الباحث : السيد هاشم الميلاني
اسم المجلة : العقيدة
العدد : 9
السنة : السنة الثالثة - شعبان المعظم 1437هـ / 2016م
تاريخ إضافة البحث : June / 25 / 2016
عدد زيارات البحث : 2691
حديث الغدير
بين أدلة المثبتين وأوهام المبطلين
(الحلقة الثالثة)
السيد هاشم الميلاني
ذكرنا في الحلقة الأُولى من هذا البحث رواة حديث الغدير، كما تطرّقنا في الحلقة الثانية إلى سند الحديث وإثبات صحته بل تواتره، وفي هذه الحلقة نتطرّق إلى دلالة الحديث.
يتكوّن حديث الغدير من صدر ومتن وذيل، وكلّ هذه الفقرات تدلّ على الإمامة والولاية، وإليك بيانه :
لمّا انصرف رسول الله (ص) من حجة الوداع متوجّهاً إلى المدينة، نزل عليه الأمر الإلهي بتبليغ إمامة علي (ع) مقترناً بالعصمة من الناس، فنزل (ص) بغدير خم ـ منصرف الناس إلى بلادهم ـ وخطب الناس خطبة عظيمة ـ على حدّ تعبير ابن كثير([1]) ـ ووصفها زيد بن أرقم بقوله: «فو الله ما من شيء يكون إلى أن تقوم الساعة إلاّ وقد أخبرنا به يومئذ»([2]).
ومما قال (ص) في خطبة الغدير قوله: ألست أولى بكم من أنفسكم، وفي لفظ آخر: أيّها الناس من أولى بكم من أنفسكم . فلمّا أقرّوا بكونه (ص) أولى بهم من أنفسهم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، ثم عقّبه بقوله: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» .
هذا النص المبارك ـ باختلاف ألفاظه ([3])ـ من أهمّ أدلّة الشيعة في إثبات إمامة أمير المؤمنين (ع) بعد النبي (ص) مباشرة، ففي معاني الأخبار للصدوق (ت381) بسنده عن أبي إسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين (ع): ما معنى قول النبي (ص): «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: أخبرهم أنّه الإمام بعده([4]).
وفي رواية اُخرى عن أبان بن تغلب قال: سألت أبا جعفر محمد بن عليّ (ع) عن قول النبي (ص): «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال: يا أبا سعيد تسأل عن مثل هذا، أعلمهم أنّه يقوم فيهم مقامه([5]).
ونحن لا نحتاج بعد ما ورد التفسير عن أهل البيت (ع) إلى القيل والقال والتأويلات المختلفة، إذ هم عدل القرآن ومَن اُمرنا بالتمسّك بهم، ولكن لتوضيح الأمر وردّ الشبهات المثارة لابد من الخوض في تبيين الأمر بحسب سياق الحديث وألفاظه وظهوره العرفي، وإليك بيانه:
1 ـ «ألست أولى بكم من أنفسكم»:
قوله (ص) هذا مأخوذ من قول الله تعالى: )النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ(([6]) والأولى هنا في الآية بمعنى الأولى بالتصرّف . قال النحّاس: «وحقيقة معنى الآية ـ والله جلّ وعزّ أعلم ـ أنّ النبي (ص) إذا أمر بشيء أو نهى عنه، ثم خالفته النفس كان أمر النبي (ص) ونهيه أولى بالاتباع من الناس» ([7]).
وقال الطبري: «يقول تعالى ذكره: النبي محمد (ص) أولى بالمؤمنين، يقول: أحق بالمؤمنين به من أنفسهم أن يحكم بما يشاء من حكم فيجوز ذلك عليهم، كما حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال :قال ابن زيد: )النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ( ـ كما أنت أولى بعبدك ـ ما قضى فيهم من أمر جاز ...»([8]).
وقال البغوي: «)النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ( يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه فيهم، ووجوب طاعته عليهم ...» ([9]).
وقال النسفي: «أي أحقّ بهم في كلّ شيء من اُمور الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه» ([10]).
وقال الزمخشري: «)النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ( في كلّ شيء من اُمور الدين والدنيا «من أنفسهم» ولهذا أطلق ولم يقيّد، فيجب عليهم أن يكون أحب إليهم من أنفسهم، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، وحقّه آثر لديهم من حقوقها، وشفقتهم عليه أقدم من شفقتهم عليها، وأن يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه ...» ([11]).
وقال العيني في شرح قوله (ص): «ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى به في الدنيا والآخرة» يعني أحق وأولى بالمؤمنين في كل شيء من اُمور الدنيا والآخرة من أنفسهم، ولهذا أطلق ولم يعيّن، فيجب عليهم امتثال أوامره والاجتناب عن نواهيه . قوله: «اقرؤوا إن شئتم: )النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ(» في معرض الاحتجاج لما قاله تنبيهاً لهم على أنّ هذا الذي قاله وحي غير متلو طابقه وحي متلو . وتكلّم المفسّرون في قوله تعالى: )النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ( وروي عن ابن عباس وعطاء: يعني إذا دعاهم النبي إلى شيء ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعة النبي (ص) أولى بهم من طاعة أنفسهم، وعن مقاتل: يعني طاعة النبي (ص) أولى من طاعة بعضكم لبعض، وقيل: إنّه أولى بهم في إمضاء الأحكام وإقامة الحدود عليهم لما فيه من مصلحة الخلق والبعد عن الفساد، وقيل: لأنّ النبي (ص) يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم وأنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم ...» ([12]).
هذه أقوال المفسّرين وشرّاح الحديث من أهل السنة تنصّ على أنّ المراد بالأولويّة في الآية الكريمة هي الأولويّة بالتصرّف في اُمور الناس وهو معنى الحاكميّة، هذا هو المعنى الظاهر والواضح والمتعارف عليه في بادئ النظر .
وهو المراد من قوله (ص) في حديث الغدير: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» .
قال السيد المرتضى: «فأمّا الدليل على أنّ لفظة أولى تفيد معنى الإمامة، فهو أنّا نجد أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ إلاّ فيمن كان يملك تدبير ما وصف بأنّه أولى به وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه، ألا تراهم يقولون: السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعيّة، وولد الميّت أولى بميراثه من كثير من أقاربه، والزوج أولى بامرأته، والمولى أولى بعبده، ومرادهم في جميع ذلك ما ذكرناه، ولا خلاف بين المفسّرين في أنّ قوله تعالى: )النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ( المراد به أنّه أولى بتدبيرهم والقيام بأُمورهم من حيث وجبت طاعته عليهم، ونحن نعلم أنّه لا يكون أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد منهم إلاّ من كان إماماً لهم، مفترض الطاعة عليهم» ([13]).
إذا عرفت هذا فلا وجه لما ذكره عبد العزيز الدهلوي (ت1239) من حمل الأولوية في الآية والحديث على الأولويّة بالمحبة ،([14]) بل هو محض ادّعاء لا يبتني على اُصول علميّة .
وهناك محاولة اُخرى تمسّك بها بعض أهل السنة لمّا ضاق بهم الخناق، فذهبوا إلى نفي صدر الحديث، وأنّه لم يرو متواتراً بل هو من الآحاد، والبعض الآخر تجرّأ وجعله موضوعاً لم يكن من أصل الحديث .
قال القاضي عبد الجبار (ت415): «إنّ كثيراً من شيوخنا ينكر أن تكون هذه المقدمة ثابتة بالتواتر ويقول إنّها من باب الآحاد، والثابت هو قوله (ع): من كنت مولاه ...، وهو الذي كرّره أمير المؤمنين في مجـالس عدّة عنـد ذكر مناقبه»([15]).
قـال الفخـر الرازي (ت606) : «ثم إن سلّمنا صحة أصل الحديث، ولكن لا نسلّم صحة تلك المقدمة، وهي قوله: «ألست أولى بكم من أنفسكم» بيانه: إنّ الطرق التي ذكرتموها في تصحيح أصل الحديث لم يوجد شيء منها في هذه المقدّمة، فإنّ أكثر من روى أصل الحديث لم يرو تلك المقدّمة، فلا يمكن دعوى التواتر فيها، ولا يمكن أيضاً دعوى إطباق الاُمّة على قبولها، لأنّ من خالف الشيعة إنّما يروي أصل الحديث للاحتجاج به على فضيلة علي (ع) ولا يروي هذه المقدمة، وأيضاً فلم يقل أحد أنّ علياً ذكرها يوم الشورى، فثبت أنّه لم يحصل في هذه المقدمة شيء من الطرق التي يثبتون أصل الحديث بها، فلا يمكن إثبات هذه المقدمة» ([16]).
ونقول في الجواب :
أولاً: لم يكن دأب المحدّثين والرواة الأوائل على رواية جميع الخبر بحذافيره، بل كانوا يأخذون ويدعون من الحديث حسب الحاجة والمناسبة، مضافاً إلى الفجوة الزمنية الكبيرة بين صدور الحديث عن الرسول الأمين (ص) وبين تدوين الحديث، ممّا أدّى إلى غياب كثير من القرائن الحالية والمقالية، زائداً النسيان والسهو الملازم للطبيعة البشرية .
فهذا زيد بن أرقم وهو مِنْ أكثر مَنْ روى حديث الغدير بألفاظ مختلفة، يقول ليزيد بن حيان وحصين بن سبرة لما سألاه أن يحدّثهم عن رسول الله (ص): يا ابن أخي والله لقد كبرت سنّي وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله (ص) ... ثم قال: قام رسول الله (ص) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر([17]) . ثم ذكر حديث الثقلين .
فزيد بن أرقم يذكر واقعة الغدير، ولم يذكر حديث الغدير ولم يشر إلى مواعظ النبي (ص) وتذكيره، مع أنّها ثابتة صحيحة وعدم ذكرها لا يخدش في صحتها وتواترها .
ثانياً: قال السيد المرتضى (ت436): «ليس ينكر أن يكون بعض من روى خبر الغدير لم يذكر المقدّمة، إلاّ أنّ من أغفلها ليس بأكثر ممّن ذكرها ولا يقاربه، وإنّما حصل الاخلال بها من أحاد الرواة، ونقلة الشيعة كلّهم ينقلون الخبر بمقدّمته، وأكثر من شاركهم من رواة أصحاب الحديث أيضاً ينقلون المقدّمة، ومن تأمّل نقل الخبر وتصفّحه علم صحّة ما ذكرناه، وإذا صحّ فلا نكير في إغفال من أغفل المقدّمة، لأنّ الحجّة تقوم بنقل من نقلها بل ببعضهم» ([18]).
قال الكراجكي (ت449): «أما المتواترون بالخبر فلم يوردوه إلاّ على كماله، ولا سطروه في كتبهم إلاّ بالتقرير الذي في أوّله . وكذلك رواه معظم أصحاب الحديث الذاكرين الأسانيد، وإن كان منهم آحاد قد أغفلوا ذكر المقدّمة، فيحتمل أن يكون ذلك تعويلا ً منهم على العلم بالخبر فذكروا بعضه لأنّه عندهم مشتهر، فإنّ الأصحاب كثيراً ما يقولون: فلان يروي عن رسول الله (ص) خبر كذا ويذكرون بعض لفظ الخبر اختصاراً، وفي الجملة فإنّ الآحاد المتفردون بنقل بعضه لا يعارض بهم المتواترين الناقلين لجميعه على كماله» ([19]).
ثالثاً: روى هذه المقدمة كثير من الحفّاظ في كتبهم، ففي مسند أحمد عن البراء بن عازب بلفظ: «ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» ([20]). وفيه عن زيد بن أرقم بنفس اللفظ ،([21]) وفيه عن أبي الطفيل بلفظ: «أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم» ([22]).
وفي المستدرك للحاكم عن سعد بن مالك بلفظ: «هل تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين» ([23]). وفي مسند أحمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بلفظ: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»([24]). وفي مجمع الزوائد عن زيد بن بثيغ بلفظ: «أليس أنا أولى بالمؤمنين»([25]). وفي هذا كفاية لمن اهتدى .
أما عدم ذكر هذه المقدمة يوم الشورى فقد أجاب السيد المرتضى قائلاً :
«فأما إنشاد أمير المؤمنين (ع) أهل الشورى، وخلوّه من ذكر المقدّمة، فلا يدلّ على نفيها أو الشك في صحّتها; لأنّه (ع) قرّرهم من الخبر بما يقتضي الإقرار بجميعه على سبيل الاختصار، ولا حاجة به إلى أن يذكر القصّة من أوّلها إلى آخرها، وجميع ما جرى فيها، لظهورها ولأنّ الاعتراف بما اعترف به منها هو اعتراف بالكل، وهذه عادة الناس فيما يقرّرونه، ألا ترى أنّ أمير المؤمنين لما أن قرّرهم في ذلك المقام بخبر الطائر في جملة الفضائل والمناقب اقتصر على أن قال: «أفيكم رجل قال له رسول الله (ص): «اللهم ابعث إليّ بأحبّ خلقك يأكل معي، غيري» ولم يذكر إهداء الطائر وما تأخّر عن هذا القول من كلام الرسول، وكذلك لما أن قرّرهم صلوات الله عليه بقول الرسول (ص) فيه لما ندبه لفتح خيبر ذكر بعض الكلام دون بعض، ولم يشرح القصة وجميع ما جرى فيها، وإنّما اقتصر (ع) على القدر المذكور اتكالاً على شهرة الأمر وأنّ في الاعتراف ببعضه اعترافاً بكلّه» ([26]).
