البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

المعصوم في دور الصغر، قراءة في طفولة الإمام الحسن (ع)

الباحث :  رسول كاظم عبدالسادة
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  16
السنة :  شهر ربيع الاول 1440هـ / 2018م
تاريخ إضافة البحث :  January / 12 / 2019
عدد زيارات البحث :  3030
تحميل  ( 390.448 KB )
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين واللعن على اعدائهم اجمعين ..
الامامة منصب الهي ونور قدسي وهبة الهية يعطيها الله لمن يستحقها وقد انحصرت بافراد معينين بالاسم واللقب والنسب لايمكن ان تتعدى الى غيرهم وذلك لسابق علم الله ومكنون سره وغيبة، وذلك حين عرض الله سبحانه وتعالى الخلق جميعا في عالم الذر، وامرهم بالتكاليف الشرعية وقد اشار سبحانه وتعالى الى ذلك في قوله [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ] الأعراف/173.
وكانت ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ﴾ منطوي فيها حسب ذلك العالم جميع التكاليف العقائدية والاخلاقية والفقهية، فاجاب من اجاب وتردد من ترددج وانكر من انكر، فمنهم من قال بلى انت ربنا ومنهم من قال بلى واضمر (لست بربنا)، وبحسب اجابات المكلفين تحددت مراتبهم في هذا العالم، وكان اول واسرع من اجاب محمد واله الطيبين الطاهرين المعصومين
عن ابي عبـد الله (ع) ان بعض قريش قال لرسول الله (ص) بأي شيء سبقت الانبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم قال اني كنت اول من آمن بربي واول من أجاب حيث اخـذ اللـه ميثاق النبيين واشهــدهم على انفسهم الست بــربكم فكنت انـا اول نبي قـال بلى فسبقتهم بالاقرار بالله عزوجل (مختصر البصائر 170).
لذلك اختص لقب الامامة بهؤلاء السابقين الى تلك الاجابة وحينما استجنت النطف في ارحام الوجود وطويت العوالم واخذت بالادبار، كما في حديث العقل ادبر واقبل ووصل الخلق الى هذا العالم نسي الخلق ما عاهدوا الله عليه في ذلك الموقف
عن ابن مسكان عن ابي عبد الله (ع) في قوله تعالى ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ قلت معانيه كان هذا؟ قال (ع) : نعم، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه ولولا ذلك لم يدر احد من خالقه ورازقه فمنهم من اتى بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال الله ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ (الاعراف: 101 ([1]) .
فعند ذلك ارسل الله اليهم مذكرين ومنذرين ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ النساء/165
ولم تكن مهمتهم تتعدى التذكير بما استجن في فطرتهم ونسي، وكذا اخبر الله نبيه (ص) قائلا له ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ الغاشية/22.
فجاءهم بالكتاب المحكم الذي فيه بيان وتفصيل كل الذي يحتاجونه واردفه بالكتاب الناطق حين نصب لهم الادلاء والهداة واحدا بعد اخر، ينص السابق على اللاحق لئلا يدعي الامامة من غير المختصين بها من الله، فكما نص رسول الله (ص) على امير المؤمنين (ع)، فانّ الإمام علي (ع) نص على ولده الحسن (ع) بوصية من رسول الله (ص) عن الله تعالى، والوصاية تشمل الولاية والخلافة والإمامة، وكذا الحسن (ع) أوصى بالحسين (ع) وهكذا الإمام السابق نصّ على الإمام اللاحق،
وهكذا كما قال (ص): انّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار([2])
ومنها قول الصادق (ع): نحن قوم معصومون أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا([3]).
وقول رسول الله (ص) في حديث طويل الى أن قال: فليتول علياً والأئمة من ولده فإنهم خيرة الله عزّ وجل وصفوته، وهم المعصومون من كل ذنب وخطيئة ([4]).
وان الامامة _على ما تقدم_ لا مدخلية للعمر فيها، لان ما كان من الله فلله ان يهب من يشاء بغير حساب وان القرآن يدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى(وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) ([5]).
فدل ذلك على ان صغير المعصوم لس بمانع من عصمته، بل يعد دليلا عليها لاشتماله على الاعجاز الذي يعد من دلائل العصمة لاهل الظاهر
وفي هذه الاوراق المختصرة سوف- نتناول بما يتيح لنا البحث وقلة البضاعة وقصور الادراك - جانبا من الحياة الطفولية للامام الحسن (ع) وبطبيعة الحال فان الحسين (ع) شريكه في اغلب المواقف والمناقب والفضائل وقد توفر لنا ما اردناه على ثلاثة بحوث تسبقهما مقدمة
نسال الله بمنه وببركة ال محمد صلوات الله عليهم ان يسددنا في القول والعمل وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.

المبحث الاول
طفولة الامام الحسن (ع) مع النبي (ص)
تربى الإمام الحسن بين أحضان جده النبي الأعظم (ص)، حتى انه كان ينادية بـ(يا أبة)، وكان (ص) يرعاه واخاه الحسين (ع) رعاية خاصة لما يعلم ما لهما من مكانة، كونهما الحجج والخلفاء من بعده على الخلق وإن نسله منهما عاش الامام الحسن مع جده رسول الله في ارغد عيش وانعمه وترعرع في حضن الاسلام وهو ينمو بفضل جده وابيه والصفوة من رجال الاسلام الاوائل، وفي هذه الاثناء كانت الايات القرانية تنزل بالاحكام والتعاليم والاداب التي تهذب علاقات بني الانسان فيما بينهم، ومنها: رسم علاقة الصغار بالابائهم وحدود التعامل معهم
لقد وضع الإسلام منهاجاً كاملاً للفرد والأسرة والمجتمع، يقوم على أساس المحبة والمودة والسماحة والتراحم في جميع مراحل الحركة الاجتماعية، وفي جميع مجالاتها، حفاظاً على السلامة الأخلاقية والصحة النفسية.وأكّد على وجوب محبة الطفل، قال الإمام جعفر الصادق (ع):(إن الله عزّوجلّ يرحم الرجل لشدّة حبّه لولده)([6]).
ومحبة الطفل والرفق به ورحمته حق على الوالدين، قال الإمام زين العابدين (ع): (وأمّا حقّ الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له والستر على جرائر حداثته) ([7]).
عناية النبي (ص) بالحسن (ع):
النبي (ص) باعتبارة امام الخلق وسيدهم ومربي الانسانية جميعا كان رحمة لهم ومن خلقه الكريم ان لايدع الاعتناء بصغيرهم وكبيرهم، ولكن له عنايات خاصة ببعض الخلق وهذه الخصوصية ليس لميل نفسي وهوى شخصي حاشاه صلوات الله عليه وانما تلك العناية هي من ضمن التكليف الالهي والامر الشرعي الذي يريد النبي (ص) من الامة ان تلتزم به، وقد اظهر النبي (ص) هذه العناية امام المسلمين بشكل عملي بما صدر منه تجاه ولده وحفيده الامام الحسن (ع) وخص ولديه الحسنين (ع) بجانب من هذه العناية التي هي في الواقع تكاليف شرعية على جميع المسلمين اتباعها باعتبارين :
الاول: مراعاتها مع ابنائهم وجميع صغار المسلمين.
الثاني: الالتزام بما خص الله به الحسنين من تكريم والسير على منهاج النبي (ص) في حبهما وتوقيرهما، الا ان جل الامة فعلت خلاف سنة نبيها فمنهم من سم ومنهم من قتل .
ان عناية النبي (ص) بالامام الحسن وهو صغير قد تمثلت بعدة اوجه منها:

أولاً: المحبة :
ان اول الروابط التي تظهر لنا بين النبي (ص) وسلم وحفيده او ولده كما تنص عليه الاخبار هي رابطة المحبة العضمى والتي كثيرا ما كان صلوات الله عليه ينوه عنها في احاديثه امام المسلمين ايذانا بالدور الخطير الذي سوف يتقلده الامام الحسن (ع) في هداية امة التوحيد. وقد وردت بهذا الشان احاديث غاية في العجب لم ترد في أي شخص آخر من خارج أهل البيت :، وقد علل النبي صلوات الله عليه محبته في عدة أسباب وربما كانت بحسب مقامات السائلين من المسلمين
منها: لانه واخيه الحسين (ع) ريحانتاه من الدنيا، عن أبي أيّوب الأنصاري قال: دخلت على رسول الله (ص) والحَسَن والحُسَيْن يلعبان بين يديه في حجره، فقلت: يا رسول الله أتحبهما؟ قال: (ع) وكيف لا أُحبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما (ع) ([8]).
ومنها: لانهما ابناه ومن نسلهما بقاء ذريته في العالم، عن أُسامة بن زيد قال: طرقت النبي (ص) ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي (ص) وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو، فلمّا فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ قال: فكشفه فإذا حسن وحسين (ع) على وركَيْه فقال: (ع) هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهمّ إني أُحِبُّهما فأَحِبَّهُما وأَحِبَّ من يُحبُّهما (ع) ([9]).
وقد بين صلوات الله عليه انه يحب الحسن وكان الحسين (ع) شريكا له في اغلب احاديث المحبه لذلك دعا الله ان يحبهما ولمن احبهما بان يحبه الله، وامر المسلمين بمجبتهما، وجاء ذلك في عدة نصوص ومناسبات، فعن اميرالمؤمنين (ع): أنَّ النبي (ص): أخذ بيد الحسن والحسين فقال: من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة (ع) ([10]).وانه (ص) كان يأخذهما (ع) ويقول: (اللّهمّ إنّي أُحبهما فأحبّهما (ع) ([11]) وعن سلمان (ص) قال سمعت رسول الله (ص) يقول: (ع) الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبه أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار (ع) ([12]) ومثله عن ابي هريرة ([13])، وكذلك عن عن البراء([14]).
والغريب ان بعض المسلمين يسأله أتحبهما؟ أما كانت العرب تحب اولادها؟ عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله (ص) ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثم - أي يقبل - هذا مرةً وهذا مرة حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله، إنك تحبهما؟ فقال: (ع) نعم، من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني (ع) ([15]).
ولعل الجفاء والغلظة والجاهلية تدفع امثال هولاء عن لمثل هذا السوال والتعجب كما يروي لنا ابي هريرة حيث يقول: دخل الاقرع بن حابس على النبي (ص) فرآه يُقَبِّل إمّا حسناً أو حسيناً. فقال تُقبّله، ولي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم. فقال رسول الله (ص): (ع) إنّه من لا يَرحم لا يُرحم (ع) ([16]).
ومن عظيم حبه لهما انه (ص) كان يحملهما تحت ردائه وهما صغيران يشتمل عليهما حرصا منه لئلا يتاذيان، اشارة الى الامة بان تراعي من حقهما ما راعاه هو (ص)، فقد جاء أسامة بن زيد ذات ليلة فطرق باب رسول الله (ص) لبعض حاجته فخرج إليه الرسول (ص) وهو مشتمل على شيء لا يدري ما هو فلما فرغ من حاجته قال أسامة لرسول الله (ص): ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشف فإذا الحسن والحسين على وركيه فقال (ص): هذان ابناي وابنا ابنتي، اللّهم إنك تعلم إني أحبهما فأحبهما، اللّهم إنك تعلم إني أحبهما فأحبهما، اللّهم إنك تعلم إني أحبهما فأحبهما ([17]).

