البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

حديث الغدير، بين أدلة المثبتين وأوهام المبطلين (الحلقة الثانية)

الباحث :  السيد هاشم الميلاني
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  8
السنة :  السنة الثالثة - جمادى الآخره 1437هـ / 2016م
تاريخ إضافة البحث :  April / 17 / 2016
عدد زيارات البحث :  3919
تحميل  ( 689.152 KB )
 الخلاصة:

تطرقنا في الحلقة الأولى من هذا البحث إلى رواة حديث الغدير وما رووه، وفي هذه الحلقة سنتطرق إلى السند وإثبات صحة الحديث وتواتره وفي الختام ـ وتتميماً للفائدة ـ نعرّج على خطبة الغدير.

سند حديث الغدير :

يعدّ حديث الغدير من أهم ما استدلّت به الشيعة لإثبات إمامة أمير المؤمنين (ع)، وللعلماء طرق عدّة لإثبات صحته سنداً نوجزها فيما يأتي:

1 ـ العلم الضروري:

ذكر علماؤنا أنّ المطالبة بتصحيح خبر الغدير تعنّت، وذلك لظهوره وانتشاره بحيث أصبح كالضروري، وما المطالب بتصحيحه إلاّ كالمطالب بتصحيح غزوات الرسول (ص) الظاهرة والمشهورة، وأحواله وأخباره، وهذا لا يحتاج في ثبوته وصحته الى الأسانيد المتصلة، إذ هو من قبيل الاُمور الظاهرة التي نقلها الناس قرناً بعد قرن بغير إسناد معيّن وطريق مخصوص([1]).

قال الكراجكي (ت449): «ألا ترى الى وقعة بدر وحنين، وحرب الجمل وصفين، كيف لا يفتقر في العلم بصحّة شيء من ذلك الى سماع إسناد، ولا اعتبار أسماء الرجال، لظهوره المغني، وانتشاره الكافي، ونقل الناس له قرناً بعد قرن بغير إسناد، حتى عمّت المعرفة به واشترك الكلّ في ذكره، وقد جرى خبر يوم الغدير هذا المجرى، واختلط في الذكر والنقل بما وصفنا، فلا حجّة في صحّته أوضح من هذا»([2]).

ثمّ إنّ الفخر الرازي (ت606) قدح في هذا الدليل وقال: «أما دعواهم العلم الضروري بصحّته فمكابرة، لأنّا نعلم أنّه ليس العلم بصحّته كالعلم بوجود محمد (ص) وغزواته مع الكفّار وفتحه لمكة وغير ذلك من المتواترات»([3]).

وقد ردّ ابن ميثم البحراني (ت699) شبهة الرازي قائلاً: «قوله: هذه مكابرة إذ ليس العلم له كوجود مكة وغيرها من المتواترات، قلنا: عندنا أنّه كذلك، فأمّا عندكم فإن زعمتم أنّه لم يحصل لكم العلم به أصلاً فلم يضرّنا ذلك، وغير ممتنع أن يحصل لكم العلم للعلّة التي ذكرناها، وهو اعتقادكم لما ينافي موجب الخبر، وإن زعمتم أنّ العلم به حاصل لكن بينه وبين المتواترات تفاوت، فقد سلّمتم أنّه متواتر، وأمّا التفاوت فغير ضارّ لأنّ العلوم الضروريّة مختلفة بالأشدّية والأضعفيّة»([4]).

وأجاب البياضي (ت877) بنحو آخر حيث قال: «اعترض المخالف بمنع صحّة الحديث، ودعوى العلم الضروري به ممنوعة لمخالفتنا، قلنا: قد شرط المرتضى في قبول الضروري عدم سبق شبهة تمنع من اعتقاده، وهو حقّ، فإنّ اعتقاد أحد الضدّين يمنع من اعتقاد الآخر، والمخالف تمكّنت في قلبه الشبهة فمنعته من ذلك، قالوا: نجد الفرق بينه وبين الوقائع العظام، قلنا: يجوز التفاوت في الضروريّات»([5]).

وقد اجاب أيضاً السيد دلدار علي (ت 1235) عن شبهة الرازي قائلاً: «لاشكّ أنّ كلّ من تأمّل وأنصف في كثرة طرق الحديث واشتهاره بين الخاصّة والعامّة مع وفور الدواعي الى الكتمان، وكثرة الصوارف عن النقل، يحصل له العلم الضروري بصحّة هذا الحديث، كيف وقد يحصل للمسلمين القطع واليقين في كثير من الأمور الدينية التي هي أدون مرتبة في باب التواتر من هذا الحديث، كآيات التحدّي والتحدّي بها على رؤوس الأشهاد من الكفّار وأعداء الدين، مع وجود الدواعي الى المعارضة وعدم وجود الموانع، وهكذا صدور المعجزات ونحو ذلك، مع أنّ الكفّار كافّة ينكرون ذلك كلّه، ويدّعون أنّ أهل الإسلام كلّهم تواطؤوا على الكذب واختراع هذه الأخبار، لأنّ كلّهم من أرباب الأغراض والدواعي الى وضع تلك الأخبار، كما إنّ أهل الإسلام يدعون كذلك في باب الأخبار المخصوصة بأهل المذاهب الفاسدة من اليهود والصابئين وعبدة النيران والأوثان وسائر المشركين، فكيف يسوغ لمسلم منصف أن ينكر التفاوت بين العلمين، فعلى تقدير التسليم يكون حاله كحال التفاوت بين البديهيّين، فإنّه قد يكون أحدهما أجلى من الآخر، كيف ولو لم يكن الأمر كذلك يلزم إهمال كثير من المتواترات»([6]).

نعم ربّما يقال: إنّ العلم به لو كان كذلك لاشترك في الوقوف على تفاصيله ومعرفته جميع الناس: العام والخاص، والحال أنّه ليس كذلك، قلنا: «إنّ العلم به إنّما يحصل للمخالط المتأمل للآثار دون البعيد عنهما، كأمثاله من المعلومات التي يعلم بها من خالط العلماء وتأمّل النقل، ولا يحصل للمعرض، كتفصيل ما جرى في بدر وأُحد، والجمل وصفين، وتبوك وحجة الوداع، وكون الركوع والسجود والطواف والوقوف بعرفة من أركان الصلاة والحج، وتعلّق فرض الزكاة بأنواع التسعة، وإيجاب تعمّد الأكل والشرب والجماع في الصوم بالقضاء والكفارة، الى باقي أحكام هذه العبادات المعلوم ضرورة من دينه (ص) وجوبها، مع وجود أكثر العامّة وقطّان البدو والسواد جاهلين بجميعها أو معظمها لتشاغلهم بما بينهم من المعايش والأغراض الدنيويّة ...وإن كان جهل هؤلاء الحاصل فيهم لتشاغلهم عن مخالطة العلماء وإعراضهم عن سماع النقل والفتيا غير قادح في عموم العلم بما اتفق العلماء عليه، وعلم من دينه (ص) من الشرعيات، لم يقدح جهل العوام وطغام الناس بخبري تبوك والغدير في ثبوتهما وعموم العلم بهما»([7]).

وهناك شبهة أُخرى ذكرها أبو الصلاح الحلبي (ت447) وردّها، قال: «وليس لأحد أن يقول: فإذا كان العلم بخبري تبوك والغدير عامّاً، فلم فزع أكثر سلفكم الى إيراد الأسانيد بهما وإثبات طريق النقل لهما ؟ وأيّ حاجة فيما عمّ العلم به كبدر وحنين الى ترتيب نقل ؟

لأنّ العلماء من سلفنا وخلفنا رضي الله عنهم لم يعوّلوا في إثبات هذين الخبرين إلاّ على ما ذكرناه، وإنّما نبّهوا في الاستدلال على الطريق وصِفة التواتر تأكيداً للحجّة وتنبيهاً للمعرض على الطريق التي يعمّ العلم بتأمّلها، وجروا في ذلك مجرى من يسأل بيان العلم بصفة حجّة النبي (ص) هل في قِران أو إفراد أو تمتّع ؟ وأعيان المخلّفين عن غزاة تبوك ؟ وهل كانت ذات حرب أم لا ؟ وبقتل حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه)يوم أُحد دون غيره ؟ وبقتل عتبة وشيبة والوليد ببدر ؟ في فزعه الى الإشارة الى كتب أصحاب السيرة وطرق الناقلين، لذلك لا يجد مندوحة عنه، إذ هو الطريق الذي منه لحق التفصيل بالجمل في عموم العلم، ولذلك يجد كلّ من لم يخالط العلماء ويسمع الأخبار ويتأمّل الآثار من العوام وأهل السواد والأعراب وأشباههم لا يعلم شيئاً من ذلك، ولا يكون التنبيه لهم على طريق العلم بما نقله الرواة وأصحاب السير من تفاصيل ما جرى قادحاً في عموم العلم بها لكل متأمّل للآثار.

كذلك حال المنبّه من شيوخنا رضي الله عنهم على طرق الناقلين، والمشير الى صفات المتواترين بخبري تبوك والغدير للمعرض عن سماع ذلك ليس بقادح فيما بينّاه من عموم العلم بهما للمتأمّلين، على أنّ بإيراد ما نقله أصحاب الحديث من الخاصّة والعامّة حصل للسامع العلم بهما، كما بنقل الرواة للمغازي حصل العلم بها لكل سامع، وكيف يكون التنبيه على طريق عموم العلم بالمنقول قادحاً فيه لولا الغفلة»([8]).

2 ـ الإجماع:

مّما يدلّ على صحّة الحديث إجماع علماء المسلمين على صدوره، قال السيد المرتضى (ت 436): «وما نعلم أنّ فرقة من فرق الأُمّة ردّت هذا الخبر واعتقدت بطلانه وامتنعت من قبوله، وما تجمع الأُمّة عليه لا يكون إلاّ حقّاً عندنا وعند مخالفينا، وإن اختلفنا في العلّة والاستدلال»([9]).

وقال أبو الصلاح الحلبي (ت447): «ولذلك لا نجد أحداً من علماء القبلة قديماً وحديثاً ينكرهما، ولا يقف في صحّتهما، كما لا يشكّ في شيء من الأحكام المجمع عليها، وإن خالف في المراد بهما»([10]).

وقال ابن ميثم (ت699): «إنّ الأُمّة أجمعت على نقله، وإجماعهم على مذهب الخصم حجة، أمّا أنّها أجمعت على صحّته فلأنّ الشيعة بأسرهم ينقلونه ليثبتوا به إمامتهم، والخصم ينقله ليثبت فضيلته، فوجب أن يكون مجمعاً على صحّته»([11]).

وقد انبرى هنا بعض متكلّمي أهل السنة للقدح في دعوى الإجماع، واستدّلوا على ذلك بأربع أدلّة:

1 ـ قال الفخر الرازي (ت606) عند ردّه على الشيعة في دعوى الإجماع: «تدّعي أنّ كلّ الأُمّة قبلوه قبول القطع أو قبول الظنّ ؟ الأوّل ممنوع وهو نفس المطلوب، والثاني مسلّم وهو لا ينفعكم في مطلوبكم»([12]).

قلنا: لا طائل تحت هذه الشبهة سوى تنميق الألفاظ وتزويقها، لأنّ الذي قبله قطع بصحّته وصدوره، ولا فرق بين قبول القطع وقبول الظنّ، ذلك أنّ الذي قبله إن كان مراده صحّة السند وصدوره عن النبي (ص)، فهو هنا إما قاطع وإما غير قاطع، فإن كان قاطعاً فهو المطلوب، وإن كان غير قاطع فمعناه عدم حكمه بصحّته، وهذا لا يقدح في الإجماع ـ كما سنذكره لاحقاً ـ وأمّا إذا كان مراده القطع بالمدلول فالشيعة قطعت بكونه نصّاً، وأهل السنة قطعوا بكونه دليلاً على الفضل، ولا معنى للتفرقة بين قبول القطع وقبول الظن، إلاّ أن يريد أنّ دخول التأويل في فهم مدلوله يخرجه من القطع الى الظن، فهذا أيضاً لا ينفعه، إذ إنّ الآيات المتشابهة مع القطع بصدورها باتت معركة الآراء، وهذا لم يخرجها عن القطيعة وصحّة الصدور، غاية ما هنالك لابد من قبول أقرب التأويلات بالقياس الى الّلغة والعرف والقرائن الداخليّة والخارجيّة، فلا معنى حينئذ لقول الرازي: «الثاني مسلّم وهو لا ينفعكم في مطلوبكم» بل ينفعنا من حيث ثبوت الحديث سنداً، والقطع بصدوره يقيناً.

2 ـ تمسّك الفخر الرازي بشبهة أُخرى إذ زعم أنّ انشغال الأُمّة بتأويل الحديث والمناقشة فيه لا يكون دليلاً على صحته، قال: «وليس كلّ ما لا يكون صحّته يقينيّة للاُمّة فإنّهم لا يقبلونها، بل أكثر الأخبار التي قبلوها وعملوا بها واجتهدوا في معرفة معانيها غير مقطوعة الصحّة، فثبت بهذا أنّه لا يلزم من عدم ردّ الأُمّة لهذا الحديث وانشغالهم بحمله تارة على الإمامة وتارة على الفضيلة، قطعهم بصحّته»([13]).

وقد ردّ عليه ابن ميثم البحراني (ت699) قائلاً: «لا نسلّم، وذلك أنّ أكثر الأُمّة إذا اعتقدوا بأسرهم، مخالفهم ومؤالفهم، صحّته خصوصاً، وفي المخالفين لما يتضمّنه هذا الخبر من شديد المعاندة في إنكار مقتضاه، فيستحيل أن يكون فيه تسليم له ثم بعد ذلك يتعسّف في صرفه عن ظاهره الى تأويلات نادرة لا تسمن ولا تغني من جوع»([14]).

وقد أشار السيد المرتضى (ت436)فيما قبل الى نحو هذا الشبهة وردّها بقوله: «ليس يجوز أن يتأوّل أحد من المتكلّمين خبراً يعتقد بطلانه أو يشك في صحّته، إلاّ بعد أن يبيّن ذلك من حاله ويدلّ على بطلان الخبر أو على فقد ما يقتضي صحّته، ولم نجد مخالفي الشيعة في ماض ولا مستقبل يستعملون في تأويل خبر الغدير الاّ ما يستعمله المتقبّل، لأنّا لا نعلم أحداً منهم يعتدّ بمثله قدّم الكلام في إبطاله والدفع له أمام تأويله، ولو كانوا أو بعضهم يعتقدون بطلانه أو يشكّون في صحّته لوجب مع ما نعلمه من توفّر دواعيهم الى ردّ احتجاج الشيعة، وحرصهم على دفع ما يجعلونه الذريعة الى تثبيته أن يظهر عنهم دفعه سالفاً وآنفاً، ويشيع الكلام منهم في دفع الخبر كما شاع كلامهم في تأويله، لأنّ دفعه أسهل من تأويله، أو أقوى في إبطال التعلّق به، وأنفى للشبهة»([15]).

3 ـ قال الفخر الرازي أيضاً «إنّ كثيراً من أصحاب الحديث لم ينقلوا هذا الحديث كالبخاري ومسلم والواقدي وابن اسحاق»([16]).

فنقول في الجواب:

أوّلاً: إنّ عدم إخراج هؤلاء الأربعة لهذا الحديث لا يقدح فيه بل هو قدح فيهم، إذ أهملوا حديثاً اجتمعت الأُمّة على نقله وتصحيحه وروايته، ورووا أحاديث أُخر لا تصل الى رتبته، بل هي الى الوضع أقرب.

ثانياً: «كون شخص أو شخصين أهملا حديثاً لم يلزم منه سقوط ذلك الحديث وكذبه، فإنّه لو نقل كلّ الرواة كلّ الأخبار كما وقعت عن رسول الله (ص) لما وقع بين الناس خلاف في خبر قط، ومعلوم أنّ الخلاف في الأخبار أكثر من أن يحصى، ثم الحامل لهم على الإهمال إمّا عدم الوصول الى التزكية، أو لاعتقادهم عدم صحّته لشبهة عندهم، أو لعدم اعتقادهم لصحّته، أو لتوقّفهم في رواته، حتى أنّ تاركيه لو صرّحوا بفساده لم يلزم فساده»([17]).

ثالثاً: قال ابن حجر (ت852) في فتح الباري في ردّ من شكّ في معجزة شقّ القمر بأنّ أهل التنجيم لم يذكروه: «وأمّا من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه، فجوابه إنّه لم ينقل عن أحد منهم أنّه نفاه، وهذا كاف، فإنّ الحجّة فيمن أثبت لا فيمن لم يوجد منه صريح النفي، حتى أنّ من وجد منه صريح النفي، يقدّم عليه من وجد منه صريح الإثبات»([18]).

عدم ذكر البخاري ومسلم:

أما كون البخاري ومسلم لم يروياه فنقول ـ مضافاً الى ما مرّ من الأجوبة العامة ـ: إنّ الروايات الصحيحة لا تنحصر في الصحيحين، فهذا الحاكم النيسابوري (ت405) قد استدرك عليهما كثيراً من الأحاديث، وأثبت صحّتها على شرطهما أو شرط أحدهما، ووافقه الذهبي على كثير منها، قال الحاكم في مقدمة كتابه: «لم يحكما ـ يعني البخاري ومسلم ـ ولا واحد منهما بأنّه لم يصحّ من الحديث غير ما أخرجاه، وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار بأنّ جميع ما يصحّ عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقلّ أو أكثر منه كلّها سقيمة غير صحيحة»([19]).

وقد ردّ النووي (ت 676) على الدار قطني في إلزامه على الشيخين ترك كثير من الصحيح: «هذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة، فإنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صحّ عنهما تصريحهما بأنّهما لم يستوعباه، وإنّما قصدا جمع جمل من الصحيح، كما يقصد المصنّف في الفقه جمع جملة من مسائله»([20]).

وقال القاضي الكناني (ت 733): «لم يستوعبا كلّ الصحيح في كتابيهما، وإلزام الدار قطني وغيره لهما أحاديث على شرطهما لم يخرجاها ليس بلازم لهما في الحقيقة، لأنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل جملة منه أو ما يسدّ مسدّه من غيره منه، قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع الاّ ما صحّ، وتركت من الصحاح لحال الطول، وقال مسلم: ليس كلّ شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، وإنّما وضعت ما أجمعوا عليه، ولعلّ مراده ما فيه شرائط الصحيح المجمع عليه عنده لا إجماعهم على وجودها في كل حديث منه، أو أراد ما أجمعوا عليه في علمه متناً أو إسناداً وإن اختلفوا في توثيق بعض رواته، فانّ فيه جملة أحاديث مختلف فيها متناً أو إسناداً ... »([21]).

وقد قال ابن القيّم (ت 751) في مسألة وقوع الطلاق بكلمة واحدة، ردّاً على من تمسّك بأنّ البخاري لم يرو الحديث ورواه مسلم فقط، قائلاً: «ما ضرّ ذلك الحديث انفراد مسلم به شيئاً، ثم هل تقبلون أنتم أو أحد مثل هذا في كلّ حديث ينفرد به مسلم عن البخاري، وهل قال البخاري قط أنّ كل حديث لم أدخله في كتابي فهو باطل أو ليس بحجّة أو ضعيف، وكم قد احتجّ البخاري بأحاديث خارج الصحيح وليس لها ذكر في صحيحه، وكم صحّح من حديث خارج عن صحيحه»([22]).

ثم إنّه كم من حديث صحيح رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، ومع هذا قد طعن فيه بعض علماء أهل السنة، فعلى فرض روايتهما لحديث الغدير ـ كسائر الحفّاظ من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد ـ لكان لطعن الحاقدين فيه مجال واسع.

وإليك بعض النماذج مّما ورد في الصحيحين وردّه أو ناقش فيه ـ سنداً أو متناً أو كليهما ـ أهل السنة:

من تلك الموارد حديث تأخّر علي (ع) عن بيعة أبي بكر لستة أشهر وجميع بني هاشم الوارد في الصحيحين([23])، ولكن مع هذا ضعّفه البيهقي، قال ابن حجر العسقلاني (ت852) في فتح الباري: «أما ما وقع في مسلم عن الزهري أنّ رجلاً قال: لم يبايع علي أبا بكر حتى ماتت فاطمة، قال: ولا أحد من بني هاشم، فقد ضعّفه البيهقي بأنّ الزهري لم يسنده ... »([24]).

وقد قال المولوي حيدر علي الفيض آبادي الهندي بعد ذكر التأويلات والأقوال المختلفة حول هذا الحديث: «يلوح من كتب المحدّثين ـ بعد التنقيب والتحقيق ـ بوضوح أنّ في صحّة بعض روايات صحيح البخاري كلاماً، وكذلك في بعض روايات صحيح مسلم، وقلنا فيما سبق أنّ هذه الروايات التي باتت مثار القيل والقال عند أهل الحديث، تكون بمثابة أقل القليل، وهي في الصحيح الثاني أكثر»([25]).

كما ردّ الفيض آبادي أيضاً حديث القرطاس الموجود في صحيح البخاري ومسلم في أكثر من مكان، ونسب تضعيفه بل القول بوضعه الى الآمدي أيضاً، ثم صرّح تصريحاً خطيراً حيث قال: «يُنقل عن شيوخ المحدّثين أنّه يظهر بعد الفحص ضعف (210) رواية في الصحيحين، تفرّد البخاري بثمانين رواية، وتفرّد مسلم بمائة، واشتركا في ثلاثين رواية»([26]).

