البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الوسطية والاعتدال في النهضة الحسينية

الباحث :  رسول كاظم عبد السادة
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  17
السنة :  شهر جمادى الثاني 1440هـ / 2019م
تاريخ إضافة البحث :  March / 7 / 2019
عدد زيارات البحث :  1321
تحميل  ( 937.268 KB )
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، واللعن والدائم على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين

لا شكَّ أن كلَّ نهضةٍ إصلاحيةٍ في عالم الإمكان لا بد أن تتخذ من المنهج الإلهي وسيلةً لبلوغ غاياتها، وبخلاف ذلك تكون دعوةً ناقصةً غيرَ مكتملةٍ من حيث الأهدافُ وربما آتت ثماراً غيرَ صالحةٍ للتناول أو لم تُؤتِ ثماراً أصلاً، فإنّ أيَّ أمرٍ ما لم يكنْ إلهيًّا فإنه باطلٌ ومجتثٌّ، وإن كان الناس يرون فيه حركةً إصلاحيةً إلا أنّه في الواقع (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ)[1] أو (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا)[2].

الدعوة وأدلتها الثلاثة

إنّ كلَّ دعوةٍ إلهيةٍ لا بد أن تكون بحسب ما قرر لها الشارع من وسائل الدعوة والتي نص عليها في قوله تعالى[ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ][3]

فإنّ في هذه الآية الكريمة مفرداتٌ ينبغي التوقف عندها وهي: الداعي والدعوة والسبيل، والأدلة الثلاثة، الحكمة والموعظة والمجادلة.

أما الداعي فهو المعصوم قطعا أو من نصبه المعصوم ولا يحقُّ لغيره أن يقوم بدعوةٍ ثم يزعم أنها إلهيّةٌ.

قال الطبرسي في تفسير الآية: أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وآله أن يدعوَ عباده المكلفين بالحكمة، وهو أن يدعوَهم إلى أفعالهم الحسنة التي لها مدخلٌ في استحقاق المدح والثواب عليها، لأن القبائح بزجر عنها لا يدعو إليها[4].

وقد ورد في بعض التفاسير أن الداعي هو أمير المؤمنين، عن أبي الحسن موسى جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: سألت أبي عن قول الله عز وجل (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ) قال: الداعي أمير المؤمنين عليه السلام[5].

أما الدعوة فهي الخير والاستقامة والعودة إلى الفطرة الإلهية التي هي التوحيد الذي فطر عليه الخلق جميعا، أو كل ما يؤدّي إلى ذلك من دعواتٍ، وفي الآية هي سبيل الله الذي هو طريق الحق الواحد غير المختلَف فيه وهو التوحيد وولاية أولياء الله، عن زيد بن علي قال: قال النبي صلى الله عليه وآله في قول الله: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللّهِ]الآية قال: أنا ومن اتبعني من أهل بيتي، لايزال الرجل بعد الرجل يدعو إلى ما أدعو إليه[6].

أما الأدلة الثلاثة فهي الوسائل التي يتبعها الداعي في دعوته وتعددها بحسب تعدد مراتب الخلق في الاستعداد والقبول، فليس ينبغي دعوة مجموع الخلق ببيانٍ واحدٍ، ولا يتحقق ذلك إلا للدعاة الربانيين عليهم السلام لأنهم قالوا عليهم السلام: «نحن نكلم الناس على قدر عقولهم» وهذه الأدلة هي:

الأول: دليل الحكمة:

الحكمة قد تطلق ويراد بها الحكمة العلمية، وقد يراد بها الحكمة العملية، الأولى هي العمل وفق الطاعة، والثانية هي المعرفة، وللملازمة بين هاتين مع بعضهما جُعل المرادُ من الحكمة كلتَيْهِما، لأن العلم يهتف بالعمل فان أجابه وإلا ارتحل، كما في الخبر والعلم هو الحكمة العلمية والعمل هو الحكمة العملية.

ودليل الحكمة هو الدليل الكشفي العياني الذي يخبر به المستدل بعد معاينة ما أراد من معاني ألفاظه لا مجرد الألفاظ، والكل يدّعي ذلك ولكن الدعوى بغير شروط المدعي باطلةٌ، وشروط العلمية أن يجمع قلبه على استماع المقصود، والتوجه إليه من غير أن يريد العناد والرد، وهذه الشروط على الوجه المطابق للكتاب والسنة.

الثاني: دليل الموعظة الحسنة:

وهو دليلٌ لأهل القلوب وهو ينبوع المعاني ولا يوصل إلا إليها وهو أن تردد الخصم بين الحق المقطوع به والباطل المشكوك فيه وتنتج الحق المقطوع به كما جاء في الخطابات الإلهية عن مؤمن آل فرعون (إن كان كاذباً فعليه كذبه وأن كان صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم)، وهذا دليل يوصل إلى علم الأخلاق والطبيعه ويورد صاحبه مورد اليقين ويعرفه معنى الشيء وباطنه على جهه التمكين.

الثالث: دليل المجادلة بالتي هي أحسن:

وهو ما ذكره العلماء في كتبهم، من البراهين والأقيسة بكلِّ أنواعها كما هو مقرَّرٌ في المنطق وفي علم الأصول، بشرط أن تكون المجادلة بالتي هي أحسن أي أن يكون الدليل على نحوِ ما قُرِّر في محلِّه.

ودليل المجادلة بالتي هي أحسن على كمال ما ينبغي فيه، يوصل إلى عالم الصور التي هي المحدودة بالأبعاد، سواءً أكانت جوهريةً كالنفوس أم عرضيةً كالأشباح المثالية، أو إلى المعاني التي هي الذوات المادية[7]

الامام الحسين عليه السلام دعى بالادلة الثلاثة

إن الإمام الحسين صلوات الله عليه لما كان ربانيّا في كل حركاته وسكناته، فقد دعا إلى سبيل ربه بالأدلة الثلاثة، قبل واقعة الطف وفي أثنائها، لأنه الداعي إلى الله ووسيلته وهديه كتاب الله وسنة جده صلى الله عليه وآله.

أما دعوته عليه السلام بدليل الحكمة فهو ما تجلى لنا في خطابه عليه السلام لزهير بن القين وهو في طريقه إلى كربلاء، لأن مثل زهير رضوان الله عليه الذي قضى دهراً في خدمة أعداء الإسلام ما كان له أن يدخل في معسكر الحق وأهله بعد كل هذا الضياع إلا بدليلٍ كشفيٍّ عيانيٍّ أراه إياه سيد الشهداء وإن لم يصلنا تفصيله لكننا فهمناه من التبدل المفاجئ في موقف زهير من الرفض المطلق إلى القبول والفناء في طاعة سيد الشهداء، الأمر الذي جعل الحسين عليه السلام يحمّله قيادة ميمنة الأنصار.

أما دليل الموعظة الحسنة فقد اشتهر عنه كثيرا في خطاباته المتكررة في مكة وفي الطريق ويوم عاشوراء للقوم يعظهم ويخوّفهم غضب الله سبحانه، حتى أنه كان يُشفق عليهم رغم إقدامهم على محاربته، فهل هناك أبلغ من هذا الدليل؟ وكان يرد أنّ ما خرج إلا لطلب الإصلاح في أمّة جده، فلو كانوا من أهل دليل الحكمة لما كان ينبغي أن يخاطبهم بأنه خرج لطلب الإصلاح إذ ينبغي للحكيم أن يعرف الحسين قبل أن يتعرف على نهضته فإذا عرفه حق معرفته لا يسأل عن فعله.

أما المجادلة بالتي هي حسن فقد خصّ سلام الله عليه فيها القادة ورؤس الضلال من بني أمية وغيرهم أمثال شبث وعمر بن سعد وشمر وعبد الله بن الزبير في مكة وولاة الأمويين في المدينة.

وكان هدفه من ذلك إثبات تمام الحجة، بأدلتها الثلاثة إِقامَةً لِلدِينِ وَحُجَّةً عَلى المكلفين [وَلِئَلا يَزُولَ الحَقُّ عَنْ مَقَرِّهِ وَيَغْلِبَ الباطِلُ عَلى أَهْلِهِ وَلا يَقُولَ أَحَدٌ لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً مُنْذِراً وَأَقَمْتَ لَنا عَلَماً هادِياً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى].

وقبل الدخول في صلب البحث يجب أن نبيّن أن أهل البيت عليهم السلام أفعالهم كلّها تجري على وجه الصواب والحكمة سواءً أتعقلناها وأدركنا تلك الحكمة أم لم نتعقل وندرك، فما ظهر لنا من بياناتهم منها قلنا به وما لم يظهر توقفنا وأوكلنا فهمه إلى أهله الراسخين في العلم، والحال أن محنة الخلق فيهم محنة «لا يستطيع أحدٌ وصفها، وعلى المرء أن يتثبت في القول حين يصف أفعالهم وسكناتهم لأنهم أئمة الخلق على كل الاحوال، لا يعرفون الجور في قضاياهم ولا الميل في أحكامهم ودعواتهم إن قاموا وإن قعدوا وأنا أرجو أن يكون القول مني ما قال آل محمد في ما علمت وفي ما أعلم.

أولا: الوسطية في الإرشاد:

إن مِن أهم مهمات المرشدين إلى الله الدالين عليه هو الرفق في المدعوِّ حتى ينقله من الأمر الذي هو عليه إلى ما يريد أن يدعوه إليه، ولا يتم هذا الأمر إلا إذا كان ذلك يجري برفقٍ وإنصافٍ ونزول الداعي إلى مرتبة المدعو لينتشله ويرفعه إليه، وهذا هو الأدب القرآني في الإرشاد والأخلاق، فان الله سبحانه سمّى قومَ عادٍ إخواناً لنبي الله هود [وَإِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مالَكُمْ مِنْ آله غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ياقَوْمِ لاأَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ][8].

وقد قيل لزين العابدين (ع): إن جدك كان يقول: (إخواننا بغوا علينا). فقال(ع): (أما تقرأ كتاب الله: (وَإِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ هُوداً)؟ فهو مثلهم، أنجاه الله والذين معه، وأهلك عاداً بالريح العقيم).

فان ذلك ممّا يحبب المدعوَّ ويسلّ منه رغبة الرفض والمعارضة، وينقله إلى درجة التأمل في الأمر ممّا يعزز جانب الداعي في إملاء ما يريد، وهذا المعنى عبّر عنه القرآن بالكلمة السواء [قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ][9]، والذي يعبّر عنه في المصطلح المعاصر النقاط المشتركة.

وهذه هي الوسطية في القرآن ومنهج الإسلام في الدعوة، الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وآله [لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ][10].

وآل محمد هم النمرقة الوسطي، والأمة الوسط التي ذُكرت في القرآن، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً) قال: نحن الأمة الوسط، ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه.

وقد اتخذ الإمام الحسين الوسطية منهجاً في حياته قبل الطف وخلالها في ما يُؤثَر عنه عليه السلام.

فحين جاءه رجلٌ لا يستطيع أن يترك المعاصي لم يقل له: اذهب فان الله لن يغفر لك حتى تتوب، لئلا ييأس والامامُ، باعتباره أعلى مظاهر الرحمة الالهية، أدخله في دائرة الاختيار التي تنتهي به إلى ما فيه صلاحه ونجاته باختياره.

فقد روي أنّه (ع) جاءه رجلٌ وقال: أنا رجلٌ عاصٍ ولا أصبر عن المعصية! فعِظني بموعظةٍ فقال (عليه السلام): افْعَلْ خَمْسَةَ أَشْياءَ وَأذْنِبْ ما شِئْتَ:

فَأَوَّلُ ذلِكَ: لا تَأْكُلْ رِزْقَ اللهِ وَأذْنِبْ ما شِئْتَ!

وَالثّاني: اُخْرُجْ مِنْ وِلايَةِ اللهِ وَأذْنِبْ ما شِئْتَ!

وَالثّالِثُ: اُطْلُبْ مَوْضِعاً لا يَراكَ اللهُ وَأذْنِبْ ما شِئْتَ!

وَالرّابِعُ: إِذا جاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ وَأذْنِبْ ما شِئْتَ!

وَالْخامِسُ: إِذا أدْخَلَكَ مالِكٌ فِي النّارِ فَلا تَدْخُلْ فِي النّارِ وَأذْنِبْ ما شِئْتَ![11].

ولم تكن الوسطية تقف عند حد الدعوة إلى الله بل في جميع التكاليف العبادية والمعاملات اليومية باعتبار أن أمّة النبي صلى الله عليه وآله هي الأمة الوسطى التي وُضعت عنها الآصار والأغلال التي كانت موضوعةً على الأمم السابقة.

فما دام الرزق – مثلا – مكفولاً من الله فلا ينبغي المبالغة في طلبه كما أنه لا ينبغي التكاسل في طلبه الذي يؤدي إلى حد التفريط، قال (عليه السلام) لرجلٍ: يا هذا! لا تُجاهِدْ فِي الرِّزْقِ جهادَ الْمُغالِبِ، وَلا تَتَّكِلْ عَلىَ الْقَدَرِ اتِّكالَ مُسْتَسْلِم، فَإِنَّ ابْتِغاءَ الرِّزْقِ مِنَ السُّنَّةِ، وَالإجْمالَ في الطَّلَبِ مِنَ الْعِفَّةِ، وَلَيْسَتِ الْعِفَّةُ بِمانِعَة رِزْقاً، وَلا الْحِرْصُ بِجالِب فَضْلاً، وَإِنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ، وَالأْجَلَ مَحْتُومٌ، وَاسْتِعْمالَ الحِرْصِ طالِبُ الْمَأْثَمِ.[12]

أما المجادلون في دين الله – وما أكثرهم في زماننا– فينبغي تجنبهم لأن همَّهم هو إضعاف قلوب المؤمنين وبثّ الشكوك في عقائد الناس إذْ أغلبُهم يأتون متحكمين لا يطلبون البحث عن الحقيقة

فالمعروف أن تُبنى المناظراتُ في أول شروع المناظرين على إحقاق الحق والتسليم للغالب بالحجة العلمية، لا أن تُفضيَ للخصومة والعناد وإلا فإنها تكون قد خرجت من الحجاج العلمي إلى الاقتتال، سواءً بالألفاظ النابية أو بالاتهامات الجزافية كالذي نشاهده في القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي.

