البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

«آية السيف» واندحار مشروعية مقولة «الجهاد, الفريضة الغائبة»

الباحث :  أ.م.د عادل عباس النصراوي، جامعة الكوفة / مركز دراسات الكوفة
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - ذو الحجة 1436هـ / 2015م
تاريخ إضافة البحث :  October / 11 / 2015
عدد زيارات البحث :  1543
تحميل  ( 381.379 KB )
«آية السيف» واندحار مشروعية مقولة
«الجهاد, الفريضة الغائبة»

أ.م.د عادل عباس النصراوي
جامعة الكوفة / مركز دراسات الكوفة

تتعدّد القراءات للنص اللغوي بحسب العصور والأزمان, فقد تكون هناك قراءة واسعة وناهضة بكل ما يحمله النص من تداعيات دلالية وإشكالات معرفية, كل منها تفضي الى دلالات أخرى لها, لا يمكن رؤيتها من خلال قراءة ساذجة أو سطحية للنص, وإنّما تحتاج الى عمق في التفكير حتى تتضح كل ملامح الدلالة المطلوبة, وهناك قراءة ثانية ربما تكون غير ناهضة بكل أعباء الدلالة التي يكتنزها لأنّها قراءة تهتم بالسطح من دون الغور في أعماقه, فتكون ساذجة وغير ملبية لكل طموحات النص ومتطلباته, وهذه القراءة ربّما تأخذ بأيدي قرائها الى رؤى مخالفة للعقل والمنطق العلمي الرصين, بسبب اهتمامها بسطح النص وظاهر اللفظ فيه من دون الغور في العمق الحاوي لكنوز الدلالة.

هاتان القراءتان للنصوص قسّمت الفكر العربي الإسلامي على نفسه, فقُسِّمَ المجتمع وفقاً لهما الى فئة تهتم بتفعيل العقل وإعماله في النص المقروء وأهملت بدرجة معيّنة الاهتمام بالرواية في تفسير النص, وفئة أهملت العقل فاستعانت بالنصوص الأخرى لتفسير ما بأيديها من نصوص .

وبمرور الزمن اتسعت موارد هاتين القراءتين, وكثر مُريدوها, واتجه كل حزب من هؤلاء الى وضع القواعد والأسس لما يحمله من أفكار وقيم آمنوا بها, فكلما تَقدّم فيهم الزمن ازدادت الهوة بينهما واتسعت, فتحزّب أتباعهم, فاستغل السياسيون هذه الظاهرة الفكرية التي حُصِرت بين الانفتاح العقلي والجمود والتسطّح في الفكر لصالح ما يرونه, فعملت السلطات على تحريك أدوات كل قراءة لضرب القراءة الأخرى قصد السيطرة ومدّ النفوذ وتحقيق مآرب سياسية وإضعاف الخصوم .

وقد ظهرت قراءة توفيقية بين هاتين القراءتين وذلك لرأب الصدع الحاصل في مجمل الفكر العربي الإسلامي, غير أنّ هذه القراءة التوفيقية لم تكن باستطاعتها أن تحقق روح الوحدة والانسجام بينها, فبقيت في ضحضاح لا تقوى على شيء لأنها لم تستطع أن تزحزح أيّ من القراءتين عن قواعدها وأسسها التي بُنيت عليها كل قراءة.

إن هذا الاختلاف في قراءة النصوص يترتّب عليه إشكالات واسعة، ذلك أنّ أياً من الفئتين قد وضعت لها منهجاً للحياة ورتّبت عليه قواعدها في صياغة الأحكام وتنفيذها في المجتمع الذي خضع لها .

فمن الإشكالات التي وقع فيها مجمل الفكر العربي الإسلامي ما جاء في قسم من سورة التوبة لما ورد فيها من آيات تدعو لقتال المشركين ومجاهدتهم, ولعلّها من أكثر الآيات إشكالية في فهم فلسفة الجهاد في المنظور السلامي, وقد عُدَّت من الآيات المؤسَّسَة للعنف لدى ما يُعرف في عصرنا الحديث بالتيار السلفي الجهادي الذي بات يقود حرباً ضد الأنظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي وكذلك الغربي فضلاً عن محاربته لبعض الفرق الإسلامية للسبب ذاته.

ولعلّ في سوء التفسير وخطأ التأويل الذي وقع فيه هؤلاء قادهم الى فهم خاطئ لهذه الآيات, فأعملوا السيف في رقاب الناس قصد الدخول في الإسلام, ممّا أظهروا وجهاً سلبياً للإسلام المتسامح المبني على الفضيلة وحبّ الحياة واحترام الناس بمختلف أديانهم واتجاهاتهم الفكرية ما لم يعتدوا على غيرهم أو يُظاهروا عليهم, فدماؤهم محفوظة بحفظ العهود والمواثيق وما خلا ذلك خاضع لسلطة القانون وما تعاهدوا عليه, لكن القراءة الخاطئة لبعض نصوص القرآن وخاصة في سورة التوبة قد أبعدت كثيراً من المفكرين عن جادة الصواب, فبرز السيف حاكماً على رقاب المسلمين بحجة أن هذه الآيات التي سميت بآيات السيف قد نسخت كل آيات الموادعة والمصالحة بين الناس ولمختلف أديانهم.

هذا مماّ نفّر الناس عن دين الإسلام, ولا شك أنَ قصة ذلك الأعرابي الذي كان يقرأ سورة الفتح بصوت مجهور (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يخرجون من دين الله) فردعه الحجاج بن يوسف الثقفي مصححاً له )يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله(([1]) فردّ الأعرابي بسذاجة, منذ وليت عليهم يا حجاج وهم يخرجون؟

فإنموذج الحجاج ومن على شاكلته الى يومنا الحاضر قدموا الإسلام دموياً الى العالم, فرسموا صورة السيف يحصد رقاب الناس مستعيناً بذلك بمن يؤوّل لهم تلك الآيات بأنها تدعو الى قتال كل مشرك وكافر بالله لمجرد عدم إيمانه بالله وكفره زاعمين بذلك أنّ آيتي السيف تدعوان الى ذلك, وهي قوله سبحانه: )فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ (([2]), وقوله سبحانه )قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالله وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْـحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْـجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (([3]).

ومُعدّين أيضاً أنّ هاتين الآيتين قد نسختا كل آيات الموادعة والمصالحة التي تضمّنها القرآن الكريم حتى بلغ ما ذكروا منها (114) آية منسوخة بهما([4]), وأوصلها ابن العربي الى (124) آية ([5]), غير ناظرين الى البعد التأريخي لهما, بل إنّ مؤوّلي القتل فيهما قد خلعوها من سياقهما الذي وردتا فيه, فظهرت الآيتان تدعوان لقتل من لم يشهد الشهادتين لا لسبب آخر.

ولعّل مسألة النسخ في القرآن الكريم هي التي بعثتهم الى هذه التأويلات المنحرفة لتلك النصوص, إذ إنّ فيه مخلّصاً لهم من ادّعاء التناقض والتنافي في القرآن الكريم (ومنشأ هذا قلّة التدبّر أو التسامح في إطلاق لفظ النسخ بمعناه اللغوي)([6]), فوجدوا في نسخ الآيات لبعضها حلاً لهذا الإشكال.

إنّ الإسراف في قضية النسخ في القرآن الكريم فيه تعطيل لكثير من أحكام الله تعالى وإبطال لآياته, ومنها قسم من الآيات المحكمة التي يُبْنى عليها قواعد الحكم و أسسه فالأخذ بنسخها يعني هدم لصرح تلك الأحكام وقواعدها, ويقع ذلك بسبب من التأويلات الفاسدة والرؤى المعتمة وقراءة النص القرآني بعيداً عن مسبباته ومكوناته, قراءة سطحية لا تغور الى أعماقه, وهذا ما حدث في منسوخات آية السيف في سورة التوبة إذ عدّ منظرو التيار السلفي عدم النسخ لآيات الموادعة تعطيل لفريضة الجهاد في الإسلام مسترشدين في ذلك بآراء ابن تيمية([7]), فكفّروا كثيراً من طوائف المسلمين وحاربوهم وهاجموا الأنظمة العربية والإسلامية متهميهم بالكفر والخروج عن ملّة الإسلام بسبب من سياساتهم مع الغرب المسيحي, على أن الإسلام يدعو لمجاهدتهم ومحاربتهم وإعمال السيف في رقابهم, كما صوّرها منظروهم, ولذلك عدّوا فريضة الجهاد غير معمول بها في زماننا ,مع أنّ العمل فيها في صدر الإسلام كان له الفضل في توسيع ربقة الدولة الإسلامية حتى قيل في آية السيف إنّها تصنع التأريخ وتنشر الإسلام.

وقد وردت هذه الآية المباركة بتأويل فاسد لها في إحدى أخطر الوثائق المؤسسة لفكر التيار السلفي, الذي يدّعي الجهاد, في النصف الثاني من القرن الماضي ونُشر في كتاب (الجهاد, الفريضة الغائبة) للمهندس محمد عبد السلام فرج أمير جماعة الجهاد الإسلامي التي اغتالت الرئيس المصري أنور السادات يقول فرج في هذه الآية: (ولقد تكلّم أغلب المفسرين في آية من آيات القرآن وسمّوها آية السيف, وهي قول الله سبحانه وتعالى: )فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْـحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ(([8]) قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية «قال الضحاك بن مزاحم: إنّها نسخت كل عهد بين النبي (ص) و بين أحد من المشركين وكل عقد ومدة, قال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية ، لم يبق لأحدٍ من المشركين عهد ولا ذمّة منذ نزلت براءة»([9]) ... وقال الحسين بن فضل فيما هي آية السيف نسخت هذه كل آية فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء .. فالعجب ممّن يستدل بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد)([10]).

