البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

هل الآثار القديمة تراث محرم يجب إزالته ؟

الباحث :  السيد محمود المقدس الغريفي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - ذو الحجة 1436هـ / 2015م
تاريخ إضافة البحث :  October / 11 / 2015
عدد زيارات البحث :  3821
تحميل  ( 422.433 KB )
هل الآثار القديمة تراث محرّم
يجب إزالته ؟

السيد محمود المقدس الغريفي

توطئة

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا شريك له ولا ولد، والصلاة والسلام على نبي الأمة محمد الأمين والمبعوث رحمة للعالمين، الراضي منهم بقول (لا اله الا الله) ليكونوا آمنين، وعلى آله الطاهرين الهداة الأبرار الميامين، وعلى أصحابه الغرّ المنتجين المخلصين، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

وبعدُ: قد سمع العالم ورأى ما فعلته الزمرة الضالة التي تعرف اليوم (داعش)([1]) بالآثار الحضاريّة القديمة في مدينة الموصل الحدباء، من تدمير معالمها وتهديم تماثيلها، وإزالة ومحو كامل مدنها الأثريّة والحضاريّة لما سلف من الأمم، وطمس كل ما له قيمة حضاريّة وإنسانية في محاولة لِطمسِ الهُـوِيّةِ الحضاريّة لتلك الشعوب ومسح ذاكرتها وشطب تأريخها، لبدأ كتابة تأريخ مشوه جديد تكتبه (داعش) المجرمة بأناملها الحادة المتوحشة، وتخطه بمداد دماء الأبرياء، على أشلاء الإنسانيّة، باسم الإسلام والإسلام منهم براء.

وقد استنكرت هذا الفعل الشنيع وأدانت أعمال (داعش) ومَنْ وراءها من المُتَسلِّفة([2]) الوهابيّة، جميع المرجعيات الدينيّة في العالم الإسلامي على اختلاف مذاهبها وتوجهاتها، لاسيما المرجعية العليا للشيعة الإمامية في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف، والمرجعية العليا لأهل السنة والجماعة في الأزهر الشريف في مصر.

أما المرجعية العليا في النجف الأشرف فقد قالت على لسان ممثلها في كربلاء المقدسة خلال خطبة صلاة الجمعة: إن ما قامت به عصابات (داعش) الإجرامية من تدميرٍ وتخريبٍ لآثار مدينة الموصل ومتحفها الوطني دليل آخر على مدى وحشية هذا التنظيم وعدائه للشعب العراقي ليس لحاضره فقط وإنما لحضارته الضاربة في القدم ومستقبله. كما أَكَّدَت: الحاجة لتكاتف الجميع لمحاربة هذا التنظيم المتوحش الذي لايسلم منه البشر ولا الحجر...

وكان سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله قد أفتى بحرمة أخذ أو شراء أو بيع أو اقتناء أي قطعة أثريّة سُرِقَت من المتحف الوطني العراقي أو من أماكن المواقع الأثريّة، إسلاميّة كانت الآثار أم غير إسلاميّة، فضلاً عن التجاوز عليها والعبث بها واتلافها، ونذكر لك بعض هذه الفتاوى التي أجاب عنها سماحته دام ظله:

السؤال1: لقد نهبت ـ كما تعلمون ـ كمية كبيرة من مقتنيات المتحف العراقي في بغداد بعد سقوط النظام السابق ، وقد هُرِّبَ قسمٌ منها إلى خارج العراق :

أ ـ فهل يجوز لمن يقع شيء منها في يده ان يحتفظ به لنفسه أو يمنحه لغيره ؟

الجواب: لا يجوز بل لابدّ من إعادته إلى المتحف العراقي.

ب ـ وما حكم شراء ما يعرض منها للبيع في الداخل أو في الخارج ؟

الجواب: لا يَصِحُّ شراؤُه أي لا يصبح ملكاً لـ (المشتري) فلو تسلّمه وجب عليه إِرجاعُهُ إلى المتحف المذكور.

ج ـ وإذا لم يَجُز شراءُ ما يُعرَضُ منها للبيع فهل يجوز دفع المال لغرض استنقاذها؟

الجواب: يجوز ولكن لابدّ من إعادة ما يُستنقذ منها إلى المتحف كما تقدم .

السؤال2: يقوم البعض بحفر مواقع الآثار في مناطق مختلفة في العراق واستخراج قطع منها وبيعها في الداخل أو تهريبها إلى الخارج وبيعها هناك فهل يجوز ذلك ؟

الجواب: سماحة السيد مد ظله يمنع من ذلك .

السؤال3: هل يختلف الحكم في الموارد السابقة بين الآثار الإسلاميّة وبين غيرها؟

الجواب: لا فرق بينهما في ما تقدم من الأحكام.

