البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الخطاب الحسيني، مبررات التطوير وإشكاليات النقد والمنهج

الباحث :  أ.د. الشيخ محمد شقير
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  14
السنة :  السنة الرابعة - شهر ربيع الأول 1439هـ / 2017م
تاريخ إضافة البحث :  January / 11 / 2018
عدد زيارات البحث :  625
تحميل  ( 252.461 KB )
الخطاب الحسيني هو مجمل ما يُبيّن، ويكون موضوعه الإمام الحسين (ع) من حيث رسالته، وثورته، وقيم هذه الثورة، ومقاصدها، وفكرها، وثقافتها... فيُعمل على بيان مجمل ما يتّصل بتلك المسائل في أبعادها التاريخية، والدينية، والأخلاقية، والتربوية، والاجتماعية، والسياسية.. ليكون هذا البيان معبّراً بصدق، وبشكل صحيح وهادف عن رسالة الحسين (ع) وتعاليمه، وعن أهداف ثورته وقيمها وأبعادها.

فالخطاب الحسيني هو ذاك التعبير عن مجمل ما يتصل بعاشوراء وثورة الحسين (ع)، ورسالتها، وقيمها، وأهدافها. بل عن تلك المدرسة التي ينتمي اليها الإمام الحسين (ع)، من حيث استجابة ذلك التعبير للواقع الذي يتوجه اليه، ومشاكله، وحاجاته، وأولوياته.

وسوف نباشر بحثنا بمدخل تمهيدي، قبل أن ننتقل الى بحث المبررات المنهجية لتطوير الخطاب ، وبيان أهمية هذا العمل، بل ضرورته، وما الذي يمكن أن يترتب على جمود الخطاب، وإعاقة تطويره.

ومن هنا ينبغي أن نبحث في إشكاليات النقد، وأهميته، وضرورة تفعيله في هذا المورد أو ذاك،، باعتبار كونه من أهم العوامل أو البواعث على تطوير الخطاب وتجديده، وذلك من حيث أهم المعايير المنهجية التي يجب أن تراعى في ممارسته، لنعرّج بعدها الى تسجيل محاولة تشريح نقدي لفرضية المبالغة في الخطاب الحسيني، وصولاً إلى الخاتمة، وما تتضمّنه من توصية وخلاصة في هذا الشأن.

مدخل

إنّ ما يُبيّن أو يُلقَى من خطاب حول قضايا عاشوراء، ورسالتها، وأهدافها؛ هو محاولة فهم لتلك الرسالة، والقيم، والأهداف. حين يبذل العلماء، والباحثون، والمحقّقون جهوداً مضنية ومشكورة، لفهم مجمل ما يتّصل برسالة الحسين (ع) وثورته، وقيمه. ليُعمل تالياً على تقديمها إلى جميع المتلقّين، والمستمعين، والمشاهدين في هذا القالب الخطابي أو ذاك.

 فهذا الخطاب هو محاولة بشرية لفهم تلك الرسالة، وقيمها، وأهدافها من جهة. ولفهم الواقع وظروفه، ومشاكله، وأولوياته من جهة أخرى. كمقدمة للوصل الهادف ما بين تلك الرسالة وقيمها، وما بين الواقع وظروفه.

 وهنا قد ينجح الخطاب الى حدّ بعيد ـ في بنائه وتشكيله ـ في التعبير عن تلك الرسالة، والاستجابة للواقع، والوصل الهادف بينهما؛ لكنه قد يخفق في أكثر من مورد، وأكثر من صناعة في بنائه وتشكيله. وهذا قد يعود الى أسباب عدّة علمية، أو منهجية، أو اجتماعية، أو غير ذلك. وهذا نتاج طبيعي لبشرية الفهم، التي قد تتأثر بعوامل، وأسباب عدّة. تؤدي الى فتح باب الاحتمال على أكثر من خطأ في الفهم، والصناعة المعرفية.

عندما نقول: إنّ ما يُبيّن من خطاب هو محاولة فهم للرسالة والقيم والأهداف، وليس هو الرسالة نفسها، أو الأهداف، والقيم نفسها؛ لا نريد بذلك التقليل من مكانة ذلك الخطاب ورفعته وسموّه، وإنّما نريد أن نضع ذلك الخطاب في سياقه العلمي والمنهجي الصحيح، حتى تترتّب على ذلك الفصل نتائجه العلمية الصحيحة. وإلّا فإنّ نتائج خاطئة عدّة تترتّب على عدم التفريق والفصل ما بين الرسالة والقيم الحسينية من جهة، والخطاب الحسيني من جهة أُخرى. فمثلاً يمكن الإلفات الى أنّ القول بأنّ الخطاب الحسيني هو محاولة فهم لرسالة الحسين(ع)، وقيمها، وأهدافها؛ قد يفتح الباب على مصراعيه على النقد، والتجديد في الخطاب الحسيني. ممّا يؤدّي إلى إيجاد دينامية علمية، تسهم في تكامل الخطاب الحسيني، وتطويره المستديم، ليكون يوماً بعد يوم بمستوى تلك الرسالة وقيمها، ومعبّراً بشكل أفضل عن أهدافها ومقاصدها.

