خلَّف العلامة الحلي قدس سره تراثاً علمياَّ ضخماً، خاصة في مجال العقيدة والكلام، وإنَّ من جملة آثاره الكلامية الرسالة الشهيرة بـ : الباب الحادي عشر، ذلك أنَّ العلامة لمَّا اختصر مصباح المتهجد لشيخ الطائفة الطوسي (ت 460 هـ) رحمه الله، وسمَّاه: منهاج الصلاح، في عشرة أبواب، ارتأى أن يضيف إليه باباً آخر يورد فيه ما يجب على المكلفين الاعتقاد به، فصار الباب الحادي عشر.
ولما كان هذا الباب الأخير اشتمل على كل ما يجب الاعتقاد به، موجزاً كافياً، واضحاً شافیاَ، جامعاً وافياً، انبرى العلماء إلى شرحه، وأصبح من أهمِّ المتون الكلامية، كما كانت ولاتزال من المتون الدراسية في الحوزات الدينية والمعاهد العلمية.
ومن أهم شروح الباب الحادي عشر، شرحان هما:
النافع يوم الحشر، للمقداد السيوري الحلي (ت هـ)، ومفتاح الباب لابن مخدوم الحسيني (من أعلام القرن الحادي عشر).
ولسنا الآن بصدد الخوض في ما يتعلق بالباب الحادي عشر، وخصائصه وشروحه وترجماته إلى سائر اللغات، وغير ذلك.
لكن من جملة الجهود المشكورة حول الباب الحادي عشر أنَّ من العلماء من تصدَّى لنظمه، وإخراجه على سياق الأرجوزة، هي هذه الرسالة التي نقدِّمها بين يدي القارئ الكريم، وإليك الكلام عن المؤلف وأرجوزته.
ترجمة المؤلِّف:
هو الشيخ المولى علي بن العلامة الشيخ محمد حسين الزنجاني.
ولد أعلى الله مقامه في بلدة زنجان، من أسرة علميَّة معروفة، فكان والده الملا محمد حسين الزنجاني من أعلام بلدته، وفيها أخذ المترجم أوليات العلوم، ولا يبعد أن تكون دراسته الأولى على يد والده، لكن قد حالفه الحظّ حيث أدرك العالم المحدِّث المتكلِّم، المولى خليل بن الغازي القزويني (ت 1089هـ) ([1]).
ثمَّ هاجر إلى إصفهان، وأكمل مشواره العلمي في إصفهان، التي كانت تعدُّ من الحواضر العلمية، في العهد الصفوي، فتلمذ على كبار علمائها، ولازم فيها السيد محمد مهدي الحسيني السيفي القزويني (ت 1150 هـ) ([2]).
ولمَّا بلغ المترجم مرتبة سامية من الفضل والعلم، رجع إلى بلدته بزنجان، واشتغل فيها بترويج الدين الحنيف، وبث الشرع الشريف، حتى وقعت هائلة غائلة هجوم العثمانيين على إيران، فاستشهد رحمه الله تعالى.
الثناء عليه:
مع شحة المصادر التي ترجمت للناظم الشهيد، إلا أنَّ كلَّ من ترجمه أشاد بذكره، وأثنى عليه، فممَّن أشاد به العلامة الرجالي الشيخ موسى الزنجاني: «من أجلاء حملة العلم والفضيلة، له خبرة بالكلام والحديث والفقه والرجال، تخرَّج على السيد قوام الدين القزويني الحسيني، وعلى العلامة الأكبر المولى خليل بن غازي [القزويني] قدس سرهما.
فآب إلى زنجان مروِّجاً وناشراً للأحكام، مبرزاً بإعلاء كلمة الحق، سالكاً نهج الهداية والإرشاد والتهذيب، حتى استشهد رحمه الله سنة 1136هـ» ([3]).
مؤلفاته:
لم تسعفنا مصادر ترجمته عن كثير من أحواله، فغاب عنا كثير من سيرته وترجمته؛ إلا أنَّ ما نطلع عليه من تراثه أنه قد خلَّف أرجوزتين، هما:
1. أرجوزة في الكلام، نظم فيها الباب الحادي عشر، وسوف يأتي الكلام عنها.
2. أرجوزة في المنطق، نظم فيها كتاب التهذيب في المنطق.
وقد ذكر الشيخ آقا بزرك أنَّه توجد منهما نسخة عند أحفاده في مكتبة آل شيخ الإسلام بزنجان([4]).