ثانيا: الاعتناء بطعامهما:
لاشك ان الاعتناء بطعام الاطفال مما يعين على تمام صلاح بنيتهم واشتداد عودهم بما يؤهل البدن لاستقبال ملكة العقل من غير تشتت وشرود ذهن، او انشغال في بدن معلول، وفي هذا الجانب كان النبي (ص) يلحظ هذا الجانب في ولديه الحسنين 8، بل ان الزهراء صلوات الله عليها كانت تخبر ابيها بهذا الامر
عن سلمان قال: أتيت النبي (ص) فسلمت عليه ثم دخلت على فاطمة (ع) فقالت: يا عبد الله هذان الحسن والحسين جائعان يبكيان، فخذ بأيديهما فاخرج بهما إلى جدهما فأخذت بأيديهما وحملتهما حتى أتيت بهما إلى النبي. فقال (ص): ما لكما يا حسناي قالا: نشتهي طعاما يا رسول الله، فقال النبي (ص) اللهم أطعمهما - ثلاثا - قال: فنظرت فإذا سفرجلة في يد رسول الله (ص) شبيهة بقلة من قلال هجر أشد بياضا من الثلج، وأحلى من العسل وألين من الزبد، ففركها (ص) بإبهامه فصيرها نصفين ثم دفع إلى الحسن نصفها وإلى الحسين نصفها، فجعلت أنظر إلى النصفين في أيديهما وأنا أشتهيها. قال: يا سلمان هذا طعام من الجنة لا يأكله أحد حتى ينجو من الحساب([18]).
وكان صلوات الله عليه واله يشارك هذه العائلة العظيمة طعامها، فيالها من بركات مضاعفة، فالطعام الهي، والمجلس قدسي، والحضور نور على نور، يهدي الله لنوره من يشاء .
روي عن جماعة من الصحابة قالوا: دخل النبي (ص) دار فاطمة (ع) فقال: يا فاطمة إن أباك اليوم ضيفك، فقالت (ع): يا أبت إن الحسن والحسين يطالباني بشيء من الزاد فلم أجدلهما شيئا يقتاتان به. ثم إن النبي (ص) دخل وجلس مع علي والحسن والحسين وفاطمة :، وفاطمة متحيرة ما تدري كيف تصنع، ثم إن النبي (ص) نظر إلى السماء ساعة وإذا بجبرائيل (ع) قد نزل، وقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام، ويقول لك: قل لعلي وفاطمة والحسن والحسين: أي شيء يشتهون من فواكه الجنة ؟ فقال النبي (ص): يا علي ! ويا فاطمة ! ويا حسن ! ويا حسين ! إن رب العزة علم أنكم جياع فأي شيء تشتهون من فواكه الجنة ؟ فأمسكوا عن الكلام ولم يردوا جوابا حياء من النبي (ص) فقال الحسين (ع): عن إذنك يا أباه يا أمير المؤمنين، وعن إذنك يا أماه يا سيدة نساء العالمين، وعن إذنك يا أخاه الحسن الزكي أختار لكم شيئا من فواكه الجنة. فقالوا جميعا: قل يا حسين ما شئت فقد رضينا بما تختاره لنا. فقال: يا رسول الله قل لجبرائيل إنا نشتهي رطبا جنيا فقال النبي (ص): قد علم الله ذلك ثم قال: يا فاطمة قومي وادخلي البيت و احضري إلينا ما فيه، فدخلت فرأت فيه طبقا من البلور، مغطى بمنديل من السندس الأخضر، وفيه رطب جني في غير أوانه فقال النبي: يا فاطمة أنى لك هذا ؟ قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب كما قالت مريم بنت عمران. فقام النبي (ص) وتناوله وقدمه بين أيديهم ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم أخذ رطبة واحدة فوضعها في فم الحسين (ع) فقال: هنيئا مريئا لك يا حسين، ثم أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن وقال: هنيئا مريئا يا حسن، ثم أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزهراء (ع) وقال لها: هنيئا مريئا لك يا فاطمة الزهراء، ثم أخذ رطبة رابعة فوضعها في فم علي (ع) وقال: هنيئا مريئا لك يا علي. ثم ناول عليا رطبة أخرى والنبي (ص) يقول له: هنيئا مريئا لك يا علي. ثم وثب النبي (ص) قائما ثم جلس ثم أكلوا جميعا عن ذلك الرطب فلما اكتفوا وشبعوا، ارتفعت المائدة إلى السماء بإذن الله تعالى. فقالت فاطمة: يا أبه ! لقد رأيت اليوم منك عجبا. فقال: يا فاطمة أما الرطبة الأولى التي وضعتها في فم الحسين، وقلت له: هنيئا يا حسين، فإني سمعت ميكائيل وإسرافيل يقولان: هنيئا لك يا حسين، فقلت أيضا موافقا لهما في القول ثم أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن، فسمعت جبرائيل وميكائيل يقولان: هنيئا لك يا حسن، فقلت: أنا موافقا لهما في القول، ثم أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان وهن يقلن: هنيئا لك يا فاطمة، فقلت موافقا لهن بالقول. ولما أخذت الرابعة فوضعتها في فم علي سمعت النداء من [قبل] الحق سبحانه وتعالى يقول: هنيئا مريئا لك يا علي، فقلت موافقا لقول الله عز وجل، ثم ناولت عليا رطبة أخرى ثم أخرى وأنا أسمع صوت الحق سبحانه وتعالى يقول: هنيئا مريئا لك يا علي. ثم قمت إجلالا لرب العزة جل جلاله، فسمعته يقول: يا محمد وعزتي وجلالي، لو ناولت عليا من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة لقلت له: هنئيا مريئا بغير انقطاع ([19]).
عن عائشة قالت: كان رسول الله (ص) جائعاً لا يقدر على ما يأكل. فقال لي:(ع) هات ردائي (ع) فقلت: أين تريد؟ قال: (ع) إلى فاطمة ابنتي فأنظر إلى الحسن والحسين فيذهب ما بي من جوع(ع) فخرج، حتى دخل على فاطمة، فقال: (ص) يا فاطمة أين ابناي؟ فقالت: يا رسول الله، خرجا من الجوع وهما يبكيان، فخرج النبي (ص) في طلبهما، فرأى أبا الدرداء فقال: (ع) يا عويمر، هل رأيت ابني (ع) قال: نعم يا رسول الله، هما نائمان تحت ظِلّ حائط بني جدعان. فانطلق النبي فضمّهما وهما يبكيان وهو يمسح الدموع عنهما، فقال له أبو الدرداء: دعني أحملهما. فقال: (ع) يا أبا الدرداء، دعني امسح الدموع عنهما، فو الذي بعثني نبيّاً لو قطرت قطرة في الأرض لبقيت المجاعة في أُمّتي إلى يوم القيامة .
ثم حملهما وهما يبكيان وهو يبكي، فجاء جبرئيل فقال: السلام عليك يا مـحمد، ربّ العزّة يقرئك السلام ويقول: ما هذا الجزع؟ فقال: (ع) يا جبرئيل ما أبكي من جزع، بل أبكي من ذلّ الدنيا (ع).
فقال جبرئيل: إن الله تعالى يقول: أيسرّك أن أُحوّل لك أُحداً ذهباً، ولا ينقص لك ممّا عندي شيء؟ قال: (ع) لا. قال: لِمَ؟ قال: (ع) لأنّ الله لم يحبّ الدنيا، ولو أحبّها لما جعل للكافر أكلة (ع) فقال جبرئيل: يا مـحمد ادعُ بالجفنة المنكوسة التي في ناحية البيت، فدعا بها، فلما حملت إذا فيها ثريد ولحم كثير، فقال: كل يا مـحمد وأطعم ابنيك وأهل بيتك. قالت: فأكلوا وشبعوا....قال ثم أرسل بها إلي فأكلوا وشبعوا وهو على حالها.قال: ما رأيت جفنة أعظم بركة منها,فرفعت عنهم.فقال النبي (ص): والذي بعثني بالحق لو سكت لتدوالها فقراء امتي إلى يوم القيامة([20]).
عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَال: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى الْمَنَامَةِ فَاسْتَسْقَى الْحَسَنُ أَوْ الْحُسَيْنُ قَالَ فَقَامَ النَّبِيُّ (ص) إِلَى شَاةٍ لَنَا بِكْرٍ فَحَلَبَهَا فَدَرَّتْ فَجَاءَهُ الْحَسَنُ فَنَحَّاهُ النَّبِيُّ (ص) فَقَالَتْ فَاطِمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهُ أَحَبُّهُمَا إِلَيْكَ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ اسْتَسْقَى قَبْلَهُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي وَإِيَّاكِ وَهَذَيْنِ وَهَذَا الرَّاقِدَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ([21]).