أمّا عدم الفصل ذاك، فقد يؤدّي إلى تعطيل تلك الدينامية من جهة، وإلى إلصاق النقد بالرسالة الحسينية نفسها، وقيمها من جهة أخرى، بدل توجيهه إلى الخطاب المعبّر عن تلك الرسالة وقيمها، والذي قد يخفق في بعض الموارد في التعبير الأفضل، أو الصحيح عنها. ممّا يؤدّي إلى فتح باب النقد، والتخطئة. وهو في الواقع ما يجب أن يتّجه ـ أي النقد ـ إلى ذاك الخطاب الحسيني، وليس إلى رسالة الحسين(ع) وقيمها وأهدافها.

إذاً، يقوم هذا البحث منهجيّاً على الفصل ما بين رسالة الحسين (ع) وأهدافها وقيمها، والتي هي متعالية وثابتة، وما بين الخطاب المعبّر عن تلك الرسالة وقيمها والذي هو غير متعالٍ ـ بالمعنى المعرفي، وليس القيمي ـ وهو يقبل التغيّر، ويحتمل النقد، والتجديد، والتطوير.. وهو محاولة فهم لتلك الرسالة، وقيمها، وأهدافها. قد تصيب في كثير من الأحيان، لكنّها قد تخفق في أحيانٍ أخرى. فيكون الخطاب عندها تعبيراً عن الخطيب أو القارئ وثقافته، أكثر منه تعبيراً عن تلك الرسالة، وقيمها، وأهدافها. ولابدّ من الإشارة الى أن التغيّر في الخطاب الحسيني ليس علامة نقص فيه، بل هو دليل قوّة. وهو أيضاً شاهد على ما نقول.

وهو- أي التغير- لا يحتاج إلى كثير جهد لإثباته، إذ إنّنا نلحظ هذا التغيّر وذاك الاختلاف في الخطاب ما بين زمن وآخر، وما بين مجتمع وآخر.  بل نلحظه أيضاً ما بين قارئ وآخر، تبعاً لاختلاف المستوى الثقافي والعلمي، والخلفيات الفكرية، والعادات، والتقاليد، والأعراف، بل وعدد من العوامل، التي تترك أثرها في هذا المجال.



مبرّرات تطوير الخطاب:

بناءً على ذلك الفصل المنهجي ما بين الرسالة وقيمها من جهة، والخطاب المعبّر عنها من جهّة أخرى؛ يمكن تلمس المبرّرات الآتية، والتي تستدعي بشكل دائم، وعلمي، ومنهجي، العمل على تطوير ذاك الخطاب:

أ- يجب أن يكون الخطاب معبّراً بشكل أفضل عن الرسالة وقيمها، وبما أن فهم الرسالة يتأثّر بشكل فاعل بعلومنا وخبراتنا ومعارفنا، وبما أن هذه العلوم والخبرات والمعارف تتطوّر يوماً بعد يوم؛ فهذا يعني مطلوبية الإفادة من تطوّر تلك العلوم والخبرات والمعارف ذات الصلة في تطوير الخطاب وجميع عناصره.

ب - بغضّ النظر عن تطوّر العلوم والخبرات والمعارف، ربما لم يفلح الخطاب، الذي تمّ تشكيله في هذا المورد أو ذاك في التعبير بشكل أفضل عن قيم الرسالة الحسينية وأهدافها لسبب أو آخر. وهو ما يستدعي البحث في ذاك الخطاب وقدراته التعبيرية، حتى ولو لم نلحظ ذاك التطوّر في العلوم والخبرات والمعارف.

ت - بما أن تشكيل الخطاب العاشورائي قد يتأثّر بجملة من العوامل والمؤثّرات الثقافية والاجتماعية وغيرها، وبما أن بعض تلك المؤثّرات قد لا يكون صحيحاً أو سليماً؛ فقد يترك ذلك أثره في الخطاب العاشورائي على شاكلة أخطاء وثغرات في موارد جزئية وموضعية، بل ربّما يصل الخلل إلى بنية الخطاب، وبعض أسسه ووظائفه.

ث - أليس من الصحيح أن يُقال إنّ من أسس بناء الخطاب العاشورائي ومقوّماته هو استجابته لظروف هذا المجتمع أو ذاك، ومشاكله وأولوياته وحاجاته؟ وبما أن هذه الظروف، وتلك المشاكل والأولويات متغيّرة، فهذا يعني ضرورة تغيّر الخطاب وتطويره، تبعاً لتغيّر ظروف المجتمع، وأولوياته، وحاجاته، وزمانه ومكانه ومختلف اعتباراته.

ج - من الواضح إنّ للخطاب الحسيني جملة وظائف تربوية، ودينية، وإصلاحية، واجتماعية. ومن المعلوم أن هذا الخطاب كلّما تمّ بناؤه وتشكيله على أسس علمية صائبة، وبطريقة هادفة ومنهجية وصحيحة؛ كلّما كان أقدر على قيامه بتلك الوظائف بشكل أفضل. وهذا ما يحتم العمل الدائم والدؤوب لتطوير ذاك الخطاب، ليقوم بوظائفه تلك بشكل أفضل من ناحية التعبير عن القيم الحسينية، واستجابتها لقضايا المجتمع وإنسانه.