مضافاً إلى أنّه (ع) عند مناشدته الثانية أيّام خلافته في الرحبة بالكوفة، ذكر هذه المقدّمة واستشهد الناس على مجموع الحديث صدراً وذيلاً، فشهد له من حضر من الصحابة ([27]).
وهناك محاولة من قبل الباقلاني (ت403) تمسّك بها بعد أن لم يتمكّن من نفي المقدّمة، فقال: «إنّ ما أثبته لنفسه من كونه أولى بهم، ليس هو من معنى ما أوجبه لعلي سبيل، لأنّه قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فأوجب الموالاة لنفسه ولعلي، وأوجب لنفسه كونه أولى بهم منهم بأنفسهم، وليس معنى أولى من معنى مولى في شيء، لأنّ قوله مولى يحتمل في اللغة وجوهاً ليس فيها معنى أولى، فلا يجب إذا عُقّب كلام بكلام ليس من معناه أن يكون معناهما واحداً، ألا ترون أنّه لو قال: ألست نبيّكم والمخبر لكم بالوحي عن ربكم وناسخ شرائع من كان قبلكم ثم قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، لم يوجب ذلك أن يكون قد أثبت لعلي من النبوة وتلقّي الوحي ونسخ الشرائع على لسانه ما أوجبه في أول الكلام لنفسه، ولا أمر باعتقاد ذلك فيه من حيث ثبت أنّه ليس معنى نبي معنى مولى، فكذلك إذا ثبت أنّه ليس معنى أولى معنى مولى، لم يجب أن يكون قد أثبت لعليّ ما أثبته لنفسه، وإنّما دخلت عليهم الشبهة من حيث ظنوا أنّ معنى مولى معنى أولى وأحق، وليس الأمر كذلك»([28]).
وأنت ترى أنّه بنى استدلاله صدراً وذيلاً على عدم مجي مولى بمعنى أولى، وهذا مردود بشهادة الكتاب والسنة والأدب من مجي مولى بمعنى أولى وأحق، كما سيوافيك بيانه في: «المولى» .
ثم إنّ المثال الذي استشهد به لا يستقيم من حيث قواعد التمثيل، إذ ليس معنى مولى معنى النبوة كما ذكره الباقلاني، وهذا لا ينطبق على ما نحن فيه، إذ أنّ الأولى من معاني المولى كما نصّ على ذلك أصحاب اللغة، وما نحن فيه يشبه لو قال (ص): ألست نبيكم والمخبر لكم بالوحي عن ربكم وناسخ شرائع من كان قبلكم ثم قال: فمن كنت له كذلك فعليّ رسوله ـ وهذا افتراضٌ على سبيل الجدل وإن لم يكن صحيحاً ـ لكان الكلام مستقيماً لاحتواء كلمة الرسول معاني ومهام الإنباء عن الله تعالى والإخبار عنه بالوحي ونسخ شريعة موسى وعيسى . فكذلك لما صدّر كلامه بكونه أولى بهم من أنفسهم، ثم عقّبه بقوله: «فمن كنت مولاه ...» كان معنى المولى والمراد منها هو معنى الأولوية بالتصرّف .
وقد اخترع ابن تيمية (ت728) استدلالاً غريباً، حيث جعل أولوية النبي(ص) بالمؤمنين من أنفسهم من مختصّاته (ص) ولا يحق له أن يعطيها لغيره، قال: «وأما كونه أولى بهم من أنفسهم، فلا يثبت إلاّ من طرفه (ص) وكونه أولى بكلّ مؤمن من نفسه من خصائص نبوّته، ولو قُدّر أنّه نصّ على خليفة من بعده، لم يكن ذلك موجباً أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه، كما أنّه لا يكون أزواجه اُمّهاتهم ...» وهذه مكابرة لا دليل عليها من قرآن وسنة وعرف، وما أسهل إلقاء الادعاءات الفارغة وجعلها من المسلّمات، فلو أراد الله تعالى وكذلك نبيّه (ص) نقل خصائص النبوّة من الأولوية بالتصرّف وإمامة الناس إلى شخص آخر يقوم بالحفاظ على نهج النبوة سيما بعد ختمها، فأيّ ضير في ذلك، وهذا هو معنى الإمامة التي نقصدها ونثبتها لعليّ (ع)وأولاده الأوصياء بحديث الغدير وغيره من الأدلّة . ولا علاقة لهذا بكون أزواج النبي (ص) اُمّهات المؤمنين، حيث معناه حرمة التزوّج بهنّ بعد الرسول (ص)، وهي مسألة خاصّة ولا علاقة لهذا بمسألة الوصاية والإمامة التي هى امتداد للنبوّة .
وبعبارة اُخرى أنّ الأولوية بالتصرّف من خصائص الحاكميّة، وختم النبوة وحرمة التزوّج من اُمّهات المؤمنين من خصائص نبوّة النبي (ص)، فالأُولى لابد من انتقالها لاستمرار الحاكمية الإلهية، أما الثانية فلا تنتقل وتبقى من المختصّات، كيف وأنّ الخلفاء بعد الرسول (ص) أثبتوا لأنفسهم هذه الأولوية، وتصرّفوا في الأموال والأنفس بحسب ما شاؤوا، فأخذوا فدك وغيرها وقتلوا مالك وغيره، أليس هذا هو معنى الأولوية بالتصرّف ؟!
2 ـ «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» :
يبتني الاستدلال بهذه الفقرة على أنّ المولى فيه بمعنى الأولى المتفرعة من صدر الحديث، ولعلمائنا في إثبات ذلك عدّة أدلّة نوجزها فيما يلي :
ألف ـ قرينة المقام:
قال العلاّمة المجلسي (ت1111): «هل يريب عاقل في أنّ نزول النبي (ص) في زمان ومكان لم يكن نزول المسافر متعارفاً فيهما، حيث كان الهواء على ما روي في غاية الحرارة حتى كان الرجل يستظلّ بدابّته، ويضع الرداء تحت قدميه من شدّة الرمضاء، والمكان مملوءاً من الأشواك، ثم صعوده على الأقتاب، والدعاء لأمير المؤمنين علي (ع) على وجه يناسب شأن الملوك والخلفاء وولاة العهد، لم يكن إلاّ لنزول الوحي الإيجابي الفوري في ذلك الوقت لاستدراك أمر عظيم الشأن جليل القدر، هو استخلافه والأمر بوجوب طاعته» ([29]).
وهذا لوحده ينفي إرادة سائر المعاني من كلمة (مولى) ويحصرها في الذي تقدّمها .
ب ـ الاستعمال الشرعي :
نقصد بالاستعمال الشرعي ما ورد في لسان الشرع: آيات وروايات، من مجيء كلمة مولى بمعنى أولى بحسب الاستعمال والقرائن، ولا نقصد بأنّ كل (مولى)وردت في لسان الشرع تكون بمعنى أولى حتى يُنتقض علينا بما ورد من استعمالها في معاني اُخر، كقوله تعالى: )إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ(([30]) وإن ذهب البياضي (ت 877) إلى أنّها بمعنى الأولى حيث قال: «ذلك لا ينافي ما قلناه إذ معناه: الذين اتبعوا إبراهيم أولى بالتصرّف في خدمته دون غيرهم وكذا الآخران» ([31]).
ولذا قال السيد المرتضى (ت436) في مقام الرد على القاضي عبد الجبار (ت415) حيث استشهد بالقرآن لنقض مجي المولى بمعنى أولى: «فأمّا ما ذكره من الآيات مستشهداً به على أنّ المراد بلفظة مولى الموالاة في الدين، فإنّما يكون طاعناً على من أنكر احتمال اللفظة لهذا الوجه في جملة محتملاتها، فأمّا من أقرّ بذلك وذهب إلى أنّ المراد في خبر الغدير خلافه، فليس يكون ما ذكره صاحب الكتاب مفسداً لمذهبه، وكيف يكون كذلك وأكثر ما استشهد به أنّ لفظة مولى اُريد بها معنى الموالاة فيما تلاه من القرآن، وذلك لا يحظر أن يراد بها خلاف الموالاة في الخبر» ([32]).
على أية حال، فممّا استدلّوا به على مجي مولى بمعنى أولى قوله تعالى: )مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ(([33]) أي أولى بكم ([34]).
نصّ على ذلك أئّمة اللغة والتفسير المعتمد عليهم والمرجوع إليهم، منهم :
الكلبي (ت146) على ما ذكر الفخر الرازي في تفسيره 29 :228 .
والفراء (ت207) في معاني القرآن 3 :134 .
وأبو عبيدة معمّر بن المثنّى (ت210) في مجاز القرآن 2 :254 .
وعبد الله بن يحيى اليزيدي (ت237) في غريب القرآن وتفسيره: 371 .
وعبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت276) في تفسير غريب القرآن: 453 .
والطبري (ت310) في تفسيره 22 :408 .
والزجاج (ت311) في معاني القرآن وإعرابه 5 :125 حيث قال: «هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب، ومثل ذلك قول الشاعر :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه مولى المخافــة خلفها وأمامها
ومنهم أيضاً: أبو عبيد الهروي (ت401) في الغريبين 6 :2034 حيث قال: «قوله تعالى: )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا( أي وليّهم والقائم بأمرهم، وكل من ولي عليك أمرك فهو مولاك . وقوله تعالى: )مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ( أي هي أولى بكم، وفي الحديث: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال أبو العباس: أي من أحبني وتولاّني فليتولاّه» . انظر كيف ناقض نفسه حيث أثبت في صدر كلامه مجي المولى بمعنى القائم بالأمر وبمعنى الأولى، ثمّ في ذيل كلامه صرف الحديث عن معناه الحقيقي لئلاّ يثبت الحق، وهذا لا يهمّنا وهو ديدنهم، والغرض اثبات مجي المولى بمعنى الأولى والقائم بالأمر، وقد ثبت .
ومنهم أيضاً: الزمخشري (ت538) في الكشاف 4 :64 حيث جعل الأولى إحدى معاني المولى في الآية واستشهد ببيت لبيد الذي مرّ آنفاً .
وكذلك ابن الأنباري (ت577) في البيان في غريب إعراب القرآن 2 :421ـ422 حيث جعل الأولى أيضاًمن معاني المولى في الآية .
ومنهم ابن الجوزي (ت597) في تذكرة الأديب في تفسيرالغريب: 391 .
والقرطبي (ت671) في الجامع لأحكام القرآن 17 :248 حيث قال: «أي أولى بكم، والمولى من يتولّى مصالح الإنسان، ثم استعمل فيمن كان ملازماً للشيء، وقيل: تملك أمرهم ...» .
ومنهم نظام الدين النيسابوري (ت728) في تفسير غريب القرآن ورغائب الفرقان 6 :256 حيث ذكر الأولى من معاني المولى في الآية .
وأبو حيان الأندلسي (ت745) في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: 290 حيث قال: «والمولى: المعتِق والمعتَق، أو الولي والأولى بالشيء، أو ابن العم والصهر» .
وأيضاً علي بن عثمان المارديني (ت750) في بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله من الغريب: 393 .
ومنهم ابن كثير (ت774) في تفسيره 4 :332 حيث قال: «أي هي أولى بكم من كلّ منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير» .
ومنهم البيضاوي (ت791) في أنوار التنزيل 2 :454 حيث جعل الأولى من معاني المولى واستشهد ببيت لبيد.
ومنهم ابن الملقن (ت804) في تفسير غريب القرآن: 449 .
هذه أقوال أئمّة اللغة والتفسير في مجي أولى بمعنى مولى، ولكن من الغريب ما ذهب إليه الفخرالرازي (ت606) من حمل هؤلاء الأئمة على التساهل تارةً، وتارة اُخرى اختراع قاعدة تحت عنوان أنّ هذا الذي قالوه معنى لا تفسير للّفظ، والسبب الوحيد في ذكر هذه التمحّلات هو الردّ على الشيعة في استدلالهم بحديث الغدير وكلمة (مولى) على إمامة أمير المؤمنين (ع)، فتمسّك القوم بكلّ رطب ويابس لردّ هذا المدعى وإن كان على خلاف القياس والأصول العلمية .
فهذا الرازي رغم اعترافه بمجي مولى بمعنى أولى عند أهل اللغة وغيرهم أمثال الكلبي والزجاج والفراء وأبي عبيدة ،([35]) والأخفش وعلي بن عيسى([36])، ولكن ردّ هذا كلّه لأنّه مستمسك الشيعة، قال: «وإنّما نبّهنا على هذه الدقيقة لأنّ الشريف المرتضى لما تمسّك بإمامة علي بقوله (ع): «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: أحد معاني مولى معناه أولى، واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأنّ مولى معناه أولى ... أمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أنّ قول هؤلاء في هذا الموضع معنى لا تفسير وحينئذ يسقط الاستدلال به» ([37]) .
نعم هذا هو السبب الحقيقي، ولذا قال في نهاية العقول: «أما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أنّ المولى بمعنى الأولى، فلا حجة لهم وإنّما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين: إحداهما أنّ أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: إنّ أبا عبيدة وإن قال في قوله تعالى: )مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ( معناه هي أولى بكم، وذكر هذا أيضاً الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمّة لا تحقيق، لأنّ الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلاّ في تفسير هذه الآية أو آية اُخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كلّ ما يُذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسّرون اليمين بالقوة في قوله تعالى: )وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ( والقلب بالعقل في قوله تعالى: )لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ( مع أنّ ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك هنا» ([38]).
