البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

فلسفة الموت عند الإمام الحسين (ع)

الباحث :  أ.م.د. عباس علي الفحام
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  9
السنة :  السنة الثالثة - شعبان المعظم 1437هـ / 2016م
تاريخ إضافة البحث :  June / 25 / 2016
عدد زيارات البحث :  3087
تحميل  ( 359.791 KB )
فلسفة الموت
عند الإمام الحسين (ع)

أ.م.د. عباس علي الفحام

المقدمة
لا ريب في أن الكتابة عن عظيم مثل الحسين (ع) شرف وكرامة، فضلا عن أنه فرصة للبحث عما هو جديد وسط زحام البحوث الرائعة حول هذه الشخصية الإنسانية الإسلامية الكبيرة، ومن هنا جاء بحثنا بعنوان (فلسفة الموت عند الإمام الحسين (ع)) محاولا ترسم طريق جديد في البحث عن خبايا هذه الفلسفة، وقد وضعت لها خطة دراسة شملت تمهيدا ومبحثين، ضم التمهيد موضوع (الموت وكرامة الشهادة) وتحدثت فيه عن هبة الله لعباده المخلصين في نيل الشهادة ولاسيما أئمة أهل البيت (ع).

أما المبحث الأول فقد جاء بعنوان (الموت في فكر الإمام الحسين (ع))، وبحثت فيه فكر الإمام (ع) في خلال عباراته للموت فكانت بالعنوانات الآتية: السعادة، والقلادة والوله، والعسل والحق.

وأما المبحث الثاني فقد درست فيه مسيرة الحسين (ع) نحو الموت وأسميته (رحلة الحياة) وضم أسس تلك الرحلة وهي:

أولاً: وضوح الغاية.

وثانياً: التسليم المطلق لله تعالى.

وثالثاً: الواقعية.

هذا وقد اعتمدت الصبغة التحليلية في النصوص الحسينية لمحاولة الوصول إلى رؤية الحسين (ع) وفلسفته للموت، ومن هنا كان جل اعتمادي على المصادر التاريخية التي وثقت كلامه (ع)، فضلا عن بعض معاجم اللغة والكتب النقدية والفكرية.

ويبقى همنا من ذلك كله تقديم هذه الحقيقة الخالدة التي اتخذها جميع الأحرار شعارا لهم ولقضاياهم المشروعة عبر تاريخ الإنسانية وحاضرها ومستقبلها، أسال الله تعالى التوفيق في هذا العمل إنه ولي حميد.


التمهيد

الموت وكرامة الشهادة

افتخر الشعراء الفرسان بطلب الموت في ساحات الوغى في التراث العربي قبل الإسلام، وعدوا ذلك جزءا من البطولة والشجاعة. وفي الإسلام اكتسب طلب الموت بعدا قدسيا، تمثل في الدفاع عن العقيدة الإسلامية، وعد الظفر بالشهادة في سبيل الله تعالى فوزا عظيما لا يناله إلا ذو حظ عظيم، وبشر الله تعالى الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون فقال سبحانه: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ﴾([1]).

وفعلاً ارتبطت مفردة الشهادة بالعاقبة الحسنة وأصبحت أمنية المؤمنين.

ومما يلفت الانتباه إكرام الله تعالى لأحبائه بهذه النهاية السعيدة، ولاسيما النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين، ولو استعرضنا خواتيم حياتهم؛ لأدركنا الفلسفة الجديدة للموت التي طرحها الإسلام في كرامة الشهادة، فجميعهم قضوا شهداء، إما بحد السيف وإما بالسم غيلة على يد عتاة عصورهم، فالرسول الكريم قضى مسموما بأكلة اليهودية غيلة، والإمام علي (ع) (ت40هـ) قضى شهيد صلاته بسيف الشقي المرادي، والحسن الزكي(ت50هـ) مات مسموما بجنود عسل معاوية، والحسين(ت61هـ) قضى شهيد ثورته على يد زبانية يزيد، والإمام علي زين العابدين(ت95هـ) سمه الوليد بن عبد الملك، والإمام الباقر(ت117هـ) مات مسموما على يد هشام الأموي، والإمام الصادق(ت148هـ) توفي مسموما بتدبير أبي جعفر المنصور، والإمام الكاظم (ت183هـ) قضى شهيد سجونه مسموما على يد هارون الرشيد، والإمام الرضا (ت203هـ) قضى شهيد غربته مسموما على يد المأمون بن الرشيد، والإمام محمد الجواد (ت220هـ) قضى شهيدا على يد المعتصم العباسي، والإمام الهادي(ت254هـ) قضى مسموماً على يد المعتز العباسي، والإمام الحسن العسكري (ت260هـ) مات مسموما على يد المعتمد العباسي([2])، وهكذا قضى أبناؤهم وأحفادهم قتلا وتشريدا. ولا ريب في أن هذه الظاهرة تدل على مجموعة من الإشارات ينبغي الوقوف عليها ومنها:

أولاً: إن ذلك يدل على فاعلية أئمة أهل البيت وعمق تأثيرهم في مجتمعاتهم، الأمر الذي يقض مضاجع طغاة عصورهم بسبب خوفهم من انقلاب الناس عليهم وفقدان سلطتهم.

ثانياً: إن هؤلاء الطغاة يمثلون قمة الشر في أزمانهم؛ لأن من يقدم على جرائم قتل أولاد الأنبياء بدم بارد لابد من أن يكون من أشقى الأشقياء.

ثالثاً: إن لهؤلاء كرامة من الله تعالى تمثلت بالشهادة التي حباها الله تعالى لأودائه. وعلى حد تعبير الإمام زين العابدين مخاطبا عبيد الله بن زياد: «أبالقتل تهددني يا ابن زياد، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة»([3]). ومثله قول أبي عبد الله الصادق: «والله ما منا إلا مقتول أو شهيد»([4]).