قال ابن تيمية (ت 728) في منهاج السنة: «المواضع المنتقدة غالبها في مسلم، وقد انتصر طائفة لهما ـ يعني للبخاري ومسلم ـ فيها، وطائفة قوّت قول المنتقد، والصحيح التفصيل، فإنّ فيهما مواضع منتقدة بلاريب، مثل حديث: خلق الله التربة يوم السبت، وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر»([27]).

ومع هذا فإنّ الكتابين نفسيهما مطعون فيهما، ويوجد كلام حول تقديمهما على غيرهما، قال الحافظ الأدفوي (ت 749) الذي أثنى عليه ابن حجر في الدرر الكامنة 1: 535 كثيراً، قال في ردّ ابن الصلاح في تلقي الأُمّة كتابي البخاري ومسلم بالقبول: «إنّ قول الشيخ أبي عمرو بن الصلاح: إنّ الأُمّة تلقّت الكتابين بالقبول، إن أراد كلّ الأُمّة فلا يخفى فساده لك، إذ الكتابان إنّما صنّفا في المائة الثالثة بعد عصر الصحابة والتابعين، وتابعيّ التابعين، وأئمة المذاهب المتبعة، ورؤوس حفّاظ الأخبار، ونقّاد الآثار المتكلّمين في الطرق والرجال المميّزين بين الصحيح والسقيم، وإن أراد بالاُمّة الذين وجدوا بعد الكتابين، فهم بعض الاُمّة، فلا يستقيم دليله الذي قرّره من تلقّي الاُمّة وثبوت العصمة لهم ... ثم إن أراد كلّ حديث فيهما تُلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم، فقد تكلّم من الحفّاظ في أحاديث فيهما: فتكلّم الدار قطني في أحاديث وعلّلها، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الإسراء قال إنّه خلط، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينهما، والقطع لا يقع التعارض فيه.

وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديث محمد بن بشار بندار وأكثرا من الاحتجاج بحديثه، وتكلّم فيه غير واحد من الحفّاظ أئمة الجرح والتعديل، ونسب الى الكذب، وحلف عمرو بن علي الفلاس شيخ البخاري أنّ بندار يكذب في حديثه عن يحيى، وتكلّم فيه أبو موسى، وقال علي بن المديني في الحديث الذي رواه في السجود: هذا كذب ... ـ الى أن قال: ـ وأمثال ذلك يستغرق أوراقاً، فتلك الأحاديث عندهما ولم يتلقّوها بالقبول»([28]).

كما أنّ الحافظ أبا زرعة (ت 264 أو 268) قد طعن في مسلم وصحيحه، فقد قال في حقّه: «هذا ليس له عقل، لو دارى محمد بن يحيى لصار رجلاً»([29]) وفي مورد آخر قال لما ذكر عنده صحيح مسلم: «هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه، فعملوا شيئاً يتسوّقون به»([30])، وأبو زرعة هذا هو الذي قال في حقّه إسحاق بن راهويه: «كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل»([31]).

أما البخاري فلم يسلم من القدح أيضاً، فقد قدحه أبو زرعة وأبوحاتم([32])، وكذلك قدحه محمد بن يحيى الذهلي، وأشار الى عدم مجالسته لما أبداه في مسألة القرآن([33])، كما قال أيضاً: «قد أظهر هذا البخاري قول اللفظيّة، واللفظيّة عندي شرّ من الجهمية([34]) »، وقال: «...وصنّف في ذلك كتاب (أفعال العباد) مجلّد، فأنكر عليه طائفة ما فهموا مرامه كالذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي بكر الأعين وغيرهم»([35]).

ومن الطريف أنّ الرازي الذي قدح في حديث الغدير لعدم رواية البخاري ومسلم له، وجعل هذا ذريعة لردّ الحديث، نسى موقفه هذا وقال في كتابه الآخر (مناقب الشافعي) ردّاً على من ضعّف الشافعي لعدم رواية البخاري ومسلم عنه قائلاً: «الرابع: إنّ البخاري ومسلماً ما رويا عنه، ولولا أنّه كان ضعيفاً في الرواية لرويا عنه كما رويا عن سائر المحدّثين، ثم قال في الجواب: إنّ البخاري روى عن أقوام ما روى عنهم مسلم، ومسلماً روى عن أقوام لم يرو عنهم البخاري، فدلّ على أنّهما إن تركا الرواية عن رجل لم يوجب ذلك قدحاً فيه ... وترك الرواية لا يدلّ على الجرح»([36]).

فتلخّص مّما مضى أنّ عدم رواية البخاري ومسلم لحديث الغدير لا يدلّ على قدح في الحديث لا من قريب ولا من بعيد، مضافاً الى أنّ شيوخ البخاري ومسلم قد رويا حديث الغدير بأسانيد صحاح وحسان، وقد سرد أسماءهم العلاّمة الأميني في الغدير، فراجعه([37]).

عدم نقل الواقدي وابن اسحاق:

أمّا عدم نقل الواقدي لحديث الغدير، فلا يضرّنا أيضاً، إذ ليس هو من أئمّة الحديث والحفّاظ الذين يشار إليهم بالبنان، وبعد ما أثبتنا أنّ عدم رواية البخاري ومسلم للحديث غير قادح فيه، فعدم القدح لعدم رواية الواقدي إيّاه أولى، مضافاً الى أنّ الواقدي نفسه مقدوح ومتهم عند أهل السنة، ومن الطريف أنّ الشيعة عندما تستشهد برواية الواقدي في مطاعن الخلفاء، يجيب أهل السنة بأنّه ضعيف وكذّاب ومدلّس، ولكن هنا قد أصبح عدم روايته دليلاً على القدح في حديث الغدير.

وكذلك جوابنا في عدم رواية إبن إسحاق أيضاً، ولكن مع هذا فإنّ ابن إسحاق قد أشار الى الحديث وذكر سببه، وذلك فيما رواه ابن كثير وغيره في بعثة اليمن وشكاية الصحابة من علي (ع) ([38]).

4 ـ قال الفخر الرازي (ت 606): «بل الجاحظ وابن أبي داود السجستاني وأبو حاتم الرازي وغيرهم من أئمة الدين قدحوا فيه واستدلّوا على فساده»([39]) وأضاف ابن تيمية (ت 728) الى هذه القائمة أسماء أخر حيث قال: «فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنّهم طعنوا فيه وضعّفوه»([40]).

فنقول في الجواب:

أوّلاً: ليست هذه الشبهة بالشيء الجديد، فقد طرحت قبل الرازي بقرون، وقد أشار اليها السيد المرتضى (رحمه الله) (ت 436) في الشافي وردّها، حيث قال: «أوّل ما نقوله إنّه لا معتبر في باب الإجماع بشذوذ كلّ شاذ عنه، بل الواجب أن يعلم أنّ الذي خرج عنه مّمن يعتبر قول مثله في الإجماع، ثم يعلم أنّ الإجماع لم يتقدّم خلافه، فابن أبي داود والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما بما ذكرناه من الإجماع خصوصاً بالذي لا شبهة فيه من تقدّم الإجماع وفقد الخلاف وقد سبقهما ثم تأخّر عنهما»([41]).

ثانياً: إنّ قدح الجاحظ لو ثبت لا يضرّ، لأنّ «طريقته المشتهرة في تصنيفاته المختلفة، وأقواله المتضادّة المتناقضة، وتأليفاته القبيحة في اللّعب والخلاعة، وأنواع السخف والمجانة الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة، يمنع من الالتفات الى ما يحكيه، ويوجب التهمة له فيما ينفرد به ويأتيه»([42]).

مضافاً الى أنّه من النواصب المبغضين لأمير المؤمنين (ع)، قال ابن تيمية (ت 728): «نعم مع معاوية طائفة كثيرة من المروانية وغيرهم كالذين قاتلوا معه وأتباعهم بعدهم، يقولون إنّه كان في قتاله على الحق مجتهداً مصيباً، وإنّ علياً ومن معه كانوا ظالمين أو مجتهدين مخطئين، وقد صنّف لهم في ذلك مصنّفات مثل كتاب المروانية الذي صنّفه الجاحظ»([43]).

ثالثاً: إنّ ما نسب الى ابن أبي داود السجستاني من القدح في الحديث لم يثبت، قال السيد المرتضى (ت 436): «إنّ ابن أبي داود لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خم متقدّماً»([44])، وأضاف أبو صلاح الحلبي (ت 447) قوله: «إنّ المضاف الى السجستاني من ذلك موقوف على حكاية الطبري مع ما بينهما من الملاحاة والشنآن، وقد أكذب الطبري في حكايته عنه، وصرّح بأنّه لم ينكر الخبر وإنّما أنكر أن يكون المسجد بغدير خم متقدّماً، وصنّف كتاباً معروفاً يعتذر فيه مّما قرفه به الطبري ويتبرّأ منه»([45]).

مضافاً إلى أنّ ـ والده ـ أبا داود قد روى الحديث، كما في كتاب الخصائص للنسائي حيث روى حديث المناشدة عن أبي داود([46])، وكفانا الوالد مؤنة الابن حيث كذّبه، قال: «ابن عدي، أنبأ علي بن عبدالله الداهري، سمعت أحمد بن محمد بن عمرو كركره، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد، سمعت أبا داود يقول: ابني عبدالله كذّاب، قال ابن صاعد: كفانا ما قال فيه أبوه»([47])، وكذلك قال إبراهيم الأصفهاني: أبوبكر بن أبي داود كذّاب، وقال أبو القاسم البغوي لابن أبي داود: أنت عندي والله منسلح من العلم([48])، فلا ضير إذاً في قدحه بلغ ما بلغ.

رابعاً: أما أبو حاتم الرازي وقدحه في حديث الغدير فلا يضرّ أيضاً، وذلك أنّ أبا حاتم باعتراف أهل السنة كان متعنّتاً في الرجال، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: «إذا وثّق أبو حاتم رجلاً فتمسّك بقوله فإنّه لا يوثّق إلاّ رجلاً صحيح الحديث، وإذا ليّن رجلاً أو قال فيه لا يحتج به، فتوقّف حتى ترى ما قال غيره فيه، فإن وثّقه أحد فلا تبنِ على تجريح أبي حاتم فإنّه متعنّت في الرجال، قد قال في طائفة من رجال الصحيح ليس بحجة، ليس بقويّ أو نحو ذلك»([49]).

وقال أيضاً: «يعجبني كثيراً أبو زرعة في الجرح والتعديل يبين عليه الورع والخبرة، بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنّه جرّاح»([50])، فكيف بعد هذا نعتمد على جرحه وقدحه في الحديث إن ثبت ذلك عنه.

خامساً: أمّا كون البخاري وإبراهيم الحربي قدحا في حديث الغدير، فلم نسمعه إلاّ من ابن تيمية ولم يسبقه أحد فيما نعلم، ومع هذا فهو ادعاء صرف لم يقم عليه دليلاً، ولم يذكر المصدر حتى يرجع اليه ويرى سبب القدح، فلا عبرة إذ به إذا هو مجرد ادعاء ومكابرة، أمّا طعن ابن حزم فسنجيب عليه في ذكر طرق الحديث.

سادساً وأخيراً: إنّ قدح القادحين لا يقاوم من صرّح بصحّة الحديث وتواتره من الحفّاظ أصحاب السنن والمسانيد، و« القول الشاذ لو أثّر في الإجماع، وكذلك الرأي المستحدث لو أبطل مقدّم الاتفاق، لم يصحّ الاحتجاج بالاجماع، ولا يثبت التعويل على اتفاق»([51]).

مضافاً الى القاعدة المقرّرة عند القوم من تقديم المثبت على النافي، قال ابن حجر (ت 852) في مقام الدفاع عن صحّة شق القمر أمام المنكرين له: «إنّ الحجة فيمن أثبت لا فيمن لم يوجد منه صريح النفي، حتى أنّ من وجد منه صريح النفي يقدّم عليه من وجد منه صريح الاثبات»([52])، وكما قال العيني (ت 855) في عمدة القاري بالنسبة الى الخلاف القائم بين من أثبت صلاة النبي (ص) في جوف الكعبة وبين من نفاها، قال: «ومن الأجوبة أنّ القاعدة تقديم المثبت على النافي»([53]).

وكذلك قال المناوي (ت 1031): «القاعدة عند التعارض تقديم المثبت»([54]).

إذا عرفت هذا فثبوت حديث الغدير والإجماع عليه مّما لا يؤثر فيه طعن الطاعنين للأدلّة التي ذكرناها، فيبقى الإجماع على حاله من غير خدشة.

3 ـ التصريح بتواتر الحديث:

وسيأتي الحديث عنه لاحقاً.

4 ـ التصريح بتصحيح الحديث:

صرّح كثير من علماء السنة بصحّة حديث الغدير، وفيما يأتي نشير إلى أهمّ العلماء:

1 ـ ابن ماجة (ت 273) أورده في سننه 1: 45 ح 121، وهو وإن لم يصرّح بتصحيحه ولكن يعدّ كتابه من الصحاح الستة عند أهل السنة.

2 ـ الترمذي (ت 279) في سننه 5: 297 ح 3797، وقال: حديث حسن غريب، وكتابه أيضاً من الصحاح الستة عند أهل السنة.

3 ـ الطحاوي (ت 321) في مشكل الآثار 2: 308 قال بعد ما روى حديث جابر: صحيح الإسناد لا طعن لأحد في رواته .

4 ـ ابن حبان (ت 354) في صحيحه 15: 376.

5 ـ الحاكم النيسابوري (ت 405) في المستدرك 3: 109، صححه على شرط الشيخين.

6 ـ أبو القاسم الفضل بن محمد الأصفهاني (ق 5) نقل تصحيحه ابن المغازلي في المناقب: 27 ح 39.

7 ـ ابن عبد البر القرطبي (ت 463) رواه في الاستيعاب مع حديث المؤاخاة والراية وقال: هذه كلها آثار ثابتة([55]).

8 ـ ابن المغازلي (ت 483) في المناقب: 27 نقل تصحيح الأصفهاني وارتضاه.

9 ـ سبط ابن الجوزي (ت 654) في تذكرة الخواص، صحّح رواية أحمد عن البراء بن عازب([56]).

10 ـ أبو عبدالله الكنجي الشافعي (ت 658) قال في كفاية الطالب بعد رواية الحديث بعدّة الطرق: «وانضمام هذه الأسانيد بعضها الى بعض حجّة في صحّة النقل»([57]).

11 ـ أبو المكارم السمناني (ت 736) قال بعد روايته: «وهذا الحديث متّفق على صحّته»([58]).

12 ـ الحافظ الذهبي (ت 748) قال في سير أعلام النبلاء في ترجمة الطبري 14: 276: جمع حديث غدير خم في أربعة أجزاء رأيت شطره فبهرني سعة رواته وجزمت بوقوع ذلك.

13 ـ الحافظ ابن كثير (ت 774) صحّح كثيراً من طرقه في البداية والنهاية 5: 228 ـ 234، 7: 333 ـ 337، السيرة النبوية 4: 414 ـ 425.

14 ـ الهيثمي (ت 807) في مجمع الزوائد ج9 صحّح كثيراً من طرقه برواية أحمد والطبراني وغيرهما.

15 ـ إبن حجر العسقلاني (ت 852) قال في فتح الباري 7: 60 وكثير من أسانيدها صحاح وحسان.

16 ـ أبو العباس القسطلاني (ت 923) قال بعد ذكر كثرة طرقه: «وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»([59]).

17 ـ ابن حجر الهيثمي (ت 973) في الصواعق المحرّقة 1: 106 وقال: حديث صحيح لا مرية فيه.

18 ـ ملا علي القاري (ت 1014) قال في المرقاة شرح المشكاة 5: 568 هذا حديث صحيح لا مرية فيه.

19 ـ المناوي (ت 1031) في فيض القدير 6: 218 نقل تصحيح الهيثمي وارتضاه.

20 ـ الحلبي (ت 1044) في السيرة الحلبية 3: 274 قال: هذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحّته كأبي داود وأبي حاتم الرازي، وقول بعضهم إنّ زيادة: «ألّلهم وال من والاه » الى آخره موضوعة مردود ، فقد ورد ذلك من طرق صحّح الذهبي كثيراً منها ».

21 ـ الشيـخ أحمـد بن باكثير المكي (ت 1047) قـال: «وهذا حـديث صحيح لا مرية فيه ولا شك ينافيه، وروي عن الجمّ الغفير من الصحابة، وشاع واشتهر، وناهيك بمجمع حجة الوداع»([60]).

22 ـ أبو عبدالله الزرقاني المالكي (ت 1122) في شرح المواهب صحح طريق الطبراني([61]).

23 ـ البدخشاني (ت 1126) في مفتاح النجاة قال: حديث صحيح مشهور (عنه العبقات، حديث الغدير 1: 50).

24 ـ الأمير الصنعاني (ت 1182) في التنوير شرح الجامع الصغير 10: 387 نقل تصحيح الهيثمي وارتضاه.

25 ـ الألباني (ت 1420) في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 330 رقم1750 حيث صحّح كثيراً من طرقه برواية أحمد والنسائي والطبراني وغيرهم، ثم قال: «كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث، وبيان صحّته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث، وأما الشطر الآخر فزعم أنّه كذب، وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعة في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها ».

إذا عرفت هذا فلا عبرة لما قاله ابن حزم (ت 456): «أمّا (من كنت مولاه فعليّ مولاه) فلا يصحّ من طريق الثقات أصلاً»([62])، وكذلك لا عبرة بتضعيف ابن تيمية ومن حذا حذوه بتصريح إمام السلفية في الجرح والتعديل العلاّمة الألباني.

5 ـ طرق الحديث ورواته:

يشهد كثرة طرق حديث الغدير ورواته على صحّته، وسيأتي بيانه.

6 ـ المناشدة بالحديث:

يشهد لصحّته مناشدة أمير المؤمنين (ع) واحتجاجه بالحديث، واعتراف الجم الغفير من الصحابة بذلك .

7 ـ الشعراء:

يستدلّ لإثبات صحّته أيضاً بما نظمه الشعراء من القرن الأوّل إلى يومنا هذا .

8 ـ الكتب المؤلّفة:

يشهد لصحّته أيضاً ما ألّفه كبار الحفّاظ والمحدّثين أمثال الطبري، ابن عقدة والذهبي في خصوص حديث الغدير.

بهذه الأدلّة الثمانية نثبت صحّة صدور حديث الغدير وتواتره أيضاً، ولا مجال للطعن فيه إلاّ لمن أراد أن يكابر وينكر الواضحات والمسلّمات.

طرق حديث الغدير:

يُعرف حديث الغدير بكثرة طرقه ورواته في كلّ طبقة، مّما يدلّل على شأنه العظيم واهتمام الحفّاظ والمحدّثين بروايته وجمع طرقه.

فقد روى ابن المغازلي (ت 483) عن أبي القاسم الفضل بن محمد بن عبدالله الأصفهاني أنّه قال: «قد روى حديث غدير خم عن رسول الله (ص) نحو من مائة نفس منهم العشرة، وهو حديث ثابت لا أعرف له علّة، تفرّد علي (ع) بهذه الفضيلة ليس يشركه فيها أحد»([63]).

قال ابن شهر آشوب (ت 588) في المناقب: «العلماء مطبقون على قبول هذا الخبر، وإنّما وقع الخلاف في تأويله، ذكره: محمد بن إسحاق، وأحمد البلاذري، ومسلم بن الحجاج، وأبو نعيم الأصفهاني، وأبو الحسن الدار قطني، وأبو بكر بن مردويه، وابن شاهين، وأبو بكر الباقلاني، وأبو المعالي الجويني، وأبو إسحاق الثعلبي، وأبو سعد الخركوشي، وأبو المظفر السمعاني، وأبو بكر بن شيبة، وعلي بن الجعد، وشعبة، والأعمش، وابن عياش، وابن الثلاج، والشعبي، والزهري، والأقليشي، وابن البيع، وابن ماجة، وابن عبد ربه، والألكاني، وأبو يعلى الموصلي من عدّة طرق، وأحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن بطة من ثلاث وعشرين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً في كتاب الولاية، وأبو العباس ابن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً.

وقد صنّف علي بن هلال المهلبي كتاب الغدير، وأحمد بن محمد بن سعد كتاب من روى غدير خم، ومسعود الشجري كتاباً فيه رواة هذا الخبر وطرقهم، واستخرج منصور اللاني الرازي في كتابه أسماء رواتها على حروف المعجم.

وذكر عن الصاحب الكافي أنّه قال: روى لنا قصّة غدير خم القاضي أبو بكر الجعابي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، والحسن والحسين، وعبدالله بن جعفر، وعباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن عباس، وأبوذر، وسلمان وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن، وأبو قتادة، وزيد بن أرقم، وجرير بن حميد، وعدي بن حاتم، وعبد الله بن أنيس، والبراء بن عازب، وأبو أيوب، وأبو برزة الأسلمي، وسهل بن حنيف، وسمرة بن جندب، وأبو الهيثم، وعبد الله بن ثابت الأنصاري، وسلمة بن الأكوع، والخدري، وعقبة بن عامر، وأبو رافع، وكعب بن عجرة، وحذيفة بن اليمان، وأبو مسعود البدري، وحذيفة بن أسيد، وزيد بن ثابت، وسعد بن عبادة، وخزيمة بن ثابت، وحباب بن عتبة، وجندب بن سفيان، وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد، وعبادة بن الصامت، وأبو زينب، وأبو ليلى، وعبد الله بن ربيعة، وأُسامة بن زيد، وسعد بن جنادة، وخباب بن سمرة، ويعلى بن مرة، وابن قدامة الأنصاري، وناجية بن عميرة، وأبو كاهل، وخالد بن الوليد، وحسان بن ثابت، والنعمان بن عجلان، وأبو رفاعة، وعمرو بن الحمق، وعبد الله بن يعمر، ومالك بن الحويرث، وأبو الحمراء، وضمرة بن الحبيب، ووحشي بن حرب، وعروة بن أبي الجعد، وعامر بن النميري، وبشير بن عبد المنذر، ورفاعة بن عبد المنذر، وثابت بن وديعة، وعمرو بن حريث، وقيس بن عاصم، وعبد الأعلى بن عدي، وعثمان بن حنيف، واُبيّ بن كعب.

