البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

رسالة الإمام الهادي (ع) في القضاء والقدر، مقاربات في علم الكلام الإمامي

الباحث :  د. عامر عبد زيد الوائلي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  16
السنة :  شهر ربيع الاول 1440هـ / 2018م
تاريخ إضافة البحث :  January / 12 / 2019
عدد زيارات البحث :  1684
تحميل  ( 387.265 KB )
المقدمة
يأتي هذا البحث في مقدمة وعرض للجهد الكلامي الذي قدّمه الإمام الهادي (ع) في مجال علم الكلام وهو يعتمد مرجعيات تنطلق من القرآن والسنة والتراث الإمامي لدى أهل البيت وخصوصا الإمام علي والإمام الصادق (ع) في مقاربة الجبر والتفويض، وخلال هذا التأصيل يؤصل الإمام الهادي أيضا الى مفهوم الإمامة على مستوى التصور والتصديق حتى يتخذ منه فيما بعد كمصدر يعود اليه في مقاربة التراث الكلامي عند الأئمة :.
راهنيّة المشكلة يومها؛ اذ يظهر من بدايّة رسالة الإمام الهادي (ع) أنها كانت رداً على رسالة وردت إليه؛ على الرغم من كونه لم يعلم من الذي ارسلها بحسب نقل الحرّاني في تحف العقول([1]). ولكنّ الطبرسي ذكر أنّ هذه الرسالة كانت جواباً لأهل الأهواز فقال: مما أجاب به أبو الحسن علي بن محمد العسكري في رسالته الى أهل الأهواز حين سألوه عن الجبر والتفويض([2]).
ويبدو أنّ الرسالة كانت تبحث عن حكم فصل من قبل الإمام في ما يجري من حوارات وخلافات داخل صفوف الإماميّة خاصة والشيعة عامة والمتعلق بالخلاف الذي يجري بين المسلمين، وقد ابتدعته الدولة العباسيّة في فرضها التفويض وما يتعلق بقضيّة خلق القرآن، وهي بهذا ترد على قضيّة الجبر في الاسلام الذي ابتدعته السلطة الامويّة السابقة، فكان الصراع بين سلطة الجبر والتفويض قد ارتفع ضجيجه يومها، ويبدو أن الشيعة عامة والإماميّة خاصة سوف يكون لهم دور فيها، وهذا ما جاءت الرسالة كحل له؛ لأنّ هذا الخلاف قد ترك، أثراً في هذه العقيدة الفاسدة بحيث سبب الفرقة والعداوة بينهم. فكتب (ع) رسالته المفصلة اليهم وبيّن لهم بكل وضوح مسألة الجبر والتفويض، مستدلاً بالآيات والروايات والأمثلة والشواهد على ذلك اذ أكد الإمام (ع) في رسالته محورين أساسيين في الأمّة الاسلاميّة ‌وهو القرآن الكريم والعترة الطاهرة بأنهما المرجع والملجأ عند اختلاف المسلمين. ومن أجل تأكيد تلك المرجعيّة نجده قد روى أيضاً تسع روايات عن النبي (ص)، وعن الإمام علي (ع) والإمام الصادق (ع).
نحاول بهذا البحث ان نعرض حياة الإمام وعصره من نواحٍ سياسيّة وثقافيّة، ثم موقف الخلفاء العباسيين من الإمام الهادي (ع) من ناحيّة، ومن ناحيّة أخرى جهد الإمام في ادارة شأن الجماعة وتنظيمهم من أجل مواجهة السلطة وعنفها وجبروتها .
ثم عرضنا نص الرسالة محاولين إرجاع النصوص من خلال إعادتها الى المرجعيّات عند الطرفيّن (من المرجعيات السنية والامامية) في تلك النصوص التي عرضها الإمام (ع) عن النبي (ص).

المبحث الاول
سيرة الإمام علي بن محمد الهادي (ع)
حياته:
الإمام علي بن محمد الهادي (212-254هـ) ولد قرب المدينة في موضع يقال له (صريا) وعلى روايّة ابن عياش أن ولادته كانت في الثاني أو الخامس من رجب([3]). وقال المفيد (رضوان الله عليه): كان مولده بصريا، بمدينة الرسول (ص) في المنتصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين ([4]) وقال الطوسي (رحمه الله): «علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب :، الإمام المنتجب ولي المؤمنين (ع)، كنيته أبو الحسن (ع) .ولد بالمدينة للمنتصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين من الهجرة ». وجاء في أصول الكافي قول: «ولد في النصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين .وروي أنه ولد (ع) في رجب سنة أربع عشرة ومائتين، ومضى لأربع من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين، وروي انه قبض (ع) في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وله إحدى وأربعون سنة وستة أشهر .. »([5]).
ومن ألقابه: (النجيب، المرتضى، الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيب، المتوكل)، وأشهرها: الهادي، والنقي. وهي توصيفات تعبر عن سمات حياته وما عرف خلالها من الشمائل المحمديّة التي عكستها (كنيته) أبو الحسن الثالث. «أمّا مناقبه فمنها ما حلّ في الآذان محلّ حلاها بأشنافها، واكتنفته شغفاً، وشهد لأبي الحسن أن نفسه موصوفة بنفائس أوصافها، وأنها نازلة من الدرجة النبويّة في ذرى أشرافها وشرفات أعرافها» ([6]) ويذكر أنه مات في جمادى الآخرة لخمس ليال بقين منه من سنة أربع وخمسين ومائتين للهجرة في خلافة المعتز العباسي ([7]).

عصره :
وقد عرف بمواقفه من السلطة العباسيّة، حتى استشهد في سنة (254هـ)، وقد كان عمره حين وفاته (42) سنة، وقد استشهد بالسم في زمن المعتز، إذ كانت مدّة إمامته (33 سنة). استلم الإمام الهادي (ع) الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الجواد سنة (220هـ)، وقد عاصر الإمام (ع) في سني إمامته ستة من حكّام بني العباس وهم: المعتصم(وقد دام حكمه 8 سنوات، 227هـ)، والواثق (5 سنوات و223هـ). والمتوكل (14 سنة 247هـ)، والمستنصر(ستة أشهر 248هـ). والمستعين (سنتان وقيل ثلاث سنوات و9 أشهر 252هـ )، والمعتز (8 سنوات و6 أشهر 258هـ)([8]).
إن مفهوم الإمامة الذي يعني قيادة الأمة إلى الخير والصلاح في الدنيا والآخرة اقتضت من الإمام أن يمارس الجانب التنظيمي في المجتمع من أجل حمايته من حبائل السلطة الغاشمة التي كانت تتربص بالمؤمنين وبإمامهم (ع) الدوائر، وفي الآتي يمكن تحديد عصره، من خلال أهم ملامح ذلك العصر في الآتي:
الحالة السياسيّة العامّة: نلاحظ بأنّ الإمام (ع) مارس مهامّه القياديّة من (۲۲۰ ه‍) حتى استشهاده في سنة (۲٥٤ ه‍) وخلال هذه السنوات الأربعة والثلاثين كانت بدايتها مع الخليفة العباسي المتوكل الذي يمثل بداية العصر العباسي الثاني وهو عصر نفوذ الأتراك (۲۳۲ ـ ۳۳٤ ه‍)، وقد عدّه البعض بدء عصر انحلال الدولة العباسيّة، الذي انتهى بسقوطها على أيدي التتار سنة (٦٥٦ ه‍ )، إذ نشأت دويلات صغيرة وكيانات متنافسة فيما بينها، مثل: (السامانيّة والبويهيّة والحمدانيّة والغزنويّة والسلجوقيّة) بعد هذا العصر. فقد أضعفت هذه الوضعيّة كيان الدولة العباسيّة سياسيّاً؛ لأنها قد أسهمت في إيجاد شرخ في وحدة الدولة الإسلاميّة الكبرى.وكل هذا الضعف من مردّه إلى أمرين:

الأوّل: الاضطهاد وتعسف سلاطين الدولة العباسيّة .
وثانيها: استعمال الأتراك في مناصب الدولة الحساسة، كقوة رادعة ضد معارضي الدولة العبّاسيّة، وبالآتي أدّى إلى الانفصال عنها. وكان المعتصم أوّل الخلفاء العباسيين الذين استعانوا بالأتراك وأسندوا إليهم مناصب الدولة وأقطعوهم الولايات الإسلاميّة ([9]).
فقد كان مستبداً ضد المعارضين له وخصوصاً من الشيعة، وكذلك كان المتوكل، الذي انتهج سياسة العنف تجاه العلويين وشيعة أهل البيت : فضلاً عن أهل البيت : أنفسهم وتجلّى ذلك بوضوح في أمره بهدم قبر الإمام الحسين بن علي (ع) وما حوله من الدور، بل أمر بحرثه وبذره وسقي موضع القبر ومنع الناس من زيارته وتوعّد بالسجن لكل من زاره، وقد ردوا على الإهانات التي ألحقها بالعلويين فسبّوه في المساجد والطرقات.([10]) وقد كانت من نتائج هذه السياسة المستبدّة أن « استأنفوا غاراتهم على أراضيها فأغاروا على دمياط وفتكوا بأهلها وأحرقوا دورهم، ثم غزوا فيليفيا جنوبي آسيا الصغرى وهزموا أهلها هزيمة منكرة»([11]).
وقد ساد الضعف والإرباك السياسي في عام (۲۳٥ ه‍) في أيام عهد المتوكل إلى أولاده الثلاثة: (المنتصر والمعتز والمؤيد )، بيد أنّه رأى أن يقدّم المعتز على أخويه؛ ولكنّ المنتصر غضب لذلك، فدبّر مع أخواله الأتراك مؤامرة؛ لاغتيال أبيه، وحاول بعض الأتراك في دمشق اغتيال المتوكل غير أنّ محاولتهم تلك باءت بالفشل بفضل ما عمله بغا الكبير والفتح بن خاقان([12]).
وبعدها تولّى المنتصر الخلافة إذ «أمر الناس بزيارة قبر علي والحسين (ع)، فأمن العلويون من بطشه، وكانوا خائفين أيام أبيه وأطلق سراح قومهم، وأمر برد فدك إلى أولاد الحسن والحسين ابني علي بن ابي طالب(ع)»([13]).
الا أنه تم قتل الخليفة المنتصر، ثم تولّى كرسيّ الخلافة المستعين بالله سنة (۲٤۸ ه‍) وأرجع عاصمته الى بغداد غير أن الأتراك لم يأمنوا جانبه، فاتفق باغر التركي مع جماعته على خلع المستعين ونصب المعتز مكانه([14]).
ووقعت بينهما حرب دامت أشهر عدّة انتهت بإبعاد المستعين إلى واسط، ثم قتله غيلة([15])، كما أن المعتز لم ينج من أعمال العنف والتعسف التي قام بها قادة الدولة العباسيّة من الأتراك فقتل شرّ قتلة على أيديهم وذلك سنة (۲٥٥ هـ ).وكان اغتيال الإمام الهادي (ع) في حكم المعتزّ في سنة (۲٥٤ هـ)([16]) ومن خلال تلك السياسة المستبدة وما صاحبها من استعانة بالأتراك فضلاً عن ظلم الاُمراء والوزراء دوره البالغ في زعزعة ثقة الناس بالحكّام وإثارة الفتن والشغب داخل بلاد المسلمين.
الحالة الثقافيّة: من أجل الوقوف على عصر الإمام الثقافي لابدّ من فهم لهذه الحركة التي جاءت بها الثقافة مرتبطة بالسياسة وتحولاتها فانفتاح العرب على الآخر لم يكن لمجرّد انفتاح ثقافي، بل كان انفتاحاً سياسياً مقصوداً وهذا ما أشار اليه الكثيرون من مؤرخي الأفكار، إذ وجدت الدولة العباسيّة نفسها في سبيل مواجهة خصومها من التيارات السياسيّة والدينيّة ومنها الشيعة أن تحاول استحضار الثقافة اليونانيّة من أجل تقويّة خطابها الاعتزالي وفي مواجهة خصومها من الجبريّة واتجاهاتهم السلفيّة ولعل هذا واضح في حلم المأمون بأرسطو، هو بمثابة تسويغ سياسي وديني كما يشير الجابري إلى هذا ([17]) وبالآتي يمكن أن نفهم كل حركة الترجمة بوصفها جزءاً من مشروع سياسي ومن هنا كان لترجمة الكتب اليونانيّة والفارسيّة والهنديّة إلى العربيّة أثر كبير في ثقافة هذا العصر، وكانت ظاهرة الترجمة قد ابتدأت منذ أيام المأمون([18]). وهو أيضا كان مرتبطاً بالصراعات الداخليّة او تلك الخارجيّة التي تمظهرت في مباحث علم الكلام وتياراته الذي عرّفة الفارابي بقوله: "صناعة الكلام " ملكة يقتدر بها الإنسان على نصرة الآراء والأفعال المحدودة التي صرح بها واضع الملة، وتزيف كل ما خالفها بالأقاويل، وهذا ينقسم جزءين: جزء في الاراء وجزء في الافعال([19]).
هكذا كان هدف علم الكلام الدفاع عن العقيدة، لكن البحث في هذا الحقل المعرّف نجده مرتبطاً في تاريخيّة تطور العقل في الإسلام، فعلم الكلام مرتهن بتاريخيّة المجتمع والنظام الثقافي الديني وأثره في المجتمع بمعنى أنّ علم الكلام هو علم يمارس البحث في ضمن حدود رهانات المجتمع الإسلامي ضمن حقبة معينة مما يجعل من تأملاته رهينة تلك الحقبة التاريخيّة، أي إنّ البحث في هذا الحقل من العلوم الإسلاميّة ليس متعاليًا على التاريخ، وبالآتي تصبح مقولات من ضمن رهانات تلك التاريخيّة، وهذا يعني أن نتعامل معه بوصفه فكرًا دينيًّا تاريخيًّا أصبح يعبر عن تلك الحقبة وما افترضته من مشاكل ومحاولة علمائه أن يجدوا معالجات لها.
لكن منهج هذا العلم لا يعني انه خال من النواقص والأخطاء، بل نرى الفارابي يقول: «وآخرون منهم لما رأوا أن الأقاويل التي يأتون بها في نصرة أمثال هذه الأشياء ليست فيها كفاية في أن تصبح بها تلك الأشياء صحة تامة حتى يكون سكوت خصمهم لصحتها عندهم لا لعجزه عن مقاومتهم فيها بالقول، اضطروا عند ذلك إلى أن يستعملوا معه الأشياء التي تلجئه إلى أن يسكن عن مقولتهم إما خجلاً وحصراً أو خوفاً من مكروه يناله»([20]). فالتخويف كان هو المنهج المتبع مع المعارضين وكان هذا لسان حال السلطة سواء قالت بالجبر مع الأمويين أو قالت بالاختيار مع المأمون العباسي ومن سار على منهجه وصولاً الى المتوكل الذي رجع عن هذا اذ (نهى المتوكل عن الجدل في الآن وغيره، وكتب إلى الآفاق بذلك»([21]). وبالآتي فإنّ هذا العلم في بدايته كان جزءًا من الصراع السياسي والاجتماعي على الشرعيّة الدينيّة التي كان كل طرف يسعى من أجل حيازتها بوصفها الرأسمال الرمزي الذي يضفي على مطالبه الشرعيّة؛ فمقولات علم الكلام الجديد([22]) في الوقت نفسه نجد أنّ علم الكلام كان يقدم تصوره المذهبي على الوقائع العامة «ويشكلون المسارات الخاصة في التاريخ على المسارات العامة، ثم يفسّرون الرجالات وفق معاييرهم في التصحيح والتفسيق والتكفير، إن لم نقل موضع النقض، وغدت مصادر الآخرين مصادر عند الآخرين فقط، وحقائق الآخرين حقائقهم دون غيرهم»([23]).

الجبر والتفويض:
وهي من المسائل الكلاميّة المهمّة التي تبحث عن كيفيّة صدور أفعال العباد، حيث إنهم مختارون في أفعالهم أم مجبرون، ومضطرون إليها. والمسألة ذات صلة وثيقة بمسألة العدل الإلهي، فإنَّ العقل البديهي حاكم على قُبح تكليف المجبور ومؤاخذته عليه، وإنَّ الله عز وجل مُنزّه عن فعل القبيح، ويُسمى هذا الأمر أيضا بـ (الجبر والكسب).
أوّلا: الجبر: في مخزون اللغة يعبّر عن الإكراه، فـ(أَجبره على الحكم أَكرهه)([24]). الجبر في الاصطلاح إجبارُ الله عزّ وجل عبادَه على ما يفعلون، خيراً كان أو شراً، حسناً كان أم قبيحاً، من دون أنْ يكون للعبد إرادة الرفض والامتناع واختياره، ويرى الجبريّة بأنّ الجبر مذهبٌ يرى أصحابُه أنّ كلّ ما يحدث للإنسان قُدّر عليه أَزَلا، فهو مُسيّر، وليس مُخيّراً، وهو قول الأشاعرة([25]). وهذا ما يشير اليه الشهرستاني بقوله: «الجبريون بانهم الذين يقولون: إنَّ الإنسانَ لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة؛ وإنما هو مجبور في أفعاله: لا قدرة له، ولا إرادة، ولا اختيار، وإنما يخلق الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات، وتُنسب إليه الأفعال مجازاً، كما تُنسبُ إلى الجمادات؛ كما يُقال: أثمرت الأشجار، وجرى الماء، وتحرّك الحجر، وطلعت الشمس وغربت، وتغيّمت السماء وأمطرت، واهتزت الأرض وأنبتت ... إلى غير ذلك. والثواب والعقاب جبرٌ، كما أن الأفعال كلها جبرٌ؛ قال: وإذا ثبت الجبر، فالتكليف أيضاً كان جبراً )([26]). ويمكن تأصيل الجبر في العصر الأموي بالممارسات السياسيّة من ناحية وبالتنظير الكلامي من ناحيةٍ أُخرى، وهنا نجد أنّ الجبر كان له بداية أولى مع معاوية وأحياه من جديد المتوكل بانقلابه السني على المعتزلة أهل التفويض وظهور الأشاعرة .
فالتخويف كان هو المنهج المتبع مع المعارضين، وكان هذا لسان حال السلطة سواء قالت بالجبر مع الأمويين أو قالت بالاختيار مع المأمون العباسي ومن سار على منهجه وصولاً الى المتوكل الذي رجع عن هذا، اذ «نهى المتوكل كل عن الجدل في الآن وغيره، وكتب إلى الآفاق بذلك)([27]).