و هذا المبدأ اشترطه المتكلم الشيعي علي بن ميثم على ضرارٍ، فقد جاء ضرارٌ إلى أبي الحسن علي بن ميثم رحمه الله فقال له: يا أبا الحسن، قد جئتك مناظِرًا.

فقال له أبو الحسن: وفيمَ تناظرني؟

فقال: في الإمامة.

فقال: ما جئتني والله مناظِراً ولكنك جئت متحكمًا.

قال له ضرارٌ: ومن أين لك ذلك؟

قال أبو الحسن: عليّ البيان عنه، أنت تعلم أن المناظرة ربما انتهت إلى حدٍّ يُغمض فيه الكلام فتتوجه الحجة على الخصم فيجهل ذلك أو يعاند، وإن لم يشعر بذلك أكثر مستمعيه بل كلهم، ولكني أدعوك إلى منصفة من القول، وهو أن تختار أحد أمرين إما أن تقبل قولي في صاحبي وأقبل قولك في صاحبك فهذه واحدة.

قال ضرار: لا أفعل ذلك.

قال له أبو الحسن: ولم لا تفعله؟

قال: لأنني إذا قبلت قولك في صاحبك قلت لي: إنه كان وصي رسول الله صلّى اللّه عليه وآله وأفضل من خلّفه وخليفته على قومه وسيد المرسلين فلا ينفعني بعد أن قبلت ذلك منك أن صاحبي كان صدّيقا واختاره المسلمون إماما، لان الذي قبلته منك يفسد هذا عليّ.

قال له أبو الحسن: فاقبل قولي في صاحبك وأقبل قولك في صاحبي.

قال ضرار: وهذا لا يمكن أيضا لأني إذا قبلت قولك في صاحبي قلت لي: كان ضالاًّ مضِلاًّ ظالماً لآل محمد عليهم السلام قعد في غير مجلسه ودفع الإمام عن حقه وكان في عصر النبي صلّى الله عليه وآله منافقاً، فلا ينفعني قبولك قولي فيه أنه كان خيِّراً صالحاً، وصاحباً أميناً لأنه قد انتقض بقبولي قولك فيه بعد ذلك أنه كان ضالاّ ً مضلاّ ً.

فقال له أبو الحسن رحمه الله ـ: فإذا كنت لا تقبل قولك في صاحبك ولا قولي فيه ولا قولك في صاحبي، فما جئتني إلا متحكِّماً ولم تأتني مباحِثاً مناظراً[13].

ومن هنا يدعونا الإمام الحسين عليه السلام إلى الوسطية في الجدال وذلك في بيان شقوق الجدال وما تُفضي إليه وما يتصف فيه المجادل على الحقيقة.

فقد رُوي أنّ رجلاً قال له (عليه السلام): اجلس حتّى نتناظر في الدين! قال: يا هذا أَنَا بَصيرٌ بِديني، مَكْشُوفٌ عَلَيَّ هُدايَ، فَإِنْ كُنْتَ جاهِلاً بِدينِكَ فَاذْهَبْ وَاطْلُبْهُ، ما لي وَلِلْمُماراةِ وَإِنَّ الشَّيْطانَ لَيُوَسْوِسُ لِلرَّجُلِ وَيُناجيهِ، وَيَقُولُ: ناظر الناس في الدين، كيلا يظنّوا بك العجز والجهل! ثُمَّ الْمِراءُ لا يَخْلُوْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

إِمّا أَنْ تَتَمارى أَنْتَ وَصاحِبُكَ في ما تَعْلَمانِ، فَقَدْ تَرَكْتُما بِذلِكَ النَّصيْحَةَ، وَطَلَبْتُما الْفَضيحَةَ، وَأَضَعْتُما ذلِكَ الْعِلْمَ،

أَوْ تَجْهَلانِهِ فَأَظْهَرْتُما جَهْلاً، وَخاصَمْتُما جَهْلاً،

وَإِمّا تَعْلَمُهُ أَنْتَ فَظَلَمْتَ صاحِبَكَ بِطَلَبِكَ عَثْرَتَهِ،

أو يَعْلَمُهُ صاحِبُكَ فَتَرَكْتَ حُرْمَتَهُ، وَلَمْ تُنْزِلْهُ مَنْزِلَتَهُ،

وَهذا كُلُّهُ مُحالٌ، فَمَنْ أَنْصَفَ وَقَبِلَ الْحَقَّ، وَتَرَكَ الْمُماراةَ فَقَدْ أَوْثَقَ إيْمانَهُ وَأَحْسَنَ صُحْبَةَ ديْنِهِ، وَصانَ عَقْلَهُ[14].

ونجده سلامُ الله عليه يجعل الصحابيَّ أبَا ذرٍّ الغفاريَّ في وسطية الاختيار بين الدنيا والدين مبيّناً له – خلال توديعه بعد أن نُفي إلى الربذة – أن الدين والدنيا لا يجتمعان فإذا أردت الآخرة فاطرح عنك الدنيا المتمثلة في حينها بطغاة بني أمية، قال عليه السلام:

يا عمّاه! إن الله تبارك وتعالى قادرٌ أن يغيِّر ما ترى، وهو كلَّ يومٍ في شأن، إنّ القوم منعوك دنياهم ومنعتهم دينك فما أغناك عما منعوك، وما أحوجهم إلى ما منعتهم، فعليك بالصبر فإنّ الخيرَ في الصبر، والصبرَ من الكرم، ودعِ الجزع فإنّ الجزع لا يغنيك[15].

أما في مجال إرشاد الناس إلى بيان فضائل أهل البيت عليهم السلام فمنهج الإمام عليه السلام يبدو جليّاً في الحثّ على المظاهر السلمية الأكثر فاعليةً في بيان تلك الفضائل التي أُريد لها أن تُطمس وتُمحى من ذاكرة المسلمين، وذلك من خلال الانتفاع من موسم الحج العام الذي فيه يجتمع المسلمون من أقطار الأرض ثم بعد ذلك يعودون إلى بلدانهم، لذلك اتخذ سيد الشهداء هذه الاجتماع مناسبةً لبيان مشروعه العظيم في بثّ فضائل اهل البيت التي أراد لها النبي صلى الله عليه وآله أن تنتشر بين المسلمين، وبمعرفتها سوف يتعرّف المسلمون على طاغوتية من يعاديهم ويقاتلهم، ولم يزل الحسين بن علي عليه السلام يطلب الفرصة لإنهاض المسلمين وإيقاظهم وتحذيرهم من إمارة يزيد:

قال سليم بن قيس: لما كان قبل موت معاوية بسنةٍ، حج الحسين بن علي صلوات الله عليهما، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه، فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم رجالَهم ونساءَهم ومواليَهم، ومن الأنصار ممن يعرفه الحسين عليه السلام وأهل بيته ثم أرسل رُسُلا: لا تدعوا أحدًا ممن حج العام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله المعروفين بالصلاح والنسك إلّا اجمعوهم لي، فاجتمع إليه بمنى أكثرُ من سبعمائة رجلٍ وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين، ونحوٌ من مائتَيْ رجلٍ من أصحاب النبى صلى الله عليه وآله، فقام فيهم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال عليه السلام:

أما بعد فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شيءٍ، فإن صدقتُ فصدِّقوني وإن كذبتُ فكذِّبوني، وأسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله عليه السلام وقرابتي من نبيكم لما سيرتم مقامي هذا، ووصفتم مقالتي ودعوتم أجمعين في أمصاركم من قبائلكم من أمنتم من الناس[16]، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا فإني أتخوّف أن يدرس هذا الأمر ويَذهب الحقُّ ويُغلب، (والله متمُّ نورهِ ولو كره الكافرون). وما ترك شيئا مما أنزل الله فيهم من القرآن إلا تلاه وفسّره، ولا شيئا ممّا قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في أبيه وأخيه وأمه وفي نفسه وأهل بيته إلا رواه، وكل ذلك يقول أصحابه: اللهم نعم، وقد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي: اللهم قد حدثني به من أصدّقه وأأتمنه من الصحابة، فقال: أُنشدكم اللهَ إلّا حدثتم به من تثقون به وبدينه.

قال سليم: فكان فيما ناشدهم الحسين عليه السلام وذكرّهم أن قال:

أُنشدكم الله! أتعلمون أن عليَّ بن أبي طالب كان أخا رسول الله صلى الله عليه وآله حين آخى بين أصحابه فآخى بينه وبين نفسه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟ قالوا: اللهم نعم!

قال: أُنشدكم اللهَ! هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله اشترى موضع مسجده ومنازله فابتناه ثم ابتنى فيه عشرة منازل، تسعةً له وجعل عاشرها في وسطها لأبي، ثم سدَّ كلَّ بابٍ شارعٍ إلى المسجد غير بابه فتكلم في ذلك من تكلم، فقال: ما أنا سددت أبوابكم وفتحت بابه، ولكن الله أمرني بسد أبوابكم وفتح بابه. ثم نهى الناس أن يناموا في المسجد غيره، وكان يجنب في المسجد، ومنزله في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله فولد لرسول الله صلى الله عليه وآله وله فيه أولادٌ.

قالوا: اللهم نعم!

قال: أفتعلمون أن عمر بن الخطاب حرص على كوة قدر عينه يدعها في منزله إلى المسجد فأبى عليه، ثم خطب، فقال إن الله أمرني أن أبني مسجدا طاهرًا لا يسكنه غيري وغير أخي وبنيه؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أُنشدكم اللهَ! أتعلمون أن رسول الله نصبه يوم غدير خم، فنادى له بالولاية، وقال: ليبلِّغِ الشاهدُ الغائبَ؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أُنشدكم اللهَ! أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له في غزوة تبوك: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وأنت وليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أُنشدكم اللهَ! أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين دعا النصارى من أهل نجران إلى المباهلة لم يأتِ إلّا به وبصاحبته وابنَيْه، قالوا: اللهم نعم.

قال: أُنشدكم اللهَ! أتعلمون أنه دفع إليه اللواء يوم خيبر ثم قال: لأدفعنّه إلى رجلٍ يحبّه اللهُ ورسولُه ويحبَّ اللهَ ورسولَه، كرّارٍ غيرِ فرّارٍ، يفتحها الله على يديه؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله بعثه ببراءة وقال: لا يبلِّغُ عني إلا أنا، أو رجلٌ مني؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تنزل به شدةٌ قطُّ إلا قدمه لها ثقةً به، وأنه لم يدْعُه باسمه قطُّ إلا يقول: يا أخي! وادعوا لي أخي؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى بينه وبين جعفر وزيد فقال: يا علي! أنت مني وأنا منك، وأنت وليٌّ كل مؤمنٍ بعدي؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أنه كانت له من رسول الله صلى الله عليه وآله كلَّ يومٍ خلوةٌ، وكلَّ ليلةٍ دخلةٌ، إذا سأله أعطاه، وإذا سكت أبداه؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله فضّله على جعفر وحمزة حين قال لفاطمة: زوجتُك خير أهل بيتي، أقدمهم سلما، وأعظمهم حلما، وأكثرهم علما؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أنا سيد ولد بني آدم، وأخي علي سيد العرب، وفاطمة سيدة نساء أهل الجنة، والحسن والحسين ابناي سيدا شباب أهل الجنة؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره بغسله وأخبره أن جبرائيل يعينه عليه؟ قالوا: اللهم نعم.

قال: أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في آخر خطبة خطبها: إني تركت فيكم الثقلين: كتابَ الله وأهل بيتي، فتمسكوا بهما لن تضلوا؟ قالوا: اللهم نعم.

فلم يَدَعْ شيئاً أنزله اللهُ في عليِّ بن أبي طالب عليه السلام خاصةً وفي أهل بيته من القرآن ولا على لسان نبيه صلى الله عليه وآله إلا ناشدهم فيه، فيقول الصحابة: اللهم نعم، قد سمعنا، ويقول التابع: اللهم قد حدثنيه من أثق به فلانٌ وفلانٌ، ثم ناشدهم أنهم قد سمعوه يقول: من زعم أنه يحبني ويبغض عليًّا فقد كذب ليس يحبني ويبغض عليًّا، فقال له قائلٌ: يا رسول الله! وكيف ذلك؟ قال: لأنه مني وأنا منه، من أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب اللهَ، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللهَ، فقالوا: اللهم نعم، قد سمعنا وتفرقوا على ذلك[17].