لكن لو دُرست هذه الآية وغيرها من الآيات الداعية الى مجاهدة المشركين ضمن سياقها التأريخي والنصّي الذي وردت فيه, قراءة معمقّة لأرشدتنا الحوادث التي عاصرت نزول النص المبارك لوقفنا على قيم دلالية غير الدلالة التي برزت من قطع المعنى واتلافه أو انحرافه عن أصل وجوده الذي بُني عليه من خلال الحادثة التأريخية الممثّلة لأسباب نزولها ولأجل معرفة الدلالة المرجوة في آية السيف وغيرها من آيات سورة التوبة ينبغي أن نسأل عن سبب عدم ابتداء السورة بالبسملة, وهل نسخت فعلا آيات الموادعة التي وردت في القرآن الكريم, وغيرها من الأسئلة التي سوف تقود البحث .

ولإتمام ما بُدئ به لابُدّ من دراسة هذه السورة المباركة من خلال معرفة الظروف التي أحاطت بنزولها من حوادث مهمة ربّما كان لها أثر في تغير مسار حركة الإسلام والمسلمين آنذاك, إذ اتخذ النبي محمد (ص) طريقاً آخر غير المهادنة والملاينة في التعامل مع الواقع العربي خارج المدينة المنورة, والواقع المسلم الذي عاشه فيها, إذ جاهد الكافرين والمشركين جهاد دفاع لا جهاد هجوم وغزو, فالنبي محمد (ص) لم يبدأ أيّ عدوًّ بقتال أبداً في كل غزواته ومعاركه.

سورة التوبة والظروف التي أحاطت بنزولها:

عندما تجهّز الرسول محمد (ص) لغزوة تبوك بعد رجوعه من حصار الطائف في آخر ذي القعدة من سنة ثمان للهجرة, أقام النبي (ص) بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفراً وربيعاً الأول وربيعاً الثاني وجمادى الأولى وجمادى الآخرة, فلما كان في رجب من سنة تسع من الهجرة أذّن رسول الله (ص) بغزو الروم ثم مضى لسفره واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب (ع) وذلك في اليوم العاشر من رجب, وكانت تسمى بغزوة العسرة أيضاً, لقوله تعالى: )الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ(([11]), فلما رجع منها بعد انتصاره على الروم وفرض الجزية عليهم, وأقام بالمدينة نزلت سورة التوبة في شوال من السنة ذاتها, وهي آخر ما نزل من القرآن في المدينة ولماّ كان موسم الحج, بعث علياً (ع) فيها ليقرأها على أهل الموسم في يوم النحر عند هجرة العقبة من تلك السنة([12]), ولها عدّة أسماء فهي تسمى التوبة وبراءة, والفاضحة, والمبعثرة, والمقشقشة أو البحوث, والمدمدمة, والحافرة والمثيرة, وسورة العذاب, فهذه عشرة أسماء, وكلّ اسم منها له دلالته ذكرها العلماء([13]).

لقد رافق نزول هذه السورة المباركة عدة حوادث, كان لها أثرٌ عظيم في تشكيل دلالات الصورة ومضامينها, إذ كان لأغلب الحوادث التي وقعت في المدينة أو خارجها صدىً فيها, وربمّا أثمرت عن حكمٍ قيّد العامليِن به, وحدّد مسار عمل الرسول (ص) والمسلمين تجاه ما يواجهونه من تهديدات القبائل العربية المشركة لكيان الدولة الإسلامية الفتية, سواء كان من خارج المدينة المتمثّلة بنقض قريش وحلفائها لبنود الصلح مع رسول الله (ص) في صلح الحديبية أم من داخل المدينة المتمثّلة بخطر المنافقين واليهود المتعاونين معهم.

ولأجل قراءة سورة التوبة قراءة واقعية لابدّ من مناقشة الظروف التي أحاطت بنزولها ودراسة مجمل الوقائع التي حدثت في المدينة وخارجها كي نتوصّل الى المضامين الحقيقية التي تحملها, لا كما يؤوّلها المتأوّلون من أنّها أعملت السيف في رقاب الناس منذ نزولها, حتى استمر الأمر الى يومنا هذا من خلال القراءة السلفية المعاصرة التي اتخذت من آراء ابن تيمية طريقاً في قتل كل من لم يشهد الشهادتين أو يخالفهما في الرأي ممّن شهد الشهادتين وليس لسبب آخر, وقد سلك في عصرنا الحاضر هذا السلوك الدموي ما يسمى بالتيار السلفي الجهادي المتمثل في تنظيمات القاعدة والنُصرة وداعش وغيرها من التنظيمات الأخرى التي ربّما تستيقظ من رقدتها في يوم ما التي أعملت القتل في رقاب الناس كافة ومن مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية والأيزيدية في العراق وسوريا .

لقد أحاط نزول هذه السورة مجموعة من العوامل والظروف التي برزت واضحة في مضامينها وإشاراتها لتلك الحوادث, التي أضفت بظلالها عليها, ولعلّ في كلِّ آية منها ستجد حدثاً أو أثراً لحدث ما .

يمكن تقسيم هذه العوامل الى:

أولاً: العوامل الخارجية:

وهي مجمل الظروف التي أخذت تحدّد مسار السورة المباركة الآتية من خارج المدينة المنورة وقد تمثلت الظروف بما يأتي:

1- حشود الروم والقبائل العربية المتنصّرة في بلاد الشام.

لقد قدِم المدينة جماعة من الأنباط أخبروا رسول الله (ص) أن الروم تستعد بجيش جرار لمهاجمة المسلمين في عقر دارهم, لأن المسلمين في ظن الروم أخذوا يهددون دولتهم في المناطق المحاذية لهم في بلاد الشام, فلما سمع النبي (ص) بذلك عدّ العُدّة وتهيّأ لمبادرتهم بالحرب والهجوم عليهم.

ولماّ شاع من قوة المسلمين بين القبائل العربية المشركة والمتنصّرة, فقد رجع الروم عن مقاتلة المسلمين عند وصول النبي (ص) بجيشه اليهم, خوفاً من تقدّم المسلمين على بلادهم فضلاً عن بلاد الشام, فركنوا للصلح معه فتحصّنوا في قلاعهم, ولما انتهى (ص) إلى تبوك أتاه يوحنّة بن رؤبة وهو من عظماء تبوك وصاحب أيلة, فصالحه وأعطاه الجزية, وكذلك طلب أهل جرباء وأذْرُح من النبي (ص) الصلح وأعطوه الجزية, وكتب ليحنة بن رؤية هذا الكتاب, الذي جاء فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم: هذه أمنة من الله ومحمد النبيّ رسول الله ليحنة بن رؤية وأهل أيلة سفنهم وسياداتهم في البر والبحر، لهم ذمة الله, وذمة محمد النبي, ومن كان معهم من أهل الشام, وأهل اليمن, وأهل البحر, فمن أحدث منهم حدثاً, فأنّه لايحول ماله دون نفسه, وإنّه طيبّ لمن أخذه من الناس, وأنّه لا يحلّ أن يمنعوا ماء يردونه, ولا طريقاً يريدونه, من برٍّ أو بحر)([14]).

فرجع جيش المسلمين منتصراً في تبوك من دون حرب أو قتال, وهذا مما غاض المنافقين في المدينة الذين مردوا على النفاق فكانوا ما أن يسمعوا نصراً للرسول (ص) إلاّ أساءهم, وكان لذلك صداه في سورة التوبة حيث قال سبحانه وتعالى: )إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ(([15]) أي: أخذنا حذرنا ولم نشركه في أمر القتال أو الجهاد حين يقع في المحذور, أي: إنّهم كانوا يثبطون من عزائم المسلمين في الخروج مع النبي (ص) في جهاد الروم بتبوك ويبثوا الدعاية التي توهن من عزيمة المقاتلين, قال ابن هشام: (قال ابن إسحاق: قد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت, أخو بني عمرو بن عوف, ومنهم رجل من أشجع, حليف بني سلمة, يقال له: مخُشن بن حمير, قال ابن هشام: ويقال: مخشى، يشيرون الى رسول الله (ص) وهو منطلق الى تبوك, فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً ؟ ... والله لكأني بكم غداً مقرنين في الحبال, إرجافاً وترهيباً للمؤمنين)([16]).

فلما وُوجهوا بذلك وعلموا أن رسول الله (ص) قد علم بكلامهم اعتذروا منه (ص), وقالوا: (يارسول الله إنّما كُنّا نخوض ونلعب)([17]) فأنزل الله فيهم قوله سبحانه: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(([18]).

وقد رافق هذا النصر العظيم على الروم أن ازداد تمسّك المؤمنين بالرسول محمد (ص), وفي المقابل أغاض المنافقين كثيراً, وإنّ صدى هذا النصر قد وصل الى كل قبائل العرب مما زاد من هيبة الدولة الإسلامية وعظمتها في نفوس القبائل العربية في الجزيرة.

2- دور الأكيدر في دومة الجندل:

كان الأكيدر بن مالك عظيم دومة الجندل, وهو من كندة وكان على دين النصارى, وكانت له مراسلات مع منافقي المدينة منهم أبو عامر الراهب الذي سمّاه رسول الله (ص) بالفاسق([19]), وكان هذا الملك يشكل خطراً على الدولة الإسلامية لذا عمل (ص) على القضاء عليه بسرعة بعد انتهائه من تبوك, فأرسل اليه الزبير وأبا دجانة وجماعة يُقدّر عددهم بأربعة وعشرين فارساً, ويقال خالد بن الوليد([20]), حتى وصلوا الى قلاع دومة الجندل, وكان الأكيدر قد خرج منها للصيد مع نفر من أهلِ بيته فيهم أخٌ يقال له حسان, فخرجوا معه ليصطادوا, فلما خرجوا تلقتهم خيلُ رسول الله (ص) فقتلوا أخاه وأُخِذَ الأكيدرُ أسيراً الى رسول الله (ص), (قال ابن اسحق: ثم إنّ خالداً قدم بأكيدر على رسول الله (ص) فحقن دمه وصالحه على الجزية, ثم خلّى سبيله فرجع الى بيته)([21]) .