بمعنى أنّ هناك جذوراً للجبر والتفويض في العهد الاموي مع " الجبريّة والقدريّة " فكانت الجبريّة هي الحاكمة والقدريّة معارضة، والعكس في العهد العباسي حيث المعتزلة والاشاعرة، أي (اهل التفويض واهل الجبر) التفويض هو الحاكم في عهد المأمون وصولا الى المتوكل حيث تم اضطهاد المعتزلة وتقريب الاشاعرة .

فاذا رجعنا الى العصر الاموي وبحثنا في الممارسات السياسيّة وقولها بالجبر ونأخذ مثال الجبريّة الأمويّة والقدريّة وهي ما تعرف بالجبر والحريّة داخل هيمنة الجبر الأموي الذي حاول تبرير الاستبداد والانحراف والقول بأنّ الحاكم مجبر وما كان بإمكانه أن يفعل غير ما فعل، من هنا جاءت قراءات السلطة في تسويغ أفعاله الإرهابيّة بحق الخصوم بأنّها مجبرة بفعل الإرادة الإلهيّة، فقد استثمرها الأمويون وخصوصًا معاويّة بشكل فعّال، ومن بعده سار على نهجه خلفاؤه، فقد كان الأمويون يقولون: بأنّ الله ساق إليهم الخلافة بسابق علمه وقضائه وقدره، أي أنّه كان يعلم منذ الأزل أنّهم سيستولون على الحكم، وعلم الله نافذ، فيكون الله هو الذي حتم عليهم أن يقاتلوا على الخلافة، وأن يرتكبوا ما ارتكبوه من الأعمال؛ لأنّ ذلك كله قد جرى في (سابق علمه).

وقد كانت السلطة تعتمد أشكالاً متنوعة من احتواء المعارضين لها، إذ يقول معاويّة في ذلك: «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت. قيل وكيف ذلك ؟ قال: إذا مدّوها خليتها وإذا خلوها مددتها)([28])؛ على الرغم من كونه مارس توظيفاً للتراث الديني من أجل إسباغ القداسة على سلوكه من ذكر الأحاديث التي تشير إلى كرامته، وبالمقابل الأخرى التي تعارضها، إلا أنّ سياسته في جوهرها مختلفة عما سوف تكون عليه السياسة العباسيّة في ظل الأحكام السلطانيّة، لكنها لا تخفي مفهوم الترويض أو من هنا معنى السياسة في اللغة، ولكن على الرغم من نسبيته، إلا أنّه أخذ طابعًا جبريًّا كونيًّا يطغى فيه البعد اللاهوتي الجبري على حساب ما هو ناسوتي بشري من حريّة في الاختيار، وكأنّها أرادت أن تسبغ الثبات على الترابيّة في السلطة ـ التأبيد اللاهوتي ـ وتبين التحول الذي أصاب الملك مع الأمويّين إذ يتم الانفصال بين العلم والسلطة، إذ أصبح معاويّة لا يكنى باسم كونه صحابيًّا ولا كونه من أهل العلم بل بوصفه أميرًا، وهذا يظهر جليًّا بالقول السابق له في مدينة العلم مدينة الرسول (ص)، إلا أنّ السلطة الأمويّة مارست تدوين الذاكرة الجمعيّة للإسلام وعادت إلى ترويض العلماء بما يتواءم مع ما تريد في حربها على الخصوم الذين ينازعونها على الشرعيّة في الحكم باسم الإسلام .

أمّا على صعيد النظريّة فيتمّ بإرجاع هذا الأمر إلى أحد الأشخاص وهو منسوب إلى جهم بن صفوان (ت 128هـ) وهذا ما يؤصل له الأشعري بقوله: تفرّدَ جهم بإمور منها: أنه لا فعل لإحد فى الحقيقة الا اللّه وحده، وانَّهُ هو الفاعل، وإنَّ الناس انَّما تُنسبُ إليهم أفعالهم على المجاز، كما يُقال: تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس([29]).

امّا في الحقبة العباسيّة فنجد أنّ أهل التفويض هم المعتزلة، فالتفويض لغة هو من الفعل (فوّض) الأمر إليه جعل له حق التصرف فيه([30]). وهي الفكرة التي قالت بها المعتزلة وهي تعود الى القدريّة التي كانت تؤدي دورالمعارضة السياسيّة التي قاومت السياسة الامويّة وقولها بالجبر، اذ نستطيع ان نقسم هذه الحقبة بين الممارسة والنظريّة.

أولاً، ممارسة سياسيّة:

وقد جاءت ممارسة سياسة مع المأمون والمعتصم وأتباعهم ومن أهم آثارها نلمسها في مقولة " خلق القران "، إذ يشير المسعودي إلى أنّه في «سنة تسعة عشرة ومائتين ...ضرب المعتصم أحمد بن حنبل ثمانية وثلاثين سوطاً؛ ليقول بخلق القرآن»([31]).

وقد تكرّرت في زمن الخليفة العباسي هذه المشكلة وأطلق عليها المؤرخون بـ " محنة خلق القرآن "، اذ امتحن الواثق الناس في قضيّة خلق القرآن فكتب إلى القضاة أن يفعلوا ذلك في سائر البلدان وأن لا يجيزوا إلاّ شهادة من قال بالتوحيد، فحبس بهذا السبب فحبس أشخاصاً كثيرين.

وفي سنة (احدى وثلاثين بعد المائتين) ورد كتاب إلى أمير البصرة يأمره أن يمتحن الأئمة والمؤذنين بخلق القرآن، وكان قد تبع أباه في ذلك، ثم رجع في آخر أمره.وفي هذه السنة قتل أحمد بن نصر الخزاعي وكان من أهل الحديث وقد استفتى الواثق جماعة من فقهاء المعتزلة بقتله فأجازوا له ذلك، وقال: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي فإني أحتسب خطأي إلى هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد فمشى إليه فضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد فصلب بها، وصلبت جـثته في سرّ من رأى، واستمر ذلك ست سنين إلى ان تولى المتوكل فأنزله ودفنه، ولما صلب كتب ورقةً وعلقت في أذنه فيها: "هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلاّ المعاندة فعجله الله إلى ناره" ووكل بالرأس من يحفظه.

ثانيا، على صعيد التنظير العقائدي للتفويض :

اذ نلمس تطوراً قد أصاب الفكر القدري القائل بالحريّة، وهذا التطوير جاء مع المعتزلة يوم أقاموا " مذهب التفويض "الذي مفاده: بـ "أنّ أفعال العباد مفوَّضة إليهم وهم الفاعلون لها بما منحهم اللّه من القدرة، وليس للّه سبحانه شأن في أفعال عباده، قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: ذكر شيخنا أبو علي (رحمه الله): «اتّفق أهل العدل على أنّ أفعال العباد من تصرّفهم وقيامهم وقعودهم، حادثة من جهتهم، وأن اللّه أقدرهم على ذلك ولا فاعل لها ولا محدث سواهم»‏([32]). وقال أيضاً: فصلٌ في خلق الأفعال، والغرض به، الكلام في أنّ أفعال العباد غير مخلوقة فيهم وأنّهم المُحدِثون لها([33]). أمّا عن دافع المعتزلة للقول بالتفويض هو الحفاظ على العدل الإلهي، فلمّا كان العدل عندهم هو الأصل والأساس في سائر المباحث، عمدوا إلى تطبيق مسألة أفعال العباد عليه، فوقعوا في التفويض؛ لاعتقادهم بأنّ القول بكون أفعال العباد مخلوقة للّه ينافي عدله تعالى وحدّدوا بذلك خالقيته تعالى وسلطانه([34]).