وجمع أمره سلامُ الله عليه في شعرٍ يُنسب له يبين تمام ما تقدّم ويُفصح عن التفاوت التام بينه وبين يزيد يقول:

إذا استنصر المرء امرأ لا يدي له



فناصره والخاذلون سواءُ

أنا ابن الذي قد تعلمون مكانه



وليس على الحق المبين طخاءُ

أليس رسول الله جدي ووالدي



أنا البدر إن خلا النجوم خفاءُ

ألم ينزل القران خلف بيوتنا



صباحا ومن بعد الصباح مساءُ

ينازعني والله بيني وبينه



يزيد وليس الأمر حيث يشاءُ

فيا نصحاء الله أنتم ولاته



وأنتم على أديانه أمناءُ

 بأي كتاب أم بأية سنة



تناولها عن أهلها البعداءُ(1)



[18]

وهناك الكثير من الشواهد والأمثلة التي قد يجدها المتابع للوسطية الإرشادية في منهج الإمام الحسين عليه السلام نكتفي منها بما تقدم.

ثانيا: الوسطية في الدعوة:

محنة الحسين في أهل زمانه عظيمةٌ، كان لا بد له من أن يدعوهم وإن رفضوا دعوته لأنه لا هداية لهم إلا به.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بليةُ الناس عظيمةٌ إن دعوناهم لم يجيبونا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا[19].

ومن المحقَّق في مذهب الإمامية أنّ الإمام المعصوم المنصوص عليه واجب الطاعة لا ينبغي الالتواء عليه أو رفضُ دعوته أو التلكؤ عنها مهما كانت الظروف، إلا أن يأذن الإمام هو نفسُه بذلك، لأن طاعته من طاعة رسول الله صلى الله عليه، ثابتةٌ في الأعناق سواءً أَلتزم بها المسلمون أم لم يلتزموا، وهذا حكمٌ يشمل جميع المكلفين اتجاه جميع المعصومين وليس لأحدٍ حق المناقشة لمقتضى العصمة، أما من لم يؤمن بها فليس مشمولاً بهذا الخطاب، إنما تترتب عليه تبعات العصيان في أصل المبدأ، حيث إنه تخلّف عن طاعة النبي صلى الله عليه وآله في الإذعان لأمره بطاعة من يجب عليه طاعته.

لكن الأئمة عليهم السلام –بما أنهم مظاهر الرحمة الإلهية بين الناس– لم يُلجِئوا الخلقَ إلى الالتزام بهذه الطاعة وجعلوا لذلك مساحةً يستطيع فيها المكلف مراجعة أمرة أو تلافي تقصيرة بالتوبة، لأنهم عليهم السلام أخبروا أن أمرهم صعبٌ مستصعَبٌ لا يحتمله إلّا نبيٌّ مرسَلٌ أو ملكٌ مقرَّبٌ أو مؤمنٌ ممتحَنُ الإيمان.

لذلك كانت دعوتهم مرددةً بين الالزام الموجب لجزيل الثواب ونيل الدرجات، والتوقف الموجب للتقصير المتلافى بالندم المتدارك بالتوبة، مع فوت الدرجات السامية، ونقصان الحظوظ العالية.

وهكذا كان سيد الشهداء صلوات الله عليه، لم يكن يُلزم من دعاه إلى الجهاد إلزاماً يُلجِئُه إلى الهلاك ولم يَدَعْ أحداً غافلاً عن مُرادِه، وانما أوجز أمره صلواته عليه برسالته إلى بني هاشم من كربلاء (من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يبلغ الفتح).

ولنا على منهج سيد الشهداء صلوات الله عليه هذا عدة شواهدَ:

الأول: الدعوة إلى الخروج بشروط الاستعداد:

إن طُلّاب الدنيا حين يَدْعون الناس إلى أمرهم لا يُبيِّنون لهم الخطوط العامة لدعوتهم تحت عدةِ ذرائعَ أبرزها الحفاظ على سرية الأمر توصُّلا إلى تمامه، ولمّا لم يكن الحسين عليه السلام إلا من طُلّاب الآخرة، أما الدنيا فما طلب منها إلا ما كان موصلا إلى الاخرة، فقد بيّن تافصيل أمر خروجه وما الذي يطلب وما هي صفة من يرغب الخروج معه، وقد شرع صلوات الله عليه بذلك من أول لحظات خروجه حتى لحظات القتال.

فقد رُوي أنّه (ع) لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً فقال: الْحَمْدُ لِلّهِ وما شاءَ اللهُ، وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ، وَصَلَّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلادَةِ عَلى جيدِ الْفَتاةِ، وَما أَوْلَهَني إلى أَسْلافي اشْتِياقَ يَعْقُوبَ إلى يُوسُفَ، وَخيرَ لي مَصْرَعٌ أَنَا لاقيهِ، كَأَنّي بِأَوْصالي تُقَطِّعُها عُسْلانُ الْفَلَواتِ بَيْنَ النَّواويسِ وَكَرْبَلاءَ، فَيَمْلأن مِنّي أَكْراشاً جَوفاً وَأَجْرِبَةً سُغْباً، لا مَحيصَ عَنْ يَوْم خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضَى اللهِ رِضانا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلى بَلائِهِ وَيُوَفّينا أُجُورَ الصّابِرينَ، لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لُحْمَتُهُ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ في حَظيرَةِ الْقُدْسِ، تَقَرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَيُنْجَزُ بِهِمْ وَعْدُهُ، مَنْ كانَ باذِلاً فينا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْحَلْ مَعَنا فَإِنّي راحِلٌ مُصْبِحاً إِنْ شاءَ اللّهُ تَعالى[20].

فأوّلُ أمرٍ بيّنه – روحي فداه – أنه سوف يستشهد وأن هذا الخروج محكومٌ بالنهاية التي لا يتمناها طُلّاب الدنيا فمن يرغب في الدفاع عن إماٍم مقتولٍ لا محالة فليخرج (مَنْ كانَ باذِلاً فينا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْحَلْ مَعَنا).

وهذه الدعوة عامةٌ تشمل كلَّ من سمعها حتى الأعداء فنراه عليه السلام يدعو بها أصحاب الحُرِّ الذين جاؤوا لصده عن الدخول إلى الكوفة. دعاهم إلى سلوك سبيل الصلاح ومجانبة الظالمين والتبعية لهم إذ لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق. خطب (ع) أصحابه وأصحاب الحُرِّ في منزل البيضة خطبته الشهيرة التي جاء فيها: (أيها النّاس، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (مَن رأى سلطاناً جائراً مُستحلاًّ لحُرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يُغيّر عليه بقولٍ ولا فعلٍ كان حقّاً على الله أن يُدخله مُدخله، وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولّوا عن طاعة الرحمان، وأظهروا في الأرض الفساد، وعطّلوا الحدود والأحكام، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وإنّي أحَقُّ من غيري بهذا الأمر، لقرابتي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد أتَتني كُتبُكم، وقَدِمت عليَّ رُسُلكم ببيعتكم أنّكم لا تُسلموني ولا تخذلوني، فإن وفيتم لي ببيعتكم فقد أصبتم حظّكم ورُشدكم، ونفسي مع أنفسكم، وأهلي وولدي مع أهاليكم وأولادكم، فلكم فيَّ أُسوةٌ، وإنْ لم تفعلوا ونقضتم عهدكم ومواثيقكم، وخلعتم بيعتكم، فلعمري ما هي منكم بنُكرٍ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي، هل المغرور إلاّ مَن اغترّ بكم، فإنّما حظّكم أخطأتم، ونصيبَكم ضيّعتم، ومَن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيُغني الله عنكم[21].

ولمّا نزل عليه السلام في كربلاء، وأيقن أنّهم قاتلوه قام في أصحابه خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: (قد نزل بنا ما ترون من الأمر، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفُها، واستمرّت حتّى لم يبقَ منها إلاّ صبابة كصبابةٌ الإناء، وخسيس عيشٍ كالمرعى الوبيل، ألا ترون أنّ الحقّ لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله مُحِقًّا، وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادةً، والحياةَ مع الظالمين إلاّ بَرَما)[22].

الثاني: تخيير من بايعه بالرجوع:

مسالة تخييره أتباعه عليه السلام بالرجوع عنه بدأت تدريجيةً فابتدأ أوّلاً بالأعراب الذين تبعوه للدنيا ولم يثقوا بأخباره بأنه سوف يستشهد، فلذلك فرّق عنه عليه السلام هؤلاء بأن أنبأهم بخبر شهادة رسله إلى أهل الكوفة وشهادة مسلم بن عقيل عليه السلام،

فقد كان عليه السلام لا يمر بأهل ماءٍ إلا اتبعوه حتى انتهى إلى زبالة وفيها جاءه خبر قتل ابن زيادٍ عبدَ الله بن يقطر وكان سرّحه إلى أهل الكوفة فأخرج للناس كتابًا فقرأه عليهم: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فانه قد أتانا خير فظيعٌ، قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة و عبد الله بن يقطر وقد خذلتنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف ليس عليه مِنّا ذمامٌ، فتفرق الناس عنه يميناً وشمالاً حتى بقيَ في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة وإنما فعل ذلك لأنه إنما اتّبعه الأعراب لأنهم ظنوا أنه يأتي بلداً استقامت له طاعة أهله فكَرِه أن يسيروا معه إلّا وهم يعلمون على ما يُقدمون وقد علم أنهم إذا بيّن لهم لم يصحبه إلّا من يريد مواساته[23].

أما المرحلة الثانية فهي خاصةٌ بأصحابه وأهل بيته، وبما أنّ للإمام نفسًا قدسيةً إلهيةً تحتمل من الأمور العظام وتدرك من الغيب ما لا تدرك سواها من نفوس الخلق، وهو يصبر على ما يعلم يقيناً، إذ لو كشف له الغطاء لم يحصل على علمٍ زائدٍ عند الكشف إذ إنه يرى الأمور حقيقةً واقعةً لحديدية بصره في أصل وجوده وكينونيته، أما سواه –وإن كانوا من القرب منه بمكانٍ قولاً وعملاً– إلا أنهم لا يملكون تلك القدرة بطبيعة الحال فهم وإن صبروا إنما يصبرون على ما لايعلمون[24].

لذلك تجلّت رحمة سيد الشهداء هذه المرة بالخواصّ من أصحابه بأنْ خيّرهم بالمضي عنه، ويظهر لنا معنيان لهذا التخير:

الأول: تداركُ الضعف الذي يكتنف نفوسهم باعتبارهم مهما بلغوا في الإيمان لا يتجاوزون بشريتهم غير المؤيدة بالعصمة المطلقة.

ثانيا: كشف عليه السلام للعالم من حضر الواقعة ومن في مستقبل الزمن الآتي عظمة هولاء القديسين وتفانيهم في سبيل المبدأ.

مع أنه صلوات الله عليه خيّرهم بعد أن شهد لهم أنهم خير أصحابٍ من حيث الوفاءُ والتفاني كما يدل عليه الخبر المروي عن الإمام السجّاد (عليه السلام) حيث قال: (جمعَ الحسين أصحابه بعدما رجع عمر بن سعد، وذلك عند قرب المساء، فدنوت منه لأسمع وأنا مريضٌ، فسمعتُ أبي وهو يقول لأصحابه: أمّا بعدُ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبَرَّ ولا أَوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً، ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، ألا وإنّي قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعاً في حلٍّ، ليس عليكم منّي ذِمامٌ، هذا الليل غشيكم فاتخذوه جَملاً)[25].

وفي خبرٍ آخرَ: وليأخذ كلُّ رجل منكم بيد رجلٍ من إخوتي، وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم).

بل إنّه عليه السلام خيّر أولاد عقيلٍ باعتبارهم قد فقدوا الأب فقال (عليه السلام): (يا بني عقيل، حَسبكم من القتل بمسلمٍ، اذهبوا قد أذنتُ لكم).

قالوا: فما يقول النّاس؟! يقولون: أنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرمِ معهم بسهمٍ، ولم نطعن معهم برمحٍ، ولم نضرب معهم بسيفٍ، ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل، ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا، ونقاتل معك حتّى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك)[26].

وكانت ردودُ الأصحاب آيةً من آيات الوفاء الإنساني الذي عزّ نظيرهُ في مسيرة الإنسانية[27].

لذلك بشّرهم الإمام الحسين، وما كانت هذ البشارة لتصدر منه عليه السلام إلّا بعد اجتيازهم الاختبار الأخير وهو التخيير بينه وبين الدنيا، فقد قال عليه السلام لهم: فإن كنتم قد وطّنتم أنفسكم على ما وطّنت نفسي عليه، فاعلموا أنّ الله يهب المنازل الشريفة لعباده باحتمال المكاره، وأنّ الله وإنْ كان خصّني مع مَن مضى من أهلي الذين أنا آخرهم بقاءً في الدنيا من الكرامات بما يسهل عليَّ معها احتمال المكروهات، فإنّ لكم شطر ذلك من كرامات الله تعالى، واعلموا أنّ الدنيا حُلوها ومُرّها حُلمٌ، والانتباهَ في الآخرة، والفائزَ مَن فاز فيها، والشقيَّ مَن شقي فيها...)[28].

ومثل هذا التخيير منه عليه السلام قد حصل لمحمّد بن بشير الحضرمي و قد قيل له أُسِرَ ابنك بثغر الريّ، فقال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنتُ أُحبُّ أن يؤسر وأن أبقى بعده، فسمع (ع) قوله فقال: (رحمك الله، أنت في حِلٍّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك.فقال: أكلتني السباعُ حيّاً إنْ فارقتك.قال: فاعطِ ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه، فأعطاه خمسةَ أثوابٍ قيمتها ألف دينار)[29].