ومن النساء: فاطمة الزهراء (ع)، وعائشة، وأُم سلمة، وأُم هاني، وفاطمة بنت حمزة، ...وذكره عمر بن أبي ربيعة في مفاخرته، وذكره حسان في شعره.

وفي رواية عن الباقر (ع) قال: لما قال النبي (ص) يوم الغدير بين ألف وثلاثمائة رجل: (من كنت مولاه فعليّ مولاه) الخبر. الصادق: نعطي حقوق الناس بشهادة شاهدين، وما أُعطي أمير المؤمنين حقّه بشهادة عشرة آلاف نفس، يعني الغدير»([64]).

ونقل ابن جبر (ق 7) عن ابن شهر آشوب أيضاً قوله: «سمعت أبا علي العطار الهمداني يقول: أروي هذا الحديث على مائتي وخمسين طريقاً، قال: وقال جدّي شهر آشوب: سمعت أبا المعالي الجويني يتعجّب ويقول: شاهدت مجلّداً ببغداد في يد صحّاف فيه روايات هذا الخبر مكتوباً عليه: المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ويتلوه المجلّدة التاسعة والعشرون»([65]).

وقال السيد ابن طاوس (ت 664) في الإقبال: «فمن ذلك ما صنّفه أبو سعد مسعود من ناصر السجستاني المخالف لأهل البيت في عقيدته، المتفق عند أهل المعرفة به على صحّة ما يرويه لأهل البيت وأمانته، صنّف كتاباً سمّاه كتاب الدراية في حديث الولاية، وهو سبعة عشر جزءاً، روى فيه حديث نص النبي (ص) بتلك المناقب والمراتب على مولانا علي بن أبي طالب (ع) عن مائة وعشرين نفساً من الصحابة .. ومن ذلك ما رواه أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني في كتاب سمّاه كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة...» ([66]).

وقد أضاف في الطرائف: «وممّن صنّف تفصيل ما حقّقناه أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف بابن عقدة وهو ثقة عند أرباب المذاهب، وجعل ذلك كتاباً محرّراً سمّاه «حديث الولاية » وذكر الأخبار عن النبي (ص) بذلك، وأسماء الرواة من الصحابة، والكتاب عندي وعليه خط الشيخ العالم الربّاني أبي جعفر الطوسي وجماعة من شيوخ الإسلام لا يخفى صحّة ما تضمّنه على أهل الأفهام، وقد أثنى على ابن عقدة الخطيب صاحب تاريخ بغداد وزكّاه.

وهذه أسماء من روي عنهم حديث يوم الغدير ونصّ النبي على عليّ عليه الصلاة والسلام والتحية والإكرام بالخلافة، وإظهار ذلك عند الكافّة، ومنهم من هنّأه بذلك :

أبو بكر عبدالله بن عثمان، عمر بن الخطّاب، عثمان بن عفّان، علي بن أبي طالب (ع)، طلحة بن عبيدالله، الزبير بن العوام، عبد الرحمان بن عوف، سعيد بن مالك، العبّاس بن عبد المطّلب، الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، عبدالله بن عبّاس، عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، عبدالله بن مسعود، عمّار بن ياسر، أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، سلمان الفارسي، أسعد بن زرارة الأنصاري، خزيمة بن ثابت الأنصاري، أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري، سهل بن حنيف الأنصاري، حذيفة بن اليمان، عبدالله بن عمر بن الخطّاب، البراء بن عمر بن عازب الأنصاري، رفاعة بن رافع، سمرة بن جندب، سلمة بن الأكوع الأسلمي، زيد بن ثابت الأنصاري، أبو ليلى الأنصاري، أبو قدامة الأنصاري، سهل بن سعد الأنصاري .

عدي بن حاتم الطائي، ثابت بن زيد بن وديعة، كعب بن عجرة الأنصاري، أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري، هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص الزهري، المقداد بن عمرو الكندي، عمر بن أبي سلمة، عبدالله بن أبي عبدالأسد المخزومي، عمران بن حصين الخزاعي، ويزيد بن الخصيب الأسلمي، جبلة بن عمرو الأنصاري، أبو هريرة الدوسي، أبو برزة نضلة بن عتبة الأسلمي، أبو سعيد الخدري، جابر بن عبدالله الأنصاري، حريز بن عبدالله، زيد بن عبدالله، زيد بن أرقم الأنصاري، أبو رافع مولى رسول الله (ص)، أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري، أنس بن مالك الأنصاري، ناجية بن عمرو الخزاعي، أبو زينب بن عوف الأنصاري، يعلى بن مرّة الثقفي.

سعيد بن سعد بن عبدالله الأنصاري، حذيفة بن أسيد، أبو شريحة الغفاري، عمرو بن الحمق الخزاعي، زيد بن حارثة الأنصاري، ثابت بن وديعة الأنصاري، مالك بن حويرث أبو سليمان، جابر بن سمرة السواني، عبدالله بن ثابت الأنصاري، جيش بن جنادة السلولي، ضميرة الأسدي، عبدالله بن عازب الأنصاري، عبدالله بن أبي أوفى الأسلمي، يزيد بن شراحيل الأنصاري، عبدالله بن بشير المازني، النعمان بن العجلان الأنصاري، عبد الرحمان بن يعمر الديلمي، أبو حمزة خادم رسول الله (ص)، أبو الفضالة الأنصاري، عطية بن بشير المازني، عامر بن ليلى الغفاري، أبو الطفيل عامر بن وائلة الكناني، عبد الرحمان بن عبد رب الأنصاري، حسّان بن ثابت الأنصاري، سعد بن جنادة العوفي .

عامر بن عمير النميري، عبدالله بن ياميل، حبة بن جوين العرني، عقبة بن عامر الجهني، أبو ذؤيب الشاعر، أبو شريح الخزاعي، ابو جحيفة وهب بن عبدالله النسوي، أبو امامة الصدي بن عجلان الباهلي، عامر بن ليلى بن جندب بن سفيان الغفلي البجلي، أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، وحشي بن حرب، قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري، عبد الرحمان بن مديح، حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي، فاطمة (ع) بنت رسول الله (ص)، عائشة بنت أبي بكر، أم سلمة أم المؤمنين، أم هاني بنت أبي طالب، فاطمة بنت حمزة بن عبد المطّلب، أسماء بنت عميس الخثعميّة.

ثمّ ذكر ابن عقدة ثمانية وعشرين رجلا من الصحابة لم يذكرهم ولم يذكر أسماءهم أيضاً ...

وقد روى الحديث في ذلك محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سمّاه «حديث الولاية »، ورواه أيضاً أبو عباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة بخبر يوم الغدير من مائة وخمس طرق وأفرد له كتاباً سمّاه «حديث الولاية »، وتقدّم تسمية من روى عنهم، وذكر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الاقتصاد وغيره أن قد روى خبر الغدير غير المذكورين من مائة وخمس وعشرين طريقاً، ورواه أيضاً أحمد بن حنبل في مسنده أكثر من خمسة عشر طريقاً، ورواه الفقيه ابن المغازلي الشافعي في كتابه أكثر من اثني عشر طريقاً»([67]).

وقال السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاوس (ت673) في بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية: «ورواه ابن مردويه من طرق كثيرة جداً وهو مّمن لا يتهم على نفسه، وأهل نحلته هو أحد الحفّاظ، فمّما روى فيه عن عمر الإقرار له بأنه مولاه، فربما كانت رواية ابن مردويه خمس كراريس زائداً فناقصاً.

ورويت في بعض أسفاري يقول من رويت عنه: عمي روى عنه، نقل شيخ المحدّثين وأحد أئمة المسلمين أحمد بن حنبل من ست طرق، ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري إمام الحرمين من صحيح أبي داود السجستاني وهو كتاب السنن، ومن صحيح الترمذي عن أبي سريحة وزيد بن أرقم، ونقله الدار قطني في جامعه عن عمر بن الخطاب من طريقين.

وعن ابن عباس من طريق آخر، وعن عدي بن ثابت من طريق واحد .

وساقه الإمام الحافظ النسائي في كتابه «خصائص أمير المؤمنين » (ع) من تسع طرق، عن زيد بن يثيع من طريقين، وعن زيد بن أرقم من طريقين، وعن البراء بن عازب من طريق واحد، وعن ابن حصين من طريق عبد الله بن عمر.

وساقه أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب «التفسير » و« التاريخ الكبير » من خمسة وسبعين طريقاً.

ورواه أبو بكر الجويني من مائة وخمسة وعشرين طريقاً.

ابن عبدة رواه من مائة وخمس طرق.

الحافظ أبو بكر بن مردويه يرويه عن مائة نفر من أصحاب رسول الله (ص) منهم نساء خمس.

الحافظ أبو العلاء الهمداني يقول: أنا أرويه عن مائتين وثلاثين طريقاً، ونقله مسلم بن الحجاج ومسلم بن الهيثم النيسابوري.

ورواه أبو نعيم الحافظ في كتابه حلية الأولياء.

نقله الفقيه العدل، أبو الحسن علي بن خمارويه الشافعي الواسطي من اثنين وسبعين طريقاً، منهم نساء ست، منهم: (فاطمة بنت رسول الله (ص) وعائشة بنت أبي بكر (الصديق)، وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وأُم سلمة زوجة النبي (ص)، وأُم هاني بنت أبي طالب، وأسماء بنت عميس الخثعمية.

ورواه أبو العباس أحمد بن عقدة من مائة طريق.

قال الفقيه برهان الدين حجة الإسلام أبو جعفر محمد بن علي الحمداني القزويني: سمعت بعض أصحاب أبي حنيفة يقول: شاهدت بالكوفة شاباً بيده مجلّدة يذكر فيها روايات هذا الكتاب مكتوب عليه «المجلّدة الثامنة والعشرون » من طريق خبر قوله (ع): «من كنت مولاه فعلي مولاه » ويتلوه في المجلّدة التاسعة: أخبرني»([68]).

قال الذهبي (ت 748) في سير أعلام النبلاء في ترجمة الطبري: «وجمع طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره فبهرني سعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك»([69]).

وقال ابن حجر (ت 852) في فتح الباري: «أما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»([70]).

وقال الهيثمي (ت973) في الصواعق: «وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جداً، ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً، وفي رواية أحمد أنّه سمعه من النبي (ص) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي (ع) لما نوزع أيّام خلافته، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته...»([71])، وتبعه الحلبي (ت 1044) في السيرة الحلبية أيضاً.

وقال العجلوني (ت1162) في كشف الخفاء: «رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة...» ([72]).

فضلاً عمّن صرّح بتواتر حديث الغدير من أعلام السنّة، المنبئ بكثرة طرقه ورواته، وفيهم من يصرّح بذلك.

إذا عرفت هذا فأيّ مجال يبقي للاصغاء الى كلام ابن حزم (ت 456) القائل: «أما من كنت مولاه فعليّ مولاه، فلا يصحّ من طريق الثقات أصلا »([73]).

أو كلام الجويني (ت 478) في غياث الاُمم: «هذا اللفظ وما عداه وسواه نقله معدودون من الرواة وهم عرضة الزلل والخطل والهفوات »([74]) .

وإن تعجب فاعجب من الزيلعي (ت 762) إذ قال في نصب الراية: «كم من حديث كثرت رواته، وتعدّدت طرقه، وهو حديث ضعيف كحديث الطير وحديث الحاجم والمحجوم وحديث من كنت مولاه فعلي مولاه، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلاّ ضعفاً »([75]).

فإذا كانت القضايا تعالج هكذا، فأيّ قيمة تبقى للسنة، وأيّ فائدة في جمع طرق الأحاديث في الصحاح والمسانيد ومحاولة تمحيصها وذكر الشواهد والمتابعات لها بغية تصحيح قدر أكبر من السنة النبويّة، فهنيئاً لأهل السنة ـ المتحمّسين في الدفاع عن السنة ـ هكذا تصريحات.

وأعجب منه في الغباء «السالوس» حين أتحفنا بعد ما أتعب نفسه وأجهد فكره في البحث والتنقيب، فقال في كتابه أثر الإمامة: «إنّ كتاب الولاية إمّا أنّه أُلّف ونُسب الى الطبري زوراً وانتصاراً للمذهب، وإمّا أنّ الطبري جمع ما وجده عن الولاية بغير نظر إلى مصادر الروايات، وفي كلتا الحالتين لا وزن له ولا يبيّن رأي الطبري»([76]).

وهذا كلام لا يعبأ به بعد ما عرفت من أئمة القوم من الحفّاظ والمحدّثين أنّ كثيراً من طرقه تشتمل على روايات صحاح وحسان، حتّى أنّ الحافظ ابن كثير (ت774) مع تعصّبه وعناده أشار الى وجود روايات صحيحة في كتاب الطبري بجنب الروايات الضعيفة، فقال: «واعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغثّ والسمين والصحيح والسقيم»([77]).

تواتر حديث الغدير:

حديث الغدير من الأحاديث المتواترة وقد ثبت بإجماع المسلمين، وأصبح في الضرورة والوضوح كسائر الأخبار الواضحة التي لا تحتاج الى إسناد ومؤونة لإثباتها كغزوات الرسول (ص) المشهورة، وسائر الواجبات والمحرمات .

والحديث المتواتر هو الحديث الذي يرويه كثير من الرواة بحيث يستحيل معه احتمال التواطؤ على الكذب، قال ابن حجر العسقلاني (ت 852): «ومن أحسن ما يقرّر به كون المتواتر موجوداً وجود كثرة في الأحاديث، أنّ الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحّة نسبتها الى مصنّفيها، اذا اجتمعت على إخراج حديث، وتعدّدت طرقه تعدّداً تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، أفاد العلم اليقيني بصحّة نسبته الى قائله»([78]).

وهذا ما ينطبق تماماً على حديث الغدير لكثرة طرقه ورواته والكتب المؤلّفة حوله.

وهذا الحديث عند الشيعة متواتر مقطوع على صدوره وقد أطبقت كتب الإمامية في التصريح بذلك، قال السيد المرتضى (ت 436): «وبعد فالشيعة الإمامية تتواتر خلفاً عن سلف بهذا الخبر، وأكثر رواة أصحاب الحديث يرويه بالأسانيد المتصلة، وجميع أصحاب السير نقلوه، ومصنّفو صحيح الأحاديث ذكروه، فقد شارك هذا الحديث الأخبار الظاهرة واستبدّ بما ليس لها، لأنّ الأخبار على ضربين: فضرب لا يعتبر في نقله بالأسانيد المتصلة كالأخبار عن البلدان والحوادث العظام، والضرب الآخر يعتبر فيه اتصال الأسانيد، وخبر الغدير قد حصل فيه الوجهان، وكمل له الطريقان، وأيضاً فإنّ علماء الأُمة مطبقون على قبوله، وإنّما اختلفوا في تأويله»([79]).

وقال الشيخ الطوسي (ت 460): «الذي يدلّ على صحّة الخبر ما تواترت به الشيعة عن النبي (ص) وقد رواه أيضاً من مخالفيهم من إن لم يزيدوا على حدّ التواتر لم ينقصوا عنه، لأنّه ليس في الشرع خبر اتفق أهل النقل على أنّه متواتر به نقل كنقل هذا الخبر .. فإن لم يكن مع ذلك متواتراً، فليس ها هنا خبر متواتر به»([80]).

قال ابن البطريق (ت 600) بعد ما أشار الى طرق الطبري وابن عقدة: «وهذا قد تجاوز حدّ التواتر فلا يوجد خبر قط نقل من طرق بقدر هذه الطرق، فيجب أن يكون أصلاً متبعاً وطريقاً مهيعاً»([81]).

قال ابن جبر (ق 7): «وروي أنّ يوم الغدير لعلي بن أبي طالب (ع) ستون ألف شاهد، وقيل ستة وثمانون ألف شاهد، ومعلوم أنّ اولئك من الأماكن المتفرقة والأمصار المتباعدة، كل شهد ذلك المحفل العظيم من رسول الله (ص) واذا بلغ الخبر دون هذا المبلغ خرج عن حكم أخبار الآحاد، وانتظم في سلك المتواترات، ووجب العمل عليه والانقياد له، والجاحد له كالجاحد للبلدان والوقائع المشهورة التي لا يرتاب فيها أحد من العقلاء»([82]).

هذا عندنا، أما عند علماء السنة فقد صرّح بتواتره كثير من الأعلام، نوردهم فيما يأتي:

1 ـ الإسكافي (ت 220) في المعيار والموازنة قال: «حديث الغدير المتواتر بين المسلمين»([83]).

2 ـ شمس الدين الذهبي (ت 748) قال بعد رواية الحديث: «هذا حديث حسن عال جداً، ومتنه فمتواتر»([84])، وقال ابن كثير (ت 774) نقلاً عن الذهبي: «قال: وصدر الحديث متواتر أتيقّن أنّ رسول الله (ص) قاله، وأما: «ألّلهم وال من والاه » فزيادة قوية الإسناد»([85]).

3 ـ الحافظ ابن كثير (ت 774) نقل تواتر الحديث عن شيخه الذهبي وارتضاه إذ لم يعلّق عليه بشيء.

4 ـ الحافظ ابن الجزري (ت 833) قال في أسنى المطالب: «هذا الحديث حسن ]أي حديث المناشدة برواية ابن أبي ليلى[، من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي (ع) وهو متواتر أيضاً عن النبي (ص) رواه الجم الغفير عن الجم الغفيرة، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه مّمن لا اطلاع له في هذا العلم»([86]).

5 ـ جلال الدين السيوطي (ت 911) أورده في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة.

6 ـ المتقي الهندي (ت 975) لخّص فيه كتاب الأزهار للسيوطي وسمّاه «قطف الأزهار » وأورد فيه حديث الغدير.

7 ـ جمال الدين عبد الرحمن الشيرازي النيشابوري (ت 1000) أورده في كتاب الأربعين وصرّح بتواتره([87]).

8 ـ ملا علي القاري (ت 1014) نقل تواتره عن بعض الحفّاظ، وصرّح هو بصحته([88]).

9 ـ المناوي (ت 1031) في فيض القدير نقل التواتر عن السيوطي وارتضاه([89]).

10 ـ ضياء الدين المقبلي (ت 1108) قال: «فمجموعها يفيد التواتر المعنوي وشواهدها لا تحصر ... فإن كان مثل هذا معلوماً و الاّ فما في الدنيا معلوم»([90]).

11 ـ السيد ابن حمزة الحراني (ت. 112) نقل في كتابه البيان والتعريف تواتر السيوطي([91]).

12 ـ أبو عبد الله الزرقاني (ت 1122) ذكر تواتره في شرح المواهب([92]).

13 ـ العجلوني (ت 1162) قال بعد ذكر روايته عن الطبراني وأحمد وغيرهما: فالحديث متواتر أو مشهور([93]).

14 مفتي الشام العمادي الحنفي الدمشقي (ت 1171) عدّه في الصلاة الفاخرة من الأحاديث المتواترة([94]).

15 ـ محمد بن اسماعيل اليماني (ت 1182) قال في الروضة الندية: «وحديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث»([95]).

16 ـ محمود الآلوسي (ت 1270) نقل تواتر الذهبي وارتضاه([96]).

17 ـ الألباني (ت 1420) قال: «إنّ حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأوّل منه متواتر عنه كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه»([97]).

18 ـ شهاب الدين الغماري، قال: فتواتر عن النبي (ص) من رواية ستين شخصاً([98]).

19 ـ عبد الله العموري في كتابه: المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية، ردّ على ابن تيمية وأثبت تواتر الحديث([99]).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ جمعاً من متكلّمي أهل السنة لمّا ضاق بهم الخناق في إنكار أصل حديث الغدير، تمسّكوا بنفي تواتره وجعلوه من أخبار الآحاد، محتجين بأنّ أمثال البخاري ومسلم لم يروياه، وكذلك قد قدح فيه أمثال ابن أبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وابن حزم وغيرهم .

قال التفنازاني (ت 793): «والجواب منع تواتر الخبر، فإنّ ذلك من مكابرات الشيعة، كيف وقد قدح في صحته كثير من أهل الحديث، ولم ينقله المحقّقون منهم كالبخاري ومسلم والواقدي... »([100]).