لكن هذه الرؤيّة كانت لها معارضة وقد كان من بين المعارضين أحمد بن حنبل الذي تعرّض الى الجلد، وقد جاء المتوكل بتغيير مهم، إذ نقل عقيدة الدولة من التفويض كما كانت تقول به المعتزلة الى الأشعريّة فيما بعد وهنا تشكل امتداد جديد لما كان سائداً في عقيدة الدولة الامويّة جاءت سلطة المتوكل بالتحول واستمرت في الدولة وازدهرت مع السلاجقة فيما بعد .

وقد كان " مذهب الجبر المحض " مرفوض؛ لأنّه يتعارض مع ثوابت الشريعة وتؤدي إثارته إلى بطلان: (التكليف والوعد، والوعيد، والثواب، والعقاب)، . لهذا جاءت الأشعريّة بمذهب يختلف مع الجبر المحض من ناحيّة ومع التفويض من ناحيّة أخرى لهذا قالت بـ" مذهب الكسب " على الرغم من انه لايعدم جذوراً سابقة له؛ الا أنّه كان يمثل رؤية متماسكة، لها جذور لاشك في هذا، فهناك من قال بأنَّ أفعال العباد مخلوقة لله حقيقة والعبد مكتسبها([35])؛ لكن لولا وجود المذهب لما بحث النقاد بأسلافه من النظريات، اذ أقام الأشعري مذهبه على قواعد استثمر فيه مااستفاده من المعتزلة- يوم كان منهم - من معالجة نظريّة قوامها العقل، وعلى الرغم من ذلك إلا أن النظريّة لم تسلم بنظر المنتقدين لها من أمرين هما:

1. انَّ للقدرة المحدثة (قدرة العبد) نحو تأثير في اكتساب الفعل وهو يُسمى كسباً وهذا يظهرُ من جماعة من الأشاعرة .
2.ليس للقدرة المحدثة تأثير في الفعل سوى مقارنتها لتحقق الفعل من جانبه سبحانه، وهذا التفسير يظهرُ من كلمات جماعة أخرى من الأشاعرة.
العباسيون والإمام الهادي (ع):

تدرّجت سياسة الحكّام العباسيين في مناهضة أهل البيت : بعد أن عرفوا موقعهم الديني والاجتماعي المتميّز وأنهم لا يداهنون من أجل الحكم والملك، بل إنهم أصحاب مبدأ وعقيدة وقيم .وهذا ما يؤكده الكليني «كان المتوكل يقول: ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا، أبى أن يشرب معي أو ينادمني أو أجد منه فرصة في هذا» ([36]) في وقت كانت سياسة الاستبداد للخلفاء العباسيين قد أسهمت في شيوع الاضطرابات السياسيّة ،والاقتصاديّة، وقد تجلّى ذلك في قصر مدّة حكم الخلفاء الى جانب انتقال إدارة الدولة إلى القادة الأتراك بدل الخلفاء وهو دليل واضح على ضعف شوكتهم وفقدان هيبتهم أمام قوّاد الجيش ووزرائهم وكتّابهم، ومن هنا جاءت سياسة العباسيين تجاه الإمام الهادي (ع)، وهي سياسة قديمة، وقد جاء دور المتوكل ومن تبعه لسجن الإمام والتضييق عليه بأنحاء شتّى، فتمّ استدعاء الإمام الهادي (ع) وعُرِّض لأنواع الاحتقار والتسقيط والتضييق، واُحكمت الرقابة على كل تصرفاته داخل البيت وخارجه، بنحو قد تجنّبوا فيه إثارة الرأي العام، إذ تظاهروا بإكرام الإمام واحترامه واعزازه (ع)، على حين أنّ الرقابة وصلت الى أبعد حدّ. وقد بقي الإمام الهادي (ع) تحت رقابة الحكّام العباسيين مدة طويلة تزيد على العشرين عاماً، إن المراقب لسيرة الإمام الهادي (ع) يعرف بأنّ الإمام استعمل منهجاً تربوياً متكاملاً من أجل بناء المجتمع الصالح وحصانته في مواجهة الانحراف وتقديم أنموذج للمجتمع الإيماني الذي كان يمثله أهل البيت : وأتباعهم. وهذا المجتمع لا بد من بنائه من الداخل والخارج؛ لذلك اعتمد في مجال بناء النفس ركنين: الأول، بناء النفس بوساطة تهذيبها وربطها بخالقها تعالى(الجانب التهذيبي). والثاني، بناؤها من أجل جعلها قادرة على تجاوز المحن والصعاب(الجانب التنظيمي)، اما ما يتعلق ببناء النفس من خلال تهذيبها: يمكن ان نتلمسه بما روي عنه (ع) من أقوال في مكارم الاخلاق رفيعة تسهم في تهذيب وتربيّة الانسان، ومنها ما جاء في مقولاته اذ قالَ (ع) لِبعضِ مواليهِ :«عاتِبْ فُلانا وقلْ لَهُ: إنَّ الله إذا ارادَ بعَبدٍ خيراً إذا عوتِبَ قَبِلَ»([37]). وقالَ (ع): «اُذكُرْ مصْرَعَكَ بينَ يديْ اَهلِكَ، ولا طبيبٌ يمنَعُكَ ولا حبيبٌ ينفعكَ» ([38])وقالَ (ع): «اَلْمِراءُ يُفْسِدُ الصِّداقةَ القديمةَ ويُحلِّلُ العُقْدَةَ الوثيقةَ وَاَقلُّ مافيهِ اَنْ تكونَ فيهِ المُغالبةُ اُسُّ اَسبابِ القطيعة» ([39])، وقالَ (ع): «اَلْحِكمةُ لا تنجعُ في الطِّباعِ الفاسدة»([40]).

المبحث الثاني

رسالته (ع) في الرد على اهل الجبر والتفويض

واثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين

قال ابن شعبة الحراني: وروى عن الامام الراشد الصابر ابي الحسن علي بن محمد (ع) في طول هذه المعاني رسالته (ع) في الرد على اهل الجبر والتفويض واثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين: من علي بن محمد، سلام عليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته، فإنّه ورد علي كتابكم وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر ومقالة من يقول منكم بالجبر ومن يقول بالتفويض وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم، ثم سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كله. اعلموا رحمكم الله انا نظرنا في الآثار وكثرة ما جاءت به الأخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عن الله جل وعز لا تخلو من معنيين: اما حق فيتبع واما باطل فيجتنب. وقد اجتمعت الامة‌ قاطبة لا اختلاف بينهم ان القرآن حق لا ريب فيه عند جميع اهل الفرق، وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه مصيبون مهتدون، وذلك يقول رسول الله (ص): لا تجتمع أُمّتي على ضلالة([41])([42])، فأخبر انّ جميع ما اجتمعت عليه الأُمّة كلّها حق هذا اذا لم يخــالف بعضهــا بعضاً. القــرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه، فاذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه وأنكر الخبر طائفة من الامة، لزمهم الاقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب، فان هي جحدت وانكرت لزمها الخروج من الملة.

فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول الله (ص) ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم، حيث قال: اني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي - أهل بيتي- لن تضلوا ما تمسكتم بهما وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض([43]) ([44]).

فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصاً، مثل قوله جل وعز: ﴿انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون﴾([45]). وروت العامة في ذلك اخباراً لأمير المؤمنين (ع) أنّه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له أنزل الآية فيه.

فوجدنا رسول الله (ص) قد أتى بقوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه" ([46])([47])، وبقوله: "انت مني بمنزلة هارون من موسى، الا انه لا نبي بعدي"، ووجدناه يقول: «علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي»([48])([49])، فالخبر الأول الذي منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم، وهو ايضاً موافق للكتاب، فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشواهد الأخر لزم على الامة الا قرار بها ضرورة، اذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة ووافقت القرآن والقرآن وافقها.

ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله (ص) عن الصادقين : ونقلها قوم ثقات معروفون، فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضاً واجباً على كل مؤمن ومؤمنة، لا يتعداه أهل العناد.

وذلك ان أقاويل آل رسول الله (ص) متصلة بقول الله وذلك مثل قوله في محكم كتابه: ﴿ان الذين يؤذون الله ورسول لعنهم الله في الدنيا والاخرة واعد لهم عذاباً مهيناً﴾([50])، ووجدنا نظير هذه الآية، قول رسول الله (ص): «من أذى علياً فقد اذاني ومن اذاني فقد آذى الله ومن اذى الله يوشك أن ينتقم منه»([51])، وكذلك قوله (ص): «من احب علياً فقد أحبّني ومن أحبّني فقد أحب الله»([52]).

ومثل قوله (ص) في بني وليعة: " لأبعثن اليهم رجلاً كنفسي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"، قم يا علي فسر اليهم وقوله (ص) يوم خيبر: "لأبعثن اليهم غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه" ([53])([54]).

فقضى رسول الله (ص) بالفتح قبل التوجيه فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله (ص)، فلما كان من الغد دعا علياً (ع)، فبعثه اليهم، فاصطفاه بهذه المنقبة، وسماه كراراً غير فرار فسماه محباً لله ولرسوله، فأخبر ان الله ورسوله يحبانه([55])([56]).