وكان المنافقون قد عقدوا معه اتفاقاً للقضاء على رسول الله (ص) عند رجوعه من تبوك على أن يُحيط الأكيدر وجنده على جيش الرسول من الخلف, وأما جيش المنافقين فمن الأمام مع اشتداد الحرب عليه من هرقل ملك الروم([22]), لكن الله تعالى نصر نبيه فأُسْقِطَ في أيديهم ورجعوا خائبين خاسرين .

إنّ آثار هذه الواقعة واضحة في سورة التوبة في قوله تعالى: )وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ(([23]), فقد نزلت في المنافقين الذين اجتمعوا في مسجد الضرار, وكان مكاناً للتآمر على المسلمين ويقودهم في ذلك أبو عامر الراهب الذي سماه النبي محمد (ص) أبا عامر الفاسق, وقد خرج الى الشام ليعقد اتفاقاً مع ملك الروم لنصرة المنافقين على رسول الله (ص) ([24]).

ومن آثار هذه الواقعة أيضا ما جاء في قوله سبحانه: )الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (([25]), وقوله تعالى: )وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ( ([26]), إذ نزلتا في بعض الأعاريب من أسد وغطفان ومن أعاريب حاضري المدينة, وفي أبي عامر الراهب لما لهم من دور في تخذيل الناس عن الجهاد في سبيل الله, وتحريضهم للقبائل العربية المتنصرة ضد المسلمين([27]).


ثانياً: العوامل الداخلية:

ترتبط العوامل وظروفها ارتباطاً وثيقاً مع العوامل الخارجية وذلك لتعلّق الظروف مع بعضها, ولتماسها للحدث ذاته, ولذا قد تتكرر بعض الأحداث وفقرات البحث الخارجية بالظروف الداخلية التي عنت بما يحدث في المدينة المنورة من مؤامرات للمنافقين وتحركات لليهود سواء كانت في المدينة أم في خارجها بما يتعلّق منها بالقبائل العربية التي ما زالت على شركها في الجزيرة.

لقد تمثّلت العوامل الداخلية التي تسببت في نزول سورة التوبة لحرب المنافقين للنبي محمد (ص) داخل المدينة, فقد كان لهم نشاط كبير في توهين الدولة الإسلامية وإضعافها من الداخل, ويقودهم في ذلك زعيمهم عبدلله بن أُبي فضلاً عن أبي عامر الفاسق وبعض المهاجرين الذي اتبعوا هواهم, وتمثّلت حربهم على الرسول الأعظم (ص) وظهر صداها في سورة التوبة, بما يأتي:

1 ـ محاولتهم إفشال التحشيد لغزوة تبوك من خلال تثبيط عزم المؤمنين وتخويفهم من مواجهة بني الأصفر (الروم) بوصفهم دولة عظمى في ذلك الزمان وفي ظروف جوية صعبة وأن محمداً والمسلمين غير قادرين على توفير عُدّة الحرب في مثل هذا المناخ الحار وقلة الماء والجدب فتقاعس كثير من المؤمنين عن الجهاد, حتى أنزل الله تعالى فيهم: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ الله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْـحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(([28]), فقد نزل في الحضّ على غزوة تبوك وكان الزمان زمان عسرٍ وجدب وحرٍ شديد, فَعَظُم على الناس غزو الروم وأحبّوا المقام في المساكن وشقَّ عليهم الخروج الى القتال, فلما علم اللهُ تثاقلَ الناس أنزل قوله: )انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا(, نزلت في الذين اعتذروا بالصنيعة والشغل([29]).

وبعد ذلك أنزل الله تعالى في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين([30]). قوله تعالى: )لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ(, وقوله سبحانه: )لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًاوَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ واللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ(([31]) ومن توهين المنافقين لعزائم الخارجين الى غزوة تبوك أنهم وجهوا سهام نقدهم الى رسول الله (ص) وطعنوا في الدين فقد (أخرج ابن جرير عن قتادة: أن أناساً من المنافقين قالوا في غزوة تبوك: يرجو هذا الرجل ـ أي النبي محمد (ص) ـ أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات, فأطلع الله نبيه (ص) على ذلك, فقال لهم: قلتم كذا وكذا, قالوا, أنما كن نخوض ونلعب)([32]) فنزل قوله سبحانه: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ( ([33]) فجاءوا يعتذرون الى النبي (ص), فأنزل تعالى: )لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ( ([34]).

ومن تخذيل المنافقين أيضاً تخويفهم من قوة الروم ومجالدهم لهم, فقال المنافقون: (أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً , والله لكأنّا بكم غداً مقرنين في الجبال, أرجافاً وتخويفاً)([35]) ـ كما ذكرنا ذلك من قبل ـ وذكر السيوطي ايضاً من أحد طرقه أنه قد نزل فيهم قوله سبحانه: )وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ( ([36]), ومن شأن المنافقين أيضاً قول بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحَّر زهادة في الجهاد وشكاً في الحق, وارجافاً برسول الله (ص) ([37]), فأنزل تبارك وتعالى فيهم: )وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْـحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(([38]), فهكذا كان المنافقون يثبّطون المجاهدين عن الاستعداد لغزوة تبوك, وأنّ الغرض من ذلك افشال الرسول (ص) في مهمته لأجل القضاء على دولة الإسلام, وبقاء شعلة الكفر في الجزيرة العربية .

ومما يثبّط عزيمة المسلمين لقتال الروم هو ما قام به المنافق الجدّ بن قيس من بني سلمة وكان سيدهم وقد ندبه النبي (ص) لمجاهدة بني الأصفر, ليكون قدوة لعشيرته, فقال له: (هل لك العام في جهاد بني الأصفر فقال: يارسول الله أوتأذن لي ولا تفتنّي؟ فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشدّ عجباً بالنساء مني وأني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر, فأعرض عنه رسول الله (ص) وقال: قد أذنت لك)([39]) فنزل فيه قوله سبحانه: )وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَـمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ(([40]) وكان الإعراض عنه من قبل النبي (ص) ازدراءً به وتضعيفاً لشأنه, مع ثرائه ويُسره, إذ فضّل البقاء على مجاهدة الكافرين, ولماّ نزلت هذه الآية: (قال رسول الله (ص) لبني سلمة الجدُّ منهم, من سيدكم يا بني سلمة, قالوا: الجدّ بن قيس غير أنه بخيل. فقال النبي محمد (ص) وأي داءٍ أدوأ من البخل, بل سيدّكم الفتى الأبيض الجعد بن بشر بن البراء بن معرور, فقال فيه حسان بن ثابت:

وقال رسول الله والحقُّ لاحقُ

بمن قال مناّ من تعدون سيدا

فقلنا له جدُّ بن قيس على الذي

يبخله فينا وإن كان أنكدا

فقال: وأي الداء أدوى من الذي

رميتم به جداً وعالي بها يدا

وسوَّ بشــر بـــن البـــراء بجــوده

وحق لبشــرٍ ذي النـدا أن يسودا

إذ ما أتاه الوفد أنهب ماله

وقال خذوه إنه عائدٌ غدا


2- المؤامرات على النبي (ص):

شغلت مؤامرات المنافقين على النبي (ص) حيزاً كبيراً سواء كان ذلك في المدينة أم من خارجها من الأعراب المشركين, وما كان ذلك إلاّ كراهةً بالنبي (ص) والمؤمنين, وقد اشترك المنافقون واليهود ومشركو العرب في ذلك على حدّ سواء ؛ وقد برز أثرها في سورة التوبة واضحاً, ولعلَّ أغلب ما جاء فيها كان يُشير الى تلك المؤامرات والمكائد التي لحقت بالرسول (ص) منهم, ومن ذلك عند اتخاذهم مسجد الضرار ليكون لهم مكان تجمّعٍ لحياكة المؤامرات تحت غطاء الدين المتمثل بالمسجد بوصفه دار عبادة للمسلمين, وكي يذرون التراب في أعين مَن يقول فيهم سوءً, فاتخذوا المسجد غطاء لسوءاتهم, وقد بناهُ المنافقون مضاهياً لمسجد قباء, وكانوا يجتمعون فيه يُعيبون النبي (ص) ويستهزؤون به, وبناه اثنا عشر رجلاً وكان أبو عامر الفاسق منهم([41]) , وطلبوا من رسول الله (ص) أنّ يصلّي فيه وهو يتجّهز لتبوك: (فقالوا: يارسول الله, إناّ قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية, وإناّ نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه, فقال: إنّي على جناح سفر, وحال شغل, وإن قدمنا إن شاء الله صلينا بكم فيه)([42]) وكان قبل بناء المسجد قد اتفق أبو عامر الفاسق قبل خروجه الى الشام, مع المنافقين على بنائه وقال لهم: (ابنوا مسجدكم واستمدوا فيه بما استطعتم من قوة وسلاح فإنّي ذاهب الى قيصر ملك الروم, فآتي بجيش من الروم فأُخرِجُ محمداً وأصحابه)([43]) فكان بناء المسجد مكيدة كبيرة على الإسلام والمسلمين وهذه المؤامرة الكبيرة مغطاةُ بغطاء الدين.