رابعاً: الشعور المستحوذ على الطغاة بأحقية أهل البيت بخلافة الرسول الكريم (ص)، وهو هاجس لايقوون على إخفائه إلا بإزالة الأئمة المعصومين من طريقهم. وقد توسل الطغاة العباسيون من أجل هدفهم في إضعاف التأثير العلوي في نفوس الناس مختلف الوسائل من الترغيب والترهيب فابتدعوا مذاهب فقهية جديدة، ووظفوا إعلامهم المتمثل بالشعر في ادعاء قرباهم من النبي(ص) بحجة أنهم أولاد العم وأولئك أولاد البنت وقام شاعرهم مروان أبي حفصة يقول([5]):

أنّى يكونُ وليس ذاك بكائنٍ لبني البناتِ وراثـــةُ الأعمامِ

بل لم يخف الرشيد ذلك فاحتج على الكاظم بأنه أولى بالخلافة منه بحجة أحقيته بوراثة النبي (ص)، فقال له الإمام الكاظم: «لو عاش رسول الله (ص) وخطب إليك ابنتك أكنت تزوجه ؟ قال: إي والله. قال: فلو عاش فخطب إلي أكان يحل لي أن أزوجه؟ قال: لا. قال: فهذا جواب ما سألت»([6]). فغضب الرشيد.

خامساً: النضال السلمي الذي انتهجه أئمة أهل البيت (ع) من أجل إحداث التغيير وتعديل المسار، لاسيما بعد فاجعة كربلاء، الأمر الذي حير الطغاة في التعامل معه، فلجأوا إلى أسلوب التصفية الهادئة - إذا صح الكلام - بطريقة السم غيلة وغدرا.


المبحث الأول

الموت في فكر الإمام الحسين (ع)

ارتبطت مفردة الموت في المأثور الأدبي العربي بالشر ومعانيه بشكل عام، باستثناء تغني الفرسان بالموت والحرب من جهة الشجاعة والإباء، وقد حملت صور الشعراء كراهية للموت ورسمت له صورا بشعة كررها الشعراء كثيرا على مر العصور، مثل قول أبي ذؤيب الهذلي راثيا أبناءه :

وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كـل تميمــة لا تنفع

وقول ابن الرومي راثيا ولده الصغير([7]) :

ألا قاتـــل الله المنايــا ورميهــا من القوم حبات القلوب على عمد

وفي العصر الحديث مثل هذه الصور كقول الجواهري ([8]):

أنا أبغض المــوت اللئيم وطيفه بغضي طيــوف مخاتــل نصاب

يهب الردى شيخوختي ويقيتها بكهـــولتي ويقيتهــــا بشبابي

ذئب ترصدني وفـــوق نيوبــه دم إخوتي وأقـــاربي وصحـابي

أما في مأثور أهل البيت (ع) فلن تجد مثل هذه المعاني، ففي قول الإمام علي(ع) أكثر من صورة للموت ليس فيها مثل هذه الحدة من الكراهية كوصفه له بأنه: «زائر غير محبوب وقرن غير مغلوب وواتر غير مطلوب»([9]). وقد لخص الإمام علي (ع) فلسفته في إقبال الموت عليه على أنه فوز حين أطلق صيحته المشهورة (فزت ورب الكعبة)([10]) عندما ضرب رأسه الشريف ابن ملجم، وهو ساجد لله تعالى في صلاة الفجر، وهي صيحة فرح أذهلت الإنسانية وأبانت عن عمق ذوبانه في الله تعالى، واختزلت في ثلاث كلمات أكثر من ستة عقود من الجهاد والتفاني في الإخلاص للخالق العظيم. فهو لم يعلن فوزه هذا في مناسبات شبيهة بمثل هذه الضربة يوم الخندق مثلا، ولم يطلق صيحة الوجع على الإطلاق؛ بل أعلنها ربحا ومجازا نحو حياة أبدية خالدة تحت رحمة الخالق العظيم. وتلك لا ريب فلسفة عملية عميقة قدمها الإمام علي (ع) وورثها من بعده ولده (ع) وتبعها الأحرار في مختلف العصور.

بهذا البصر النافذ نظر الحسين (ع) إلى إقباله على الموت، بوابة عظيمة من بوابات العبور إلى الفوز بالشهادة ورضوان الله تعالى وإحياء دين المصطفى (ص) ورفض الظلم والطغيان؛ لذلك كانت تعبيراته ناظرة إلى أبعد من زمانه الذي عاشه، إلى العصور كلها، وكأنه يعلم أنه سيكون شعار الأحرار وطالبي الحرية ورافضي الظلم عبر المستقبل الإنساني، فالتمس لأفكاره زيادة على ما ورث من آبائه من قيم البطولة والشهادة كلمات تستعمل في معاني الحب والاشتياق وقلما تستعمل في صور الموت، في ظاهرة تستحق من الباحثين الوقوف عليها مليا لاستجلاء خباياها وخفاياها، وكان أقلها روعة استبساله في الإيمان بفكرته والتضحية دونها ورؤيته للفوز الحقيقي المستقبلي على الرغم من يقينه بخسارته العسكرية الآنية، بعبارة ثانية قدم الحسين (ع) معنى جديدا للانتصارات والانكسارات في الحروب لا يمكن تبيانه إلا بالنظر الفاحص إلى قصة الحسين (ع) وعمق كلماته. ويمكن تلمس بعض الوقفات:

■ السعادة:

قال الحسين (ع) في مكة حين عزم على بدء الإعلان عن ثورته والمسير إلى العراق: «لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما»([11]) . بهذا الحصر والقصر بأسلوب النفي والاستثناء، ينفي رؤيته للموت بغير رؤية الفرح والسعادة، والحياة مع الظلم والطغيان سوى الضجر والبرم. إن ذلك الموت الذي يقضي على الأنفاس ويقطع الآمال بكل ما يحمل من معاني التعلق بالحياة لا يعني للإمام سوى السعادة، سعادة لا يبصرها غيره؛ لأنها تتعلق بقيم غالية اختير لإحيائها وإن كان الثمن غاليا بقيمة دم الحسين وأبنائه وصحبه إلا أن الغاية أغلى وأثمن إنها إحياء الدين الإسلامي وسنة الرسول (ص)، نعم إن ثمن دماء الحسين غال وخسارته بهذه الطريقة عزيزة نعم هي كل تلك المعاني التي نحيي لأجلها ذكراه على مدى القرون الماضية غير أن الهدف الأسمى يستحق ذلك، فالأمة التي استساغت لنفسها هذا الركون وهي ترى وتسمع كيف تسعى السلطة الأموية علنا لتشويه صورة الإسلام وتغيير شكله ومضمونه – أقول – إن الأمة لا يوقظ نومتها غير هذا الثمن العظيم ولا ينبهها من نومتها سوى صيحات الحسين (ع) (ألا هل من ناصر ينصرنا) و( انسبوني معرفة من أنا) وغير صرخات أطفاله العطشى وسبي نسائه الثكلى كأسارى الديلم والروم.