ثالثا: المداعبة :
قال رسول الله (ص): مَنْ كان عنده صبي فليتصابى له، من خلال هذا الحديث الشريف تتبدَّى لنا الأهمية التي أولاها الإسلام لمسألة التصابي مع الأطفال. تلك التي تدعو الآباء إلى تعاطي سلوك مع أطفالهم مختلف عن ذاك الذي يتعاطاه معظم الآباء، من الجفاف والقسوة والجدية، ألا وهو النزول إلى مستوى الصغار والحلول بساحتهم، وتخصيص مقدار من الوقت لمشاركتهم في أعمالهم وألعابهم.
ولهذه المسألة فائدتها الكبرى على الصعيد التربوي والنفسي للطفل.
والجدير بالذكر أن الرسول (ص) عندما أمر الآباء بالتحلي بهذه الخصلة، فإنه لم يكن في مقام يأمر فيه غيره بعمل ولا يعمل فيما يأمر، بل إنه صلوات الله عليه وآله فيما يروى عنه كان السبَّاق إلى مثل هذه الأفعال، مع عظم شأنه وكبير خطره.
كان الامام الحسن يركب على النبي وهو في صلاته، فعن عبد الله بن الزبير: قد رأيت الحسن بن على يأتى النبى صلى الله عليه [وآله] وسلم و هو ساجد فيركب ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذى ينزل، و يأتى و هو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر ويطيل الصلاة أحياناً لأن أحد ولديه على ظهره كراهة أن يعجله حتى يقضي حاجته([22]).
عن عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ (ص) فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَهُوَ حَامِلُ حَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ (ص) فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا قَالَ إِنِّي رَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهَرِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ فِي سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَيْ الصَّلَاةِ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ قَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي ([23]) فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَه([24]).
وعن إِيَاسٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ حُجْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ هَذَا قُدَّامَهُ وَهَذَا خَلْفَهُ ([25])
وعن ابى بكرة قال: كان النبي يصلي بنا وهو ساجد فيجئ الحسن وهو صبي صغير حتى يصير على ظهره أو رقبته فيرفعه رفعا رفيقا، فلما صلى صلاته قالوا: يا رسول الله انك لتصنع بهذا الصبي شيئا لم تصنعه بأحد فقال: ان هذا ريحانتي([26]) وعن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله واضعا للحسن على عاتقه فقال: من احبني فليحبه([27]) .
وعن ابي هريرة قال: ما رأيت الحسن قط إلا فاضت عيناي دموعا وذلك انه أتى يوما يشتد حتى قعد في حجر رسول الله فجعل يقول بيده هكذا في لحية رسول الله يفتح فمه ثم يدخل فيه ويقول: اللهم انى احبه فأحبه وأحب من يحبه، يقولها ثلاث مرات([28]) وقال ايضا: سمع أذناي هاتان وبصر عيناي هاتان رسول الله (ص) وهو آخذ بيديه جميعا بكتفي الحسن والحسين، وقد ما هما على قدم رسول الله (ص)، ويقول: ترق عين بقة ([29])قال: فرقا الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله (ص) ثم قال له: افتح فاك ثم قبله ثم قال: اللهم أحبه فإني احبه([30]) ووضع رسول الله (ص) الحسن (ع) على عاتقه فقام بتعريفه لعامة المسلمين وكان يقول (ص): من أحبني فليحبه ولمّا لقيه رجل فقال: نعم المركب ركبت يا غلام (وكان يوجه الكلام للحسن) كان رسول الله (ص) يقول له: (ونعم الراكب هو(([31]).
وعن البهي قال: تذاكرنا من أشبه الناس بالنبي (ص) من أهله، فدخل علينا عبد الله بن الزبير فقال: أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم إليه الحسن بن علي (ع) رايته وهو ساجد فيركب رقبته (أو قال ظهره) فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر. ([32]) وعن زر بن حبيش قال: كان رسول الله (ص) ذات يوم يصلي فأقبل الحسن والحسين (ع) وهما غلامان فجعلا يتوثبان على ظهره إذا سجد فأقبل الناس عليهما ينحونهما عن ذلك قال (ص): دعوهما بأبي وأمي من أحبني فليحب هذين([33]). وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ (ص)، فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا، ثُمَّ قَالَ :صَدَقَ اللَّهُ: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾([34]) رَأَيْتَ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ حتى قطعت حديثي ورفعتهما، ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ ([35]).

رابعا: التقبيل:
إنَّ تقبيل الطفل أكثر إيقاعاً في نفسيته وأكثر العوامل تأثيراً في إشعاره بالمحبة والقبول والرضا والتقدير، فيشعر بالأمن والدفء العاطفي، المحسوس والعملي، وقد تضافرت الروايات المشجعة لذلك.
قال رسول الله (ص) :(من قبّل ولده كتب الله له حسنة، ومَن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة) ([36]). وقال (ص): (أكثروا من قبلة أولادكم، فإنّ لكم بكل قبلة درجة في الجنّة)([37]). وعن أبي هريرة، قال: خرج علينا رسول الله (ص) ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرّة وهذا مرّة، حتى انتهى إلينا فقال له رجل: إنّك لتحبّهما! فقال: مَن أحبّهما فقد أحبّني، ومَن أبغضهما فقد أبغضني»([38]). وعن أبي بكرة قال: لقد رأيت رسول الله (ص) على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرّة وعلى الحسن مرّة ويقول: إنّ ابني هذا سيّد، وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»([39]).
ومن ملاطفة النبي (ص) للحسن وحبه له أنّه كان يمص لسانه وهو صغير وقد ورد عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) يَمُصُّ لِسَانَهُ أَوْ قَالَ شَفَتَهُ يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَنْ يُعَذَّبَ لِسَانٌ أَوْ شَفَتَانِ مَصَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ»([40]).