أما الأزهر الشريف ومن دار الإفتاء المصرية فقد أصدر بياناً أدان فيه هذا العمل الهمجي، بعد بث تنظيم (داعش) شريطا يظهر فيه رجال (داعش) وهم يحطمون تماثيل ومنحوتات تعود إلى الدولة الآشورية والأكدية في متحف الموصل مستخدمين مطارق كبيرة وآلات ثقب كهربائي، وأن فعلهم هذا يفتقرُ إلى أسانيد شرعية، فقال:

إِن الآراء الشاذَّة التي اعتمد عليها (داعش) في هدم الآثار واهية ومضللة ولا تستند إلى أسانيد شرعية.

وأشارت إلى أن هذه الآثار كانت موجودة في جميع البلدان التي فتحها المسلمون ولم يأمر الصحابة الكرام بهدمها أو حتى سمحوا بالاقتراب منها.

وأوضحت أن الصحابة جاؤوا إلى مصـر إبان الفتح الإسلامي ووجدوا الأهرامات وأبا الهول وغيرها ولم يصدروا فتوى أو رأياً شرعياً يمس هذه الآثار التي تعد قيّمة تأريخيّة عظيمة.

وأضافت دار الإفتاء المصرية: إِن الآثار تعتبر من القيم والأشياء التأريخيّة التي لها أثر في حياة المجتمع والأمة؛ لأنها تعبر عن تأريخها وماضيها وقيمها، كما أن فيها عبرة بالأقوام السابقة، وتابعت أن الحفاظ على الكنوز الرائعة من الحصاد المادي للحضارة الإنسانيّة، التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي وبعضها إلى حضارات الأمم السابقة، أمر ضروري، وبالتالي فإن مَن تُسوِّلُ له نفسه ويتجرأ ويدعو للمساس بأثر تأريخي بحجة أن الإسلام يحرم وجود مثل هذه الأشياء في بلاده فإن ذلك يعكس توجهات متطرفة تنم عن جهل بالدين الإسلامي. وشددت على أن الحفاظ على هذا التراث ومشاهدته أمر مشـروع ولا يحرمه الدين، بل شجع عليه وأمر به لما فيه من العبرة من تأريخ الأمم.

وبينت دار الإفتاء المصرية في معرض ردها على هذه الفتاوى الشاذة التي استند إليها التنظيم، إنه يوجد العديد من الآيات والأحاديث النبوية التي تنهى عن هدم تراث الأسلاف مستشهدة بالآية الكريمة ) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد * إِرَمَ ذَاتِ العماد * الَّتِي لَمْ يُخلق مِثْلُهَا فِي البلاد * وثمود الَّذينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَاد (، وهى الآية التي تؤكد ضرورة لفت الأنظار في ما تفوق فيه هؤلاء القوم، كما ذكرت حديث الرسول الكريم (ص)، الذى نهى فيه عن هدم آطام المدينة والمقصود بها الحصون. وأشارت دار الإفتاء إلى أنه عند دخول الإسلام حافظ على تراث الحضارات والآثار في مصـر وبلاد الرافدين ومختلف الحضارات التي سبقت الإسلام، وأبقوا على آثارها حتى وصلت إلينا كما تركوها، وأن دعوات التدمير تشير إلى جهل أصحابها).

وقال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي القريب من المُتَسلِّفة الوهابيّة: بأن التماثيل التي صنعها الأقدمون قبل الإسلام تمثل تراثاً تأريخياً ومادة حيّة من مواد التأريخ لكل أمة فلا يجوز تدميرها وتحطيمها باعتبار أنها محرمات أو منكرات يجب تغييرها باليد. ورأى أنها (أي تماثيل الأقدمين) دلالة من نعمة الله تعالى على الأمة الذي هداها للإسلام وحررها من عبادة الأصنام.

وكان الشيخ القرضاوي يرد على سؤال لـصحيفة (الحياة) عن رأيه في قرار حركة)طالبان)([3]) ازالة كل التماثيل الأثريّة التي تقود إلى حقبة ما قبل الإسلام في أفغانستان، وبينها أكبر تمثال في العالم لبوذا واقفاً ـ وذلك سنة 2001م ـ حيث قالت (طالبان): إن الاحتفاظ بها مخالف للشريعة).

وقال القرضاوي: ان للإسلام حكم معروف في إقامة التماثيل أو صنع الصور المجسمة وهو التحريم .. لكنه لفت إلى ان هذا كله يتعلق بالتماثيل التي يصنعها المسلمون بعد أن منّ الله عليهم بالإسلام وعرفوا منه الحلال من الحرام) وشدد: على أن التماثيل التي صنعها الأقدمون قبل الإسلام هي تراث تأريخي.

