازم قولهم بأن الأفعال كلها من الله سبحانه وتعالى هو أنّ القبائح من الأفعال هي منه أيضًا[82].
وقد بين أمير المؤمنين (ع) أن أفعال الإنسان القبيحة راجعةٌ إلى الإنسان وأن الله بريءٌ منها ولا تجوز عليه، وذلك بقوله (ع): «إنما الذي دهاك إنما دهاك أسفلك وأعلاك والله بريءٌ من ذلك».
أي أنك أتيت الذنوب من فرجك (أسفلك) ولسانك (أعلاك) ثم نفى في حديثٍ آخر التفويض في هذه المسألة وبيّن (ع) أنه في علم الله وإرادته، وقد سئل (ع) عن القضاء والقدر، فقال: لا تقولوا وكّلهم الله إلى أنفسهم فتوهّنوه، ولا تقولوا أجبرهم على المعاصي فتظلّموه، ولكن قولوا: الخير بتوفيق الله، والشرّ بخذلان الله وكلٌّ سابقٌ في علم الله[83]. 
وأما الرابع: فعبث التكليف والبعثة إذ لو لم تكن هناك أفعالٌ للإنسان فما الداعي للتكليف وبعث الرسل والأنبياء. ونقول لهم إذا جحدتم إرادة الإنسان إلى هذا القدر إذًا فما الداعي لوجود الإنسان أصلا فضلًا عن وجود الشريعة التي ما جاءت إلا من أجل الإنسان وإنما جاءت لتكون دليلا يسترشد بها الإنسان في حياته الدنيا ولآخرته يعمل بها.
قال سبحانه وتعالى ﴿مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾[84].

الجبر مذهب العاجزين:
بعد أن ثبت عجز المجبرة عن حل الإشكالات السابقة التي طرحت على مذهبهم ظهر أن الإجبار ليس بالمذهب الحق ولا هو بالمذهب الذي يجب على المسلم اتباعه والاعتقاد به لأنه:
أولا: هو مذهب كلّ عاجزٍ عن الترقي إلى العالم النوراني والقرب من مقام الرضوان.
ثانيا: هو مذهبٌ يؤدي القائل به إلى الكفر بالله إذ لا فرق بين من يدعي الإجبار أو من يكفر بالله. و قديما اعتذر المشركون عن شركهم بأنهم مجبورون بمشيئة الله لشركهم فأنكر الله عليهم وأعلمهم بأن حجته عليهم فإنما بما منحهم من عقل وأرسل إليهم من رسله وذلك في قوله تعالى: ﴿سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأۡسَنَاۗ قُلۡ هَلۡ عِندَكُم مِّنۡ عِلۡمٖ فَتُخۡرِجُوهُ لَنَآۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَخۡرُصُونَ 148 قُلۡ فَلِلَّهِ ٱلۡحُجَّةُ ٱلۡبَٰلِغَةُۖ  فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ﴾[85].

الإرادة الحرة مذهب المغرورين:
إذًا فهل يجب اتباع مذهب القدرية أصحاب الإرادة الحرة؟ نحن وإن قلنا بأن الإنسان فاعلٌ لأفعاله لكنه ليس مفوضًا في أن يفعل كل ما يريد فالله سبحانه وتعالى لا يطلب طاعة العبد له بالإجبار كما لا يمكن أن نصفه جل وعلا بأنه يعصي وهو مغلوبٌ على أمره لأن العصيان فعلٌ، وقد نسبنا الأفعال إلى الإنسان حسب مذهب القدرية وهو الذي أشار إليه الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله مع الشيخ والذي سوف يأتينا تمامه: (إن الله تبارك وتعالى لم يُعصَ مغلوبًا ولم يُطعْ مكرهًا ولم يملك مفوضًا).
فإن القول بحرية الإرادة يجعل الإنسان خارجًا عن سلطان القدرة الإلهية، ومعه يصح القول بأن الله سبحانه وتعالى مغلوبٌ على أمره تنـزه عن ذلك، ويصبح طرد إبليس لامتناعه عن السجود لآدم فيه ظلمٌ لأنه عمل بإرادته الحرة، وهذا القول ينسب الظلم إلى الله تعالى.
نعم الإرادة حرةٌ بعد أن يبين الله سبحانه وتعالى حسن الأفعال وقبحها، وبعد أن يثبت التكليف بالعقل ولطف البعثة وبعد أن ﴿وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ﴾[86] نجد الخير ونجد الشر وجعلنا له عينين ولسانا وشفتين يبصر ويتكلم ويفعل ويعقل بعدها:
﴿إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا﴾[87]، ثم بعدها الحساب والثواب وهو المراد بقول أمير المؤمنين (ع): (كل ما استغفرت الله منه فهو منك وكل ما حمدت الله عليه فهو منه)، وقوله (ع): (أيدلك على الطريق ويأخذ عليك بالمضيق) فالظلم والإثم والجحود منك واللطف والهداية وأسبابها منه تعالى لأنه (كلف تخييرًا ونهى تحذيرًا وأعطى على القليل كثيرًا)، (عبدي أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني)، وكما قال سيد الساجدين: (فمن كان من أهل الطاعة فقد سهلته لها ومن كان من أهل المعصية خذّلته لها)[88].
إذًا هذا هو المذهب الثاني هو مذهب القائلين بحرية الإرادة وقد تهاوى أمام الإيرادات التي أخذت عليه في نسبة الظلم إلى الله سبحانه وتعالى وتفسير خروج الإنسان عن سلطان خالقه، مع أنهم يموتون ولا يستطيعون دفع الموت عن أنفسهم بإرادتهم الحرة، فهو بعد هذا لا يصح أن يكون مذهبًا عقائديًّا يعتقده المسلم ويسير في ظل هديه وتفسيره لمسألة القضاء والقدر وخلق الأعمال لا يأخذه إلى الإجبار المطلق ولا يعود به إلى التفويض الكلي. فما هو هذا المذهب؟

الأمر بين الأمرين: 
بين الإرادة الحرة والإجبار يظهر المذهب الوسط المعتدل وكما في الحديث النبوي الشريف: (خير الأمور أوسطها)[89] وهو مذهب أهل البيت (ع) وهو الأمر بين الأمرين وكلمتهم المشهورة فيه هي: (لاجبر ولا تفويض وإنما هو أمر بين الأمرين)[90] وهو يثبت أمورًا مهمةً منها:
أولا: السببية بين الأشياء[91].
ثانيا: الإرادة التكليفية لا التكوينية غالبا.
ثالثا: تفويض التكوين للخالق.
ولفهم مذهب أهل البيت (ع)  في الأمر بين الأمرين ومعرفة مرادهم منه عليك بمراجعة أخبارهم في هذا الشأن، وإنما بحثنا هذا مختصٌّ بأمير المؤمنين (ع)، والفصل الثاني بين اهتمام أمير المؤمنين بمثل هذه المسائل وتبيينه للمسلمين بأتم بيانٍ.