وقال الجويني (ت 478): «قلنا: هذا من أخبار الآحاد ثم هو منكر للاحتمالات»([101])، وكذلك قال الفخر الرازي (ت 606) في الأربعين: «إنّه خبر واحد»([102])، وكذلك الآمدي (ت 631)([103])، والقوشجي (ت 879)([104])، وغيرهم، وقد تجاوز ابن حجر الهيتمي (ت 973) الحدّ وزعم تناقض الشيعة في استدلالها بحديث الغدير حيث قال: «إنّ فرق الشيعة اتفقوا على اعتبار التواتر فيما يستدلّ به على الإمامة، وقد علم نفيه لما مرّ من الخلاف في صحّة هذا الحديث، بل الطاعنون في صحّته جماعة من أئمة الحديث وعدوله المرجوع اليهم فيه ...فهذا الحديث مع كونه آحاداً مختلف في صحّته، فكيف ساغ لهم أن يخالفوا ما اتفقوا عليه من اشتراط التواتر في أحاديث الإمامة، ويحتجّون بذلك، ما هذا الاّ تناقض قبيح»([105]) .

ونقول في الجواب: قد ذكرنا في سند الحديث الإجابة على هذه الشبهات،  ونضيف هنا:

أوّلاً: كفانا تصريح كثير من علماء أهل السنة ومحدّثيهم الذين هم مدار العلم والعمل في هكذا موارد، دون المتكلّمين الذين يغلب عليهم الجدل وإنكار الواضحات للتغلّب في المناظرات، فهؤلاء صرّحوا بتواتر الحديث وكثرة طرقه ورواته كما مرّ، وقد علّق الشيخ الطوسي (ت 460) قائلاً: «وليس في شيء من أخبار الشريعة ما نقل هذا النقل، فإن لم يكن هذا متواتراً فليس ها هنا خبر متواتر»([106]).

ثانياً: لم يذكر العلماء في شروط تواتر الخبر كونه خالياً من القدح، وأن يكون متواتراً عند جميع الناس كافة بحيث لا يشذّ عنه أحد، كيف وقد حكموا بتواتر كثير من الأخبار لروايته من قبل رواة لا يتجاوزون أصابع اليد، فهذا ابن حزم يثبت تواتر منع بيع الماء عن أربعة من الصحابة ويقول: «فهؤلاء أربعة من الصحابة، فهو نقل تواتر لا تحلّ مخالفته»([107]).

ثالثاً: لقد تواترت الأُمّة الإسلامية على كون المعوذتين من القرآن، وقد قدح في هذا التواتر ابن مسعود حيث ذهب الى عدم كونهما من القرآن، ولم يجعل العلماء قدحه هذا محلاًّ بالتواتر.

ولقد ألقى الفخر الرازي (ت 606) شبهة أُخرى وزعم تواتر فضائل الشيخين ليلقي التنافي والتساقط، فقال في نهاية العقول: «أمّا دعواكم تواتر هذا الخبر فمخالفوكم أيضاً يدّعون تواتر الأخبار الدالّة على فضائل الشيخين ...» فردّه ابن ميثم (ت 699) قائلاً: «أمّا ما كان من تلك الأخبار مستلزم صحّة إمامتهما، أو قادحاً فيما علمناه بالضرورة في حق علي (ع) فنحن نجزم بعدم صحّته لاستحالة أن يتكلّم النبي (ص) بكلامين متنافيين، وما لم يكن كذلك من الأخبار الدالّة على فضيلة لهما من خارج، فنحن لا نمنع أن يقول النبي (ص) في حق أحد كلاماً يستميل به قلبه، فتتأكّد فيه محبة الإيمان ورسوخه، بعد ثبوت صحّة ذلك النقل على وجهه»([108]).

ثم قدح الرازي في تواتر الشيعة حيث قال: «تعويلكم على رواية الشيعة إمّا لأجل كثرتهم أو لأجل إجماعهم، والأول باطل لأنّهم ما بلغوا في الزمن الأوّل حدّ التواتر » فردّه ابن ميثم قائلاً: «إنّ مثل هذا الخبر لا يختصّ بنقله الشيعة فقط حتى لا تكون كثرتهم تفيد العلم، سلّمنا أنّ الشيعة هم الناقلون فقط، لكن لم قلتم أنّهم لم يبلغوا في الكثرة الى حدّ التواتر ؟ وظاهر أنّهم لم يزالوا بالغين الى حدّ التواتر، سلّمنا لكنّ العلم التواتري لا يتوقّف على الكثرة، فإنّ المخبر الواحد مع انضمام القرائن اليه قد يفيد خبره العلم، فليس من شرط التواتر تحقّق الكثرة دائماً»([109]).

وأخيراً فقد شدّد علماء أهل السنة النكير على من ردّ حديثاً، نقل عن أحمد بن حنبل أنّه قال: «من ردّ حديث رسول الله (ص) فهو على شفا هلكة»([110])، وعنه أيضاً قال: «بلغ ابن أبي ذئب أنّ مالكاً لا يأخذ بحديث «البيّعان بالخيار » فقال: يستتاب فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه، قال أحمد: ومالك لم يردّ الحديث لكن تأوّله»([111]).

فإذا كان حكم ردّ الآحاد هذا، فما هو حكم ردّ خبر الغدير المتواتر؟!

شهود الغدير:

كانت حجّة الوداع أوّل حجة حجّها رسول الله (ص) وآخرها، وقد أذّن بالناس قبل ذلك وحثّهم على الخروج ليعلّمهم مناسك الحج، فامتثل لذلك المسلمون وخرجوا لينالوا هذا الشرف العظيم، ويتعلّموا مناسك حجّهم .

وقد اختلفت الروايات في عدد من خرج مع رسول الله (ص) من المدينة، ومن التحق به في أثناء الطريق، وبتبعه من شهد بعد حجّة الوداع غدير خم، ولا مبرّر لهذا الخلاف الشاسع سوى عدم وجود آليات العدّ والفرز آنذاك، بل كل راو ذكر العدد الذي خمّنه، أو رآه في فترات مختلفة، مثلاً كان العدد عند الخروج من المدينة أقلّ منه عندما كان في منتصف الطريق، وكذلك عندما وصل (ص) إلى مكّة، وكذلك عندما حجّ وطاف، وكذلك عند رجوعه، فالأعداد تختلف اختلافاً كبيراً في هذه المراحل والحالات.

ويمكن تقسيم الروايات الواردة ضمن ثلاث طوائف:

الطائفة الأولى: التصريح بالكثرة:

روى الذهبي عن الإمام الصادق أنّه قال: أذّن رسول الله (ص) بالحج فاجتمع في المدينة بشر كثير([112]).

وعن ابن حبان في ثقاته: ثمّ إنّ النبي (ص) أراد أن يحجّ حجّة الوداع فأذّن في الناس أنّه خارج فقدم المدينة بشر كثير كلّهم يلتمس أن ياتمّ برسول الله (ص) ([113]).

وفي رواية عن الإمام الصادق (ع): فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب، فاجتمعوا فحج رسول الله (ص) ([114]) .

وقال الفيروزآبادي: لمّا عزم (ص) على الحج أعلم أصحابه بذلك فاستعدوا للسفر بأجمعهم، ووصل الخبر إلى القرى والضياع القريبة من المدينة، فتجهّز المسلمون بأجمعهم نحو المدينة، وفي حال المسير إلى مكّة تلاحق الناس من كلّ الأطراف حتى تجاوزوا الحصر والعد ...([115]) .

وفي رواية جابر: خرجنا مع رسول الله (ص) مهلّين بالحج معنا النساء والولدان ...([116]).

الطائفة الثانية: ذكر القبائل وبعض الأشخاص:

روى الآجري عن جابر قال: كنّا بالجحفة بغدير خم إذ خرج إلينا رسول الله (ص) من خباء أو فسطاط، فقال بيده ثلاث مرات: هلم هلم هلم، وثَمّ ناس من خزاعة ومزينة وجهينة وأسلم وغفّار ...([117]).

وفي رواية جرير بن عبد الله: فبلغنا مكاناً يقال له غدير خم، فنادى الصلاة جامعة، فاجتمعنا المهاجرون والأنصار([118]).

وفي رواية حبة بن جوين: إنّ قوماً من الأنصار قالوا: سمعنا رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم: «من كنت مولاه ... » فيهم جبلة بن عمرو، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف في جماعة من الأنصار([119]) .

وفي رواية حذيفة بن اليمان: كنت والله جالساً بين يدي رسول الله (ص) وقد نزل بنا غدير خم، وقد غُصّ المجلس بالمهاجرين والأنصار([120]) .

وأخيراً لم يقتصر الحضور على المسلمين، بل شهد تلك الوقعة حتى بعض المشركين، فهذا مسلم بن كيسان الكوفي يروي عن حبة بن جوين حادثة الغدير، ويقول حبّة في آخره: وأنا يومئد مشرك([121]) .

وقد أجاب علاء الدين مغلطاي عن إشكال ابن الأثير بأنّه لم يحجّ آنذاك مشرك، قائلاً: إن صحّ السند بذلك إليه، لا يمنع أن يكون حضر ذلك وهو غير متلبس بالحج إمّا في عهد أو ما أشبهه، أو يكون ماراً في الطريق فسمح ذلك فقطعه، والله أعلم([122]) .

الطائفة الثالثة: ذكر العدد:

وهو مختلف تماماً بين القلّة القليلة، والكثرة الكثيرة، وإليك بعض ذلك :

1 ـ 1300 شخصاً، ففي رواية عن الإمام الباقر (ع): لمّا قال النبي (ص) يوم غدير خم بين ألف وثلاثمائة رجل: من كنت مولاه فعليّ مولاه ...([123]).

فهو إن صحّ يدلّ على الملتفّين حول المنبر آنذاك .

2 ـ عشرة آلاف، روى العياشي عن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: العجب يا أبا حفص لما لقي علي بن أبي طالب، إنّه كان له عشرة آلاف شاهد لم يقدر على أخذ حقّه، والرجل يأخذ حقّه بشاهدين، إنّ رسول الله (ص) خرج من المدينة حاجّاً ومعه خمسة آلاف، ورجع من مكّة وقد شيّعه خمسة آلاف من أهل مكة([124]) .

3 ـ سبعة عشر ألفاً، ففي جامع الأخبار: وقد شيّعه (ص) من مكّة اثنا عشر ألف رجل من اليمن، وخمسة آلاف رجل من المدينة([125]).

4 ـ أربعون ألفاً، ذكر المقريزي في وصف خطبة النبي (ص) بعرفة: فإنّه شهد الخطبة نحواً من أربعين ألفاً([126]). وأشار إليه أيضاً الحلبي في سيرته بعنوان قيل([127]).

5 ـ ستون ألفاً، قال ابن جبر: وروي أنّ يوم الغدير لعلي بن أبي طالب (ع) ستون ألف شاهد([128]).

6 ـ سبعون ألفاً، ففي الاحتجاج: وبلغ من حجّ مع رسول الله (ص) من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألفاً الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتبعوا السامريّ والعجل، وكذلك أخذ رسول الله (ص) البيعة لعلي (ع) بالخلافة على نحو عدد أصحاب موسى (ع) السبعين ألفاً، فنكثوا البيعة([129]) .

7 ـ ستة وثمانون ألفاً، قال ابن جبر في ذكر شهود الغدير: وقيل ستة وثمانون ألف شاهد([130]) .

8 ـ تسعون ألفاً، أشار إليه الحلبي في سيرته بعنوان قيل، وكذلك ابن فهد المكي([131]) .

9 ـ مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، ذكره الحلبي في السيرة بعنوان قيل، وكذلك ابن فهد المكي([132]) .

10 ـ مائة وعشرون ألفاً، ذكر هذا العدد كلّ من السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص، والحلبي في سيرته، وابن فهد المكي في اتحاف الورى([133]) .

هذا وقد ذكر بعض المؤرّخين اعتماداً على رواية أمّ معقل أنّ الناس أصابهم جدري أو حصبة قبل الحج، فلم يتمكّن كثير منهم من الخروج مع النبي (ص)، قال ابن حزم: ثم أمر (ص) بالخروج، فأصاب الناس جدري أو حصبة منعت من شاء الله أن يمنع من الحج معه([134]) .

وقال الحلبي: وعند خروجه (ص) للحج أصاب الناس بالمدينة جُدري ـ بضمّ الجيم وفتح الدال، وبفتحها ـ أو حصبة منعت كثيراً من الناس من الحج9([135]).

وفي لفظ ابن فهد المكي: فأصابهم جدري أو حصبة منعت بعضهم من الحج مع النبي (ص) ([136]) .

والمعتمد لدى هؤلاء ما روي عن أم معقل حيث قالت: لمّا تهيّأ رسول الله (ص) لحجّة الوداع أمر الناس بالخروج معه أصابتهم هذه القرحة: الجدري أو الحصبة، قالت: فدخل علينا ما شاء الله أن يدخل لمرض أبي معقل ومرضت معه([137]) .

وفيه أوّلاً: إنّها لم تذكر عدد المصابين، بل اكتفت بذكر مرض زوجها ومرضها، فمن أين استنبط المؤرّخون أنّ كثيراً من الصحابة لم يحج .

ثانياً: لو كان الخبر مضبوطاً لذكره أصحاب الصحاح والمسانيد والتواريخ المعتنية بذكر جزئيات سيرة النبي (ص) والصحابة، مع بعض التفصيل من حيث ذكر عدد المصابين، أو ذكر بعض المعروفين منهم.

ثالثاً: توجد رواية أم معقل في باقي السنن والمسانيد من دون ذكر تعميم المرض، بل تذكر أم معقل أنّ المرض أصاب زوجها فقط، ففي سنن أبي داود: «وأصابنا مرض وهلك أبو معقل »([138]) .

وعليه نستنتج أنّ المرض كان جزئيّاً ولم يصب إلاّ بيت اُمّ معقل، وأنّ كثيراً من المسلمين ـ مع قطع النظر عن العدد ـ قد حضروا حجّة الوداع، وشهدوا حادثة الغدير، وبايعوا عليّاً (ع) بالولاية والإمامة، ولكن تخلّوا عنها فيما بعد لأسباب مختلفة ذكرناها في دلالة الحديث، قسم ردّ الشبهات .

الكتب المؤلّفة في حديث الغدير:

هناك كثير من الحفّاظ والمحدّثين قديماً وحديثاً، خرّجوا حديث الغدير ورووه في كتبهم، وقد عدّهم العلاّمة الأميني (رحمه الله) (ت 1390) في كتابه الغدير الجزء الأوّل، ونحن هنا نذكر من أفرد تأليفاً مستقلاً في حديث الغدير، وجمع طرقه ورواته من المتقدّمين، وهم كما يأتي:

1 ـ محمد بن جرير الطبري (ت 310) جمع طرق حديث الغدير في كتاب مستقلّ سمّاه كتاب الولاية أو «الردّ على الحرقوصيّة »، وقد أشار الى كتاب الطبري هذا أو رآه ونقل عنه كلّ من السيّد ابن طاووس (ت 664) والذهبي (ت 748) وابن كثير (ت 774) في البداية والنهاية والسيرة النبوية.

قال السيّد ابن طاووس (رحمه الله): «ومن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير، صنّفه وسمّاه كتاب الردّ على الحرقوصيّة، روى فيه حديث يوم الغدير، وما نصّ النبي (ص) على علي (ع) بالولاية والمقام الكبير، وروى ذلك من خمس وسبعين طريقاً»([139]).

وقال في الطرائف: «وقد روى حديث يوم الغدير محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ من خمس وسبعين طريقاً، وأفرد له كتاباً سمّاه الولاية، ورأيت في بعض ما صنّفه الطبري في صحّة خبر يوم الغدير أنّ اسم كتابه الردّ على الحرقوصيّة يعني الحنبليّة، لانّ أحمد بن حنبل من ولد حرقوص بن زهير الخارجي، وقيل: إنّما سمّاه الطبري بهذا الأسم لأنّ البربهاري الحنبلي تعرّض للطعن في شيء مّما يتعلّق بخبر يوم غدير خم»([140]).

وقال ياقوت الحموي (ت 626) في ترجمة الطبري: «وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب غدير خم، وقال: إنّ علي بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول الله (ص) بغدير خم، وقال هذا الإنسان في قصيدة مزدوجة يصف بلداً بلداً ومنزلاً منزلاً أبياتاً يلوح فيها الى معنى حديث غدير خم فقال:

ثمّ مررنـا بغـدير خـــم          كم قائل فيه بروز جم

على عليّ والنبــيّ  الأُمي

وبلغ أبا جعفر ذلك فابتدأ بالكلام من فضائل علي بن أبي طالب، وذكر طرق حديث خم، فكثر الناس لاستماع ذلك...» ([141]).

ومّمن ذكر كتاب الطبري ورآه وكان سبباً في تصديقه لحديث الغدير، الحافظ الذهبي (ت 748) حيث قال في سير أعلام النبلاء في ترجمة الطبري: «وجمع طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره فبهرني سعة رواياته وجزمت بوقوع ذلك»([142]).

ورآه أيضاً الحافظ ابن كثير (ت 774) حيث قال: «وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلّدين ضخمين»([143])، وقال أيضاً: «وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغثّ والسمين والصحيح والسقيم على ما جرت به عادة كثير من المحدّثين...» ([144]).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852): وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلّف فيه أضعاف من ذكر»([145]).

إذا عرفت هذا فاعجب من السالوس حيث قال: «إنّ كتاب الولاية إما أنّه أُلّف ونُسب الى الطبري زوراً انتصاراً للمذهب، وإما أنّ الطبري جمع ما وجده عن الولاية بغير نظر الى مصادر الروايات، وفي كلتا الحالتين لا وزن له ولا يبيّن رأي الطبري»([146])، فانظر الى أتباع المدرسة السلفيّة كيف يتمسّكون بكلّ حشيش لردّ فضائل أمير المؤمنين (ع)، حيث يروق لهم بكل سهولة ليس ردّ الشيعة فقط، بل ردّ كبار محدّثيهم وحفّاظهم الذين عليهم مدار العلم والعمل في مدرسة أهل السنة، كلّ ذلك حذراً من أن تثبت لأمير المؤمنين (ع) فضيلة.

2 ـ أحمد بن محمد أبو العباس ابن عقدة (ت 332)، وقد صنّف كتاباً مستقلاًّ في حديث الغدير، وذكر كتابه عدّة من الحفّاظ والمحدّثين، وكانت نسخة منه عند السيد ابن طاووس (ت 664) حيث روى عنه وذكر أسماء الرواة الذين ذكرهم ابن عقدة لحديث الغدير.

قال السيد ابن طاوس ;: «ومّمن صنّف تفصيل ما حقّقناه: أبو العباس أحمد بن سعيد الهمداني الحافظ المعروف بابن عقدة، وهو ثقة عند أرباب المذاهب، وجعل ذلك كتاباً محرّراً سمّاه حديث الولاية، وذكر الأخبار عن النبي (ص) بذلك، وأسماء الرواة من الصحابة، والكتاب عندي وعليه خط الشيخ العالم الرباني أبي جعفر الطوسي وجماعة من شيوخ الإسلام لا يخفى صحّة ما تضمّنه على أهل الأفهام، وقد أثنى على ابن عقدة الخطيب صاحب تاريخ بغداد وزكّاه.

وهذه أسماء من روى عنهم حديث يوم الغدير ونصّ النبي (ص) على علي(ع) ...:

1 ـ أبو بكر عبد الله بن عثمان.

2 ـ عمر بن الخطاب.

3 ـ عثمان بن عفان.

4 ـ علي بن أبي طالب (ع).

5 ـ طلحة بن عبيد الله.

6 ـ الزبير بن العوام.

7 ـ عبد الرحمن بن عوف.

8 ـ سعيد بن مالك.

9 ـ العباس بن عبد المطلب.

10 ـ الحسن بن علي بن أبي طالب (ع).

11 ـ الحسين بن علي بن أبي طالب (ع).

12 ـ عبد الله بن عباس.

13 ـ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

14 ـ عبد الله بن مسعود.

15 ـ عمار بن ياسر.

16 ـ أبوذر جندب بن جنادة الغفاري.

17 ـ سلمان الفارسي.

18 ـ أسعد بن زرارة الأنصاري.

19 ـ خزيمة بن ثابت الأنصاري.

20 ـ أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري.

21 ـ سهل بن حنيف الأنصاري.

22 ـ حذيفة بن اليمان.

23 ـ عبد الله بن عمر بن الخطاب .

24 ـ البراء بن عازب الأنصاري.

25 ـ رفاعة بن رافع.

26 ـ سمرة بن جندب.

27 ـ سلمة بن الأكوع الأسلمي.

28 ـ زيد بن ثابت الأنصاري.

29 ـ أبو ليلى الأنصاري.

30 ـ أبو قدامة الأنصاري.

31 ـ سهل بن سعد الأنصاري .

32 ـ عدي بن حاتم الطائي.

33 ـ ثابت بن زيد بن وديعة.

34 ـ كعب بن عجرة الأنصاري.

35 ـ أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري.

36 ـ هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري.

37 ـ المقداد بن عمرو الكندي.

38 ـ عمر بن أبي سلمة.

39 ـ عبد الله بن أبي عبد الأسد المخزومي.

40 ـ عمران بن حصين الخزاعي.

41 ـ يزيد بن الخصيب الأسلمي.

42 ـ أبو هريرة الدوسي.

43 ـ أبو برزة نضلة بن عتبة الأسلمي.

44 ـ أبو سعيد الخدري.

45 ـ جابر بن عبدالله الأنصاري.

46 ـ حريز بن عبدالله.

47 ـ زيد بن عبدالله.

48 ـ زيد بن أرقم الأنصاري.

49 ـ أبو رافع مولى رسول الله (ص).

50 ـ أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري.

51 ـ أنس بن مالك الأنصاري.

52 ـ ناجية بن عمرو الخزاعي.

53 ـ أبو زينب بن عوف الأنصاري.