ح - هناك أبعاد ومديات سامية في ثورة الحسين (ع) ورسالته، ومدرسته. وقد يُتاح لنا يوماً بعد يوم- ولأكثر من سبب - فهم وتلمّس تلك الأبعاد والمعاني بشكل أفضل، واكتشاف جملة من تلك المضامين الجديدة، التي لم نصل الى إدراكها فيما سلف. ألا ينبغي عندها الاستفادة من ذلك الفهم الجديد لتلك الأبعاد والمعاني، والعمل على إدراجها في الخطاب الحسيني، وتجديده، وتطويره على ضوء ذلك الفهم وتلك المعاني؟

نخلص من جميع ما تقدّم إلى ضرورة العمل الجاد والواعي والهادف على تطوير الخطاب العاشورائي بشكل مستديم، من أجل ترشيد ذلك الخطاب، وتنقيته ممّا قد يكون علق به من شوائب، أو استقرّ فيه من أخطاء، أو أصابه من خلل في بنيته وتشكيله وصناعته. حتى ولو كانت هذه الموارد جزئية، أو ذات آثار محدودة. ليكون ـ من خلال ذاك الترشيد والتطوير ـ أقدر على قيامه بوظائفه، وأكثر تعبيراً عن رسالة الحسين وقيمه وأهدافه، وليكون يوماً بعد يوم أكثر رقيّاً وسموّاً، وليقترب أكثر فأكثر من سمو تلك القيم والأهداف، التي يسعى لمحاكاتها، والتعبير عنها.



أهمية تطوير الخطاب:

هناك جملة من الإيجابيات والنتائج، التي تؤكّد أهمية تطوير الخطاب العاشورائي وتجديده، والتي منها:

أ - للخطاب الحسيني قدرة كبيرة على التأثير، وتشكيل الوعي، وبناء الثقافة...، ولذلك كلّما عمل على تشكيله بشكل صحيح وعلمي وهادف، كلّما أمكن الاستفادة بشكل أفضل من قدرته تلك على التأثير والفعل والإنجاز.

ب - هناك جملة وظائف للخطاب العاشورائي، وهو كلّما عمل على تطويره، كلّما أمكن له أن يقوم بوظائفه بشكل أفضل، وأن يتجنّب تخلّفه عن بعض تلك الوظائف. أو لربما، وفي بعض الحالات، قيامه بما يخالفها، ويخالف مقاصدها.

ت - كلّما عمل على تطوير الخطاب العاشورائي، كان أكثر تعبيراً عن رسالة الحسين وقيمه، وهذا يعني أنّه كلّما عمل على تطوير ذاك الخطاب، أمكن للمتلقين فهم رسالة الحسين (ع) وقيمها بشكل أفضل. وصولاً إلى العمل على تطبيقها وتسييلها بشكل أصح وأفضل.

ث-إن تطوير الخطاب يعني العمل على تنقية الخطاب العاشورائي من تلك الشوائب والأخطاء، حتى لو كانت محدودة أو جزئية. وهذا يعني تلافي أي فهم خاطىء أو مشوّه ـ وصولاً إلى تجنب نتائج ذاك الفهم ـ لثورة الحسين ورسالته وقيمه، بل والمدرسة التي ينتمي إليها الحسين (ع) ، أو المجتمعات التي تحمل تلك القيم، وتسعى إلى تطبيقها.

وعلى ما تقدّم، يمكن القول إن الالتفات إلى هذه النتائج وغيرها ـ فضلاً عن المبرّرات التي ذكرت ـ يلقي على جميع المعنيين مسؤولية كبيرة واستثنائية للقيام بكل جهدهم، بهدف تطوير ذلك الخطاب، ورفع الموانع التي تعيق تطويره، ولفعل كل ما يلزم لإنجاز هذه المهمّة بأفضل طريقة ممكنة، بما يوصل الى الارتقاء بالخطاب الحسيني إلى سموّ رسالة الحسين (ع) وقيمها، وبما يمكّننا من أن نفي ولو بعضاً من تلك التضحيات التي بذلها الحسين (ع) وأهل بيته وصحبه قليلاً من حقّها.



ما الذي يترتّب على جمود الخطاب؟

هناك عددٌ من السلبيات التي يمكن أن تترتّب على عدم تطوير الخطاب العاشورائي وجموده، وسوف نذكر هنا جملة تلك السلبيات:

أ - إنّ هذا الخطاب ـ ولو في بعض مفرداته أو جوانبه ـ لن يكون ملائماً لبعض المجتمعات، أو مراعياً لخصوصياتها، أو مستجيباً لمشاكلها وقضاياها.

ب - قد يعني ذلك استمرار بعض تلك الأخطاء والشوائب التي يقرّ بها الجميع من دون تنقيتها. وما يمكن أن يترتّب على ذلك من المزيد من السلبيات والنتائج، والمزيد من الفهم الخاطىء لأكثر من قضية ومضمون.

ت - إتاحة الفرصة لأكثر من إساءة الى رسالة الحسين (ع) وقيمه، كما إلى الخطاب العاشورائيي نفسه، بل لتعزيز بعض المقولات الخاطئة والمغرضة عن تلك المجتمعات، التي تحمل رسالة الحسين (ع) ، وتؤمن بها، وتسعى إلى تطبيقها.

ث - تعطيل الخطاب العاشورائي عن قيامه ببعض وظائفه، أو بالحد الأدنى إضعافه عن القيام ببعض تلك الوظائف، وبلوغه أهدافها.