بيد أنّ الله تعالى أراد أن يعصم النبي (ص) والمؤمنين من هذه المكيدة, فعند رجوعه من تبوك نزل بذي أوان, وهو مكان بينه وبين المدينة ساعة من نهار ـ أنزل الله سبحانه قوله )وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَارًا وَكُفْراً( ([44]), فدعا رسول الله (ص) مالك بن الدخشم ومعن بن عدي, فقال لهما (انطلقنا الى هذا المسجد الظالم أهله فأهدماه وحرّقاه... ونزل فيهم من القرآن ما نزل)([45]), وكان يسمى أيضاً مسجد الشقاق([46]).

ومن المؤامرات أيضاً ما أظهره عبدلله بن أُبيّ من مناصرة الرسول (ص) في غزوة تبوك وما أن تحرك (ص) حتى تخلّف عنه ابن أُبيّ ومن معه من المنافقين قصد الإيقاع به وتخذيل جيشه, (قال ابن إسحق: وضرب عبدلله بن أُبيّ معه على عسكره أسفل منه, نحو دباب ـ وهو جبل بالمدينة ـ وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين, فلما سار الرسول (ص) تخلّف عنه عبدلله بن أُبي فيمن تخلّف من المنافقين وأهل الريب)([47]) .

بيد أن هذا الخبر فيه شيء من مبالغة وتضخيم لأمر المنافقين, وقد يكون عددهم كبيراً وخاصة بعد هجرة الرسول (ص) الى المدينة, لكن بعد فتح مكة, أي قبل مدة يسيرة من غزوة تبوك أظهر كثير منهم إسلامه فأنزلت آيات كثيرة تعالج الوضع وتؤنبهم على خبثهم ونفاقهم, فنجحت محاولة النبي (ص) لمعالجة هذا الوضع واستعاد النبي (ص) قسماً كبيراً منهم, وبقيت طائفة كبيرة وخطيرة([48]).

إنّ بقاء هذه الطائفة من المشركين في المدينة هو الآخر يشكل خطراً على كيان الإسلام, لذا نجد ان النبي محمداً (ص) قد خلّف علي بن أبي طالب (ع) بالمدينة لمواجهة هذا الوضع السيئ فيها فيما لو حدث تحرك منهم, لعالجه الإمام علي (ع) وقال (ص) «يا عليّ إنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك»([49]) غير أن المنافقين عندما علموا بذلك وبخطر الإمام علي (ع) عليهم أرجفِوا به (وقالوا: ماخلّفه الاّ استثقالاً له وتخففاً منه, فلما قال ذلك المنافقون, أخذ عليّ بن أبي طالب (ع) سلاحه, ثم خرج حتى أتى رسول الله (ص) وهو نازل بالجرف ـ وهو مكان بينه وبين المدينة ثلاثة أميال ـ فقال (يا نبي الله, زعم المنافقون أنّك إنّما خلفتني أنك استثقلتني وتخفّفت منيّ, فقال: كذبوا, ولكني خلفتك لمّا تركت ورائي, فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى . إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)([50]), فكان هذا الإرجاف بعليّ (ع) محاولة منهم لشق عصا الوحدة والطاعة ولتخذيل الإمام في متابعة أمرهم في المدينة كي يخلو لهم وما يريدون من دون متابع أو منازع في هدم دولة الإسلام .

3- كراهة المنافقين للنبيّ محمد (ص) وأذاهم له :

أظهر مجموعة من منافقي المدينة حقدهم على النبي محمد (ص), وعملوا مابوسعهم في أذاه وبالغوا فيه, حتى نزل فيهم قرآنٌ يؤنبهم على ذلك, فقد نُقِلَ أن منهم مَن كان يجلس في مجلس الرسول (ص) فيسمع منه وينقل حديثه الى المنافقين, وكذلك يقولون ما لا ينبغي أن يُقال في رسول الله (ص) حتى قال بعضهم لا تفعلوا فإنّا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا, قال الجلاّس بن سويد نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدّقنا بما نقول فإنّما محمدٌ أذنٌ سامعةٌ قال تعالى )وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ(([51]), نزلت في هؤلاء المنافقين[52] وقد نقل أيضاً عن بعض المهاجرين ما يؤذي النبي (ص), حتى لقد آذوه في عرضه وأزواجه, فقد نقل الشعبي قول الإمام علي (ع) لأهل الشورى: (وكان قد بلغه عنهم هناتٌ وقوارض, فقال لهم: لكنّي أخبركم عن أنفسكم ... وأما أنت يا طلحة فقلت: إن مات محمد لنركضَنَّ بين خلاخيل نسائهِِ كما ركض بين خلاخيل نسائنا)([53]) وقد مات النبي محمد (ص) وهو ساخط عليه([54]) .


4- اتصال المنافقين بالروم للإغارة على الإسلام :

مارس هذا الدور عدد من قادة المنافقين, يدفعهم الى ذلك رغبتهم في القضاء على الإسلام في عقر داره, ومن هذه الممارسات ما قام به بعض هؤلاء من الإتصال بالروم وتحشيد القوى ضد الإسلام, وقد نجح أبو عامر الفاسق في تأليب هرقل وملك غسان وغيرهم.

وكان هذا في اطار خطة شاملة وضعها المنافقون للقضاء على المسلمين والإغارة عليهم ومحاصرتهم من كل الجهات, وقد أعلنوا بأنهم (يضعون المسلمين بين خطرين داهمين ؛ خطر يأتي من قبلهم, فهم يهاجمونهم, فيصطلون مخلّفي المسلمين إذ أخرجوا فإذا عادوا من تبوك, فإنّ الأكيدر يلاحقهم, والمتخلفون في المدينة يهاجمونهم من جهة المدينة, والأكيدر يهاجمهم بمجموعة من الخلف, ويجده هرقل, وملك غسان من جهة الشام)([55]), لكن الله سبحانه قد أفشل خطتهم وأذهب ريحهم وجرت الرياح بما لا يشتهونه نصرةً للإسلام والمسلمين.

والظاهر أنّ هناك اتصالات لبعض الشخصيات الأخرى غير أبي عامر الفاسق مع الغساسنة وغيرهم, فقد روي عن كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خلّفوا في المدينة وقال فيهم تعالى: )وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ(([56]) حين قاطعهم النبي (ص) والمسلمون, قد قال: (حينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا بنبطي من أنباط الشام ممّن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: مَن يدلّ على كعب بن مالك ؟ فطفق الناس يُشيرون له, حتى إذا جاءني دفع إليّ كتاباً من ملك غسان ... فإذا فيه: أما بعد, فإنّه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك, فأقصاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة, فإنْ تَكُ متحولا فالحق بنا نواسيك)([57]) وهذا الأمر في غاية الخطورة إذ يوحي بوجود اتصالات واسعة في المدينة مع أعداء الإسلام, وأن هؤلاء كانوا يتربصون بالإسلام الدوائر ويحاولون أن يفيدوا من أي حدثٍ في المدينة كي يُوقعوا الفتنة ويُضعفوا الإسلام.

5- تآمر يهود المدينة على الإسلام والمسلمين:

لقد كان أناس من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي وكان البيت عند جاسوم, (يثبطون الناس عن رسول الله محمد (ص) في غزوة تبوك, فعندما علم (ص) بذلك بعث اليهم طلحة بن عبيد الله في نفرٍ من أصحابه, وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ففعل طلحة)([58]), ولعلّ في فعل الرسول (ص) ذلك ما يسوّغه, وذلك أن اليهودي قد نقض عهده, فلم يبق له ولا لبيته حرمة, وأن في حرق البيت دلالة كبيرة وهي أن لا يكون عدم الحرق ذريعة لإثارة الشعور بأن البيت قد أُُخذَ ظلماً, وذلك تشكيك بصوابية فعل الرسول (ص) ويتضمن خدشاً في هيبته وعدله.

6- محاولة اغتيال النبي محمد (ص) والانقلاب على الإسلام:

لعلّ هذه الحادثة هي أقصى ما كان بوسعهم أن يقوموا بها, وهي القضاء على شخص الرسول (ص), وكان ذلك عند رجوعه من تبوك, عند العقبة فلما بلغ رسول الله (ص) تلك العقبة نادى مناديه للناس: أن رسول الله (ص) أخذ العقبة فلا يأخذها أحد, وأسلكوا بطن الوادي فإنّه أسهل لكم وأوسع, فسلك الناس بطن الوادي إلا النفرالذين تآمروا على الرسول (ص) فإنّهم اتبعوه, وكان عمار بن ياسر يأخذ بزمام ناقته وحذيفة بن اليمان يسوقها من خلفه, فيما رسول الله (ص) يسير من العقبة إذ سمع حسّ القوم قد غشوه , فنفّروا ناقته (ص), حتى سقط بعض متاعه ويُقال أرادوا أن يقطعوا أنساع راحلته ثم ينتخسوا به فغضب الرسول (ص) لذلك, وكان حذيفة قد ردهم فضرب وجوه رواحلهم, وعرفوا أنهم قد عرفهم الرسول (ص) فانحطوا من العقبة وخالطوا الناس كي يخفى أمرهم واخْتُلِفَ في عددهم وأسمائهم([59]) ,وقال الإمام الباقر (ع) (كانت ثمانية منهم من قريش وأربعة من العرب)([60]) ونزلت فيهم قوله تعالى ) وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا( ([61]). كانت هذه الحادثة تمثل مفترق طريق في الإسلام, إذ كشّر فيه المنافقون عن أنيابهم, وما تخفيه دواخلهم, حقداً على الرسول (ص) وطمعاً في السيطرة على مقدرات الدولة الإسلامية لكنّ أمَر الله أقوى من مؤامراتهم, فأسقطهم في الهوة وأرْجعَ كيدهم الى نحورهم .