المبحث الثالث
الإمام أمير المؤمنين والمسائل العقائدية
الإمام أمير المؤمنين (ع) باعتباره منصوبًا من الله إمامًا فهو مكلفٌ بشرح السنة والدلالة على النبوة، ثم إن هذه المسائل لم تبلغ في عصره ذروتها وإن كان العصر الذي عاش فيه يعج بالفتن والاضطرابات التي مهدت لظهور الفرق والعقائد الإسلامية المختلفة الآراء.
ومن أمهات المشاكل الكلامية التي أثيرت في عصر الإمام عليٍّ (ع)  مشكلة القضاء والقدر والأفعال الإنسانية، فقد بين سلام الله عليه أن بعض الأقدار محتومةٌ وبعضها ليس كذلك. يقول (ع) للأشعث بن قيس لما عزّاه بوفاة ابنٍ له: يا أشعث إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجورٌ وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزورٌ[92].
فقد بين (ع) أن الموت قضاءٌ وقدرٌ وأن فعل الصبر والجزع من أفعال الإنسان الإرادية بدلالة قوله (ع): جرى عليك، أي بالإجبار وقوله (ع):  جزعت، أي بالاختيار، وله (ع) كلامٌ يكرره على أصحابه بعدم القول بالإجبار ولا الاختيار المطلقين.
وأبْيَنُ قولٍ في هذه المسألة قاله (ع) في محافلَ متفرقةٍ من أصحابه أخرجه لنا أشد أعداء أمير المؤمنين (ع) وهو الحجاج بن يوسف الثقفي، على لسان أعظم مدعّي الكلام والفلسفة في عصره:
(عن جماعة من العلماء أن الحجاج بن يوسف الثقفي كتب إلى الحسن البصري وإلى عمرو بن عبيد وإلى واصل بن عطاء وإلى عامر الشعبي أن يذكروا ما عندهم في القضاء والقدر.
فكتب الحسن البصري: أحسن ما وصل إلينا من أمير المؤمنين (ع) أنه قال: إن الذي دهاك إنما دهاك أسفلك وأعلاك والله بريءٌ من ذلك
وكتب إليه عمرو بن عبيد: أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول علي بن أبي طالبٍ (ع): لو كان الوزر في الأصل محتومًا كان الموزور في القضاء مظلومًا.
وكتب إليه واصل بن عطاء: أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ (ع): أيدلك على الطريق ويأخذ عليك بالمضيق.
وكتب إليه الشعبي: أحسن ما سمعت في القضاء والقدر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ (ع): كل ما استغفرت الله تعالى منه فهو منك وكل ما حمدت الله تعالى عليه فهو منه. فلما وصلت كتبهم إلى الحجاج قال لقد أخذوها من عين صافيةٍ)[93].
لقد كانت هذه المسالة مثار جدل بين المسلمين في عصره (ع)، فقد مرّ (ع) على قومٍ من أخلاط المسلمين، ليس فيهم مهاجريٌّ ولا أنصاريٌّ، وهم قعودٌ في بعض المساجد، في أوّل يومٍ من شعبان، إذا هم يخوضون في أمر القدر وغيره ممّا اختلف الناس فيه، قد ارتفعت أصواتهم واشتدّ فيه مَحَكُهم وجدالهم، فوقف عليهم، فسلّم، فردّوا عليه وأوسعوا وقاموا إليه يسألونه القعود إليهم، فلم يحفل بهم، ثمّ قال لهم وناداهم: يا معاشر المتكلّمين فيما لا يعنيهم ولا يَرِد عليهم، ألم تعلموا أنّ لله عباداً قد أسكتتهم خشيته من غير عيٍّ ولا بكمٍ، وإنّهم الفصحاء العقلاء الألبّاء، العالمون بالله وأيامه. ولكنّهم إذا ذكروا عظمة الله انكسرت ألسنتهم، وانقطعت أفئدتهم، وطاشت عقولهم، وتاهت حلومهم، إعزازاً لله وإعظاماً وإجلالا له. فإذا أفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية، يعدّون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين، وإنّهم براءٌ من المقصّرين والمفرطين، إلا إنّهم لا يرضون لله بالقليل، ولا يستكثرون لله الكثير، ولا يدلّون عليه بالأعمال، فهم متى ما رأيتهم مهمومون مروّعون خائفون مشفقون، وجلون. فأين أنتم منهم يا معشر المبتدعين، ألم تعلموا أنّ أعلم الناس بالقدر أسكتهم عنه، وأنّ أجهل الناس به أنطقهم فيه[94]. 

الإمام علي (ع)  والقدرية:
وذم أمير المؤمنين القدرية في أحاديثه مشيرًا إلى أن اعتقاداتهم باطلةٌ، وهم مروِّجو البدع في الدين وحذّر المسلمين من أقوالهم الفاسدة مقررًا ما أعد الله لهم من نكالٍ ونفخةٍ جزاءً وِفاقًا لما خالفوا به صريح القرآن، وعدلوا عن نهج الصواب.
دخل عليه مجاهد وعبد الله بن عباس فقال: يا أمير المؤمنين: ما تقول في كلام أهل القدر؟ ومعه جماعة من الناس، فقال أمير المؤنين (ع): معك أحدٌ منهم أو في البيت أحدٌ منهم؟ فقال: ما تصنع بهم يا أمير المؤمنين؟ قال (ع): أستتيبهم فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم[95].
وقال (ع): ما خلا أحدٌ من القدرية إلا خرج من الإيمان[96].
وقال (ع): لكل أمةٍ مجوسٌ ومجوس هذه الأمة الذين يقولون بالقدر[97].
وقال (ع): يجيء بأصحاب القدر يوم القيامة فترى القدرية من بينهم كالشامة البيضاء في الثور الأسود فيقول الله عز وجل ما أردتم؟ فيقولون ما أردنا إلا وجهك. فيقول قد أقلناكم عثراتكم وغفرت لكم زلاتكم إلا القدرية فإنهم دخلوا في الشرك من حيث لا يعلمون[98].
وعن الحارث الهمداني قال علي (ع): إن أرواح القدرية يعرضون على النار غدوةً وعشيًّا حتى تقوم الساعة فإذا قامت الساعة عذبوا مع أهل النار بألوان العذاب فيقولون ياربنا عذبتنا خاصةً وتعذبنا عامةً. فيرد عليهم ﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ 48 إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ﴾[99].

سيرته الفعلية في التعبد بالقضاء والقدر:
وكما قرأت عنه (ع)  في سيرته القولية، كذلك في سيرته الفعلية فكان (ع) يتعبد في القضاء والقدر، فكانت تصدر منه أفعالٌ، يريد منها تنبيه أصحابه، إلى أن التسليم لأمر الله هو من تمام إيمان العبد المسلم المطيع لخالقه.
عن أبي حيان التيمي عن أبيه: كان مع عليٍّ يوم صفين وفيما بعد ذلك قال: بينما علي بن أبي طالب يعبئ الكتائب يوم صفين ومعاوية مستقبله على فرسٍ له يتأكل تحته تأكُّلًا وعليٌّ (ع) على فرس رسول الله صلى الله عليه وآله المرتجز، وبيده حربة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو متقلدٌ سيفه ذو الفقار فقال رجلٌ من أصحابه: احترس يا أمير المؤمنين فإنا نخشى أن يغتالك هذا الملعون.
فقال (ع) : لئن قلت ذاك إنه غير مأمون على دينه وإنه لأشقى القاسطين وألعن الخارجين على الأئمة المهتدين، ولكن كفى بالأجل حارسًا، ليس أحدٌ من الناس إلا ومعه ملائكةٌ حفظةٌ يحفظونه من أن يتردى في بئرٍ أو يقع عليه حائطٌ أو يصيبه سوءٌ فإذا كان أجله، خلّوا بينه وبين ما يصيبه، وكذلك أنا إذا حان أجلي انبعث أشقاها، فخضب هذه من هذه – وأشار إلى لحيته ورأسه – عهدًا معهودًا ووعدًا غيرَ مكذوبٍ[100].
وعن الأصبغ بن نباتة قال: إن أمير المؤمنين (ع) عدل من عند حائطٍ مائلٍ إلى حائطٍ آخرَ فقيل له: أتفرّ من قضاء الله؟ فقال (ع): أفر من قضاء الله إلى قدر الله عز وجل[101].
ودخل الحسين بن علي L على معاوية فقال له: ما حمل أباك على قتل أهل البصرة ثم دار عشيةً في طرقهم في ثوبين؟ فقال (ع): حمله على ذلك علمه أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه. قال: صدقت[102].
وقيل لأمير المؤمنين (ع) لما أراد قتال الخوارج: لو احترزت يا أمير المؤمنين! فقال (ع):