فالمعروف أن الحروب تقتضي تحشيد الرجال والتكاثر بهم في ساحات القتال وليس تخييرهم بترك المعركة. إنّ هذا المبدأ العسكري لم يكن في حسابات سيد الشهداء لأنه لم يكن يبحث عن انتصاراتٍ آنيةٍ وإنما كان يخطط لتسلق ذروة المثل الأعلى ليكون علم هدايةٍ لجميع ذرات الوجود لا فقط لبني آدم.

الثالث: التحقق من رغبة الناس الحقيقية في التغيير:

إن الإمام مثله مثل الكعبة يزار ولا يزور[30]، له في أعناق الخلق طاعةٌ وعهدٌ وميثاقٌ يجب عليهم الوفاء به فإن طلبوا منه أداء ما عليه بعد الوفاء، فعليه القيام بأمر الله فيهم وإن تخلفوا فله الخيار بما يراه هو نفسه لذلك، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام كان عاملا بهذا المبدأ مع أهل الكوفة، لم يستجب لهم حتى شدّد عليهم العهود وأرسل الرسل والكتب، وبعد أن أرسلوا إليه عدّةَ رسلٍ متفرقين وتلاقت الرسل كلّها عنده، فقرأ الكتب، وسأل الرسل عن أمر الناس، ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي –وكانا آخر الرسل-: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، مِن حُسَيْنِ بْنِ عَليٍّ، إلى الْمَلأ مِنَ الْمُؤْمنينَ وَالْمُسْلِمينَ، أَمّا بَعْدُ، فَإِنَّ هانِئاً وَسَعيداً قَدِما عَلَيَّ بِكُتُبِكُمْ –وَكانا آخِرَ مَنْ قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ رُسُلِكُمْ-، وَقَدْ فَهِمْتُ كُلَّ الَّذي اقْتَصَصْتُمْ وَذَكَرْتُم، وَمَقالَةَ جُلِّكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنا إِمامٌ فَأَقْبِلْ، لَعَلَّ الله أَنْ يَجْمَعَنا بِكَ عَلَى الْهُدى وَالْحَقِّ. وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ أَخي وَابْنَ عَمّي وَثِقَتي مِنْ أَهْلِ بَيْتي مُسْلِمَ بْنَ عَقيلٍ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيَّ بِحالِكُمْ وَأَمْرِكُمْ وَرَأْيِكُمْ. فَإِنْ كَتَبَ إِلَيَّ: أَنَّهُ قَدْ أَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ، وَذَوِي الْفَضْلِ وَالْحِجى مِنْكُمْ، عَلى مِثْلِ ما قَدِمَتْ عَلَيَّ بِهِ رُسُلُكُمْ، وَقَرَأْتُ في كُتُبِكُمْ، أَقْدِمُ عَلَيْكُمْ وَشيكاً إِنْ شاءَ اللهُ، فَلَعَمْري مَا الإمام إِلاَّ الْعامِلُ بِالْكِتابِ، وَالآْخِذُ بِالْقِسْطِ، وَالدّائِنُ بِالْحَقِّ، وَالْحابِسُ نَفْسَهُ عَلى ذاتِ اللهِ، وَالسَّلامُ[31].

ثم بيّن لهم في رسالٍة أخرى أنه في حالة الجهاد سوف يكون هو وأهل بيته معهم سواءً في ما يجب على المجاهدين، قال عليه السلام:

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَدْ قَالَ فِي حَيَاتِهِ: مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللَّهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللَّهِ مُخَالِفاً لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللَّهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ كَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مدْخَلَهُ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ قَدْ لَزِمُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ وَتَوَلَّوْا عَنْ طَاعَةِ الرَّحْمَنِ وَأَظْهَرُوا الْفَسَادَ وَعَطَّلُوا الْحُدُودَ وَاسْتَأْثَرُوا بِالْفَيْ‏ءِ وَأَحَلُّوا حَرَامَ اللَّهِ وَحَرَّمُوا حَلَالَهُ، وَإِنِّي أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ لِقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله)، وَقَدْ أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ وَقَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ بِبَيْعَتِكُمْ أَنَّكُمْ لَا تُسَلِّمُونِي وَلَا تَخْذُلُونِي، فَإِنْ وَفَيْتُمْ لِي بِبَيْعَتِكُمْ فَقَدْ أصِبْتُمْ حَظَّكُمْ وَرُشْدَكُمْ وَنَفْسِي مَعَ أَنْفُسِكُمْ وَأَهْلِي وَوُلْدِي مَعَ أَهَالِيكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ فَلَكُمْ بِي أُسْوَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَنَقَضْتُمْ عُهُودَكُمْ وَخَلَعْتُمْ بَيْعَتَكُمْ فَلَعَمْرِي مَا هِيَ مِنْكُمْ بِنُكْرٍ، لَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا بِأَبِي وَأَخِي وَابْنِ عَمِّي، وَالْمَغْرُورُ مَنِ اغْتَرَّ بِكُمْ، فَحَظَّكُمْ أَخْطَأْتُمْ وَنَصِيبَكُمْ ضَيَّعْتُمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ، وَسَيُغْنِي اللَّهُ عَنْكُمْ، وَالسَّلَام[32].

فهذه نماذجُ من وسطية الإمام في الدعوة إلى المجاهدة، لم يكن الإجبار والإكراه سبيلاً فيها كما لم يكن ترك الناس بلا هداية، وإنما أمرٌ بين الأمرين في أوسع ممّا بين السماء والأرض بعد أن تبين الرشد من الغي وأدرك كلُّ امرِئٍ تكليفهُ فلم يبقَ إلا التنبيه والإعذار إلى الله، وذلك لمَقالَةِ جُلِّهمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنا إِمامٌ فَأَقْبِلْ.[33]

أتـته لأرجـاس الـعراق صحائف



لـها الـوفق بـدءٌ والـنفاق خـتامُ

ألأ اقـدم إلـينا أنـت مـولى وسيدٌ



لـك الـدهر عـبدٌ والـزمان غلامُ

ألا اقــدم الـينا إنـنا لـك شـيعة



وأنــت لـنـا دون الأنـام إمـامُ

أغـثـنا رعـاك الله أنـت غـياثنا



وأنـت لـنا فـي الـنائبات عصامُ

فـلـبّاهم لـما دعـوه ولـم تـزل



تـلـبّي دعـاءَ الـصارخين كـرامُ(2)





ثالثا: الوسطية في المخالفة:

في حديثٍ للامام الصادق عليه السلام قوله: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحْسِنْ صُحْبَةَ مَنْ صَحِبَهُ وَمُخَالَقَةَ مَنْ خَالَقَهُ وَمُرَافَقَةَ مَنْ رَافَقَهُ وَمُجَاوَرَةَ مَنْ جَاوَرَهُ وَمُمَالَحَةَ مَنْ مَالَحَهُ[34].

هذا الحديث يبين العظمة الأخلاقية التي يدعو إليها أئمة أهل البيت عليهم السلام، فإذا أرادوا من شيعتهم ذلك فكيف بهم إذا تبنّوا ذلك بأنفسهم، لا شك أنهم سوف يضربون أسمى المثل في التطبيق لأنهم أصحاب القول والفعل لا يخالف فعلُهم قولَهم طرفة عينٍ، لأنهم أمرهم واحدٌ صادرٌ عن الواحد.

ولا شك فإن سيدَ شهدائهم بل سيد الشهداء مطلقا أبا عبد الله الحسين عليه السلام كان من شأنه أن يتخذ الوسطية في مخالفة أعدائه لأنه لم يكن له مع أحدٍ في الحقيقة عداءٌ وإنما كان يعادي الباطل حيثما كان فمن تلبّس بلباس الباطل كان عدوًّا له، ونجد منهجه هذا حتى مع أشد الناس له عداءً في زمان معاوية المغتصب للخلافة جورًا، ففي لقائِه معه في مكة لم يقرره مباشرة بجريمة قتل حجر بن عدي بل ألزمه من لسانه بما يوجب ذلك.

وذلك أنّه لما قتل معاويةُ حجرَ بن عديٍّ وأصحابَه، حجّ ذلك العام فلقي الحسينَ بن عليٍّ عليه السلام فقال: يا أبا عبد الله هل بلغك ما صنعنا بحجرٍ وأصحابه وأشياعِه وشيعةِ أبيك؟ فقال عليه السلام: وما صنعت بهم؟ قال: قتلناهم، وكفنّاهم، وصلّينا عليهم.

فضحك الحسين عليه السلام ثم قال: خصمك القوم يا معاوية، لكننا لو قتلنا شيعتك، ما كفناهم، ولا صلينا عليهم، ولا قبرناهم، ولقد بلغني وقيعتك في عليٍّ وقيامك ببغضنا، واعتراضك بني هاشم بالعيوب، فإذا فعلت ذلك فارجع إلى نفسك، ثم سلها الحق عليها ولها، فإن لم تجدها أعظم عيباً فما أصغر عيبك فيك، وقد ظلمناك يا معاوية فلا توترنَّ غير قوسك، ولا ترمينَّ غير غرضك، ولا ترمنا بالعداوة من مكانٍ قريبٍ، فإنك والله لقد أطعت فينا رجلاً ما قدم إسلامه، ولا حدث نفاقه، ولا نظر لك فانظر  لنفسك أو دع[35].

ولو كان عليه السلام يحسب حساب ربح المعركة لأجهز على والي المدينة ولسقط الحجاز بكامله بيده ويتبع الحجاز الكوفة والعراق فلا يبقى ليزيد غير الشام ومصر، لكنه لم يفعل لأن المنهج الذي كان يراه سلام الله عليه لا يسمح له بهذا الفعل لأن فيه الغدر وحاشاه ذلك.

وقد أشار الإمام علي (ع) إلى ذلك قائلاً: والله ما معاوية بأدهى منِّي، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس.ولكن كلُّ غُدرةٍ فُجرةٌ وكلُّ فُجرةٍ كُفرةٌ، ولكلِّ غادرٍ لواءٌ يُعرف به يوم القيامة، والله ما اُستُغفَل بالمكيدة، ولا استُغمَز بالشديدة[36].

ذكر الشيخ المفيد: لما مات الحسن عليه السلام تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين عليه السلام في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم، وذكر أن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه، حتى تمضي المدة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك.

فلما مات معاوية وذلك لنصفٍ من شهر رجب سنه ستين من الهجرة كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان على المدينة من قِبل معاوية أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له ولا يرخص له في التأخير عن ذلك، فأنفذ الوليد إلى الحسين في الليل فاستدعاه فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد، فدعا جماعةً من مواليه وأمرهم بحمل السلاح، وقال لهم: إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، ولست آمن أن يكلّفني فيه أمراً لا أجيبه إليه، وهو غيرُ مأمونٍ، فكونوا معي فإذا دخلتُ إليه فاجلسوا على الباب، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني.

فصار الحسين عليه السلام إلى الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليدُ معاويةَ فاسترجع الحسين، ثم قرأ عليه كتابَ يزيدَ وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له، فقال الحسين عليه السلام: إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرًّا حتى أبايعه جهرًا فيعرف ذلك الناس، فقال له الوليد: أجل، فقال الحسين: فتصبح وترى رأيك في ذلك، فقال له الوليد: انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس.

فقال له مروان: والله لَئِن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينهِ. احبِس الرجل ولا يخرجْ من عندك حتى يبايعَ أو تضربَ عنقه، فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك وقال: أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو؟ كذبتَ والله وأثمتَ، وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله.

وفي خبرٍ: بعث إلى الحسين عليه السلام فجاءه في ثلاثين من أهل بيته ومواليه (إلى أن قال): فغضب الحسين عليه السلام ثم قال: ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي؟ كذبتَ واللهِ وأثمتَ.

ثم أقبل على الوليد فقال: أيها الامير! إنّا أهلُ بيت النبوة، ومعدنُ الرسالة، ومختلَفُ الملائكة، وبنا فتح اللهُ، وبنا ختم الله، ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ شاربُ الخمر، قاتلُ النفس المحرَّمة، معلنٌ بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نُصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون، أيُّنا أحقُّ بالبيعة والخلافة، ثم خرج عليه السلام[37].

وكان عليه السلام من شأنه وهديه ورحمته بالمكلَّفين أن يدعوَهم إلى جادة الصواب فإن لم يستجيبوا بيّن لهم العواقب التي تترتّب لهم وربما يفتح لمخالفيه بابا أخيراً من الرحمة وهذا ما لم نجده عند كلِّ داعيةٍ إلى هدفٍ لمن تمعّن في مسيرة العظماء والدعاة. فها هو سلام الله عليه يخيّر عبد الله بن الحر الجعفي إما أن يأتي معه وإلّا فليكن بعيدًا عن ساحة المعركة فإن مع سماع نداء استغاثة الحسين والتخلف عنه لا مجال فيه للتوبة إلا بالمشاركة، ولا منجَى من الهرب من النار لمن تخلّف، أما من كان بعيدًا فعسى ولعلَّ، ولو كان غير الحسين عليه السلام لتركه يهلك ولم يكن ليجني عليه بهلاكه لأنه اختاره بنفسه بتخلّفه عن نصر الحسين عليه السلام.