ونقول في الجواب :
أوّلاً: أيّ فرق ـ فيما نحن بصدد إثباته من مجيء مولى بمعنى أولى عند أئمة أهل اللغة ـ بين أن يكون أقوال هؤلاء الأئمة معنى أو تفسيراً ـ رغم أنّهم لم يصرّحوا بذلك بل ذكروا ما يناسب المقام من وجوه الآية، وعلى كلا الحالين يثبت مطلوبنا .
ثانياً: قد فطن نظام الدين النيسابوري (ت728) ما في استدلال الرازي وإسقاطه لاستدلال المرتضى من وهن، فقال بعد نقل كلام الرازي: «في هذا الإسقاط بحث لا يخفى» ([39]) .
ثالثاً: قد تناقض الرازي في كلامه، فإنّه تارة يقول: إنّ أئمّة اللّغة وأكثر العلماء (حينما قال: والأكثرون لم يذكروه إلاّ في تفسير هذه الآية) ذهبوا إلى مجيء مولى بمعنى أولى، ثم يقول: إنّ الأكابر من النقلة لم يذكروه ،ولا يتمكن من الاستشهاد إلاّ بالخليل (ت175)، مع أنّه قد طعن في مكان آخر بكتاب الخليل حيث قال: «أجلّ الكتب المصنّفة في النحو واللغة كتاب سيبويه وكتاب العين ... أما كتاب العين فقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه» ([40]) . فرغم كون أئمّة اللّغة وأكثر العلماء ذهبوا إلى مجيء مولى بمعنى أولى، ورغم إطباق جمهور أهل اللغة على القدح في كتاب الخليل، مع كل هذا لا يروق الرازي ذلك ويرميهم بالتساهل وعدم التحقيق، ولا أدري لماذا لا يُرمى الخليل بالتساهل وعدم التحقيق لعدم اتباعه أئمّة اللغة ؟! إن هو إلاّ تعصّب مذهبي أعمى أصاب الرازي ومن تبعه .
رابعاً: حتى لو صرّح الخليل بعدم مجيء مولى بمعنى أولى ـ وهو لم يصرّح بل لم يذكره ـ لا يُعتنى بتصريحه وهو واحد أمام أكثر أئمّة اللغة المصرّحين بذلك لتقدّم المثبت على النافي بحسب القواعد المقرّرة عندهم .
خامساً: أمّا قوله: «والأكثرون لم يذكروه إلاّ في تفسير هذه الآية أو آية أُخرى» فهل يُؤخذ تفسير المفردات إلاّ من كتب اللّغة وبما يتناسب فحوى الآية وغيرها من القرائن، وهل قال أحدٌ من الناس أنّ كلّ ما جاء في القرآن من كلمة (مولى) فهو بمعنى أولى، حتى يعترض علينا بهذا الاعتراض ؟! ثم إنّه يكفي لنفي السالبة الكلية الموجبة الجزئية .
سادساً: عدم وجود النقل عن بعض أهل اللغة لا يدلّ على العدم رأساً، ألا ترى أنّ صاحب القاموس التزم بترقيم كلّ لغة أهملها الجوهري بالحمرة، وهذه كثيرة جدّاً، فيلزم على قولك أن لا يكون شيء من تلك اللغات صحيحة، وهكذا يذكر بعض أهل اللغة لبعض اللفظ معنى، ويذكر له بعض آخر معاني اُخر([41]) .
سابعاً: ما ذهب إليه من ورود المجاز في تفسير اليمين والقلب، فنقول: اشتمال اللغة على الحقيقة والمجاز ظاهر، ومعلوم أنّ المجاز إنّما يُصار إليه عند تعذّر حمل الكلام على الحقيقة، وإلاّ فالأصل في الكلام الحقيقة . ثم إنّ المجاز الأصلي قد يشيع ويكثر استعماله حتى تصير الحقيقة اللغوية بالنسبة إليه مجازاً، وإذا كان كذلك فنقول: إنّ لفظة المولى وإن كانت مشتركة إلاّ أنّ أهل اللغة فهموا بحسب القرينة في هذا الخبر أنّ المراد من المولى هو الأولى بعد فهمهم أنّه من جملة مسمياتهم اللغوية، فدعوى أنّه ليس لغة أصلية استلزم أنّه منقول، وهو معارض بما أنّه خلاف الأصل، فتفسير هذه الآية أو غيرها إذن بحسب اللغة الأصلية، وأما تفسيرهم بغير اللغة الأصلية كاليمين وأمثاله، فذاك إنّما كان لاستعماله اليمين بمعنى الجارحة على الله تعالى، فلا جرم لما لم تصحّ الحقيقة للإرادة عدلوا إلى المجاز» ([42]) .
ثم ذكر الرازي المقدّمة الثانية في بيان اشتقاق كلمة (و ل ي)، ولا علاقة له بما نحن فيه، ثم قال: «وإذا ثبتت هاتان المقدّمتان فلنشرع في التفصيل، قولـه: إنّ أبا عبيدة قال في قوله تعالى: )مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ( معناه هي أولى بكم، قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين: أحدهما أنّ ذلك يقتضي أن يكون للكفّار في الجنّة حقاً إلاّ أنّ النار أحق، لأنّ ذلك من لوازم أفعل التفضيل وأنّه باطل، وثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا فى أنّ المولى ها هنا بمعنى الأولى، لقيل هي مولاتكم لأنّ استواء التذكير والتأنيث من خصائص أفعل التفضيل، ولما بطل ما قالواه فالواجب أن يجعل المولى هنا اسماً للمكان وهي موضع الولي، وعلى هذا التفسير لا يلزمنا ما ألزمناه عليهم، لأنّ اسم المكان إذا وقع خبراً للمؤنّث لم يؤنّث، تقول: المدينة منشأ النبي (ص) والبصرة منشأ الحسن، ولا تقول: منشأه، وهذا هو التحقيق» ([43]) .
نقول في الجواب :
أوّلاً: لم يرد ذكر للمفضّل عليه في الآية، فمن أين زعم الرازي أنّ المفضّل عليه هو الجنة، لم لا يجوز أن يكون مراده تعالى أنّ النار بالكفّار أولى من كل شيء ـ كما هو ظاهر الإطلاق ـ وهذا لا يقتضي أن يكون كلّ شيء حتى الجنّة له حقاً بالكفّار، بل يكفي أن يكون البعض كذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى: )اللّهِ أَكْبَرُ( فإنّه أكبر مطلقاً سواء كان لكل شيء كبر أو لا([44]) .
ثانياً: لو تنزّلنا عن ذلك فنقول: للكفّار في الجنة حق لكن فات عنهم بسبب عدم قبولهم الإيمان([45])، وقد أشار الرازي نفسه إلى نحو هذا في معرض كلامه عن كيفية وراثة المؤمنين للجنّة في قوله تعالى: )أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ(([46]) حيث أنّ الجنة لهم فما معنى وراثتها، فقال: «إنّه لا مكلّف إلاّ أعدّ الله له في النار ما يستحقّه إن عصى، وفي الجنّة ما يستحقّه إن أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار منازل من لم يؤمن كالمنقول إلى المؤمنين، وصار مصيرهم إلى النار الذي لابد معها من حرمان الثواب كموتهم ...» ([47]) . وبهذا المعنى يمكن أن يقال إنّ النار أولى بهم وأحق من الجنّة .
أما ما ذكره من مسألة التذكير والتأنيث في: (هِيَ مَوْلاَكُمْ) فنقول: أوّلاً بعد ما ثبت ترادف المولى والأولى، فأينما كانت أولى خبراً لمبتدأ تساوى فيها المؤنّث والمذكّر، فكذلك الحال في المولى([48]) .
ثانياً: ثأنيث النّار لم يكن على الحقيقة بل هو مجاز، ولا يلزم تأنيث المؤنّث المجازي، كما اعترف بذلك الرازي في تفسير قوله تعالى: )إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (حيث قال: «لقائل أن يقول: مقتضى علم الإعراب أن يقال: إنّ رحمة الله قريبة من المحسنين، فما السبب في حذف علامة التأنيث ؟ ذكروا في الجواب عنه وجوهاً: الأوّل: إنّ الرحمة تأنيثها ليس بحقيقي، وما كان كذلك فإنّه يجوز فيه التذكير والتأنيث عند أهل اللغة» ([49]).
وبهذا تندفع سائر الشبهات التي ذكرها الباقلاني (ت403) في تمهيد الأوائل: 452، والآمدي (ت631) في غاية المرام: 321 وأبكار الأفكار 5 :182، والجرجاني (ت816) في شرح المواقف 8 :361، وابن حجر الهيتمي (ت973) في الصواعق المحرقة 1 :108، والدهلوي (ت1239) في التحفة الاثني عشرية: 418، والآلوسي (ت1270) في مختصر التحفة: 160 وتفسيره روح المعاني 5 :195 وكتابه الآخر النفحات القدسية: 117، وإنّما ركّزنا على الفخر الرازي لأنّه أسهب الكلام حول الموضوع في تفسيره وكتابه نهاية العقول، وبإبطال كلامه تبطل سائر الشبه أيضاً .
شواهد اُخر :
ومن الشواهد الاُخرى في مجيء مولى بمعنى أولى قوله تعالى: )وَلِكُلّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ...(([50])، أي من كان أولى بالميراث وأحق.
وكذلك قوله (ص): «أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها» أي بغير إذن من هو أولى بها وأحق .
ج ـ الاستعمال اللغوي :
ذكر أئمة اللغة عدّة معان لكلمة «مولى» أوصلها البعض إلى ثلاثين معنى من باب الاشتراك اللفظي ومن تلك المعاني الأولى، واستشهدوا لذلك ببيت لبيد :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه مــولى المخافـة خلفها وأمامها
معناه: أولى بالمخافة خلفها وأمامها .
وقد صرّح بذلك كل من معمر بن المثنى (ت210) في مجاز القرآن 2 :254، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت276) في غريب القرآن: 453 والزجاج (ت311) في معاني القرآن 5 :125، وابن الأنباري (ت328) في الزاهر في معاني كلمات الناس: 97، والجوهري (ت393) في الصحاح 6 :2529، والثعلبي (ت427) في الكشف والبيان 9 :239، والزمخشري (ت538) في الكشاف 5 :64، والبيضاوي (ت791) في أنوار التنزيل 5 :187، وغيرهم الكثير ممن صرّح بذلك .
طبعاً نحن لا ندّعي أنّ كلّ من أورد هذا البيت من أئمّة اللغة والتفسير فسّر المولى فيه بالأولى، وعليه فلا يرد علينا ما أورده الفخر الرازي([51]) من أنّ الأصمعي ذهب إلى خلاف هذا حيث نُقل عنه قولان في تفسير بيت لبيد ليس (الأولى) منها، مضافاً إلى أنّ الرازي نفسه قد طعن في الأصمعي في كتابه المحصول حيث قال: «الأصمعي كان منسوباً إلى الخلاعة ومشهوراً بأنّه كان يزيد في اللغة ما لم يكن منها» ([52]) ولكن يتمسّك بقوله هنا ويناقض نفسه .
واستشهدوا أيضاً لمجيء مولى بمعنى أولى بما قاله الأخطل في حق عبد الملك بن مروان :
فمـا وجــدت فيهــا قـريش لأمرها
أعفّ وأوفى مـن أبيـك وأمجــدا
فـأورى بزنديـه ولـو كــان غيره
غداة اختلاف الناس أكدى وأصلدا
فأصبحت مـولاها مـن الناس كلّهم
وأحــرى قـريش أن تُهـاب وتُحمـدا
فخاطبه بلفظ مولى وهو خليفة مطاع الأمر، فإنّه ذكر أباه وأنّ قريشاً لم تجد غيره أولى بالخلافة، ثم تطرّق إلى عبد الملك وذكر أنّه أصبح بعد أبيه هو المولى والخليفة وأحق مَن يُهاب ويُحمد.
ثم إنّ أمثال حسان بن ثابت، وقيس بن سعد، والكميت بن زيد الأسدي فهموا من المولى في حديث الغدير معنى الإمامة والأولوية بالتصرّف، قال حسان بعد واقعة الغدير مباشرة:
يناديهم يوم الغدير نبيّهم
بخمّ وأسمع بالرسول مناديا
فقال ومن مولاكم ووليكم
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
الهك مولانا وأنت نبيّنا
فلن تجدن منّا لك اليوم عاصيا
فقال له قم يا علي فإنّني
رضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليّه
فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم وال وليّه
وكن للّذي عادى علياً معاديا
فقال له النبي (ص): «لاتزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» فلولا أنّ النبي عليه وآله السلام أراد بما ذكره في ذلك المقام النص على إمامة أمير المؤمنين (ع) على حسب ما صرّح به حسّان في هذا المقال، لما دعا له النبي (ص) بالتأييد ومدحه من أجله وأثنى عليه، ولو كان عليه وآله السلام عني غيره من أقسام المولى، لأنكر على حسان ولم يقرّه على ما اعتقده فيه وبيّن له غلطه فيما حكاه، لأنّه محال مع نصب الله تعالى نبيه للبيان أن يشهد بصحّة الباطل ... وفي شهادته (ع)بصدق حسّان فيما حكاه، ونظمه الكلام بمدحه عليه، ودعائه له بالتأييد من أجله دليل على صحّة ما ذكرناه، وشاهد على أنّ المولى عبارة في اللغة عن الإمام لفهم حسّان والجماعة ذلك منها([53]) .