ولفت إلى أن المسلمين فتحوا أفغانستان منذ القرن الأول الهجري وكانت فيه هذه الأصنام ولم يفكروا في ازالتها وتدميرها وهم خير القرون من الناحية الدينيّة، كما كانوا أعظم قوة عسكرية في العالم يومئذ، ومع ذلك وسعهم السكوت على هذه المخلفات الأثريّة القديمة.

واستدل القرضاوي على فتواه قائلاً: ان المسلمين فتحوا مصـر في عهد عمر بن الخطاب وفيها معابد وآثار فلم يشغل عمرو بن العاص ومن معه من الصحابة انفسهم بإزالة آثار الوثنية المصـرية في المعابد بل اتجهوا إلى تحرير البشر أولاً وإخراجهم من عبادة العِباد إلى عبادة رب العباد.

وأضاف: أنه لا يكاد يخلو بلد فتحه المسلمون من بلاد الحضارات القديمة من وجود آثار جاهلية في معابده وقصوره التأريخيّة ومع هذا لم يهتم المسلمون الفاتحون وهم خير من اليوم بمحوها وازالتها كما يفكر بعض المسلمين اليوم.

ورأى القرضاوي: أنه لو كانت هذه التماثيل في أفغانستان أو غيرها من بلاد المسلمين تشكل خطراً عليهم في عقيدتهم ويخشى أن تفتن الناس عن عقيدة التوحيد وتردهم إلى الوثنية القديمة التي حررها الإسلام منها لقلنا يجب هدم هذه التماثيل وازالتها حفاظاً على عقيدة الأمة وتوحيدها، لكن من المؤكد أن المسلمين اليوم في أفغانستان لا ينظرون إلى هذه التماثيل إلا أنها من آثار ابداع الأقدمين في فن النحت ونبوغهم فيه.

وقال: إن المصـري المسلم ينظر إلى تمثال رمسيس المنصوب في قلب القاهرة إلى أنه مجرد أثر من آثار الحضارة الفرعونية القديمة التي تفننت في صناعة هذه التماثيل ولا أحسب أن هناك مصـرياً واحداً ينظر إلى هذا التمثال وغيره في الجيزة أو الأقصـر أو غيرها نظرة فيها رائحة للعبادة أو التقديس.

ثم خاطب القرضاوي حركة (طالبان) قائلا: أنصح إخواننا! في حركة (طالبان) أن يراجعوا أنفسهم فإن هذا القرار مع عِظم خطره فيه:

أولاً: يتضمن الإنكار على من سبقهم من المسلمين في أفغانستان من عصر الفتح الإسلامي إلى اليوم وقد كان فيهم العلماء الربانيون والرجال الصالحون ولم يزيلوا هذه الأشياء التي يريدون إزالتها اليوم وقد كانت موجودة من غير شك.

ثانياً: أنه يحرج كثيراً من إخوانهم المسلمين في أقطار شتى عندهم آثار ولم يفكروا مثل تفكيرهم ولهذا أحدث قرارهم قرار تدمير الآثار في أفغانستان ضجة في العالم الإسلامي كله وقوبل بدهشة واستنكار.

وثالثاً: إن العالم يعتبر هذه الآثار القديمة من الكنوز البشـرية النفيسة التي لا تقدر قيّمها ولا بمليارات بلايين الدولارات كما تعتبرها ملكاً للبشـرية جمعاء ولهذا تسارع منظمة اليونيسكو بالإسهام في انقاذ ما يتعرض منها لخطر التلف أو الغرق أو عوامل الطبيعة أو غير ذلك حماية للتراث الحضاري الإنساني.

ورأى القرضاوي: أن المهم هو تحرير العقول والأنفس من عبادة غير الله تعالى.

وفي المقابل أصدر بعض رجال هذه الجماعات الشاذة عن الأمة الإسلاميّة وعن سلوك عامة المسلمين من المُتَسلِّفة الوهابيّة بيانات وفتاوى للدفاع عن أفعال (داعش) وما اقترفته بحق التراث الإنساني في العراق وسوريا بمبررات واهية وأدلة خاوية، ومن جملة مَنْ كتب في ذلك المُتَسلِّف الوهابي (محمد صالح المُنَجِّد) في صفحته على الأنترنت (الإسلام سؤال وجواب).

وحيث أنه جمع شتات أدلتهم وما تناقلته مواقعهم وأبواقهم من ردود وإجابات وتبريرات مهلهلة لأفعال (داعش) البربرية، جعلناها في مَعْرِضِ الرد على آراءهم، وبيان خوائها ووهنها وبُعدها عن الروح الإسلاميّة السّمحة، فكراً ومنهجاً.