تصارع الحسنين في حضرة النبي (ص) :
ان تلك اللحضات التي تصورها لنا الرواية الاتية انما تكشف عن حياة عجيبة بسيطة في بواكير الاسلام، طفلين صغيرين يعودان جدهما فيجداه نائما فيداعبانه، ثم يغفيان على عضده ويستفيقان وقد غادرت امهما فيقررا ان يمضيامن بين نبي الامة الى بيتهما في ليلة ممطرة، فلم يصلا الى البيت لان الله سبحانه وتعالى شاء ان يجعل من تيههما سبب لان تظهر فضيلة لهما من اجل الفضائل، رددها الخلفاء ايام بؤسهم([41]) وتغنّى بها الشعراء في سرهم خوفا من اعجائهم ([42]).
عن أبي عبدالله الصادق (ع) جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي الباقر، عن أبيه (ع) قال: مرض النبي صلي الله عليه و آله المرضة التي عوفي منها فعادته فاطمة (ع) سيدة النساء و معها الحسن و الحسين قد اخذت الحسن بيدها اليمني وأخذت الحسين بيدها اليسري و هما يمشيان و فاطمة بينهما حتي دخلوا منزل عايشة، فقعد الحسين (ع) علي جانب رسول الله الأيمن و الحسين علي جانب رسول الله الأيسر، فاقبلا يغمزان ما يليهما من بدن رسول الله صلي الله عليه و آله فما أفاق النبي صلي الله عليه و آله من نومه، فقالت فاطمة للحسن و الحسين: حبيبي ان جدكما قد غفا فانصرفا ساعتكما هذه و دعاه حتى يفيق و ترجعان اليه، فقالا لسنا ببارحين في وقتنا هذا فاضطجع الحسن على عضد النبي (ص) الأيمن والحسين على عضده الايسر.فغفيا و انتبها قبل أن ينتبه النبي و قد كانت فاطمة لمانا ما انصرفت الى منزلها، فقالا لعايشة ما فعلت امنا؟ قالت: لما نمتما رجعت الى منزلها فخرجا في ليلة ظلماء مد لهمة ذات رعد و برق و قد ارخت السماء عز اليها فسطع لهما نور فلم يزالا يمشيان في ذلك النور و الحسن قابض بيده اليمنى على يد الحسين اليسرى، و هما يتماشيان و يتحدثان حتى أتيا حديقة بني النجار، فلما بلغا الحديقة حارا فبقيا لا يعلمان أين يأخذان، فقال الحسن للحسين انا قد حرنا و بقينا على حالتنا هذه و ما ندري أين نسلك فلا عليك أن ننام في وقتنا هذا حتى نصبح فقال له الحسين (ع) دونك يا أخي فافعل ما تري فاضطجعا جميعا، و اعتنق كل واحد منهما صاحبه و ناما و انتبه النبي (ص) من نومته التي نامها فطلبهما في منزل فاطمة فلم يكونا فيه و افتقدهما، فقام (ع) قائما على رجليه و هو يقول: الهي و سيدي و مولاي هذان شبلاي خرجا من المخمصة و المجاعة، اللهم أنت وكيلي عليها فسطع للنبي نور فلم يزل يمضي في ذلك النور حتى أتى حديقه بني النجار، فاذا هما نائمان قد اعتنق كل واحد منهما صاحبه و قد تقشعت السماء فوقهما كطبق فهي تمطر كاشد مطر ما رآه الناس قط، و قد منع الله عز وجل المطر منهما في البقعة التي هما فيها نائمان لا يمطر عليها قطرة و قد اكتنفتهما حية لها شعرات كاجام القصب و جناحان جناح قد غطت به الحسن و جناح قد غطب به الحسين، فلما أن بصر بهما النبي تنحنح فانسابت الحية و هي تقول: اللهم اني أشهدك و أشهد ملائكتك ان هذين شبلا نبيك قد حفظتهما عليه و دفعتهما اليه سالمين صحيحين، فقال لها النبي (ص) أيتها الحية ممن أنت؟ قالت: أنا رسول الجن اليك لتعلمنا ما نسينا من كتاب الله، فلما بلغت هذا الموضع سمعت مناديا ينادي أيتها الحية هذان شبلا رسول الله فاحفظهما من الافات و العاهات، و من طوارق الليل والنهار، فقد حفظتهما و سلمتهما اليك سالمين صحيحين و أخذت الحية الاية و انصرفت و أخذ النبي (ص) الحسن فوضعه على عاتقه الأيمن و وضع الحسين على عاتقه الأيسر، و خرج علي (ع)، فلحق برسول الله (ص)، فقال له بعض أصحابه بأبي أنت و امي ادفع الي أحد شبليك اخفف عنك، فقال امض فقد سمع الله كلامك و عرف مقامك، و تلقاه اخر فقال: بأبي أنت وأمي ادفع الي أحد شبليك أخفف عنك، فقال: امض فقد سمع الله كلامك و عرف مقامك، فتلقاه علي (ع)، فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله ادفع الي أحد شبلي و شبليك حتى اخفف عنك، فالتفت النبي (ص) الي الحسن فقال يا حسن هل تمضي الى كتف أبيك فقال له و الله يا جداه ان كتفك لأحب الي من كتف أبي، ثم التفت الى الحسين (ع) فقال يا حسين هل تمضي الى كتف أبيك فقال له: و الله يا جداه اني لأقول لك كما قال أخي الحسن ان كتفك لأحب الي من كتف أبي، فقال رسول الله نعم المطية مطيتكما ونعم الراكبان أنتما، فأقبل بهما الي منزل فاطمة (ع) و قد ادخرت لهما تميرات فوضعتها بين أيديهما فأكلا و شبعا و فرحا، فقال لهما النبي (ص) قوما الان فاصطرعا فقاما ليصطرعا و قد خرجت فاطمة في بعض حاجتها فدخلت فسمعت النبي و هو يقول إيه يا حسن شد على الحسين، فاصرعه فقالت له يا أبه و اعجباه أتشجع هذا على هذا؟ اتشجع الكبير علي الصغير؟ فقال لها يا بنية أما ترضين أن أقول أنا يا حسن شد على الحسين فاصرعه، وهذا حبيبي جبرئيل يقول يا حسين شد على الحسن فاصرعه ([43]).
كان المصطفى الأكرم (ص) يرعى تربية الحسن (ع) رعاية مميزة وخاصة، فكان يغذيه بآدابه ومعارفه وكما كان يخشى عليه من كل مكروه لحبه له وخوفه عليه لأنه أمانة الله عنده ووصي من بعده والامتداد الطبيعي للرسالة الإسلامية.. ونجد هذا الانشداد الوثيق يتجسد في مواقف عديدة تعبر عن عمق العلاقة، ففي ذات يوم وبينما الإمام الحسن (ع) كان مع رسول الله (ص) إذ عطش الحسن (ع) واشتد ظمأه فطلب له النبي (ص) ماءً فلم يجد فأعطاه لسانه فمصه حتى روي([44])، وجاء (ص) إلى بيت فاطمة (ع) ليرى الحسن والحسين (ع) فقال أين ابناي؟ فقالت: ذهب بهما علي (ع)، فتوجه رسول الله (ص) فوجدهما يلعبان في مشربة وبين أيديهما فضل تمر فقال (ص): يا عليّ ألا تقلب ابناي قبل الحر ([45]).
وكان (ص) يطلب من المسلمين أن يحملوا ذات الشعور والإحساس من ابنه الحسن (ع) وكذلك من ابنه الحسين (ع)، عن عمران بن الحصين قال: قال النبي(ص): يا عمران بن الحصين، إن لكل شيء موقعاً في القلب وما وقع موقع هذين الغلامين )أي الحسن والحسين) من قلبي شيء قط، فقلت: كل هذا يا رسول الله. قال: يا عمران وما خفي عليك اكثر أن الله أمرني بحبهما ([46])
لذلك كان (ص) يسره ان يتحفه احد المسلمين بهدية، ففي بعض الأخبار أن أعرابيا أتى الرسول (ص) فقال له: يا رسول الله لقد صدت خشفة غزالة وأتيت بها إليك هدية لولديك الحسن والحسين، فقبلها النبي (ص) ودعا له بالخير فإذا الحسن (ع) واقف عند جده فرغب إليها فأعطاه إياها. فما مضى ساعة إلا والحسين (ع) قد أقبل فرأى الخشفة عند أخيه يلعب بها فقال: يا أخي من أين لك هذه الخشفة ؟ فقال الحسن (ع): أعطانيها جدي رسول الله (ص)، فسار الحسين (ع) مسرعا إلى جده فقال: ياجداه أعطيت أخي خشفة يلعب بها ولم تعطني مثلها، وجعل يكرر القول على جده، وهو ساكت لكنه يسلي خاطره ويلاطفه بشيء من الكلام حتى أفضى من أمر الحسين (ع) إلى أن هم يبكي فبينما هو كذلك إذ نحن بصياح قد ارتفع عند باب المسجد فنظرنا فإذا ظبية ومعها خشفها، ومن خلفها ذئبة تسوقها إلى رسول الله (ص) وتضربها بأحد أطرافها حتى أتت بها إلى النبي (ص) ثم نطقت الغزالة بلسان فصيح وقالت: يا رسول الله قد كانت لي خشفتان إحداهما صادها الصياد وأتى بها إليك وبقيت لي هذه الأخرى وأنا بها مسرورة وإني كنت الآن ارضعها فسمعت قائلا يقول: أسرعي أسرعي يا غزالة، بخشفك إلى النبي محمد وأوصليه سريعا لان الحسين واقف بين يدي جده وقد هم أن يبكي، والملائكة بأجمعهم قد رفعوا رؤوسهم من صوامع العبادة، ولو بكى الحسين (ع) لبكت الملائكة المقربون لبكائه، وسمعت أيضا قائلا يقول: أسرعي يا غزالة قبل جريان الدموع على خد الحسين (ع) فان لم تفعلي سلطت عليك هذه الذئبة تأكلك مع خشفك فأتيت بخشفي إليك يا رسول الله وقطعت مسافة بعيدة، ولكن طويت لي الأرض حتى أتيتك سريعة، وأنا أحمد الله ربي على أن جئتك قبل جريان دموع الحسين (ع) على خده. فارتفع التهليل والتكبير من الأصحاب ودعا النبي (ص) للغزالة بالخير والبركة، وأخذ الحسين (ع) الخشفة وأتى بها إلى أمه الزهراء (ع) فسرت بذلك سرورا عظيما([47]).

المبحث الثاني
طفولة الامام الحسن مع امه وابيه (ع)
عاش الامام الحسن وهو صغير متنقلا بين ثلاثة انوار، جده وامه وابيه، وقد تكفل رسول الله (ص) بتربيته. عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج علينا رسول الله (ص) آخذا بيد الحسن والحسين (ع) فقال: إن ابني هذين ربيتهما صغيرين، ودعوت لهما كبيرين، وسألت الله لهما ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة:سألت الله لهما أن يجعلهما طاهرين مطهرين زكيين فأجابني إلى ذلك .وسألت الله أن يقيهما وذريتهما ومحبيهما النار فأعطاني ذلك وسألت الله أن يجمع الأمة على محبتهما فقال: يا حبيبي إني قضيت قضاء وقدرت قدرا وإن طائفة من أمتك ستفي لك بذمتك في اليهود والنصارى والمجوس وسيخفرون ذمتك في ولدك، وإني أو جبت على نفسي لمن فعل ذلك ألا أحله محل كرامتي، ولا اسكنه جنتي، ولا أنظر إليه بعين رحمتي يوم القيامة([48]).
لذلك اقتصردورالامام علي (ع) في هذه الفترة علىبعض التوجيهات، لانه بعهدة المؤدب الاكبر الذي قال عنه امير المؤمنين (ان رسول الله ادبني وانا أادب المؤمنين واوصل الادب الى المكرمين).
اما الزهراء (ع) فكان لابد لطفل صغير من ان يلجأ الى امه فكانت (ع) ترقصه وتقول :