لكل ذلك يسمي الحسين (ع) موته سعادة؛ لأنه حقق اختيارا إلهيا لهذه المهمة العظيمة؛ ولأنه أنجز واجبا أنيط به ونبأه بتفاصيله وفداحته جده العظيم وأبوه البطل صلوات الله عليهما وعلى آلهما.

■ القلادة والوَلَه :

يتداعى إلى الذهن حين تطلق لفظة (القلادة) منظر الفتاة ومعاني النعومة والانشداد إلى الحياة وملذاتها، غير أنها هذه المرة تخالف المخزون الذهني بقلب صورتها على وفق فلسفة الحسين (ع)، فقد قال (ع) في خطبته ذاتها التي عزم فيها على التوجه إلى العراق الذي هو رمز معارضة الطغيان على الرغم مما يقال عنه من غدر للحسين (ع): «الحمد لله وما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف»([12]). لا أذكر أحدا قدم للموت صورة جميلة في الظاهر سوى هذه الصورة التي تحمل فكراً عظيماً بعظمتها، فالإمام يريد أن للموت أثرا على المرء لابد منه وهو لصيق به، و لا يمكن نزعه عنه، وعقد له شبها يخالف ما أثر من الصورة المأثورة المنفرة عن الموت وذكر سماعه بالنسبة لغير الحسين وآل الحسين (ع)، صورة أثر خط قلادة الفتاة المطوق لجيدها، وفي إيحاء الطوق المستبطن في معنى القلادة ما يشير إلى حتمية انقياد المرء إلى الموت، والانقياد يتم في العادة من الرقبة إمعانا في رسم صورة الاستسلام، على الرغم من أن ظاهر الصورة قلادة وفتاة، ويبدو أن اختيار الفتاة دون غيرها لولعها بديمومة لبس الحلي ديمومة تستبين معه آثار الطوق أكثر. إن تقديم هذه المعاني باستعمال الفعل المبني للمجهول (خُطّ) يشير أيضا إلى تلك الحتمية، إذ إن التصريح بالفاعل هنا لا مبرر له لأنه معلوم لدى السامع وظاهر وهو الله تعالى، وطالما أنه حتمي قدر على كل ولد ابن آدم بأجناسهم وأديانهم المختلفة، وهو هنا يعني تلك المعاني؛ لأنه لم يستعمل بدلها لفظة (المسلمين أو المؤمنين)؛ بل (ولد آدم) على جهة العموم. أقول طالما أنه كذلك فما أشوق الإمام (ع) للالتحاق بآبائه مشبها ولهه هذا باشتياق يعقوب النبي لولده يوسف، في كناية واضحة إلى تطلعه إلى الفوز بالشهادة في سبيل الله تعالى. وهي من قوله تعالى حكاية عن يعقوب: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، قالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ([13]).

إنّ عبارات الإمام الحسين (ع) وما تحمل من ألفاظ الوله والسعادة والاشتياق لا تدل إلا على عشق حقيقي عميق؛ لاغتنام فرصة الشهادة التي أولها الموت وآخرها لقاء الأحباب الماضين وغايتها نيل الفوز برضوان الله تعالى.

■ العسل:

كان الحسين (ع) في غاية الصراحة والواقعية مع أصحابه وأهل بيته في مواقفه كلها، فقد دعاهم غير مرة إلى الاختيار بين الرحيل أو البقاء إن شاؤا، وفي ليلة الواقعة قال لهم: «يا قوم ! إني في غد أقتل وتقتلون كلكم معي ولا يبقى منكم واحد. فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك، أو لا ترضى أن نكون معك في درجتك يا ابن رسول الله ؟ ! فقال (ع): جزاكم الله خيرا. ودعا لهم بخير، فأصبح وقتل وقتلوا معه أجمعون. فقال له القاسم بن الحسن(ع): وأنا فيمن يقتل ؟ فأشفق عليه فقال له: يا بني ! كيف الموت عندك؟ قال: يا عم! أحلى من العسل! فقال (ع): إي والله! فداك عمك، إنك لأحد من يقتل من الرجال معي بعد أن تبلي ببلاء عظيم»([14])، ومحل الشاهد قول القاسم ابن أخيه الحسن (ع) وتأييده له (أحلى من العسل) بهذه السهولة من التعبير عن الموت وبهذه الثقة العظيمة بالله تعالى. وكأن هذه الروح التواقة إلى ذلك اللقاء الإلهي انتقلت بفعل العشق الحسيني إلى جميع أهل بيته وأصحابه الصغار منهم والكبار الرجال فيهم والنساء؛ لأن في قصص كربلاء من تلك الصور ما يعجز عن وصفه البيان ويقصر دون حده اللسان.

■ الحق:

وللموت معنى آخر في فكر أبي عبد الله الحسين (ع) هو (الحق)، ومن أجل إحقاق الحق ترخص النفوس، ففي حوارية بينه وبين ولده علي الأكبر في منطقة قريبة من ضواحي الكوفة تسمى (قصر بني مقاتل) ورد عن الإمام زين العابدين أنه: «لما كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء، ثم أمرنا بالرحيل، ففعلنا، قال: فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل، وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة، ثم انتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين، يا أبت ! جعلت فداك مم حمدت الله واسترجعت ؟ قال: يا بني! إني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس على فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، قال له: يا أبت ! لا أراك الله سوءا، ألسنا على الحق ؟ قال: بلى والذي إليه مرجع العباد. قال: يا أبت ! إذا لا نبالي، نموت محقين. فقال له [الحسين (ع)]: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده»([15])، ولاشك في أن هذه الصور البطولية تنقل لنا عظمة هذه النفوس وسر الله تعالى في اختيارها في قرابين التضحية؛ لأجل التغيير وهز العالم الإسلامي؛ لينتفض من جديد. فهي شخوص قالت وفعلت؛ بل إنها حين قالت فعلت أكثر مما قالت.