وفي مراجعة لمجمل هذه الظروف التي كان يعيشها النبي محمد (ص) والمسلمون, يظهر مدى الخطورة التي تحيط بالدولة الإسلامية الفتية, وأن الحرب فيها لم تَستثنِ أحداً فيها ابتداءً من المسلم والمواطن البسيط, الى شخص القائد الأعظم الرسول (ص), لا لشيء إلاّ بغضاً للإسلام وطلباً للكسب و للمصلحة الخاصة وإبقاء شعلة الكفر في جزيرة العرب.

إنّ هؤلاء الظلاميين لا يرقبون في المسلمين عهداً ولا ذمة إذا شعروا أو ظنوا أنَّ مصالحهم قد تتعرض الى بعض الضرر, لذا كانوا يُحيكون المؤامرات ليلاً ونهاراً, ولم يهدأ لهم بال في ذلك.

لذلك كان توجّه مضامين سورة التوبة ودلالتها باتجاه مواجهة هؤلاء النفر المنحرف الذين ارادوا أن يعبثوا بمقدرات دولة الإسلام , فبعد أن قُمعَ الخطر الخارجي المتمثّل بالروم والقبائل المتنصّرة في بلاد الشام من دون قتال أُمِرَ (ص) في هذه السورة المباركة بمجاهدة الخطر الداخلي وتنقية الأجواء مماّ أثيرَ من غبار, مع الحفاظ على العهود والمواثيق المبرمة مع القبائل العربية المشركة التي لم تنقض عهودها مع الرسول (ص), وكانت القبائل التي دخلت في الحلف هم بنو خزيمة من قبائل بكر, وبنو مدلج وبنو ضمرة وبنو الدئل, وهؤلاء كانوا قد دخلوا عهد قريش يوم الحديبية الى المدة التي كانت بين الرسول (ص) وقريش, ولم ينقضها إلاّ قريش وبنو الدئل من بكر([62]) إذ عَدَت بنو بكرٍ على خزاعة وهم ممّن دخل في حلف النبي (ص) وظاهرتهم قريش بالسلاح حتى وفد عمرو بن سالم الخزاعي مع ثلةٍ من قبيلته على رسول الله (ص) فانشد في حضرته:


لا هُــمَّ([63]) إنّي نـاشـدٌ محـمـداً

حلفَ أبينا وأبيكَ الأتلدا

إنّ قريشأ أخلفوك الموعدا

ونقضوا ذِمامـك المؤكَّدا

هُمْ بيّـَتونا بالحـطيـم هُجدَّا

وقـتـلونا رُكـعـاً وسجـَّدا


فقال (عليه الصلاة و السلام): «لا نُصِرْتُ إن لم أَنصركُم»([64]) .

وكذلك مجاهدة الخطر الأكبر من كل هذه الأخطار وهو المتمثل بالمنافقين الذين يُظهرون إسلامهم ويخفون كفرهم, وكان الرسول (ص) لو لم يأخذهم لظاهر إسلامهم أصلاً, ولكن بعد أن انزاح الغطاء وكُشِفت المؤامرات, لم يبق له (ص) مسوّغ لذلك, فبدأ بالكشف عنهم واحداً واحدا أو مقاطعتهم وعدم الصلاة عليهم عند موتهم, وعدم الاستغفار لهم, ولم يستعمل السيف في رقابهم بل استعمل أساليب معنوية وطرقاً حضارية لردعهم عسىَ أن ينحرفوا عن طريق الضلالة الى طريق الهدى.

غير أنّه (ص) لم يعفُ عن المشركين من بني بكر الذين أعملوا السيف في رقاب المسلمين من خزاعة فواجههم بالأسلوب ذاته بعدما اعتدوا ونقضوا عهدهم, فكان ذلك مسوّغاً له (ص) في محاربتهم, أي إنَّ حربه لهم لم تكن لشركهم أبداً بل كان لخرقهم ونقضهم ما تعاهدوا عليه وإغارتهم على حلفائه وقتلهم وتشريدهم, لأن الإسلام لم يكن دين حرب, بل هو دين سلام ومحبة, ولكنّهُ لا يعدو وسيلة السيف إذا كان هناك ما يدعو لها من أجل عودة الحق الى نصابه والاقتصاص من المعتدي بما يُناسب الذنب والجريمة, لا كما يتصرف اليوم ما يُسمى بالتيارات السلفية الجهادية من قتل وإرهاب لمجرد عدم اعتناق دين الإسلام, أو الاختلاف المذهبي في ديننا الحنيف, وكان ذلك بسبب من قراءتهم الخاطئة لآية السيف في الظاهر لقوله تعالى: ) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْـحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ(([65]), وقولهم بأنها نُسخت كل آيات الموادعة والمصالحة مع غير المسلمين.

ولو كان طريق النبي محمد (ص) القتل لمجرد اعتناق غير الإسلام لما عفا عن المتآمرين على قتله وهدم دولة الإسلام, بل كان يوجههم لما فيه الخير, فقد روي (أن اثني عشر رجلاً من المنافقين ائتمروا فيما بينهم واجتمعوا على أمر مكيدة لرسول الله فأتاه جبريل فأخبره بها فقال (ع) إنّ قوماً دخلوا يريدون أمراً لا ينالونه فليقوموا وليستغفروا الله و ليعترفوا بذلك حتى أشفع لهم, فلم يقوموا, فقال رسول الله (ص) مراراً ألا تقومون, فم يَقُم أَحدٌ منهم, فقال (ص) قم يافلان, قم يافلان حتىَ عَدّ اثني عشر رجلاً فقاموا وقالوا كُنّا عزمنا على ما قُلت ونحن نتوب الى الله من ظلمنا فاشفع لنا: فقال: الآن أخرجوا عنّي أنا كنت في أول أمركم أطيب نفساً بالشفاعة فكان الله أسرع الى الإجابة فخرجوا عنه حتى لم يرهم )([66]) فنزل فيهم([67]) قوله سبحانه: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا( ([68]).

فجعل التوبة طريقاً لسلامتهم, ولم يستعمل السيف فيهم كي يرجعهم الى صوابهم, بل إنّه (ص) لم يقتلهم على نياتهم مع علمه انهم منافقون قد خرجوا عن ملة الإسلام بدليل قوله سبحانه: ) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ(([69]), ووعدهم الله تعالى النار خالدين فيها لقوله سبحانه: ) وَعَدَ الله الْـمُنَافِقِينَ وَالْـمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ الله وَلَـهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ(([70](, فعاملهم بوصفهم مسلمين لقولهم الشهادتين, ولم يؤاخذهم بما أخفت نياتهم, وقد أتبع هذا الأسلوب أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب (ع) عندما أستأذنه طلحة والزبير في العُمرة فقال (ع): (ما العُمرةَ تريدان, فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العُمرة فقال لهما: ما العُمرة تريدان, وإنما تريدان الغدرة ونكثا البيعة فحلفا بالله ما الخلاف عليه ولانكث بيعة يريدان, وما رأيُهما غير العُمرة, قال فأعيدا البيعة لي ثانية, فأعاداها بأشدّ ما يكون من الأيمان والمواثيق, فأذن لهما, فلما خرجا من عنده, قال لمن كان حاضراً: والله لا ترونها إلاّ فتنة يقتتلان فيها, قالوا: يا أمير المؤمنين, فمُر بردِّهما عليك, قال: ليقضيَ اللهُ أمراً كان مفعولا)([71]), لكنهما بعد أن خرجا منه لم يلقيا أحداً إلاّ قالا له: (ليس لعليّ في أعناقنا بيعة, وإنما بايعناه مكرهين, فبلغ علياً (ع) قولهما فقال: والله ما العُمْرةَ يريدان, ولقد أتياني بوجهي فاجرين, ورجعا بوجهي غادرَيْن ناكثين, والله لا يلقياني بعد اليوم إلاّ في كتيبة خَشْناء يقتُلان فيها انفسهما, فبُعداً لهما وسحقاً)([72]).

إذن ما كان للإمام عليّ بن أبي طالب (ع) ليواجهم بالحرب ويقرّر ذلك إلاّ بعد نكثها البيعة ونقضها العهد معه, وهذا الأسلوب في التعامل هو أسلوب القرآن الكريم ففي معاملة من لم ينقض العهد والميثاق قال تعالى: ) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شئا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْـمُتَّقِينَ(([73]), فجعل الالتزام بالعهد تقوى إذ استثناهم الله تعالى من البراءة منهم, لحفظهم العهود, مع شركهم, ولم يعمل السيف في رقابهم.

إذن لم يكن في آية السيف دعوى لقتال أيِّ مشركٍ لمجرد شركه كما يبدو ذلك لقصيري النظر, وإنما هي دعوى لتنقية الأجواء ممّا علق فيها من شوائب الغدر وعدم الالتزام بالمواثيق والعهود من خلال التظاهر على الإسلام والمسلمين من دون مسوّغ يدعو الى ذلك, مع أنّ الرسول (ص) لم يصدر عنه نقضاً لعهد أو ميثاق إلاّ بعد أن يصدر من معاهِدِهِ ذلك.

ولو كانت آية السيف تدعو لقتال المشركين لشركهم فِلمَ استثنى منهم الذين لم ينقضوا عهدهم معه أو الذين تابوا من نفاقهم والمستجير من المشركين بالنبي (ص), بل أوصى به الله تعالى أن يسمع كلام الله ويبلغه مأمنه .

وفي هذا التفاتة رائعة حين جُعل سماع كلام الله تعالى حقناً لدم المشرك المستجير بالنبي (ص), وسماع القرآن هو حوار بين العبد وربه, وفي هذا دعوى للحوار لا للعنف.