أشبه أباك يا حسن واخلع عن الحق الرسن

واعبد إلها ذا منن ولا توال ذا الإحن ([49])
وتعتني به من حيث المطعم والملبس، قال الامام الرضا (ع): عري الحسن الحسين، وأدركهما العيد، فقالا لأمهما: قد زينوا صبيان المدينة إلا نحن، فما لك لا تزينينا ؟ ! فقالت: ثيابكما عند الخياط، فإذا أتاني زينتكما، فلما كانت ليلة العيد أعادا القول على أمهما، فبكت ورحمتهما فقالت لهما ما قالت في الأولى، فلما أخذ الظلام قرع الباب قارع ؛ فقالت فاطمة: من هذا ؟ فقال: يا بنت رسول الله ! أنا الخياط قد جئت بالثياب، ففتحت الباب , فناولها منديلا مشدودا وانصرف، فدخلت فاطمة ففتحت المنديل فإذا فيه قميصان ودراعتان، وسروالان، ورداءان، وعمامتان، وخفان أسودان معقبان بحمرة، فأيقظتهما، وألبستهما، ودخل رسول الله، وهما مزينان فحملهما وقبلهما، ثم قال: رأيت الخياط ؟ قالت: نعم، والذي أنفذته من الثياب. قال: يا بنية ! ما هو خياط، إنما هو رضوان خازن الجنة. قالت فاطمة: فمن أخبرك يا رسول الله ؟ ! قال: ما عرج حتى جائني وأخبرني بذلك ([50]) .
وذكر العلامة المجلسي عليه الرحمة: عن بعض الثقات الأخيار أن الحسن والحسين (ع) دخلا يوم عيد إلى حجرة جدِّهما رسول الله (ص)، فقالا: يا جدّاه، اليوم يوم العيد، وقد تزيَّن أولاد العرب بألوان اللباس، ولبسوا جديد الثياب، وليس لنا ثوب جديد، وقد توجَّهنا لذلك إليك، فتأمَّل النبي حالهما وبكى، ولم يكن عنده في البيت ثياب يليق بهما، ولا رأى أن يمنعهما فيكسر خاطرهما، فدعا ربَّه وقال: إلهي، اجبر قلبهما وقلب أمهما، فنزل جبرئيل ومعه حلّتان بيضاوان من حلل الجنة، فسُرَّ النبي (ص) وقال لهما: يا سيِّدي شباب أهل الجنة، خذا أثواباً خاطها خيَّاط القدرة على قدر طولكما، فلمَّا رأيا الخلع بيضاً قالا: يا جدَّاه، كيف هذا وجميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب ؟
فأطرق النبي (ص) ساعة متفكِّراً في أمرهما، فقال جبرئيل: يا محمّد، طب نفساً، وقر عيناً، إن صابغ صبغة الله عزَّ وجلَّ يقضي لهما هذا الأمر، ويفرح قلوبهما بأيِّ لون شاءا، فأمر ـ يا محمد ـ بإحضار الطست والإبريق، فأُحضرا، فقال جبرئيل: يا رسول الله، أنا أصبُّ الماء على هذه الخلع وأنت تفركهما بيدك فتصبغ لهما بأيِّ لون شاءا.
فوضع النبي (ص) حلّة الحسن في الطست، فأخذ جبرئيل يصبّ الماء، ثمَّ أقبل النبيُّ على الحسن وقال له: يا قرَّة عيني، بأيِّ لون تريد حلتك ؟ فقال: أريدها خضراء، ففركها النبيُّ بيده في ذلك الماء، فأخذت بقدرة الله لوناً أخضر فائقاً كالزبرجد الأخضر، فأخرجها النبيُّ (ص) وأعطاها الحسن، فلبسها.
ثمَّ وضع حلّة الحسين في الطست، وأخذ جبرئيل يصبُّ الماء، فالتفت النبي إلى نحو الحسين ـ وكان له من العمر خمس سنين ـ وقال له: يا قرَّة عيني، أيَّ لون تريد حلّتك ؟ فقال الحسين: يا جدّ! أريدها حمراء، ففركها النبيّ بيده في ذلك الماء، فصارت حمراء كالياقوت الأحمر، فلبسها الحسين، فسرَّ النبيّ بذلك، وتوجَّه الحسن والحسين إلى أمهما فرحين مسرورين.
فبكى جبرئيل (ع) لما شاهد تلك الحال، فقال النبي (ص): يا أخي جبرئيل، في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي وتحزن ؟ فبالله عليك إلاَّ ما أخبرتني، فقال جبرئيل: اعلم ـ يا رسول الله ـ أن اختيار ابنيك على اختلاف اللون، فلا بدّ للحسن أن يسقوه السمّ ويخضرّ لون جسده من عظم السّم، ولابدّ للحسين أن يقتلوه ويذبحوه ويخضب بدنه من دمه، فبكى النبي (ص) وزاد حزنه لذلك ([51]).

هذه العلاقة الوطيدة بين الامام الحسن (ع) وامه جعلت من الامام
ينقل الى امه ما يسمعه من الوحي النازل على جده اولا باول فقد كان (ع) كان يحضر مجلس رسول الله (ص) وهو ابنُ سبع سنين، فيسمع الوحيَ فيَحفَظُه، فيأتي أُمَّه فيُلقي إليها ما حَفِظه.فلمّا دخل عليٌّ (ع) وجدَ عندها عِلْماً، فسألها عن ذلك فقالت: مِن ولدك الحسن. فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وكان سمع الوحي، فأراد أن يُلقيَه فأُرْتِج عليه.. فعَجِبت أمُّه من ذلك، فقال لها: لا تعجبي يا أماه؛ فإنّ كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني. فخرج عليٌّ (ع) فقبّلَه.وفي روايةٍ أخرى قال الحسن (ع): يا أُمّاه، قَلّ بياني، وكَلَّ لساني، لعلّ سيّداً يرعاني! ([52])
ولذلك اصبح راويا عن امه صلوات الله عليها رغم صغر سنه ، قال (ع) : رأيت امي فاطمة (ع) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه!.. لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك ؟.. فقالت (ع): يا بني !.. الجار ثم الدار ([53]).
وقد كان محل اعتماد الزهراء (ع) فيما اذا كان والده غائبا في جهاد او امر يبعثه فيه النبي وخير شاهد على ذلك حين ارسلته في البحث عن الحسين (ع) حين اخفاه صالح اليهودي
أن النبي (ص) خرج من المدينة غازياً وأخذ معه علياً (ع) وبقي الحسن والحسين (ع) عند أمّهما لأنّهما صغيران، فخرج الحسين (ع) ذات يوم من دار أمه يمشي في شوارع المدينة وكان عمره يومئذ ثلاث سنين فوقع بين نخيل وبساتين حول المدينة، فجعل يسير في جوانبها ويتفرّج في مضاربها، فمرّ عليه يهوديّ يقال له صالح بن وهب فأخذه الى بيته وأخفاه عن أمه حتّى بلغ النّهار الى وقت العصر والحسين (ع) لم يتبيّن له أثر. فثار قلب فاطمة (ع) بالهمّ والحزن على ولدها الحسين (ع)، ولم تجد أحداً تبعثه في طلب الحسين (ع)، ثم أقبلت الى ولدها الحسن (ع) وقالت: يامهجة قلبي وقرة عيني، قم فاطلب أخاك فإنّ قلبي يحترق من فراقه فقام الحسن (ع) وخرج من المدينة وأتى الى دور حولها نخل كثير وجعل ينادي: ياحسين بن علي، ياقرّة عين النبي (ص)، أين أنت يا أخي؟ قال: فقام الحسن ينادي، فسار الحسن (ع) حتى أتى دار اليهودي فناداه فخرج صالح، فقال له الحسن: ياصالح أخرج اليّ الحسين (ع) من دارك وسلّمه إليّ وإلاّ أقول لأمّي (ع) تدعو عليك في أوقات السّحر، وتسأل ربّها حتّى لا يبقى على وجه الأرض يهوديُّ، ثمّ أقول لأبي يضرب بحسامه لجمعكم حتّى يلحقكم بدار البوار، وأقول لجدّي (ص) يسأل الله سبحانه أن لا يدع يهوديّاً إلا وقد فارق روحه، فتحيّر صالح اليهودي من كلام الحسن (ع) وقال له: يا صبي من أمّك؟ فقال: أمّي الزّهراء بنت محمّد المصطفى قلادة الصفوة، ودرّة صدف العصمة، وثمرة جمال العلم والحكمة، وهي نقطة دائرة المناقب والمفاخر، ولمعةٌ من أنوار المحامد والمآثر، خمّرت طينة وجودها من تفّاح الجنّة، وكتب الله في صحيفتها عتق عصاة الأمّة، وهي أمّ السّادات النّجباء، سيّدة النّساء فاطمة الزّهراء.فقال اليهودي: أمّا أمّك فقد عرفتها، فمن أبوك؟ فقال الحسن (ع) : انّ أبي أسد الله الغالب عليّ بن أبي طالب الضّارب بالسّيفين والطّاعن بالرّمحين، والمصلّي مع النبي (ص) في القبلتين، والمفدي نفسه لسيّد الثقلين أبو الحسن والحسين (ع) فقال صالح: ياصبي قد عرفت أباك، فمن جدّك؟ فقال: جدّي درّة من صدف الجليل، وثمرة من شجرة ابراهيم الخليل، الكوكب الدّري، والنور المضيء من مصباح التبجيل المعلّق في عرش الربّ الجليل، سيد الكونين، ورسول الثقلين، ونظام الدّارين، وفخر العالمين، ومقتدى الحرمين، وامام المشرقين والمغربين، جدّ السّبطين، أنا الحسن وأخي الحسين فلما فرغ الحسن (ع) من تعداد مناقبه انجلى صدع الكفر عن قلب صالح وهملت عيناه بالدّموع وجعل كالمتحيّر ينظر تعجباً من حُسن منطقه وصغر سنّه وجودة فهمه، ثمّ قال له: ياقرة فؤاد المصطفى، ويانور عين المرتضى، وياسرور صدر الزّهراء ; يا حسن أخبرني من قبل أن أسلّم اليك أخاك الحسين عن أحكام دين الإسلام حتّى أذعن لك وأنقاد الى الإسلام .ثم إن الحسن (ع) علمه أحكام الإسلام، وعرّفه الحلال والحرام. فأسلم صالح وأحسن الإسلام في يد الإمام ابن الإمام وسلّم إليه أخاه الحسين ([54]).
ان الزهراء كانت تلاحظ عمق الرابطة بين الحسنين وهما في طفولتيهما لذلك لم تقدم على ما يخدش هذه العلاقة في ادق الامور لئلا يدخل الحزن عليهما، ويظهر ذلك جليا في قصة المسابقة بينهما في جودة الخط فقد روي أن الحسن والحسين كانا يكتبان فقال الحسن للحسين: خطي أحسن من خطك، وقال الحسين: لا بل خطي أحسن من خطك، فقالا لفاطمة: احكمي بيننا فكرهت فاطمة أن تؤذي أحدهما، فقالت لهما: سلا أباكما فسألاه. فكره أن يؤذي أحدهما فقال: سلا جدكما رسول الله (ص)، فقال (ص): لا أحكم بينكما حتى أسأل جبرائيل فلما جاء جبرائيل قال: لا أحكم بينهما ولكن إسرافيل يحكم بينهما فقال إسرافيل: لا أحكم بينهما ولكن أسأل الله أن يحكم بينهما. فسأل الله تعالى ذلك فقال تعالى: لا أحكم بينهما ولكن أمهما فاطمة تحكم بينهما، قالت فاطمة: أحكم بينهما يا رب وكانت لها قلادة فقالت لهما أنا أنثر بينكما جواهر هذه القلادة فمن أخذ منهما أكثر فخطه أحسن، فنثرتها وكان جبرائيل وقتئذ عند قائمة العرش فأمره الله تعالى أن يهبط إلى الأرض وينصف الجواهر بينهما كيلا يتأذى أحدهما ففعل ذلك جبرائيل إكراما لهما وتعظيما([55]).
ويمرض الحسنان فينذر امير المؤمنين والزهراء لشفئهما صيام ثلاثة ايام لتتحقق البشارة العظمى لهذه الامة بهذه العائلة العظيمة ويترتب الفضل الالهي المنصوص بقوله تعالى ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾([56]).
عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه (ع) في قوله عزوجل (يوفون بالنذر) قالا: مرض الحسن والحسين (ع) وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله (ص) ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكرا لله عزوجل، وكذلك قالت فاطمة (ع)، وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتم فضة، فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام .....، فلما بصربهم النبي (ص) قال: يا أبا الحسن شد ما يسوؤني ما أرى بكم!؟ انطلق إلى ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله (ص) ضمها إليه وقال: واغوثاه بالله ؟ أنتم منذ ثلاث فيما أرى ؟ فهبط جبرئيل فقال: يا محمد خذ ما هيا الله لك في أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل ؟ قال: )هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) حتى إذا بلغ (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) الخبر ([57]).