وانما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلاً على ما اردنا وقوة لما نحن مبينوه من امر الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوة وعليه نتوكل في جميع امورنا فانا نبدأ من ذلك بقول الصادق (ع): «لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين، وهي صحة الخلقة وتخلية السرب والمهلة في الوقت، والزاد في مثل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله»([57]).

فهذه خمسة اشياء جمع به الصادق (ع) جوامع الفضل، فاذا نقض العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحاً بحسبه.

فأخبر الصادق (ع) بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته ونطق الكتاب بتصديقه، فشهد بذلك محكمات آيات رسوله؛ لأن الرسول (ص)، وآله : لا يعدو شيء من قوله وأقاويلهم حدود القرآن، فاذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقاً وعليها دليلاً، كان الاقتداء بها فرضاً لا يتعداه الا اهل العناء كما ذكرنا في اول الكتاب. ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق 7 من المنزلة بين المنزلتين وإنكاره الجبر والتفويض، وجدنا الكتاب قد شهد له وصدّق مقالته في هذا، وخبر عنه ايضاً موافق لهذا: ان الصادق 7 سئل هل اجبر الله العباد على المعاصي؟

فقال الصادق (ع): هو اعدل من ذلك.

فقيل له: فهل فوض اليهم؟

فقال: هو اعز واقهر لهم من ذلك.

وروى عنه انه قال: الناس في القدر على ثلاثة اوجه، رجل يزعم انّ الامر مفوض اليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك. ورجل يزعم انّ الله جل وعز اجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون، فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك ورجل يزعم ان الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون، فاذا احسن حمد الله واذا اساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ، فاخبر (ع) ان من تقلد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق. فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ، وأن الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل، فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما.

ثم قال (ع): واضرب لكل باب من هذه الأبواب مثلاً يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث عن شرحه، تشهد به محكمات آيات الكتاب وتحقق تصديقه عند ذوي الألباب وبالله التوفيق والعصمة.

فأمّا الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أنّ الله جل وعز اجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ورد قوله: ﴿ولا يظلم ربك احداً﴾ وقوله ﴿ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد﴾([58]) مع آي كثيرة في ذكر هذا. فمن زعم انّه مجبر على المعاصي فقد احال بذنبه على‌ الله وقد ظلمه في عقوبته.

ومن ظلم الله فقد كذّب كتابه ومن كذّب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الأمة، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبداً مملوكاً لا يملك نفسه ولا يملك عرضاً من عرض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه، فأمر على علم منه بالمصير الى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته، وعلم المالك ان على الحاجة رقيباً لا يطمع احد في اخذها منه الا بما يرضى به من الثمن، وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة واظهار الحكمة ونفي الجور وأوعد عبده إن لم يأته بحاجته ان يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته انه سيمنعه، وعلم ان المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك، فلما صار العبد الى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها، وجد عليها مانعاً الا بشراء وليس يملك العبد ثمنها، فانصرف الى مولاه خائباً بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه عليه، أليس يجب في عدله وحكمه أن لا يعاقبه وهو يعلم أنّ عبده لا يملك عرضاً من عروض الدنيا ولم يملكه ثمن حاجته، فإنْ عاقبه ظالماً متعدياً عليه مبطلاً لما وصف من عدله وحكمته ونصفته، وإنْ لم يعاقبه كذّب نفسه في وعيده إيّاه حين اوعده بالكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فمن دان بالجبر أو بما يدعو إلى الجبر فقد ظلم الله ونسبه إلى الجور والعدوان. اذا اوجب على من اجبره العقوبة، ومن زعم انّ الله يدفع عن اهل المعاصي العذاب، فقد كذب الله في وعيده حيث يقول: ﴿بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون﴾([59]).

وقوله: ﴿ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلماً انما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً﴾.([60]) وقوله: ﴿ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزاً حكيماً﴾. ([61]) مع آي كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد الله ويلزمه في تكذبيه آية من كتاب الله الكفر وهو ممن قال الله: ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون﴾([62])، بل تقول: ان الله جل وعز جازى العباد على أعمالهم ويعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم اياها، فأمرهم ونهاهم بذلك ونطق كتابه: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون﴾([63]) وقال جل ذكره: ﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امداً بعيداً ويحذركم الله نفسه﴾([64])، وقال: ﴿اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم﴾([65]) فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان ومثلها في القرآن كثير، اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب وبالله التوفيق.

وأما التفويض الذي ابطله الصادق (ع) واخطأ من دان به وتقلّده فهو قول القائل: انّ الله جل ذكره فوض الى العباد اختبار امره ونهيه واهملهم. وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب الى تحريره ودقته. والى هذا ذهبت الائمة المهتدية من عترة الرسول (ص) فانّهم قالوا: لو فوض اليهم على جهة الاهمال لكان لازماً له رضي ما اختاره واستوجبوا منه الثواب ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب اذا كان الاهمال واقعاً.

تنصرف هذه المقالة ‌على معنيين: اما أن يكون العباد تظاهروا عليه فالزموه قبول اختبارهم بآرائهم ضرورة ‌كره ذلك ام احب فقد لزمه الوهن، أو يكون جل وعز عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي على‌ ارادته كرهوا أو احبوا، ففوض امره ونهيه واجراهما على محبتهم اذا عجز عن تعبدهم بارادته، فجعل الاختبار اليهم في الكفر والايمان ومثل ذلك مثل رجل ملك عبداً ابتاعه؛ ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عنده امره ونهيه وادعى مالك العبد انه قاهر عزيز حكيم فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع امره عظيم الثواب واوعده على معصيته اليم العقاب، فخالف العبد ارادة مالكه ولم يقف عند أمره نهيه، فأي امر امره او اي نهي نها عنه لم يأته على ارادة المولى‌ بل كان العبد يتبع ارادة نفسه اتباع هواه ولا يطيق المولى‌ ان يرده الى اتباع امره ونهيه والوقوف على ارادته، ففوض اختياره امره ونهيه اليه ورضي منه بكل ما فعله على ارادة العبد لا على ارادة المالك وبعثه في بعض حوائجه وسمى له الحاجة فخالف على مولاه وقصد لارادة نفسه واتبع هواه، فلما رجع الى مولاه نظر الى ما اتاه به فاذا هو خلاف ما امره به، فقال له: لم اتيتني بخلاف ما امرتك؟

فقال العبد: اتكلت على تفويضك الامر الي فاتبعت هواي وارداتي؛ لأن المفوض اليه غير محظور عليه، فاستحال التفويض او ليس يجب على هذا السبب اما ان يكون المالك للعبد قادراً يأمر عبده باتباع امره ونهيه على ارادته لا على ارادة العبد ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه، فإذا امره بأمر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما. وحذّره ورغّبه بصفة ثوابه وعقابه؛ ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لأمره ونهيه وترغيبه وترهيبه، فيكون عدله وانصافه شاملاً له وحجته واضحة عليه للاعذار والانذار، فاذا اتبع العبد امر مولاه جازاه واذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه، أو يكون عاجزاً غير قادر، ففوض امره اليه أحسن أم أساء، أطاع أم عصى، عاجز عن عقوبته ورده الى‌ اتباع امره. وفي اثبات العجز نفي القدرة والتأله وابطال الأمر والنهي والثواب والعقاب ومخالفة الكتاب. اذ يقول: " ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم "([66]) وقوله عزوجل: ﴿اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون﴾([67]) وقوله: ﴿وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ما اريد منهم من رزق وما اريد ان يطعمون﴾.([68]) وقوله: ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً﴾، ﴿اطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تولوا عنه وانتم تسمعون﴾([69]).

فمن زعم انّ الله تعالى فوض امره ونهيه الى عباده فقد اثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر وأبطل أمر الله ونهيه ووعده ووعيده، لعلّه ما زعم انّ الله فوضها إليه؛ لأن المفوض اليه بمشيئته، فان شاء الكفر والايمان كان غير مردود عليه ولا محظور، فمن دان بالتفويض على هذا المعنى: فقد ابطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وامره ونهيه وهو من أهل هذه الآية: ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم الا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون﴾([70]). تعالى الله عما يدين به اهل التفويض علواً كبيراً لكن نقول: ان الله جل وعز خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة تعبدهم بها، فأمرهم ونهاهم بما اراد، فقبل منهم اتباع امره ورضي بذلك لهم ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها ولله الخيرة في الامر والنهي يختار ما يريد ويأمر به وينهى عما يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع امره واجتناب معاصيه، لأنه ظاهر العدل والنصفة ‌والحكمة البالغة، بالغ الحجة بالاعذار والانذار واليه الصفوة يصطفى من عباده من يشاء؛ لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده: اصطفى محمداً (ص) وبعثه برسالاته الى خلقه، فقال من قال من كفار قومه حسداً واستكباراً: ﴿لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾([71]) يعني بذلك امية بن أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي، فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول: ﴿أهم يقسمون رحمت ربك ‌نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحيوة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون﴾([72]).