وقال قيس بن سعد بن عبادة :
وعلي إمامنا وإمام لسـ
ـوانا أتى به التنزيل
يوم قال النبي من كنت مولا
ه فهذا مولاه خطب جليل
إنّ ما قاله النبي على الاُمّة
حتم ما فيه قال وقيل
وفي هذا الشعر دليلان:
أحدهما: إنّ المولى يتضمّن الإمامة عند أهل اللسان، للاتفاق على فصاحة قيس، وأنّه لا يجوز أن يعبّرعن معنى ما لا يقع عليه من اللفظ عند أهل الفصاحة لاسيّما في النظم الذي يعتمد صاحبه فيه الفصاحة والبيان .
والثاني: إقرار أمير المؤمنين (ع) قيسا وترك نكيره وهو ينشد بحضرته ويشهد بالإمامة له ويحتج به على الأعداء، وأمير المؤمنين (ع) ممّن لا يقرّ على باطل ولا يمسك عن الإنكار، لاسيّما مع ارتفاع التقية عنه وتمكّنه من الإنكار([54]) .
وقال كميت بن زيد:
ويوم الدوح دوح غدير خم
أبان له الولاية لو اُطيعا
ولكن الرجال تبايعوها
فلم أر مثلها خطراً مبيعا
فأوجب له الإمامة بخبر الغدير، ووصفه بالرئاسة من جهة المولى، وليس يجوز على الكميت مع جلالته في اللغة والعربية وضع عبارة على معنى لم يوضع عليه قط في اللغة، ولا استعملها قبله فيه أحد من أهل العربية([55]) .
فإذا ثبت في الاستعمال اللغوي مجيء مولى بمعنى أولى، كان هو المتعيّن في معنى الحديث من بين سائر المعاني، قال السيد المرتضى (ت436) :
«قد علمنا أنّ النبي (ص) أوجب لأمير المؤمنين (ع)أمراً كان واجباً لا محالة، فيجب أن يعتبر ما يحتمله لفظة مولى من الأقسام، وما يصحّ منها كون النبي (ص) مختصاً به وما لا يصحّ، وما يجوز أن يوجب لغيره في تلك الحال وما لا يجوز، وما يحتمله لفظ مولى ينقسم إلى أقسام: منها ما لم يكن (ص)عليه، ومنها ما كان عليه ومعلوم لكلّ أحد أنّه (ع) لم يرده، ومنها ما كان عليه ومعلوم بالدليل أنّه لم يرده، ومنها ما كان حاصلاً له (ص) ويجب أن يريده لبطلان سائر الأقسام واستحالة خلوّ كلامه من معنى وفائدة .
فالقسم الأوّل هو المعتق والحليف، لأنّ الحليف هو الذي ينضم إلى قبيلة أو عشيرة فيحالفها على نصرته والدفاع عنه، فيكون منتسباً إليها متعزّزاً بها، ولم يكن النبي (ص) حليفاً لأحد على هذا الوجه .
والقسم الثاني ينقسم على قسمين: أحدهما معلوم أنّه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتق والمالك والجار والصهر والحليف والإمام إذا عُدّ من أقسام المولى، والآخر معلوم أنّه لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة وكان ظاهراً شائعاً وهو ابن العم .
القسم الثالث الذي يعلم بالدليل أنّه لم يرده وهو ولاية الدين والنصرة والمحبة أو ولاء المعتق، والدليل على أنّه (ص) لم يرد ذلك أنّ كل أحد يعلم من دينه(ص) وجوب تولّي المؤمنين ونصرتهم وقد نطق الكتاب به، وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي حكيت في تلك الحال ويعلمهم ما هم مضطرون إليه من دينه، وكذلك هم يعلمون أنّ ولاء العتق لبني العمّ قبل الشر يعة وبعدها، فلم يبق إلاّ القسم الرابع الذي كان حاصلاً له (ع) ويجب أن يريده، وهو الأولى بتدبير الاُمّة وأمرهم ونهيهم، وقد دلّلنا على أنّ من كان بهذه الصفة فهو الإمام المفترض الطاعة»([56]) .
وهناك طريقة اُخرى أشار إليها علماؤنا، وهي أنّ كلمة (مولى) لا تستعمل في أي موضع من المواضع إلاّ بمعنى الأولى([57])، لكنّه يفيد الأولى في كل موضع في شيء مخصوص بحسب ما يضاف إليه، فعليه يكون ابن العم مولى لأنّه أولى بالاتحاد والمعاضدة مع ابن عمّه، والمعتق مولى لأنّه أولى بأن يعرف جميل من أعتقه، والعبد مولى لأنّه أولى بالانقياد لمولاه، والمنعم عليه مولى لأنّه أولى بشكر منعمه، والناصر مولى لأنّه أولى بالنصرة، وهكذا باقي المعاني .
فثبت بما أسلفنا أنّ المولى في الحديث يكون بمعنى أولى بالتصرف وهو معنى الإمامة، ولكن بقي هنا ما ذكره الفخر الرازي (ت606) في مقام الردّ على استدلال الشيعة حيث قال: «لا نسلّم أنّ لفظة المولى محتملة للأولى، والدليل عليه أمران: أوّلهما: أنّ (أفعل مِنْ) موضوع ليدلّ على معنى التفضيل، ومفعل موضوع ليدلّ على الحدثان أو الزمان أو المكان، ولم يذكر أحد من أئمة النحو واللغة أنّ مفعلاً قد يكون بمعنى أفعل التفضيل، وذلك يوجب امتناع إفادة المولى بمعنى الأولى . وثانيهما: إنّ المولى لو كان يجيء بمعنى الأولى لصحّ أن يقرن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر، لكنّه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى .
بيان الشرطيّة: إنّ تصرّف الواضع ليس إلاّ في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأمّا ضمّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض بعد صيرورة كلّ واحد منها موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمر عقلي، مثلاً إذا قلنا الإنسان حيوان، فإفادة لفظة الإنسان للحقيقة المخصوصة بالوضع وإفادة لفظة الحيوان للحقيقة المخصوصة أيضاً بالوضع، فأمّا نسبة الحيوان إلى الإنسان بعد المساعدة على كون كلّ واحد من هذين اللفظين موضوعاً للمعنى المخصوص فذلك بالعقل لا بالوضع، وإذا ثبت ذلك فلفظة الأولى إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظ (مِن) موضوعة لمعنى آخر، فصحّة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل، وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة الأولى بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة المولى، والعقل حكم بصحّة اقتران المفهوم من لفظة (مِن) بالمفهوم من لفظة الأولى، فوجب صحة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة المولى، لأنّ صحة ذلك الاقتران ليست من اللفظتين بل من مفهوميهما، بيانه: إنّه ليس كل ما يصحّ دخوله على أحدهما صحّ دخوله على الآخر، إنّه لا يقال: هو مولى من فلان كما يقال هو أولى من فلان، ويصح أن يقال هو مولى وهما موليان ولا يصحّ أن يقال هو أولى بدون من وهما أوليان، وتقول هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد، وتقول هما أولى رجلين وهم أولى الرجال ولا تقول هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال، ويقال هو مولاه ومولاك ولا يقال هو أولاه ولا أولاك» ([58]) .
فنقول في الجواب :
أوّلاً: ذكر الرازي أنّ مفعل (مولى) موضوع ليدلّ على الحدث أو الزمان أو المكان، فحصر معانيه في هذه الثلاثة، ولو صحّ هذا لانتقض الأمر عليه بمعنى لزوم عدم جواز مجي مفعل بمعنى فاعل وفعيل أيضاً أي ناصر وحليف مع أنّه لا يقول بذلك، بل يذهب هو وغيره إلى أنّ معنى المولى هنا بمعنى الناصر والمحب . إذاً كلامه هذا لا يصح من أساسه.
ثانياً: قوله إنّ أحداً من أئمة اللغة والنحو لم يذكر مجيء مفعل بمعنى أفعل، يردّه ما مضى من تصريح أئمة اللغة والتفسير والحديث بمجيء مولى بمعنى أولى في قوله تعالى: )مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ(، ولو لم يكن إلاّ تصريح شخص واحد لكفى في نقض كلامه إذ أنّ نقيض السالبة الكلية: الموجبة الجزئية، كما هو المقرّر في محلّه . مضافاً إلى ما ذكره السيوطي في المزهر في معرفة الأفراد حيث قال لكفاية نقل واحد من أهل اللغة:
«وهو ما انفرد بروايته واحد من أهل اللغة ولم ينقله أحد غيره، وحكمه القبول إن كان المتفرّد به من أهل الضبط والاتقان» ([59]) .
ثالثاً: وردت كثير من الاستعمالات في اللغة على خلاف القياس، ولم يحكم أحد ببطلانها، فمن ذلك كلمة (عجاف) جمع أعجف في قوله تعالى: )يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ(([60])، فقد صرّح أئمة اللغة أنّ جمع أفعل لا يأتي على فعال إلاّ في هذا المورد، قال الجوهري في الصحاح في عجف: «والجمع عجاف على غير قياس لأنّ أفعل وفعلاء لا يجمع على فعال»، ومنها طوالق جمع طلقة حيث لم يأت فواعل جمع فعلة في غير هذا المورد، قال السيوطي: «لم يأت فعلة على فواعل إلاّ في حرف واحد :
ليلــة طلــقـة لا حــر فيهـا ولا قــر ولا ظلمـة وليــــال طوالـــق» ([61])
وكذلك أربعاء حيث لم يأت لفظ مفرداً على وزنه سواه، قال السيوطي نقلاً عن سيبويه: «وكذلك أفعلاء لم يأت إلاّ في الجمع نحو أصدقاء وأنصباء إلاّ حرف واحد لا يُعرف غيره وهو يوم الأربعاء» ([62]) .
وهذا كثير شائع مطرّد، وعليه فليكن مجيء مفعل بمعنى أفعل من هذا القبيل.
رابعاً: إنّ من يذكر الأولى في معاني المولى، وهم جماهير ممّن يُحتج بأقوالهم، لا يعنون أنّه صفة له حتى يُناقش بأنّ معنى التفضيل خارج عن مفاد (المولى) مزيد عليه فلا يتفقان، وإنّما يريدون أنّه اسم لذلك المعنى، إذن فلا شيء يفتّ في عضدهم([63]).
خامساً: قوله: «إنّ المولى لو كان يجيء بمعنى الأولى لصحّ أن يُقرن بأحدهما كل ما يصحّ قرنه بالآخر، لكنّه ليس كذلك ...» فنقول: لا نسلّم أنّ كل لفظة ترادف الاُخرى، يصحّ أن يُقترن بها ما يُقترن بالاُخرى، فإنّ صحّة الاقتران من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني([64]).
وهذا ما اعترف به الرازي نفسه في كتابه المحصول حيث قال بعدما استظهر لزوم صحّة إقامة كل واحد من المترادفين مقام الآخر: «والحق أنّ ذلك غير واجب، لأنّ صحة الضمّ قد تكون من عوارض الألفاظ، لأنّ المعنى الذي يُعبّر عنه في العربية بلفظ، يُعبّر عنه في الفارسية بلفظ آخر، فإذا قلت خرجت من الدار استقام الكلام، ولو أبدلت صيغة (من) وحدها بمرادفها من الفارسية لم يجز، فهذا الامتناع ما جاء من قبل المعاني بل من قبل الألفاظ، وإذا عقل ذلك في لغتين فلم لا يجوز في لغة واحدة» ([65]).
ومن الغريب أنّ الفخر الرازي يجعل هذا هو القول الحق، ويشير إليه في نهاية تقرير هذه الشبهة في كتابه نهاية العقول حيث يقول: «وهذا الوجه فيه نظر مذكور في كتاب المحصول» ([66]) . وقد رأيت ما قال في المحصول، ومع هذا يتمسّك هنا بتقرير هذه الشبهة بصفحتين مع تحشيد الأمثلة المتنوّعة الباطلة كلّها باعترافه، ثم يأتي من تبعه واحتذى حذوه من أذنابه، ويقرّرون هذه الشبهة ويجعلونها أساس ردّ مجيء مولى بمعنى أولى، ويرسلونها إرسال المسلّمات اللغوية، مع أنّ رئيسهم يعترف بنفسه في نهاية العقول بأنّ هذا الوجه فيه نظر، ويصرّح في المحصول أنّ الحق عدم لزوم ذلك . سبحان الله ليس للعمى دواء .
سادساً: إنّ صحّة اقتران أحد المترادفين مكان الآخر ـ لو فُرض صحّته ـ يكون فيما لو لم يمنع منه مانع من قياس أو استعمال وما شاكل، وهنا منع منه الاستعمال حيث أنّ أفعل التفضيل لا يصاحب من حروف الجر إلاّ حرف (مِن) خاصة، وعليه قيام أحد المترادفين مقام الآخر لا يكون على سبيل الكلية والعموم، فالمولى وإن كان مرادفاً للأولى، ولكن بما أنّ الاستعمال يمنع من مقارنة حرف (من) بالمولى، لذا لا يقال: «مولى من فلان» كما يقال: «أولى من فلان»، وهذا كلّه راجع إلى الاستعمال، وأمثاله في اللغة كثير .