أي يوميّ من الموت أفر

يوم لم يقدر أم يوم قدّر

يوم ما قدر لا أخشى الردى

وإذا قدّر لم يُغْنِ الحذر[103]
وعن عيسى بن أبي كثير  قال: قيل لأمير المؤمنين (ع): ألا نحرسك؟ قال: حرس كل امرئٍ أجله[104].
وعن سعد بن وهب قال: كنا مع سعيد بن قيس بصفين ليلًا والصفان ينظر كلُّ واحدٍ منهما إلى صاحبه حتى جاء أمير المؤمنين (ع)فنـزلنا على فنائه فقال له سعيد بن قيس: أفي هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟ أما خفت شيئًا؟ قال وأي شيء تخاف؟ إنه ليس من أحدٍ إلا ومعه ملكان موكلان به أن يقع في بئرٍ أو تضربه دابةٌ أو يتردى من جبلٍ حتى يأتيه القدر، فإذا أتى القدر خلُّوا بينه وبينه[105].
وعن يعلى بن مرّة، قال: كان عليٌّ (ع) يخرج بالليل إلى المسجد يصلّي تطوّعاً، فجئنا نحرسه، فلمّا فرغ أتانا فقال: ما يجلسكم؟ قلنا: نحرسك، فقال: أمن أهل السماء تحرسون، أم من أهل الأرض؟ قلنا: بل من أهل الأرض، قال: إنّه لا يكون في الأرض شيءٌ حتّى يقضى في السماء، وليس من أحدٍ إلاّ وقد وُكّل به ملكان يدفعان عنه ويكلآنه حتّى يجيء قدره، فإذا جاء قدره خَلَّيا بينه وبين قدره، وإنّ عَليَّ من الله جُنّةً حصينةً فإذا جاء أجلي كشف عنّي، وإنّه لا يجد طعم الإيمان حتّى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه[106]. 
الحديث العمدة في مسألة القضاء والقدر
يعتبر أمير المؤمنين (ع) ـ كما أسلفنا ـ مشيد أساس معرفة القضاء والقدر في الإسلام مع التحذير المسبق بعدم التوغل والدخول في هذه المسالة لمن لا يجد المخرج منها فإن القضاء والقدر بحرٌ غرق فيه خلقٌ كثيرٌ.. إذ هو البحر الذي لا يحق لغير آل محمد صلى الله عليه وآله أن يطلع فيه.
جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين (ع) فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ فقال (ع): بَحرٌ عميقٌ فلا تَلِجْهُ، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ قال (ع): طريقٌ مظلمٌ فلا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ قال (ع): سرّ الله فلا تتكلّفه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ فقال أمير المؤمنين (ع): أمّا إذا أبيت فإنّي سائلك، أخبرني أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد، أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله؟ قال: فقال له الرجل: بل كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد، فقال أمير المؤمنين (ع): قوموا فسلّموا على أخيكم فقد أسلم، وقد كان كافراً، قال: وانطلق الرجل غير بعيدٍ ثمّ انصرف إليه فقال: يا أمير المؤمنين أبالمشيّة الأُولى نقوم ونقعد ونقبض ونبسط؟ فقال له أمير المؤمنين (ع): وإنّك لبعيد في المشيّة، أما إنّي سائلك عن ثلاث لا يجعل الله لك في شيءٍ منها مخرجاً؟ أخبرني أخلق الله العباد كما شاء أو كما شاؤوا؟ فقال: كما شاء، قال (ع): فخلق الله العباد لما شاء أو لما شاؤوا؟ فقال (ع): لما شاء، فقال: يأتونه يوم القيامة كما شاء أو كما شاءوا؟ قال: يأتونه كما شاء، فقال (ع): قم فليس إليك من المشيّة شيءٌ[107]. 
وقد جاء هذا الخبر بعدة طُرُقٍ يتحد مضمونها وتختلف بعض ألفاظها ومنها ما عن الحرث، قال: جاء رجلٌ إلى عليّ بن أبي طالب (ع)، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ قال:  طريقٌ مظلمٌ لا تسلكه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ قال: بحرٌ عميقٌ لا تلجه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ قال: سرّ الله قد خفي عليك فلا تفشه، قال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر؟ قال: أيها السائل إذاً الله خلقك لما شاء أو لما شئت؟ قال: بل لما شاء، قال: فيستعملك كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: فيبعثك يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: أيّها السائل ألست تسأل ربّك العافية؟ قال: نعم، قال: فمن أيّ شيءٍ تسأله العافية أمن البلاء الذي ابتلاك به غيره؟ قال: من البلاء الذي ابتلاني به، قال: أيّها السائل تقول لا حول ولا قوّة إلاّ بمَنْ؟ قال: إلاّ بالله العليّ العظيم، قال: فتعلم ما تفسيرها؟ قال: تعلمني ممّا علمك الله يا أمير المؤمنين، قال: إنّ تفسيرها لا تقدر على طاعة الله، ولا يكون لك قوّة في معصيته في الأمرين جميعاً (كذا) إلاّ بالله. أيّها السائل ألك مع الله مشيّةٌ، أو فوق الله مشيّةٌ، أو دون الله مشيّة؟[108] فإن قلت أنّ لك دون الله مشيّةٌ فقد اكتفيت بها عن مشية الله، وإن زعمت أنّ لك فوق الله مشيّةٌ فقد ادّعيت أنّ قوّتك ومشيّتك غالبتان على قوّة الله ومشيّته، وإن زعمت أنّ لك مع الله مشيّةٌ فقد ادّعيت مع الله شركاً في مشيئته.أيّها السائل إنّ الله يشجّ ويداوي (كذا) فمنه الداء ومنه الدواء، أعقلت عن الله أمره؟ قال: نعم، قال علي: الآن أسلم أخوكم فقوموا فصافحوه، ثمّ قال عليٌّ: لو أنّ عندي رجلًا من القدرية لأخذت برقبته ثمّ لا أزال أجأها حتّى أقطعها، فإنّهم يهود هذه الُأمّة ونصاراها ومجوسها[109]. 
حديث الشيخ عند منصرفه من صفين
كان أمير المؤمنين جالساً بالكوفة بعد منصرفه من صفين، إذ أقبل شيخٌ فجثا بين يديه، ثمّ قال له: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال أمير المؤمنين (ع): أجل يا شيخ ما علوتم تلعةً ولا هبطتم بطن وادٍ إلاّ بقضاءٍ من الله وقدرٍ، فقال له الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين، فقال له (ع): مَه يا شيخ! فوالله لقد عظّم الله لكم الأجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيءٍ من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرّين، فقال له الشيخ: وكيف لم نكن في شيءٍ من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرّين، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا، فقال له (ع): وتظنّ أنّه كان قضاءً حتماً وقدراً لازماً؟ إنّه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، والأمر والنهي، والزجر من الله، وسقط معنى الوعد والوعيد، فلم تكن لائمةٌ للمذنب ولا محمدةٌ للمحسن، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب، تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وحزب الشيطان، وقدريّة هذه الأُمّة ومجوسها [110]، إنّ الله تبارك وتعالى كلّف تخييراً ونهى تحذيراً وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً ولم يُطَع مكرهاً، ولم يُملِّك مفوّضاً، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلًا، ولم يبعث النبيين مبشّرين ومنذرين عبثاً، ذلك ظنّ الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار.
فأنشأ الشيخ يقول:

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته

يوم النجاة من الرحمن غفرانا

أوضحت من أمرنا ما كان ملتبساً

جزاك ربّك بالإحسان إحسانا

وليس معذرةٌ في فعل فاحشةٍ

قد كنت راكبها فسقاً وعصيانا

لا لا (كلا) ولا قائلا ناهيه أوقعه

فيها (فيه) عبدت إذاً يا قوم شيطانا

ولا أحبّ ولا شاء الفسوق ولا

قتل الوليّ له ظلماً وعدوانا

أنّى يحبّ وقد صحّت عزيمته

على الذي قال أعلن ذاك إعلانا[111]
ورُوي أنّ رجلًا قال: فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ قال (ع): الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية، والمعونة على القربة إليه، والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد والترغيب والترهيب، كلّ ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدره لأعمالنا، وأمّا غير ذلك فلا تظنّه فإنّ الظنّ له محبطٌ للأعمال، فقال الرجل: فرّجت عنّي يا أمير المؤمنين فرّج الله عنك [112]. 

الخاتمة
هذا هو نص الحديث العمدة في مسألة القضاء والقدر وخلق الاعمال وقد ورد في أغلب كتب الحديث والأدب والعقائد.. والمستخلص من هذا الحديث جملة من النتائج المهمة المتصلة بمسألة خلق الأعمال والقضاء والقدر وهي تعتبر نتيجة بحثنا هذا.
الأولى: إن الافعال من خلق الإنسان نفسه وعليها مدار الثواب والعقاب لأن التكليف إنما يتم بإضافة الأفعال إلينا وكذا الوعد والوعيد والتخويف والإنذار وقول أمير المؤمنين (ع): (لعلك ظننت قضاءً لازمًا) الخ.. يؤكد هذا المعنى وهو المعنى الأول في القضاء والقدر الذي أشرنا إليه في بداية البحث وقلنا أنه بمعنى الخلق والإتمام، ومنه قول  أمير المؤمنين (ع): الأعمال على ثلاثة أحوالٍ: فرائض وفضائل ومعاصٍ فأما الفرائض فبأمر الله وبرضى الله وبقضاء الله وتقديره ومشيته وعلمه عز وجل وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى الله وبقضاء الله وبقدر الله وبمشيته وعلمه وأما المعاصي فليست بأمر الله ولا برضى الله ولكن بقضاء الله وبقدر الله وبمشيته وعلمه ثم يعاقب عليها[113].
الثانية: إن هناك نوعين من القضاء والقدر، الأول بمعنى الخلق والإتمام وهو الذي أشرنا إليه في الفقرة الأولى والقضاء والقدر بمعنى الأمر والحكم وهو لا يصح في الذوات ويصح في الأحكام وهو واردٌ شرعًا ويؤكده قول الإمام (ع) (هو الأمر من الله والحكم ) أي: إن مسيرنا إلى أهل الشام أمرٌ من الله ورسوله من قتال الباغين وهم جماعة معاوية في صفين ولم يتعرض الإمام (ع)  للمعنى الثالث للقضاء والقدر وهو الكتابة وأنه تعالى كتب أعمال العباد ونقشها في اللوح المحفوظ[114] وهذا المعنى متعينٌ في حقه تعالى وهو القضاء والقدر الذي ندبنا إليه أهل البيت (ع) للرضا به فلم يتعرض له الإمام (ع) لأن السائل كان يسأل أهو مجبرٌ أم مخيرٌ فنفى الإمام الجبر والاختيار.
الثالثة: نفي الجبرية من الأفعال الإنسانية وقد دل عليه قول الإمام (ع) (لو كان كذلك بطل الثواب والعقاب).
الرابعة: نفي الارادة المطلقة للإنسان وخروجه عن سلطان الله وإرادته مطلقًا أي نفي التفويض دل عليه قوله (ع) (إن الله لم يُعصَ مغلوبًا ولم يُطع مكرهًا ولم يُملِّك مفوضًا).
الخامسة: القول بالأمر بين الأمرين وأنه لاجبر ولا تفويض وقد دل عليه قول الإمام (ع) إن الله تعالى كلف تخييرًا ونهى تحذيرًا، فالأمر بين الأمرين هو بين التحذير والتخيير.
إنما نصب الله الأئمة (ع) لطفًا منه للناس ليسهل عليهم إدراك مقاصد الشريعة وأحكامها وأبوابها.
وكما قال خاتم الأنبياء محمد (ص): عليٌّ بابٌ من دخله كان آمنا، ليبينوا للناس ما يطرأ عليهم من مقالات المبطلين وشبهات الملحدين وذلك أنهم الوسائط بين الله وخلقه في الأداء والتبليغ وإيصال التكاليف لأنّ أحدًا لم يصل إلى الأزل فيخبر عن مراده والأزل لم ينـزل إلى الإمكان ليخبر عن مراده لذلك جعل الرسل والأئمة مبشرين ومنذرين ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا﴾[115].
ولو أن طوائف القدرية وغيرهم التزموا بما قال باب مدينة علم رسول الله (ص) لاختصروا الطريق وقللوا النـزاع الذي أثير بينهم سنين عديدةً لا سيما في هذه المسألة (القضاء والقدر وخلق الأعمال) فقد تنازعوا فيها كثيرًا وكفّر بعضهم بعضًا وربما كفّر بعضهم من غير أن يُكّفره أحدٌ ثم آلت المسألة بكامل حلولها وفصولها إلى ما قاله الإمام المنصوب من قبل الله – كما رآيت – وإنما كان نصبه إماما لهذه المسألة وأمثالها. وهذا ما نرمي إليه في بحثنا هذا والذي نقصده هو التمسك بولاية أهل البيت (ع) بكل ما قالوا وما فعلوا وليس فقط بحفظ الرواية عنهم ولكن بدراية أقوالهم وفهمها فإن (رواة العلم كثيرٌ ورعاته قليلٌ)[116] وحديث تدريه خيرٌ من ألفٍ ترويه كما قال أمير المؤمنين (ع). فإنهم حجج الله على عباده وأمناؤُه على سره في بلاده وحملة علوم أنبيائه ورسله ﴿وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ﴾[117].
والسلام على أمير المؤمنين وصي رسول رب العالمين وعلى أولاده الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين والحمد لله رب العالمين.