الأثر الدلالي في تداعيات الأحداث في آية السيف :

مجمل الأحداث التي صاحبت نزول سورة التوبة لها أثرها الدلالي والمعنوي في صياغة بناء السورة لغوياً أسلوبياً, كما أوضحتُ ذلك من قبل, إلاّ أنّ لآية السيف خصوصيتها الدلالية المتمثّلة في قوله سبحانه: )فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْـحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْـمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَـهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(([74]), وقد اختلف العلماء والمفسرون في توجيهها بسبب من الاتجاه العقدي والفكري لهم, لأنَّ المباني الفكرية لها أثرها الواضح في توجيه المعنى, وخاصة فيما يتعلّق بفريضة الجهاد, إذ عَدّ بعضهم هذه الآية قد نسخت كثيراً من أحكام الموادعة والمصالحة, فعدّوا عدم العمل بها إيقافاً لفريضة الجهاد في الإسلام, لذا فإنهم قد أخذوا يتلمّسون الأعذار والحجج في إيجاد الوسيلة التي تخرجهم من شباك التناقض الذي تصوّروه في القرآن الكريم, بسبب من قلة التدبرّ في الآيات الداعية الى الجهاد أو الموادعة ولأجل إيضاح الدلالة التي تتوخّاه الآية المباركة لابُدّ من تحليل تراكيبها البنائية ودراستها وبيان العوامل التي شيّدت بناءها, ولعلّ العامل اللغوي هو الأنسب هنا في التعامل مع هذه الآية المباركة لابتعاده عن المشاكل العقدية والفكرية التي قد ينزلق بسببها كثيرٌ من المفسرين, فيصورون مضامين الآية بما يتفق مع أهوائهم, لأنّ الإنسان بطبعه ميّال الى مكنوناته الفكرية والعقدية في تفسير أيِّ نصٍّ لغوي أو ديني .

لذا كان الأسلم هنا اتباع طريق اللغة في كشف مضامين الآية المباركة وإبعاد شبح القتل عنها ونسخ آيات الموادعة, لمجرد الشرك ؛ من خلال استعمال أدوات اللغة والنحو, فضلاً عن مناسبة الأحداث التأريخية التي تحدّد مسار هذه الأدوات في بناء النص القرآني .

إنّ براءة آية السيف من إيقاع القتل لمجرد عدم الإيمان بالإسلام تتجلى في أمور كثيرة سأعرض لها بالتفصيل من خلال تحليل الآية الكريمة بالنقاط الآتية :

1 ـ الالتزام بحرمة الأشهر الـحُرم :

جاء في قوله تعالى: )فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ( ابتداء الكلام بالشرط في (إذا) وهي في الأصل تستعمل للمقطوع بحصوله ولكثير الوقوع([75]), أي لابُدّ من أن ينسلخ الأشهر الحُرُم, ومعنى الإنسلاخ (خروج الشيء مما لابَسُه, وأصله من سلخ الشاة, وهو نزع الجلد عنها)([76]), وفي هذا الخروج شيء من صعوبة بسبب من الملابسة والممازجة بين الجلد وما تحته, وبهذا يشير تعالى في الآية الى شدة التصاق العرب والمسلمين بحرمة هذه الأشهر وعدم إيقاع القتال فيها .

ولو كان أمر الحُرمة في هذه الأشهر ليس بالمُهم لما عَبَّر عن انقضائها بالانسلاخ, ولقال: فإذا انقضت الأشهر الحرم, إلاّ أنّ الانقضاء يختلف في دلالته عن الانسلاخ, فالانقضاء هو مجرد ذهاب الشيء وانصرافه([77]), ولا يدلّ على شدة ملامسة والتصاق, لذا فالتعبير عن مرور الأشهر الحُرم بدلالة الانقضاء لا تُعبر عن شدة التحام العرب و المسلمين بالحرمة المفروضة فيها وقوع القتال, في حين أنّ التعبير عن ذلك بالانسلاخ أجدى ويكون أشدَّ تعلّقاً بالالتزام بعدم وقوع القتال فيها.

إنّ دلالة الانسلاخ هذه تُعَدُّ واحدةً من دلالات آية السيف والتزامها بعدم إراقة الدماء في الأشهر الحُرم, ولو أراد التساهل فيها لأبدل الانسلاخ بلفظة أخرى كالانقضاء الدالة على مجرد المرور العابر غير العابئ بما وضعَ من قواعد والتزامات فُرضِت على العرب كافة والزمهم التقيّد بها وعدم مخالفتها, وهذا مماّ يشير الى وضع الحواجز أمام إراقة الدماء في النظر القرآني.

2 ـ تخصيص لفظ «المشركين» وعدم عموميتها في قوله تعالى: )فَاقْتُلُوا الْـمُشْرِكِينَ(.

الذين قرأوا الآية المباركة قراءة سطحية وبلا تدبّر وقعوا في وهم التعميم بدلالة «المشركين» على أنّها شاملة لكل من لا يُؤمن بالله تعالى, في حين أن الواقع اللغوي ومن خلال دراسة البُعد التأريخي لوقائع نزول سورة التوبة تُظهر لنا خلاف ما يراه السطحيون و النصيُون في تفسير لفظة (المشركين) .

إذ إنّ (أل التعريف) هذه تفيد التخصيص, أي: تعيين واحد أو مجموعة معروفة من أفراد الجنس (كقولك: «أقبل الرجل» و «اشتريتُ الكتاب» و لا تقول ذلك إلاّ إذا كان المخاطب يعرف الرجل, أما أن يكون رآه أو جرى حديث معه أو نحو ذلك, و لا تقول ذلك ابتداءً فلا تقول لمخاطبك «أقبل الرجل» وهو لا يعرفه, ولم يجرِ له سابق ذكر)([78]), فالمشركون معروفون لدى المخاطبين من المؤمنين في آية السيف, ومحدّدون في صفاتهم, إذ ليس كل مشرك مشمول في هذه الآية, لأنّ (أل) التعريف قد أفادت تخصيصاً, وهذا مما ينفي وقوع النسخ لآيات الموادعة بهذه الآية, وأنّ التخصيص غير النسخ .

ولو أراد عموم المشركين من غير تخصيص لعُبَّرَ عن ذلك مثلاً بالقول: (أقتلوا مَن أشرك) أو (اقتلوا الذين أشركوا), فالمراد مِنْ (الذين, مَنْ) كل من صدر منه الشرك فهو مشمول بالقتل, لأنّ (الذين) من ألفاظ العموم([79]), وكذلك (مَنْ) فهي تحتمل أن تكون نكرة موصوفة([80]), والنكرة دالة على العموم, فإذا عُبِّرَ عن المشركين بها, فالاحتمال أن يدلاّ على عموم المشركين, وعندئذٍ يكونون مشمولين بالقتل, لكن عندما عُبَّرَ عنهم بلفظ (المشركين) أفاد تخصيصاً لهم, أي قصد مجموعة منهم, وهم الذين نقضوا العهد والميثاق الذي وقع بين الرسول (ص) ومن حالفه من قبائل العرب من نحو خزاعة, وبين قريش ومن حالفهم في ذلك من نحو بكر وغيرهم, فالمشركون المذكورون في آية السيف مخصّصون .

إذن إرادة تعميم مفهوم المشركين الذي يُوْقع القتل في كُلِّ مشركٍ سواء منهم مَنْ نَقَضَ العهد أم لم ينقضه تعني الخروج عن قواعد اللغة وفنونها التي تعارف عليها العرب فيما بينهم, وكان القرآن ضميناً لها و أميناً على تطبيقها بأفضل مماّ عليه العرب في ذلك .

لقد وقع السيوطي (توفي سنة 911 هـ) في وهم عندما عَدَّ قوله سبحانه )فَاقْتُلُوا الْـمُشْرِكِينَ( في العام بسبب التعريف ب (أل) وهي عنده تُعَدُّ من ألفاظ العموم في هذه الموضع([81]), من دون أنْ يقدّم دليلاً على ذلك, كما فعل في قوله سبحانه: ) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(([82]), فقال: (أي: كُلّ إنسان بدليل )إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا(([83]) )([84]), في حين أن آية السيف لم تستثنِ منهم أحداً لأنهم مجموعة معروفة لديهم .

فضلاً عن ذلك, إنّ البعد التأريخي المتمثل بالحوادث التي رافقت النزول قد حدّدت هؤلاء المشركين, وهم الذين نقضوا العهد والميثاق مع الرسول (ص) وحلفائه, حتى استجار به بنو خزاعة, فقال (ص) عند ذاك: (لا نُصرْتُ إن لم أنصركُم)([85]) .

لذا فالنص القرآني المبارك لم يجعل لفظ المشركين لفظاً مطلقاً, فالحدث المرافق لذلك قد حدّد هوية هؤلاء المقصودين بالقتل دون غيرهم.

علاوة على ذلك أنّ هذا التحديد في القتل قد ظهر واضحاً في الآية ذاتها عندما أردفها بقوله سبحانه :) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُون(([86]), فجعل الاستجارة بالرسول (ص) صوناً للمشركين من القتل, وأنّ سماعه للقرآن الكريم حاقن لدمه, ثم أمر تعالى نبّيه الكريم أنّ يُبلغَ المشركَ الموضع الذي يأمَنَ فيه, ليحدّ من القتل وسفك الدم, وإن كان المستجير ممَّن نقضَ العهد والميثاق .