قال ابن أعثم: سار الحسين (ع) حتّى نزل في قصر بني مقاتل فإذا هو بفسطاٍط مضروبٍ، ورمحٍ منصوبٍ، وسيفٍ معلّقٍ، وفرسٍ واقفٍ على مذوده، فقال الحسين (ع): لِمَنْ هذَا الْفُسْطاطُ؟ فقيل: لرجلٍ يُقال له عبيد الله بن الحرّ الجعفي. قال: فأرسل الحسين (ع) برجلٍ من أصحابه يقال له الحجّاج بن مسروق الجعفي. فأقبل حتّى دخل عليه في فسطاطه فسلّم عليه، فردّ عليه السلام، ثمّ قال: ما وراءك؟ فقال الحجّاج: واللهِ! ورائي يا ابن الحرّ! والله! قد أهدى اللهُ إليك كرامةً إن قبلتَها! قال: وما ذاك؟ فقال: هذا الحسين بن عليّ (عليهما السلام) يدعوك إلى نصرته، فإن قاتلت بين يديه أُجرت، وإن متّ فإنّك استشهدت! فقال له عبيد الله: واللهِ! ما خرجتُ من الكوفة إلاّ مخافة أن يدخلها الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وأنا فيها فلا أنصره، لأنّه ليس في الكوفة شيعةٌ ولا أنصارٌ إلاّ وقد مالوا إلى الدنيا إلاّ من عصم اللهُ منهم، فارجع إليه وخبّره بذاك. فأقبل الحجّاج إلى الحسين (ع) فخبّره بذلك، فقام الحسين (ع) ثمّ صار إليه في جماعةٍ من إخوانه، فلمّا دخل وسلّم وثب عبيد الله بن الحرّ من صدر المجلس، وجلس الحسين، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أَمّا بَعْدُ، يا ابْنَ الْحُرِّ! فَإِنَّ مِصْرَكُمْ هذِهِ كَتَبُوا إِلَيَّ وَخَبَّرُوني أَنَّهُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلى نُصْرَتي، وَأَنْ يَقُومُوا دُوني وَيُقاتِلُوا عَدُوّي، وَأَنَّهُمْ سَأَلُوني الْقُدُومَ عَلَيْهِمْ، فَقَدِمْتُ، وَلَسْتُ أَدْري الْقَوْمَ عَلى ما زَعَمُوا، لأِنَّهُمْ قَدْ أَعانُوا عَلى قَتْلِ ابْنِ عَمّي مُسْلِمِ ابْنِ عَقيلٍ رَحِمَهُ اللهُ وَشيعَتِهِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى ابْنِ مَرْجانَةَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زِياد يُبايِعُني لِيَزيدَ ابْنِ مُعاوِيَةَ، وَأَنْتَ يا ابْنَ الْحُرِّ فَاعْلَمْ أَنَّ الله عَزَّ وَجَلّ مُؤاخِذُكَ بِما كَسَبْتَ وَأَسْلَفْتَ مِنَ الذُّنُوبِ فِي الأْيّامِ الْخالِيَةِ، وَأَنا أَدْعُوكَ في وَقْتي هذا إلى تَوْبَةٍ تَغْسِلُ بِها ما عَلَيْكَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَأَدْعُوكَ إلى نُصْرَتِنا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنْ أُعْطِيْنا حَقَّنا حَمِدْنَا الله عَلى ذَلِكَ وَقَبِلْناهُ، وَإِنْ مُنِعْنا حَقَّنا وَرُكِبْنا بِالظُّلْمِ كُنْتَ مِنْ أَعْواني عَلى طَلَبِ الْحَقِّ. فقال عبيد الله بن الحرّ: واللهِ! يا ابن بنت رسول الله! لو كان لك بالكوفة أعوانٌ يقاتلون معك لكنت أنا أشدّهم على عدوّك، ولكنّي رأيت شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفاً من بني أميّة ومن سيوفهم، فأُنشدك بالله أن تطلب منّي هذه المنزلة! وأنا أواسيك بكلّ ما أقدر عليه وهذه فرسي ملجمةٌ، والله ما طلبتُ عليها شيئاً إلاّ أذقتُه حياض الموت، ولا طُلبتُ وأنا عليها فلُحِقتُ، وخذ سيفي هذا، فوالله ما ضربتُ به إلاّ قطعتُ. فقال له الحسين (ع)): يَا ابْنَ الْحُرِّ! ما جِئْناكَ لِفَرَسِكَ وَسَيْفِكَ، إِنَّما أَتَيْناكَ لِنَسْأَلَكَ النُّصْرَةَ، فَإِنْ كُنْتَ قَدْ بَخِلْتَ عَلَيْنا بِنَفْسِكَ فَلا حاجَةَ لَنا في شَىْء مِنْ مالِكَ، وَلَمْ أَكُنْ بِالَّذي أَتَّخِذُ الْمُضِلّينَ عَضُداً، لأِنّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَهُوَ يَقُولُ: من سمع داعية أهل بيتي، ولم ينصرهم على حقّهم ألا أكبّه الله على وجهه في النار. ثمّ سار الحسين (ع) من عنده ورجع إلى رحله.[38]

ومن وجوه وسطية الإمام الحسين في مخالفة من خالفة أنه عليه السلام كان كثير الوعظ للقوم قبل القتال وفي أثناء القتال، وكان له بسيرة أبيه أمير المؤمنين (ع) هديًا في تأخير القتال رغبةً في اهتداء البعض ممّن يرغب في المضيّ إليه، فمِن كلامٍ له عليه السلام وقد استبطأ أصحابُه إذنَه لهم في القتال بصفين. أمّا قولكم: أكلّ ذلك كراهية الموت؟ فواللّه ما أبالي أَدَخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ. وأمّا قولكم شكًّا في أهل الشّام فواللّه ما دفعت الحرب يوما إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفةٌ فتهتدي بي، وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها.

وذلك أنه يأمل بتأخير الحرب كي يهتدي البعض إلى طريق الحق والصواب. وجاء في الحديث: يا عليّ لئن يهدي اللّه بك رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت.

لأنه صلوات الله عليه يرى في ذلك حق الإمام على رعيته أن يبين لهم، بل أحالهم على التثبّت في أمره إلى قومٍ هم عندهم موثوقون فعدّ لهم من الصحابة الخدري وجابر وسهل الساعدي رغبةً منه عليه السلام أن يبيّن لمن خدعه بنو أمية لئلا تكون لأحدٍ حجةٌ في أمره.

لذلك دعا عليه السلام براحلته فركبها، ونادى بأعلى صوته: يا أهل العراق  وجُلّهم يسمعون فقال: أيّها النّاس، اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعِظكم بما يحقّ لكم عليَّ، وحتّى أُعذِر إليكم، فإنْ أعطيتموني النَّصَف كنتم بذلك أسعد، وإنْ لم تعطوني النَّصف من أنفسكم (فأجمعوا رأيكم ثمّ لا يكنْ أمركم عليكم غُمّة ثمَّ اقضوا إليَّ ولا تنظرون، إنَّ ولييَّ الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولّى الصالحين).

أمّا بعد، فانسبوني فانظروا مَن أنا، ثمّ ارجِعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلحُ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألستُ ابن بنت نبيّكم، وابن وصيّه وابن عمِّه، وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول الله بما جاء به من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أو ليس جعفر الطيّار في الجنّة بجناحين عمِّي؟ أو لم يَبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟

فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، والله ما تعمّدت كذباً منذ علمتُ أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبَرَكم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاريّ، وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعديّ، وزيد ابن أرقم، وأنس بن مالك، يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لي ولأخي، أمَا في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟!.

ثم قرّب لهم صورةَ الحال مُستخدما صلوات الله عليه المبادئ التي يؤمنون بها من النسب والقرابة والتي ينبغي للعربي المحافظة عليها وما جبلت عليه عاداتهم من نصرة القريب ظالما أو مظلوما، فقال لهم (ع):

فإنْ كنتم في شكٍّ من هذا، أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم؟! فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيٍّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم! أتطلبوني بقتيلٍ منكم قتلته؟! أو مالٍ لكم استهلكته؟! أو بقصاص جراحةٍ؟!

فلما رأى أنّ ذلك غيرُ نافعٍ أبان لجموع الجيوش الزاحفة على اختلاف أسباب حشدها أنه ما جاء ليفرض نفسه –وإن كان مُحِقًّا لو فعل بحكم إمامته على الخلق– إنما جاء تلبيةً لدعوة الكبار من قادتهم.

فنادى عليه السلام: يا شبث بن ربعيّ، يا حجّار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا يزيد بن الحارث، ألمْ تكتبوا إليَّ أن قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب، وإنّما تقدِم على جُندٍ لك مُجنَّدة؟!

فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول! ولكن انزِل على حكم بني عمّك، فإنّهم لن يُروك إلاّ ما تحبّ!

وحتى لايقع في نفس أيِّ فردٍ من القوم أن ثمة سبيلاً إلى الصلح فلا يحتاج أحدهم إلى الذهاب إلى صف الحسين حسم سيد الشهداء صلوات الله عليه أمره بالقول:

لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد.

وما ادخر سيد الشهداء أيّ وسيلةٍ في نصح القوم وبيان أحقيته في النصرة من آل أمية، حتى الشواهد الشعرية فنراه يستشهد بالشعر لعل أمة الشعر والأدب ترعوي عن غيّها وتعرف حقه ومقامه مبيناً من شاهده هذا أنه جارٍ على سنن الماضين مستشهداً بأبيات فروة بن مسيك المرادي:

فـإنْ نُـهزم فهزّامون قِدماً



وإنْ نُـغلبْ فـغير مُغلَّبينا

ومـا إنْ طـبنا جُبنٌ ولكنْ



مـنايانا ودولـة آخـرينا

إذا ما الموت رفع عن أُناسٍ



كـلاكـله أنـاخ بـآخرينا

فـأفنى ذلكم سروات قَومي



كـما أفنى القرون الأوّلينا

فـلو خلُد الملوك إذاً خلُدنا



ولـو بقيَ الملوك إذاً بقينا

فـقل لـلشامتين بنا أفيقوا



سـيلقى الشامتون كما لقينا





وكان يأذن لأصحابه الكرام في وعظ أهل الكوفة (في جيش ابن زياد) لعلهم يرجعون إلى طريق الهداية.

فقد تقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه، وبين يديه بريرٌ بن خضير الهمداني، فقال له الحسين: كَلِّم القوم يا بريرُ وانصحهم، فتقدّم بريرٌ حتى وقف قريباً من القوم، والقوم قد زحفوا إليه عن بكرة أبيهم، فقال لهم برير: يا هؤلاء، اتّقوا الله فإنّ ثِقل محمّد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذرّيته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم؟ وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟!

فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأمير عبيد الله بن زياد فيرى رأيه فيهم.

فقال بريرٌ: أفلا ترضون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي أقبلوا منه؟! ويلكم يا أهل الكوفة، أنسيتم كتبكم إليه وعهودكم التي أعطيتموها من أنفسكم وأشهدتم الله عليها، وكفى بالله شهيداً؟! ويلكم، دعوتم أهل بيت نبيّكم وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم من دونهم، حتّى إذا أتوكم أسلمتموهم لعُبَيد الله، وحَلأتموهم عن ماء الفرات الجاري، وهو مبذولٌ يشرب منه اليهود والنصارى والمجوس، وترِده الكلاب والخنازير، بئسما خلفتم محمّداً في ذرّيته، ما لكم؟! لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم.

فقال له نفرٌ منهم: يا هذا ما ندري ما تقول؟

فقال بريرٌ: الحمدُ لله الذي زادني فيكم بصيرةً، فجعلَ القوم يرمونه بالسهام، فرجع بريرٌ إلى ورائه[39].

رابعاً: الوسطية في الجهاد:

إن للجهاد والقتال شروطاً، وهو لا ينبغي لمن لا تتوفر فيه الدعوة إليها أو التلبس بصفة المجاهدين، فربما كان بعضُ من يدّعي أنه مجاهدٌ ممن يجب على المسلمين مجاهدته.

عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله أهو لقومٍ لايحلّ إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم أم هو مباحٌ لكل من وحّد الله عز وجل وآمن برسوله صلى الله عليه وآله ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عزوجل وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟ فقال: ذلك لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم، قلت: من أولئك؟ قال: من قام بشرائط الله عز وجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزو جل ومن لم يكن قائما بشرائط الله عز وجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد، ولا الدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد...

(إلى ان يقول)

...ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله عز وجل على المؤمنين والمجاهدين: لا تجاهدوا ولكن نقول: قد علّمناكم ما شرط الله عز وجل على أهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان فليصلح امرؤٌ ما علم من نفسه من تقصيرٍ عن ذلك وليعرضها على شرائط الله فإن رأى أنه قد وفى بها وتكاملت فيه فإنه ممن أذن الله عز وجل له في الجهاد فإن أبى أن لا يكون مجاهدا على ما فيه من الإصرار على المعاصي والمحارم والإقدام على الجهاد بالتخبيط والعمى والقدوم على الله عز وجل بالجهل والروايات الكاذبة، فلقد لعمري جاء الأثر في من فعل هذا الفعل (أنّ الله عز وجل ينصر هذا الدين بأقوامٍ لاخلاق لهم) فليتقِ اللهَ عز وجل امرؤٌ وليحذر أن يكون منهم، فقد بين لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل[40].

كان سيد الشهداء محافظا على أصول الجهاد مراعياً الوقت المناسب للنهوض، فقد كان صلوات الله عليه صامتاً طوال هدنة الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية وبعد شهادتة الإمام الحسن طيلة فترة حكم معاوية رعايةً للعهود والمواثيق التي أعطاها الإمام الحسن (ع).