المصادر
- الأسفراييني، طاهر بن محمد أبو المظفر (المتوفى: 471هـ) التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، المحقق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب - لبنان
الطبعة: الأولى، 1403هـ - 1983م.
-  الأشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل (ت324هـ)، مقالات الإسلاميين، تحقيق هلموت ريتر (ط3، دار أحياء التراث العربي، بيروت، بلا.ت).
- بدوي، عبد الرحمن، مدخلٌ جديدٌ إلى الفلسفة، منشورات مدين، الطبعة الأولى 1428هـ.
- البغدادي: عبد القاهر بن طاهر (ت 429 ﻫ)، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم / دار الجيل، بيروت، 1408ﻫ.
- الحفني، الدكتور عبد المنعم، موسوعة الفلسفة والفلاسفة، مكتبة مدبولي – القاهرة، الطبعة الثانية  سنة 2010 م
- الحسني: هاشم معروف، الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة / دار النشر للجامعيين، ط1، 1964م.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن بن علي (ت1104هـ)، الفصول المهمة، (ط1، إيران، 1418هـ).
- الفصول المهمة في أصول الائمة، العاملي، محمد بن الحسن، تحقيق: محمد بن محمد القائيني، مؤسسة معارف إسلامي إمام رضا، إيران، مطبعة فكين، قم 1418هـ، ط1.
-  الحنبلي، أبو الفلاح عبد الحي بن العماد (ت1098هـ/ 1686 م)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ط1، دار الفكر (بيروت: بلا.ت).
- الحلي العلامة: الحسن بن يوسف بن مطهر الحلي (ت 726 هـ)، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق حسن زاده الآملي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم ط 9، 1422 هـ.
- الحلبي: علي بن برهان الدين (1044هـ/1634م)، السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون. لبنان - بيروت، 1400هـ/1979.
- الحراني: أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة (من أعلام القرن الرابع الهجري):  تحف العقول عن آل الرسول/ مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط5، 1389 ﻫ -  1969م.
- ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن علي العسقلاني (ت852 ه/ 1448 م)، الصواعق المحرقة / المطبعة المينية، مصر، 1312ﻫ (وبهامشه كتاب تطهير الجنان واللسان)
-  الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان (ت748هـ / 1347 م)، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت 1963.
- الرشتي، السيد كاظم الحسيني،  جواهر الحكم، (1-15ج)، مطبعة الغدير – الطبعة الاولى – البصرة.
- زين العابدين، الإمام علي بن الحسين (ع)، الصحيفة السجادية، تحقيق: سلمان جاسم الجبوري، مطبعة الديواني، بغداد، ط1، 1988م.
- الشريف الرضي، السيد،  نهج البلاغة: لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، تح: صبحي الصالح، ط1، 1387 ﻫ - 1967 م، بيروت.
- الشريف المرتضى: علي بن الحسين الموسوي (436 هـ/1044م)،  أمالي المرتضى، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، 1954م.
-  الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم، (ت584هـ)، الملل والنحل، تحقيق صدقي جميل العطار، (ط2، دار الفكر، لبنان، 1422هـ- 2002م).
- الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381 هـ)،  الخصال، تحقيق: علي أكبر غفاري، الناشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، ط6، قم المشرفة.
- معاني الأخبار، نشر جماعة المدرسين، قم، 1361 ﻫ  ش.
-  علل الشرائع، المكتبة الحيدرية للنشر، النجف، 1386هـ).
-  ثواب الأعمال (ط2، منشورات الرضي، قم، بلا.ت).
132-  التوحيد، تحقيق هاشم الحسيني، (جماعة المدرسين للنشر، طهران،1387هـ).
- طاش كبرى زادة، احمد بن مصطفى (ت969هـ/1561م)، مفتاح السعادة ومصباح السيادة، تحقيق: كامل كامل بكري وعبد الوهاب ابو النور، دار الكتب الحديثة، مصر، بلا. ت.
-    الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (من أعلام القرن السادس)،  الاحتجاج: تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الموسوي الخرسان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات -  بيروت، الطبعة الثانية 1341 هـ/‍ 1983 م.
- العقيلي: أبو جعفر محمد بن عمر بن موسى بن حماد المكي
(ت 322هـ/933م)، كتاب الضعفاء الكبير، تح: د. عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1984م.
- العياشي، محمد بن مسعود (ت320هـ)، تفسير العياشي، تحقيق هاشم الرسولي (المكتبة العلمية للنشر، طهران، بلا ت).
- العسكري، الحسن بن عبد الله بن سهل، أبو هلال (ت 395 هـ)، كتاب الصناعتين الكتابة والشعر، تحقيق محمد علي البجاوي، محمد أبو الفضل ابراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، ط2، د.ت.
- العسكري، الإمام أبو محمد بن الحسن بن علي العسكري (ع) (ت 260هـ)، تفسير العسكري: تحقيق: علي عاشور، ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، 1421هـ ـ 2001م.
- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله بن عبد الله الشافعي، (ت571هـ/1176م)، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، (بيروت - 1995م).
- الفيض الكاشاني: محمد بن محسن بن مرتضى (ت 1071هـ)الوافي، مطبعة الديوان، إيران، 1324 هـ. 1/498، الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381 ﻫ).
- فؤاد كامل وجلال عشري، الموسوعة الفلسفية المختصرة، نقلها عن الإنكليزية: دار القلم بيروت. 
- ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت276هـ/889م)، المعارف، تصـ: محمد إسماعيل عبد الله الهادي، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1970م.
-   الكليني: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحق (ت 329 ﻫ). الكافي (الأصول والفروع)/ دار الكتب العلمية، طهران، 1388 ﻫ - 1391 ﻫ.
- ابن منظور، محمد بن مكرم الإفريقي المصري (711هــ1311م) لسان العرب، ط1 دار صادر، بيروت، (بلا. ت).
- المجلسي، المولى محمد باقر بن محمد تقي (1037-1110هـ) بحار الأنوار، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1380 هـ‍.
- المقدسي، طاهر بن مطهر (ت507هـ /1113 م)، البدء والتاريخ، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، بلا. ت. (6 أجزاء)
-  المفيد، أبو عبد الله بن محمد بن النعمان (ت413 ھ /1022م)، أوائل المقالات في المذاهب المختارات، (ط2، دار المفيد، بيروت –لبنان، 1414هـ- 1993م).
- مغنية، محمد جواد، الشيعة في الميزان، دار الشروق، بيروت، لبنان
- المسعودي: أبو الحسن بن علي الحسين (ت346هـ)، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة.
- النشار، علي سامي، نشاة الفكر الفلسفي في الإسلام، دار السلام – القاهرة الطبعة الاولى سنة 2008 م.
- ابن نباته: جمال الدين (ت 768هـ /1366م)، سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة المدني، القاهرة، 1964م.
-  النوري، الميرزا حسين الطبرسي، ت(1320هـ)، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ط2، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، (بيروت، 1408 هـ).
- النيسابوري، الفتال النيسابوري (ت 508 هـ‍)، روضة الواعظين، تصحيح وتعليق: الشيخ حسين الأعلمي، الطبعة الأولى، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - 1406 هـ‍ / 1986 م.
- الهندي، المتقي علاء الدين علي (ت975هـ)،  كنز العمال، تحقيق محمود عمر الدمياطي، (ط1، دار الكتب العلمية، بيروت،1419هـ- 1998م).
- وهبة، مراد المعجم الفلسفي، دار المطبوعات الاكاديمية  - القاهرة، سنة 1998م.