ولذلك اختار من الامور ما احب ونهى عما كره، فمن أطاعه أثابه، ومن عصاه عاقبه، ولو فوض اختيار امره الى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن ابي الصلت وأبي مسعود الثقفي، اذ كانا عندهم أفضل من محمد (ص). فلما أدب المؤمنين بقوله: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امراً ان يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾([73]). فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم ولا يقبل منهم الا اتباع امره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه، فمن اطاعه رشد ومن عصاه ضل وغوى ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع امره واجتناب نهيه، فمن أجل ذلك حرمه ثوابه وأنزل به عقابه.

وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض وبذلك أخبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه، عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل، فقال له أمير المؤمنين (ع) سألت تملكها من دون الله أو مع الله، فسكت عباية، فقال له أمير المؤمنين (ع) قل يا عباية، قال: وما اقول؟

قال (ع): ان قلت: انّك تملكها مع الله قتلتك وان قلت: تملكها دون الله قتلتك.

قال عباية: فما اقول يا امير المؤمنين؟

قال (ع): تقول انك تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن يملّكها اياك كان ذلك من عطائه، وان يسلبكها كان ذلك من بلائه، هو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه اقدرك، اما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حين يقولون: لا حول ولا قوة‌ الا بالله.

قال: عباية وما تأويلها يا أمير المؤمنين؟

قال (ع): (لا حول عن معاصي الله الا بعصمة الله، ولا قوة لنا على طاعة الله الا بعون الله).

قال: فوثب عباية فقبل يديه ورجليه.

روى عن أمير المؤمنين (ع): حين اتاه نجدة يسأله عن معرفة الله، قال: يا أمير المؤمنين بما عرفت ربك؟

قال: (ع) بالتمييز الذي خولني، والعقل الذي دلني.

قال: أفمجبول انت عليه؟

قال: لو كنت مجبولاً ما كنت محموداً على احسان ولا مذموماً على اساءة وكان المحسن اولى باللائمة من المسيء فعلمت ان الله قائم باقٍ وما دونه حدث حائل زائل وليس القديم الباقي كالحدث الزائل.

قال نجدة: أجدك أصبحت حكيماً يا أمير المؤمنين.

قال: أصبحت مخيراً، فان اتيت السيئة بمكان الحسنة فأنا المعاقب عليها.

وروي عن أمير المؤمنين (ع) انّه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام، فقال: يا امير المؤمنين اخبرنا عن خروجنا الى الشام بقضاء وقدر؟

قال: نعم يا شيخ، ما علوتم تلعة ولا هبطتم وادياً الا بقضاء وقدر من الله.

فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين؟

فقال (ع): مه يا شيخ، فاالله قد عظّم اجركم في مسيركم، وانتم سائرون، وفي مقامكم وانتم مقيمون، وفي انصرافكم وانتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من اموركم مكرهين، ولا اليه مضطرين، لعلك ظننت انه قضاء حتم وقدر لازم، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد، ولما الزمت الأشياء‌ اهلها على الحقائق ذلك مقالة عبدة الاوثان واولياء‌ الشيطان، ان الله جل وعز امر تخيّراً ونهى تحذيراً ولم يطع مكرهاً ولم يعص مغلوباً ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار([74])، فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنين (ع) وأنشأ يقول:

أنت الامـــام الـذي نرجو بطاعته يوم النجاة مــن الرحمــن غفـــراناً

أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً جزاك ربك عنـــا فيـــه رضوانــاً

فليس معذرة في فعل فـــاحشـــة قد كنت راكبهـا ظلمــاً وعصياناً

فقد دل أمير المؤمنين (ع) على موافقة الكتاب ونفي الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما تقلدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب، ونعوذ بالله من الضلالة والكفر ولسنا ندين بجبر ولا تفويض لكنّا نقول بمنزلة بين المنزلتين، وهو الامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها على ما شهد به الكتاب ودان بها الائمة الأبرار من آل الرسول (صلوات الله عليهم). ومثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبداً وملك مالاً كثيراً احب ان يختبر عبده على علم منه بما يؤول اليه، فملكه من ماله بعض ما احب ووقفه على امور عرفها العبد فأمره ان يصرف ذلك المال فيها، ونهاه عن اسباب لم يحبّها وتقدم إليه أن يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها، والمال يتصرف في اي الوجهين، فصرف المال احدهما في اتباع امر المولى ورضاه، والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه، واسكنه دار اختبار، اعلمه انه غير دائم له السكنى في الدار وان له داراً غيرها، وهو مخرجه اليها فيها ثواب وعقاب دائمان، فإنْ انفد العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي امره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي اعلمه انّه مخرجه إليها، وان انفق المال في الوجه الذي نهاه ‌عن انفاقه فيه، جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود. وقد حدّ المولى‌ في ذلك حداً معروفاً وهو المسكن الذي اسكنه في الدار الاولى، فاذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد على انه لم يزل مالكاً للمال والعبد في الاوقات كلها الا انه وعد ان لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الاولى الى‌ ان يستتم سكناه فيها، فوفى له لأن من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة‌ اوليس يجب ان كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به ان يفي له بما وعده من الثواب وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية واثابه على طاعته فيها نعيماً دائماً في دار باقية دائمة. وان صرف العبد المال الذي ملكه مولاه ايام سكناه تلك الدار الاولى في الوجه المنهي عنه وخالف امر مولاه كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره اياها، غير ظالم له لما تقدم اليه واعلمه وعرّفه وأوجب له الوفاء بوعده ووعيده، بذلك يوصف القادر القاهر. واما المولى فهو الله جل وعز واما العبد فهو ابن آدم المخلوق والمال قدرة الله الواسعة ومحنته إظهاره الحكمة والقدرة والدار الفانية هي الدنيا. وبعض المال الذي ملك مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم والامور التي أمر الله بصرف المال اليها هو استطاعته لاتباع الأنبياء والاقرار بما اوردوه عن الله جل وعز واجتناب الأسباب التي نهى عنها هي طرق ابليس. واما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة. وأمّا الدار الفانية فهي الدنيا، وأمّا الدار الاخرى فهي الدار الباقية وهي الآخرة. والقول بين الجبر التفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد.

وشرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق (ع)، أنها جمعت جوامع الفضل وأنها مفسرها بشواهد من القران والبيان ان شاء الله.

تفسير صحة الخلق:

أما قول الصادق (ع)، فإنّ معناه كمال الخلق للانسان وكمال الحواس وثبات العقل والتمييز واطلاق اللسان بالنطق، وذلك قول الله: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً﴾([75]) فقد أخبر عز وجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم السباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق وذلك قوله: ﴿لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم﴾. وقوله: ﴿يا ايها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في اي صورة ‌ما شاء ركبك﴾.([76]) وفي آيات كثيرة، فأول نعمة الله على الانسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان. وذلك ان كل ذي حركة‌ على بسيط الارض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته، ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس، فمن اجل النطق ملك ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمراً ناهياً وغيره مسخر له كما قال الله: ﴿كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم﴾ ([77]) وقال: ﴿وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها﴾.([78]) وقال: ﴿والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس﴾([79]). فمن اجل ذلك دعا الله الانسان الى اتباع امره الى طاعته بتفضيله اياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة بعد ان ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله: (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا). وقوله: ﴿لا يكلف الله نفساً الا وسعها﴾([80]). وقوله: ﴿لا يكلف الله نفساً الا ما آتاها﴾([81]). وفي آيات كثيرة فاذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله ﴿ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج﴾([82]) فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الأعمال التي لا يقوم بها، وكذلك أوجب على ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج، قوله: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً﴾([83]) وقوله في الظهار: ﴿والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة﴾([84]). الى‌ قوله: ﴿فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً﴾. كل ذلك دليل على ان الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده الا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به ونهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة.

وأما قوله: تخلية السرب فهو الذي ليس له عليه رقيب يخطر عليه ويمنعه العمل بما امره الله به وذلك قوله فيمن استضعف وخطر عليه العمل فلم يجد حيلة ولا يهتدي سبيلاً كما قال الله تعالى: ﴿الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً﴾ ([85]) فأخبر ان المستضعف لم يخل سر به وليس عليه من القول شيء اذا كان مطمئن القلب بالايمان.

وأما المهلة في الوقت فهو العمر الذي يتمتع الانسان من حد ما تجب عليه المعرفة الى أجل الوقت وذلك من وقت تمييز وبلوغ الحلم الى ان يأتيه اجله.

فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير. وذلك قوله: ﴿من يخرج من بيته مهاجراً الى الله ورسوله﴾.([86]) الآية. وان كان لم يعمل بكمال شرايعه لعلة ما لم يمهله في الوقت الى استتمام امره. وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل اذا لم يبلغ الحلم في قوله: ﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن﴾([87]) الآية. فلم يجعل عليهن حرجاً في ابداء الزينة للطفل وكذلك لا تجري عليه الأحكام.

واما قوله: الزاد. فمعناه الجدة والبلغة التي يستعين بها العبد على ما امره الله به، وذلك قوله: ﴿ما على المحسنين من سبيل﴾([88]) الآية. ألا ترى انه قبل عذر من لم يجد ما ينفق والزام الحجة كل من امكنته البلغة والراحلة للحج والجهاد واشباه ذلك. وكذلك قبل عذر الفقراء واوجب لهم حقهم في مال الأغنياء بقوله: ﴿للفقراء الذين احصروا في سبيل الله﴾ ([89]) الآية. فأمر بإعفائهم ولم يكلفهم الا عداد لما يستطيعون ولا يملكون.

واما قوله في السبب المهيج فهو النية التي هي داعية الانسان الى جميع الافعال وحاستا القلب. فمن فعل فعلاً وكان بدين لم يعقد قبله على ذلك لم يقبل الله منه عملاً الا بصدق النية؛ ولذلك اخبر عن المنافقين بقوله: ﴿يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله اعلم بما يكتمون﴾ ([90]) ثم انزل على نبيه (ص) توبيخاً للمؤمنين ﴿يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون﴾ ([91]) الآية. فاذا قال الرجل قولاً واعتقد في قوله دعته النية الى تصديق القول بإظهار الفعل. واذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته.

وقد اجاز الله صدق النية وإن كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع اظهار الفعل في قوله ﴿الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان﴾ ([92]) وقوله: ﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم﴾([93]) فدل القرآن وأخبار الرسول (ص) ان القلب مالك لجميع الحواس يصحح افعالها ولا يبطل ما يصحح القلب شيء.

فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق (ع) انها تجمع المنزلة بين المنزلتين وهما الجبر والتفويض. فاذا اجتمع في الانسان كمال هذه الخمسة الأمثال وجب عليه العمل كمالاً لما امر الله عزوجل به ورسوله، واذا نقض العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحاً بحسب ذلك.

فأما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة. ومن ذلك قوله: ﴿ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو اخباركم﴾([94]). وقال: ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون﴾([95]). وقال: ﴿أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾([96]). وقال في الفتن التي معناها الاختبار: ﴿ولقد فتنا سليمان﴾([97]) الآية. وقال في قصة موسى (ع): ﴿فانا قد فتنا قومك من بعدك واضلهم السـامـري﴾ ([98]) وقول موسى: ﴿ان هـي الا فتنتك﴾([99]) أي اختبارك.

فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض ويشهد بعضها لبعض.

واما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله: ﴿ليبلوكم في ما اتاكم﴾([100]) وقوله: ﴿ثم صرفكم عنهم ليبتليكم﴾([101]) وقوله: ﴿انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة﴾([102]) وقوله: ﴿خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم احسن عملاً﴾ ([103]) وقوله: ﴿واذا ابتلى ابراهيم ربه بكلمات﴾([104]). وقوله: ﴿ولو يشاء ‌الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض﴾ ([105]) وكل ما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرح أولها فهى اختبار، وامثالها في القرآن كثيرة، فهي اثبات الاختبار البلوى، ان الله جل وعز لم يخلق الخلق عبثاً ولا اهملهم سدى، ولا اظهر حكمته لعباً، وبذلك اخبر في قوله: ﴿أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً﴾.

فان قال قائل: فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى اختبرهم؟

قلنا: بلى قد علم ما يكون منهم قبل كونه، وذلك قوله: ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه﴾ ([106]) وانما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم الا بحجة بعد الفعل، وقد اخبر بقوله: ﴿ولو انا اهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولاً﴾([107]) وقوله: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً﴾([108]) وقوله: ﴿رسلاً مبشرين ومنذرين﴾([109]). فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض وبهذا نطق القرآن وجرت الأخبار عن الأئمة من آل الرسول.

فان قالوا: ما الحجة في قول الله: ﴿يضل من يشاء ويهدي من يشاء﴾ وما أشبهها؟

قيل مجاز هذه الآيات كلها على معنيين: اما احدهما فاخبار عن قدرته اي انّه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء واذا أجبرهم بقدرته على احدهما لم يجب ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحنا في الكتاب. والمعنى الآخر الهداية منه تـعريفـه كقـوله: ﴿واما ثمود فهديناهم﴾([110]) اي عرفناهم ﴿فاستحبوا العمى على الهدى﴾([111]). فلو أجبرهم على‌ الهدى لم يقدروا ان يضلوا، وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي أمرنا بالأخذ بها،‌ من ذلك قوله: ﴿منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأُخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله﴾([112]) الآية.

وقال: فبشر عبادي ﴿الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه﴾([113]) اي أحكمه وأشرحه ﴿اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الألباب﴾([114]).

وفقنا الله واياكم الى القول والعمل لما يحب ويرضى وجنبنا واياكم معاصيه بمنه وفضله، والحمد لله كثيراً كما هو اهله وصلى الله على محمد وآله الطيبين وحسبنا الله ونعم الوكيل([115]).

-------------------------------

[1]) ابو محمد الحسن بن علي الحراني، تحف العقول عن ال الرسول، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات .

[2]) ابو منصور احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي، كتاب مؤسسة الاعلمي للمطبوعات - مؤسسة اهل البيت :الاحتجاج، ج ۲، ص ۲٥۱.

[3])الشيخ محمد بن فتال النيشابوري، روضة الواعظين، تحقيق غلام حسن المجيدي، مجتبى الفريجي، منشورات دليل ما، ط 2، قم،2010 م ج2، ص244.

[4]) أبو جعفر رشيد الدين المازندراني، المناقب، مطبعة مؤسسة انتشارات علامة، قم (د.ت)م: 2ج،ص 442.

[5]) محمد بن يعقوب الكليني، أصول الكافي، الامير للطباعة والنشر، ط 1، بيروت، 2008، ص 303.

[6]) كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، مؤسسة البلاغ، بيروت (د.ت) ،ص 307.

[7]) المصدر نفسه، ص 308.

[8]) الشيخ الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، تحقيق: مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث، ط1، ربيع الأول ،١٤١٧ص339.

[9]) حسن ابراهيم، تاريخ الاسلام السياسي، ج: ۳، المكتبة التجاريّة الكبرى، ط1، القاهرة، 1935م، ص2.

[10]) في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي (ع)، وهدم ما حوله من المنازل والدور .انظر الكامل في التاريخ، ج6، ص 130.

[11]) حسن ابراهيم، تاريخ الاسلام السياسي، ج: ۳ ،ص5.

[12]) أبو الحسن بن علي المسعودي، مروج الذهب، المكتبة العصريّة، ط1، بيروت، 2005م: ج۲ ،ص ۳۹۰.

[13]) المصدر نفسه، ج1، ص 135.وتاريخ الكامل، ج6، ص 188.

[14]) المصدر نفسه: ج۲، ص ٤۰۷ ـ ٤۰۸.

[15]) ابن الاثير، الكامل في التاريخ: ج۷، تحقيق د- محمد يوسف الدقاق، دار الكتب العلميّة، ط1، بيروت، 1987م،ص ٥۰ وما بعدها.

[16]) احمد بن ابي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، مطبعة الغري، النجف، 1358م، ج۲، ص٥۰۳.

[17]) محمد عابد الجابري، بنيّة العقل العربي،ج2، مركز دراسات الوحدة العربيّة،ط2 بيروت، 1987م.

[18]) حسن ابراهيم، تاريخ الاسلام السياسي: ۳ / ۳۳۲ وما بعدها.

[19]) الفارابي، إحصاء العلوم، مركز الانماء القومي، ط1، بيروت، 1991م، ص87

[20]) المصدر نفسه، ص 90-91.

[21]) الكامل في التاريخ، ج6، ص 139.

[22]) انظر: عبد الجبار الرفاعي، علم الكلام الجديد وفلسفة الدين، دار الهادي، ط2، بيروت، 2008م .

[23]) حسن سلهب، علم الكلام والتاريخ، مركز الكلام لتنميّة الفكر الإسلامي، ط1 4، بيروت، 2011م، ص41.

[24]) ابن منظور، لسان العرب، ج10، ص419.

[25]) السيد مرتضى العسكري، دراسة حول الجبر والتفويض والقضاء والقدر، مركز تحقيقات اسلامي (د.ت)، ص5.