قال الرضي الاسترآبادي في شرح الكافية: «لا يتوهّم أنّ بين (علمت) و(عرفت) فرقاً من حيث المعنى كما قال بعضهم، فإنّ معنى علمت أنّ زيداً قائم، وعرفت أنّ زيداً قائم واحد، إلاّ أنّ (عرف) لا ينصب جزئي الإسميّة كما ينصبها (علم) لا لفرق معنوي بينهما بل هو موكول إلى اختيار العرب، فإنّهم قد يخصّون أحد المستاويين في المعنى بحكم لفظي دون الآخر» ([67]).
كما أنّ الصلاة والدعاء بمعنى واحد ولكن يقال: صلّى عليه ودعا له، ولا يقال دعا عليه، وكذلك العلم والمعرفة مترادفان مع أنّ العلم يتعدّى إلى مفعولين دون المعرفة، وكذا يقال: إنّك عالم ولا يقال: إنّ أنت عالم، وكما يقال: بصر بي ونظر إليّ ولا يقال: نظر بي، وكذلك يقال رأيته ولا يقال نظرته، مع ترادف النظر والرؤية والبصر بعضها مع بعض، كلّ ذلك لأجل الاستعمال .
سابعاً: جَعل الرازي صحة الاقتران ونسبة المفاهيم إلى بعض في تراكيب الجمل إلى العقل لا الوضع، وهذا كلام ذو وجهين يكون صحيحاً من وجه وخطأ من وجه آخر، أمّا الصحيح فهو لزوم التناسب والتناسق المفهومي بين تراكيب الجمل عقلاً بمعنى عدم صحة الاقتران بين جملتين متناقضتين، فعليه يصحّ الإنسان حيوان ولا يصحّ: الإنسان حجر عقلاً، أمّا الوجه الآخر الذي حاول الرازي إثباته عبثاً باطل، إذ أنّ عدم الاستعمال لأحد المرادفين مكان الآخر لا دخل له بالعقل بل هو تابع إلى الاستعمال ـ كما مرّ ـ وإلاّ فلا استحالة عقلية في قولك: هو مولى من فلان أو هو أولى وهما أوليان، أو هو أولى الرجل وأولى زيد .
مع أنّ هذا ـ أي قوله أولى الرجل ـ قد استعمل في لسان الروايات، ففي صحيح البخاري وغيره من الصحاح والمسانيد عن ابن عباس عن رسول الله (ص): «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» ([68]) .
قال العيني في شرحه: «وفي التلويح: قوله (فهو لأولى رجل) يريد إذا كان في الذكور من هو أولى من صاحبه بقرب أو بطن، فأمّا إذا استووا في التعدّد وأدلوا بالإناث والاُمهات معاً كالأخوة وشبههم، فلم يُقصدوا بهذا الحديث لأنهّ ليس في البنين من هو أولى منهم ...» ([69]) .
وكذلك لا يصحّ كلام الرازي حيث قال: «ولا تقول هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال» إذ لا استحالة عقليّة في ذلك كما قلنا، ويؤيّد عدم الاستحالة العقلية صحة هذا الإطلاق في اللغة الفارسية حيث يقال: «فلان دو شخص مولاي فلان دو شخص أند، وآن چند شخص مولاي چند شخص فلا نند» إذ لو كانت الاستحالة عقلية لزم عدم صحة هذا الإطلاق([70]) .
د ـ التفريع:
ونقصد به ترتّب الجملة الثانية: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» على الجملة الأولى: «ألست أولى بكم من أنفسكم» وابتناءها عليها من حيث المعنى والدلالة، وقد ابتنى استدلال علمائنا بهذا الحديث على هذا النحو من التقرير .
قال الشيخ الصدوق (ت381): «فدلّ ذلك (أي صدر الحديث) على أنّ معنى «مولاه» هو أنّه أولى بهم من أنفسهم ; لأنّ المشهور في اللغة والعرف أنّ الرجل إذا قال لرجل: إنّك أولى بي من نفسي، فقد جعله مطاعاً آمراً عليه ولا يجوز أن يعصيه، وأنّا لو أخذنا بيعة على رجل، وأقرّ بأنّا أولى به من نفسه، لم يكن له أن يخالفنا في شيء ممّا نأمره به، لأنّه إن خالفنا بطل معنى إقراره بأنّاّ أولى به من نفسه، ولأنّ العرب أيضاً إذا أمر منهم إنسان إنساناً بشيء وأخذه بالعمل به وكان له أن يعصيه فعصاه قال له: يا هذا أنا أولى بنفسي منك، إنّ لي أن أفعل بها ما اُريد وليس ذلك لك منّي، فإذا كان قول الإنسان: «أنا أولى بنفسي منك» يوجب له أن يفعل بنفسه ما يشاء إذا كان في الحقيقة أولى بنفسه من غيره، وجب لمن هو أولى بنفسه منه أن يفعل به ما يشاء ولا يكون له أن يخالفه ولا يعصيه، إذا كان ذلك كذلك ثم قال النبي (ص): «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» فأقرّوا له بذلك، ثم قال متبعاً لقوله الأوّل بلا فصل: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» فقد علم أنّ قوله: «مولاه» عبارة عن المعنى الذي أقرّوا له بأنّه أولى بهم من أنفسهم ...» ([71]) .
وأضاف قائلاً: «ونظير قول النبي (ص): «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» فلمّا أقرّوا له بذلك قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» قول رجل لجماعة: أليس هذا المتاع بيني وبينكم نبيعه والربح بيننا نصفان والوضعية كذلك ؟ فقالوا له: نعم، قال: فمن كنت شريكه فزيد شريكه . فقد أعلم أنّ ما عناه بقوله: فمن كنت شريكه، أنّه انّما عنى به المعنى الذي قرّرهم به بدءاً من بيع المتاع واقتسام الربح والوضيعة، ثم جعل ذلك المعنى الذي هو الشركة لزيد بقوله: فزيد شريكه، وكذلك قول النبي (ص): «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم» وإقرارهم له بذلك ثم قوله (ص): «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» إنّما هو إعلام أنّه عنى بقوله المعنى الذي أقرّوا به بدءاً، وكذلك جعله لعلي (ع) بقوله: «فعلي مولاه» كما جعل ذلك الرجل الشركة لزيد بقوله: فزيد شريكه، ولا فرق في ذلك» ([72]) .
وزاد البيان وضوحاً بعد صفحات وكرّره قائلاً: «والعلّة في ذلك أنّ الشركة عبارة عن معنى قول القائل: «هذا المتاع بيننا نقسم الربح والوضعية» فلذلك صحّ بعد قول القائل: «فمن كنت شريكه فزيد شريكه» وكذلك صحّ بعد قول النبي(ص): ألست أولى بكم من أنفسكم «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» لأنّ مولاه عبارة عن قوله: «ألست أولى بكم من أنفسكم» وإلاّ فمتى لم تكن اللفظة التي جاءت مع إلغاء الاُولى عبارة عن المعنى الأوّل لم يكن الكلام منتظماً أبداً ولا مفهوماً ولا صواباً، بل يكون داخلاً في الهذيان، ومن أضاف ذلك إلى رسول الله (ص) كفر بالله العظيم، وإذا كانت لفظة «فمن كنت مولاه» تدلّ على من كنت أولى به من نفسه على ما أرينا، وقد جعلها بعينها لعلي (ع)فقد جعل أن يكون علي (ع) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وذلك هو الطاعة لعلي (ع)» ([73]) .
واستدلّ الشيخ المفيد (ت413) بنحو آخر حيث قال: «فقرّرهم (ص) على فرض طاعته عليهم بصريح الكلام، ثم عطف على اللفظ الخاص بما ينطوي على معناه، وجاء فيه بحرف العطف من الفاء التي لا يبتدأ بها الكلام، فدلّ ذلك على أنّه الأولى دون ما سواه، لما ثبت من حكمته عليه وآله السلام وأراد به البيان، إذ لو لم يرد ذلك وأراد ما عداه، لكان مستأنفاً لمقال لا تعلّق له بالمتقدّم جاعلاً لحرف العطف حرف الاستيناف، وهذا ما لا يقع إلاّ من أحد نفسين: أحدهما جاهل باللغة والكلام، والآخر قاصد إلى التعمية والإلغاز، ورسول الله (ص) يجلّ عن الوصفين وينزّه عن النقص في الصفات .
وشيء آخر: لا يخلو رسول الله (ص) فيما يلفظ به من عبارة (مولى) من وجهين لا ثالث لهما على البيان، إما أن يكون مراده فيه المعنى الذي قرّر به الأنام من فرض الطاعة على ما ذكرناه، أو يكون أراد غيره من الأقسام . فإن كان مراده من ذلك فرض طاعته على الأنام، فهو الذي نذهب إليه وقد صحّت الإمامة لأمير المؤمنين (ع) . وإن كان مراده سواه من الأقسام، فقد عبّر عن مراده بكلام يحتمل خلاف ما أراد، وليس في العقل دليل على ما أراد، وهذا ما لا يقع إلاّ من جاهل ناقص عاجز عن البيان أو متعمّد لإضلال المخاطبين عن الغرض وعدوله عن الأفهام، وقد أجلّ الله نبيّه عن هذين القسمين وأشباههما من النقص عن الكمال» ([74]) .
واستدلّ السيد المرتضى (ت436) بنحو هذا حيث قال: «الوجه المعتمد في الاستدلال بخبر الغدير على النص، هو ما نرتبه فنقول: إنّ النبي (ص) استخرج من اُمّته بذلك المقام الاقرار بفرض طاعته، ووجوب التصرّف بين أمره ونهيه بقوله (ص): «ألست أولى منكم بأنفسكم» وهذا القول وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام فالمراد به التقرير، وهو جار مجرى قوله تعالى: )أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ( فلمّا أجابوه بالاعتراف والإقرار رفع بيد أمير المؤمنين (ع) وقال عاطفاً على ما تقدّم: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه» ... فأتى (ع) بجملة يحتمل لفظها معنى الجملة الاُولى التي قدّمها وإن كان محتملاً لغيره، فوجب أن يريد بها المعنى المتقدّم الذي قرّرهم به على مقتضى استعمال أهل اللغة وعرفهم في خطابهم، وإذا ثبت أنّه (ص) أراد ما ذكرناه من إيجابه كون أمير المؤمنين (ع) أولى بالإمامة من أنفسهم، فقد أوجب له الإمامة، لأنّه لا يكون أولى بهم من أنفسهم إلاّ فيما يقتضي فرض طاعته عليهم ونفوذ أمره ونهيه فيهم، ولن يكون كذلك إلاّ من كان إماماً» ([75]) .
ثم قال: «وأمّا الذي يدلّ على أنّ المراد بلفظة مولى في خبر الغدير الأولى، فهو أنّ من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرّحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدّم التصريح به ولغيره، لم يجز أن يريدوا بالمحتمل إلاّ المعنى الأوّل، يبيّن صحة ما ذكرناه أنّ أحدهم إذا قال مقبلاً على جماعة ومفهماً لهم وله عدّة عبيد: ألستم عارفين بعبدي فلان ؟ ثم قال عاطفاً على كلامه: فاشهدوا أنّ عبدي حرّ لوجه الله تعالى، لم يجز أن يريد بقوله: عبدي، بعد أن قدّم ما قدّمه إلاّ العبد الذي سمّاه في أوّل كلامه دون غيره من سائر عبيده، ومتى أراد سواه كان عندهم ملغّزاً خارجاً عن طريقة البيان، ويجري قوله :فاشهدوا أنّ عبدي حرّ، عند جميع أهل اللسان مجرى قوله: فاشهدوا أنّ عبدي فلاناً حرّ إذا كرّر مجرى تسميته وتعيينه، وهذه حال كل لفظ محتمل عطف على لفظ مفسّر على الوجه الذي صوّرناه» ([76]) .
ولتقريب الفكرة يمكن أن نضرب مثالاً آخر، وهو أن يقال: إنّ لفظة الغدير تطلق على عدّة معان مختلفة ومتباينة ـ كلفظة المولى ـ فإنّها تُطلق على الماء المستجمع في مكان، وعلى السيف، وعلى القطعة من النبات، وعلى التخلّف عن مكان، فلو قال القائل: ألستم تعرفون مستجمع الماء الذي شربنا منه ؟ فلمّا قالوا: بلى، قال عقيبه: فمن رأى الغدير فليتزوّد منه، فإنّه لا ينصرف معنى الغدير إلى غير الغدير الذي هو مستجمع الماء من سائر المعاني، سيّما إذا اقترن الكلام بقرائن حالية ومقالية تدلّ على إرادة غدير الماء، وكذلك فيما نحن فيه من حديث الغدير من دون فرق، حيث تحمل لفظة المولى على معنى الأولى التي هي من معانيها والتي سبقتها بالكلام ، والتي تفرّعت عليها بفاء التفريع .