■ هيهات منا الذلة:

إن هذا الشعار الذي رفعه الحسين (ع) في إباء الذل وإيثار الموت لا يمكن عده لزمن دون زمن إنه يسري من مفاصل مستقبل الإنسان سريان الدم في الشرايين، يصلح في كل زمان ويتخذ لغة لكل إنسان حر يناضل من أجل قضية يؤمن بها، ولعل ذلك من بعض اسرار الحياة للثورة الحسينية وهذا الفكر الوقاد الذي أحسن مخاطبة الإنسان وعرف لغاتها كلها، قال الحسين (ع):

«ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا أخذ الدنية، يأبى الله ذلك لنا ورسوله، وجدود طابت، وحجور طهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا إني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد، وخذلة الناصر»([16]). عقد الإمام لأسباب هذا الإباء صورتين متقابلتين: الأولى: صورة الدعي ابن الدعي ويعني به عبيد الله بن زياد، وهو دعي؛ لأنه مطعون النسب، فأبوه زياد - الملقب بابن أبيه - قد أغراه معاوية أن يلحقه بأبيه أبي سفيان شريطة الالتحاق باتباعه؛ ولذلك هو دعي وابن دعي. أو لأنه يدعي ما ليس له من الإمرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة قتال الحسين بعدّه خارجاً على بيعة الخليفة يزيد الفاسق والخارج على سنن الإنسانية فضلا عن الإسلامية، والأول هو الأرجح.

الصورة الثانية: صورة نفسه وأهله التي صرح بإبائها للذلة وأخذ الدنية، موضحا عزة المحتد وطيب الأرومة من الآباء الطيبين والأمهات الطاهرات اللواتي كنى عنهن بـ (حجور طابت) معرضا في الوقت ذاته بإيحاء خفي بالصورة المقابلة له حين ذكره بلفظ الدعي. إن مسألة الاستكانة بالوضع المنحرف القائم آنذاك يعني بالنسبة للحسين (ع) ذلّاً لا يمكن له الإقرار به؛ لذلك أعلنها صراحة وهو في المدينة حين طلب إليه بيعة ليزيد بن معاوية (إن مثلي لا يبايع مثله)، لا حين خير بين اثنتين القتل أو المبايعة التي سماها الذلة، وفضل الأولى معللا بأسباب معروفة لا تسمح بغير خيار الإباء فقال مباشرة على سبيل تواصل الكلام (وهيهات منا الذلة) وعدد منها:

أولاً: أنها قضية شرعية، إذ كيف لمسلم - فضلا عن الإمام الحسين ومنزلته بين المسلمين - مبايعة رجل معروف بخلاعته وخروجه العلني على قوانين السماء والشريعة من اللهو الماجن وشرب الخمر واللعب بالقرود وإتيان المحرمات.

الثاني: الطبيعة الاجتماعية المعروفة لهذه الأسرة الهاشمية المحمدية من الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة التي عبر عنها الإمام بـ (جدود طابت وحجور طهرت...) وأطلق عليها مختلف الصفات الأبية من الأنوف الحمية والنفوس الأبية وكلها من كنايات العز والشرف التي تأبى الذل والانقياد الأعمى للباطل وتفضل عليه الموت. ومن هنا أعقب هذه الإباء بما يعزز مكانة هذه الأسرة؛ فقال معلنا أنه زاحف بها للتغيير، ولا أدري هل فهم الناس وقتها بعد معنى كلامه هذا؛ لأن العربي من طبيعته وقت الحرب أن يصون عرضه ولا يعرضه لأخطار الحرب والسبي، بينما الحسين (ع) يعلن أنه سيزحف إشعارا ببدء حربه السلمية بدلالة لفظ (الأسرة) وأي أسرة إنها أسرة آل محمد وحرمه الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.


المبحث الثاني

رحلة الحياة

قدّم الإمام الحسين (ع) رؤيته في ثورته على حكم الطاغية الأموي، تلك الرؤية القائمة على فكر قرآني وتطبيق محمدي علوي، ربط فيه النظرية بالتطبيق. ومن هنا تبدو قيمة التنظيرات عبر التاريخ الإنساني وعمق أثرها في الإنسان على طول المدى. وقد حدد الحسين (ع) هدفه منذ عزم على الخروج من المدينة إلى العراق، وأبان عنه غير مرة وعلى طول طريقه من مكة إلى العراق، وأخبر الجميع بأنه ذاهب إلى حتفه الذي أطلقنا عليه رحلة الحياة التي سنرى كيف نظر إليها الحسين (ع) بأنها الفتح مرة وبأنها الخلود تارة أخرى. بدأت رحلة الموت التي صح تسميتها برحلة الحياة على أسس ثابتة يمكن عدها فلسفة جديدة في التاريخ الإنساني والإسلامي سنحاول حصرها بما يأتي:

أولا: وضوح الغاية:

أبان الحسين (ع)- فيلسوف التضحية – بكل وضوح عن غايته من مسيرته الثورية التصحيحية في أكثر من مرة وفي أكثر من موضع، فمن كتاب له إلى أخيه محمد بن الحنفية، قال: «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا ظالما، ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»([17])، وفي مكة قطع حجه وأعلن عزمه على الخروج إلى العراق موطن الثورات الحرة، فقام خطيبا في الناس، فقال: «... وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم، خط بالقلم، رضى الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله (ص) لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر بهم عينه، وينجز بهم وعده، من كان باذلا فينا مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحا إن شاء الله»([18]). ومرة ثانية يعي الحسين خطورة الموقف وينعى نفسه بنفسه (كأني بأوصالي تقطعها ذئاب الصحراء - مجازا أو حقيقة -)؛ لأن الهدف سام والغاية نبيلة، ولا سبيل إلى تحقيقها إلا بهذه الدماء الزكية في ذلك الزمان والمكان الموعود بهما (النواويس وكربلاء). وقد تكرر مثل هذا الوضوح لديه (ع) كثيرا نحو قوله: «والله! ليعتدُنّ علي كما اعتدت اليهود في السبت»([19]).