[26]) محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل،الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة ،2014، ج1، ص87.

[27]) الكامل في التاريخ، ج6، ص 139.

[28]) انظر: محمد عابد الجابري، نحن والتراث. دار الطليعة، بيروت.

[29]) الأشعري، مقالات الإسلاميين، ج1، ص312.

[30]) ابراهيم، المعجم الوسيط، ج2، ص325.

[31]) أبو الحسن بن علي المسعودي، مروج الذهب، ص 43,

[32] القاضي عبد الجبار، المغني في أصول الدين، ج6، ص41.

[33] القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، ص323.

[34] الكلبايكاني، محاضرات في الإلهيات، ص203-204.

[35]) الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، ص90.

[36]) محمد بن يعقوب الكليني، أصول الكافي، ص 305.

[37]) ابو محمد الحسن بن علي الحراني، تحف العقول عن ال الرسول ،ص ٤۸۱، عن أبي الحسن الثالث (ع) أنه قال لبعض مواليه.

[38]) الشيخ عزيز الله العطاردي، مسند الامام الهادي، الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا (ع)، مطبعة امير –قم 1410 ه، ص 304

[39]) المصدر نفسه، ص 304.

[40]) المصدر نفسه، ص304

[41]) ونجد عند السنة روايته انه :(إن الله تعالى لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله على الجماعة الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1848)، خلاصة حكم المحدث: صحيح .

[42] الصراط المستقيم، ج۲، ص ۱۱۳، بحار الانوار، ج ۳۹، ص۳.

[43] حديث الثقلين:من الأحاديث المشهورة المعروفة الواردة في حق أهل البيت هو حديث الثقلين، وهو حديث متفق على صحته بين الفريقين، بل هو متواتر عند الشيعة الإمامية وله طرق عدة عند أهل السنة.أخرج مسلم في "صحيحه" في باب فضائل علي بن أبي طالب (ع) بسنده إلى زيد بن أرقم قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر. ثم قال: "أما بعد، ألا أيها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي..."انظر: صحيح مسلم: 4 / 1873، دار الفكر، باب فضائل علي بن أبي طالب.

[44]) الفضائل الخمسة عن الصحاح الستة، ج۲، ص ٥۲، عن صحيح مسلم، والترمذي وابن الأثير الجزري والنيسابوري واحمد وابي نعيم والخطيب البغدادي والمتقي الهندي وابن حجر والهيثمي وغيرهم.

[45]) سورة المائدة، الاية ٥٥.

[46]) راجع ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق لابن عساكر 2 / 75 ح 577 ومناقب علي لابن المغازلي الشافعي ص 18 و24 والمناقب للخوارزمي الحنفي ص 94، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8 / 290، وشواهد التنزيل للحسكاني الحنفي 1 / 158، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21، وكتابنا المواجهة مع رسول الله وآله (القصة الكاملة) ص 428.

[47]) الأربعون حديثاً من الأربعين، ص ۱٤۱، عن ابن الجوزي واحمد والبغوي.

[48]) صحيح البخاري: 4 / 208، دار الفكر، بيروت. صحيح مسلم، باب فضائل علي: 7 / 120، دار الفكر، وانظر حديث المنزلة بألفاظه المختلفة في كل من: «سنن ابن ماجة»: 1 / 45، دار الفكر. و«سنن الترمذي»: 5/302، 304، دار الفكر، و«السنن الكبرى» للنسائي: 5 / 44 ـ 45 ـ 108 ـ 113، 120 ـ 121 ـ 122، وغيرها، دار الكتب العلمية، و«صحيح ابن حبان»: 15 / 16 ـ 369 ـ 371، مؤسسة الرسالة، و«مستدرك الحاكم»: 3/ (108 ـ 109) و(132 ـ 134)، دار المعرفة، وغيرها من المصادر الحديثية الكثيرة جداً.

([49] امالي الطوسي، ص ٤۷، بحار الانوار، ج۳، ص۲٥٤.

[50]) سورة الاحزاب، الآية ٥۷.

[51]) مسند أحمد: 3 / 483، دار صادر. المستدرك على الصحيحين وبهامشه «تلخيص المستدرك» للذهبي: 3 / 122، دار المعرفة.

[52]) الأربعون حديثاً من الاربعين، ص۲۳.

[53]) وهذا الحديث يرد في صحيح البخاري: 5 / 77 ـ 78، باب غزوة خيبر، دار الفكر، صحيح البخاري: (4 / 12 ـ 20 ـ 207)، و(5 / 76)، دار الفكر، بيروت. صحيح مسلم: 7 / 120، في فضائل علي، دار الفكر. وانظر الحديث في «صحيح مسلم»: (5 / 194 ـ 195) و(7 / 120 ـ 121 ـ 122(.

([54] بحار الأنوار، ج٥، ص٦۹.

([55] الامام باستعراضه تلك الايات الكريمة وتلك الاحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم، كان يحاول اقامة الحجة بالإمامة ودورها في القيادة وما يجب ان يكون عليه اثرها في جمهور المؤمنين.

[56]) الفضائل الخمسة عن الصحاح الستة، ج ۲، ص ۱۹۸، عن البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والهيثمي والنيسابوري والمتقي الهندي والاصبهاني والنسائي.

[57]) سئل الامام الصادق (ع): هل أجبر الله العباد على المعاصي؟فقال (ع) :"هو اعدل من ذلك " فقيل له: فهل فوض إليهم ؟ فقال (ع):"هو اعز واقهر لهم من ذلك ".

http://alawiyoun.net/node/1377

[58]) سورة الاحزاب، الآية ٥۷.

[59]) سورة البقرة، الآية۸۱.

[60]) سورة النساء، الآية ۱۰.

[61] ) سورة النساء، الآية ٥٦.

[62] ) سورة البقرة، الآية ۸٥.

[63] ) سورة الانعام، الآية ۱٦۰.

[64] ) سورة آل عمران، الآية ۳۰.

[65] ) سورة غافر، الآية ۱۷

[66] ) سورة الزمر، الآية ۷.

[67] ) سورة البقرة، الآية ۱۰۲.

[68] ) سورة الذاريات، الآية ٥٦.

[69] ) سورة‌ النساء، الآية ۳٦.

[70] ) سورة البقرة، الآية ۸٥.

[71] ) سورة الزخرف، الآية ۳۱.

[72] ) سورة الزخرف، الآية ۳۲.

[73] ) سورة الاحزاب، الآية ۳٦.

[74] ) سورة ص، الآية ۲۷.

[75] ) سورة الاسراء، الآية ۷۰.

[76] ) سورة الانفطار، الآية ٦.

[77] ) سورة الحج، الآية ۳۷.

[78] ) سورة النحل، الآية ۱٤.

[79] ) سورة النحل، الآية ٥.

[80] ) سورة التغابن، الآية ۱٦.

[81] ) سورة الطلاق، الآية ۷.

[82] ) سورة ‌النور، الآية ٦۱.

[83] ) سورة آل عمران،‌ الآية ۹۷.

[84] ) سورة المجادلة، الآية ۳.

[85] ) سورة النساء، الآية ۹۸.

[86] ) سورة النساء، الآية ۱۰۰.

[87] ) سورة النور، الآية ۳۱.

[88] ) سورة التوبة، الآية ۹۱.

[89] ) سورة البقرة، الآية ۲۷۳.

[90] ) سورة آل عمران، الآية ۱٦۷.

[91] ) سورة الصف، الآية ۲.

[92] ) سورة النحل، الآية ۱۰٦.

[93] ) سو رة‌ البقرة، الآية ۲۲٥.

[94] ) سورة محمد، الآية ۳۱.

[95]) سورة القلم، الآية ٤٤.

[96] ) سورة العنكبوت، الآية ۲.

[97] ) سورة ص، الآية ۳٤.

[98] ) سورة طه، الآية ۸٥.

[99] ) سورة الاعراف، الآية ۱٥٥.

[100]) سورة الانعام، الآية ۱٦٥.

[101] ) سورة آل عمران، الآية ۱٥۲.

[102] ) سورة القلم، الآية ۱۷.

[103] ) سورة الملك، الآية ۲.

[104]) سورة البقرة، الآية ۱۲٤.

[105] ) سورة محمد، الآية ٤.

[106] ) سورة الانعام، الآية ۲۸.

[107] ) سورة طه، الآية ۱۳٤.

[108] ) سورة الاسراء، الآية 15.

[109] ) سورة النساء، الآية ۱٦٥.

[110] ) سورة فصلت، الآية ۱۷.

[111] ) سورة فصلت، الآية ۱۷.

[112] ) سورة آل عمران، الآية ۷.

[113] ) سورة الزمر، الآية ۱۸.

[114] ) سورة الزمر، الآية ۱۸.

[115] ) تحف العقول، ص ٤۸۱.