ج - توسيع الشرخ بين رسالة الحسين (ع) وقيمها من جهة وبين الخطاب العاشورائي من جهة أخرى. فبدل أن يعمل على أن يكون الخطاب معبّراً بالكامل عن تلك الرسالة وقيمها، يصبح في بعض جوانبه أو عناصره معبّراً عن هذا المتكلّم أو ذاك، في ثقافته، وخلفيته الفكرية، وتقاليد مجتمعه وأعرافها، أكثر ممّا هو معبّر عن تلك القيم الحسينية، ومعانيها، وسموّها، ورقيها.

5 - إشكالية النقد ودعوى المبالغة: كثيراً ما يتعرض الخطاب العاشورائي الى أكثر من نقد، وخصوصاً في المواسم العاشورائية، حين يحتشد جميع الناس في المجالس العاشورائية للاستماع الى تلك المجالس والاستفادة منها.                        ويمكن أن نعدّ هذا الفعل النقدي تعبيراً عن حالة صحية، من حيث اهتمام المتلقي، وعنايته بذاك الخطاب، وحرصه عليه. والأثر الذي يتركه في جمهور المتلقّين، وطبيعة استجاباتهم له واختلافها، وما يدلّ عليه ذلك من حيوية علمية، وفعاليّة عقلية، وحسٍ نقدي، لابد من أن يسهم تالياً في تطوير الخطاب وتصحيحه.

ولكن لما كان هذا النقد الذي يوجّه الى ذاك الخطاب، يفتقد ضوابطه أو شروطه المنهجية، بما يحرفه ووظيفته عن أهدافها وغاياتها؛ كان لا بد من نظرة منهجية في نقد الخطاب العاشورائي، بهدف تقديم جملة من الملاحظات على هذا النقد، وإبراز أهم المعايير والضوابط المنهجية، التي ينبغي له أن يلتزم بها ويراعيها، حتى يمكن له أن يؤدي دوره في التصويب والترشيد. لكن لا بد هنا من إشارة مختصرة الى أهمية ذلك النقد وضرورته.                  



أ - النقد: الأهمية والضرورة:

بما أن الخطاب العاشورائي ـ كأية صناعة معرفية- يمكن أن يكتنفه أكثر من خطأ، أو خلل، أو إخفاق في مورد او آخر؛ يصبح من المنطقي جداً العمل على تلمس تلك الأخطاء، واكتشاف ذلك الخلل، وتبين ذلك الإخفاق.

من هنا يصبح النقد مدخلاً ضروريا،ً ووسيلة لا غنى عنها، من أجل اكتشاف الخطأ، أو الخلل في ذاك الخطاب. كمقدمة لإصلاحه، وتصحيحه، وعلاج جميع مكامن الخلل فيه. فضلاً عن أهمية النقد في تطوير الخطاب، وجعله أكثر معاصرة، وأفضل قدرة على التعبير عن تلك الرسالة وقيمها، وأحسن استجابة للواقع وحاجاته.



ب-النقد: ملاحظات منهجية:

مع التأكيد على أهمية النقد وضرورته، ليس كترفٍ فكري، وإنما كممارسة علمية، ومنهجية، هادفة الى التصحيح، والتطوير؛ يبقى من الواجب القول إن هذا النقد يؤتي نتائجه تلك، بمقدار ما يلتزم موضوعيته، وعلميته، ومنهجيته. وفي المقابل، بمقدار ما يفارق موضوعيته ومعاييره المنهجية، بمقدار ما يؤدي ذلك الى خلاف تلك النتائج المنتظرة منه.

ومن هنا كان من المجدي هنا الالتفات الى جملة من تلك الملاحظات المنهجية، التي يمكن تسجيلها على أكثر من نقد، تمّ ويتمّ توجيهه الى الخطاب، والتي ينبغي الالتزام بها في أية ممارسة نقدية. أما أهم تلك الملاحظات، فهي ما يأتي:

 1- إنّ أي نقد يجب أن يرتكز الى (أو يلحظ) الأسس التي ينبني عليها الخطاب العاشورائي، من جهة تعبيره عن رسالة الثورة الحسينية، وقيمها، وأهدافها، ومبادئها. وأيضاً من جهة استجابته للظروف الاجتماعية، والأولويات، والحاجات القائمة. وإن أي تغافل عن تلك الأسس، أو تلك الظروف، ربما يفقد النقد علميته وصحته. فمثلاً، لو تم توجيه نقدٍ ما، من دون الالتفات الى جملة من المرتكزات الفكرية، أو المقدمات العلمية، سواءً كانت تاريخية أم دينية أم فكرية... فقد يتيه النقد عندها عن صحته، واصابته لواقع الأمر. والسبب هو النقص في تلك المقدمات التي ارتكز عليها، أو عدم لحاظه لجملة من القضايا أو الأسس، التي تدخل في صناعة نقده لهذه القضية أو تلك، من قضايا الخطاب العاشورائي.

2 - ينبغي مراعاة الموضوعية في الصناعة النقدية. بمعنى تحديد موارد الخطأ، أو الخلل في الخطاب، بشكل منهجي، وعلمي ـ كما ذكرنا آنفاً-. ثم التدقيق في اللوازم العلمية، التي تترتب على تلك الأخطاء، بحيث يجب أن يكون هناك علاقة علمية (ربط) بين تلك الأخطاء (المقدمات)، وبين تلك اللوازم (النتائج). من دون ادعاء أي نتائج، لا تترتب على تلك المقدمات، أو لا يوجد ذلك الربط والتلازم بينهما.