وفي منطقة قريبة من الكوفة تسمى بذي حسم قام الحسين (ع) خطيبا في الناس موضحا أهداف ثورته بعد حمد الله والثناء عليه: «. . إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، واستمرت جدا ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا». ([20]) فهي المعركة الأزلية في الحياة الدنيا بين الحق والباطل، وليس ثمة خيار للمؤمنين إلا ابتغاء الحق ولقاء الله تعالى به. ومن اللافت للانتباه إن هذه الخطبة تكاد تكون نسخة مكررة من خطب أبيه الإمام علي (ع) في التحذير من الركون إلى الدنيا، ، وهي قوله (ع): «إلا وإنّ الدنيا قد ولَّتْ حذّاء فلم يبقَ منها إلاّ صُبابةٌ كصُبابة الإناءِ اصطبّها صابُّها»([21])، وقوله: «أَلا وإنّ الدُّنيا قد تصرّمتْ وآذنَتْ بِوَداعٍ وتَنَكَّرَ معروفُها فأدْبَرتْ حذّاءَ»([22]). والصُّبابة وهي ما تبقّى في الإناء([23]) استُعيرت؛ لتبيان بقيتها القليلة، وليس كالتشبيه بالحسّ في (صبابة الإناء) أصلح لبيان مقدار تلك القِلّة، فما تبقّى من الدنيا قليلٌ مثلُ عدمه؛ ولهذا يُشعر بشيء من التهكم والتحقير بقوله «اصطبها صابها» وهي بمثابة قولهم (تركها تاركها) ([24]).

ولا ريب في أن الحسين (ع) كان قد حفظ كلمات أبيه وجرت على لسانه، وكثيرا ما كان الأئمة الطاهرون يطيب لهم تكرار كلمات أميرالمؤمنين (ع) وترديد عباراته كما فعل الإمام زين العابدين وهو يواري جسد أبيه الحسين (ع) الثرى قائلا: «أمّا حزنيَ فسرمدُ، وأما ليلي فمسهَّد»([25]). وتلك كلمات أمير المؤمنين(ع) راثياً زوجه فاطمة الزهراء عليها السلام وهو يواريها الثرى، وما أشبه الحالين!

ثانيا: التسليم المطلق لله تعالى:

أوكل الحسين أمره إلى الله تعالى وسلم له سبحانه تسليما مطلقا، وهو بعد تسليم العارفين العاملين، تسليم إسماعيل لأبيه إبراهيم (ع) في رؤياه بذبحه في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ ([26])، هذا التسليم المطلق يكسب هذه المسيرة بعدا روحيا قد يصعب فهمه حتى على المقربين من الحسين (ع) من إخوته وأبناء عمه؛ لأن ثمة أسئلة كثيرة ستطرح هنا عن استغراب مسيره بأسرته إلى المجهول في نظرهم أما بالنسبة للحسين (ع) فلاشك في أنه معلوم أو لنقل تسليم مطلق ومعرفة خالصة بالله تعالى، وقد ورد أنه «سار محمد بن الحنفية إلى الحسين (ع) في الليلة التي أراد الخروج في صبيحتها عن مكة فقال: يا أخي ! إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من في الحرم وأمنعه. فقال (ع): يا أخي ! قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت. فقال له ابن الحنفية: فإن خفت ذلك فسر إلى اليمن، أو بعض نواحي البر، فإنك أمنع الناس به ولا يقدر عليك أحد. فقال (ع): أنظر فيما قلت. فلما كان السحر ارتحل الحسين (ع)، فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها فقال له: يا أخي ! ألم تعدني النظر فيما سألتك، قال (ع): بلى. قال: فما حداك على الخروج عاجلا. فقال (ع): أتاني رسول الله (ص) بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين (ع) ! اخرج فإن الله، قد شاء أن يراك قتيلا. فقال له ابن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون ! فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذه الحال ؟ ! فقال له: قد قال لي: إن الله قد شاء أن يراهن سبايا. وسلم عليه ومضى»([27])، وفي يقيني إن قضية حمل الحسين (ع) لأسرته فيها الكثير من المعاني الغائبة عن الناظرين وقتها، ويعسر فهمها بسهولة على العقول، ولا يمكن معرفة أسرار تعريض الأسرة الحسينية إلى ما تعرضت إليه من أنواع الكوارث من سبي وضرب وسوق وغيرها مما يأباه العربي لنسائه فضلا عن الهاشمي العلوي إلا بعد الرسالة العظيمة التي قامت بها هذه الأسرة من إكمال للثورة الحسينية وتبليغ الأمة حجم ما انتهكت من حرمات، فكانت هذه العائلة التي أحسن ما توصف بأنها حرم الله مشهد حسيني متنقل من قصبة إلى أخرى ومن مدينة إلى ثانية، وكأن الله أراد لكربلاء وما شهدت من سويعات تلك المعركة الرهيبة أن يراها الناس ماثلة أمامهم بشخوص هذه الحرائر وصور تلك الأطفال التي لا أشك في أنها قطع من الملائكة تجوب المدن والأسواق.

ولست أشك في أن مثل محمد بن الحنفية لا يعزب عنه أن أوان رحلة الحسين قد بدأ وأن قصة استشهاده لا محالة واقعة فهي مما بكى لها الرسول (ص) وخواصه من أهل بيته، وحفظ تفاصيلها أبناؤه ومنهم محمد بن الحنفية فهو القائل له حين وداعه: «يا أخي، أستودعك الله من شهيد مظلوم»([28])، أقول لست أشك في ذلك كله غير أن الأمر إذا وصل إلى النساء والأطفال قد يذهل المرء أمامه ويغفل سر معرفته حاشا الحسين (ع).