وذهب أبو الصلاح الحلبي (ت447) إلى أنّ استخدام أسلوب تقديم البيان على الإجمال أبلغ في الخطاب، حيث قال: «اتفاق العلماء بالخطاب على أنّ تقديم البيان على المجمل وطريق المخاطبين على المراد به أبلغ في الإفهام من تأخيره، يوضح ذلك أنّ مواضعة المكلِّف سبحانه على معنى صلاة وزكاة قبل الخطاب بهما أبلغ في البيان من تأخير ذلك عليه، وأنّ قول القائل لمن يريد إفهامه: ألست عارفاً بأخي زيد الفقيه وداري الظاهرة بمحلّة كذا ؟ فإذا قال بلى، قال: فإنّ أخي ارتد وداري احترقت، أبلغ في الإبانة عن مراده من تأخير هذا البيان عن قوله: ارتد أخي واحترقت داري، لوقوع العلم بمقصوده مع الخطاب الأوّل في الحال وتراخيه مع الثاني، ولاختلاف العلماء فيما يتأخّر بيانه وهل هو بيان له أم لا ؟ واتفاقهم على كون ما تقدّم بيانه مفيداً للعلم بالمراد حين يسمع المجمل .
وإذا تقرّر هذا وكنّا وخصومنا وكلّ عارف بأحكام الخطاب متفقين على أنّه صلوات الله عليه وآله لو قال بعد قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» أردت بمولى أولى، لم يحسن الشك في إرادته بلفظة مولى أولى، ولم يستحق المخالف فيه جواباً إلاّ التنبيه على غفلته، فتقديمه صلوات الله عليه وآله التقرير على الأوّل وإتيانه بعده بالمجمل أبلغ في بيان مراده من التقرير الأوّل على ما أوضحناه من ذلك، وليس لأحد عرف الخطاب بأن يقول: دلّوا على أنّ الكلام الثاني مبني على الأوّل وأنّ الأوّل بيان له ; لأنّ دخول الفاء المختصّة بالتعقيب في الكلام الثاني يوجب تعلّقه بالأوّل على أخصّ الوجوه، وتعلّقه به مع احتماله ـ لو انفرد ـ له ولغيره من المعاني دليل على كونه بياناً له، لأنّ قوله (ص): «فمن كنت مولاه» متعلّق بقوله: «ألست أولى بكم» بمقتضى العطف، وتعلّقه به يقتضي إرادة مولى، لترتبه عليه وكونه بياناً له، وقوله (ع)إثر ذلك: «فعلي مولاه» جار هذا المجرى، فيجب إلحاقه به والحكم له بمقتضاه» ([77]) .
هـ ـ خلوّ الكلام من الفائدة :
من الاُمور التي نستدلّ بها على مجيء المولى بمعنى الأولى بالتصرف والإمامة، خلوّ كلام رسول الله (ص) من الفائدة لو أراد المعاني الاُخر التي تحتملها لفظة (المولى) . وذلك لأنّ بعض المعاني لم يردها رسول الله (ص) ـ كما مرّ ـ من قبيل ابن العم والحليف والجار، والباقي كالنصرة والمحبة والموالاة لا داعي لذكرها في ذلك المحفل العظيم وبتلك الهيئة ـ كما مرّ ـ، وقد سبق من رسول الله (ص) فيما مضى التأكيد عليها مراراً وتكراراً، إمّا على نحو العموم مثل قوله تعالى: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض(([78]) وما شاكل من عمومات القرآن والسنة الحاثّة على لزوم التوادد والتحابب بين المؤمنين، وإمّا على نحو الخصوص مثل قوله (ص) كما رواه علي (ع)حيث قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنّه لعهد النبي الاُمّي (ع) أن لا يحبّني إلاّ مؤمن، ولايبغضني إلاّ منافق» ([79]) . أو ما قاله(ص) لفاطمة 3 وانتشر بين الأنام: «أو ما ترضين أنيّ زوّجتك أقدم اُمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً» ([80]) .
أو ما ورد عنه (ص) في قصة فتح خيبر من قوله: «لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فبات الناس ليلتهم أيّهم يُعطى فغدوا كلّهم يرجوه، فقال: أين علي ...» ([81]) وكان ذلك في السنة السابعة للهجرة .
أو ما ورد في حديث الطير من قوله (ص): «اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطائر» ([82]) .
أو ما ورد في حديث المنزلة من قوله (ص): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي» ([83]) وكان هذا في السنة التاسعة للهجرة .
ولمّا اعترض معاوية على سعد بن أبي وقاص بعدم سبّ عليّ (ع) قال سعد: «أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله (ص) فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحب إليّ من حمر النعم» ([84]) فذكر حديث المنزلة، وحديث الراية يوم خيبر، وآية المباهلة .
إلى غيرها من الروايات الخاصّة المنتشرة بين الناس في فضائل ومناقب أمير المؤمنين (ع) ولزوم محبّته ومودّته ممّا لم يبق مجال للشك فيها ; ولذلك قال أحمد بن حنبل، وإسماعيل القاضي، وأبو علي النيسابوري: «لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ما جاء في علي» ([85]) .
وفي لفظ آخر لأحمد بن حنبل: «ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن عليّ بن أبي طالب» ([86]) .
فهذه كلّها كانت على عهد رسول الله (ص) وبمرأى ومسمع الصحابة ممّا لا يبقى مجال لأدنى شك في لزوم نصرة أمير المؤمنين (ع) ومحبته ومودّته، وهذا كان واضحاً جليّاً للصحابة المحدقين بالنبي (ص) أجمع، وغيرهم الذين كانت تصل إليهم أخبار المدينة دوماً .
وعليه فلا مجال لحمل كلام النبي (ص) يوم الغدير على ما كرّره وأوضحه سابقاً مراراً وتكراراً بما لا مزيد عليه، نعم إنّه (ص) أراد بيان شيء جديد وهو تبليغ إمامة أمير المؤمنين (ع)، وسيأتيك مزيد بيان في قسم ردّ الشبهات، عند مناقشة مفاد الحديث عند أهل السنة، فانتظره .
أما ما ذكره الرازي: «إن سلّمنا أنّه لا يكون في ذلك فائدة جديدة، ولكن لم لا يجوز ذلك ؟ أليس أنّ الشيعة يقولون إمامة علي (ع) كانت ثابتة بالنصوص الجليّة من الكتاب والسنة، فإذا جاز ـ بعد سبق العلم بإمامته بالنصوص الجليّة ـ جمع الجموع لاثبات إمامته بهذا النص الخفي جداً، فلأن يجوز ذلك أيضاً فيما قلناه كان أولى» ([87]).
فجوابه: إنّ أمر الإمامة التي هي زعامة الدين والدنيا لا تقاس بأمر الفضائل والمناقب، إذ أنّه يلزم تبليغ الأولى إلى أكبر عدد ممكن وفي مناسبات مختلفة وبألفاظ متفاوتة، بخلاف أمر الفضائل حيث لا يوجد فيها هكذا إلزام، بل ترد في موردها الخاص ولا تحتاج إلى تكرار وتذكار، ولا ضير لو فاتت عن الكثير بخلاف أمر الإمامة، ولذا نرى اهتمام النبي (ص) لها منذ البداية حيث حديث الإنذار وإلى النهاية حيث حديث الدواة والكتف، ولذا قلنا أنّ المراد من حديث الغدير لو كان مجرد النصرة والمحبة، ما كان يقتضي الأمر جمع الناس بتلك الحالة والصفة وبذلك المكان .
قال السيد دلدار علي (ره) (ت1235) في ردّ الرازي: «لا يخفى على كلّ عاقل عظمة أمر الإمامة وكون الشخص نائباً مناب النبي (ص) وبمنزلته، فيليق أن يهتم كل اهتمام لتمشية ذلك، لاسيّما إذا كانت همّ الحاضرين مصروفة على خلاف مراد النبي (ص)، ومن جملة ذلك التوكيد لتقرير الأمر وتكريره مرّات عديدة بأنواع مختلفة، ألا ترى أنّ نبوّة نبيّنا (ص) كان يكفي في ثبوتها بشارة الأنبياء السابقة، لكن جلالة الأمر وإفحام المعاندين اقتضت إقامة الأدلّة العديدة من كون القرآن معجزاً بل كل سورة منه، وهكذا المعجزات الاُخر التي كانت تظهر تدريجاً على حسب اقتراح المنكرين ونحو ذلك، فحينئذ نقول: إنّ إمامة علي بن أبي طالب(ع) وإن كانت ثابتة قبل يوم الغدير، لكن جلالة القدر اقتضت توكيد ذلك، لاسيّما نظراً إلى أنّ النصوص الاُخر وإن كان العالمون بها بالغين مبلغ من تقوم بهم الحجة، لكن لم يكن الخلق الكثير عالمين بها، وكان المشككون فيها من حيث صيرورتها منسوخة أو بعدم وجودها رأساً، وبتأويل معناها متوافرين، فناسب أن ينص النبي (ص) على خلافته في قرب الوفاة في مثل ذلك المجمع العظيم والزمان والمكان» ([88]) .
3 ـ «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله»:
هذا هو الشق الأخير لحديث الغدير، ويتضمّن الدعاء لكلّ من والى علياً ونصره، كما يتضمّن الدعاء على من عاداه وخذله، وأهل السنة كعادتهم في التشكيك السندي والدلالي بكلّ ما تتمسّك به الشيعة لاثبات إمامة أمير المؤمنين (ع)، شكّكوا في صحة هذه الزيادة تارة، وفي دلالتها تارة أخرى بعد العجز عن تضعيفها.
إنّ أوّل من حاول التشكيك في هذا الدعاء ـ بحسب ما عثرنا عليه ـ هو الجاحظ (ت255) حيث قال في العثمانية: «إنّ الذين نقلوا أنّ النبي (ص) قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» لم ينقلوا معه في الحديث: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» وإنّما سمعنا هذه الزيادة من الشيع، ولم نجد له أصلاً في الحديث المحمول»([89]) .
ثم لم نسمع تشكيكاً في هذه الفقرة من الحديث إلى أن جاء دور ابن تيمية (ت728) فشمّر ساعديه لإبطال هذا الدعاء في عدّة من كتبه، قال في منهاج السنة: «لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي (ص) أنّه قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وأما الزيادة وهي قوله: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» الخ، فلا ريب أنّه كذب . ونقل الأثرم في سننه عن أحمد أنّ العباس سأله عن حسين الأشقر، وأنّه حدث بحديثين، أحدهما قوله لعليّ: إنّك ستعرض على البراءة منّي فلا تبرأ . والآخر: اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه، فأنكره أبو عبد الله جداً، ولم يشك أنّ هذين كذب» ([90]) .
وقال أيضاً: «الوجه الخامس: إنّ هذا اللفظ وهو قوله: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث . الوجه السادس: إنّ دعاء النبي (ص) مجاب . وهذا الدعاء ليس بمجاب، فعُلم أنّه ليس من دعاء النبي (ص)، فإنّه من المعلوم أنّه لما تولّى كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف قاتلوه، وصنف قعدوا عن هذا وهذا، وأكثر السابقين الأولين كانوا من القعود ... ثم إنّ الذين قاتلوه لم يخذلوا بل ما زالوا منصورين يفتحون البلاد ويقتلون الكفّار ... والعسكر الذين قاتلوا مع معاوية ما خذلوا قط، بل ولا في قتال علي . فكيف يكون النبي (ص) قال: «اللهم اخذل من خذله وانصر من نصره» ]والذين قاتلوامعه لم ينصروا على هؤلاء بل الشيعة الذين يزعمون أنّهم مختصّون بعلي ما زالوا مخذولين مقهورين لا يُنصرون إلاّ مع غيرهم إما مسلمين وإما كفار، وهم يدّعون أنّهم أنصاره[ فأين نصر الله لمن نصره ؟ وهذا وغيره ممّا يبيّن كذب هذا الحديث» ([91]) .
وقال في مجموع الفتاوى: «وأما قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه» الخ، فهذا ليس في شيء من الاُمّهات إلاّ في الترمذي، وليس فيه إلاّ «من كنت مولاه فعلي مولاه» وأمّا الزيادة فليست في الحديث، وسئل عنها الإمام أحمد فقال: زيادة كوفية .
ولا ريب أنّها كذب لوجوه: ... قوله: «اللهم انصر من نصره» الخ، خلاف الواقع، قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا، وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا، كسعد الذي فتح العراق لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية وبني اُمّية الذين قاتلوه فتحوا كثيراً من بلاد الكفار ونصرهم الله . وكذلك قوله: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» مخالف لأصل الإسلام، فإنّ القرآن قد بيّن أنّ المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي بعضهم على بعض» ([92]).
وقد تبع ابن تيمية من جاء بعده من أتباع المدرسة السلفية أمثال: المقدسي (ت888) في: رسالة في الرد على الرافضة: 217، والزعبي في البينات في ردّ أباطيل المراجعات 2 :152، والقفاري في أصول مذهب الشيعة 3 :309ـ310، والعسّال في الشيعة الاثني عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن: 423، وفيصل نور في الإمامة والنص: 566 وغيرهم .
ونقول في الجواب:
أولاً: الشطر الأوّل من هذا الدعاء: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» مروي بطرق مختلفة، فقد رواه أحمد في المسند 1 :114، وابن ماجة في السنن 1 :43 ح116، والنسائي في فضائل الصحابة: 15، والحاكم في المستدرك 3 :109 وصحّحه، والطبراني في المعجم الأوسط 2 :275 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 9 :106 ; ورجال الأوسط وثّقوا، وابن أبي شيبة في المصنف 7 :499، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 14 :231، وخرّج الزيلعي طرقه في تخريج الأحاديث والآثار 2 :235، وغيرهم.