ولله تعالى المنةُ على ما كتب لي من التوفيق في بيان ذلك، وأسألهُ تعالى الهداية والسداد في القول والعمل والاعتقاد إنه خير من سئل وأكرم من أجاب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


هل الآثارُ القديمةُ تراثٌ محرمٌ يجبُ إزالتُه ؟

لا يخفى على المتابع ما جرى في الآونة الأخيرة من الحرب الجاهلية التي شنتها الحركة المُتَسلِّفة الوهابيّة المتمثلة بما يسمى (داعش) على الآثار العراقية القديمة في الموصل، بعد أن باعوا ما استطاعوا منها خصوصاً ما يمكن حمله إلى الأسواق العالمية، ثم أجهزوا على ما تبقى منها تدميراً وتخريباً واتلافاً، بل وصل الأمر إلى نسف المدن الأثريّة بكاملها ومحوها عن الوجود، وما هذا إلا نتيجة الانحطاط الفكري الذي تعيشه هذه الجماعات الشاذة، والتي تراهم يعيشون أزمات نفسية داخلية قاهرة، وتخلفاً حضارياً لا يستطيعون معه أن يتكيفوا مع الواقع الحضاري للمسلمين، أو يتعايشوا في ظل النظام المدني الذي أمر به الإسلام ودعا اليه رسول الله (ص) في جميع شؤون الحياة.

وخير شاهد على ذلك ما قرره النبي (ص) في وثيقة المدينة المنورة، وقد رسم فيها حدود التعايش السلمي والمدني بين سكانها على اختلاف اديانهم وتوجهاتهم، إلا أن تشبع أفكار هذه الجماعة المُتَسلِّفة الوهابيّة بقيّم البداوة والصحراء، والجاهلية الرعناء، جعلت من سلوك الأعراب الجفاة، ذوي القسوة والعناد، منهجا لهم وأسوة يقتدون بها، بالرغم ممّا تقلقل به ألسنتهم كثيراً، وتترنم به أسماعهم دوما، من ذَمِّ الله تعالى للأعراب في القرآن الكريم في قوله تعالى: )الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ الله عَلَى رَسُولِهِ وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ(([4])، وقال تعالى: ) قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَـمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(([5])، لأنهم بعيدون عن روح الإسلام وجوهره، وعن أخلاق القرآن ومنهجه، وعن سيرة النبي (ص) وسلوكه.

وعلى الرغم من أن ما تفعله اليوم هذه الجماعات الشاذة بالمسلمين خصوصا أعظم جرما من تدمير هذه الآثار الحضاريّة القديمة ـ بعد أن استراح منهم اليهود والنصارى في الجملة لاسيما يهود إسرائيل ـ من القتل والذبح والحرق، والتشـريد والتهجير، والسلب والنهب، والدمار والخراب، بل وصل الأمر إلى إبادة قرى ومدن بأكملها من ساكنيها قتلاً وتشريداً، ولا ترى مكاناً دخلوه إلا وعاثوا فيه فساداً، وتركوه خراباً.

وقد سلطنا الضوء على هذه الظاهرة المستهجنة، وإن كانت بمستوى لا يرقى إلى حرمة سفك الدماء وهتك الأعراض واستباحة الأموال، التي حفظت لابن آدم المكرم من الله عز وجل: ) وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(([6]). بالإسلام وهو الاقرار بالشهادتين، وبها تحقن الدماء والأموال والأعراض، قال النبي (ص): من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله فقد حقن ما له ودمه إلا بحقهما، وحسابه على الله عز وجل([7]).

وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما، وغيرهما، أن رسول الله (ص) قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله([8]).

وبالإنسانيّة إن لم يقاتلك، فمن عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) إلى مالك الأشتر لما ولّاهُ مِصْرَ قسَّم الناس صِنفَينِ: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق([9]).

وبهذه الكلمة، أصبح دم المسلم وماله وعرضه خطا أحمرَ لا يمكن تجاوزه أو الاعتداء عليه، وبالمعاهدة والسلام لغيره، إلا عند هذه الحركة المُتَسلِّفة الوهابيّة، فإن كل من خالف آراءهم وسيرتهم من المسلمين فهو خارج عن الدين كافر.

والغريب في الأمر أن هذه الأفعال الشنيعة والأمور الفظيعة التي ترتكبها هذه الزمر المنحرفة تنسبها إلى الدين الإسلامي الحنيف وهو منها براء، براءة الذئب من دم يوسف، بل وتتقرب بها إلى الله تعالى كذباً وزوراً، وكأن الله عز وجل ارسل رسله لإبادة البشـرية جمعاء خصوصاً من لم يؤمن بهم، ومحو ما على وجه البسيطة من معالم الحياة المدنيّة ورقيها، لأن الحياة الكريمة في الآخرة لا في الدنيا؛ لتبقى خيمة الصحراء هي المأوى والملجأ والهدف لبني آدم ـ على ما يفهمه المُتَسلِّفة من الدين، وكأن الله تعالى ـ بزعمهم ـ لم يبعث رسله رحمة للعالمين ولهداية الناس وبناء حياة كريمة لهم، يألفون فيها ويؤلفون، في ضمن قيم إسلاميّة حضاريّة ساميّة، تحثهم على التعارف والتعايش مع الشعوب والأمم والفرق الأخرى، بيسـر وسلام ورخاء وأمان، قال عز وجل: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(([10]).