وفي شاهد آخر، والحق محطات رحلة الحسين (ع) كلها شواهد، ولكن كلما اقتربنا من لحظة الحدث من الزمان والمكان سنشهد تسليما منقطع النظير، فمما نقل عن الإمام زين العابدين (ع) شاهد الحدث قوله: «إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها، وعمتي زينب عندي تمرضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له، وعنده حوي ([29]) مولى أبي ذر الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول:

يا دهر أف لك مــن خليل كم لك بالإشراق والأصيل

من صاحب أو طـالب قتـيل والدهر لا يقنــع بالبــديل

وإنما الأمــر إلى الجــليــــل وكل حي سـالك السبــيل

فأعادها مرتين، أو ثلاثا حتى فهمتها فعرفت ما أراد، فخنقتني عبرتي، فرددت دمعي ولزمت السكوت، فعلمت أن البلاء قد نزل. فأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت - وهي امرأة، وفي النساء الرقة والجزع - فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها - وإنها لحاسرة - حتى انتهت إليه، فقالت: واثكلاه ! ليت الموت أعدمني الحياة ! اليوم ماتت فاطمة أمي، وعلي أبي، وحسن أخي، يا خليفة الماضي وثمال الباقي! فنظر إليها الحسين (ع) فقال: يا أخية ! لا يذهبن بحلمك الشيطان. قالت: بأبي أنت وأمي، يا أبا عبد الله ! أستقتلت ؟ نفسي فداك. فرد غصته وترقرقت عيناه وقال: لو ترك القطا ليلا لنام ! قالت: يا ويلتي! أفتغصب نفسك اغتصابا ؟ ! فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ! ولطمت وجهها، وأهوت إلى جيبها وشقته وخرت مغشيا عليها ! فقام إليها الحسين (ع)، فصب على وجهها الماء وقال لها: يا أخية ! اتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته، ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة. فعزاها بهذا ونحوه، وقال لها: يا أخية ! إني أقسم عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت. ثم جاء بها حتى أجلسها عندي»([30]). إن هذا النعي التفصيلي المبكر من الحسين لنفسه يعجز عن بيانه أمثالي، ولا مثيل له في تاريخنا غير الحسين (ع) نفسه؛ لأنه تنظير وتطبيق في الوقت ذاته، نعم، توجد له شواهد من آبائه (ع) وهي لا ريب عظيمة، إلا أن الله دفعها عن أصحابها كما قدمنا بفداء إسماعيل بذبح عظيم، وكما دفع الله تعالى عن فداء الإمام علي (ع) بنفسه للنبي (ص) يوم نام في فراشه. ومن هنا نفهم سرّ حرارة مصيبة الحسين ووقع شدتها على النفوس على مر التاريخ.

وفي غداة العاشر من المحرم صلى بأصحابه، ثم التفت إليهم فقال: «إن الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر»([31]).

ثالثا: الواقعية :

يمكن عد رحلة الحسين (ع) من مكة إلى العراق والأماكن المختلفة التي أوقف فيها رحله؛ ليستريح بمثابة عملية نخل للناس- وأقول للناس - على وجه العموم ولا اخص المسلمين؛ لأنّ أصحاب الحسين (ع) الذين التحقوا به طوائف كثيرة لا يجمعهم مكان واحد أو دين واحد، فمنهم النصارى كأبي وهب، ومنهم العبيد كجون ومنهم المسلمون، غير أنهم جمعهم خلوص النية وصفاء السريرة ومحبة الحسين وجده وأبيه (ع)، وقد كانت هذه الرحلة فرصة الالتحاق للظفر بهذا الفوز. إنهم حقا نخالة البشرية وخلاصة الماضين واللاحقين.

وكان طبيعيا أن يكونوا بهذه القلة من العدد على الرغم من المكانة المعروفة للحسين (ع) بين المسلمين، ولاسيما إذا أضفنا إلى ذلك أسبابا كثيرة كقدرة السلطة الأموية على عزل ركب الحسين (ع) عن التواصل مع الجمهور بمحاصرة المدن وقطع الطريق على الخارجين للالتحاق بالركب الحسيني.

على أية حال، كان الخطاب الحسيني واقعيا، ليست به حاجة إلى التعبئة والتحشيد كما يصنع القادة العسكريون من المبالغة والتمنيات؛ لأنّ مهمته نوعية ومؤثرة لا تتطلب مثل ذلك الخطاب؛ لذلك جمع أصحابه واهل بيته وخاطبهم بأبلغ خطاب صريح «قال علي بن الحسين (ع): كنت مع أبي الليلة التي قتل صبيحتها، فقال لأصحابه: هذا الليل فاتخذوه جملا، فإن القوم إنما يريدونني، ولو قتلوني لم يلتفتوا إليكم، وأنتم في حل وسعة. فقالوا: لا، والله ! لا يكون هذا أبدا. قال: إنكم تقتلون غدا كذلك، لا يفلت منكم رجل. قالوا: الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك. ثم دعا، وقال لهم: إرفعوا رؤوسكم وانظروا. فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة، وهو يقول لهم: هذا منزلك يا فلان ! وهذا قصرك يا فلان ! وهذه درجتك يا فلان ! فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنة» ([32])، وما كان من رد أصحابه وأهل بيته إلا أن يكون حماسيا اعتصر الدنيا فداء وبطولة ووفاء، فهذا العباس (ع) أخوه قال بملء الفم: «لم نفعل ذلك ؟ ألنبقى بعدك ؟ ! لا أرانا الله ذلك أبدا!»([33])، واتبعه إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر عليه فتكلموا بمثله ونحوه. فقال الحسين (ع): «يا بني عقيل! حسبكم من القتل بمسلم، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم. قالوا: سبحان الله ! فما يقول الناس ؟ يقولون: إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل ! ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك ! فقبح الله العيش بعدك !»([34]).

وخطب أصحابه بمثل هذه الواقعية الحماسية البطولية فقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: «أنحن نخلي عنك، وبما نعتذر إلى الله في أداء حقك ! أما والله! حتى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة. والله ! لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك، أما والله ! لو قد علمت أني أقتل، ثم أحيى، ثم أحرق، ثم أحيى، ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً. وتكلم زهير بن القين وجماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً»([35]).