54 ـ يعلى بن مرة الثقفي.

55 ـ سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري.

56 ـ حذيفة بن أسيد.

57 ـ أبو شريحة الغفاري.

58 ـ عمرو بن الحمق الخزاعي.

59 ـ زيد بن حارثة الأنصاري.

60 ـ ثابت بن وديعة الأنصاري.

61 ـ مالك بن حويرث أبو سليمان.

62 ـ جابر بن سمرة السواني.

63 ـ عبد الله بن ثابت الأنصاري

64 ـ جيش بن جنادة السلولي.

65 ـ ضميرة الأسدي.

66 ـ عبد الله بن عازب الأنصاري.

67 ـ عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي.

68 ـ يزيد بن شراحيل الأنصاري.

69 ـ عبد الله بن بشير المازني .

70 ـ النعمان بن العجلان الأنصاري.

71 ـ عبد الرحمن بن يعمر الديلمي.

72 ـ أبو حمزة خادم رسول الله (ص).

73 ـ أبو الفضالة الأنصاري.

74 ـ عطية بن بشير المازني.

75 ـ عامر بن ليلى الغفاري.

76 ـ أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني.

77 ـ عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري.

78 ـ حسان بن ثابت الأنصاري.

79 ـ سعد بن جنابة العوفي.

80 ـ عامر بن عمير النميري.

81 ـ عبد الله بن ياميل.

82 ـ حبة بن جوين العرني.

83 ـ عقبة بن عامر الجهني.

84 ـ أبو ذؤيب الشاعر.

85 ـ أبو شريح الخزاعي.

86 ـ أبو جحيفة وهب بن عبد الله النسوي.

87 ـ أبو امامة الصدي بن عجلان الباهلي.

88 ـ عامر بن ليلى بن جندب بن سفيان الغفلي البجلي.

89 ـ اسامة بن زيد بن حارثة الكلبي.

90 ـ وحشي بن حرب.

91 ـ قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري.

92 ـ عبد الرحمن بن مديح.

93 ـ حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي.

94 ـ فاطمة بنت رسول الله (ص).

95 ـ عائشة بنت أبي بكر.

96 ـ أُم سلمة أُم المؤمنين.

97 ـ أُم هاني بنت أبي طالب.

98 ـ فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب.

99 ـ أسماء بنت عميس الخثعميّة.

ثم ذكر ابن عقدة ثمانية وعشرين رجلاً من الصحابة لم يذكرهم ولم يذكر أسماءهم أيضاً([147]).

وقال ابن حجر العسقلاني (ت 852) في فتح الباري: «وأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»([148])، كما قال في تهذيب التهذيب: «واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر»([149]).

3 ـ أبو طالب عبيد الله بن أحمد بن زيد الأنباري الواسطي (ت 356)، وله كتاب طرق حديث الغدير، ذكره له النجاشي في فهرسته([150]).

4 ـ أبو غالب أحمد بن محمد بن محمد الزراري (ت 368)، له جزء في خطبة الغدير، نصّ عليه هو بنفسه في رسالته في آل أعين([151]).

5 ـ أبو المفضّل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني (ت 372)، له كتاب من روى حديث غدير خم، ذكره له النجاشي([152]).

6 ـ الحافظ علي بن عمر الدار القطني (ت 385)، قال الكنجي الشافعي: جمع الحافظ الدار قطني طرقه في جزء([153]).

7 ـ الشيخ محسن بن الحسين بن أحمد النيشابوري الخزاعي، له كتاب بيان حديث الغدير، ذكره له الشيخ منتجب الدين في فهرسته([154]).

8 ـ أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري (ت 411)، له كتاب يوم الغدير، ذكره له النجاشي في فهرسته([155]).

9 ـ علي بن عبد الرحمن بن عيسى بن عروة بن الجراح القناني (ت 413)، له كتاب طرق خبر الولاية، عدّه النجاشي من تأليفه في فهرسته([156]).

10 ـ الحافظ أبو سعيد مسعود بن ناصر بن أبي زيد السجستاني (ت 477) له كتاب الدراية في حديث الولاية، ذكره ابن شهر آشوب في المناقب، والسيد ابن طاوس في الإقبال([157]).

11 ـ الحافظ شمس الدين الذهبي (ت 748) له كتاب طرق حديث الولاية، قال هو في كتابه تذكره الحفّاظ: «أما حديث (من كنت مولاه) فله طرق جيّدة، وقد أفردت ذلك أيضاً (أي أفرده بمصنف مستقل)» ([158]).

12 ـ قال أحمد بن طاوس (ت 673): «قال الفقيه برهان الدين حجّة الإسلام أبو جعفر محمد بن علي الحمداني القزويني: سمعت بعض أصحاب أبي حنيفة يقول: شهدت بالكوفة شاباً بيده مجلّدة فيها روايات هذا الكتاب مكتوب عليه «المجلّدة الثامنة والعشرون » من طريق خبر قوله (ع): من كنت مولاه فعلي مولاه، ويتلوه في المجلّدة التاسعة: أخبرني»([159]).

ويظهر أنّ هذا الكتاب هو الذي رآه أبو المعالي الجويني ببغداد، فقد قال ابن شهر آشوب (ت 588): «قال جدّي شهر آشوب: سمعت أبا المعالي الجويني يتعجّب ويقول: شاهدت مجلّداً ببغداد في يد صحّاف فيه روايات هذا الخبر مكتوباً عليه: المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه » ويتلوه المجلّدة التاسعة والعشرون»([160]).

يراجع للمزيد: ببليو غرافية حديث الغدير.

وإذا عرفت هذا فلا حاجة لنا الى ردّ ابن حزم (ت 456) القائل: «أمّا (من كنت مولاه فعلي مولاه) فلا يصحّ من طريق الثقات اصلاً»([161])، أو ما ذكره الجويني (ت 478) من قوله: «هذا الّلفظ وما عداه وسواه نقله معدودون من الرواة، وهم عرضة الزلل والخطل والهفوات»([162]).

وما نقله المقدسي (ت 888) عن الشيخ مجد الدين الفيروز آبادي حيث قال: «إنّه لا يصح من طريق الثقات أصلاً والزيادة التي ألحقوها بها كذب»([163]).

وكفانا في الردّ عليهم ما قاله ابن حجر الهيثمي (ت 973) في الصواعق من قوله: «إنّه حديث صحيح لا مرية فيه ...وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحّته»([164])، وتبعه الحلبي (ت 1044) حيث قال: «هذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحته كأبي داود وأبي حاتم الرازي »([165]).

خطبة الغدير([166]):

خرج رسول الله (ص) في السنة العاشرة من الهجرة إلى الحج وهي حجة الوداع، ودعا الناس بالائتمام به ليعلّمهم مناسكهم، إذ كان يعلم بدنوّ رحيله.

روى الذهبي عن الإمام الصادق عن أبيه (ع) عن جابر أنّه قال: أذّن رسول الله (ص) في الناس بالحج فاجتمع في المدينة بشر كثير([167]).

وقال ابن حبان: ثم إنّ النبي (ص) أراد أن يحجّ حجّة الوداع، فأذّن في الناس أنّه خارج فقدم المدينة بشر كثير كلّهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله (ص) ([168]).

وقال الفيروزآبادي: لمّا عزم (ص) على الحج أعلم أصحابه بذلك، فاستعدّوا للسفر بأجمعهم، ووصل الخبر إلى القرى والضياع القريبة من المدينة، فتجهّز المسلمون بأجمعهم نحو المدينة، وفي حال المسير إلى مكة تلاحق الناس من كلّ الأطراف حتى تجاوزوا الحصر والعدّ  ([169]).

كان معه جموع لا يعلمها إلاّ الله تعالى، قيل: كانوا أربعين ألفاً، وقيل: كانوا سبعين ألفاً، وقيل: كانوا تسعين ألفاً، وقيل: كانوا مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، وقيل: وعشرين ألفاً، وقيل: كانوا أكثر من ذلك »([170]).

وفي حجة الوداع هذه حدثت أعظم واقعة في التاريخ الإسلامي، حيث اُمر النبي (ص) بتبليغ ما إن لم يبلّغه بطلت رسالته، فقد نزل عليه الوحي قائلاً: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾([171]) وذيل الآية الدالّ على حفظ الله تعالى لنبيّه (ص) من الناس يدلّ بصراحة على أهميّة الموضوع وخطورته.

وبعد ما بلّغ رسول الله (ص) إمامة علي (ع)، وأنّه امتداد لخط الرسالة، نزل قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾([172]).

وقد تخلّلت هاتين الآيتين خطبةٌ عظيمة ذكر فيها رسول الله (ص) اُموراً كثيرة، منها حديث الغدير، وحديث الثقلين. قال ابن كثير (ت774): «فصل في إيراد الحديث الدالّ على أنّه (ع) خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة يقال له غدير خم، فبيّن فيها فضل علي بن أبي طالب، وبراءة عرضه مما كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن ...فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ، وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك فبيّن أشياء، وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه »([173]).

يُلاحظ على هذا المقطع:

جعل ابن كثير في صدر كلامه سبب الحديث ما تكلّم به بعض من كان معه في اليمن، ثم يقول: خطب (ص) خطبة عظيمة فبيّن فيها أشياء، وهذا يناقض الحصر الذي ذكره في صدر كلامه من اختصاص سبب الخطبة بحديث الشكوى لما صدر من أمير المؤمنين (ع) بأرض اليمن، كما أنّ قوله: «فبيّن فيها أشياء » يفيد تطرّق النبي (ص) إلى أمور اُخرى غير حديث الغدير لا يروق ابن كثير التحدّث عنها. كما أنّ قوله: «وذكر من فضل علي وأمانته » يفيد أنّ تلك الأشياء التي أخفاها ابن كثير غير هذه الموارد، مضافاً إلى أنّها اُمور إضافية على أصل حديث الغدير، وقد أهمل نصّها ابن كثير حاله حال غيره من المحدّثين.

ومن حقّنا أن نسأل المحدّثين المهتمّين بالسّنة المطهّرة: أين نصوص هذه الخطبة العظيمة التي ألقاها النبي (ص) في تلك المناسبة وبتلك الحالة ؟! ولماذا لم يبق منها في تراث أهل السنة سوى حديث الغدير، مع تشكيك بعضهم في صدره وذيله ؟!

هذا، وقد وردت روايات كثيرة عند أهل السنة تشير إلى هذه الخطبة إشارة عابرة، فقد ذكرها زيد بن أرقم حيث قال: خطبنا رسول الله (ص) يوم غدير خم ([174])،  وفي لفظ آخر: خطبنا رسول الله (ص) يوم الغدير([175]). وفي لفظ آخر: قام فينا رسول الله (ص) بواد بين مكة والمدينة يُدعى خمّاً خطيباً([176]).

وعن حذيفة قال: إنّ رسول الله (ص) خطب بغدير تحت شجرات([177]).

وعن أبي رافع قال: لما نزل رسول الله (ص) غدير خم بمصدره من حجة الوداع قام خطيباً بالناس([178]).

وعن أبي هريرة قال: نظرت إلى رسول الله (ص) وهو قائم يخطب وعلي إلى جنبه ([179]).

وعن عمرو ذي مرّ وزيد بن أرقم قالا: خطب رسول الله (ص) يوم غدير خم([180]).

وعن عائشة بنت سعد عن أبيها قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول يوم الجحفة وأخذ بيد عليّ فخطب فحمد الله وأثنى عليه ([181]).

وعن اُم هاني قالت: رجع رسول الله (ص) من حجته حتى إذا كان بغدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قام خطيباً بالهاجرة([182]) .

وعن أبي جنيدة جندع بن عمرو بن مازن قال: فلمّا نزل غدير خم قام في الناس خطيباً([183]) .

وقد أشار إليها ابن كثير كما مرّ، والحلبي حيث قال: لمّا وصل (ص) إلى محلّ بين مكة والمدينة يقال له غدير خم بقرب رابغ جمع الصحابة وخطبهم خطبة([184]).

وقال الجزري بعد رواية الحديث: وذلك في خطبة خطبها النبي (ص) في حقّه([185]). 

وقال اليعقوبي: وقام خطيباً وأخذ بيد علي بن أبي طالب([186]).

وقال الحموي نقلاً عن الحازمي أنّ خمّاً واد بين مكة والمدينة عند الجحفة، به غدير عنده خطب رسول الله (ص)([187]) .

وقال ابن دريد: وخم غدير معروف، وهو الموضع الذي قام فيه رسول الله (ص) خطيباً بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ([188]) .

وقال الزمخشري: ليلة الغدير معظّمة عند الشيعة محياة فيهم بالتهجّد، وهي اللّيلة التي خطب فيها رسول الله (ص) بغدير خم على أقتاب الإبل([189]).

وقال الثعالبي: ليلة الغدير هي الليلة التي خطب رسول الله (ص) في غدها بغدير خم على أقتاب الابل([190]).

وقال البدخشاني بعد رواية الحديث: قاله بغدير خم حين خطب تحت شجرات بسند صحيح عن أبي الطفيل عن حذيفة بن اليمان، وهذه الخطبة طويلة([191]).

ومن المعلوم أنّ التكلّم بكلمات يسيرة ـ بحسب ما رووه ـ لا يقال له خطبة، فالخطبة لها مقدمة ونهاية يتخلّلها اُمور كثيرة تتناسب مع سبب التوقّف في تلك المنطقة وعلى تلك الحالة، سيّما إذا نظرنا إلى ما رواه زيد بن أرقم حيث قال: أمر رسول الله (ص) بالشجرات فقمّ ما تحتها ورُشّ ثم خطبنا، فوالله ما من شيء يكون إلى أن تقوم الساعة إلاّ وقد أخبرنا به يومئذ([192]).

نعم وردت هذه الخطبة في مصادرنا عن الإمام الباقر (ع)، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن اليمان، وقد رواها كلٌّ من السيد ابن طاوس في كتاب اليقين والإقبال والتحصين، والطبرسي في الاحتجاج، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين، والبياضي في الصراط المستقيم، وعلي بن يوسف الحلّي في العدد القوية، والشيخ جمال الدين الرازي في نزهة الكرام، وإليك نصّها ملفّقاً عن هذه المصادر:

عن علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر محمّد بن علي (ع) قال: حجّ رسول الله (ص) من المدينة وقد بلّغ جميعَ الشرايع قومه غيرَ الحجّ والولاية ; فأتاه جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ الله يُقرؤك السلام ويقول لك: «إنّي لم أقبض نبيّاً من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلاّ من بعد كمال ديني وتمام حجّتي ، وقد بقي عليك من ذلك فريضتان ممّا يحتاج أن تبلّغ قومك: فريضةُ الحج وفريضةُ الولاية والخلافةِ من بعدك ; فإنّي لم أخلُ أرضي من حجّة ولن أخليَها أبداً » ; وإنّ الله عزّ وجلّ يأمرك أن تبلغ قومك الحجَّ، وليحجّ معك من استطاع السبيل من أهل الحضر والأطراف والأعراب، فتعلّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم، وتُوقفهم من ذلك على مثل الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرايع.

فنادى منادي رسول الله (ص): إنّ رسول الله يريد الحجّ، وأن يعلّمكم من ذلك مثل الذي علّمكم من شرايع دينكم ويوقفكم من ذلك على مثل ما أوقفكم.

قال: فخرج رسول الله (ص) وخرج معه ناس وصَفّوا له لينظروا ما يصنع، وكان جميع من حجّ مع رسول الله (ع) من أهل المدينة والأعراب سبعين ألفاً أو يزيدون، على نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألفاً الذين أخذ عليهم بيعة هارون فنكثوا واتّبعوا السامريّ والعجل، وكذلك أخذ رسول الله (ص)البيعة لعليّ (ع) بالخلافة على نحو عدد أصحاب موسى (ع) سبعين ألفاً، فنكثوا البيعة واتّبعوا العجل والسّامري، سنةً بسنة ومثلاً بمثل لم يخرم منه شيءٌ.

واتّصلت التلبيةُ ما بين مكّة والمدينة ; فلمّا وقف رسول الله (ص) بالموقف أتاه جبرئيل (ع) عن أمر الله عزّ وجلّ فقال: يا محمّد، إنّ الله يقرأ عليك السّلام ويقول لك: «إنّه قد دنا أجلُك ومدّتُك، وإنّي أستقدمك على ما لابدّ منه ولا عنه محيص، فاعهد عهدك وتقدّم في وصيّتك، واعمد إلى ما عندك من العلم، وميراث علوم الأنبياء من قبلك، والسّلاح والتابوت، وجميع ما عندك من آيات الأنبياء، فسلّمه إلى وصيّك وخليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب، فأقمه للنّاس وجَدِّد عهدَك وميثاقَك وبيعتَه، وذكّرهم ما في الذّرّ من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به، وعهدي الذي عهدت إليهم من الولاية لمولاهم ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة علي بن أبي طالب ; فإنّي لم أقبض نبيّاً بعد إكمال ديني وإتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيدي وتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليّي، وطاعتُه طاعتي ; وذلك أنّي لا أترك أرضي بغير قيّم ليكونَ حجّةً لي على خلقي فـ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾([193]) بولاية وليّي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة عليٍّ، عبدي ووصيِّ نبيّي والخليفةِ من بعده، وحجّتي البالغة على خلقي ; مقرونةٌ طاعتهُ بطاعة محمّد نبيّي، ومقرونةٌ طاعته مع طاعة محمّد بطاعتي، من أطاعه أطاعني ومن عصاه عصاني ; جعلته علماً بيني وبين خلقي، ومن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن أشرك ببيعته كان مشركاً ; من لقيني بولايته دخل الجنّة ومن لقيني بعداوته دخل النّار ; فأقم ـ يا محمّد ـ عليّاً عَلَماً وخذ عليهم البيعةَ، وجَدّد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه، فإنّي قابضك إليّ ومُستقدِمك عَلَيَّ».

قال; فخشي رسول الله (ص) قومَه وأهلَ النفاق والشقاق بأن يتفرّقوا ويرجعوا جاهليةً لِما عرف من عداوتهم، وما تنطوي على ذلك أنفسهم لعليّ (ع) من البغضاء، وسأل جبرئيل (ع) أن يسأل ربَّه العصمة من النّاس، وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس من الله عزّ وجلّ; فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرئيل في مسجد الخيف فأمره أن يعهد عهده ويقيم عليّاً (ع) علماً للناس، ولم يأته بالعصمة من الله تعالى بالذي أراد، حتّى إذا أتى «كُراعَ الغميمِ » بين مكة والمدينة، فأتاه جبرئيل فأمره بالذي أتاه به من قبل ولم يأته بالعصمة .فقال: «يا جبرئيل، إنّي أخشى قومي يكذّبوني ولا يقبلون قولي في عليّ» !

فدفع حتّى بلغ «غديرَ خُمٍّ » قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل ـ على خمس ساعات مضت من النهار ـ بالزجر والانتهار والعصمة من الناس، فقال: يا محمّد، إنّ الله عزّ وجلّ يُقرئك السّلام ويقول لك:

﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾([194]).

فكان أوّلهم قُربَ الجحفة، فأمره أن يَرُدَّ من تقدّم منهم، ويحبسَ من تأخّر عنهم في ذلك المكان، وأن يُقيمه للناس ويُبَلِّغَهم ما أنزل في عليّ (ع)، وأخبره أن قد عصمه الله من النّاس.

فأمر رسول الله (ص) ـ عند ما جاءته العصمة ـ مناديَه ينادي في النّاس: الصلاة جامعة ; وتنحّى إلى ذلك الموضع ـ وفيه سَلَمات ـ فأمر رسول الله (ص) أن يُقَمَّ ما تحتهنَّ، وأن يُنصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس فرجع أوائل الناس واحتبس أواخرهم.

فقام رسول الله (ص) فوق تلك الأحجار فقال([195]):

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي عَلا في تَوَحُّدِهِ وَدَنا في تَفَرُّدِهِ وَجَلَّ في سُلْطانِهِ وَعَظُمَ في اَرْكانِهِ، وَاَحاطَ بِكُلِّ شَيء عِلْماً وَهُوَ في مَكانِهِ وَقَهَرَ جَميعَ الْخَلْقِ بِقُدْرَتِهِ وَبُرْهانِهِ، حَميداً لَمْ يَزَلْ، مَحْموداً لا يَزالُ (وَمَجيداً لايَزولُ، وَمُبْدِئاً وَمُعيداً وَكُلُّ أَمْر إِلَيْهِ يَعُودُ) .

بارِئُ الْمَسْمُوكاتِ وَداحِي الْمَدْحُوّاتِ وَجَبّارُ الاَْرَضينَ وَالسّماواتِ، قُدُّوسٌ سُبُّوحٌ، رَبُّ الْمَلائكَةِ وَالرُّوحِ، مُتَفَضِّلٌ عَلى جَميعِ مَنْ بَرَأَهُ، مُتَطَوِّلٌ عَلى جَميعِ مَنْ أَنْشَأَهُ .

يَلْحَظُ كُلَّ عَيْن وَالْعُيُونُ لا تَراهُ .

كَريمٌ حَليمٌ ذُو أَنات، قَدْ وَسِعَ كُلَّ شَيء رَحْمَتُهُ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِنِعْمَتِهِ .

لا يَعْجَلُ بِانْتِقامِهِ، وَلا يُبادِرُ إِلَيْهِمْ بِمَا اسْتَحَقُّوا مِنْ عَذابِهِ .