المبحث الثالث
فقه وعلم الامام الحسن وهو صغير
كان الامام الحسن (ع) على الرغم من عصمته يتعلم من النبي احكام الدين ويستفهم منه المعارف والفضائل التي فيها صلاح امر المسلين، ويتلقى علوم الوحي من رسول الله (ص) وذلك من خلال الأسئلة عن أمور عديدة، منها ما ذكره الإمام الصادق (ع) انه: (بينما الحسن (ع) يوماً في حجر رسول الله (ص) إذ رفع رأسه فقال: يا أبة ما لمن زارك بعد موتك؟ قال: يا بني من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنــة، ومن أتى أبــاك زائراً بعد موته فله الجنة ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنة ([58]).
وقد نص على امامته وعصمته النبي (ص) في تلك المرحلة من عمره، عن زين بن أرقم قال:سبعُ حَصِيّاتٍ سبّحنَ في كفّ رسول الله (ص)، فوضَعَها في يد الحسن ابن عليّ (ع) فسَبّحنَ كما سبّحن في كفّه، ثمّ وضعها في كفّ الحسين (ع) فسبّحن في كفّه. وكلُّ مَن حضر مِن الصحابة أخذ الحصيّات ولم يسبّحن في أيديهم، فسُئل (ع) عن ذلك فقال: الحصى لا يسبّحن إلاّ في كفّ نبيّ، أو وصيِّ نبيّ([59]).
وبلغ من مقام الامام الحسن في طفولته ان له الاهلية للشفاعة في المسائل الكبرى التي تتعلق في شؤن الاسلام والمسلمين وطبيعة علاقاتهم مع الكفار والمشركين، عن محمّد بن إسحاق بالإسناد، في حديثٍ: أنّ أبا سفيان قال لفاطمة، والحسن يدرج وهو ابنُ أربعة عشر شهراً: يا بنتَ محمّد، قولي لهذا الطفل يكلّم لي بجدّه، فقال الحسن: يا أبا سفيان! قلْ: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله.. حتّى أكونَ لك شفيعاً. فقال النبيّ (ص): الحمدُ لله الذي جعَلَ في آل محمّدٍ نظيرَ يحيى بن زكريا )وآتَيناهُ الحُكْمَ صَبِيّاً (([60]).
بل انه (ع) تأهل لمقام المجادلة في دين الله والدلالة على نبوة جده المصطفى بما اتاه الله من الحكمة وفصل الخطاب فصار يتصدى باذن جده لمسائل الاعراب والمشركين ممن يكفر بايات الله وينكر نبوة نبيه (ص).
عن حذيفة بن اليمان قال: بينما كان رسول الله (ص) وجماعة من أصحابه، إذ أقبل إليه الحسن فأخذ النبي (ص) في مدحه، فما قطع رسول الله (ص) كلامه حتى أقبل إلينا أعرابي يجر هراوة له، فلما نظر رسول الله (ص) قال: قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم، وإنه يسألكم عن أمور، وإن لكلامه جفوة.
فجاء الأعرابي فلم يسلّم وقال: أيكم محمد؟
قلنا: ما تريد؟ قال رسول الله (ص): مهلاً.
فقال: يا محمد لقد كنت أبغضك ولم أرك والآن فقد ازددت لك بغضاً
فتبسم رسول الله (ص) وغضبنا لذلك، وأردنا بالأعرابي إرادة، فأومى إلينا رسول الله أن اسكتوا.
فقال الأعرابي: يا محمد إنك تزعم أنك نبي، وأنك قد كذبت على الأنبياء، وما معك من برهانك شيء.
فقال له (ص): وما يدريك؟ قال: فخبّرني ببرهانك.
قال (ص): إن أحببت أخبرك عضو من أعضائي فيكون ذلك أوكد برهاني. قال: أو يتكلم العضو؟ قال (ص): نعم يا حسن قم. فازدرى الأعرابي نفسه، وقال: ما يأتي، ويقيم صبيّا ليكلّمني.
قال (ص): إنك ستجده عالماً بما تريد.
فابتدره الحسن (ع): مهلاً يا أعرابي:
ما غبـــــياً ســـألت وابن غبي بل فقـــيهاً إذن وأنـت الجهول
فإنّ تك قد جهــــلت فإنّ عنـدي شفاء الجــهل ما سأل الســؤول
ونجراً لا تقسّــــمه الــــدّوالي تراثاً كان أورثـــه الرسول
لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك وخادعت نفسك، غير أنك لا تبرح حتى تؤمن أن شاء الله.

فتبسم الأعرابي وقال له هيه:
فقال له الحسن (ع): نعم، اجتمعتم في نادي قومك وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهل، وخرق منكم فزعمتم أن محمداً صنبور ـ أي لا خلف له ـ والعرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثأره، وزعمت أنك قاتله، وكان في قومك مؤنته، فحملت نفسك على ذلك، وقد أخذت قناتك بيدك تؤمّه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك وعمي عليك بصرك، وأبيت إلا ذلك، فأتيتنا خوفاً من أن يشتهر وإنك إنما جئت بخير يراد بك. أنبئك عن سفرك، خرجت في ليلة ضحياء، إذ عصفت ريح شديدة، اشتد منها ظلماؤها وأظلت سماؤها، أعصر سحابها، فبقيت محر غماً كالأشقر، إن تقدم نُحِر، وإن تأخر عُقر، لا تسمع لواطئ حسّاً، ولا لنافع نارٍ جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، تقطع محجّةٍ وتهبط لجّة، في ديمومة قفر، بعيدة القعر، مجحفة بالسّفر، إذا علوت مصعداً ازددت بعداً، الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرّت عينك، وظهر دينك وذهب أنينك.
قال الأعرابي متعجباً: من أين قلت يا غلام هذا؟ كأنك كشفت عن سويداء قلبي، ولقد كنت كأنك شاهدتني وما خفي عليك شيء من أمري وكأنه علم الغيب.
ثم قال الأعرابي للحسن (ع): الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. فأسلم الأعرابي وحسن إسلامه، وعلّمه رسول الله (ص) شيئاً من القرآن فقال: يا رسول الله ارجع إلى قومي فأعرّفهم ذلك؟ فأذن له (ص) فانصرف إلى قومه ثم رجع ومع جماعة من قومه فدخلوا الإسلام، وكان الناس إذا نظروا إلى الحسن (ع) قالوا لقد أعطي ما لم يعط أحدٌ من الناس ([61]).
اما في الجانب الأخلاقي فان هناك قصة جميلة يتداولها أصحاب السيرة والمؤرخون وهي أن الحسنين (ع) مرّا على شيخ يتوضأ ولا يحسن فأخذا (ع) في التنازع وكانا صغيرين لم يتجاوزا العقد الأول من السنين يقول كلّ واحد منهما للآخر: أنت لا تحسن الوضوء. فقالا: أيها الشيخ كن حكماً بيننا يتوضأ كل واحد منّا فتوضأ، ثم قالا: أينا يحسن؟ قال: كلاكما تحسنان الوضوء. ولكن هذا الشيخ الجاهل ـ وهو يشير إلى نفسه ـ هو الذي لم يكن يحسن، وقد تعلم الآن منكما وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدكما ([62]).