وفي موضع آخر اختبر الحسين (ع) بعض أصحابه في حوارية قل نظيرها ووجب علي نقلها كاملة؛ لأنها تبين عن عمق التأثير الحسيني في أصحابه ورفقاء مسيرته وسريان فلسفته للموت والفداء من أجل العقيدة إلى نفوس محبيه، إذ ورد أنه «ما نزل الحسين (ع) في كربلاء كان أخص أصحابه به، وأكثرهم ملازمة له هلال بن نافع سيما في مظان الاغتيال؛ لأنه كان حازما بصيرا بالسياسة، فخرج الحسين (ع) ذات ليلة إلى خارج الخيم حتى أبعد [بعد] فتقلد هلال سيفه وأسرع في مشيه حتى لحقه، فرآه يختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل. ثم التفت إلى خلفه فرآني، فقال (ع): من الرجل، هلال ؟ قلت: نعم، جعلني الله فداك! أزعجني خروجك ليلا إلى جهة معسكر هذا الطاغي. فقال: يا هلال ! خرجت أتفقد هذه التلاع مخافة أن تكون كناء [مكمنا] لهجوم الخيل على مخيمنا يوم تحملون ويحملون. ثم رجع وهو قابض على يساري ويقول: هي هي، والله ! وعد لا خلف فيه ! ثم قال: يا هلال ! ألا تسلك ما بين هذين الجبلين من وقتك هذا وانج بنفسك. فوقع على قدميه وقال: إذا ثكلت هلالا أمه ! سيدي، إن سيفي بألف وفرسي مثله، فو الله الذي من علي بك لا أفارقك حتى يكلا عن فري وجري. ثم فارقني ودخل خيمة أخته، فوقفت إلى جنبها رجاء أن يسرع في خروجه منها، فاستقبلته ووضعت له متكئا وجلس يحدثها سرا، فما لبثت أن اختنقت بعبرتها وقالت: وا أخاه! أشاهد مصرعك وأبتلى برعاية هذه المذاعير من النساء والقوم كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم، ذلك خطب جسيم يعز علي مصرع هؤلاء الفتية الصفوة وأقمار بني هاشم ! ثم قالت: أخي، هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنة ! فبكى (ع) وقال: أما والله! لقد نهرتهم وبلوتهم وليس فيهم [إلا] الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل بلبن أمه. فلما سمع هلال ذلك بكى رقة ورجع، وجعل طريقه على منزل حبيب بن مظاهر، فرآه جالسا وبيده سيف مصلت، فسلم عليه وجلس على باب الخيمة. ثم قال له: ما أخرجك يا هلال!؟ فحكيت له ما كان، فقال: إي والله ! لولا انتظار أمره لعاجلتهم، وعالجتهم هذه الليلة بسيفي! ثم قال هلال: يا حبيبي! فارقت الحسين (ع) عند أخته وهي في حال وجل ورعب، وأظن أن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة والزفرة، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجههن بكلام يسكن قلوبهن ويذهب رعبهن، فلقد شاهدت منها ما لا قرار لي مع بقائه، فقال له: طوع إرادتك! فبرز حبيب ناحية وهلال إلى جانبه وانتدب أصحابه فتطالعوا من منازلهم، فلما اجتمعوا قال لبني هاشم: ارجعوا إلى منازلكم لا سهرت عيونكم، ثم خطب أصحابه وقال: يا أصحاب الحمية ! وليوث الكريهة هذا هلال يخبرني الساعة بكيت وكيت، وقد خلف أخت سيدكم وبقايا عياله يتشاكين ويتباكين، أخبروني عما أنتم عليه. فجردوا صوارمهم ورموا عمائمهم وقالوا: ياحبيب! أما والله الذي من علينا بهذا الموقف لئن زحف القوم لنحصدن رؤوسهم ولنلحقنهم بأشياخهم أذلاء صاغرين ولنحفظن وصية رسول الله (ص) في أبنائه وبناته. فقال: هلموا معي، فقام يخبط الأرض وهم يعدون خلفه حتى وقف بين أطناب الخيم ونادى: يا أهلنا، ويا ساداتنا، ويا معاشر حرائر رسول الله ! هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلا في رقاب من يبتغي السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا أن لا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم. فقال الحسين (ع): أخرجن عليهم، يا آل الله ! فخرجن وهن ينتدبن، وهن يقلن: حاموا أيها الطيبون ! عن الفاطميات، ما عذركم إذا لقينا جدنا رسول الله (ص)، وشكونا إليه ما نزل بنا !؟ وقال: أليس حبيب وأصحاب حبيب كانوا حاضرين يسمعون وينظرون؟ فوالله الذي لا إله إلا هو ! لقد ضجوا ضجة ماجت منها الأرض واجتمعت لها خيولهم، وكان لها جولة واختلاف وصهيل حتى كأن كلا ينادي صاحبه وفارسه !»([36]) . وماذا أكثر من ذلك في هذا الاختبار ؟ وماذا أكثر من ذلك في هذا الجواب؟ أليس هؤلاء خلاصة الناس وأصفياءهم، ومن هنا خطب فيهم الحسين (ع) في تلك الليلة العظيمة قائلاً: «.. أما بعد، فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا خيرا» ([37]).

ومجمل القول كان الموت في نظر الحسين (ع) فلسفة إحياء للدين ومشروع استنهاض للأمة فكانت كربلاء بحق صور ذلك الإحياء والاستنهاض.


الخاتمة

توضحت من رحلة البحث مجموعة من النتائج تنحصر على النحو الآتي:


أولاً: قدم الحسين (ع) رؤية جديدة في قضية الموت تعلقت بالكيفية التي يحيي بها الدين ويهز بها مشاعر الأمة.

ثانياً: تمثل الحسين الموت سبيلا لحياة الخلود فجرى على لسانه بألفاظ العشق والوله على غير عادة المأثور الأدبي في تصوير الموت.

ثالثاً: قامت رحلة الحسين (ع) التي سميناها رحلة الحياة على أسس في غاية الوضوح والتسليم والواقعية.



* هوامش البحث *

([1]) آل عمران: 169.