أما الشق الثاني: «وانصر من نصره، واخذل من خذله»، فقد رواه أحمد في مسنده 1 :119، والطبراني في المعجم الكبير 4 :17، 5 :192 عنه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 :106 وقال: رواه الطبراني ورجاله وثقوا، والنسائي في السنن الكبرى 6 :136، وابن الأثير في أسد الغابة 3 :307، وابن كثير في البداية والنهاية 5 :230 وقال: وكذلك رواه شعبة عن أبي إسحاق، وهذا إسناد جيّد، كما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 :105 عن البزار وقال: رجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة.
ثانياً: قد صرّح أعلام القوم بصحّة هذه الزيادة، فقد روى أبو بكر بن عربي (ت543) حديث الغدير مع الدعاء ثم قال: «أمّا قوله: (وال من والاه) فكلام صحيح ودعوة مجابة وما يُعلم أحد عاداه إلاّ الرافضة ...» ([93]). فهو يعترف بصحّته وإن حاول من خلاله الطعن على الشيعة.
وكذلك نقل ابن كثير (ت774) تصحيح الذهبي لهذه الزيادة حيث قال: «أمّا: «اللهم وال من والاه» فزيادة قوية الإسناد» ([94]).
قال ابن حجر الهيتمي (ت973) في الصواعق المحرقة: «وقول بعضهم إنّ زيادة (اللهم وال من والاه ...) موضوعة مردود، فقد ورد ذلك من طرق صحّح الذهبي كثيراً منها» ([95]).
قال العجلوني (ت1162): «من كنت مولاه فعلي مولاه» رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة بلفظ: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» فالحديث متواتر أو مشهور» ([96]).
وأخيراً قال الألباني (ت1420): «إنّ حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأوّل منه متواتر عنه (ص) كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، أما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي (ع): «وانصر من نصره واخذل من خذله» ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنّه رواية بالمعنى للشطر الآخر ... إذا عرفت هذا فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب، وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها، ويدقّق النظر فيها» ([97]).
ويلاحظ على تضعيفه للشطر الثاني أنّ الهيثمي (ت807) في مجمع الزوائد 9 :104 رواه عن البزار وقال: رجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة، مضافاً إلى أنّه ثابت ومتواتر من الشيعة وهذا ما يكفينا.
ثالثاً: السبب المساعد لتشكيك المشككين أنّ الرواة أهملوا بدواعي مختلفة الشطر الثاني من ذيل الحديث، فالراوي كان يأخذ من الحديث ويترك بحسب الحاجة واقتضاء المقام أو النسيان، أو اُمور اُخرى سياسية أو اجتماعية، فهذا زيد بن أرقم يروي حديث الغدير مصطحباً بالدعاء الوارد بعده كما هو في مسند أحمد([98])، والمعجم الأوسط للطبراني([99])، والسنن الكبرى للنسائي وفيه: «ما كان في الدوحات رجل إلاّ رآه بعينه وسمعه باُذنه» ([100]).
ثم نراه فيما بعد يبتر الدعاء ولم يروه، ففي مسند أحمد عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ ختناً لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي (ع) يوم غدير خم، فأنا أحبّ أن أسمعه منك، فقال: إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك منّي بأس، فقال: نعم، كنّا بالجحفة فخرج رسول الله (ص) إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي فقال: أيها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى المؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه . قال: فقلت له: هل قال «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ؟ قال: إنّما أخبرك كما سمعت([101]) . فهو هنا لم يرو الذيل بأسباب ودواع خفيت علينا، وكم كان للسياسة دور في بتر الأحاديث وتقليبها !!
رابعاً: أمّا ما ذكره ابن تيمية عن الأثرم وموّه تكذيب أحمد بن حنبل لذيل حديث الغدير، فصورته الصحيحة كما وردت عند العقيلي (ت322) وابن حجر (ت852) في ترجمة الحسين بن الحسن الأشقر، هكذا: «حدّثنا إبراهيم بن عبد الوهاب، حدّثنا أحمد بن محمد هانئ الأثرم، قال: قلت لأبي عبد الله (أحمد بن حنبل): حسين الأشقر تحدّث عنه ؟ قال: لم يكن عندي ممّن يكذب في الحديث، وذُكر عنه التشيع . فقال له العباس بن عبد العظيم: حدّث في أبي بكر وعمر، فقلت له: يا أبا عبد الله صنّف باباً فيه معايب أبي بكر وعمر، فقال: ما هذا بأهل أن يُحدّث عنه، فقال له العباس: حدّث بحديث فيه ذكر الجوالقين يعني أبا بكر وعمر، فقال: ما هو بأهل أن يُحدّث عنه، فقال له العباس: وحدّث عن ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن حجر المدري قال: قال لي علي بن أبي طالب: إنّك ستعرض على سبي فسبني، وتعرض على البراءة منّي فلا تتبرّأ منّي . فاستعظمه أبو عبد الله وأنكره . وقال العباس: وروى عن ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه قال: أخبرني أربعة من أصحاب النبي (ص) أنّ النبي قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . فأنكره أبو عبد الله جداً، وكأنّه لم يشك أنّ هذين كذب . وحكى العباس عن علي (ابن المدينى) أنّه قال: هذين كذب، ليس هذين من حديث ابن عيينة» ([102]) . وفي لفظ ابن حجر: «هما كذب، ليسا من حديث ابن عيينة» .
هذه هي الصورة الصحيحة التي حرّفها ابن تيمية، حيث أنّ أحمد بن حنبل كان يوثق الأشقر مع تشيّعه ولذا روى عنه في مسنده، ولكن هذا ما لا يروق عند البعض، فجاؤوا إلى ابن حنبل وصرفوا رأيه عنه بأنّه يتكلّم في الخليفتين، ويدلّس حيث ينسب روايات إلى من لم يروها، كما هو الحال في رواية البراءة والغدير حيث نسبهما إلى ابن عيينة، فأنكر أحمد أن يكون ابن عيينة روى هذين الحديثين، كما بيّن ذلك علي بن المديني، وليس الأمر كما لفّقه ابن تيمية من نسبة إنكار أحمد لذيل حديث الغدير رأساً، بل كما قلنا كان الانكار والتكذيب منصباً على أنّ ابن عيينة لم يرو هذين الخبرين فحسب .
وكذلك ما نسبه ابن تيمية إلى أحمد من قوله لذيل حديث الغدير: «زيادة كوفية» لا يصحّ، لأنّا لم نجد له أثراً في كتب المتقدّمين، وقد انفرد به ابن تيمية، نعم ما عثرنا عليه في مسند أحمد هكذا: حدّثنا عبد الله، حدّثني حجاج بن الشاعر، ثنا شبابة، حدّثني نعيم بن حكيم، حدّثني أبو مريم ورجل من جلساء علي عن علي(ع) أنّ النبي (ص) قال يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال: فزاد الناس بعد: «وال من والاه وعاد من عاداه» ([103]).
فأوّل ما فيه: إنّه حديث شاذ لم يرو إلاّ بهذا الطريق، فيترك ويؤخذ بباقي الطرق السليمة والموثوقة التي ورد الدعاء فيها، وثانياً: إنّ القائل مجهول هل هو عبد الله بن أحمد بن حنبل أو حجاج أو شبابة أو شخص آخر من الرواة، فلا يمكن نسبته إلى أحمد سيّما وقد روى أحمد في مسنده هذا الدعاء بطرق متعددة من دون أن يغمز فيه ولا مرّة واحدة . فهذه النسبة إلى أحمد من أكاذيب ابن تيمية، أضفها إلى قائمة أكاذيبه ونصبه لأهل البيت (ع).
خامساً: إنّ ما تفوّه به ابن تيمية من شنيع قوله في ذكر الوجوه لإبطال «وال من والاه» وأنّ النبي (ص) مستجاب الدعاء و ...، فهو مردود ومنقوض عليه بما ورد في القرآن الكريم من وعد الله تعالى للأنبياء بالنصرة والظفر وخذلان أعدائهم، مع أنّ الواقع العملي ليس كذلك .
قال تعالى: )إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَـنُوا فِي الْحَـيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاَْشْهَادُ(([104])، وقال تعالى: )وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ(([105])، وقال تعالى: )وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(([106]) .
ثم في المقابل يقول تعالى: )ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ(([107])، وقال تعالى: )أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ(([108]) .
أليس الأنبياء وأمير المؤمنين عليهم أفضل الصلاة والسلام عند ابن تيمية من المؤمنين ؟!
أليس جعل الرسول (ص) حب علي علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق ؟! فأين النصرة الإلهية لهؤلاء المؤمنين المشردين المقتولين والمكذَّبين من قبل اُممهم ؟!
سؤال يطرح نفسه بجد وعلى ابن تيمية وأتباعه الإجابة عنه .
أما نحن فالأمر واضح عندنا ولا يحتاج إلى تعقيد، وذلك أنّ مقولة «النصرة الإلهية» مقولة مشككة ولها مراتب مختلفة، ولا يمكن معرفتها والوقوف عليها من خلال النجاح أو عدم النجاح المادي والظاهري البحت، فالوعد الإلهي بالنصرة قد يتحقق في الدنيا وقد يتحقق في الاُخرى إن حُجب عنه في الدنيا لأسباب ومصالح الله أعرف بها منّا، كما قال تعالى: )إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الاَْشْهَادُ(.
ثم إنّ مقياس النصرة قد يكون مادياً، وهو النجاح الظاهري والانتصار على الأعداء، وقد يكون معنوياً حيث يجتمع حتى مع الانكسار والخذلان الظاهري، فأمير المؤمنين (ع) منصور وإن غلبه معاوية غلبة ظاهرية، وانتصاره جاء بفضح معاوية وكشف خبثه وسوء طويّته، وأنّه لا يمت إلى الإسلام بصلة، وكذلك بنو اُمية، وكذلك إنّ الحسين (ع) منصور وإن غلبه يزيد، فأيّ نصرة أعظم من كشف غطاء النفاق للناس، وإيقافهم على المنهج الصحيح، وإراءة الطريق في ظلمات الفتن، وقد عبّر أمير المؤمنين (ع) عن نصرته وظفره المعنوي بقوله: «أنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترأ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها واشتد كلبها» ([109]) . نعم هذه نصرة عظيمة وإن اقترن بها فشل وخذلان مادي وظاهري .
ثم إنّ لهذه الظاهرة تحليلاً آخر وردت الإشارة إليه في القرآن الكريم، قال تعالى: )أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ(([110]) .
هذه الآية الكريمة تشير إلى أنّ فلسفة تأخير النصر الظاهري للأنبياء والمؤمنين، إنّما هو الاختبار والابتلاء ; لأنّ الجنّة تُعطى بعد الاستقامة والعمل والصمود، ولا تُعطى بالتمنّي والآمال .
وقال تعالى أيضاً: )وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(([111]) فذيل الآية يدلّ على النصرة الإلهية للمؤمنين رغم عدم رفع الفتنة عن العالم أجمع ورغم تعدّد الأديان والمذاهب الباطلة إلى يومنا هذا .
والخلاصة إنّ ما نفهمه قرآنياً وإسلامياً، هو أنّ غلبة الباطل وكثرته الظاهرية لا يدلّ إطلاقاً على فشل الحق بحسب الواقع ونفس الأمر، وهذا ما لاتفهمه عقول أمثال ابن تيمية وأذنابه الجامدة .
سادساً: إنّ قوله إنّ الشيعة المختصين بعليّ (ع)، ما زالوا مخذولين مقهورين لا يُنصرون، فهو إن صح فإثمه على الجائرين والظلمة الذين قتلوهم وقتلوا أئمتهم وطاردوهم تحت كل حجر ومدر حتى تنكّر قسم منهم وأخفى هويته حفاظاً على النفس، وإلاّ فالشيعة على طول التاريخ مهما سنحت لهم فرصة الظهور، وتُعومل معهم بالعدل والإحسان، أفادوا المجتمع بالعلم والعمل الصالح، وأنت ترى أنّ أصل كثير من العلوم أو التفريع والتطوير فيها يرجع إلى الشيعة .
أما اليوم فالشيعة في العالم بحمد الله معزّزون موقّرون منصورون معروفون بالحكمة والحلم والعلم وحسن السلوك .
سابعاً: أما قوله بأنّ ذلك مخالف لأصل الإسلام لأنّ القرآن قد بيّن أنّ المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي بعضعم على بعض، فمن عجيب القول لأنّ الآية الكريمة لا تدلّ على إيمان الباغي إطلاقاً، وإليك نصّها، قال تعالى: )وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(([112]) .
ففيها عدّة فوائد:
1 ـ الإيمان هنا هو ما يُرادف الإسلام ولم يقصد المعنى الاصطلاحي، والدليل عليه قوله تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى(([113]) فسمّى شارب الخمر مؤمناً أي مسلماً، لأنّ الإيمان يخرج من قلب شارب الخمر، فعن رسول الله (ص) أنّه قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ... ولا يشرب الخمر وهو مؤمن»([114]) . وعن أبي هريرة: «من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه»([115]). وأيضاً عنه (ص): «من شرب الخمر غير مكره ولا مضطر خرج منه الإيمان» ([116]) . إذاً كما لم يطلق الإيمان الاصطلاحي على شارب الخمر لم يطلق على الباغي بطريق أولى . فتحصّل أنّ الإيمان هنا هو الإسلام الظاهري الذي ربما اجتمع حتى مع النفاق.