3 ـ تحديد مكان المشركين في قوله تعالى: ) حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ(:

الضمير (هم) يعود في هذا المقطع من الآية الكريمة على المشركين المعلومين لدى المسلمين, وإنّ (حيثُ) والفعل (وجد) كلاهُما يدلا على المكان والظرفية, قال ابن هشام في (حيثُ): (هي للمكان اتفاقاً )([87]), وأما الفعل (وَجَدَ) فقال الزمخشري: (وُجد الشيء وجوداً خلاف عُدِمَ )([88]), أي إيجاد الشيء بعد فقده وضياعه, هذه الدلالة تُوحي أن الشيء الذي وُجدَ بعد ضياعه كان معروفاً, وليس بخافٍ على مَنْ فقده وأضاعه ثم ألفاه .

من هذا نستدل أنّ المشركين الذين يُبْحَثُ عنهم معروفون وليسوا بخافين, ولو كانوا غيرَ معروفين فليس باستطاعة الذين يبحثون عنهم أن يلاقوهم أو يُوجدوهم, وعند ذاك سيكون البحث عن كلّ مشركٍ دون تحديد هويته كي يُوجِدوا ضالتهم, فتكون دلالة المشرك دلالة عموم لا خصوص .

بيد أنّ تحديد المشرك من حيث موضعه, فيه دلالة معرفة به لا إنكار, لذا فإنّ دلالة المكانية والظرفية في هذا المقطع من الآية تأخذ بنا إلى أنّ هؤلاء المشركين مخصوصون, لا عموم مَن أشرك بالله سبحانه لقد حمل ابن هشام (توفي سنة 761هـ) هذا المعنى في قوله تعالى: ) اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ( ([89]) فقال: (إذ المعنى أنّه تعالى يعلمُ نفس المكان المستحقَّ لوضعِ الرسالة فيه, لا شيئاً في المكان )([90]), وذلك أنّ دلالة (حيث) المكانية قد حدّدت مكان موضع الرسالة, وهذا المعنى نجده في قوله سبحانه: )حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ( أي: اقتلوا المشركين المخصوصين مكان وجودهم وإقامتهم, أي: بين ظهراني قبيلتهم و عشيرتهم وأهلهم ممّن لم ينقضوا العهد أو يقتلوا المسلمين بعد الميثاق, وفي هذا تخصيص لهم وبيان, لا عموم مَنْ أشرك بالله تعالى, إذ نجد أنَّ مَن في القبيلة مَن لم يخرج عن العهد والميثاق, فهم غير معنيّين بهذا الأمر وإن خرج بعضهم على ذلك .

4 ـ دلالة المنع والتضيق والرصد في قوله تعالى: ) وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَـهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ( فقد وردت في هذا المقطع من الآية المباركة الأفعال (أخذ, حَصَرَ, قَعَدَ) بصيغة الأمر لمواجهة المشركين بكل قوة وصرامة و وسيلة, إذ جاء الفعل (أخذ) بمعنى المنع والتقيد, قال ابن منظور: (يُقال: أخذتُ على يد فلان إذا منعتهُ عماّ يُريد أن يفعله كأنًّكَ على يده)([91]) ممسك فيه ومقيّده عماّ يُريد أن يفعله (فالأخذُ في معناه اللغوي يتضمّن معنى القوة بدلالة التمكّن )([92]), أي: إعمال القوة, فضلاً عن حصرهم في أماكنهم بدلالة (أحصروهم) (أي: ضيّفوا عليهم )([93]) في أماكنهم ومحل سكناهم, مع ترصّدهم بالقعود لهم في كلَّ مرصد([94]) لقوله سبحانه: ) وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ(.

إنّ الأفعال الثلاثة تُشير صراحة الى تحديد مكان تواجدهم, فلو كانوا غير مخصًّصين وغير معروفين لما حَدَّد أماكنهم ووضع لهم المراصد, فدلالة الأفعال قد خصّصت المشركين المطلوبين في هذه الآية المباركة لا عمومهم .

إذن دلّت مجمل ألفاظ هذه الآية الكريمة على تخصيص لفظ المشركين لا تعميمها كما ذهب الى ذلك بعض من المفسرين وعلماء النسخ .

بيد أنّ القراءة العابرة وغير المتدبِّرة تُوقع في مأزق الانحراف عن هذه المضامين الى قضية قتل كُلّ مَنْ أشرك بالله تعالى, لا لذنبٍ آخر, في حين أنَّ الله تعالى يدعو الى التسامح ورأب الصدع بين أبناء الآية الواحدة وإنْ اختلفت أديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم العقديّة والفكرية.


الخاتمة

توصّل البحث الى عدّة نتائج ندرجها فيما يأتي:

1 ـ إن دراسة البعد التأريخي لسورة التوبة مهمٌ لبيان المضامين والأفكار في هذه السورة ، وإنّ اغفالها سيُوقع الدارس في حالة عدم التدبّر في فهم النص القرآني وهذا ممّا يؤدي الى الفهم الخاطئ لمدلولات السورة ، كما وقع في ذلك النصيّون .

2 ـ إنّ التركيب اللغوي والبنائي في سورة التوبة وخاصة آية السيف منها يوحي بكثير من الإضاءات الى براءة هذه السورة من القتل غير المسوّغ له .

3 ـ إنّ وقوع كثير من العلماء في وهم الفهم الخاطئ لبعض تراكيب آية السيف أخذ بأيديهم الى القول بغياب فريضة الجهاد, أو تغييبها وعدم العمل بها, فضلاً عن عدم ربط الأحداث والوقائع التي صاحبت نزول السورة مع التركيب اللغوي لمجمل السورة وخاصة آية السيف .

4 ـ الخلط بين مفهومي التخصيص والنسخ في آية السيف أدّى الى الإختلاف في كون آية السيف ناسخة لآيات الموادعة في حكمها أو هي مخصصة لفِئة معيّنة من المشركين وشمولهم بالحكم .

5 ـ ربما تجد لفظة معينة أو حرف في تلك اللفظة يشير بصراحة الى حالة كبيرة كالجهاد مثلاً أو غيرها لا يفهمها القارئ غير المتدبّر, وهذا ممّا يوقع كثير منهم في هاوية الإنحراف والزيغ عن طريق الصواب وتوجيه دلالة الآية أو السورة الى خلاف مضمونها .

6 ـ ضرورة تدبّر معاني الألفاظ وفهم دلالاتها, لأن ذلك متمّم لفهم مجمل دلالة السورة أو الآية .
-------------------------------------------
[1]- سورة الفتح / الآية 2.

[2]- سورة التوبة / الآية 5 .

[3]- سورة التوبة / الآية 29 .

[4]- ظ: الناسخ والمنسوخ / ابن سلامة: .184

[5] ظ: الاتقان / السيوطي: 2 / 46, الناسخ والنسوخ / ابن العتائقي الحلي: 1، 6 .

[6]- البيان في تفسير القرآن / الإمام الخوئي: 3.4.

[7]- وللمزيد في معرفة اثر ابن تيمية في التيار السلفي الجهادي المعاصر, انظر ماجاء في وثيقة أو كتاب (الجهاد ـ الفريضة الغائبة) للمهندس محمدعبد السلام فرج.

[8]- سورة التوبة /الآية .5

[9]- تفسير القرآن العظيم / ابن كثير: 2 / .336

[10]- الجهاد الفريضة الغائبة / محمد عبد السلام فرج: 16 ـ 17 .

[11]- سورة التوبة / الآية 117 .

[12]- ظ: الكشاف / الزمخشري: 2 / 232, مجمع البيان / الطبرسي: م3 /1 .

[13]- ظ: مجمع البيان / الطبرسي: م 3 / 1 .

[14]- السيرة النبوية / ابن هشام: 4 / 135 .

[15]- سورة التوبة / الآية 5. .

[16]- م: ن 4 / 125 .

[17]- م: ن

[18]- سورة التوبة / الآية 65 .

[19]- ظ: الصحيح من سيرة النبي الأعظم / جعفر العاملي: 3. / 2.4, أسباب النزول / الواحدي: 195 .

[20]- ظ: م: ن: 3. / 166 / 167 .

[21]- السيرة النبوية / ابن هشام: 4 / 126 .

[22]- ظ: الصحيح من سيرة الرسول الأعظم / جعفر العاملي: 3. / 163 .

[23]- سورة التوبة / الآية 1.7 .

[24]- ظ: أسباب النزول / الواحدي: 195, وسنوضح هذه الحادثة أكثر في مبحث العوامل الداخلية .

[25]- سورة التوبة / الآية 97 .

[26]- سورة التوبة / الآية 1.1 .

[27]- ظ: أسباب النزول / الواحدي: 194 .

[28]- سورة التوبة / الآية38 .

[29]- ظ: أسباب النزول / الواحدي: 185 .

[30]- ظ: م: ن .

[31]- سورة التوبة / الآية 47 .

[32]- أسباب النزول / الواحدي: 187-188, لباب النقول في أسباب النزول / السيوطي: 1.6 .

[33]- سورة التوبة / الآية 65 .

[34] سورة التوبة / الآية 66 .

[35]- السيرة النبوية / ابن هشام: 4 / 135 .

[36]- سورة التوبة / الآية 65 .

[37]- ظ: ن: 4 / 119

[38]- سورة التوبة / الآيتان 81 ـ 82 .

[39]- م: ن 4 / 118, أسباب النزول الواحدي: 185 .

[40]- سورة التوبة / الآية 49 .

[41]- ظ: سبل الهدى والرشاد/: 5 / 471 ـ 472 .

[42]- السيرة النبوية / ابن هشام: 4 / 128 .

[43]- الصحيح من سيرة الرسول الأعظم / جعفر العاملي: 3 / 2.4 .

[44]- سورة التوبة / الآية 1.7 .