* هوامش البحث *
([1]) تفسير القمي 1/ 248، مختصر بصائر الدرجات/ 168، بحار الانوار 5/ 237، نور البراهين 2/ 184.
([2])الحمويني، فرائد السمطين الجز:ج2الباب 31 .
([3])أالكليني، الكافي :ج1ص 269 .
([4])المجلسي، بحار الانوار:ج7ص 228 .
([5])سورة مريم، آية:12.
([6])الصدوق، ثواب الأعمال، ص239
([7])الحراني، تحف العقول، ص194.
([8])ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 130 ح 3422؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج 4 ص403 رقم: 270؛ الكنجي، كفاية الطالب: ص 379.المحمودي، ترجمة الإمام الحسن (ع)، لابن عساكر، ص40.
([9]) الترمذي، سنن الترمذي: ج 5 ص 656 ح 3769؛ الهندي، كنز العمال: ج 12 ص 114 ح 34255؛ابن حجر، الصواعق المحرقة: ص 191؛الطبري، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ص 211؛ الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 1 ص 92؛ ابن الاثير، أسد الغاية: ج 2 ص 162.
([10])الطبري، الرياض النضرة في مناقب العشرة: ج 2 ص 189؛الهندي، كنز العمال: ج 12 ص 96 رقم: 34161، ص 103 ح 34196؛ القندوزي، ينابيع المودة: ص 192؛ ابن العديم، بغية الطلب: ج 6 ص 2578 وفيه: 9كان معي في الجنّة، المرء مع من أحبّ، المرء مع من أحبّ، المرء مع من أحبّ.
([11])البخاري، البخاري: ج 3 ص 1369 ح 3537 باب مناقب الحسن والحسين، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 155 ح 3476؛ ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب - هامش الإصابة: ج 1 ص 376.
([12]) الحاكم، المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 166، القندوزي، ينابيع المودة: ص 198 و ص 262؛الذهبي، سير أعلام النبلاء ج 4 ص 404 رقم: 270.
([13]) ابن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 13 ص 260 ح 7876؛البيهقي، السنن الكبرى: ج 5 ص 49؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق: ج 14 ص 152 ح 3469.
([14])الترمذي، سنن الترمذي: ج 5 ص 661 ح 3782؛ القندوزي، ينابيع المودة: ص 193.، ابن الصباغ، الفصول المهمة: ص 170؛ ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: ج 1 ص 399؛ الحاكم، المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 177؛الهندي، كنز العمال: ج12 ص 125 ح 34311؛ الشبلنجي، نور الأبصار: ص 221.
([15]) الحاكم، المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 166، ابن حجر، الصواعق المحرقة: ص 192، ابن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل: ج 15 ص 420 ح 9673 وج 2 ص 440؛ الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 1 ص 91.
([16])الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 1 ص 102.
([17])المحمودي، ترجمة الإمام الحسن (ع)، لابن عساكر، ص97.
([18])البحراني، مدينة المعاجز: 216 ح 60 وص 250 ح 81. المجلسي، بحارالانوار: ج43 ص 308 ضمن ح 72، البحراني، والعوالم:ج16 ص 62 ضمن ح 2، الخوارزمى، مقتل الحسين:ج 1 ص 97 .
([19]) المجلسي، بحار الانوار:ج43 ص11.
([20])الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 1 ص 129، المجلسي، بحار الانوار :ج43ص 309 .
([21])ابن حنبل، مسند أحمد، ، باب مسند علي بن أب طالب، رقم 748، السيوطي، مسند فاطمة، ص54، ابن منظور، مختصرتاريخ دمشق :ج7 ص 18.
([22]) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ، ج 1 ص529
([23]) رتحلني: ركب فوق ظهري
([24])ابن حنبل، مسند أحمد كتاب مسند القبائل باب حديث مسند شداد بن الهاد رقم 026363
([25]) مسلم، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة –فضائل الحسن والحسين، ص1066 رقم 6260.
([26]) ابن حنبل، مسند أحمد:ج 5ص 37.، الحاكم، مستدرك :ج 3ص 171.
([27]) الترمذي، سنن الترمذي: ج 5 ص 656 ح 3769؛ الهندي، كنز العمال: ج 12 ص 114 ح 34255؛ابن حجر، الصواعق المحرقة: ص 191.
([28]) الطبري، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: ص 211؛ الخوارزمي، مقتل الحسين: ج 1 ص 92؛ ابن الاثير، أسد الغاية: ج 2 ص 162.
([29])ذكر الزمخشري قال: حزقة حزقة ترق عين بقة اللهم إني احبه فأحبه وأحب من يحبه. الحزقة: القصير الصغير الخطأ، وعين بقة أصغر الأعين وقال: أراد بالبقة فاطمة فقال للحسين: يا قرة عين بقة ترق ، قال الجزري: فيه أنه عليه الصلاة والسلام كان يرقص الحسن أو الحسين ويقول: حزقة حزقة ترق عين بقة فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره. الحزفة: الضيف المقارب الخطو من ضعفه، وقيل: القصير العظيم البطن فذكر هالة على سبيل المداعبة والتأنيس له، وترق بمعنى اصعد، وعين بقة كناية عن صغر العين، وحزقة مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أنت حزقة، وحزقة الثاني كذلك أو أنه خبر مكرر، ومن لم ينون حزقة فحذف حرف النداء وهي في الشذوذ كقولهم أطرق كرا لان حرف النداء إنما يحذف من العلم المضموم أو المضاف انتهى.
([30]) الترمذي، سنن الترمذي: ج 5 ص 656 ح 3769؛ ابن الاثير، أسد الغاية: ج 2 ص 162.
([31])ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص137، 138.
([32])البحراني، العوالم الإمام الحسن 7: ص297.
([33])البيهقي، سنن البيهقي: ج2، ص263.
([34])سورة التغابن آية 15
([35])الترمذي، سنن الترمذي- كتاب المناقب عن رسول الله – مناقب أبي محمد الحسن بن علي، جـ10 ص303
([36]) الكليني، الكافي، ج6، ص49
([37])الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص220.
([38])ترجمة الإمام الحسن من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد: 50، ح 59، ابن حنبل، مسند أحمد 2: 440، الحاكم، مستدرك :ج 3ص 171.
([39])ابن حنبل، مسند أحمد:ج 5ص 37.
([40])ابن حنبل، مسند أحمد، مسند الشاميين، باب حديث معاوية بن أبي سفيان، رقم 16245.
([41]) كان ابو جعفر المنصور يذكر هذه الفضيلة في قرى الشام ايام اختفائه من الامويين ينظر: الصدوق، الامالي ص 340.
([42]) روى الخركوشي في شرف النبي عن هارون عن آبائه عن ابن عباس هذا المعنى فنظمه الصقر البصري:
هذا ابن خلاد روى عن شيخه أعين به أبي سويد الدارعا
مما روى المأمون ان رشيدهم يروى عن الهادي حديثا شايعا
مما روى المهدي عن منصورهم عن ابن عباس الاديب البارعا
حتى اجتمعنا عند أكرم مرسل يوما وكان الوقت وقتا جامعا
فأتته فاطمة البتول وعينها من حرقة تنهل دمعا هامعا
فارتاع والدها لفرط بكائها لما استبان الامر منها رائعا
فبكى وقال فداك أحمد ما الذي يبكيك ما ألقاك ربك فاجعا
قالت فقدت ابني يا أبتا وقد صادفت فقدهما لقلبي صادعا
فشجاة ما ذكرت فأقبل ساعة متململا يدعو المهيمن ضارعا
فإذا المطوف جبرئيل مناديا ببشارة من ذي الجلال مسارعا
الله يقرؤك السلام بجوده ويقول لاتك يا حبيبي جازعا
أدركهما بحديقة النجار قد لعبا وقد نعسا بها وتضاجعا
أرسلت من خدم الكرام اليهما ملكا شفيقا للمكاره دافعا
غطاهما منه جناحا وانثنى بالرفق فوقهما وآخر واضعا
فأتاهما خير البرية فاغتدى بهما على كتفيه جهرا رافعا
فأتاه ذو ملق ليحمل واحدا عنه فقال له وراءك راجعا
نعم المطي مطية حملتهما منى ونعم الراكبان هما معا
وأبوهما خير وأفضل منهما شرفا لعمرك في المزية شافعا