2 ـ لزوم الاصلاح قبل القتال.
3 ـ وجوب قتال الفئة الباغية، ومن الواضح البيّن أنّ المقتول الباغي مصيره إلى النار وكذلك الباغي ما لم يتب، بدليل قوله (ص) لعمار: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار» ([117]) . فهو صريح في أنّ الباغي من أهل النار فأيّ إيمان بعد هذا .
4 ـ الكفّ عن القتال إذا أفاءت الفئة الباغية إلى أمر الله، ممّا يدللّ على أنّها حين البغي لم تكن على أمر الله ودينه فلم تكن مؤمنة، مضافاً إلى أنّ التاريخ يشهد أنّ البغاة ما فاؤوا إلى أمر الله تعالى، فهؤلاء أصحاب الجمل قُتل منهم خلق كثير حين الحرب وقبل الإفاءة وبعد الحرب التحق قسم منهم بمعاوية والقسم الآخر كفّ وأمسك عن الخلاف من دون أن تظهر عليه إمارات التوبة من ودي النفوس البريئة التي راحت ضحية بغيهم، ومن دون إبراء الذمّة من ذويهم، ممّا يسبّب أن نشكّ في صحة توبتهم وندمهم . أمّا الخوارج فكذلك لم يعهد منهم إفاءة بل استشهد أمير المؤمنين (ع) على يد فلولهم، أما معاوية وأصحابه فحالهم في عدم الإفاءة أوضح، كيف وأنّ معاوية لم يتنازل عن غيّه وبغيه ولم يُعهد عنه توبة أو ندم، لقد حارب أمير المؤمنين (ع)حتى آخر لحظة، ثم بعد خدعة التحكيم بقي على بغيه بل تمادى في ذلك وبدأ بشنّ الغارات على المسلمين وقتل الأبرياء حتى أنّ أمير المؤمنين كان يعدّ العدد للخروج إليه مرّة ثانية لكن ما أمهلته المنيّة، كما أنّه بغى على الإمام الحسن (ع) أيضاً، فصحيفته السوداء مليئة بالذنوب والآثام، فأيّ إيمان يبقى له وأيّ إفاءة هذه ؟!
سابعاً: قال العلاّمة الأميني (ره): «إنّ هذا الدعاء ـ بعمومه الأفرادي بالموصول والأزماني والأحوالي بحذف المتعلّق ـ يدلّ على عصمة الإمام (ع) لإفادته وجوب موالاته ونصرته والانحياز عن العداء له وخذلانه على كلّ أحد في كلّ حين وعلى كلّ حال، وذلك يوجب أن يكون (ع) في كلّ تلك الأحوال على صفة لا تصدر منه معصية، ولا يقول إلاّ الحقّ، ولا يعمل إلاّ به، ولا يكون إلاّ معه، لأنّه لو صدر منه شيء من المعصية لوجب الإنكار عليه ونصب العداء له، لعمله المنكر والتخذيل عنه، فحيث لم يستثن (ص) من لفظه العام شيئاً من أطواره وأزمانه علمنا أنّه لم يكن (ع) في كلّ تلك المدد والأطوار إلاّ على الصفة التي ذكرناها، وصاحب هذه الصفة يجب أن يكون إماماً لقبح أن يؤمّه من هو دونه على ما هو المقرّر في محلّه، وإذا كان إماماً فهو أولى بالناس منهم بأنفسهم» ([118]) .
فتلخّص أنّ قوله (ص): «اللهم وال من والاه ...» صحيح سنداً ومتناً ودلالة، وهو موافق للقرآن والسنة والعترة، ولله الحمد والمنّة.
أما بالنسبة إلى ما ذهبوا إليه من إنّ هذا المقطع يؤيّد كون المراد من حديث الغدير هو النصرة والمحبة، فسيوافيك جوابه لاحقاً .
* هوامش البحث *
([1]) البداية والنهاية 5 :228 .
([2]) المعجم الكبير للطبراني 5 :212 ح5128، مجمع الزوائد للهيثمي 9 :105 ووثّق رجاله غير حبيب بن خلاّد حيث لم يعرفه .
([3]) يراجع رواة حديث الغدير .
([4]) معاني الأخبار: 65 ح1 .
([5]) م ن: 66 ح2 .
([6]) الأحزاب: 6 .
([7]) معاني القرآن 5 :325 .
([8]) تفسير الطبري 21 :146 .
([9]) معالم التنزيل 3 :507 .
([10]) مدارك التنزيل وحقائق التأويل 3 :297 .
([11]) الكشاف 3 :251 .
([12]) عمدة القاري 12 :235 .
([13]) الشافي 2 :276ـ277، عنه البحار 37 :245 .
([14]) التحفة الاثني عشرية: 421، مختصر التحفة 161، وتبعه الآلوسي في روج المعاني 5 :196، والنفحات القدسية: 118، والزعبي في البينات 2 :154 .
([15]) المغني، القسم الأول من كتاب الإمامة: 151 .
([16]) نهاية العقول: 383، وتبعه كل من الآمدي في أبكار الأفكار 5 :181، والتفتازاني في شرح المقاصد 5 :274، والجرجاني في شرح المواقف 9 :361، والقوشجي في شرح التجريد: 369 .
([17]) صحيح مسلم 7 :123 .
([18]) الشافي 2 :267، تلخيص الشافي للطوسي 2 :174 .
([19]) كنز الفوائد 2 :88ـ89 .
([20]) مسند أحمد 4 :281، المصنف لابن أبي شيبة 7 :503 ح55 .
([21]) م ن 4 :368 .
([22]) م ن: 4: 370، والمستدرك للحاكم 3 :109 وصححه، كما صحح الهيثمي في مجمع الزوائد 9 :104 السند وقال: رجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة .
([23]) المستدرك للحاكم 3 :116 .
([24]) مسند أحمد 1 :119 .
([25]) مجمع الزوائد للهيثمي 9 :107 وحسّن إسناده .
([26]) الشافي 2 :267ـ268، تلخيص الشافي للطوسي 2 :175، كنز الفوائد للكراجكي 2 :88 .
([27]) يراجع: حديث المناشدة .
([28]) تمهيد الأوائل: 451 .
([29]) البحار 37 :251 .
([30]) آل عمران: 68 .
([31]) الصراط المستقيم 1 :309 .
([32]) الشافي 2 :289ـ290 .
([33]) الحديد: 15 .
([34]) انظر: رسالة في معنى المولى للمفيد: 27، والشافي للمرتضى 2 :269، وتقريب المعارف للحلبي: 214، وكنز الفوائد للكراجكى 2 :89، وغيرها من المصادر الكلامية .
([35]) تفسير الرازي 29 :228 .
([36]) نهاية العقول: 384 .
([37]) تفسير الرازي 29 :227 .
([38]) نهاية العقول: 384 (خ) .
([39]) تفسير غريب القرآن 6 :256 .
([40]) المحصول 1 :210 .
([41]) عماد الإسلام للسيد دلدار علي، كتاب الإمامة: 339 / حديث الغدير (خ) .
([42]) النجاة في القيامة لابن ميثم: 131ـ132 .
([43]) نهاية العقول: 385 .
([44]) عماد الإسلام للسيد دلدار علي، كتاب الإمامة: 340 (خ) .
([45]) م ن .
([46]) المؤمنون: 10ـ11 .
([47]) تفسير الرازي 23 :82 .
([48]) عبقات الأنوار، حديث الغدير 9 :68 .
([49]) تفسير الرازي 14 :136، وانظر عبقات الأنوار، حديث الغدير 9 :69ـ70 .
([50]) النساء: 33 .
([51]) نهاية العقول: 410 (خ) .
([52]) المحصول 1 :212 .
([53]) أقسام المولى للشيخ المفيد: 35ـ36 .
([54]) م ن: 36ـ37 .
([55]) رسالة في معنى المولى للشيخ المفيد: 19، أقسام المولى: 41 .
([56]) الشافي 2 :280ـ281، وتبعه كلّ من جاء بعده .
([57]) راجع: رسالة أقسام المولى للمفيد: 29، تقريب المعارف للحلبي: 69، كنز الفوائد للكراجكي 2 :91، المنقذ من التقليد للحمّصي 2 :336، الصوارم المهرقة للشوشتري: 356، الغدير للأميني 1 :649 .
([58]) نهاية العقول: 383-384 (خ) وكرّره في الأربعين 298، والتفسير 29 :28، مختصراً، وتبعه على ذلك الآمدي في أبكار الأفكار 5 :181، والجرجاني في شرح المواقف 8 :361 ـ 362، وابن حجر الهيتمي في الصواعق 1 :108، والدهلوي في التحفة الاثني عشرية: 417، والآلوسي في روح المعاني 5 :195، والزعبي في البينات 2 :153، وغيرهم .
([59]) راجع عبقات الأنوار، حديث الغدير 8 :327 .
([60]) يوسف: 43 .
([61]) المزهر 2 :54، عبقات الأنوار، حديث الغدير 8 :310 .
([62]) م ن 2 :36، عبقات الأنوار، حديث الغدير 8 :310 .
([63]) الغدير للأميني 1 :634 .
([64]) الصراط المستقيم للبياضي 1 :308 .
([65]) المحصول 1 :257 .
([66]) نهاية العقول: 384 (خ) .
([67]) شرح الكافية للرضي 4 :149 .
([68]) صحيح البخاري 8 :6، صحيح مسلم 5 :59، سنن الترمذي 3 :283 وغيرها .
([69]) عمدة القاري 23: 237 ح2376 .
([70]) راجع عبقات الأنوار، حديث الغدير 9: 37 ـ 38 .
([71]) معاني الأخبار: 69 .
([72]) معاني الأخبار: 70 .
([73]) م ن: 73 .
([74]) أقسام المولى: 1-2، ونحوه الكراجكي في كنز الفوائد 2 :93 .
([75]) الشافي 2 :260ـ261، والذخيرة: 442، وتبعه كل من أبي الصلاح الحلبي في تقريب المعارف: 214 ،والكراجكي في كنز الفوائد 2 :84ـ85، والطوسي في تمهيد الأصول: 393، 395، وتلخيص الشافي 2 :167، والطبرسي في إعلام الورى 1 :327ـ328، والحمصي في المنقذ من التقليد 2 :337ـ339 .
([76]) الشافي 2 :274 .
([77]) تقريب المعارف: 215ـ216 .
([78]) التوبة: 71 .
([79]) صحيح مسلم 1 :61، سنن ابن ماجة 1 :42 ح114، سنن الترمذي 5 :306، السنة لابن أبي عاصم 584 ح1325 .
([80]) مسند أحمد 5 :26، المعجم الكبير للطبراني 20 :230، مجمع الزوائد للهيثمي 9 :114 وقال: رواه أحمد والطبراني برجال وثّقوا .
([81]) صحيح البخاري 4 :20، صحيح مسلم 5 :195 .
([82]) سنن الترمذي 5 :300 ح3805، المستدرك للحاكم 3 :130 وصحّحه، ونحوه في مجمع الزوائد للهيثمي 9 :126 وقال: رواه البزار والطبراني باختصار ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة .
([83]) صحيح البخاري 5 :129، صحيح مسلم 7 :120 .
([84]) صحيح مسلم 7 :120، سنن الترمذي 5 :301 .
([85]) فتح الباري لابن حجر 7 :57، تحفة الأحوذي للمباركفوري 10 :144 .
([86]) م ن 7 :61 .
([87]) نهاية العقول: 412 (خ) .
([88]) عماد الإسلام، كتاب الإمامة: 346 .
([89]) العثمانية: 144 .
([90]) منهاج السنة 7 :319 .
([91]) م ن 7: 55 ـ 59 .
([92]) مجموع الفتاوى 4: 417 .
([93]) العواصم من القواصم: 149، 192 .
([94]) البداية والنهاية 5 :234، السيرة النبوية 4 :426، وكذلك في روح المعاني للآلوسي 5 :195 .
([95]) الصواعق المحرقة 1 :107، عنه السيرة الحلبية 3 :274 .
([96]) كشف الخفاء: 324 .
([97]) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4 :343ـ344 .
([98]) مسند أحمد 4 :368 .
([99]) المعجم الأوسط 2 :275، ووثق الهيثمي رجاله في مجمع الزوائد 9 :106 .
([100]) سنن النسائي 5 :45 ح8148 .
([101]) مسند أحمد 4 :368، تاريخ دمشق لابن عساكر 42 :217 .
([102]) الضعفاء 1: 248 رقم 297، تهذيب التهذيب 2 :291 رقم 596 .
([103]) مسند أحمد 1 :152، تاريخ دمشق لابن عساكر 42 :213، البداية والنهاية 5 :230، 7 :385 .
([104]) غافر: 51 .
([105]) الروم: 47 .
([106]) الحج: 40 .
([107]) المؤمنون: 44 .
([108]) البقرة: 87 .
([109]) نهج البلاغة: ح، الخطبة: 90 .
([110]) البقرة: 214 .
([111]) الانفال: 39ـ40 .
([112]) الحجرات: 9 .
([113]) النساء: 43 .
([114]) المستدرك للحاكم: 1 :22 .
([115]) فتح الباري لابن حجر 12 :52 .
([116]) المعجم الكبير للطبراني 7 :310 .
([117]) صحيح البخاري 3 :207، كتاب الجهاد .
([118]) الغدير 1 :655 .