وأحياناً، قد يحصل أن تكون هناك مقدمات(أخطاء)، ولكن يُعمل على تعميم النتائج(اللوازم). بحيث إنّ تلك المقدمات، لا تؤسس لصحة تلك النتائج من حيث سعتها، وذلك التعميم فيها. ومع ذلك، يحصل هذا التعميم في النتائج.                    فمثلاً، قد تكون هناك أخطاء تصدر في بعض الموارد الجزئية (من قرّاء بعينهم، أو باحثين محددين...) فيُعمل على إصدار أحكام عامة بحق الخطاب العاشورائي بأكمله. مع أن الناقد ارتكز في نقده على موارد جداً جزئية ومحددة، وتغافل في المقابل عن الكثير من الموارد، التي تخالف ذلك الاستنتاج.

3-هناك أكثر من نقد لا يلحظ، أو لا يأخذ بعين الاعتبار مدى التطور الذي حصل ويحصل في الخطاب العاشورائي، بالمقارنة مع ما كان عليه في السابق، قبل عقود من الزمن مثلاً.

وإن قيل بأن النقد إنما يستهدف مواطن الخلل أو الخطأ، ولا يعنى بغير ذلك؛ فالجواب أن ما يُعرض لدى تقديم ذلك النقد، ليس مجرد إحصاء أو تعداد لمواطن الخلل تلك، أو موارد الخطأ؛ وإنما يتعدى ذلك الى جملة من الاستنتاجات، أو التعميمات غير العلمية، أو المبالغ فيها، والتي تتخذ من تلك المواطن والموارد مقدمات لإصدار تلك الأحكام والتعميمات. هذه التعميمات التي تفتقر في عدد من الأحيان الى المعالجة المنهجية الصحيحة.

وعليه، لن يكون من الصحيح إغفال ذلك التطور المهم، الذي حصل ويحصل في الخطاب العاشورائي، عندما يراد الوصول الى تلك النتائج، والأحكام، والتعميمات، والخلاصات. فضلاً عن اعتبارات أخرى ينبغي لحاظها أيضاً في تلك المعالجة، وهي ما سوف نبينه تالياً.

4 - إن أكثر من نقد، لا يلحظ كثيراً من الجوانب المضيئة والهادفة في الخطاب العاشورائي. كالأدوار التي قام ويقوم بها في علاج كثير من القضايا والمشاكل الاجتماعية وغيرها، وفي تعزيز ثقافة الإباء والشهادة، وفي بناء ثقافة المقاومة، وغير ذلك؛ وإنما تراه يتصيّد بعضاً من تلك الأخطاء ـ على فرض كونها أخطاء- التي قد يقع فيها هذا القارئ أو ذاك الخطيب، ليبني عليها نتائج عامة، وأحكاماً قاسية، تطال جميع ما يتصل بالخطاب العاشورائي، متغافلاً عن عددٍ كبيرٍ جدّاً من القراء، وخطباء المنبر الحسيني، والباحثين، الذين يقدّمون الخطاب الحسيني بشكل هادف وناجح ـ بل هذا حال مجمل خطباء المنبر الحسيني والأكثرية الساحقة منهم-، متناسياً تلك الجوانب المضيئة والمشرقة في الخطاب الحسيني. وهذا التغافل قد يؤدي الى تشويه هذا الخطاب، وتعزيز سوء الفهم له، لدى من لا يملك معرفة كافية بتلك الجوانب الهادفة، والأبعاد المضيئة، والوظائف الناجحة فيه وفي خطبائه.

5-يهدف النقد الى غايات نقدية من قبيل الإصلاح، والتطوير، والتجديد، والتصحيح.. وهو مايتطلب أن تكون الصناعة النقدية في جميع جوانبها من اللغة، الى الأسلوب، الى طريقة المقاربة، الى الجرعة النقدية، الى اختيار متعلقات النقد، الى كيفية توجيهه وتوظيفه، وغير ذلك؛ بطريقة توصل الى غايات النقد تلك. فكم من نقدٍ أوصل الى خلاف غاياته، عندما لم تلتزم صناعته بجملة الضوابط أو الشروط، التي تؤدي الى تلك الغايات. فكانت نتائج أخرى، لم تكن هي الهدف أو الغاية، ولكنها ترتبت على ذلك النقد بسبب افتقادها الى ما ذكرنا، أو الى شيء منه.

وفي هذا المورد تلحظ أحياناً أن بعض النقد الذي يوجه للخطاب العاشورائي قد يعطى من الأبعاد، ويُحمل محمولات معرفية، ويكون بمستوى من الجزم في الحكم... ما يدفعك الى القول بأن هذه المقاربة النقدية، لن تصبّ نتيجتها في طاحونة التصحيح والتجديد. وإنما سوف تصبّ ـ مثلاً- في طاحونة التكفير، وتعزيز بعض التهم والمقولات التي توجه الى طوائف اسلامية بعينها. عندما يُعمل على تسليط الأضواء النقدية على أخطاء محدودة ـ هذا على فرض كونها أخطاء- وليُعمل بعدها على تصوير القضية وكأنها تتصل بتلك الفئة من المسلمين أو غيرهم، لتكون النتيجة إتاحة الفرصة لسوء الاستفادة والتوظيف. فعلى سبيل المثال قد يُتاح عندها لمن يمارس التكفير التقاط هذه المقاربات النقدية وطريقتها، لتدعيم اتهامه ومقولاته، وما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج قاسية.