قَدْ فَهِمَ السَّرائِرَ وَعَلِمَ الضَّمائِرَ، وَلَمْ تَخْفَ عَلَيْهِ اَلْمَكْنوناتُ ولا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْخَفِيّاتُ.

لَهُ الاِْحاطَةُ بِكُلِّ شَيء، والغَلَبَةُ على كُلِّ شَيء والقُوَّةُ في كُلِّ شَيء والقُدْرَةُ عَلى كُلِّ شَيء وَلَيْسَ مِثْلَهُ شَيءٌ.

وَهُوَ مُنْشِئُ الشَّيءِ حينَ لا شَيءَ دائمٌ حَي وَقائمٌ بِالْقِسْطِ، لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ .

جَلَّ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الاَْبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبيرُ.

لا يَلْحَقُ أَحَدٌ وَصْفَهُ مِنْ مُعايَنَة، وَلا يَجِدُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ مِنْ سِر وَعَلانِيَة إِلاّ بِما دَلَّ عَزَّ وَجَلَّ عَلى نَفْسِهِ .

وَأَشْهَدُ أَنَّهُ الله ألَّذي مَلأَ الدَّهْرَ قُدْسُهُ، وَالَّذي يَغْشَي الاَْبَدَ نُورُهُ، وَالَّذي يُنْفِذُ أَمْرَهُ بِلا مُشاوَرَةِ مُشير وَلا مَعَهُ شَريكٌ في تَقْديرِهِ وَلا يُعاوَنُ في تَدْبيرِهِ .

صَوَّرَ مَا ابْتَدَعَ عَلى غَيْرِ مِثال، وَخَلَقَ ما خَلَقَ بِلا مَعُونَة مِنْ أَحَد وَلا تَكَلُّف وَلاَ احْتِيال.

أَنْشَأَها فَكانَتْ وَبَرَأَها فَبانَتْ.

فَهُوَ الله الَّذي لا إِلاهَ إِلاَّ هُو المُتْقِنُ الصَّنْعَةَ، اَلْحَسَنُ الصَّنيعَةِ، الْعَدْلُ الَّذي لا يَجُوُر، وَالاَْكْرَمُ الَّذي تَرْجِعُ إِلَيْهِ الاُْمُورُ .

وَأَشْهَدُ أَنَّهُ الله الَّذي تَواضَعَ كُلُّ شَيء لِعَظَمَتِهِ، وَذَلَّ كُلُّ شَيء لِعِزَّتِهِ، وَاسْتَسْلَمَ كُلُّ شَيء لِقُدْرَتِهِ، وَخَضَعَ كُلُّ شَيء لِهَيْبَتِهِ .

مَلِكُ الاَْمْلاكِ وَمُفَلِّكُ الاَْفْلاكِ وَمُسَخِّرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، كُلٌّ يَجْري لاَِجَل مُسَمّي .

يُكَوِّرُ الَّليْلَ على النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ على الَّليْلِ يَطْلُبُهُ حَثيثاً .

قاصِمُ كُلِّ جَبّار عَنيد وَمُهْلِكُ كُلِّ شَيْطان مَريد.

لَمْ يَكُنْ لَهُ ضِدٌّ وَلا مَعَهُ نِدٌّ أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَدٌ.

إلاهٌ واحِدٌ وَرَبٌّ ماجِدٌ يَشاءُ فَيُمْضي، وَيُريدُ فَيَقْضي، وَيَعْلَمُ فَيُحْصي، وَيُميتُ وَيُحْيي، وَيُفْقِرُ وَيُغْني، وَيُضْحِكُ وَيُبْكي، (وَيُدْني وَيُقْصي) وَيَمْنَعُ وَيُعْطي، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ على كُلِّ شَيء قَديرٌ .

يُولِجُ الَّليْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ في الَّليْلِ، لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزيزُ الْغَفّارُ .

مُسْتَجيبُ الدُّعاءِ وَمُجْزِلُ الْعَطاءِ، مُحْصِي الاَْنْفاسِ وَرَبُّ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ، الَّذي لا يُشْكِلُ عَلَيْهِ شَيٌ، وَلا يُضجِرُهُ صُراخُ الْمُسْتَصْرِخينَ وَلا يُبْرِمُهُ إِلْحاحُ الْمُلِحّينَ .

اَلْعاصِمُ لِلصّالِحينَ، وَالْمُوَفِّقُ لِلْمُفْلِحينَ، وَمَوْلَي الْمُؤْمِنينَ وَرَبُّ الْعالَمينَ .

الَّذِي اسْتَحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ خَلَقَ أَنْ يَشْكُرَهُ وَيَحْمَدَهُ (عَلي كُلِّ حال) .

أَحْمَدُهُ كَثيراً وَأَشْكُرُهُ دائماً على السَّرّاءِ والضَّرّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ، وَأُومِنُ بِهِ وَبِمَلائكَتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ .

أَسْمَعُ لاَِمْرِهِ وَاُطيعُ وَأُبادِرُ إلى كُلِّ ما يَرْضاهُ وَأَسْتَسْلِمُ لِما قَضاهُ، رَغْبَةً في طاعَتِهِ وَخَوْفاً مِنْ عُقُوبَتِهِ، لأنَّهُ الله الَّذي لا يُؤْمَنُ مَكْرُهُ وَلا يُخافُ جَورُهُ .

وَأُقِرُّ لَهُ على نَفْسي بِالْعُبُودِيَّةِ وَأَشْهَدُ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأُؤَدّي ما أَوْحي بِهِ إِلَي حَذَراً مِنْ أَنْ لا أَفْعَلَ فَتَحِلَّ بي مِنْهُ قارِعَةٌ لا يَدْفَعُها عَنّي أَحَدٌ وَإِنْ عَظُمَتْ حيلَتُهُ وَصَفَتْ خُلَّتُهُ ـ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ـ لاَِنَّهُ قَدْ أَعْلَمَني أَنِّي إِنْ لَمْ أُبَلِّغْ ما أَنْزَلَ إِلَي (في حَقِّ عَلِي) فَما بَلَّغْتُ رِسالَتَهُ، وَقَدْ ضَمِنَ لي تَبارَكَ وَتَعالَى الْعِصْمَةَ (مِنَ النّاسِ) وَهُوَ الله الْكافِي الْكَريمُ.

فَأَوْحي إِلَي: ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحيمِ، يا أَيُهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ـ في عَلِي يَعْني فِي الْخِلاَفَةِ لِعَلِي بْنِ أَبي طالِب ـ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾.

مَعاشِرَ النّاسِ، ما قَصَّرْتُ في تَبْليغِ ما أَنْزَلَ الله تَعالى إِلَي، وَأَنَا أُبَيِّنُ لَكُمْ سَبَبَ هذِهِ الآيَةِ: إِنَّ جَبْرئيلَ هَبَطَ إِلَي مِراراً ثَلاثاً يَأْمُرُني عَنِ السَّلامِ رَبّي ـ وَهُو السَّلامُ ـ أَنْ أَقُومَ في هذَا الْمَشْهَدِ فَأُعْلِمَ كُلَّ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ: أَنَّ عَلِي بْنَ أَبي طالِب أَخي وَوَصِيّي وَخَليفَتي (عَلي أُمَّتي) وَالإِمامُ مِنْ بَعْدي، الَّذي مَحَلُّهُ مِنّي مَحَلُّ هارُونَ مِنْ مُوسي إِلاَّ أَنَّهُ لا نَبِي بَعْدي وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدَ الله وَرَسُولِهِ .

وَقَدْ أَنْزَلَ الله تَبارَكَ وَتَعالى عَلَي بِذلِكَ آيَةً مِنْ كِتابِهِ (هِي): ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ﴾، وَعَلِي بْنُ أَبي طالِب الَّذي أَقامَ الصَّلاةَ وَآتَي الزَّكاةَ وَهُوَ راكِعٌ يُريدُ الله عَزَّ وَجَلَّ في كُلِّ حال .

وَسَأَلْتُ جَبْرَئيلَ أَنْ يَسْتَعْفِي لِي (السَّلامَ) عَنْ تَبْليغِ ذلِكَ إِليْكُمْ ـ أَيُّهَا النّاسُ ـ لِعِلْمي بِقِلَّةِ الْمُتَّقينَ وَكَثْرَةِ الْمُنافِقينَ وَإِدغالِ اللاّئمينَ وَحِيَلِ الْمُسْتَهْزِئينَ بِالإِسْلامِ، الَّذينَ وَصَفَهُمُ الله في كِتابِهِ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ في قُلوبِهِمْ، وَيَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ الله عَظيمٌ.

وَكَثْرَةِ أَذاهُمْ لي غَيْرَ مَرَّة حتّى سَمَّوني أُذُناً وَزَعَمُوا أَنِّي كَذلِكَ لِكَثْرَةِ مُلازَمَتِهِ إِيّي وَإِقْبالي عَلَيْهِ (وَهَواهُ وَقَبُولِهِ مِنِّي) حتّى أَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ في ذلِكَ ﴿وَمِنْهُمُ الَّذينَ يُؤْذونَ النَّبِي وَيَقولونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ ـ (عَلَى الَّذينَ يَزْعُمونَ أَنَّهُ أُذُنٌ) ـ خَيْر لَكُمْ، يُؤْمِنُ بِالله وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنينَ﴾ الآيَةُ.

وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُسَمِّي الْقائلينَ بِذلِكَ بِأَسْمائهِمْ لَسَمَّيْتُ وَأَنْ أُوْمِئَ إِلَيْهِمْ بِأَعْيانِهِمْ لأَوْمَأْتُ وَأَنْ أَدُلَّ عَلَيْهِمُ لَدَلَلْتُ، وَلكِنِّي وَالله في أُمورِهمْ قَدْ تَكَرَّمْتُ.

وَكُلُّ ذلِكَ لا يَرْضَي الله مِنّي إِلاّ أَنْ أُبَلِّغَ ما أَنْزَلَ الله إِلَي (في حَقِّ عَلِي)، ثُمَّ تلا: ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ـ في حَقِّ عَلِي ـ وَانْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ .

فَاعْلَمُوا مَعاشِرَ النّاسِ (ذلِكَ فيهِ وَافْهَموهُ وَاعْلَمُوا) أَنَّ الله قَدْ نَصَبَهُ لَكُمْ وَلِيّاً وَإِماماً فَرَضَ طاعَتَهُ على الْمُهاجِرينَ وَالاَْنْصارِ وَعَلَي التّابِعينَ لَهُمْ بِإِحْسان، وَعَلَي الْبادي وَالْحاضِرِ، وَعَلَي الْعَجَمِي وَالْعَرَبي، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلوكِ وَالصَّغيرِ وَالْكَبيرِ، وَعَلَي الاَْبْيَضِ وَالأَسْوَدِ، وَعَلي كُلِّ مُوَحِّد.

ماض حُكْمُهُ، جاز قَوْلُهُ، نافِذٌ أَمْرُهُ، مَلْعونٌ مَنْ خالَفَهُ، مَرْحومٌ مَنْ تَبِعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَقَدْ غَفَرَ الله لَهُ وَلِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَأَطاعَ لَهُ.

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّهُ آخِرُ مَقام أَقُومُهُ في هذا الْمَشْهَدِ، فَاسْمَعوا وَأَطيعوا وَانْقادوا لأمْرِ (الله) رَبِّكُمْ، فَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ هُوَ مَوْلاكُمْ وَإِلهُكُمْ، ثُمَّ مِنْ دونِهِ رَسولُهُ وَنَبِيُهُ الْمُخاطِبُ لَكُمْ، ثُمَّ مِنْ بَعْدي عَلي وَلِيُّكُمْ وَإِمامُكُمْ بِأَمْرِ الله رَبِّكُمْ، ثُمَّ الإِمامَةُ في ذُرِّيَّتي مِنْ وُلْدِهِ إلى يَوْم تَلْقَوْنَ الله وَرَسولَهُ.

لا حَلالَ إِلاّ ما أَحَلَّهُ الله وَرَسُولُهُ وَهُمْ، وَلا حَرامَ إِلاّ ما حَرَّمَهُ الله (عَلَيْكُمْ) وَرَسُولُهُ وَهُمْ، وَالله عَزَّ وَجَلَّ عَرَّفَنِي الْحَلالَ وَالْحَرامَ وَأَنَا أَفْضَيْتُ بِما عَلَّمَني رَبِّي مِنْ كِتابِهِ وَحَلالِهِ وَحَرامِهِ إِلَيْهِ .

مَعاشِرَ النّاسِ، (فَضِّلُوهُ).

ما مِنْ عِلْم إِلاَّ وَقَدْ أَحْصاهُ الله فِي، وَكُلُّ عِلْم عُلِّمْتُ فَقَدْ أَحْصَيْتُهُ في إِمامِ الْمُتَّقينَ، وَما مِنْ عِلْم إِلاّ وَقَدْ عَلَّمْتُهُ عَلِيّاً، وَهُوَ الإِمامُ الْمُبينُ (الَّذي ذَكَرَهُ الله في سُورَةِ يس: (وَكُلَّ شَيء أَحْصَيْناهُ في إِمام مُبين).

مَعاشِرَ النَّاسِ، لا تَضِلُّوا عَنْهُ وَلا تَنْفِرُوا مِنْهُ، وَلا تَسْتَنْكِفُوا عَنْ وِلايَتِهِ، فَهُوَ الَّذي يَهدي إلى الْحَقِّ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيُزْهِقُ الْباطِلَ وَيَنْهي عَنْهُ، وَلا تَأْخُذُهُ فِي الله لَوْمَةُ لائِم.

أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِالله وَرَسُولِهِ (لَمْ يَسْبِقْهُ إلى الاْيمانِ بي أَحَدٌ)، وَالَّذي فَدي رَسُولَ الله بِنَفْسِهِ، وَالَّذي كانَ مَعَ رَسُولِ الله وَلا أَحَدَ يَعْبُدُ الله مَعَ رَسُولِهِ مِنَ الرِّجالِ غَيْرُهُ .

(أَوَّلُ النّاسِ صَلاةً وَأَوَّلُ مَنْ عَبَدَالله مَعي.

أَمَرْتُهُ عَنِ الله أَنْ يَنامَ في مَضْجَعي، فَفَعَلَ فادِياً لي بِنَفْسِهِ).

مَعاشِرَ النّاسِ، فَضِّلُوهُ فَقَدْ فَضَّلَهُ الله، وَاقْبَلُوهُ فَقَدْ نَصَبَهُ الله.

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّهُ إِمامٌ مِنَ الله، وَلَنْ يَتُوبَ الله على أَحَد أَنْكَرَ وِلايَتَهُ وَلَنْ يَغْفِرَ لَهُ، حَتْماً على الله أَنْ يَفْعَلَ ذلِكَ بِمَنْ خالَفَ أَمْرَهُ وَأَنْ يُعَذِّبَهُ عَذاباً نُكْراً أَبَدَا الآبادِ وَدَهْرَ الدُّهورِ .

فَاحْذَرُوا أَنْ تُخالِفوهُ.

فَتَصْلُوا ناراً وَقودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرينَ .

مَعاشِرَ النّاسِ، بي ـ وَالله ـ بَشَّرَ الاَْوَّلُونَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلينَ، وَأَنَا ـ (وَالله) ـ خاتَمُ الاَْنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ والْحُجَّةُ على جَميعِ المخلوقينَ مِنْ أَهْلِ السَّماواتِ وَالاَْرَضينَ .

فَمَنْ شَكَّ في ذلِكَ فَقَدْ كَفَرَ كُفْرَ الْجاهِلِيَّةِ الأُولي وَمَنْ شَكَّ في شَيء مِنْ قَوْلي هذا فَقَدْ شَكَّ في كُلِّ ما أُنْزِلَ إِلَي، وَمَنْ شَكَّ في واحِد مِنَ الاَْئمَّةِ فَقَدْ شَكَّ فِي الْكُلِّ مِنْهُمْ، وَالشَاكُّ فينا فِي النّارِ .

مَعاشِرَ النّاسِ، حَبانِي الله عَزَّ وَجَلَّ بِهذِهِ الْفَضيلَةِ مَنّاً مِنْهُ عَلَي وَإِحْساناً مِنْهُ إِلَي وَلا إِلاهَ إِلاّ هُوَ، أَلا لَهُ الْحَمْدُ مِنِّي أَبَدَ الآبِدينَ وَدَهْرَ الدّاهِرينَ وَعَلي كُلِّ حال .

مَعاشِرَ النّاسِ، فَضِّلُوا عَلِيّاً فَإِنَّهُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدي مِنْ ذَكَر وَأُنْثي ما أَنْزَلَ الله الرِّزْقَ وَبَقِي الْخَلْقُ .

مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ، مَغْضُوبٌ مَغْضُوبٌ مَنْ رَدَّ عَلَي قَوْلي هذا وَلَمْ يُوافِقْهُ.

أَلا إِنَّ جَبْرئيلَ خَبَّرني عَنِ الله تَعالى بِذلِكَ وَيَقُولُ: «مَنْ عادي عَلِيّاً وَلَمْ يَتَوَلَّهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَتي وَغَضَبي»، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَد وَاتَّقُوا الله ـ أَنْ تُخالِفُوهُ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها ـ إِنَّ الله خَبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) .

مَعاشِرَ النَّاسِ، إِنَّهُ جَنْبُ الله الَّذي ذَكَرَ في كِتابِهِ العَزيزِ، فَقالَ تعالى (مُخْبِراً عَمَّنْ يُخالِفُهُ): (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ الله) .

مَعاشِرَ النّاسِ، تَدَبَّرُوا الْقُرْآنَ وَافْهَمُوا آياتِهِ وَانْظُرُوا إلى مُحْكَماتِهِ وَلا تَتَّبِعوا مُتَشابِهَهُ، فَوَالله لَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ زواجِرَهُ وَلَنْ يُوضِحَ لَكُمْ تَفْسيرَهُ إِلاَّ الَّذي أَنَا آخِذٌ بِيَدِهِ وَمُصْعِدُهُ إِلي وَشائلٌ بِعَضُدِهِ (وَرافِعُهُ بِيَدَي) وَمُعْلِمُكُمْ: أَنَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَلِي مَوْلاهُ، وَهُوَ عَلِي بْنُ أَبي طالِب أَخي وَوَصِيّي، وَمُوالاتُهُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَها عَلَي .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّ عَلِيّاً وَالطَّيِّبينَ مِنْ وُلْدي (مِنْ صُلْبِهِ) هُمُ الثِّقْلُ الاَْصْغَرُ، وَالْقُرْآنُ الثِّقْلُ الاَْكْبَرُ، فَكُلُّ واحِد مِنْهُما مُنْبِئٌ عَنْ صاحِبِهِ وَمُوافِقٌ لَهُ، لَنْ يَفْتَرِقا حتّى يَرِدا عَلَيَّ الْحَوْضَ .

أَلا إِنَّهُمْ أُمَناءُ الله في خَلْقِهِ وَحُكّامُهُ في أَرْضِهِ .

أَلا وَقَدْ أَدَّيْتُ .

أَلا وَقَدْ بَلَّغْتُ، أَلا وَقَدْ أَسْمَعْتُ، أَلا وَقَدْ أَوْضَحْتُ، أَلا وَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قالَ وَأَنَا قُلْتُ عَنِ الله عَزَّ وَجَلَّ، أَلا إِنَّهُ لا «أَميرَ الْمُؤْمِنينَ » غَيْرَ أَخي هذا، أَلا لا تَحِلُّ إِمْرَةُ الْمُؤْمِنينَ بَعْدي لاَِحَد غَيْرِهِ .

ثم قال: «أيّها النَّاسُ، مَنْ اَوْلي بِكُمْ مِنْ اَنْفُسِكُمْ؟ قالوا: الله وَرَسُولُهُ .

فَقالَ: أَلا من كُنْتُ مَوْلاهُ فَهذا عَليٌّ مَوْلاهُ، اللهمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ واخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ .

مَعاشِرَ النّاسِ، هذا عَلِي أخي وَوَصيي وَواعي عِلْمي، وَخَليفَتي في اُمَّتي عَلي مَنْ آمَنَ بي وَعَلي تَفْسيرِ كِتابِ الله عَزَّ وَجَلَّ وَالدّاعي إِلَيْهِ وَالْعامِلُ بِما يَرْضاهُ وَالمحارِبُ لأعْدائهِ وَالْمُوالي على طاعَتِهِ وَالنّاهي عَنْ مَعْصِيَتِهِ .

إِنَّهُ خَليفَةُ رَسُولِ الله وَأَميرُ الْمُؤْمِنينَ وَالإمامُ الْهادي مِنَ الله، وَقاتِلُ النّاكِثينَ وَالْقاسِطينَ وَالْمارِقينَ بِأَمْرِ الله .

يَقُولُ الله: (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيّ) .

بِأَمْرِكَ يا رَبِّ أَقولُ: اَلَّلهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ (وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ) وَالْعَنْ مَنْ أَنْكَرَهُ وَاغْضِبْ على مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ .

اللهمَّ إِنَّكَ أَنْزَلْتَ الآيَةَ في عَلِي وَلِيِّكَ عِنْدَ تَبْيينِ ذلِكَ وَنَصْبِكَ إِيّاهُ لِهذَا الْيَوْمِ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ ديناً﴾، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرينَ﴾.

اللهمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّما أَكْمَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ دينَكُمْ بِإِمامَتِهِ .

فَمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقامَهُ مِنْ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَالْعَرْضِ على الله عَزَّ وَجَلَّ فَأُولئِكَ الَّذينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ﴿فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ﴾ وَفِي النّارِ هُمْ خالِدُونَ، ﴿لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرونَ﴾ .

مَعاشِرَ النّاسِ، هذا عَلِي، أَنْصَرُكُمْ لي وَأَحَقُّكُمْ بي وَأَقْرَبُكُمْ إِلَي وَأَعَزُّكُمْ عَلَي، وَالله عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَا عَنْهُ راضِيانِ .

وَما نَزَلَتْ آيَةُ رِضاً (في الْقُرْآنِ) إِلاّ فيهِ، وَلا خاطَبَ الله الَّذينَ آمَنُوا إِلاّ بَدَأ بِهِ، وَلا نَزَلَتْ آيَةُ مَدْح فِي الْقُرْآنِ إِلاّ فيهِ، وَلا شَهِدَ الله بِالْجَنَّةِ في ﴿هَلْ أَتى على الإنْسانِ﴾ إِلاّ لَهُ، وَلا أَنْزَلَها في سِواهُ وَلا مَدَحَ بِها غَيْرَهُ .

مَعاشِرَ النّاسِ، هُوَ ناصِرُ دينِ الله وَالْمُجادِلُ عَنْ رَسُولِ الله، وَهُوَ التَّقِي النَّقِي الْهادِي الْمَهْدِي .

نَبِيُّكُمْ خَيْرُ نَبي وَوَصِيُّكُمْ خَيْرُ وَصِي (وَبَنُوهُ خَيْرُ الاَْوْصِياءِ) .

مَعاشِرَ النّاسِ، ذُرِّيَّةُ كُلِّ نَبِي مِنْ صُلْبِهِ، وَذُرِّيَّتي مِنْ صُلْبِ (أَميرِالْمُؤْمِنينَ) عَلِي .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّ إِبْليسَ أَخْرَجَ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ بِالْحَسَدِ، فَلا تَحْسُدُوهُ فَتَحْبِطَ أَعْمالُكُمْ وَتَزِلَّ أَقْدامُكُمْ، فَإِنَّ آدَمَ أُهْبِطَ إلى الاَْرضِ بِخَطيئَة واحِدَة، وَهُوَ صَفْوَةُ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَكَيْفَ بِكُمْ وَأَنْتُمْ أَنْتُمْ وَمِنْكُمْ أَعْداءُ الله، أَلا وَإِنَّهُ لا يُبْغِضُ عَلِيّاً إِلاّ شَقِي، وَلا يُوالي عَلِيّاً إِلاَّ تَقِي، وَلا يُؤْمِنُ بِهِ إِلاّ مُؤْمِنٌ مُخْلِصٌ .

وَفي عَلِي ـ وَالله ـ نَزَلَتْ سُورَةُ الْعَصْر: ﴿بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحيمِ، وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسانَ لَفي خُسْر﴾، (إِلاّ عَليّاً الّذي آمَنَ وَرَضِي بِالْحَقِّ وَالصَّبْرِ) .

مَعاشِرَ النّاسِ، قَدِ اسْتَشْهَدْتُ الله وَبَلَّغْتُكُمْ رِسالَتي وَما على الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبينُ.

مَعاشِرَ النّاسِ، ﴿اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.

مَعاشِرَ النّاسِ، ﴿آمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَالنَّورِ الَّذي أُنْزِلَ مَعَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها على أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ﴾.

(بالله ما عَني بِهذِهِ الآيَةِ إِلاَّ قَوْماً مِنْ أَصْحابي أَعْرِفُهُمْ بِأَسْمائِهِمْ وَأَنْسابِهِمْ، وَقَدْ أُمِرْتُ بِالصَّفْحِ عَنْهُمْ فَلْيَعْمَلْ كُلُّ امْرِئ على ما يَجِدُ لِعَلِي في قَلْبِهِ مِنَ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ).

مَعاشِرَ النّاسِ، النُّورُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ مَسْلوكٌ فِي ثُمَّ في عَلِي بْنِ أَبي طالِب، ثُمَّ فِي النَّسْلِ مِنْهُ إلى الْقائِمِ الْمَهْدِي الَّذي يَأْخُذُ بِحَقِّ الله وَبِكُلِّ حَقّ هُوَ لَنا، لاَِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدْ جَعَلَنا حُجَّةً على الْمُقَصِّرينَ وَالْمعُانِدينَ وَالُْمخالِفينَ وَالْخائِنينَ وَالآثِمينَ وَالّظَالِمينَ وَالْغاصِبينَ مِنْ جَميعِ الْعالَمينَ.

مَعاشِرَ النّاسِ، أُنْذِرُكُمْ أَنّي رَسُولُ الله قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِي الرُّسُلُ، أَفَإِنْ مِتُّ أَوْ قُتِلْتُ انْقَلَبْتُمْ على أَعْقابِكُمْ؟ وَمَنْ يَنْقَلِبْ على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئاً وَسَيَجْزِي الله الشّاكِرينَ (الصّابِرينَ).

أَلا وَإِنَّ عَلِيّاً هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ .

مَعاشِرَ النّاسِ، لا تَمُنُّوا عَلَي بِإِسْلامِكُمْ، بَلْ لا تَمُنُّوا على الله فَيُحْبِطَ عَمَلَكُمْ وَيَسْخَطَ عَلَيْكُمْ وَيَبْتَلِيَكُمْ بِشُواظ مِنْ نار وَنُحاس، إِنَّ رَبَّكُمْ لَبِا الْمِرْصادِ.

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدي أَئمَّةٌ يَدْعُونَ إلى النّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لايُنْصَرونَ .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّ الله وَأَنَا بَريئانِ مِنْهُمْ .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّهُمْ وَأَنْصارَهُمْ وَأَتْباعَهُمْ وَأَشْياعَهُمْ فِي الدَّرْكِ الاَْسْفَلِ مِنَ النّارِ وَلَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ .

أَلا إِنَّهُمْ أَصْحابُ الصَّحيفَةِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ في صَحيفَتِهِ!!

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنِّي أَدَعُها إِمامَةً وَوِراثَةً (في عَقِبي إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)، وَقَدْ بَلَّغْتُ ما أُمِرتُ بِتَبْليغِهِ حُجَّةً على كُلِّ حاضِر وَغائب وَعَلي كُلِّ أَحَد مِمَّنْ شَهِدَ أَوْلَمْ يَشْهَدْ، وُلِدَ أَوْلَمْ يُولَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الْحاضِرُ الْغائِبَ وَالْوالِدُ الْوَلَدَ إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ .

وَسَيَجْعَلُونَ الإِمامَةَ بَعْدي مُلْكاً وَاغْتِصاباً، (أَلا لَعَنَ الله الْغاصِبينَ الْمُغْتَصبينَ)، وَعِنْدَها سَيَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ (مَنْ يَفْرَغُ) وَيُرْسِلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نار وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَكُمْ على ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حتّى يَميزَ الْخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، وَما كانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ على الْغَيْبِ .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّهُ ما مِنْ قَرْيَة إِلاّ وَالله مُهْلِكُها بِتَكْذيبِها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ وَمُمَلِّكُهَا الإمامَ الْمَهْدِي وَالله مُصَدِّقٌ وَعْدَهُ .

مَعاشِرَ النّاسِ، قَدْ ضَلَّ قَبْلَكُمْ أَكْثَرُ الاَْوَّلينَ، وَالله لَقَدْ أَهْلَكَ الاَْوَّلينَ، وَهُوَ مُهْلِكُ الآخِرينَ .

قالَ الله تَعالى: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الاَْوَّلينَ، ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرينَ، كذلِكَ نَفْعَلُ بِالمجْرِمينَ، وَيْلٌ يَوْمَئِذ لِلْمُكَذِّبينَ﴾.

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّ الله قَدْ أَمَرَني وَنَهاني، وَقَدْ أَمَرْتُ عَلِيّاً وَنَهَيْتُهُ (بِأَمْرِهِ) .

فَعِلْمُ الاَْمْرِ وَالنَّهُي لَدَيْهِ، فَاسْمَعُوا لأِمْرِهِ تَسْلَمُوا وَأَطيعُوهُ تَهْتَدُوا وَانْتَهُوا لِنَهْيِهِ تَرشُدُوا، (وَصيرُوا إلى مُرادِهِ) وَلا تَتَفَرَّقْ بِكُمُ السُّبُلُ عَنْ سَبيلِهِ .

مَعاشِرَ النّاسِ، أَنَا صِراطُ الله الْمُسْتَقيمُ الَّذي أَمَرَكُمْ بِاتِّباعِهِ، ثُمَّ عَلِي مِنْ بَعْدي .

ثُمَّ وُلْدي مِنْ صُلْبِهِ أَئِمَّةُ (الْهُدى)، يَهْدونَ إلى الْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلونَ .

ثُمَّ قَرَأَ: «بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ الْعالَمينَ. .. » إِلى آخِرِها، وَقالَ: فِي نَزَلَتْ وَفيهِمْ (وَالله) نَزَلَتْ، وَلَهُمْ عَمَّتْ وَإِيَّاهُمْ خَصَّتْ، أُولئكَ أَوْلِياءُ الله الَّذينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاهُمْ يَحْزَنونَ، أَلا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغالِبُونَ .

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ الْغاوُونَ إِخْوانُ الشَّياطينِ يوحي بَعْضُهُمْ إلى بَعْض زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُروراً .

أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ الَّذينَ ذَكَرَهُمُ الله في كِتابِهِ، فَقالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لاتَجِدُ قَوْماً يُؤمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آبائَهُمْ أَوْ أَبْنائَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشيرَتَهُمْ، أُولئِكَ كَتَبَ في قُلوبِهِمُ الإيمانَ﴾ إلى آخِر الآيَةِ .

أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ الْمُؤْمِنونَ الَّذينَ وَصَفَهُمُ الله عَزَّ وَجَلَّ فَقالَ: (الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بِظُلْم أُولئِكَ لَهُمُ الاَْمْنُ وَهُمْ مُهْتَدونَ) .

﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرْتابوا﴾.

أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ الَّذينَ يدْخُلونَ الْجَنَّةَ بِسَلام آمِنينَ، تَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ بِالتَّسْليمِ يَقُولونَ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلوها خالِدينَ .

أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمْ، لَهُمُ الْجَنَّةُ يُرْزَقونَ فيها بِغَيْرِ حِساب .

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمُ الَّذينَ يَصْلَونَ سَعيراً .

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمُ الَّذينَ يَسْمَعونَ لِجَهَنَّمَ شَهيقاً وَهِي تَفورُ وَيَرَوْنَ لَها زَفيراً .

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمُ الَّذينَ قالَ الله فيهِمْ: ﴿كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها﴾ الآية.

أَلا إِنَّ أَعْدائَهُمُ الَّذينَ قالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿كُلَّما أُلْقِي فيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأتِكُمْ نَذيرٌ، قالوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلنا ما نَزَّلَ الله مِنْ شَيء إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ في ضَلال كَبير﴾ إِلى قَوله: ﴿أَلا فَسُحْقاً لَأصْحَابِ السَّعيرِ﴾.

أَلا إِنَّ أَوْلِيائَهُمُ الَّذينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبيرٌ .

مَعاشِرَ النَاسِ، شَتّانَ ما بَيْنَ السَّعيرِ وَالاَْجْرِ الْكَبيرِ .

(مَعاشِرَ النّاسِ)، عَدُوُّنا مَنْ ذَمَّهُ الله وَلَعَنَهُ، وَوَلِيُّنا (كُلُّ) مَنْ مَدَحَهُ الله وَأَحَبَّهُ .

(مَعاشِرَ النّاسِ)، أَلا وَإِنّي (أَنَا) النَّذيرُ وَعَلِي الْبَشيرُ .

مَعاشِرَ النّاسِ، أَلا وَإِنِّي مُنْذِرٌ وَعَلِي هاد .

مَعاشِرَ النّاس (أَلا) وَإِنّي نَبي وَعَلِي وَصِيّي .

(مَعاشِرَ النّاسِ، أَلا وَإِنِّي رَسولٌ وَعَلِي الإمامُ وَالْوَصِي مِنْ بَعْدي، وَالاَْئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدُهُ .

أَلا وَإِنّي والِدُهُمْ وَهُمْ يَخْرُجونَ مِنْ صُلْبِهِ) .

أَلا إِنَّ خاتَمَ الاَْئِمَةِ مِنَّا الْقائِمَ الْمَهْدِي .

أَلا إِنَّهُ الظّاهِرُ على الدِّينِ .

أَلا إِنَّهُ الْمُنْتَقِمُ مِنَ الظّالِمينَ .

أَلا إِنَّهُ فاتِحُ الْحُصُونِ وَهادِمُها .

أَلا إِنَّهُ غالِبُ كُلِّ قَبيلَة مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَهاديها .

أَلا إِنَّهُ الْمُدْرِكُ بِكُلِّ ثار لأوْلِياءِ الله .

أَلا إِنَّهُ النّاصِرُ لِدينِ الله .

أَلا إِنَّهُ الْغَرّافُ مِنْ بَحْر عَميق .

أَلا إِنَّهُ يَسِمُ كُلَّ ذي فَضْل بِفَضْلِهِ وَكُلَّ ذي جَهْل بِجَهْلِهِ .

أَلا إِنَّهُ خِيَرَةُ الله وَمُخْتارُهُ .

أَلا إِنَّهُ وارِثُ كُلِّ عِلْم وَالُْمحيطُ بِكُلِّ فَهْم .

أَلا إِنَّهُ المخْبِرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُشَيِّدُ لأمْرِ آياتِهِ .

أَلا إِنَّهُ الرَّشيدُ السَّديدُ .

أَلا إِنَّهُ الْمُفَوَّضُ إِلَيْهِ .

أَلا إِنَّهُ قَدْ بَشَّرَ بِهِ مَنْ سَلَفَ مِنَ الْقُرونِ بَيْنَ يَدَيْهِ .

أَلا إِنَّهُ الْباقي حُجَّةً وَلا حُجَّةَ بَعْدَهُ وَلا حَقَّ إِلاّ مَعَهُ وَلا نُورَ إِلاّ عِنْدَهُ .

أَلا إِنَّهُ لا غالِبَ لَهُ وَلا مَنْصورَ عَلَيْهِ .

أَلا وَإِنَّهُ وَلِي الله في أَرْضِهِ، وَحَكَمُهُ في خَلْقِهِ، وَأَمينُهُ في سِرِّهِ وَعلانِيَتِهِ .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنّي قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ وَأَفْهَمْتُكُمْ، وَهذا عَلِي يُفْهِمُكُمْ بَعْدي .

أَلا وَإِنِّي عِنْدَ انْقِضاءِ خُطْبَتي أَدْعُوكُمْ إلى مُصافَقَتي على بَيْعَتِهِ وَالإِقْرارِ بِهِ، ثُمَّ مُصافَقَتِهِ بَعْدي .

أَلا وَإِنَّي قَدْ بايَعْتُ الله وَعَلِي قَدْ بايَعَني .

وَأَنَا آخِذُكُمْ بِالْبَيْعَةِ لَهُ عَنِ الله عَزَّ وَجَلَّ .

﴿إِنَّ الَّذينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ الله، يَدُ الله فَوْقَ أَيْديهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ على نَفْسِهِ، وَمَنْ أَوْفي بِما عاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتيهِ أَجْراً عَظيماً﴾.

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مِنْ شَعائرِ الله، ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما﴾ الآيَة .

مَعاشِرَ النّاسِ، حُجُّوا الْبَيْتَ، فَما وَرَدَهُ أَهْلُ بَيْت إِلاَّ اسْتَغْنَوْا وَأُبْشِروا، وَلا تَخَلَّفوا عَنْهُ إِلاّ بَتَرُوا وَافْتَقَرُوا .

مَعاشِرَ النّاسِ، ما وَقَفَ بِالْمَوْقِفِ مُؤْمِنٌ إِلاَّ غَفَرَ الله لَهُ ما سَلَفَ مِنْ ذَنْبِهِ إِلى وَقْتِهِ ذلِكَ، فَإِذا انْقَضَتْ حَجَّتُهُ اسْتَأْنَفَ عَمَلَهُ .

مَعاشِرَ النَّاسِ، الْحُجّاجُ مُعانُونَ وَنَفَقاتُهُمْ مُخَلَّفَةٌ عَلَيْهِمْ وَالله لايُضيعُ أَجْرَ الُمحْسِنينَ .

مَعاشِرَ النّاسِ، حُجُّوا الْبَيْتَ بِكَمالِ الدّينِ وَالتَّفَقُّهِ، وَلا تَنْصَرِفُوا عَنِ الْمشَاهِدِ إِلاّ بِتَوْبَة وَإِقْلاع .

مَعاشِرَ النّاسِ، أَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ كَما أَمَرَكُمُ الله عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ طالَ عَلَيْكُمُ الاَْمَدُ فَقَصَّرْتُمْ أَوْ نَسِيتُمْ فَعَلِي وَلِيُّكُمْ وَمُبَيِّنٌ لَكُمْ، الَّذي نَصَبَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ بَعْدي أَمينَ خَلْقِهِ .

إِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَهُوَ وَمَنْ تَخْلُفُ مِنْ ذُرِّيَّتي يُخْبِرونَكُمْ بِما تَسْأَلوُنَ عَنْهُ وَيُبَيِّنُونَ لَكُمْ ما لا تَعْلَمُونَ .

أَلا إِنَّ الْحَلالَ وَالْحَرامَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أُحصِيَهُما وَأُعَرِّفَهُما فَآمُرَ بِالْحَلالِ وَاَنهَي عَنِ الْحَرامِ في مَقام واحِد، فَأُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الْبَيْعَةَ مِنْكُمْ وَالصَّفْقَةَ لَكُمْ بِقَبُولِ ما جِئْتُ بِهِ عَنِ الله عَزَّ وَجَلَّ في عَلِي أميرِ الْمُؤْمِنينَ وَالأَوْصِياءِ مِنْ بَعْدِهِ الَّذينَ هُمْ مِنِّي وَمِنْهُ إمامَةٌ فيهِمْ قائِمَةٌ، خاتِمُها الْمَهْدي إلى يَوْم يَلْقَي الله الَّذي يُقَدِّرُ وَيَقْضي .

مَعاشِرَ النّاسِ، وَكُلُّ حَلال دَلَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَكُلُّ حَرام نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرْجِعْ عَنْ ذلِكَ وَلَمْ أُبَدِّلْ.

أَلا فَاذْكُرُوا ذلِكَ وَاحْفَظُوهُ وَتَواصَوْا بِهِ، وَلا تُبَدِّلُوهُ وَلا تُغَيِّرُوهُ.

أَلا وَإِنِّي اُجَدِّدُ الْقَوْلَ: أَلا فَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأْمُرُوا بِالْمَعْروفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ.

أَلا وَإِنَّ رَأْسَ الاَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ تَنْتَهُوا إلى قَوْلي وَتُبَلِّغُوهُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ وَتَأْمُروُهُ بِقَبُولِهِ عَنِّي وَتَنْهَوْهُ عَنْ مُخالَفَتِهِ، فَإِنَّهُ أَمْرٌ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ وَمِنِّي .

وَلا أَمْرَ بِمَعْروف وَلا نَهْي عَنْ مُنْكَر إِلاَّ مَعَ إِمام مَعْصوم .

مَعاشِرَ النّاسِ، الْقُرْآنُ يُعَرِّفُكُمْ أَنَّ الاَْئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِ وُلْدُهُ، وَعَرَّفْتُكُمْ إِنَّهُمْ مِنِّي وَمِنْهُ، حَيْثُ يَقُولُ الله في كِتابِهِ: ﴿وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ﴾.

وَقُلْتُ:  «لَنْ تَضِلُّوا ما إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما» .

مَعاشِرَ النّاسِ، التَّقْوى، التَّقْوى، وَاحْذَرُوا السّاعَةَ كَما قالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيءٌ عَظِيمٌ﴾.

اُذْكُرُوا الْمَماتَ (وَالْمَعادَ) وَالْحِسابَ وَالْمَوازينَ وَالمحاسَبَةَ بَيْنَ يَدَي رَبِّ الْعالَمينَ وَالثَّوابَ وَالْعِقابَ.

فَمَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ أُثيبَ عَلَيْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَيْسَ لَهُ فِي الجِنانِ نَصيبٌ .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّكُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُصافِقُوني بِكَفّ واحِد في وَقْت واحِد، وَقَدْ أَمَرَنِي الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ آخُذَ مِنْ أَلْسِنَتِكُمُ الإقْرارَ بِما عَقَّدْتُ لِعَلِي أَميرِالْمُؤْمنينَ، وَلِمَنْ جاءَ بَعْدَهُ مِنَ الاَْئِمَّةِ مِنّي وَمِنْهُ، عَلي ما أَعْلَمْتُكُمْ أَنَّ ذُرِّيَّتي مِنْ صُلْبِهِ .

فَقُولُوا بِأَجْمَعِكُمْ:  إِنّا سامِعُونَ مُطيعُونَ راضُونَ مُنْقادُونَ لِما بَلَّغْتَ عَنْ رَبِّنا وَرَبِّكَ في أَمْرِ إِمامِنا عَلِي أَميرِالْمُؤْمِنينَ وَمَنْ وُلِدَ مِنْ صُلْبِهِ مِنَ الاَْئِمَّةِ .