استشهاده:
إنَّ ممَّا أنعم الله تعالى على المترجم أن ختمه حياته بخير، حيث نال الشهادة في فتنة العثمانيين بقرب زنجان، فجمع بين فضل العلم وفضيلة الشهادة، حشره الله مع محمَّدٍ وآله الطيِّبين الأطهار.
وإليك تفصيل حادثة شهادته، كما ينقلها العلامة الشيخ موسى الزنجاني، وهو خير من ترجم الناظم، قال رحمه الله تعالى: «استشهد رحمه الله تعالى [في] سنة 1136، وذلك عند تهاجم العثمانيين على إيران، وتواطئهم مع الروس على تقسيم بلادها، وحكم علماء القسطنطينية بكفر الشيعة!!، وأنَّ بلادهم بلاد حرب ووجوب قتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم، على التفصيل المذكور في [كتاب] المنتظم الناصري (ج 2، الصحيفة 229).
ولمَّا اتصلت صولاتهم بنواحي زنجان، خرج المترجم مع زرافات من الأهلين للدفاع، فالتقت الفئتان في قرية قمچقاي من قرى إيجرود، من مضافات البلد بمقربة من خوئين، على ثمان فراسخ من البلد في طرف الجنوبي الغربي، واحتدم القتال، وانجلت الغبرة عن هذا القائد الكريم صريعاً، شهيد حمية على الدين، شهيد غيرة على المسلمين، شهيد وطنية وشهامة، شهيد نبل وزعامة، ولمَّا انتهى نبأ قتله إلى أستاده العلامة السيد قوام الدين [السيفي القزويني] أنشأ في تأريخه:
مولوي ملا علي مبرز كه بود
در طريق معرفت صاحب رشاد
علم را چون با عمل مقرون نمود
كرد در راه خدا عزم جهاد
بود در جنگ عدو ثابت قدم
تا به راه حق روان با صدق وداد
خامه وانشا به تاریخش نوشت:
«با شهید کربلا محشور باد»([5])
وقد خلف المترجم نجله العلامة الشيخ الميرزا محمد الزنجاني، وهو جدّ أسرة آل شيخ الإسلام بزنجان، وفي عقبه الكثير من علماء الدين وأعلام المذهب.
هذه الرسالة:
تعدُّ هذه الرسالة من جملة الجهود العلمية التي دارت حول رسالة الباب الحادي عشر، فليست هي الوحيدة في بابها في نظم هذه التحفة الكلامية؛ فقد ذكر العلامة الكبير الشيخ آقا بزرك الطهراني في ذريعته الخالدة، أرجوزتين في نظم هذه الرسالة الشريفة:
الأولى: رسالتنا هذه، وقال رحمه الله: « نظم الباب الحادي عشر، والناظم الملا علي بن محمد حسين الزنجاني، المولود سنة 1062، الشهيد بيد جيش الخليفة العثماني عند هجومهم الوحشي على زنجان في 1136... موجود عند أحفاده المعروفين بشيخ الاسلامي بزنجان».
الثانية: نظم الباب الحادي عشر، نظمه سليمان بن عبد الله الماحوزي، صاحب البلغة والمعراج، المتوفى سنة 1121، ذكره في إجازته لمحمد رفيع البيرمي ([6]).
إلا أنَّ ممَّا يؤسف له أنَّ الرسالة الثانية مفقودة، ولعلنا نعثر عليها في قادم من الأيام في خبايا مكتباتنا التي تنتظر من يفهرس مخطوطاتها، ويعرف بكنوز تراثنا العريق، وثمرات علمائنا الأعلام العلمية، وليس ذلك على الله بعزيز.
فعلى ذلك: تبقى هذه الرسالة فريدة في بابها، حتى نعثر على اختها، أو غيرهما، وقد ذكرها العلامة الكبير الشيخ آقا بزرك في الذريعة عدَّة مرَّات([7])، كما ذكرها العلامة الفقيد السيد عبد العزيز الطباطبائي في كتابه الثمين: مكتبة العلامة الحلي([8]).
لقد اعتمدنا في تحقيق هذه الأرجوزة على النسخة اليتيمة التي تحتفظ بها مكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي قدس سره بقم المقدسة، لم يذكر كاتبها، وإن احتمل كونها بخط المؤلف، وعلى النسخة جملة من الفوائد والأشعار المتفرقة، إلا أنَّها لا تخلو من العجمة وانكسار الوزن([9]).
لقد اتبعنا في تحقيق الأرجوزة الخطوات الآتية:
1. ترقيم الأبيات، وضبطها بالحركات.
2. وضع العناوين بين معقوفين لتسهيل القراءة والبحث.
3. تخريج ما استلزم تخريجه من الآيات والأحاديث.