---------------------------------------------
[1] عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أن النبي صلى الله عليه وآله سُئِل: مِمَّ خلق الله جل جلاله العقل قال: خلقه ملك له رؤوسٌ بعدد الخلائق من خُلق ومن يخلق إلى يوم القيامة ولكلِّ رأسٍ وجهٌ ولكلِّ آدميٍّ رأسٌ من رؤوس العقل (الصدوق، علل الشرائع:1/98).
[2] الكافي: 1 / 184، قال الفيض الكاشاني في بيان هذا الخبر: من اعتصم الناس به يعني ليس كل من اعتصم الناس به سواءً في الهداية ولا سواء في ما يسقيهم بل بعضهم يهديهم إلى الحق وإلى طريقٍ مستقيمٍ ويسقيهم من عيونٍ صافيةٍ وبعضهم يذهب بهم إلى الباطل وإلى طريق الضلال ويسقيهم من عيونٍ كدرةٍ يفرغ أي يصب بعضها في بعض حتى يفرغ (الوافي:2/87).
[3]    ابن منظور، لسان العرب،1/97.
[4]    البهائي، الكشكول ص379.
[5]    ابن منظور، لسان العرب :15/186.
[6]    ظ:  الباقلاني، أسباب الخلاف، ص166، عبد الجبار، متشابه القرآن :2/431.
[7]    عن معلى بن محمد قال: سئل العالم (ع): كيف علم الله؟ قال: علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى، فأمضى ما قضى، وقضى ما قدر، وقدر ما أراد، فبعلمه كانت المشيئة، وبمشيئته كانت الإرادة، وبإرادته كان التقدير،وبتقديره كان القضاء، وبقضائه كان الإمضاء، والعلم متقدمٌ على المشيئة، والمشيئة ثانيةٌ، والإرادة ثالثةٌ، والتقدير واقعٌ على القضاء بالإمضاء. فلله تبارك وتعالى البداء في ما علم متى شاء، وفي ما أراد لتقدير الأشياء، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء، فالعلم في المعلوم قبل كونه، والمشيئة في المنشأ قبل عينه، والإرادة في المراد قبل قيامه، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانًا ووقتًا، والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات، ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذوي لونٍ وريحٍ ووزنٍ وكيلٍ وما دب ودرج من إنسٍ وجنٍّ وطيرٍ وسباعٍ وغير ذلك مما يُدرك بالحواس. فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء، والله يفعل ما يشاء، فبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها، وبالتقدير قدر أقواتها وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها وذلك تقدير العزيز العليم (الكليني، الكافي:1/149).
[8]    البداء لغةً هو الظهور وهو إظهار حكم من الأحكام الوجودية الكونية بعد انقضاء مدة الحكم السابق لتغير الموضوع، فالبداء نسخٌ تكوينيٌّ وجوديٌّ كما أن النسخ بداءٌ تشريعيٌّ فيسمى الحكم الثابت للشيء باعتبار وصفه الذاتي أو العرضي ويثبت الحاكم الثاني له... قال الشيخ المفيد في تصحيح الإعتقاد والأصل في البداء هو الظهور قال الله تعالى ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مَا لَمۡ يَكُونُواْ يَحۡتَسِبُونَ﴾ وقد يطلق ويراد منه تغير الإرادة وتبديل العزم تبعا لتغير العلم (هاشم معروف الحسني الشيعة بين الأشاعرة و المعتزلة ص 269).
وقالوا هو على نوعين بداءٌ مقبولٌ وآخرُ غيرُ مقبولٍ أما النوع المقبول فذلك الذي يكون بمعنى النسخ الذي قال فيه سبحانه وتعالى ﴿مَا نَنسَخۡ مِنۡ ءَايَةٍ أَوۡ نُنسِهَا نَأۡتِ بِخَيۡرٖ مِّنۡهَآ أَوۡ مِثۡلِهَآۗ﴾  البقرة/106.
يقول الشيخ المفيد في هذا النوع: أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الإغناء والإمراض بعد الإعفاء وهذا مذهب الإمامية بأسرها فالبداء من الله ما كان مشترطًا في التقدير وليس هو الانتقال من عزيمةٍ ولا من تعقب الرأي تعالى الله عما يقول المبطلون علوًّا كثيرًا (أوائل المقالات ص 53).
أما البداء غير المقبول فهو البداء الغالي والذي معناه جواز البداء على الله تعالى وهو عدة معانٍ، البداء في العلم وهو أن يظهر له خلاف ما علم والبداء في الإرادة وهو أن يظهر له صوابٌ على خلاف ما أراد وحكم. والبداء في الأصل هو أن يأمر بشيءٍ ثم يأمر بعده بخلاف ذلك (الملل والنحل: 1 / 49).
وهذا التقسيم لا يصح فان البداء لا يصح تقسيمه إلى بداء مقبولٍ وبداءٍ غيرِ مقبولٍ فإنه خلطٌ في المعرفة إذ البداء إما الوهم والباطل والذي ابتدعه أهل الكلام فإن أطلق عندها عليه بداء فهو في الحقيقة ليس بداءً على الواقع أو في نفس الأمر.
[9]    سورة فصلت، الآية 12.
[10]  سورة فصلت، الآية 10.
[11]  سورة الإسراء، الآية 23.
[12]  سورة الإسراء، الآية 4.
[13]  سورة النمل، الآية 57.
[14]  سورة يوسف، الآية 68.
[15]  سورة الإسراء، الآية/ 4.
[16]  سورة الحجر، الآية 66.
[17]  سورة غافر، الآية 20.
[18]  سورة النمل، الآية 78.
[19]  سورة سبأ، الآية 14.
[20]  سورة الإسراء، الآية 23.
[21] سورة فصلت، الآية 12.
[22]  سورة طه، الآية 72.
[23]  سورة القصص، الآية 29.
[24]  سورة القصص، الآية 28.
[25]  سورة يوسف، الآية 41.
[26] الصدوق،  التوحيد ص 385. 
[27] مغنيه، الشيعة في الميزان ص 274.
[28]  تدعي الحتمية على وجه الإجمال: أن كل حادثةٍ أينما كانت ليست حالةً جزئيةً من حالاتٍ ينطبق عليها أحد قوانين الطبيعة وليس من اليسير أن تقرر دعوى الحتمية على وجه الدقة فهي تقرر في معظم الأحيان على النحو التالي: لكل حادثةٍ سببٌ أو إن الطبيعة مطّردةٌ لكأنّ كثيرًا ما تُفهم دعوى الحتمية على أنها  تتضمن الدعوة القائلة بأن الإرادة ليست حرةً وأن الاختيار وهمٌ باطلٌ وأننا خاضعون للحتمية في طرائق سلوكنا فإذا تحدثنا عن فيلسوفٍ حتميٍّ كان من المألوف أن نفهم هذا الحديث على أنه يتضمن الإشارة إلى هذا الموقف الخاص (الموسوعة الفلسفية المختصرة، نقلها عن الانكليزية: فؤاد كامل وجلال عشري، دار القلم بيروت  ص181).
[29]  ظهرت الأفكار الحتمية في البداية في الفلسفة القديمة وكان أكثر الذين سلموا بها بشكلٍ واضحٍ الذريون القدماء وجرت البرهنة على مفهوم الحتمية وتطويرها على يد العلم الطبيعي والفلسفة المادية عند بيكون وغاليلي وديكارت ونيوتن ولابلاس وسبينوزا، وهناك كانت الحتمية بالضرورة آليةً ومحددةً، هذا مفهوم الحتمية عند الماديين أما الإلهيين فليست الحتمية هي مخالفةً للعدل فقد طرأت عليها تعديلاتٌ كثيرةٌ عند اللاهوتيين المسيحيين ومتكلمي الإسلام.
[30]  النشار، علي سامي، نشاة الفكر الفلسفي في الإسلام، در السلام – القاهرة الطبعة الاولى  سنة 2008 م،1/373.
[31]  الشهرستاني، الملل والنحل ص85. الماتيردي، التوحيد، ص319، النشار، مرجع سابق: 1/373.
[32]  إبن نباته، سرح العيون ص 203.
[33]  العسلي، جهم بن صفوان ص 48.
[34]  مسألة تأثّر النبي بالسحر مختلفٌ فيها والإمامية لايقرون ذلك كما هو المعروف من اعتقادهم.
[35]  ابن نباتة، سرح العيون ص 203.
[36]  غرابي، تاريخ الفلسفة الإسلامية، ص 29، النشار، مرجعٌ سابقٌ 1/373.
[37]  السمنية: جماعةٌ أصلهم من أهل السند ينكرون العقل ويقولون بقدم العالم ولا يعتقدون بشيءٍ غير الحسيات وكان بعضهم يعيش في خراسان، وفي زمن هارون الرشيد أرسل بعض المتكلمين إلى ملك السند لمناقشة واحدٍ من السمنية (المسعودي، مروج الذهب:1/ 64).
[38]  الأشعري، مقالات الإسلاميين:1 / 312.
[39]  البغدادي، الفرق بين الفرق، ص211.    
[40] الأسفراييني، التبصير في الدين ص99.
[41] الصباحية فرقةٌ من الجبرية تفرعت عن الجهمية مؤسسها الصباح بن السمرقندي (المقدسي، البدء والتأريخ :3/20).
[42]  المقدسي، البدء والتأريخ: 3/20.
[43]  اصطلاح الإرادة الحرة مازال يطلق على الفلاسفة الذين يرون أن الجبرية منافيةٌ للحرية، ينكرون ما تذهب إليه الحتمية والذين يقللون من شأنه، والملاحظ أن هؤلاء الفلاسفة لم يلاقوا نجاحًا ملحوظًا في أن يفسروا الفعل الإنساني تفسيرًا يجعل الاختيار الذي تقع تبعته على أصحابه أمرًا معقولًا.(ظ: مراد وهبة، المعجم الفلسفي، دار المطبوعات الاكاديمية - القاهرة، سنة 1998م، ص43).
[44] ظ: الشهرستاني، مرجعٌ سابقٌ، ص 43، الحفني، موسوعة الفلسفة والفلاسفة، مكتبة مدبولي – القاهرة، الطبعة الثانية  سنة 2010 م، 2/1074.
[45] الذهبي، ميزان الإعتدال: 3/ 183.
[46] ابن نباتة، سرح العيون ص 201.
[47]  ابن قتيبة، المعارف ص 166.
[48]  طاش كبري زادة، مفتاح السعادة :2 / 32.
[49] العقيلي، الضعفاء: 3/404. عبد الحي، شذرات الذهب، ص138.
[50]  ابن قتيبة، المعارف، ص 166.
[51]  النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 1/373.
[52]  الأسفراييني، التبصير في الدين، ص 99.
[53]  في ديوان أمير المؤمنين (ع): ص 75:

دواؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وما تبصرُ

وتزعم أنك جرمٌ صغيرٌ

وفيك انطوى العالم الأكبرُ

وأنت الكتاب المبين الذي

بأحرفه يظهر المضمرُ

[54] ظ: الكليني، الكافي 1/158.
[55] سُئِلَ الْعَالِمُ (ع) كَيْفَ عِلْمُ اللَّه قَالَ عَلِمَ وشَاءَ وأَرَادَ وقَدَّرَ وقَضَى وأَمْضَى فَأَمْضَى مَا قَضَى وقَضَى مَا قَدَّرَ وقَدَّرَ مَا أَرَادَ فَبِعِلْمِه كَانَتِ الْمَشِيئَةُ وبِمَشِيئَتِه كَانَتِ الإِرَادَةُ وبِإِرَادَتِه كَانَ التَّقْدِيرُ وبِتَقْدِيرِه كَانَ الْقَضَاءُ وبِقَضَائِه كَانَ الإِمْضَاءُ والْعِلْمُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْمَشِيئَةِ والْمَشِيئَةُ ثَانِيَةٌ والإِرَادَةُ ثَالِثَةٌ والتَّقْدِيرُ وَاقِعٌ عَلَى الْقَضَاءِ بِالإِمْضَاءِ فَلِلَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى الْبَدَاءُ فِيمَا عَلِمَ مَتَى شَاءَ وفِيمَا أَرَادَ لِتَقْدِيرِ الأَشْيَاءِ فَإِذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالإِمْضَاءِ فَلَا بَدَاءَ فَالْعِلْمُ فِي الْمَعْلُومِ قَبْلَ كَوْنِه والْمَشِيئَةُ فِي الْمُنْشَأِ قَبْلَ عَيْنِه والإِرَادَةُ فِي الْمُرَادِ قَبْلَ قِيَامِه والتَّقْدِيرُ لِهَذِه الْمَعْلُومَاتِ قَبْلَ تَفْصِيلِهَا وتَوْصِيلِهَا عِيَاناً ووَقْتاً والْقَضَاءُ بِالإِمْضَاءِ هُوَ الْمُبْرَمُ مِنَ الْمَفْعُولَاتِ ذَوَاتِ الأَجْسَامِ الْمُدْرَكَاتِ بِالْحَوَاسِّ مِنْ ذَوِي لَوْنٍ ورِيحٍ ووَزْنٍ وكَيْلٍ ومَا دَبَّ ودَرَجَ مِنْ إِنْسٍ وجِنٍّ وطَيْرٍ وسِبَاعٍ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ فَلِلَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى فِيه الْبَدَاءُ مِمَّا لَا عَيْنَ لَه فَإِذَا وَقَعَ الْعَيْنُ الْمَفْهُومُ الْمُدْرَكُ فَلَا بَدَاءَ واللَّه يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فَبِالْعِلْمِ عَلِمَ الأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا وبِالْمَشِيئَةِ عَرَّفَ صِفَاتِهَا وحُدُودَهَا وأَنْشَأَهَا قَبْلَ إِظْهَارِهَا وبِالإِرَادَةِ مَيَّزَ أَنْفُسَهَا فِي أَلْوَانِهَا وصِفَاتِهَا وبِالتَّقْدِيرِ قَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وعَرَّفَ أَوَّلَهَا وآخِرَهَا وبِالْقَضَاءِ أَبَانَ لِلنَّاسِ أَمَاكِنَهَا ودَلَّهُمْ عَلَيْهَا وبِالإِمْضَاءِ شَرَحَ عِلَلَهَا وأَبَانَ أَمْرَهَا وذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (الكافي 1/149).
[56]  عن يونس بن عبد الرحمن قال: قال لي أبو الحسن الرضا (ع): يا يونس.. لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضى، يا يونس تعلم ما المشيئة؟ قلت: لا، قال: هي الذكر الأول، فتعلم ما الإرادة؟ قلت: لا، قال: هي العزيمة على ما يشاء، فتعلم ما القدر؟ قلت: لا، قال: هي الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء، قال: ثم قال: والقضاء هو الابرام وإقامة العين، قال: فاستأذنته أن اقبل رأسه وقلت: فتحت لي شيئا كنت عنه في غفله. (الكافي 1/158).
[57] سورة النجم، الآية 56.
[58] سورة الأعراف، الآية 101.
[59] قال أمير المؤمنين (ع): قال الله للملائكة: ﴿إِنِّي خَٰلِقُۢ بَشَرٗا مِّن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ 28 فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ﴾ قال: وكان ذلك من الله تقدمةً منه إلى الملائكة احتجاجًا منه عليهم، وما كان الله ليغيّر ما بقوم إلا بعد الحجة عذرًا ونذرًا، فاغترف الله غرفةً بيمينه -وكلتا يديه يمين- من الماء العذب الفرات، فصلصلها في كفه فجمدت، ثم قال: منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين، الأئمة المهديين، الدعاة إلى الجنة، وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي، ولا أُسأل عما أفعل وهم يُسألون.ثم اغترف الله غرفةً بكفه الأخرى من الماء الملح الأجاج، فصلصلها في كفه فجمدت، ثم قال لها: منك أخلق الجبارين، والفراعنة، والعتاة، وإخوان الشياطين، وأئمة الكفر، والدعاة إلى النار، وأتباعهم إلى يوم القيامة، ولا أبالي، ولا أُسأل عما أفعل وهم يُسألون. واشترط في ذلك البداء فيهم، ولم يشترط في أصحاب اليمين البداء لله فيهم، ثم خلط الماءين في كفه جميعًا فصلصلهما، ثم أكفأهما قدام عرشه، وهما بلةٌ من طينٍ». (العياشي، تفسير العيّاشي 2: 240 / 7).
[60] العلامة الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص424.
[61] كشف المراد، ص 332.
[62] المصدر نفسه.
[63] الكليني، الكافي :1/175، علق السيد الطباطبائي على الخبرقائلا: للمشيئة والإرادة انقسامٌ إلى الإرادة التكوينية الحقيقية والإرادة التشريعية الاعتبارية فان إرادة الإنسان التي تتعلق بفعل نفسه نسبة حقيقيةٌ تكوينيةٌ تؤثر في الأعضاء الانبعاث إلى الفعل ويستحيل معها تخلفها عن المطاوعة إلا لمانعٍ وأما الإرادة التي تتعلق منا بفعل الغير كما إذا أمرنا بشيءٍ أو نهينا عن شيءٍ فإنها إرادةٌ بحسب الوضع والاعتبار، لا تتعلق بفعل الغير تكوينيا، فان إرادة كل شخصٍ إنما تتعلق بفعل نفسه من طريق الأعضاء والعضلات ومن هنا كانت إرادة الفعل أو الترك منا للغير لا تؤثر في الفعل بالايجاد والإعدام، بل تتوقف على الإرادة التكوينية من الغير بفعل نفسه حتى يوجد أو يترك عن اختيار فاعله لا عن اختيار آمره وناهيه، إذا عرفت ذلك علمت أن الإرادتين يمكن أن تختلفا من غير ملازمة، كما أن المعتاد بفعل القبيح ربما ينهى نفسه عن الفعل بالتلقين وهو يفعل من جهة إلزام ملكته الرذيلة الراسخة، فهو يشاء الفعل بإرادة تكوينية