نُبايِعُكَ على ذلِكَ بِقُلوُبِنا وَأَنْفُسِنا وَأَلْسِنَتِنا وَأَيْدينا .

على ذلِكَ نَحْيى وَعَلَيْهِ نَموتُ وَعَلَيْهِ نُبْعَثُ.

وَلا نُغَيِّرُ وَلا نُبَدِّلُ، وَلا نَشُكُّ (وَلا نَجْحَدُ) وَلا نَرْتابُ، وَلا نَرْجِعُ عَنِ الْعَهْدِ وَلا نَنْقُضُ الْميثاقَ .

وَعَظْتَنا بِوَعْظِ الله في عَلِي أَميرِالْمؤْمِنينَ وَالاَْئِمَّةِ الَّذينَ ذَكَرْتَ مِنْ ذُرِّيتِكَ مِنْ وُلْدِهِ بَعْدَهُ، الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَمَنْ نَصَبَهُ الله بَعْدَهُما .

فَالْعَهْدُ وَالْميثاقُ لَهُمْ مَأْخُوذٌ مِنَّا، مِنْ قُلُوبِنا وَأَنْفُسِنا وَأَلْسِنَتِنا وَضَمائِرِنا وَأَيْدينا .

مَنْ أَدْرَكَها بِيَدِهِ وَإِلاَّ فَقَدْ أَقَرَّ بِلِسانِهِ، وَلا نَبْتَغي بِذلِكَ بَدَلاً وَلايَرَي الله مِنْ أَنْفُسِنا حِوَلاً .

نَحْنُ نُؤَدّي ذلِكَ عَنْكَ الّداني والقاصي مِنْ اَوْلادِنا واَهالينا، وَنُشْهِدُ الله بِذلِكَ وَكَفى بِالله شَهيداً وَأَنْتَ عَلَيْنا بِهِ شَهيدٌ » .

مَعاشِرَ النّاسِ، ما تَقُولونَ؟ فَإِنَّ الله يَعْلَمُ كُلَّ صَوْت وَخافِيَةَ كُلِّ نَفْس، ﴿فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها﴾، وَمَنْ بايَعَ فَإِنَّما يُبايِعُ الله، ﴿يَدُ الله فَوْقَ أَيْديهِمْ﴾.

مَعاشِرَ النّاسِ، فَبايِعُوا الله وَبايِعُوني وَبايِعُوا عَلِيّاً أَميرَالْمُؤْمِنينَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَالاَْئِمَّةَ (مِنْهُمْ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ) كَلِمَةً باقِيَةً .

يُهْلِكُ الله مَنْ غَدَرَ وَيَرْحَمُ مَنْ وَفي، ﴿وَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ على نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفي بِما عاهَدَ عَلَيْهُ الله فَسَيُؤْتيهِ أَجْراً عَظيماً﴾.

مَعاشِرَ النّاسِ، قُولُوا الَّذي قُلْتُ لَكُمْ وَسَلِّمُوا على عَلي بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنينَ، وَقُولُوا: ﴿سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ﴾، وَقُولوا: ﴿اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِي لَوْلا أَنْ هَدانَا الله﴾ الآية .

مَعاشِرَ النّاسِ، إِنَّ فَضائِلَ عَلي بْنِ أَبي طالِب عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ ـ وَقَدْ أَنْزَلَها فِي الْقُرْآنِ ـ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أُحْصِيَها في مَقام واحِد، فَمَنْ أَنْبَاَكُمْ بِها وَعَرَفَها فَصَدِّقُوهُ .

مَعاشِرَ النّاسِ، مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَعَلِيّاً وَالاَْئِمَةَ الَّذينَ ذَكرْتُهُمْ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظيماً .

مَعاشِرَ النَّاسِ، السّابِقُونَ إلى مُبايَعَتِهِ وَمُوالاتِهِ وَالتَّسْليمِ عَلَيْهِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنينَ أُولئكَ هُمُ الْفائزُونَ في جَنّاتِ النَّعيمِ .

مَعاشِرَ النّاسِ، قُولُوا ما يَرْضَي الله بِهِ عَنْكُمْ مِنَ الْقَوْلِ، فَإِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الاَْرْضِ جَميعاً فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئاً .

اللهمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنينَ (بِما أَدَّيْتُ وَأَمَرْتُ) وَاغْضِبْ على (الْجاحِدينَ) الْكافِرينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمينَ.


*  هوامش البحث  *

([1]) انظر: الشافي للمرتضى 2: 261 ـ 262، والذخيرة: 443، وتقريب المعارف لأبي الصلاح: 205.

([2]) كنز الفوائد للكراجكي 2: 85.

([3]) نهاية العقول للفخر الرازي: 382 (خ).

([4]) النجاة في القيامة لابن ميثم: 125.

([5]) الصراط المستقيم للبياضي 1: 306.

([6]) عماد الإسلام للسيد دلدار علي 4: 217 (خ)، عبقات الأنوار لمير حامد حسين 2: 7 ـ 8.

([7]) تقريب المعارف لإبي الصلاح الحلبي: 206 ـ 207.

([8]) تقريب المعارف للحلبي: 208 ـ 209.

([9]) الشافي للمرتضى 2: 262، وانظر: كنز الفوائد للكراجكي 2: 86، تمهيد الأصول للطوسي: 394.

([10]) تقريب المعارف للحلبي: 207.

([11]) النجاة في القيامة لابن ميثم: 110.

([12]) الأربعين للرازي: 298.

([13]) نهاية العقول للفخر الرازي: 383 (خ).

([14]) النجاة في القيامة لابن ميثم: 127.

([15]) الشافي للمرتضى 2: 262 ـ 263، تلخيص الشافي للطوسي 2: 170.

([16]) نهاية العقول للفخر للرازي: 382 (خ)، وذكر هذه الشبهة كلّ من الآمدي (ت631) في أبكار الأفكار 5: 181، والتفتازاني (ت793) في شرح المقاصد 5: 274، والجرجاني (ت816) في شرح المواقف 8: 361، والقوشجي (ت879) في الشرح التجريد: 369، وقد أشار السيد المرتضى (ت436) الى هذه الشبهة في الشافي 2: 263 وردّها.

([17]) النجاة في القيامة لابن ميثم: 125، الصراط المستقيم للبياضي 1: 306 ملخّصاً.

([18]) فتح الباري لابن حجر 7: 147، عنه العبقات، حديث الغدير 6: 37.

([19]) المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري 1: 41،

([20]) شرح صحيح مسلم للنووي 1: 24، عنه العبقات، حديث الغدير 2: 270.

([21]) المنهل الروي في علم اصول حديث النبي 9: 6، عنه العبقات، حديث الغدير 2: 270 .

([22]) زاد المعاد لابن القيم 4: 60، عنه العبقات، حديث الغدير 2: 272 ـ 273.

([23]) صحيح البخاري 3: 46 غزوة خيبر، صحيح مسلم 5: 154 كتاب الجهاد.

([24]) فتح الباري لابن حجر 7: 379.

([25]) إزالة الغين: 582، عنه العبقات، حديث الغدير 2: 303.

([26]) المصدر نفسه 593، عنه العبقات، حديث الغدير 2: 310.

([27]) منهاج السنة لابن تيمية 7: 215، 5: 101.

([28]) الإمتاع في أحكام السماع للأدفوي: 209، الفصل العاشر في الكلام على الآلات، عنه العبقات حديث الغدير 2: 333 ـ 335.

([29]) سير أعلام النبلاء للذهبي 12: 281.

([30]) ميزان الاعتدال للذهبي 1: 126، تهذيب الكمال للمزي 1: 419.

([31]) سير أعلام النبلاء للذهبي 13: 71.

([32]) أشار الى ذلك الذهبي في المغني 2: 268، وأيضاً في طبقات السبكي 1: 190 وفيض القدير للمناوي 1: 10 .

([33]) سير أعلام النبلاء للذهبي: 12: 456، فتح الباري لابن حجر 1: 492.

([34]) سير أعلام النبلاء للذهبي 12: 459 .

([35]) المصدر نفسه 12: 460.

([36]) مناقب الشافعي للرازي: 148، عنه العبقات، حديث الغدير 2: 335.

([37]) الغدير للعلاّمة الأميني 1: 580.

([38]) البداية والنهاية 5: 214.

([39]) نهاية العقول للرازي: 382 (خ)، وتبعه الآمدي في أبكار الأفكار 5: 181، والجرجاني في شرح المواقف 8: 361، والزعبي في البينات في الرد على أباطيل المراجعات 2: 150.

([40]) منهاج السنة لابن تيمية 7: 319، واقتضاء الصراط المستقيم: 418، المقدسي رسالة في الردّ على الرافضة :219، القفاري في أصول مذهب الشيعة 2: 309.

([41]) الشافي للمرتضى 2: 263 ـ 264، تلخيص الشافي للطوسي 2: 170، وتمهيد الأصول: 394.

([42]) كنز الفوائد للكراجكي 2: 87.

([43]) منهاج السنة لابن تيمية 2: 207، عنه العبقات، حديث الغدير 3: 86.

([44]) الشافي للمرتضى 2: 264، تلخيص الشافي للطوسي 2: 173، تمهيد الاصول: 394، المنقذ من التقليد للحمصي 2: 335 .

([45]) تقريب المعارف لإبي الصلاح الحلبي: 207 ـ 208.

([46]) الخصائص للنسائي: 17.

([47]) سير أعلام النبلاء للذهبي 13: 228.

([48]) م ن.

([49]) سير أعلام النبلاء للذهبي 13: 260.

([50]) م ن 13: 81.

([51]) كنز الفوائد للكراجكي 3: 87.

([52]) فتح الباري 7: 142.

([53]) عمدة القاري للعيني 9: 245.

([54]) فيض القدير للمناوي 5: 134.

([55]) الاستيعاب: رقم 1855، عنه الغدير للأميني 1: 454.

([56]) تذكرة الخواص: 29 ـ 30، عنه الغدير للأميني 1: 546.

([57]) كفاية الطالب: 64، عنه الغدير للأميني 1: 547.

([58]) العروة لأهل الخلوة: 422، عنه الغدير للأميني 1: 548.

([59]) المواهب اللدنية 3: 365، عنه الغدير للأميني 1: 552.

([60]) وسيلة المال: 117، 118، عنه الغدير للأميني 1: 557.

([61]) شرح المواهب 7: 13، عنه الغدير للأميني 1: 563.

([62]) الفصل في الملل والأهواء والنحل 3: 71.

([63]) المناقب لابن المغازلي: 37 ح 39.

([64]) المناقب لإبن شهر آشوب 3: 33 ـ 35.

([65]) نهج الإيمان لابن جبر: 133.

([66]) الإقبال لإبن طاوس 2: 239.

([67]) الطرائف لابن طاوس 1: 212 ـ 215.

([68]) بناء المقالة الفاطمية لأحمد بن طاووس: 299 ـ 302.

([69]) سير أعلام النبلاء للذهبي 14: 276.

([70]) فتح الباري لابن حجر 7: 60.

([71]) الصواعق المحرقة 1: 106 ـ 107.

([72]) كشف الخفاء للعجلوني: 324 رقم 2591.

([73]) الفصل لابن حزم 3: 71 .

([74]) غياث الامم للجويني: 28 .

([75]) نصب الراية للزيلعي 1: 483، عنه تحفة الأحوذي للمباركفوري 3: 137 .

([76]) أثر الإمامة، السالوس: 91.

([77]) البداية والنهاية لابن كثير 5: 228، والسيرة النبوية 4: 414.

([78]) نقله عنه السيوطي في اتمام الدراية: 54، راجع العبقات، حديث الغدير 6: 35 .

([79]) الذخيرة للمرتضى: 443.

([80]) تمهيد الأصول للطوسي: 393.

([81]) العمدة لابن البطريق: 112.

([82]) نهج الإيمان لابن جبر: 122، 123، ونحوه الصراط المستقيم للبياضي 1: 313.

([83]) المعيار والموازنة: 210.

([84]) سير أعلام النبلاء 8: 334.

([85]) البداية والنهاية 5: 234.

([86]) أسنى المطالب: 3، عنه العبقات، حديث الغدير 1: 172.

([87]) الأربعين: 11، عنه العبقات، حديث الغدير، 1: 224.

([88]) المرقاة  شرح المشكاة 10: 464 ح 6091.

([89]) فيض القدير للمناوي 6: 218 ح 9000.

([90]) الأبحاث المسدّدة في الفنون المتعدّدة: 122، عنه العبقات، حديث الغدير 1: 229 ـ 231.

([91]) البيان والتعريف 2: 136، 230، عنه الغدير للأميني 1: 563.

([92]) شرح المواهب 7: 13، عنه الغدير للأميني 1: 563.

([93]) كشف الخفاء للعجلوني: 324.

([94]) الصلاة الفاخرة: 49 عنه الغدير للأميني 1: 566 .

([95]) الروضة الندية شرح التحفة العلوية: 67، عنه العبقات، حديث الغدير 1: 229 ـ 231.

([96]) روح المعاني 5: 195.

([97]) سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 343.

([98]) تشنيف الآذان: 77.

([99]) المقالات السنية: 360 ـ 361.

([100]) شرح المقاصد 5: 274.

([101]) الإرشاد للجويني: 355.

([102]) الأربعين: 298.

([103]) أبكار الأفكار 5: 181.

([104]) شرح تجريد العقائد: 369.

([105]) الصواعق المحرقة 1: 107، عنه السيرة الحلبية 3: 275 ملخّصاً.

([106]) المفصح في الإمامة (ضمن رسائل الشيخ الطوسي): 134.

([107]) المحلّى لابن حزم 9: 7، عنه العبقات، حديث الغدير 6: 19.

([108]) النجاة في القيامة لابن ميثم: 126.

([109]) م ن: 126.

([110]) سير أعلام النبلاء للذهبي 11: 297.

([111]) م ن 7: 142.

([112]) تاريخ الإسلام (المغازي): 701 .

([113]) كتاب الثقات 2: 124، الطبقات لابن سعد 2: 172، نهاية الإرب للنويري 17: 371، المغازي للواقدي 2: 1088 .

([114]) الكافي للكليني 4: 245 .

([115]) سفر السعادة: 70 .

([116]) صحيح مسلم 2: 721 ح138، المصنّف لابن أبي شيبة 4: 324 ح1، ممّا يدلّ على الاستنفار العام .

([117]) الشريعة 3: 216 ح1577 .

([118]) المعجم الكبير للطبراني 2: 357 ح2505 .

([119]) تخريج الأحاديث للزيلعي 2: 240 رقم 681 .

([120]) تفسير فرات الكوفي: 516 ح675 .

([121]) أسد الغابة 1: 6669 رقم 1031 .

([122]) اكمال تهذيب الكمال 3: 351 رقم 1144 .

([123]) المناقب لابن شهر آشوب 3: 26، البحار 37: 158 .

([124]) تفسير العياشي 1: 332، البحار 37: 140 ح33 .

([125]) جامع الأخبار: 47، البحار 37: 165 ح42 .

([126]) إمتاع الأسماع 2: 112 .

([127]) السيرة الحلبية 3: 308 .

([128]) نهج الإيمان: 122 .

([129]) الاحتجاج للطبرسي 1: 134، كما أشار إلى العدد الحلبي في سيرته 3: 308 .

([130]) نهج الإيمان: 122 .

([131]) السيرة الحلبية 3: 308، اتحاف الورى بأخبار أمّ القرى 1: 568 .

([132]) السيرة الحلبية 3: 308، اتحاف الورى 1: 568 .

([133]) تذكرة الخواص: 30، السيرة الحلبيّة 3: 308، اتحاف الورى 1: 568 .

([134]) حجّة الوداع لابن حزم: 34، 51 .

([135]) السيرة الحلبية 3: 308 .

([136]) اتحاف الورى بأخبار أمّ القرى 1: 568 .

([137]) حجة الوداع لابن حزم: 34: 51 .

([138]) سنن أبي داود: 306 ح1989 .

([139]) الإقبال لابن طاووس 2: 239.

([140]) عنه عبقات الأنوار، حديث الغدير 1: 124.

([141]) معجم الأُدباء 18: 84.

([142]) سير أعلام النبلاء 14: 276، وفي تذكرة الحفاظ 2: 713 وقال: فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق.

([143]) البداية والنهاية 11: 167 ترجمة الطبري.

([144]) م ن 5: 228، السيرة النبوية 4: 414، عنه الآلوسي في روح المعاني 5: 195.

([145]) تهذيب التهذيب 7: 297 رقم 566.

([146]) أثر الإمامة للسالوس: 91.

([147]) الطرائف لابن طاوس 1: 212 ـ 215، والإقبال 2: 239 ملخّصاً، كما أشار الى كتاب ابن عقدة كل من ابن شهر آشوب في المناقب 3: 34، وابن البطريق في العمدة: 112، وابن جبر في نهج الإيمان 133 ـ 134، وغيرهم من علمائنا.

([148]) فتح الباري 7: 60.

([149]) تهذيب التهذيب 7: 297 رقم 566.

([150]) رجال النجاشي: 232 رقم 617، عنه الغدير للأميني 1: 317.

([151]) رسالة أبي غالب الزراري: 180، عنه الغدير للأميني 1: 317.

([152]) رجال النجاشي: 396 رقم 1059، عنه الغدير للأميني 1: 317.

([153]) كفاية الطالب: 60، عنه الغدير للأميني 1: 317.

([154]) الفهرست: 156 رقم 360، عنه الغدير للأميني 1: 317.

([155]) م ن: 69 رقم 166، عنه الغدير للأميني 1: 318.

([156]) رجال النجاشي: 269 رقم 706، عنه الغدير للأميني 1: 318.

([157]) المناقب لابن شهر آشوب 3: 340، والإقبال 2: 239.

([158]) تذكره الحفاظ 3: 1042 رقم 962.

([159]) بناء المقالة الفاطمية: 302.

([160]) نقله عنه ابن جبر في نهج الإيمان: 133، والبياضي في الصراط المستقيم 1: 301، وانظر القندوزي في ينابيع المودة 1: 34.

([161]) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم 3: 71.

([162]) غياث الأُمم للجويني: 28.

([163]) رسالة في الرد على الرافضة: 213.

([164]) الصواعق المحرقة 1: 107.

([165]) السيرة الحلبية 3: 274.

([166]) أنا مدين في هذا المدخل إلى ما كتبه فضيلة الشيخ أمير تقدمي في كتابه القيّم «نور الأمير في تثبيت خطبة الغدير » .

([167]) تاريخ الإسلام (المغازي): 701.

([168]) كتاب الثقات 2 :124، ونحوه الطبقات لابن سعد 2 :172، نهاية الأرب للنويرى 17 :371.

([169]) سفر السعادة: 70.

([170]) السيرة الحلبية 3 :308، ونحوه اتحاف الورى لابن فهد المكي 1 :568.

([171]) المائدة: 67.

([172]) المائدة: 3.

([173]) البداية والنهاية 5 :228.

([174]) تاريخ دمشق لابن عساكر 42 :217 ح8707، تاريخ الإسلام للذهبي (عهد الخلفاء): 632، وقال: وله طرق اُخرى ساقها الحافظ ابن عساكر في ترجمة عليّ يصدّق بعضها بعضاً.

([175]) المعجم الكبير للطبراني 5 :194 ح5066.

([176]) كنز العمال للمتقي الهندي 13 :641 ح37621، مشكاة المصابيح 3 :1732 ح6131.

([177]) كنز العمال للمتقي 1 :188 ح958، جواهر العقدين للسمهودي، القسم الثاني 78، المعجم الكبير للطبراني 3 :180 ح3053.

([178]) وسيلة المآل: 111، استجلاب ارتقاء الغرف، الورقة 20 .

([179]) أنساب الأشراف للبلاذري: 22 ح45 (ترجمة الإمام علي 7).

([180]) المعجم الكبير للطبراني 5 :192 ح5059.

([181]) السنة لابن أبي عاصم: 551 ح1189.

([182]) وسيلة المآل: 112.

([183]) أسد الغاية 1 :572 رقم812.

([184]) السيرة الحلبية 3 :308.

([185]) أسنى المطالب: 48.

([186]) تاريخ اليعقوبي 2 :112.

([187]) معجم البلدان 2 :445.

([188]) جمهرة اللغة 1 :108.

([189]) ربيع الأبرار 1 :84.

([190]) ثمار القلوب 636 رقم 1086 .

([191]) تحفة المحبين 163ـ164 (مخطوط) .

([192]) المعجم الكبير للطبراني 5 :212 ح6128، مجمع الزوائد للهيثمي 9 :105 وقال: فيه حبيب بن خلاّد ولم أعرفه، بقية رجاله ثقات، ورواه البزار وفيه ميمون أبو عبد الله البصيري وثّقه ابن حبان وضعّفه جماعة.

([193]) المائدة: 3.

([194]) المائدة: 67.

([195]) «اليقين باختصاص مولانا علي (ع) بإمرة المؤمنين » 343ـ346 الباب 127، وقال في صدره: فيما نذكره عن هذا أحمد بن محمّد الطبري المعروف بالخليلي من روايته للكتاب الذي أشرنا إليه في حديث يوم الغدير وتسمية مولانا علي (ع) فيه مراراً بلفظ «أمير المؤمنين » نرويه برجالهم الذين ينقلون لهم ما ينقلونه من حرامهم وحلالهم، والدرك فيما نذكره عليهم، وفيه ذكر المهدي (ع) وتعظيم دولته ; «الاحتجاج » 1 / 133 ـ 138 ح32 ; «روضة الواعظين » 89ـ90.