لكنه (ع) في تلك الفترة لم يدع ترويع ولاة معاوية بنوعٍ من الحركات الشبيه بالاحتجاجات العسكرية وكان (سلام الله عليه) يحدّ من توسع أطماع معاوية وولاته – خصوصا في الحجاز– من خلال حشد كبار المسلمين في زمانه ضد الولاة وبيان معايبه ـ، ففي ولاية الوليد دعا سيد الشهداء إلى إحياء حلف الفضول[41].

فقد كان بينه عليه السلام وبين الوليد بن عتبة بن أبى سفيان كلامٌ في مالٍ كان بينهما بذي المروة، والوليد يومئذ أمير المدينة في أيام معاوية، فقال الحسين عليه السلام: أيستطيل الوليد عليَّ بسلطانه! أقسم بالله لينصفنِّي من حقّي أو لآخذنّ سيفي ثم أقوم في مسجد الله فأدعو بحلف الفضول! فبلغت كلمته عبد الله بن الزبير، فقال: أحلف بالله لئن دعا به لآخذن سيفي، ثم لأقومنّ معه حتى ينتصف أو نموت جميعا. فبلغت المسور بن مخرمة بن نوفل الزهري، فقال: مثل ذلك، فبلغت عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي، فقال مثل ذلك، فبلغ ذلك الوليد بن عتبة، فأنصف الحسين (ع) من نفسه حتى رضي.

قال الزبير: وقد كان للحسين (ع) مع معاوية قصةٌ مثل هذه، كان بينهما كلامٌ في أرضٍ للحسين (ع)، فقال له الحسين (ع): اختر مني ثلاث خصالٍ، إما أن تشتري مني حقي، وإما أن ترده عليّ، أو تجعل بيني وبينك ابن عمر أو ابن الزبير حكما، وإلا فالرابعة، وهي الصيلم، قال معاويه: وما هي؟ قال: أهتف بحلف الفضول، ثم قام فخرج وهو مغضبٌ، فمر بعبد الله بن الزبير فأخبره، فقال: والله لئن هتفت به وأنا مضطجعٌ لأقعدنّ، أو قاعدٌ لأقومنّ، أو قائمٌ لأمشينَّ، أو ماشٍ لأسعينّ، ثم لتَنفدنّ روحي مع روحك، أو لينصفنّك. فبلغت معاوية، فقال: لا حاجة لنا بالصيلم، ثم أرسل إليه أن ابعث فانتقد مالك، فقد ابتعناه منك[42].

إن مثل هذه الحركات التي قد نسميها بأنها أشبه بحركاتٍ تعرضية كانت تحد من طغيان معاوية وتزيده خوفاً كلما أراد الإقدام على محاولة التعدي على حقوق المسلمين، ولكنه –كما مر– يغدر ويفجر، رغم ذلك نصب على الأمة يزيدَ فهل يبايع الحسين عليه السلام مثلهُ، أبداً لقد كانت كلمته عنوان الأحرار في كلٍّ زمانٍ (مثلي لا يبايع مثله) في بيانٍ منه أنّ كلَّ حرٍ وأبيٍّ يتخذ من الإمام الحسين عليه السلام مثلاً سامياً لا يميل إلى من مثل يزيد الخمور الفجور في كل زمانٍ وكم في التاريخ والحاضر من يزيدٍ.

كان الإمام (ع) وسطيًّا في مخالفته للبيعة –مثلا– فقد أراد أن ينقض على الوالي الأموي في المدينة البيعة علناً وهم أرادوها جهراً فقلب عليهم تدبيرهم.

فهو (ع) سلك منهج الوسطية السلمية في مخالفة خصومه ولنا في سيرته بهذا الاتجاه شواهدُ وأمثلةٌ عديدةٌ منها:

أولا: عدم اختيار اليمن أو أيٍّ بلادٍ أخرى محصنةٍ:

الحسين (صلوات الله عليه) خارجٌ لطلب الإصلاح فلا بد أن يخرج إلى قومٍ لديهم الاستعداد لذلك الإصلاح أو أنهم يطلبونه ولو باللسان فقط وهذا لم يكن من أيِّ مصرٍ من أمصار الإسلام سوى الكوفة وتلك بطبيعة الحال فضيلة فان مكة والمدينة والشام واليمن ومصر لم يكن لها شأنٌ يذكر في المطالبة بعملية إصلاح نظام الحكم في الإسلام وربما يفهم من مجموع الأحداث رضا وولاء الناس شبه المطلق لبني أمية.

ولما خرج الحسين (ع) من المدينة وأجاب رسل أهل الكوفة وعرف كبار الصحابة معارضته لبني أمية بامتناعه عن البيعة ليزيد عرضوا عليه التحصن باليمن أو بالمناطق الجبلية الوعرة التي لا يستطيع جيش يزيد اختراقها، فهذا محمّد بن الحنفية يقول له: (تخرج إلى مكّة، فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك، وإن تكن الأُخرى خرجت إلى بلاد اليمن، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك، وهم أرأف الناس وأرقّهم قلوباً وأوسع الناس بلاداً، فإن اطمأنّت بك الدار وإلاّ بالرمال وشعوب الجبال، وجزت من بلد إلى بلد، حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس، ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين)[43].

وهذا الطرمّاح يقول له: (فإن أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتى ترى من رأيك، ويستبين لك ما أنت صانعٌ، فسرْ حتى أُنزلك مِناع جبلنا الذي يُدعى (أجأ)، فأسير معك حتى أُنزلك (القُرَيّة)[44]..

وفي نصٍّ آخرَ: (فإن كنت مُجمعاً على الحرب فانزل (أجأ)، فإنّه جبلٌ منيعٌ، والله، ما نالنا فيه ذلٌّ قطّ، وعشيرتي يرون جميعاً نصرك، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم)[45].

ثانيا: عدم اتخاذ مكة ساحةً للقتال:

ومن أمثلة وسطية الحسين في المخالفة أنه (ع) لمْ يتخذْ من مكةَ المكرمةَ حرمَ الله الآمنَ ساحةً للقتال، فإن لمكةَ مكانةً خاصةً عند المسلمين لم يشأ أن يهتك الإمام الحسين حرمتها ويجعلها ساحةً للقتال، ولا شك في أنه لو اتخذها لم يكن يأمن أن تهتك حرمتها فيخسر بذلك أسمى أهداف نهضته وهي حفظ الحرم ولَمَا كان بينه وبين ابن الزبير فرقٌ، لأن العدوَّ لا يميز بين الحرمات قط ولو كان له تمييزٌ فإن حرمة دم الحسين أعظم من حرمة الكعبة، إلّا أن الارتكاز الذهني عند عموم المسلمين بحرمة الكعبة ثابتٌ ونافعٌ لتثبيت المقدسات الإسلامية.

عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين قالا: خرجنا حاجَّيْن من الكوفة حتّى قدمنا مكّة فدخلنا يوم التروية، فإذا نحن بالحسين عليه السلام وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب، فتقرّبنا منهما فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين (ع): إن شئت أن تقيم أقمت فولّيت هذا الأمر فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك. فقال له الحسين (ع): إنَّ أبي حَدَّثَني أَنَّ بِها كَبْشاً يَسْتَحِلُّ حُرْمَتَها! فَما أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذلِكَ الْكَبْشَ.[46]

ثالثا: عدم مباغتة الحر الرياحي:

ومن وجوه وسطية الإمام الحسين في الجهاد أنه عليه السلام لم يتخذ كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة لكسب المعركة وإنما كانت دعوتُه إلهيّةً وجهادُه إلهيَّا، فهو (ع) لم يشأ أن يباغت الحر الرياحي وأصحابه في الصحراء ويبدد جيشه ويدخل الكوفة ليستولي عليها فان هذا كان ميسوراً له لو أراد، لا سيما وأنّ القوم وصلوه وهم عطشى، لكن الإمام صلوات الله عليه رفض هذا المنهج النفعي وهو إنما خرج لطلب الإصلاح والذي تقدم منهجُ إفسادٍ يعتمد الغلبة بغض النظر عن الآثار التي سوف تترتب على القيم الأخلاقية الربانية.

إن أمر الإصلاح الذي طلبه الإمام الحسين هو إصلاح القيم والمبادئ النبوية الإلهية التي هدمها بنو أمية، بإشاعة الغدر والانتقام ونبذ المسامحة مع الأعداء.

فلمّا بانت له (ع) طلائعُ خيل الحر مال بأصحابه إلى ذي حسمٍ. فما كان بأسرع من أن طلعت هوادي الخيل فتبينّها أصحاب الحسين وعدلوا. فلمّا رأوهم عدلوا عن الطريق عدلوا إليهم، كأنّ أسنتهم اليعاسيب، وكان راياتهم أجنحة الطير، فاستبقوا إلى ذي حسمٍ فسبقهم أصحاب الحسين عليه السلام إليه، وأمر الحسين (ع) بأبنيته فضُربت، وجاء القوم زهاء ألف فارسٍ مع رئيسهم الحر بن يزيد التميمي الرياحي حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين (ع) في حرّ الظهيرة، وقد أخذ العطش منهم ما أخذ، هذا والحسين وأصحابه معتمّون متقلدون أسيافهم.

ولمّا رآهم الحسين (ع)، وقد أثّر العطش بهم في تلك الظهيرة، وحرّ البادية والهجير، هذا والشمس في كبد السماء ترسل أشعتها الوقّادة عليهم وهم من غير ماءٍ، أمر (ع) أصحابه وفتيانه، وقال: اسقوهم الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً.

فأقبل أصحاب الحسين (ع) يملأون القصاع والطساس من الماء ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ الرجل فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت، وربّما يُسقى الفارس قبلها، وسقى الآخر وفرسه حتّى سقوهم عن آخرهم.

قال علي بن الطعّان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذ فجئت في آخر مَنْ جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين (ع) ما بي وبفرسي من العطش، قال: أَنِخِ الروايةَ، والراويةُ عندي السقاءُ، ثمّ قال: يا ابنَ الأخ، أنِخِ الجمل، فأنختُه، فقال: اشربْ . فجعلت كلّما أشرب سال الماء من السقاء، فقال الحسين (ع): اخنث السقاء . أي اعطفه، فلم أدرِ كيف أفعل، فقام (ع) بنفسه فخنثه، فشربتُ وارتويتُ وسقيتُ فرسي.

قالوا: وكان مجيء الحرّ بن يزيد من القادسية، وقد كان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره أن ينزل القادسية، وتقدّم الحرّ بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين (ع).

فلمّا شرب الحرّ الماء ومَنْ معه، وتغمرت خيلهم، جلسوا جميعاً في ظلّ خيولهم وأعنّتها في أيديهم حتّى حضرت صلاة الظهر. أمر الحسين (ع) الحجاج بن مسروق الجعفي أن يؤذّن فأذّن، فلمّا حضرت الإقامة خرج الحسين (ع) من خبائه في إزار ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفُها، فلم يبقَ منها إلاّ صبابةٌ كصبابة الإناء، وخسيسُ عيشٍ كالمرعى الوبيل. ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً.

قال: فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه: تتكلّمون أم أتكلم؟ قالوا: بل تكلّم. فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك، والله لو كانت الدنيا لنا باقيةً، وكنّا فيها مخلّدين إلاّ أنّ فراقها في نصرتك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها.

قال: فدعا الحسين (ع) له .

ثمّ التفت إلى أصحاب الحرّ، وقال: أيها الناس، إنّي لم آتيكم حتّى أتتني كتبُكم، وقدمتْ على رُسُلكم أن أقْدمْ علينا، فإنّه ليس لنا إمامٌ غيرك لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فأعطوني ما أطمئن إليكم من عهودكم ومواثيقكم، وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم . فسكتوا عنه ولم يتكلّم أحدٌ منهم بكلمةٍ، فقال للمؤذن: أقم . فأقام الصلاة، فالتفت الحسين (ع) إلى الحرّ وقال له: أتريد أن تصلّي بأصحابك؟ . قال: لا، بل تصلّي أنت ونصلّي بصلاتك. فصلّى الحسين بهم جميعاً.

ولمّا فرغ من صلاته دخل خباءه فاجتمع إليه أصحابه، وانصرف الحرّ إلى مكانه المعدّ له فدخل خيمته واجتمع إليه جماعةٌ من أصحابه، وعاد الباقون إلى صفّهم الذي كانوا فيه فأعادوه، ثمّ أخذ كلُّ رجلٍ منهم بعنان دابته وجلس في ظلّها.

ولمّا كان وقت العصر أمر الحسين (ع) أصحابه أن يتهيأوا للصلاة ففعلوا، ثمّ أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام، فتقدّم الحسين (ع) فصلّى، ثمّ سلّم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد أيها الناس، فإنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله تكن أرض لله عليكم، ونحن أهل بيت محمد (صلّى الله عليه وآله)، وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أبيتم إلاّ كراهية لنا والجهل بحقّنا، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كُتُبُكم، وقدمت به عليّ رُسُلُكم انصرفتُ عنكم .

فقال الحرّ: أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكرها.

فنادى الحسين (ع) برجل من أصحابه. يا عقبة بن سمعان، أخرج الخرجيْن للّذيْن فيهما كُتبُهم إليّ . فأخرج عقبةُ خرجيْن مملوءَيْن صحفاً فنُثرت بين يَديه، فقال الحرّ: إنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد.