4. مطابقة الأرجوزة مع متن رسالة الباب الحادي عشر.
5. تصحيح ما استطعنا عليه من العجمة والأخطاء في متن الأرجوزة.
ولا يفوتني أن أشكر فضيلة الشيخ مسلم الرضائي؛ لمقابلته معي هذه الأرجوزة، وملاحظاته النافعة.
حرِّر في ليلة المولد النبوي والصادقي الشريف، بجوار الحرم الفاطمي الشريف، والحمد لله أولاً وآخراً.
محمد الحسين
أحسن الله تعالى إليه
أرجوزة في نظم الباب الحادي عشر
نظم: العلامة الشهيد الشيخ المولى علي الزنجاني (ت 1136هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
1. الحَمْدُ للهِ العَلِيِّ العَالِيْ
الوَاجِبِ الوُجُوْدِ ذِيْ النَّوَالِ([10])
2. صَلاتُنَا عَلى النَّبِيِّ الخَاتمِ
مُحَمَّدٍ أفْضَلِ أهْلِ العَالَمِ
3. وَآلِهِ الأمْجَادِ وَالأطْهَارِ
النُّجَبَاءِ السَّادَةِ الأبْرَار
4. لاسِيَّمَا مَنْ نَصُّه بِـ: ﴿إنَّمَا﴾([11])
هُوَ الوَلِيُّ بَعْدَهُ مُسَلَّمَا
5. قَالَ عَلِيٌّ ابْنُ ذِي البَلاءِ
سَمِيُّ مَقْتُوْلِ بِكرْبَلاءِ
6. أسْعَدَهُ الخَالِقُ فِيْ المَآبِ
أدْخِلَ جَنَّةً بِلا حِسَابِ:
وبعد، فالمنظومة فِيْ [الـ]ـباب [الـ]ـحادي عشر، فيما يجبُ على عامَّة المكلَّفين من معرفة أصول الدين:
وقد فرغت عن تسويد هذا الكتاب بعون الملك الوهاب، فِيْ يوم أخذني خمسين ألف سنة [كذا].
وقد شرعت فيه فيه([32]) وهو يوم الثلاثاء من شهر جمادى الأولى سنة 1246 هجريـ[ـة].
وكل غلط يرى فيه من نسخة الصاحب لا من سهو الكاتب.
* هوامش البحث *
[1]. هو المولى خليل بن الغازي القزويني ( 1001-1089 هـ)، أحد مشاهير علماء الإمامية، ولد بقزوين في شهر رمضان سنة إحدى وألف، وقرأ على جماعة من العلماء، منهم: بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي، والسيد محمد باقر بن محمد الحسيني الإسترابادي الإصفهاني المعروف بالداماد، ومحمود الرناني، و المولى حسين اليزدي، وأبو الحسن القايني المشهدي.
وظهر تفوّقه في وقت مبكَّر، وصار وهو في أوائل الثلاثين من عمره متولَّياً لمشهد السيد عبد العظيم الحسني ببلدة الري، ومدرساً به في عهد الوزير السيد الحسين بن رفيع الدين محمد المعروف بسلطان العلماء، وكان الوزير المذكور شريكاً للمترجم في الأخذ عن المولى حسين اليزدي بمشهد الرضا عليه السَّلام ثم عُزل، فتوجَّه إلى مكة المكرّمة، وجاور بها برهة من الزمان مقبلًا على الجمع والتصنيف، ثم عاد إلى بلدته قزوين، فسكنها وشرع في التصنيف والتأليف ونشر العلوم.
وكان فقيهاً، أُصولياً، محدثاً، متكلماً، دقيق النظر، غزير العلم، مبجّلًا عند سلاطين الصفوية والوزراء والناس عُدّ من علماء الاخبارية، لكن اهتمامه بالأصول والفلسفة أثار الشكوك في كونه منهم هذا.
وقد أخذ عن المترجم طائفة من العلماء، منهم: أولاده : أحمد وأبو ذر وماتا في حياته، وسلمان، وأخوه محمد باقر بن الغازي، وبابا بن محمد صالح القزويني، ورضي الدين محمد بن الحسن القزويني، ومحمد التبريزي المعروف بالمجذوب، ومحمد كاظم الطالقاني، ومحمد يوسف بن بهلوان صفر القزويني، ومحمد صالح القزويني المعروف بالروغني، وعلي أصغر بن محمد يوسف القزويني، ومعصوم القزويني، والسيد محمد مؤمن بن محمد زمان الطالقاني القزويني، ومحمد تقي الدهخوارقاني ثم القزويني، ورفيع الدين محمد بن فتح اللَّه القزويني.