[45]- السيرة النبوية / ابن هشام: 4 /129, ظ: أسباب النزول / الواحدي 195 ـ 196, لباب النقول في أسباب النزول / السيوطي /: 111 ـ 112 .

[46]- ظ: م: ن .

[47]- م: ن: 4 / 12. .

[48]-ظ: الصحيح من سيرة النبي الأعظم / جعفر العاملي: 29 / 159 .

[49]- الإرشاد / الشيخ المفيد: 1 / 115 .

[50]- السيرة النبوية / ابن هشام: 4 / 121.

[51] سورة التوبة / الآية 61.

[52] ظ: أسباب النزول / الواحدي: 186 ـ 187, لباب النقول في أسباب النزول / السيوطي: 15 ـ 16.

[53]-شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد المعتزلي: 9 / 44 .

[54]- ظ: الصحيح من سيرة الرسول الأعظم / جعفر العاملي: 29 / 247 .

[55]- م . ن: 163 .

[56]- سورة التوبة / الآية 118 .

[57]- الصحيح من سيرة الرسول الأعظم / جعفر العاملي: 29 / 222 .

[58]- السيرة النبوية / ابن هشام: 4 / 119 .

[59]- ظ الصحيح من سيرة الرسول الأعظم / جعفر العاملي: 3 / 123 ـ 124, أسباب النزول / الواحدي: 189, مجمع البيان / الطبرسي: م 3 / 51.

[60]- مجمع البيان / الطبرسي: م3 / 51, ولمعرفة المزيد عن هؤلاء المتآمرين راجع: الصحيح من سيرة الرسول الأعظم / جعفر العاملي: 3 / 131 ـ 14.

[61]- سورة التوبة / الآية 74.

[62]- لاهُمَّ: تعني اللهم .

[63]- الكشاف / الزمخشري: 2 / 236, مجمع البيان / الطبرسي: م 3 / 9 .

[64]- ظ: الكشاف / الزمخشري: 2 / 234 ـ 235 .

[65]- سورة التوبة / الآية 5.

[66]- مجمع البيان / الطبرسي: م 2 / 68 .

[67]- التبيان / الطوسي: 3 / 243, مجمع البيان / الطبرسي: م 2 / 68 .

[68]- سورة التوبة / الآية 64 .

[69]- سورة التوبة / الآية 66 .

[70]- سورة التوبة / الآية 68 .

[71]- شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد المعتزلي: 1 / 219 .

[72]- م . ن .

[73]- سورة التوبة / الآية 4 .

[74]- سورة التوبة / الآية 5 .

[75]- ظ: معاني النحو / د . فاضل السامرائي: 4 / 61 .

[76]- مجمع البيان / الطبرسي: م 3 / 6, ظ: لسان العرب / ابن منظور: 6 / 323 ـ سلخ .

[77]- ظ: لسان العرب / ابن منظور: 11 / 211 ـ قضي .

[78]- معاني النحو / د . فاضل السامرائي: 1 / 1.. .

[79]- ظ: الاتقان / السيوطي: 2 / 3. .

[80]- دراسات لأسلوب القرآن الكريم / عضيمة: 3 / 132 .

[81]ظ: الإتقان / السيوطي: 2 / 3. .

[82]- سورة النصر / الآية 2 .

[83]- سورة النصر / الآية 3 .

[84]- م . ن : 2 / 3. .

[85]- الكشاف / الزمخشري: 2 / 234 ـ 235 .

[86]- سورة التوبة / الآية 6 .

-[87] المغني / ابن هشام: 1 / 258 .

[88]- أساس البلاغة / الزمخشري: 666 ـ وجد .

[89]- سورة الأنعام / الآية 124 .

[90]- مغني اللبيب / ابن هشام: 1 / 259 .

[91]- لسان العرب / ابن منظور: 1 / 84 ـ أخذ .

[92]- الظواهر اللغوية في كتب إعجازالقرآن / د . عادل عباس النصراوي: 31 (رسالة ماجستير )

[93]- المفردات / الراغب الأصفهاني: 238 ـ حصر .

[94]- م . ن: 679 ـ قعد .

* المصادر والمراجع *
* الإتقان في علوم القرآن/ تأليف الإمام جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي (المتوفي سنة 911هـ) ـ ضبطه وصحّحه وخرّج آياته محمد هاشم سالم ـ بيروت ـ لبنان ـ دار الكتب العلمية ـ 1424هـ ـ 2..3م.

* الأحرف السبع للقرآن / أبو عمرو الداني ـ تحقيق د . عبد المهيمن طحان ـ مكتبة المنارة ـ مكة المكرمة ـ الطبعة الأولى ـ 14.8 هـ .

* أساس البلاغة/ تأليف الإمام العلاّمة جارالله أبي القاسم محمد بن عمر الزمخشري (المتوفى سنة 538هـ) ـ بيروت ـ دار صادر ـ 1399هـ ـ 1979م. .

* أسباب النزول ـ علي بن أحمد الواحدي النيسابوري (ت 468 هـ )- دار ومكتبة الهلال ـ بيروت ـ 1985 م.

* أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن / تأليف الشيخ محمد الأمين الشنقيطي (المتوفى سنة 1393 هـ) / ضبطه وصححه وخرّج آياته الشيخ محمد عبد العزيز الخالدي / دار الكتب العلمية / بيروت ـ لبنان -الطبعة الرابعة ـ 2.11 م .

* البحر المحيط ـ لأثير الدين محمد بن يوسف بن علي بن حيان الشهير بأبي حيان الأندلسي الغرناطي(ت745هـ) ـ حققه وخرّج آياته وعلق عليه، د.عبد الرزاق المهدي ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان ـ الطبعة الأولى ـ 2..2م ـ 1423هـ.

* البرهان في توجيه متشابه القرآن / تأليف تاج القراء محمود بن حمزة الكرماني (ت حوالي 5.5هـ)-تحقيق عبد القادر عطا-دار الكتب العلمية-بيروت-لبنان-الطبعة الاولى 14.6هـ-1986م.

* البيان في تفسير القرآن، الإمام السيد أبو القاسم الخوئي، منشورات دار العلم للإمام السيد الخوئي، النجف الأشرف، مطبعة العمال المركزية، 141.هـ/1989م.

* تفسير القرآن العظيم، الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي(ت774هـ)، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1388هـ/1969م.

* الجهاد الفريضة الغائبة / المهندس محمد عبد السلام فرج / تأريخ النشر 1981 م.

* دراسات لأسلوب القرآن الكريم / تأليف محمد عبد الخالق عضيمة / دار الحديث ـ القاهرة ـ 1425 هـ ـ 2..4 م .

* السيرة النبوية ـ ابن هشام ـ تحقيق عبد الرؤوف سعد ـ دار الجيل ـ بيروت ـ لبنان ـ 14.7هـ ـ 1987م.

* شرح نهج البلاغة / تأليف عز الدين أبي حامد عبد الحميد الشهير بابن أبي الحديد (المتوفى سنة 656هـ) ـ تحقيق محمد أبو الفضل أبراهيم / دار الكتاب العربي ـ العراق ـ بغداد ـ الطبعة الأولى -1426هـ ـ 2..5 م .

* صحيح الترمذي / محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت279هـ) ـ المكتبة الإسلامية ـ مصر ـ 1359 .

* الصحيح من سيرة الرسول الأعظم / السيد جعفر مرتضى العاملي ـ المركز الإسلامي للدراسات ـ بيروت ـ لبنان ـ الطبعة الخامسة ـ 1428 ـ 2..7 م .

* الظواهراللغوية في كتب إعجاز القرآن / (رسالة ماجستير) ـ عادل عباس النصراوي ـ إشراف الأستاذ الدكتور عبد الكاظم محسن الياسري ـ كلية الآداب ـ جامعة الكوفة ـ 2..7 م .

* الكشّاف المنتقى في فضائل عليّ المرتضى/ كاظم عبود الفتلاوي ـ مكتبة الروضة الحيدرية ـ منشورات لسان الصدق ـ الطبعة الأولى ـ 1426هـ ـ 2..5م.

* الكشَّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل/ تأليف أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467 ـ 538هـ) ـ تحقيق عبدالرزاق المهدي ـ بيروت ـ لبنان ـ دار إحياء التراث العربي/ الطبعة الاولى ـ 1421هـ ـ 2..1م.

* لباب النقول في أسباب النزول، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي(ت911هـ)، ضبطه وصححه احمد عبد الشافي، دار الكتب العلمية،، بيروت، لبنان، (د.ت).

* لسان العرب، للإمام العلامة ابن منظور(ت711هـ)، مؤسسة التاريخ العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط3، 1413هـ/1993م.

* مجمع البيان في تفسر القرآن، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1379هـ.

* معاني النحو، د. فاضل السامرائي، دار الفكر، عمان، ط2، 1423هـ/2..3م.

* مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري، قدمه ووضع حواشيه وفهارسه حسن حمد، اشرف عليه وراجعه د. أميل يعقوب، دار الكتب العلمية،، بيروت، لبنان،ط2، 1426هـ/2..5م.

* مفردات ألفاظ القرآن، العلامة الراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان عدنان داودي، منشورات ذوي القربى، قم، إيران، ط4، 1425هـ.

*الناسخ والمنسوخ / تأليف الشيخ أبي القاسم هبة الله ابن سلامة ـ وهو بهامش كتاب أسباب النزول للواحدي ـ عالم الكتب ـ بيروت .

*الناسخ والمنسوخ / لابن العتائقي الحلي / من أعلام القرن الثامن الهجري ـ دراسة وتحقيق الدكتور ثامر كاظم الخفاجي ـ مطبعة ستاره ـ قم ـ الطبعة الأولى ـ 1432هـ.