أو مثلاً عندما يوجه النقد بطريقة تؤدي الى اضعاف ثقة كثيرين بمجمل خطباء المنبر الحسيني، والى تعطيل ذلك الخطاب عن قيامه ببعض وظائفه، وبالحد الأدنى اضعافه عن قيامه ببعض أدواره؛ فالسؤال الذي يُطرح هنا، أنه هل هذا ما يهدف اليه من يطرح هذه المقاربة النقدية أو تلك؟ واذا لم يكن هذا هو الهدف، وكان جلّ هؤلاء يصدرون في نقدهم عن أهداف علمية وغايات سليمة؛ فهذا يتطلب أن تكون الصناعة النقدية في جميع تفاصيلها، بطريقةٍ تخدم تلك الأهداف، وتوصل الى تلك الغايات.

 وهنا لابد من أن نختم بالقول، إنه ليس الهدف مما ذكرنا من ملاحظات نقدية توهين النقد أو تعطيله، وإنما الهدف ترشيده وتصويبه. لأن النقد -وكما ذكرنا- مدخل ضروري لا غنى عنه للتصحيح، والتطوير، والتجديد. وهذا يحصل عندما تكون الصناعة النقدية صناعة هادفة، تلتزم جميع الشروط المنهجية والعلمية، التي تؤدي بها الى غاياتها، وتتجنب كل ما من شأنه أن يؤدي بها الى خلاف تلك الغايات. وهنا قد يصح القول، إنه كما ينبغي العمل على ترشيد الخطاب العاشورائي وتطويره، ليخدم أهدافه؛ ينبغي أيضاً العمل على ترشيد نقد ذلك الخطاب، وتطويره، ليخدم أهدافه ورسالته في التصحيح، والتقويم،والتجديد.

 ت- فرضية المبالغة، تشريح نقدي:

في الوقت الذي نعتقد أن الخطاب الحسيني يجب أن يبنى على أسس ومعايير منهجية وعلمية، تساعد على قيام ذلك الخطاب بجميع وظائفه، يمكن القول إن هذا الخطاب قد يكون لديه بعض من الثغرات أو الأخطاء أو الخلل... حيث ينبغي العمل بشكل دائم على تصحيح تلك الأخطاء والثغرات أو الخلل، بل والعمل على تجديد الخطاب وتطويره بشكل دائم.

ومن هنا يصبح النقد الموضوعي والمنهجي والهادف مدخلاً ضرورياً لتطوير الخطاب، وتصحيحه. حيث ينبغي أن يطال هذا النقد مختلف جوانب ذلك الخطاب، وعناصره، ولغته، وأساليبه، وبنيته...

وهنا نلحظ أن عملية النقد تطال فعلياً عدداً من تلك القضايا، والمسائل مورد الجدل. واحدة من تلك القضايا، دعوى المبالغات في الخطاب الحسيني؛ ليصبح طرح هذا السؤال أمراً مبرراً، أنه هل صحيح ما يقال عن مبالغات في الخطاب الحسيني، أم أنه توجد مبالغة، وعدم دقة علمية في هذه الدعوى؟

في مقام الجواب ينبغي القول: إن ما يُنظر اليه على أنه مبالغات هو على أقسام:

هناك أمور تُدرج في بعض الخطاب من قبل بعضٍ قليلٍ جداً من القرّاء، أو الخطباء، أو الباحثين.. قد تكون غير صحيحة، أو تقوم على معطيات ضعيفة، أو مشكوك فيها.. وهذه الأمور عادة ما تصنّف في إطار المبالغة، أو الخطأ، أو...

توجد أمورٌ صحيحة، لكن ما يحصل هو محاولة عرض تلك الأمور بأساليب بيانية معتمدة، لكن قد يُفهم منها أنها تحمل شيئاً من المبالغة. حيث ينبغي الالتفات هنا من قبل المتلقّي الى أن الاساليب البيانية في اللغة العربية، قد تعطي هامشاً معقولاً في البيان لتحقيق مقاصد معينة، حيث إن اعتماد هذا الاسلوب أو ذاك من قبل الخطيب، قد لا يكون أمراً مستغرباً، طالما أنه يتم بشكل حكيم،ٍ ومدروسٍ، وعلى وفق قواعد البيان، وشروطه.

يمكن أن تكون هناك أمورٌ صحيحة في نفسها، لكنها قد لا تحمل تلك الجدوائية من ذكرها وإدراجها في الخطاب. بمعنى أن ذكرها سوف يبقى ـ الى حدٍ بعيد- شأناً نظرياً محضاً، لا تترتب عليه أيٌ من مقاصد الخطاب وأهدافه التربوية، أو الثقافية، أو الاجتماعية. هنا ينبغي على الخطيب أن يتجنب ذكر تلك الأمور ـ مع كونها صحيحة-. والسبب أنها تفتقد الى تلك الجدوائية المنتظرة من الخطاب. إذ إن الخطاب الحسيني هو خطابٌ هادف. والخطاب الهادف يجب أن يكون خطاباً غنياً في جدوائيته، وقادراً على تحقيق مختلف غاياته التربوية، والثقافية، والأخلاقية، والدينية، والاجتماعية...؛ أما لو وجدنا أن معطىً خطابياً أو دينياً ما، يفتقد لتلك الجدوائية المنتظرة؛ فهنا ينبغي تجنب ذكر ذلك المعطى وإدراجه في الخطاب.