([2] ) ينظر في ذلك: الأربلي، كشف الغمة: 3/227، الفصول المهمة، ابن الصباغ: 2/681، 2/874، 2/902، 2/920، 2/960، 2/1052، 2/1058، 2/1076، 2/1093، الطبرسي، إعلام الورى: 2/131.

([3] ) اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس: 95، بلاغة علي بن الحسين، جعفر عباس حائري: 251.

([4] ) الطبرسي، إعلام الورى: 367، كشف الغمة، الإربلي: 3/227، الفصول المهمة، ابن الصباغ: 2/ 1093.

([5] ) ظ. عيون أخبار الرضا، الصدوق: 1/189.

([6] ) مقاتل الطالبيين، الأصفهاني: 315.

([7] ) ديوان ابن الرومي، تحقيق عبد الأمير علي مهنا: 145.

([8] ) ديوان الجواهري، الأعمال الكاملة: 4/726.

([9] ) نهج البلاغة، بشرح محمد عبده: 2/224.

([10] ) مناقب آل أبي طالب، ابن شهراشوب: 1/385.

([11] ) مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب: 3/224، ترجمة الإمام الحسين، ابن عساكر: 316.

([12] ) كشف الغمة، الإربلي: 2/239، موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع): 398.

([13] ) يوسف: 84-86.

([14] ) الهداية الكبرى، الخصيبي: 204، موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع): 487.

([15] ) مقتل الحسين، أبو مخنف: 92، الإرشاد، الشيخ المفيد: 2/82، تاريخ الطبري، الطبري: 4/308.

([16] ): اللهوف في قتلى الطفوف، ابن طاووس: 59.

([17] ) مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب: 3/241، حياة الإمام الحسين (ع)، باقر شريف القرشي: 1/12.

([18] ) كشف الغمة، الإربلي: 2/ 239.

([19] ) الكامل في التاريخ، ابن الأثير: 4/ 38.

([20] ) مقتل الحسين، ابو مخنف: 86.

([21] ) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 2 / 318.

([22] ) المصدر نفسه: 3/ 332.

([23] ) ظ. لسان العرب، ابن منظور: مادة (صبب).

([24] ) ظ. التصوير الفني في خطب الإمام علي (ع)، عباس الفحام: 89.

([25] ) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد: 10/ 256.

([26] ) الصافات: 102.

([27] ) اللهوف، ابن طاووس: 40.

([28] ) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 406.

([29] ) الكامل، ابن الأثير: 4/58، وحوي هو جون بن حوي.

([30] ) المصدر نفسه.

([31] ) بحار الأنوار، المجلسي: 45/ 87.

([32] ) الجرائح والخرائج، الراوندي: 2/847.

([33] ) موسوعة كلمات الإمام الحسين: 484.

([34] ) المصدر نفسه.

([35] ) المصدر نفسه.

([36] ) الإرشاد، الشيخ المفيد: 2/91، موسوعة كلمات الإمام الحسين: 493.

([37] ) الإرشاد، الشيخ المفيد: 2/91.


* مصادر البحث *

القرآن الكريم.

الإرشاد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت 413هـ)، صححه واخرجه: السيد كاظم الموسوي المياموي، مطبعة طهران، سوق السلطان 1377هـ.

ديوان ابن الرومي، ابن الرومي، شرح وتحقيق عبد الأمير علي مهنا، ط2، دار مكتبة الهلال، لبنان، 1998م.

إعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي(ت 548هـ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث، الطبعة الأولى، مطبعة ستارة – قم، 1417هـ.

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي(ت1111هـ)، مؤسسة الوفاء، بيروت – لبنان، الطبعة الثانية، 1983.

بلاغة الإمام علي بن الحسين، جعفرعباس حائري، ط1، 1425هـ، مطبعة دار الحديث، ايران

التصوير الفني في خطب الإمام علي (ع)، د. عباس الفحام، مؤسسة دار الصادق الثقافية، عمان الأردن 2012.

ترجمة الإمام الحسين، ابن عساكر(ت571هـ)، تح: محمد باقر المحمودي، ط، 2، مطبعة فروردين 1414هـ.

الجرائح والخرائج، قطب الدين الراوندي(ت573هـ)، تح: مؤسسة الإمام المهدي، ط1، 1409هـ، مطبعة العلمية قم.

حياة الإمام الحسين (ع)، باقر شريف القرشي، الطبعة الرابعة، مطبعة الآداب، النجف، 1974.

ديوان الجواهري , الأعمال الكاملة (1-7) للشاعر محمد مهدي الجواهري، دار الحرية للطباعة والنشر , الطبعة الثانية – بغداد 2001م.

عيون أخبار الرضا، الصدوق(ت381هـ)، تح: حسين الأعلمي، 1984، مطبعة الأعلمي. لبنان.

شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المدائني (ت 656 هـ). تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء التراث العربي، القاهرة، 1959م.

الفصول المهمة في معرفة الئمة، ابن الصباغ(ت855هـ)، تح: سامي الغريري، مطبعة دار الحديث، ط1، 1422هـ.

الكامل في التاريخ، ابن الأثير(ت630هـ) دار صادر ودار بيروت -بيروت. 1966م.

كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي(ت693هـ)، دار الأضواء لبنان.

لسان العرب، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور المصري( ت 711هـ). دار صادر ودار بيروت، لبنان 1379هـ ـ 1955م.

اللهوف في قتلى الطفوف، السيد ابن طاووس(ت664هـ)، ط1، 1417هـ، مطبعة مهر.

مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني(ت356هـ)، تح: كاظم المظفر، ط2، النجف الأشرف، 1965م.

مقتل الحسين، ابو مخنف الأسدي(ت157هـ)، تح: حسين الغفاري، مطبعة العلمية، قم.

موسوعة كلمات الإمام الحسين، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم، ط3، 1995.

نهج البلاغة، تحقيق و شرح: الشيخ محمد عبده، الطبعة الأولى، 1412هـ، مطبعة النهضة – قم.

الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي(ت334هـ)، ط4، مؤسسة البلاغ، لبنان. 1991م.