والعندية عند الله في الآية الكريمة (عِنْدَ اللهِ) لا يعلمها إلا هو تعالى، وأنه المسؤول عنها وحده، واليه يعود الأمر، لا أن يُأخذَ الإنسان بفهم قاصر للنصوص الدينيّة من بعض ذوي العقول القاصرة والشاذة، فيستبيح بفهمه القاصر دم أخيه وعرضه وماله؛ لأمر اشتبه عليه فأراد أن يفهمه على مزاجه السقيّم وفهمه القاصر وإِدراكه المضطرب ورؤيته العوراء للموضوع، وكأنه قد جعل من نفسه وكيلا عن الله عز وجل في أرضه كالطاغية النمرود الذي ) قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ(([11])، فكفّروا جميع المسلمين واستباحوا دماءهم واستحلوا اعراضهم وغنموا أموالهم؛ لأن المُتَسلِّفة الوهابيين يرون أنفسهم ورثة الأرض جميعا بعد إبادة أهلها وحرقها وتدميرها، ليجلسوا على خرابها يعبدون الله عز وجل وحدهم كما يشاؤون وبما يفهمونه من الدين ويتصورونه، وكأن الأنبياء والأوصياء : غاب عنهم هذا الأمر ولم يَدُرْ في خَلَدِهِمْ ولم يعرفوه، حتى وصل إلى هذه الشـرذمة المارقة، وكأنهم : لا يستطيعون فعل ذلك بأي نحو من الأنحاء، إلا أنهم غير مأمورين بذلك، ولا هو هدفهم الذي بعثوا لأجله، ففعل هؤلاء الفِعلة النكراء واستباحوا البشـرية باسم الدين، مع أن عبادة الأنبياء والأوصياء لو حدث الأمر قطعا تكون هي العبادة الصحيحة والمثالية والثابتة عند الله عز وجل، وأن ميزانها يعدل ميزان عبادة الثقلين، لا كعبادة هؤلاء(المنافقين) الذين يَمرقُون من السهم كما يَمرق السهم من الرَّميِّة، ففي صحيح مسلم: روى أن رسول الله (ص) قال: سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة([12]).

وروى البخاري، ومالك بسنده في الموطأ عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم، يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، تنظر في النصل فلا ترى شيئاً، وتنظر في القدح فلا ترى شيئاً، وتنظر في الريش فلا ترى شيئاً، وتتمارى في الفوق)([13]).

ولكنهم : لم يفعلوا هذا الأمر؛ لأنهم لم يبعثوا لأجل ذلك، وإنما بعثوا لهداية الناس وإرشادهم مهما استطاعوا، قال تعالى: )إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(([14])، وقال لنبيه محمد (ص): )فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ *ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(([15])، وإلى الله ترجع الأمور، بل أن الله تعالى امتحن نبيه يونس بن متى (ع) على دعائه بالهلاك على قومه الكفار، بعد أن كذبوه ويَئِسَ من هدايتهم، فالقاه الله في بطن الحوت وجرى عليه ما جرى وهو نبي الله عز وجل، فكيف تحكمون يا أبناء الصحراء.

لقد أسمعت لو ناديت حيا

ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو ناراً نفخت بها أضاءت

ولكن أنت تنفخ في رمادِ

هذا، وقد اعتمدت هذه العصابة المنحرفة عن الطريق المستقيّم في تدمير الآثار الحضاريّة للأمم السالفة القديمة واتلافها ـ موضوع بحثنا ـ على ما رواه مسلم النيسابوري في صحيحه وغيره([16])، حدثنا وكيع عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي وائل عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (ص) أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشـرفاً إلا سوّيته([17]).

والكلام في هذا الحديث يقع من ناحيتين:

الأولى: ناحية السند. والثانية: ناحية الدلالة.

أما من ناحية السند:

فيقع في سند الرواية وكيع بن الجراح وعلى الرغم مما قيل فيه من مدح إلا أنه قد روى الذهبي عن أحمد بن حنبل أنه قال في وكيع : أنه أخطأ في خمسمائة حديث([18]).

وقال فيه محمد بن نصر المروزي : كان يحدث بِأَخَرَةٍ من حفظه فيغير ألفاظ الحديث كأنه كان يحدث بالمعنى ولم يكن من أهل اللسان([19]).