هناك أمورٌ صحيحة في نفسها، ولا شك في صحتها؛ ولكن من يتلقى الخطاب، قد لا يمتلك جميع المقدمات العلمية، أو الفكرية، أو الدينية... التي تساعد على طرح هذه الفكرة أو تلك أو التمهيد لها. فهنا قد ينظر المتلقّي الى تلك الأفكار على أنها تحمل قدراً أو آخر من المبالغة. وسبب حكمه هذا هو افتقاره الى المقدمات العلمية اللازمة لتقبل تلك الفكرة وتحمّلها.

هنا على الخطيب أن يكون على دراية تامة بمدى استعداد المتلقي ـ المستمع أو المشاهد- لتقبل هذه الأفكار، ليس فقط بلحاظ صحتها، وإنما بلحاظ القابليات والاستعدادات الموجودة لديه.

أيضاً توجد أمور صحيحة في نفسها. ولكن طرح هذه الأمور، قد يترتب عليه عددٌ من المفاسد أو السلبيات، التي تفوق المصالح والإيجابيات المنتظرة، بغض النظر عن الاعتبارات والأسباب، التي تؤدي الى حصول تلك المفاسد والسلبيات، أنها اجتماعية، أو سياسية، أو ثقافية... وهذا ما يستلزم التوقف عن طرح مثل تلك الأمور ـ رغم صحتها- والسبب هو تلك المفاسد والسلبيات، التي تترتب عليها، وتفوِّقها على إيجابيات الطرح ومصالحه.

وإذا اردنا أن نجمل هذا الموضوع يمكن القول إنه قد يكون هناك شيءٌ من المبالغة، ولو كان محدوداً جداً، لدى هذا القارئ أو ذاك، في هذا الخطاب أو ذاك؛ وهو ما يحتاج الى التصحيح، والعلاج. ولكن هناك أيضاً كثيراً من الأمور، التي يُعتقد أنها تتضمن نوعاً من المبالغات، قد لا ينطبق عليها هذا التوصيف: إما لأنّ ما يظهر على أنه نوعٌ من المبالغة، إنما يعتمد نوعاً من الأساليب البيانية المشروع استخدامها بشكل مدروسٍ وصحيحٍ وعلمي؛ وإما لأنّ ما يُطرح قد يفتقر الى تلك الجدوائية، أو تلك الفائدة التي تترتب عليه؛ أو لأنّ المتلقي قد يفتقر الى المقدمات العلمية اللازمة لتقبل تلك الفكرة وتحمّلها؛ أو لأن تلك الأفكار التي تُذكر، قد يترتب عليها جملة من المفاسد والسلبيات، التي تفوق مصالح ذكرها وإيجابياته. وعليه قد ترى ذلك الناقد يضع جميع ذلك في سلّةٍ واحدة، فينسب كل ذلك الى المبالغة، وهو ليس من المبالغة في شيء، وإنما هناك تصنيفٌ آخر لهذا النوع أو ذاك من الأخطاء، كأن يفتقد الجدوائية المطلوبة، أو مراعاة استعداد المتلقي، أو كأن لا تكون هناك درايةٌ كافية ببعضٍ من معاني المدرسة الحسينية وقيمها، أو ظروف الواقع وأولوياته، أو الوصل الصحيح والهادف ما بينهما. وعليه قد يكون من المجدي هنا تقديم بعض التوصيات في هذا الشأن:

ضرورة بناء وتشكيل الخطاب الحسيني بشكل هادفٍ وواعٍ ومنهجي.

العمل على تطوير الخطاب الحسيني بشكل دائم وفعّال، والإفادة من النقد الحاصل في عملية التطوير تلك.

أن ينتهج جميع المعنيين من نخبٍ، ومثقفين، وأكاديميين.. نهجاً هادفاً وموضوعياً في النقد، للإسهام في تصحيح الخطاب وتطويره. وهي مسؤولية الجميع؛ مع عدم الخروج عن الهدفية أو الموضوعية والمنهجية، أو الاستعجال في إطلاق النقد المتسرّع لهذا المعطى أو ذاك، من دون البحث أو مراجعة أهل العلم والاختصاص في هذا المجال العلمي أو ذاك. لأن ما يحصل في عددٍ من الأحيان، هو أن ما كان يبدو مبالغة، أو يتضمن شيئاً من المبالغة؛ يتبيّن لدى أدنى حوارٍ، أو مراجعةٍ علمية، أنه ليس كذلك. وأن الحكم بالمبالغة وغيرها كان مبنياً على نقص في المقدمات والمعطيات وسوى ذلك، مما ادّى الى إصدار ذلك الحكم بالمبالغة، في حين أن واقع الأمر ليس كذلك.