(المجلسي، بحار الانوار:ح43ص 294).
([43])الصدوق، امالي: 266، الطبرسي، اعلام الورى ص 216، روى أحمد في مسنده أن أبا هريرة قال: كنا نصلي مع النبي العشاء، فإذا سجد رسول الله وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذًا رفيقًا ووضعهما على الأرض، فإذا عاد إلى السجود عادا إلى ظهره حتى قضى صلاته، ثم أقعد أحدهما على فخذيه، يقول أبو هريرة: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، أردهما؟ فبرقت برقة في السماء، فقال لهما: (الحقا بأمكما)، فمكث ضوؤها حتى دخلا (البحراني، مدينة المعاجز ص204).
([44])الهندي، كنز العمال: ج7، ص105.
([45])الحاكم، مستدرك الصحيحين: ج3، ص165.
([46])القمي، سفينة البحار: ج1، ص257.
([47]) البحراني، مدينة المعاجز 3: 528 ح 1037، الطريحي، المنتخب: 123، المجلسي، بحار الأنوار 43: 312، البحراني، العوالم 17: 41 ح 3.
([48]) المجلسي، بحار الانوار :ج43ص 276
([49]) ابن شهر اشوب، مناقب ال ابي طالب: ج3 ص 391.
([50])المجلسي، بحار الانوار:ج43 ص 289
([51])مناقب ال ابي طالب: ج3 ص 391، المجلسي، بحار الانوار :ج44 ص 245.، ابن شهر اشوب، الطريحي، المنتخب ص126.
([52])ابن شهر اشوب، مناقب ال ابي طالب: ج4 ص6. المجلسي، بحارالانوار:ج43 ص 328
([53]) الصدوق، علل الشرايع ص82، المجلسي، بحار الانوار:ج94ص 119، الحر العاملي، وسائل الشيعة:ج4 ص1151ذ، البحراني، العوالم ج1 ص 127.
([54])البحراني، مدينة المعاجز:ج3 ص 293، الطريحي، المنتخب، ص 196، الما زندراني، معالي السبطين: ج1 ص 76 .
([55])البحراني، مدينة المعاجز:ج3 ص 299، الطريحي، المنخب، ص 64، البحراني، العوالم:ج17 ص 418، المجلسي، بحار الانوار :ج43ص 309.
([56])الإنسان/7 – 12.
([57])القرطبي، تفسير القرطبي، ج19، ص130، الطبرسي، الاحتجاج:ج 1ص193، الحويزي، تفسير نور الثقلين:ج 1ص116 وج2ص219وج 4ص 345.
([58]) البحراني، العوالم ج1 ص 127.
([59])عن محمّد بن إبراهيم قال: أخبرنا موسى بن محمّد بن إسماعيل بن عبيدالله بن العبّاس بن الإمام عليّ (ع) قال: حدّثني جعفر بن زيد بن موسى، عن أبيه عن آبائه : قالوا: جاءت أمُّ أسلم إلى النبيّ (ص) وهو في منزل أمّ سلمة، فسألَتْها عن رسول الله (ص) فقالت:خرج في بعض الحوائج والساعة يجيء. فانتظرَتْه عند أمّ سلمة حتّى جاء (ص)، فقالت أمّ أسلم: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، قد قرأتُ الكتب وعلمتُ كلَّ نبيٍّ ووصيّ، فموسى كان له وصيٌّ في حياته، ووصيٌّ بعد موته كذلك، فمَن وصيُّك يا رسولَ الله ؟فقال لها: يا أمَّ أسلم، وصيّي في حياتي وبعد موتي واحد. ثم قال لها: يا أمَّ أسلم، مَن فعَلَ فِعْلي فهو وصيّي. ثمّ ضرب بيده إلى حَصاةٍ مِن الأرض ففركها بإصبعه فجعَلَها شبه الدقيق، ثمّ عجَنَها ثمّ طبعها بخاتمه ثمّ قال: مَن فعَلَ فِعْلي هذا فهو وصيّي في حياتي وبعد موتي.قالت: فخرجتُ من عنده، فأتيتُ أمير المؤمنين (ع) فقلت له: بأبي أنت وأُمّي، أنت وصيُّ رسول الله (ص) ؟ قال: نعم يا أمَّ أسلم. ثمّ ضرب بيده إلى حصاةٍ ففركها فجعلها كهيئة الدقيق، ثمّ عجنها وختمها بخاتمه ثمّ قال: يا أمَّ أسلم، مَن فعل فِعْلي هذا فهو وصيّي.فأتيتُ الحسن (ع) وهو غلام، فقلت له: يا سيّدي، أنت وصيّي أبيك ؟ فقال: نعم يا أمَّ أسلم. وضرب بيده وأخذ حصاةً، وفعل بها كفعلِها. فخرجتُ مِن عنده فأتيتُ الحسينَ (ع)، وإنّي أستصغره لِسنّه، فقلت له: بأبي أنت وأُمّي، أنت وصيُّ أخيك ؟ فقال: نعم يا أمَّ أسلم، ائتيني بحصاة. ثمّ فعَلَ كفعلهم.فعُمِّرتْ أمُّ أسلم حتّى لَحِقتْ بعليّ بن الحسين 8 بعد قتل الحسين (ع) في منصرفه، فسألته: أنت وصيُّ أبيك ؟ فقال: نعم. ثمّ فعل كفعلهم (صلوات الله عليهم أجمعين (المجلسي، بحار الانوار:ج 25ص85 1).
([60]) ابن هشام، السيرو:ج2 ص 396، ابن شهر اشوب، المناقب :ج1 ص 206، المفيد، الارشاد، ص 60، الطبرسي، اعلام الورى، ص66، المجلسي، بحار الانوار:ج43ص 266.
([61])الحلي، العدد القوية ص42، الطوسي، الثاقب في المناقب ص316، البحراني، مدينة المعاجز ج3 ص359، وينابيع المعاجز ص59، المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص333.
([62])البرقي، المحاسن، ص89، المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص333.الهندي، كنز العمال :ج9 ص 547.

* مصادر البحث *
*- ابن الأثير , عز الدين ابو الحسن علي بن أبي الكرم (ت 630 ﻫ /1232 م) .
1- أسد الغابة في معرفة الصحابة, أشراف معرفة: مكتب البحوث في دار
*- البخاري، محمد بن إسماعيل ابو عبد الله الجحفي (ت256هـ /869 م).
2 - صحيح البخاري، ط3، تحقيق: مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير – اليمامة، بيروت، 1987 .(6 أجزاء).
*- البحراني، السيد هاشم بن سليمان البحراني (ت 1107هـ) .
3- البرهان في تفسير القرآن: الطبعة الثانية، مطبعة آفتاب - طهران - نشر وتصوير: مؤسسة إسماعيليان - قم المقدسة .
4 - مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر : ودلائل الحجج على البشر، تحقيق: الشيخ عزة الله المولائي، 8 ج، 8 مج، الطبعة الأولى، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم المقدسة - 1413 ه‍ .
*- البحراني، الشيخ عبد الله
5- عوالم العلوم والمعارف والأحوال): تحقيق السيد محمد باقر الموسوي الموحد الأبطحي الأصفهاني، نشر: مؤسسة الإمام المهدي (ع) - قم المقدسة - الطبعة الأولى، 1413 ه‍ .
*- الحر العاملي، محمد بن الحسن بن علي (ت1104هـ)0
6 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، 30 مج، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث - قم المقدسة - الطبعة الأولى، 1409 هـ)‍ .
*- الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله ابو عبد الله الحاكم (ت405هـ /1014 م) .
7- المستدرك على الصحيحين، ط1، تحقيق: مصطفى عبد القادر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990م .( 4 أجزاء).
*- الحلي، الحسن بن يوسف المطهر الحلي (ت 726 ه‍ ).
8- العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: لعلي بن يوسف الحلي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، نشر: مكتبة آية الله المرعشي العامة، مطبعة سيد الشهداء - الطبعة الأولى - 1408 ه‍ .
*- الخوارزمي، موفق بن أحمد بن محمد المكي، (ت 568 ه‍ ).
9 - المناقب: تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، الطبعة الثالثة، مؤسسة النشر الاسلامي - قم المقدسة - 1417 ه‍ ).
10- مقتل الحسين، تحقيق محمد السماوي ط الزهراء، النجف 1367 هـ) .
*- الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت748هـ / 1347 م) .
11- سير أعلام النبلاء، تحقيق، محمد بن عبادي عبد الحليم، ط1، مكتب الصفا (القاهرة: 2003 م).
*- أبن شهر أشوب: رشيد الدين أبو جعفر محمد بن علي السردي (ت 588 ﻫ) .
12- مناقب آل أبي طالب، المطبعة الحيدرية ,النجف الأشرف , 1376 ﻫ - 1965 م
*- الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي، (ت318هـ/929م) .
13- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق - طهران .
14 - علل الشرائع، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف - 1385 ه‍ / 1966 م. نشر وتصوير: مكتبة الداوري - قم المقدسة .
*- الطبرسي، أبو نصر الحسن بن الفضل (من أعلام القرن السادس الهجري ).
15 - مكارم الأخلاق :، تحقيق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، الطبعة الأولى،
مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - 1414 ه‍ / 1994 م.
*- الطوسي: عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي (ابن حمزة ).
16- الثاقب في المناقب، تحقيق: نبيل رضا علوان، الطبعة الثانية - مؤسسة أنصاريان - قم المقدسة - 1412 ه‍ .
*-القندوزي، : سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، (ت 1294 ه‍ ).
17- ينابيع المودة لذوي القربى، 3 ج، 3 مج، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، الطبعة الأولى، دار الأسوة للطباعة والنشر - قم المقدسة - 1416 ه‍ .
*- المجلسي: محمد باقر بن محمد تقي (ت 1111 ﻫ) .
18- بحار الأنوار الجامعة لدرر أَخبار الأئمة الأطهار. مؤسسة الوفاء , بيروت , ط2 , 1403 ﻫ - 1983 م .
*- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله بن عبد الله الشافعي، (ت571هـ/1176م):
19- تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، (بيروت - 1995م) .
*- الترمذي، محمد بن عيسى أبو عيسى السلمي (ت279هـ /892 م) :
20- سنن الترمذي، تحقيق: احمد شاكر وآخرون، دار أحياء التراث العربي، بيروت، لا. ت. (5 أجزاء)
*- المتقي الهندي، علاء الدين علي(ت975هـ)0
21- كنز العمال، تحقيق محمود عمر الدمياطي، (ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419هـ- 1998م)0
*- أبن الصباغ: علي بن محمد بن أحمد المالكي (ت 885 ﻫ) .
22- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة / دار الأضواء , 1409 ﻫ - 1988
*- ابن عبد البر, ابو عمرو يوسف بن عبد الله (ت463ﻫ/1070م):
23- الاستيعاب في معرفة الأصحاب , تحقيق: علي معوض وعادل احمد عبد الموجود , ط2 , دار الكتب العلمية (بيروت - 1422ﻫ).
*- الشبلنجي، الشيخ مؤمن بن حسن مؤمن (ت / بعد 1308 ه‍)
24 - نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار - طبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، أفست على طبعة القاهرة لسنة 8613 ه‍ - 8419 م .
*- الطريحي، فخر الدين (ت، 1089هـ / 1678م):
25- المنتخب، (مطبعة شركة الكتبي، بيروت، ط1، د. ت).
* – الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن (من أعلام القرن السادس ).
26 - إعلام الورى بأعلام الهدى :، 2 ج، 2 مج، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث - قم المشرفة - الطبعة الأولى، 1417 ه‍ .