ولا يشاؤه بإرادةٍ تشريعيةٍ ولا يقع إلا ما تعلقت به الإرادة التكوينية. والإرادة التكوينية هي التي يسميها (ع) بإرادة حتم والتشريعية هي التي يسميها بإرادة عزمٍ. وإرادته تعالى التكوينية تتعلق بالشيء من حيث هو موجودٌ ولا موجود إلا وله نسبة الإيجاد إليه تعالى بوجوده بنحوٍ يليق بساحة قدسه تعالى. وإرادته التشريعية تتعلق بالفعل من حيث إنه حسنٌ وصالحٌ غير القبيح الفاسد فإذا تحقق فعلٌ موجودٌ قبيحٌ، كان منسوبًا إليه تعالى من حيث الإرادة التكوينية بوجهٍ ولو لم يرده لم يوجد، ولم يكن منسوبًا إليه تعالى من حيث الإرادة التشريعية، فإن الله لا يأمر بالفحشاء. فقوله (ع): إن الله نهى آدم (ع) عن الأكل وشاء ذلك وأمر إبراهيم (ع) بالذبح ولم يشأه، أراد بالامر والنهى التشريعيين منهما وبالمشيئة وعدمها التكوينيين منهما.
[64]  سورة الاسراء، الآية 4.
[65] كشف المراد،ص333.
[66] الكليني، الكافي 1/110.
[67] كشف المراد ص333.
[68] المصدر نفسه.
[69] سورة الفرقان، الآية 2.
[70] سورة الصافات، الآية 96.
[71] سورة البقرة، الآية 7.
[72] سورة الأنعام، الآية 125.
[73] سورة الإسراء، الآية 17.
[74] الكليني، الكافي 1/160.
[75]  لقمان/ 31.
[76] الصدوق، التوحيد، ص 371.
[77] المصدر نفسه.
[78] التوحيد ص 272.
[79]  سورة الرعد، الآية 17.
[80]  المحرك النهائي أحد الحجج الكونية في إثبات وجود الله قال بها أرسطو الحكيم اليوناني ولخصها شارحه بن رشد وصاغها القديس توما الأكويني وملخص صياغته كما يلي: من البين كما يشهد ذلك الحس أن بعض الأشياء من العالم متحركةٌ وكل ما هو متحركٌ فهو متحركٌ بغيره ومن المحتمل أن يكون الموجود محركًا ومتحركًا بنفس الطريقة والاعتبار أعني أن يحرك ذاته وأن ينتقل بذاته من القوة إلى الفعل، وإذًا فإن كل شيءٍ متحركٌ فيجب أن نقول أنه متحركٌ بغيره فإذا حدث بعد ذلك أن تحرك الشيء المتحرك بدوره فلا بد أن يكون متحركًا بغيره وهذا من ذلك أيضا إنه لن يكون ثم محركاتٌ أخرى لأن المحركات الوسطى لا تتحرك إلا إذا حركها محركٌ أولُّ يحرك المحرك الآخر وهذا المحرك الأول هو الله (د. عبد الرحمن بدوي، مدخل جديد إلى الفلسفة، منشورات مدين، الطبعة الاولى 1428هـ، ص223). أقول: يؤخذ على هذه الحجة أنها تنسب الحركة  الفعلية إلى الله مباشرةً وهو الذي وقع فيه أغلب اللاهوتين من المسيحيين والمتكلمين من المسلمين.. بل جل العلماء.. وظهرت مشكلة ربط الحادث بالقديم والذي أزاح عنها الستار أهل البيت (ع) حيث قالوا في صفة خلق الله تعالى للأشياء أن الله خلق الأشياء بالمشيئة وخلق المشيئة بنفسها ثم وصفوا المشيئة بأنها خلقٌ ساكنٌ لا يدرك بالسكون ولا يسع المقام بسط المقال في هذا المطلب.
[81]  المعلوم عند الفلاسفة والمتكلمين خصوصًا قبل القرن الخامس الهجري أن الحاجة إلى الله هي الإمكان لا الحدوث وذلك أن الحدوث يستلزم إحداث الأشياء وعدم التدخل فيها فيما بعد الحدوث فهي تحتاجه ـ أي الأشياء ـ بإخراجها من العدم إلى الوجود في الحدوث وأما الإمكان فتحتاجه إلى دوام البقاء في الوجود، علق على هذا الهامش أحد العلماء الأعلام قائلا: هذا اللازم باطلٌ لأن الأشياء في حدوثٍ مستمرٍ وأنما أثر ذلك هو الحاجة إلى الموجد على الرغم من كونه أزليًّا.
[82] النـزاع بين الأشاعره والمعتزلة في مسألة الحسن والقبيح العقليين معلومٌ لدى الجميع، فقد قالت المعتزلة أن الله تعالى لا يفعل قبيحًا ولا يُخلّ بواجبٍ، ونازع الأشاعرة في ذلك واسندوا القبائح لله تعالى عن ذلك، والصواب هو ما قاله المعتزلة وتقرير قولهم: إن لله تعالى داعيًا إلى الفعل الحسن وليس له صارفٌ عنه وله صارفٌ عن فعل القبيح وليس له داعٍ إليه وهو قادرٌ على كل مقدور ومع وجود القدرة والداعي يجب الفعل وذلك أنه غنيٌّ يستحيل عليه الحاجة وهو عالمٌ بحسن الحسن وقبح القبيح ومن المعلوم بالضرورة أن العالم بالقبيح الغني عنه لا يصدر عنه قبيحٌ وأن العالم بالحسن القادر عليه إذا خلا من جهات المفسدة فإنه يوجده (كشف المراد بتصرف ص 328) هذا تقرير دليل العقل اما النقل فكثيرٌ.  
[83]  الطبرسي، احتجاج 1/ 311; المجلسي،  البحار 5/ 95.
[84]  سورة النحل، الآية 97.
[85] سورة الأنعام، الآية 148.
[86] سورة البلد، الآية 10.
[87] سورة الإنسان، الآية 2.
[88] الصحيفة السجادية الكاملة، من دعائه (ع) في عيد الفطر ويوم الجمعة.
[89]  الكليني، الكافي: 1/18.
[90] عن الإمام الصادق (ع)  قال: لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين قال: قلت: وما أمرٌ بين أمرين؟ قال: مثل ذلك رجل رأيته على معصيةٍ فنهيته فلم ينـته فتركته ففعل المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته كنت أنت الذي أمرته بالمعصية (الكافي 1 / 160). وعن أبي حمزة الثمالي قال: قال الباقر (ع) للحسن البصري: إياك أن تقول بالتفويض فإن الله لم يفوض الأمر إلى خلقه وهنًا منه وضعفًا ولا جبرهم على معاصيه ظلمًا. (البحار :5 / 17).
[91] السببية مقولةٌ فلسفيةٌ تدل على الروابط الضرورية بين الظواهر التي تحتم الواحدة منها الظاهرة الأخرى، ومشكلة السببية صراعٌ حادٌّ بين المادية والمثالية فالمادية في بعض إتجاهاتها تؤمن بموضوعية السببية وكليتها دون بعض تياراتها، وأما المثالية فهي إما تنكر السببية كلّيًّا وترى فيها مجرد نتيجةٍ لتتالي الأحاسيس البشرية كما عند هيوم وأنصاره أو تعتبر السببية كعلاقةٍ وجدت في عالم الظواهر بواسطة الذات المدركة. وهناك اختلافٌ بين السبب الكامل والسبب المحدد لا يسع المجال بسطه.
[92]  نهج البلاغة ج4 ص 527.
ومن طريف ما ينقل أن أبا تمام الشاعر أخذ هذا المعنى فحكاه حكاية وقال:
وقال علي في التعازي لأشعث