وعلى كل الأحوال، فإن كثيراً من النقد الذي يقدّم، إنما يدلّ على نوع من التفاعل والاهتمام من المتلقين، وعلى شعور بالمسؤولية والغيرة تجاه الخطاب الحسيني. وهو يبرز ظاهرة صحية في هذا الشأن، تنمّ عن مستوى جيد من العقلانية، والحسّ النقدي، الذي تتمتع به مجتمعاتنا، والذي ينبغي أن يفعّل، ويقابل بكثير من التقدير والاحترام، ليستفاد منه في تصحيح الخطاب الحسيني، وتطويره، أو المزيد من شرحه وبيانه.



خاتمة

نخلص من جميع ما تقدّم إلى أن تطوير الخطاب العاشورائي ليس ترفاً فكرياً، بل هو ضرورة دينية، وأخلاقية، وإنسانية، واجتماعية، وحضارية. لما للخطاب الحسيني من قدرة على الفعل والإنجاز والتأثير . حيث يمكن -فيما لو أحسنّا تشكيل ذلك الخطاب وتطويره بشكل دائم- أن نفيد من طاقته وقدراته في الإصلاح، وإقامة العدل، ومواجهة الفساد، وعلاج كثيرٍ من المشاكل الاجتماعية، والتربوية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية التي تعاني منها مجتمعاتنا. هذا فضلاً عن جملة الوظائف الدينية ذات الصلة بهذا الخطاب.

إن ما أردنا التأكيد عليه، هو أنه توجد عدد من المبرّرات المنهجية والدينية، التي تستدعي العمل الجادّ والواعي لتطوير الخطاب العاشورائي وترشيده، وجعله أقدر على القيام بوظائفه، ومهامه.

  إن ما لفتنا النّظر إليه هو أن هناك أهمية كبيرة تقتضي العمل على تطوير ذاك الخطاب، من ناحية أهمية النتائج التي تترتّب على ذاك التطوير؛ في حين أنّ عدداً من النتائج السلبية يمكن أن تترتّب على جمود الخطاب وعدم تطويره.

من هنا ينبغي القول إن العناية بثورة الحسين (ع) ، ورسالتها، وقيمها، لا تنفك عن العناية بالخطاب الحسيني وبنائه وتشكيله. وبما أن هذا الخطاب هو محاولة بشرية (جهد بشري) للتعبير عن تلك الرسالة وقيمها، بأفضل طريقة وأحسن السبل، التي توصل إلى تحقيق أهداف الرسالة، ووظائف الخطاب؛ من هنا ينبغي بذل أقصى جهد علمي ممكن بطريقة منهجية واعية، للوصول إلى أفضل مستوى من ذاك التعبير عن تلك الرسالة، وتحقيق تلك الوظائف. وهذا ما يتطلّب التوصية بأمرين:

أولاّ: أن يُبادر إلى مشروع علمي ومنهجي شامل، يتناول كل ما يتّصل بالخطاب العاشورائي، وأسس تشكيله، وأهدافه، ووظائفه، وعناصره، وأساليبه، ومفاهيمه، ومفرداته، ولغته، وجميع ما يتّصل به.

ثانياً: لا شكّ في أنّ جهوداً كبيرة بُذلت وتُبذل في هذا الاتجاه مورد البحث من قبل كثير من المعنيين، لكن هناك حاجة ملّحة إلى توحيد الجهود، وتنظيمها، وترشيدها، وحسن إدارتها بشكل علمي ومنهجي شامل، من خلال الشروع بعمل مؤسّساتي كبير وعابر لجميع الجهات الدينية وغير الدينية، ولجميع الأطر الجغرافية وغيرها، ليضمّ الخبرات اللازمة جميعها، والتخصّصات المختلفة من علماء تاريخ، واجتماع، وتربية، ونفس، ودين، ولغة، وأدب... بحيث يعمل على:

نقد الخطاب الحالي، وتنقيته من أخطائه وشوائبه.

العمل المستديم لتطوير الخطاب في مختلف عناصره، وقضاياه، وجوانبه.

وهو ما يستلزم أن يضمّ ذلك العمل المؤسساتي:

مركز دراسات وأبحاث بمستوى تلك المهام.

كليّة أكاديمية، تعنى بالخطاب الحسيني. وينبني منهاجها العلمي على تخطيط منهاجي معاصر، يستفيد من معايير ضمان الجودة في بناء المناهج وتطويرها؛ بهدف إعداد الخطباء الحسينيين وتأهيلهم، والعمل على تدرّجهم الى أعلى المراحل العلمية والأكاديمية قبل شروعهم في مزاولة الخطابة العاشورائية، لأن ذلك قد يكون السبيل الأهمّ للتعبير عن تطوير الخطاب العاشورائي، وقيامه بوظائفه، وإيصاله إلى متلّقيه.

 إطار تعاوني بين مختلف الجهات الدينية وغير الدينية، في مختلف البلدان والمناطق الإسلامية، من أجل تنسيق الجهود، وتعزيز التعاون، والتخطيط لخطوات وأعمال مشتركة، ترتبط بالخطاب الحسيني، والإعلام العاشورائي، والفكر والثقافة العاشورائيين، و... وصولاً الى اعتماد آليات محددة ومختلفة لتفعيل ذلك التواصل والتعاون، والتي منها القيام بمؤتمر عاشورائي دولي، يتناول أهم الموضوعات والقضايا التي ترتبط بعاشوراء، والظاهرة العاشورائية، وسبل تنميتها وتثميرها وتطويرها.