فقال الحسين (ع): الموت أدنى إليك من ذلك . ثمّ قال لأصحابه: قوموا واركبوا . فركبوا وانتظروا حتّى ركبت العائلة، فقال (ع) لأصحابه: انصرفوا . فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين عليه السّلام للحرّ: ثكلتك أمّك! ما تريد؟ . فقال الحرّ: أما لو غيرُك من العرب قالها لي وهو على مثل هذا الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمّه بالثكل كائناً مَنْ كان، ولكن والله، ما لي إلى ذكر أمّك من سبيلٍ إلاّ بأحسن ما نقدر عليه.

فقال الحسين (ع): ما تريد؟ . قال: أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله.

قال: إذاً والله لا أتبعك . قال: إذاً والله لا أدعك، فترادّا القول ثلاث مرّات، فلمّا كثر الكلام بينهما قال له الحرّ: إنّي لم أؤمر بقتالك، إنّما أُمرت أن لا أُفارقك حتّى أُقْدِمَك الكوفة، فإذا أَبيْتَ فخذ طريقاً لا يُدخلك الكوفة ولا يردّك إلى المدينة، فيكون بيني وبينك نَصَفاً حتّى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أُبتلى بشيءٍ من أمرك، فخذ ها هنا. فتياسر عن طريق العذيب والقادسية.

ثمّ سار الحسين (ع) وجعل يسايره الحرّ وهو يقول له: يا حسين، إنّي أذكّرك الله في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ.

فقال له الحسين (ع): أفبالموت تخوفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟![47].

رابعا: عدم البدء في القتال:

إن للقتال في الإسلام شروطًا وآدابًا ينبغي على الإمام أن يتّبعها ولا يكون باغياً، ومن خالفها لا يمكن اعتباره مثلاً أعلى أو مُصلحاً، ومِن هذه الآداب عدم البدء والمباشرة في القتال قبل الإعذار ونفاذ الحجة على الخصم وهذا كان دأب رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، فمِن وصايا الإمام عليٍّ في الجهاد لأحد ولاته لما أرسله مقدمة أمامه في صفين:

لَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَءأوكُمْ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى حُجَّةٍ وَتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَأوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَلَا تَقْتُلُوا مُدْبِراً وَلَا تُصِيبُوا مُعْوِراً وَلَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ وَلَا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى وَالْأَنْفُسِ وَالْعُقُولِ. إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفَهْرِ أو الْهِرَاوَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ[48].

فإن الأئمة الطاهرين كانوا دُعاةَ سلامٍ لا طُلَّابَ حربٍ، وقد رفض الإمام الحسين طلب أصحابه المباشرة في القتال قبل الاعذار وقبل بدء القومِ أنفسِهم به بعبارته المشهورة: (أكره أن أبدأهم بقتالٍ).

روى الطبري بسنده عن الضحّاك المشرقيّ أنّه قال: (لمّا أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلاّ يأتونا من خلفنا، إذ أقبل إلينا منهم رجلٌ يركض على فرسٍ كامل الأداة، فلم يكلّمنا حتّى مرَّ على أبياتنا، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلاّ حطباً تلتهب النّار فيه، فرجع فنادى بأعلى صوته: يا حسين، استعجلتَ النار في الدنيا قبل يوم القيامة؟!

فقال الحسين: مَن هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن.

فقالوا: نعم، أصلحك الله، هو هو.

فقال: يا بن راعية المِعزى، أنت أَولى بها صِلِيًّا.

فقال له مسلم بن عوسجة: يا بن رسول الله، جُعلت فداك، ألا أرميه فإنّه قد

أمكنني، وليس يسقط لي سهم، فالفاسق من أعظم الجبّارين.

فقال له الحسين: لا ترمِه، فإنّي أكره أن أبدأهم[49].

خامسا: كراهة قتال الأطفال والنساء:

ومن أصول وقواعد الحرب ألّا يشترك فيها النساء والأطفال، لذلك لم يسمح الإمام الحسين لهذين الصنفين من المباشرة في القتال ولم يتوصل إلى النصر أو مجاهدة الأعداء بما لا يسمح به الشرع والعرف، أما من نذر نفسه للدفاع عن إمامه طواعية فما كان سيد الشهداء ليحرمه هذه المكرمة[50] وإن كان عليه السلام كارها لذلك.

فقد جاء عمرو بن جنادة الأنصاري، بعد أن قُتل أبوه، وهو ابن إحدى عشرة سنةً، يستأذن الحسين فأبى وقال: (هذا غلامٌ قُتِل أبوه في الحملة الأُولى، ولعلّ أُمّه تكره ذلك).

قال الغلام: إنّ أمّي أمرتني!

فأذن له، فما أسرع أن قُتِل ورُمي برأسه إلى جهة الحسين (ع)، فأخذته أمّه ومسحت الدم عنه وضربت به رجلاً قريباً منها فمات! وعادت إلى المخيّم فأخذت عموداً وقيل سيفاً وأنشأت:

أنا عجوزٌ في النسا ضعيفة



خاوية بالية نحيفة

أضربكم بضربة عنيفة



دون بني فاطمة الشريفة





فردّها الحسين إلى الخيمة بعد أن أصابت بالعمود رجُلين[51].

خاتمة المطاف

وفي خاتمة بحثنا هذا أقول قد تبين للقارئ الكريم شيءٌ ممّا يمكن الاستدلال به على منهجية الإمام في نهضته المباركة التي أصبحت في ما بعد درساً إلهيّاً في الإصلاح شيدها الإمام (ع) بدمائه الزكية ودماء أهل بيته وأصحابه الكرام، وكان الإمام (ع) من أولها إلى آخرها يتخذ من الوسائل المتاحة له بحسب المنهج القرآني والنبوي الذي قررته الشريعة السمحة للمطالبة بحقه وحق الأمة من ولاة الجور، مسالماً ما كان السلم نافعاً، فإن لم يكن كان للسيف والجلاد لغةٌ لقومٍ هم به أحقُّ وأليقُ.

نسأل الله بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين أن يغفر لنا زلات اللسان والأقلام ويحسن لنا البدء والختام والحمد لله رب العالمين.



مصادر البحث

*– القرآن الكريم

*– ابن أعثم الكوفي، أحمد بن عثمان (ت 314 ﻫ / 926م):

1– كتاب الفتوح، ط1، مطبعة دائرة المعارف العثمانية (حيدر آباد – دت).

*– الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين (ت 356ﻫ / 966 م):

2– الأغاني، تح: علي محمد البجاوي، مؤسسة جمال للطباعة (بيروت – دت).

*-الأسترآبادي.، شرف الدين علي الحسيني

3– تأويل الآيات الطاهرة في فضائل العترة الطاهرة، تحقيق مدرسة الإمام المهدي عج، قم المقدسة، 1407.

*– ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم (ت 630 ﻫ /1232 م):

4– الكامل في التأريخ، تح: علي شيري، ط1، دار إحياء التراث (بيروت – 1408ﻫ / 1989 م).

*– الأميني، الشيخ عبد الحسين أحمد النجفي، ت(1392هـ):

5– الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ط1، دار الكتاب العربي، (بيروت، 1397هـ).

*– الأربلي، أبي الحسن علي بن عيسى (ت693هـ)

6– كشف الغمة في معرفة الأئمة، (ط1، دار الأضواء بيروت، 1421هـ– 2000م)

*-البحراني، الشيخ عبد الله (ت 1130).

7– العوالم: الإمام الحسين ،1407، مطبعة أمير قم، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي، ط1.

*– البلاذري، أحمد بن يحيى (ت 279 ﻫ / 893م):

8– أنساب الأشراف، اوفسيت مكتبة المثنى / بغداد.

*– البرقي،

9– المحاسن، تحقيق جلال الدين الحسيني، (دار الكتب الإسلامية، ب.ت).

*– الخوارزمي، موفق بن أحمد المكي:

10– مقتل الحسين، تحقيق محمد السماوي، ط الزهراء ، النجف، 1367 هـ.

*– الديلمي، الشيخ الحسن بن أبي الحسن.

11– أعلام الدين في صفات المؤمنين: تحقيق مؤسسة آل البيت – قم المقدسة هـ 1408.

*– الديلمي: (ت 509هـ/1115م).

12– الفردوس بمأثور الخطاب، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول. لبنان-بيروت، دار الكتب العلمية، 1406هـ/1986م.

*– الرضي، السيد الشريف

13– نهج البلاغة: لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، تح: صبحي الصالح، ط1، 1387ﻫ – 1967 م، بيروت.

*-السهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله الخثعمي، (ت518هـ /1116م).

14 – الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، تح مجدي منصور الشورى، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت – 1997).

*– ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الهاشمي البصري (ت 230هـ/ 844م):

15– الطبقات الكبرى، ط1، أعد فهارسها رياض عبد الله عبد الهادي، بيروت، لبنان، دار إحياء التراث العربي، 1995م.

*-الشعيري، من أعلام القرن السادس الهجري.

16– جامع الأخبار،المطبعة الحيدرية النجف الأشرف.

*-الشريف المرتضى: أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (ت 672 ﻫ).

17– الفصول المختارة من العيون والمحاسن / المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف. ط2.

*– شبر، جواد:

– أدب الطف أو شعراء الحسين، مطبعة شعاركو والصادق وقدموس والطباعة اللبنانية/بيروت 1969 – 1977م.

*– ابن شهر آشوب: رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي السردي (ت 588 ﻫ).

18– مناقب آل أبي طالب / المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376 ﻫ – 1965 م.

*– الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي، (ت318هـ/929م):

19– الآمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة، ط1، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، (طهران – 1417هـ).

*– ابن طاووس، علي بن موسى (ت، 664هـ / 1265م):

اللَّهوف في قتلى الطفوف، (المطبعة الحيدرية، النجف، ط1، د. ت).

*– الطبراني، أبو القاسم سليمان بن احمد بن أيوب اللخمي، (ت360هـ/860م):

21– المعجم الكبير، تح: حمدي عبد المجيد السلفي، ط1، مطبعة الوطن العربي، (بغداد – 1980).

*– الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير (ت310هـ):

22– التاريخ (تاريخ الرسل والملوك)، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، دار المعارف / مصر 1980/.

*-الشيخ الطوسي

23– التبيان في تفسير القرآن: طبع بيروت.

*– الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن (من أعلام القرن السادس):

24– الاحتجاج: تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الموسوي الخرسان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت، الطبعة الثانية 0341 ه‍ 1983 م.

*– الطبرسي، أمين الدين أبو علي الفضل (ت548هـ)

25– مجمع البيان في تفسير القرآن، (دار إحياء التراث العربي، بيروت،1379هـ)

*-ابن العديم كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد، (ت660هـ/1262م).

26 بغية الطلب في تاريخ حلب، تح د. سهيل زكار، ط1، دار الفكر، (بيروت – 1988).

*– ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله بن عبد الله الشافعي، (ت571هـ/1176م):

27– تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، (بيروت – 1995م).

*-التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري: منشورات مؤسسة الإمام المهدي قم، الطبعة الأولى 1409هـ.

*– العاملي، السيد محسن الأمين، (ت 1371هـ):

28– أعيان الشيعة، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، (بيروت، 1403هـ).

*– الغزالي،محمد السقا (المتوفى: 1416هـ،

29– فقه السيرة، دار القلم دمشق، تخريج الأحاديث: محمد ناصر الدين الألباني الطبعة: الأولى، 1427 هـ.

* – الكاشاني، الفيض.

30-المحجة البيضاء، تحقيق علي أكبر الغفاري – جماعة المدرسين بقم المقدسة.

*– الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق، (ت 329 هـ /940 م):

31– الكافي، دار الكتب الإسلامية، (طهران –1365هـ). (8 أجزاء).

*– ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل، (ت774هـ)

32– البداية والنهاية، ط1، دار احياء التراث العربي، بيروت، (1417هـ– 1997م).

*– المفيد، أبو عبد الله بن محمد بن النعمان (ت413 هـ /1022م):

33– الإرشاد، دار الكتب الإسلامية،

*– المشهدي، الميرزا محمجد

34– تفسير كنز الدقائق، تحقيق حسين دركاهي، دار الغدير، ط1، قم، 1424هـ-2000م.

* ابن المغازلي علي بن محمد بن محمد الواسطي، ت 483 هـ:

35– المناقب: المطبعة الإسلامية، طهران.

* – معهد تحقيقات باقر العلوم (ع).

36– موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) منظمة الإعلام الإسلامي – طهران 1416.

*– المجلسي: محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ﻫ):

37– بحار الأنوار الجامعة لدرر أَخبار الأئمة الأطهار. مؤسسة الوفاء، بيروت، ط2، 1403 ﻫ – 1983 م.

* ابن نما، جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله (ت، 645هـ/1247م):

38– مثير الأحزان، تحقيق مؤسسة الإمام المهدي، (مطبعة مدرسة الإمام المهدي، قم، ط2، 1406هـ).

* أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت 430 هـ):

39– حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1405 هـ.

*– النوري، الميرزا حسين الطبرسي، (ت1320هـ):

40– مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ط2، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، (بيروت، 1408 هـ).

*– الهيثمي، علي بن أبي بكر (ت807هـ /1404 م):

41– مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الريان للتراث ودار الكتاب العربي، القاهرة، 1407هـ.

*-محمد مهدي الحائري المازندراني:

42– معالي السبطين، النعمان، النجف، 1380 هـ.