وخاف عليه بعض تلك المآثم

أتصبر للبلوى رجاءً وحسبةً

فتؤجر أم تسلو سلو البهائم

خلقنا رجالا للتجلد والأسى

وتلك الغواني للبكا والمآتم

(العسكري،  الصناعتين ص211).
  وقال (ع) وقد عزى الأشعث بن قيس عن ابن له: يا أشعث إن تحزن على إبنك فقد أستحقت منك ذلك الرحم، وإن تصبر ففي الله من كل مصيبة خلفٌ، يا أشعث إن صبرت جرى عليك القدر وأنت مأجورٌ وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزورٌ، يا أشعث ابنك سَرَّك وهو بلاءٌ وفتنةٌ وحَزَنك وهو ثوابٌ ورحمةٌ.
[93]  البحراني، الكشكول 1/ 30.
[94]  تفسير الإمام العسكري (ع) 536؛ البحار 3/265 مستدرك الوسائل 12/ 250; العاملي، الفصول المهمة: 80.
[95] الصدوق، عقاب الأعمال ص 213.
[96]  الصدوق، عقاب الأعمال ص 213.
[97] المصدر نفسه.
[98] المصدر نفسه.
[99] المصدر نفسه.
[100] الصدوق، التوحيد ص 368، 368; المجلسي، البحار 5/ 113.
[101]  المصدر نفسه.
[102] الصدوق، التوحيد ص 375.
[103]  التوحيد ص 379.
[104] التوحيد ص 379.
[105] المصدر نفسه.
[106] المتقي الهندي، كنز العمال 1/ 347; ح1564.
[107] توحيد الصدوق، باب القضاء والقدر: 365; البحار 5/ 110; كنز العمال 1/ 346 ح1561; الصواعق المحرقة: 201. قال أمير المؤمنين (ع) في القدر: ألا إن القدر سرٌّ من سر الله وسترٌ من ستر الله وحرزٌ من حرز الله مرفوعٌ في حجاب الله مطويٌّ عن خلق الله مختومٌ بخاتم الله سابقٌ في علم الله وضع الله العباد من علمه ورفعه فوق شهاداتهم ومبلغ عقولهم لأنهم لا ينالونه بحقيقة الربانية ولا بقدرة الصمدية ولا بعظم النورانية ولا بعزة الوحدانية لأنه بحر زاخرٌ خالصٌ لله تعالى عمقه ما بين السماء والأرض عرضه ما بين المشرق والمغرب أسودُ كالليل الدامس كثير الحيات والحيتان يعلو مرةً ويسفل أخرى في قعره شمسٌ تضئ لا ينبغي أن يطلع إليها إلا الله الواحد الفرد فمن تطلع إليها فقد ضاد الله عز وجل في حكمه ونازعه في سلطانه وكشف عن ستره وسره وباء بغضبٍ من الله ومأواه جهنم وبئس المصير (التوحيد ص 391).
[108] عن أبي إبراهيم (ع) قال: مرّ أمير المؤمنين (ع) بجماعةٍ بالكوفة وهم يختصمون في القدر، فقال لمتكلّمهم: أبالله تستطيع أم مع الله، أم من دون الله تستطيع؟ فلم يدر ما يردّ عليه، فقال أمير المؤمنين (ع): إنّك إن زعمت أنّك بالله تستطيع فليس لك من الأمر شيءٌ، وإن زعمت أنك مع الله تستطيع فقد زعمت أنك شريكٌ مع الله في ملكه، وإن زعمت أنك من دون الله تستطيع فقد ادّعيت الربوبيّة من دون الله عزّ وجلّ، فقال: يا أمير المؤمنين لا، بالله أستطيع، فقال: أما أنّك لو قلت غير هذا لضربت عنقك (توحيد الصدوق، باب الاستطاعة: 352; البحار 5/ 39).
[109] تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي 3/ 233.
[110] عن الإمام الصادق (ع) قال: إن القدرية مجوس هذه الأمة وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من سلطانه وفيهم نزلت هذه الأية ﴿يَوۡمَ يُسۡحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمۡ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ 48 إِنَّا كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقۡنَٰهُ بِقَدَرٖ﴾ أما وجه تسمية القدرية بمجوس الأمة فقد قال أبو الحسن البصري ومحمود الخوارزمي: وجه تسميته (ع) المجبرة بالمجوس من وجوهٍ:
الأول: إن المجوس اختصوا بمقالاتٍ سخيفةٍ واعتقاداتٍ واهيةٍ معلومة البطلان وكذلك المجبرة.
الثاني: إن مذهب المجوس هو ان الله تعالى يخلق فعله ثم يتبرأ منه كما خلق إبليس ثم انتفى منه وكذلك المجبرة قالوا أنه تعالى يفعل القبائح ثم يتبرأ منها.
الثالث: إن المجوس قالوا أن نكاح الأخوات والأمهات بقضاء الله وقدره وإرادته.
الرابع: إن المجوس قالوا إن القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس، والمجبرة قالوا بأن القدر موهبةٌ للفعل غيرُ متقدمةٍ عليه، فالإنسان القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس (كشف المرادص 342).
وانما أخذ المعتزلة كل هذه الوجوه لأنهم خصماء المجبرة غير أن الإمام شملهم بالقول فقال (ع): قدرية هذه الأمة ومجوسها. وأبو الحسن البصري والخوارزمي من المعتزلة.
قال العلامة الطباطبائي في تعليقه على أصول الكافي: واعلم أيضا أن تسمية هؤلاء بالقدرية مأخوذٌ مما صح عن النبي (ص) أن القدرية مجوس هذه الأمة فأخذت المجبرة تسمى المفوضة بالقدرية لأنهم ينكرون القدر ويتكلمون عنه أما المفوضة فتسمي المجبرة بالقدرية لأنهم يثبتون القدر. والذي يستحصل من أخبار أهل البيت (ع) أنهم يسمون كلتا الفرقتين بالقدرية ويطبقون الحديث النبوي عليهما، أما المجبرة فلأنهم ينسبون الخير والشرّ والطاعة والمعصية جميعا إلى غير الإنسان، كما أن المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشر جميعا غير الإنسان، وقوله (ع) في هذا الخبر مبنيٌّ على هذا النظر، وأما المفوّضة فلأنهم قائلون بخالقين في العالم هما الإنسان بالنسبة إلى أفعاله والله سبحانه بالنسبة إلى غيرها، كما أن المجوس قائلون بإله الخير وإله الشر، وقوله (ع) في الروايات التالية: لا جبر ولا قدر، ناظرٌ إلى هذا الاعتبار. (الطباطبائي).
[111] الكافي 1: 155; الاحتجاج 1: 490 باب احتجاجه (ع) على القضاء والقدر؛ توحيد الصدوق، باب القضاء والقدر: 380؛ كشف الغمة، باب أنّ الكلّ قضاء خير: 165; روضة الواعظين، باب القضاء والقدر: 40؛ كنز العمال 1: 344 ح1560؛ السيرة الحلبية 1: 185؛ تاريخ ابن عساكر، كتاب ترجمة عليّ 3: 231؛ تحف العقول: 349.
[112] احتجاج الطبرسي 1: 311; أمالي السيد المرتضى 1: 104; مصابيح الأنوار 1: 115 ح22.
[113] خصال الصدوق ( ره) ص 78 في باب الثلاثة، قال الصدوق (رحمه الله)  المعاصي بقضاء الله معناه بنهي الله لأن حكمه عز وجل فيها على عباده بالانتهاء عنها ومعنى قوله بقدر الله أي بعلم الله بمبلغها ومقدارها ومعنى قوله وبمشيته فإنه عز وجل شاء ألّا يمنع العاصي من المعاصي إلا بالزجر والقول والنهي والتحذير دون الجبر والمنع بالقوة والدفع بالقدرة.
[114] مسألة انتقاش الأعمال في اللوح المحفوظ من المسائل الغيبية المهمة جدّا والتي فيها يظهر سر البداء في الكونيات.. ولو لا بيان أهل البيت (ع) لبقينا منها في عمياء مدلهمة.. وجاء في تعريفه أنه جوهرةٌ نورانيةٌ شفافةٌ براقةٌ عليها تمثال كل ما خلق الله في عالم الأكوان قد نقشها كاتب الأزل بقلم الاختراع الذي هو أول غصنٍ أخذ من شجرة الخلد من مداد بحر الصاد واللوح على ثلاث ورقاتٍ.
الاولى: فيها كتابة الذوات والحقائق واللطائف من الأفئدة والعقول والنفوس والطبائع والمواد والأجسام.
الثانية: كتابة الصفات والاقتضاءات والنسب والإضافات والأعمال التي تأتي بها الحفظة.
الثالثة: فيها كتابة الأشباح والصور المنـتزعة من الورقة الأولى مما في الأذهان وسائر المدارك وكل من هذه الثلاثة فيها ثلاث صفحاتٍ:
الاولى: فيها مكتوبٌ الأمور المحتومة التي لا يمكن تغييرها.
الثانية: فيها من الأمور المحتومة التي يمكن تغييرها أي محوها وإثباتها ولكن الحكمة لا تقتضي ذلك من جهة وعد الله.
الثالثة: مكتوبٌ فيها من الأمور المشروطة فإذا تم الترابط حتمت وإلا  لا يجوز وقوعها وعدمه.
ومجموع هذه الأمور تسعةٌ وهي مأخوذه من كتابين:
الأول: كتاب الأبرار في عليين ﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ ١٩ كِتَٰبٞ مَّرۡقُومٞ ٢٠ يَشۡهَدُهُ ٱلۡمُقَرَّبُونَ﴾.
الثاني: كتاب الفجار في سجين فيكون مجموع اللوح ثمانية عشر وهذا هو اللوح المحفوظ عن التغير والتبدّل والزوال لأن كل ما يتغير ويتبدل فإنما هو في نفسه محفوظٌ. (جواهر الحكم 1 / 277).
[115] سورة السجدة، الآية 24.
[116] الكليني، الكافي: 1/389.
[117] سورة النساء، الآية 83.