وليت شعري ربما يكون هذا الحديث من تلك الخمسمئة، لا أقل من وقوع الشبهة المحصورة في مروياته بالخطأ، فتركها والإعراض عنها أسلم.

أما سفيان الثوري فمع ما أثني عليه فقد عرف عنه التدليس، وقد روى الحافظ العسقلاني عن ابن المبارك: حدث سفيان بحديث فجئته وهو يدلسه فلما رآني استحيى، وقال: نرويه عنك([20]). وفي ترجمة يحيى القطان قال أبو بكر: سمعت يحيى يقول: جهد الثوري أن يدلس عليَّ رجلاً ضعيفاً، فما أمكنه قال مرة: حدثنا أبو سهل عن الشعبي فقلت له: أبو سهل محمد بن سالم؟! فقال: يا يحيى ما رأيت مثلك لا يذهب عليك شيء([21]). وهذا أمر مشهور عنه ومعروف، فكيف يمكن الركون إلى مروياته.

وكذلك حبيب بن أبي ثابت مع توثيقهم له فإنه كان مدلساً بشهادة ابن حبان وابن خزيمة بأنه كان مُدلساً، كما أفاد الحافظ العسقلاني، وقد أضاف: وقال العقيلي غمزه ابن عون، وقال القطان: له غير حديث عن عطاء لا يتابع عليه، وليس بمحفوظة. وقال ابن جعفر النحاس كان حبيب بن ابي ثابت يقول: إذا حدثني رجل عنك بحديث ثم حدثت به عنك كنت صادقاً!([22]).

أما أبو وائل وهو الأسدي شقيق بن سلمى الكوفي لرواية حبيب ابن أبي ثابت عنه كما ذكر المزي أنه من الراوين عنه([23])، وليس هو أبا وائل عبد الله بن بحير القاص الصنعاني، وكان أبو وائل شقيق ناصبياً من أهل البدع منحرفا عن أميرالمؤمنين علي (ع) مبغضا له!!، وقد عدَّه ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة من الرجال المنحرفين عنه (ع) ([24])، وكفى بهذا جرحاً؛ لأنه منافق بشهادة رسول الله (ص) لقوله: يا علي لايحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق([25]).

فضلاً على أن حديث أبي الهياج هذا شاذ انفرد به، بل قال السيوطي في شرح سنن النَّسائي: أنه ليس لأبي الهياج في الكتب إلا هذا الحديث الواحد([26]).

فالرواية التي فيها هكذا عقبات لا يؤمن الوثوق بصدورها واعتبارها.

وأما من ناحية دلالة الحديث والمتن:

ففيه وقفات لا تخفى على ذوي العقول السليمة وإن قصرت عن صيدها ذوو النفوس المريضة وأصحاب العقول السقيمة:

فالطمس معناه الدرس والإمحاء في قوله: وأن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، وفيه الأمر بالإزالة والإمحاء للأصنام والأوثان التي تعبد من دون الله عز وجل وصورها، والتي كانت منتشـرة في صدر الرسالة الإسلاميّة؛ لقرب عهدهم بالجاهلية وربما ما زال أقوام من أهل الجاهلية يعبدونها ويقدسونها، وليس المراد طمس كل تمثال وجد على وجه البسيطة، وإن اهمل أو ترك واعرض عنه، فأصبح بمرور الأيام وتطاولها مَعلَماً تأريخياً، وأثراً حضارياً يرمز إلى معنىً من معاني الأمم السالفة ويخبر عن قيمها الحضاريّة والتأريخيّة، وما يدعم هذا القول ويوضحه ما رواه أحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله (ص) في جنازة، فقال: أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثناً إلا كسـره، ولا قبراً إلا سواه، ولا صورة إلا لطخها.

فقال] رجل[: أنا يا رسول الله، فانطلق فهاب أهل المدينة فرجع!

فقال علي رضي الله عنه: أنا أنطلقُ يا رسول الله.

قال: فانطلق فانطلق ثم رجع.

فقال: يا رسول الله لم أدع بها وثناً إلا كسـرتُهُ، ولا قبراً إلا سويته، ولا صورة إلا لطختها([27]).

ثم قال رسول الله (ص): من عاد لصنعة شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد (ص)([28]).

فأرسله (ص) لكسر كل وثن وصنم يُعبد من دون الله عز وجل، وصناعة شيء من هذه الأصنام والأوثان لعبادتها والإِشراك بالله الواحد القهار الذي جاء الإسلام لمحاربتها وإِزالتها وقد رفع شعار التوحيد لله عز وجل يوجب الكفر بما أنزل على رسول الله (ص) حتماً، لاسيما وأن في ذلك الوقت كانت صناعة الآلهة والأصنام وتجارتها رائجة متداولة ولما يتركز الإسلام في قلوب القوم ونفوسهم.