*-المقرم، عبد الرزاق الموسوي:

43– مقتل الحسين، ط 2، النجف، 1956.

----------------------------------------------

[1]     إبراهيم/26

[2]     النور/39

[3]     النحل/125

[4]     الطبرسي، أمين الدين ابو علي الفضل (ت548هـ)، مجمع البيان في تفسير القرآن، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1379هـ)،: ج6 ص 439.

[5]     الأسترآبادي.، شرف الدين علي الحسيني، تأويل الآيات الطاهرة في فضائل العترة الطاهرة تحقيق مدرسة الإمام المهدي عج قم المقدسة 1407،: ص311.

[6]     المجلسي: محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ﻫ)، بحار الأنوار الجامعة لدرر أَخبار الأئمة الأطهار. مؤسسة الوفاء، بيروت، ط2، 1403ﻫ – 1983 م ج24 ص24.

[7]     فوائد الحكمة، الفائدة الأولى بتصرف.

[8]     سورة هود 49 –51.

[9]     آل عمران/64.

[10]   البقرة/256.

[11]   الشعيري، من أعلام القرن السادس الهجري، جامع الأخبار، المطبعة الحيدرية النجف الأشرف، ص 89، موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): معهد تحقيقات باقر العلوم (ع). منظمة الإعلام الإسلامي – طهران 1416،ص 924.

[12]   الديلمي، الشيخ الحسن بن أبي الحسن، أعلام الدين في صفات المؤمنين: تحقيق مؤسسة آل البيت – قم المقدسة 1408، ص 428، بحار الأنوار 103: 27 ح 41 و42، النوري، الميرزا حسين الطبرسي، (ت1320هـ)،مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ط2، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، (بيروت، 1408 هـ)، ج13 ص 35.

[13]   الشريف المرتضى: أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (ت 672 ﻫ)، الفصول المختارة من العيون والمحاسن/ المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف. ط2،ج1 ص10 11، بحار الأنوار، ج10، ص371 ح3.

[14]   بحار الأنوار 2: 135 ح 32، الكاشاني، الفيض، المحجة البيضاء تحقيق علي أكبر الغفاري – جماعة المدرسين بقم المقدسة:ج1 ص 107.

[15]   بحار الأنوار:ج22 ص 412، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ط1، دار الكتاب العربي، (بيروت، 1397هـ)،ج 8ص 301.

[16]   في رواية أخرى بعد قوله: فكذبوني: اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم فمن أمنتم من الناس.

[17]   الاحتجاج: تعليقات وملاحظات السيد محمد باقر الموسوي الخرسان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت، الطبعة الثانية 0341 ه‍ 1983 م: ج2 ص 18.

[18]   نديوان الإمام الحسين ص 15.

[19]   نزهة الناظر ص 85.

[20]   ابن نما، جعفر بن محمد بن جعفر بن هبة الله (ت، 645هـ/1247م)، مثير الأحزان، تحقيق مؤسسة الإمام المهدي، (مطبعة مدرسة الإمام المهدي، قم، ط2، 1406هـ).ص 41، ابن طاووس، علي بن موسى (ت، 664هـ / 1265م)، اللَّهوف في قتلى الطفوف، (المطبعة الحيدرية، النجف، ط1، د. ت)، ص 26، الأربلي، ابي الحسن علي بن عيسى (ت693هـ)، كشف الغمة في معرفة الأئمة، (ط1، دار الأضواء بيروت،1421هـ– 2000م): ج2 ص29، بحار الأنوار:ج 44: 366، البحراني، الشيخ عبد الله (ت 1130) ط 1، العوالم: الإمام الحسين،1407، مطبعة أمير قم، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي:ج17: 216، العاملي، السيد محسن الأمين، ت(1371هـ)، أعيان الشيعة، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، (بيروت، 1403هـ):ج 1 ص 593، محمد مهدي الحائري المازندراني، معالي السبطين، النعمان، النجف 1380 هـ، ج 1: 250.

[21]   الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير (ت310هـ):، التاريخ (تاريخ الرسل والملوك) تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم، دار المعارف/ مصر 1980:ج 4: 304، ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم (ت 630 ﻫ /1232 م): الكامل في التأريخ، تح: علي شيري، ط1، دار إحياء التراث (بيروت – 1408ﻫ / 1989 م): ج 3: 280، المقرم، عبد الرزاق الموسوي، مقتل الحسين (ع) ط 2، النجف 1956. ص 184، الخوارزمي، موفق بن أحمد المكي: مقتل الحسين، تحقيق محمد السماوي ط الزهراء، النجف 1367 هـ.ج 1:221.

[22]   ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله بن عبد الله الشافعي، (ت571هـ/1176م): تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، (بيروت – 1995م)،؛ ترجمة الإمام الحسين (ع)، 314، رقم 271، الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، (ت360هـ/860م)، المعجم الكبير، تح حمدي عبد المجيد السلفي، ط1، مطبعة الوطن العربي، (بغداد – 1980):ج 3 ص 114، رقم 2842، أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني ت 430 هـ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء:، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الرابعة 1405 هـ.:ج 2: 39، الخوارزمي، المقتل:ج 2 ص 7، رقم 7، الهيثمي، علي بن أبي بكر (ت807هـ /1404 م):

      مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الريان للتراث ودار الكتاب العربي، القاهرة، 1407هـ:ج 9: 192.

[23]   الطبري:ج6 ص 226، ابن الأثير:ج3 ص 17، ابن كثير،ابو الفداء إسماعيل، (ت774هـ)0 البداية والنهاية، (ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1417هـ– 1997م):ج8 ص 171.

[24]   عن احد اصحابه عن ابي عبد الله عليه السلام، قال: إنا لنصبر وإن شيعتنا لاصبر منا، قال: فاستعظمت ذلك فقلت: كيف يكون شيعتكم أصبر منكم!؟ فقال: إنا لنصبر على ما نعلم، وانتم تصبرون على ما لا تعلمون (الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق، (ت 329 هـ /940 م)ـالكافي، دار الكتب الإسلامية، (طهران –1365هـ). (8 أجزاء): ج 2 ص 93، مستدرك الوسائل: ج 11 ص 284)

[25]   تاريخ الطبري:ج 4: 317، المفيد، أبو عبد الله بن محمد بن النعمان (ت413 هـ /1022م)، الإرشاد، دار الكتب الإسلامية، ص 258، الكامل في التاريخ:ج 3: 285، البلاذري، احمد بن يحيى (ت 279 ﻫ / 893م): أنساب الأشراف، اوفسيت مكتبة المثنى/ بغداد:ج 3: 393، الخوارزمي، المقتل:ج، 1: 349، ابن اعثم الكوفي، احمد بن عثمان (ت 314 ﻫ / 926م)،كتاب الفتوح ، ط1، مطبعة دائرة المعارف العثمانية (حيدر آباد – د0ت).:ج 5: 169.

[26]   تاريخ الطبري:ج4: 317، الكامل في التاريخ،:ج 3: 285، الإرشاد: 258، الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي، (ت318هـ/929م): الآمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة، ط1، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، (طهران – 1417هـ) ص 133، المجلس 30.

[27]   انظرها في: تاريخ الطبري:ج 4: 317، الكامل في التاريخ،:ج 3: 285، الإرشاد: 258، أمالي الصدوق: 133، المجلس 30، رقم 1، أنساب الأشراف:ج3 ص 339، الفتوح:ج، 5: 170، مقتل الحسين (ع) للخوارزمي:ج 1: 250.

[28]   التفسير الإمام العسكري: منشورات مؤسسة الإمام المهدي، قم، الطبعة الاولى 1409هـ. ص 218، البحار:ج 11: 149، رقم 25.

[29]   اللهوف: 340، ابن عساكر أيضاً في تاريخه (ترجمة الإمام الحسين (ع)، 221، حديث رقم 202، ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الهاشمي البصري (ت 230هـ/ 844م)، الطبقات الكبرى، ط1، أعد فهارسها رياض عبد الله عبد الهادي، بيروت، لبنان، دار إحياء التراث العربي، 1995م. في الحديث 100 من ترجمة الإمام الحسين من الطبقات الكبرى، ابن العديم كمال الدين عمر بن احمد بن هبة الله بن محمد، (ت660هـ/1262م). بغية الطلب في تاريخ حلب، تح د. سهيل زكار، ط1، دار الفكر، (بيروت – 1988).ص51 ؛ العوالم: 244، أعيان الشيعة:ج 1: 601.

[30]   عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتى فإن أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك يعنى الخلافة فأقبل منهم وأن لم يأتوك فلا تأتهم حتى يأتوك (الديلمي: (ت 509هـ/1115م).

الفردوس بمأثور الخطاب، تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول. لبنان-بيروت، دار الكتب العلمية، 1406هـ/1986م:ج5 ص 406، ابن المغازلي علي بن محمد بن محمد الواسطي، ت 483 هـ، المناقب: المطبعة الإسلامية، طهران. ص 106)

[31]   تأريخ الطبري:ج 3: 278، الإرشاد: 204، الكامل في التأريخ: ج 2: 534، بحار الأنوار: ج 44: 334، العوالم:ج 17: 183.

[32]   مقتل الخوارزمي: ج1ص 234.

[33]   الابيات للدمستاني ينظر: شبر: جواد، أدب الطف أو شعراء الحسين، مطبعة شعاركو والصادق وقدموس والطباعة اللبنانية/ بيروت 1969 – 1977م.:ج5 ص 339.

[34]   البرقي، المحاسن، تحقيق جلال الدين الحسيني، (دار الكتب الإسلامية، ب.ت) 0 ص357.

[35]   الاحتجاج :ج ٢ ص20.

[36]   الرضي، السيد الشريف، نهج البلاغة: لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، تح: صبحي الصالح، ط1 ، 1387 ﻫ – 1967 م، بيروت:ج 2 ص 180

[37]   الإرشاد ص200، أعيان الشيعة، ج 1، ص 587.

[38]   الفتوح: ج5 ص 83، المشهدي، الميرزا محمد، تفسير كنز الدقائق، تحقيق حسين دركاهي، دار الغدير، ط1، قم 1424هـ-2000م.:ج 6، ص54.

[39]   اللهوف: 42، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين (ع) ص 317، رقم 273، مقتل الحسين (ع) للخوارزمي:ج 2 ص 8.

[40]   الكليني الكافي، ج 5، ص 250.

[41]   حلف الفضول هو أحد أحلاف الجاهلية الأربعة التي شهدتها قريش، وقد عقد الحلف في دار عبد الله بن جدعان التيمي القرشي أحد سادات قريش وذلك بين عدد من عشائر قبيلة قريش في مكة، وذلك شهر ذي القعدة سنة 590 م بعد شهر من انتهاء حرب الفجار بين كنانة و قيس عيلان. وقد شهد النبي محمد صلى الله عليه وآله هذا الحلف قبل بعثته وله من العمر 20 سنة، وقال عنه لاحقا: (لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت) قام في الدعوة للحلف الزبير بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، وقال: (ما لهذا منزل) فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان التيمي القرشي وكان سيد قريش، فصنع لهم طعاما، وتحالفوا في ذي القعدة، فتعاقدوا وتعاهدوا بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه ما بل بحر صوفة وما رسا حراء وثبير مكانهما، وعلى التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر، ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه (ظ: البداية والنهاية: ج 2 ص 355، الغزالي،محمد السقا (المتوفى: 1416هـ، فقه السيرة المؤلف: دار القلم – دمشق تخريج الأحاديث: محمد ناصر الدين الألباني الطبعة: الأولى، 1427 هـ،ص 72،السهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله الخثعمي، (ت518هـ /1116م). الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، تح مجدي منصور الشورى، ط1، دار الكتب العلمية، (بيروت – 1997).ص 241،الكامل في التاريخ: ج 2 ص 42)

[42]   شرح نهج البلاغة: ج 15، ص 226، الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين (ت 356ﻫ / 966 م):

      الأغاني، تح: علي محمد البجاوي، مؤسسة جمال للطباعة (بيروت – دت): ج17، ص 216.

[43]   الفتوح:ج5: 22.

[44]   تاريخ الطبري:ج 3: 308.

[45]   مُثير الأحزان: 39 40.

[46]   تأريخ الطبري:ج 3: 295، وقعة الطف، ص 152.

[47]   الطبري: ج 6، ص 229.

[48]   نهج البلاغة، الخطبة 14.

[49]   تاريخ الطبري:ج 3: 318، الإرشاد:ج2: 96، أنساب الأشراف:ج3: 396.

[50]   في تنبيه البكري على أوهام القالي: عن عمرو بن دينار قال: قال الحجاج لعلي بن الحسين عليهما السلام: أنتم كنتم أكرم عند شيخكم من آل الزبير عند شيخهم. قال ذلك لأنّه لم يشهد الطف أحد من بني هاشم أطاقت يده حمل حديدة إلاّ قتل قبل الحسين عليه السلام، وقتل الحجاج عبد اللَّه بن الزبير وطاف من العشي بين عباد وعامر ابني عبد اللَّه واضعاً يديه عليهما (ذكره العلامة التستري: 174).

[51]   البحار:ج 45: 27، مقتل الحسين (ع) للخوارزمي:ج 2: 25، ابن شهر آشوب: رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي السردي (ت 588 ﻫ)، مناقب آل أبي طالب / المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376 ﻫ – 1965 م.:ج 4: 104، مقتل الحسين (ع) للمقرّم: 253.