وصنّف ثلاث رسائل في الجمعة وله أيضاً : الصافي في شرح الكافي للكليني ألَّفه بالفارسية في مدة عشرين سنة، الشافي في شرح الكافي لم يتم، شرح عدة الأُصول في أصول الفقه للطوسي، حاشية على مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي، الرسالة النجفية في مسائل الحكمة، الرسالة القمّية في مسائل الحكمة، تعليقات على توحيد الصدوق، والمجمل في النحو، وغير ذلك توفّي بقزوين-سنة تسع وثمانين وألف. (جامع الرواة 1-298، أمل الآمل 2-112 برقم 314، روضات الجنات 3-269 برقم 287، رياض العلماء 2-261، هدية العارفين 1-354، تنقيح المقال 1-403 برقم 3772، الفوائد الرضوية 172، هدية الأحباب 176، أعيان الشيعة 6-355، ريحانة الأدب 4-450، طبقات أعلام الشيعة 5-203، الذريعة 15-4 برقم 17 و، الاعلام 2-368، معجم رجال الحديث 7-74 برقم 4333، معجم المؤلفين 4-125، معجم المفسرين 1-175).
[2]. هو السيد قوام الدين محمد بن محمد مهدي الحسيني السيفي، الفقيه الإمامي، الأديب، صاحب الأراجيز الكثيرة . أقام في أصفهان مدة . وتتلمذ على القاضي جعفر بن عبد اللَّه الكمرئي الأصفهاني، واختصّ به.
وأخذ شطراً من العلوم والمعارف الدينية عن المحدث الكبير الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، وحصل منه على إجازة تاريخها سنة ( 1107 هـ). وأجاز له السيد علي خان بن نظام الدين أحمد المدني بأصفهان، وأثنى عليه كثيراً، ثمّ ذكره في كتابه سلافة العصر. ومهر في علوم العربية وغيرها، ونظم في شتى الفنون كثيراً من المتون.
تتلمذ عليه: محسن بن محمد طاهر النحوي القزويني، وعبد النبي بن محمد تقي القزويني . وصحبه محمد علي بن أبي طالب الحزين برهة في أصفهان ثمّ في قزوين، وقال في حقّه: كان من أفاضل الدهر ونبلاء العصر في علوم العربية والفقه والحديث، جليلاً قدره.
وللمترجم مؤلفات، منها : التحفة القوامية في نظم اللمعة الدمشقية في الفقه للشهيد الأوّل، نظم زبدة الأصول في أصول الفقه للشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي، نظم مختصر الأصول لابن الحاجب، الصافية في نظم الكافية في النحو لابن الحاجب، الوافية في نظم الشافية في التصريف لابن الحاجب، نظم الشاطبية في القراءات، نظم خلاصة الحساب للشيخ البهائي، حاشية على الشفاء لابن سينا، رسالة في العروض، أرجوزة في الطب، وأرجوزة في الأخلاق، وما سوى ذلك.
وله شعر كثير بالعربية والفارسية والتركية، ومكاتبات ومراسلات مع العلماء والأدباء مثل السيد علي خان المدني، والسيد نصر اللَّه الحائري المدرس، والسيد نور الدين بن نعمة اللَّه الجزائري التستري.
توفّي في نحو سنة خمسين ومائة وألف، وكان السيد عبد اللَّه بن نور الدين الجزائري التستري قد اجتمع به بقزوين في عشر الخمسين بعد المائة والألف، وقال: إنّه راسلني بعد ما فارقته بمنظومة جيدة وأجبته مثلها، وتوفّي بعد ذلك بزمان يسير. (الإجازة الكبيرة للتستري 165، الفوائد الرضوية 621، الكنى والألقاب 3/90، أعيان الشيعة 9/412 و 10/74، ريحانة الأدب 4/492، الذريعة 3/462، برقم 1688 و 24/213 برقم 1106 و 230 برقم 1179، طبقات أعلام الشيعة 6/603).
[3]. الفهرست لمشاهير وعلماء زنجان، ص88.
[4]. لاحظ: الذريعة، ج1، ص494، وص 499.
[5]. الفهرست لمشاهير وعلماء زنجان، ص88 ـ 89.
[6]. لاحظ الذريعة، ج24، 129، بتصرف.
[7]. لاحظ: الذريعة، ج1، ص494، وج3، ص7.
[8]. مكتبة العلامة الحلي، ص69.
[9]. لاحظ: فهرس مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، ج7، ص357.
[10]. فِيْ الأصل: «ذو النوال»، والصواب ما أثبتناه.