ولا يخفى على اللبيب أن لفظ الأصنام و الأوثان التي أمرت الرواية بكسـرها وطمسها يطلق على ما يُعبد من دون الله عز وجل ولا يطلق على كل تمثال، فإن لفظ التمثال أعم من الصنم والوثن، ويطلق التمثال على صورة الشـيء بشكل جسمه وهيئته وهو المعمول لغير العبادة، فإن اعد للعبادة فهو صنم وليس تمثالاً([29]). وقيل الصنم: هو الوثن المتخذ من الحجارة أو الخشب، وقيل: ما كان على صورة حيوان، وقيل: كل ما عبد من دون اللَّه يقال له صنم. ثم أنّ الأصنام مصوّرة منقوشة، وليس كذلك الأنصاب لأنها حجارة منقوشة منصوبة.

أما الوثن فهو كالنصب سواء. ويدل على أن الوثن اسم يقع على ما ليس بمصور، فإن النبيّ (ص) قال لِعَدِي بن حاتم حين جاءه في عنقه صليب: ألق هذا الوثن من عنقك. فسمّى الصليب وثناً، فدل ذلك على أن النّصب والوثن اسم لما نصب للعبادة، وإن لم يكن مُصوراً ولا منقوشاً.

فعلى هذا الرأي تكون الأنصاب كالأوثان في أنها غير مصورة، وعلى الرأي الأول يكون الفرق بين الأنصاب والأوثان: أن الأنصاب غير مصورة، والأوثان مصورة([30]).

وعليه فإرسال النبي (ص) عَلِيّاً (ع) كان لطمس الأصنام والأوثان التي كانت تُتَّخَذُ للعبادة من دون الله عز وجل، وليس لكل تمثال.

فقياس ما قام به النبي (ص) من إِرسال الرجال لطمس هذه الأصنام والأوثان التي تُعبد من دون الله عز وجل في صدر الإسلام مع هذه الآثار القديمة التي كان بعضٌ منها يُعبد من عشرات القرون المتطاولة وقد باد أهلها وانقرضوا، قياس مع الفارق، وأنه قياس يدل على سذاجة وحماقة من يتبناه، فافهم.

كما أن هناك جملة من الروايات تشير إلى خصوص هذا المعنى وتفسـره، وتدعم هذا الرأي منها:

ما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن عبسة السلمي أنه قال للنبي (ص): وبأي شيء ‏أرسلك؟

قال: أرسلني بصلة الأرحام، وكسـر الأوثان، وأن يُوَحَّدَ الله لا يشرك ‏به شيء([31]).‏

وقد أرسل النبي (ص) خالد بن الوليد في سرية لهدم العُزّى ([32]).

كما أرسل سعد بن زيد الأشهلي في سرية لهدم مناة([33]) .

وأرسل عمرو بن العاص في سرية لهدم سواع ([34]).

وجميعها من أصنام الجاهلية، وقد أرسلهم (ص) بعد فتح مكة.

وقد استشهد بهذه الأخبار والروايات المُتَسلِّف بلا دراية وتمييز وقال:(ويتأكد وجوب هدمها إذا كانت تعبد من دون الله). ولم نسمع أو نرى أو نعرف أن هذه الآثار القديمة وأصنامها تُعبد الآن من دون الله عز وجل، فتأمل.

وما رواه البخاري ومسلم: عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال لي رسول الله (ص): يا جرير ألا تريحني من ذي الخلصة بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية.

قال: فنفرت في خمسين ومائة فارس، وكنت لا أثبت على الخيل فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضـرب يده في صدري فقال: اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا.

قال: فانطلقَ فحرَّقها بالنار، ثم بعث جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشـره يكنى أبا أرطاة منا، فأتى رسول الله (ص) فقال له: ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب، فبرك رسول الله (ص) على خيل أحمس ورجالها خمس مرات([35]).

قال صاحب القاموس: وذو الخلصة محركة وبضمتين بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم كان فيه صنم اسمه الخلصة) ([36]).

وقال الكلبي في كتاب (الأصنام): ذو الخلصة كانت مروة بيضاء منقوشة عليها كهيئة التاج، وكانت بتبالة بين مكة واليمن على مسيرة سبع ليال من مكة، وكان سدنتها بنو أمامة من باهلة بن أعصـر، وكانت تعظمها وتهدى لها خثعم وبجيلة وازد السـراة ومن قاربهم من بطون العرب من هوازن([37]).

واستشهد المُتَسلِّف بقول الحافظ ابن حجر: «وَفِي الْحَدِيث مَشْـرُوعِيَّة إِزَالَة مَا يُفْتَتَن بِهِ النَّاس مِنْ بِنَاء وَغَيْره، سَوَاء كَانَ إِنْسَانًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ جَمَاداً».

وظاهر كلام ابن حجر أن المراد من الافتتان هو ما يتخذ للعبادة من دون الله عز وجل والخروج عن حدوده إلى الشـرك، بقرينة دلالة الحديث النبوي، حيث ارسل النبي (ص) الرجال إلى ذي الخلصة لإزالتها ومحوها؛ لافتتان أهلها بها وتعظيمها من دون الله عز وجل، وأن بعض القبائل أخذت تحج اليها وتهدى لها الذبائح.

وانطباق هذا على الآثار القديمة وأصنامها وأوثانها أول الكلام، فأي قوم في بلاد المسلمين يفعل هذا اليوم في الآثار القديمة، ومن يقول أنهم فتنوا بها وعبدوها دون الله عز وجل، فدون إثبات ذلك خرط القتاد.

على أن الافتتان أعم من تقييده بالعبادة لغير الله عز وجل، فإن الافتتان هو الإِعجابُ بالشيء وانشغالُ الفكرِ فيه، وانصِرافُ الهِمَةِ إليه، مما قد يوصله لإكثار القولَ فيه بالباطل. ومنه يقال فتن بالمرأة وافتتن بها أي عشقها.

فربما يفتتن الإنسان بعالم من العلماء لغزارة علمه، أو خطيبٍ مُفوهٍ لقوة بيانه وموعظته، أو أديب أو شاعر، وربما يفتتن بامرأةٍ جميلة، وقد يفتتن بحيوان كما يفتتن مربي الطيور بها، ومنهم من يفتتن بالجماد كمن يهوى جمع التحف والآثار القديمة (الانتيكة) أو يكون من هواة جمع الطوابع البريدية، أو الكتب الخطية أو نحو ذلك، فيبقى فكره مشغولا بها، ويعطي الكثير من وقته لها، ولم يقل أحد إِن هذا الافتتان محرم فيجب إزالة سببه، ما لم يخرج عن حدود طاعة الله عز وجل، واهمال الواجبات الإسلاميّة فيكون آثماً وعاصياً.

هذه وغيرها، فإنك ترى أنه (ص) ارسلهم في كسر الأصنام والأوثان وما كان يُعبد من دون الله عز وجل كالعزى ومناة وسُواع وذي الخلصة وغيرها. وليس كل ما كان ماثِلاً للأمم السالفة التي اندثرت وباد أهلها ولم تصبح معالمها إلا عبرة للمعتبر وتذكرة للأنام ومادة حيّة للباحث والدارس لمسيرة الأمم السالفة ونحو ذلك.

كما يُفهم من إرساله لتسوية كل قبر مشـرف خُصوصاً قبور المشـركين، الذين كان أبناؤهم يتفاخرون بقبور آبائهم وأجدادهم المشركين، لا إزالة كل قبر شاخص بما فيها قبور المسلمين كما فهمها من لا حريجة له في الدين، وإلا فقد استفاضت الأخبار أن رسول الله (ص) زار قبر أمه وبكى وأبكى من حوله، وكانت أمه قد توفيت في السنة السادسة من عمره الشـريف بالمدينة المنورة (يثرب)، وعلى هذا فقد زار الرسول قبر أمه بعد نيف وأربعين سنة حين هاجر إلى المدينة المنورة، وأن أثر قبر أمه عند ذاك كان ماثلاً للعيان وإلا لما عرف قبرها، وإذا كان الحكم الإسلامي، هو تسوية القبور فلم لم يأمر النبي (ص) بهدم قبر أمه عند ذاك؟!([38]) فتأمل.

كما أن معنى التسوية هو التعديل، ففي (المصباح المنير): استوى المكان اعتدل وسوّيته عدلته([39]).

وفي (القاموس): سواه تسوية جعله سوياً([40]). في مقابل تسنيم القبر غير المسنون وجعله كسنام البعير.

وليس التسوية معناها جعل القبر سوياً أي متساوياً مع الأرض، فإن التسوية بالأرض ليست من السنة باتفاق المسلمين، للاتفاق على استحباب رفع القبر عن الأرض في الجملة.

قال الشوكاني في (نيل الأوطار): إِن السنة أن القبر لا يرفع رفعاً كثيراً من غير فرق بين من كان فاضلاً ومن كان غير فاضل، والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك، والقول بأنه غير محظور لوقوعه من السلف والخلف بلا نكير([41]).

وروي عن عمران بن حدير عن أبي مجلز قال: تسوية القبور من السنة([42]).

وعن عثمان بن عفان أنه أمر بتسوية القبور وأن ترفع من الأرض شبرا([43]).

وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمه، اكشفي لي عن قبر رسول الله (ص) وصاحبيه، فكشفت لي عن ثلاثة قبور، لا لاطئة ولا مشـرفة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء...) ([44]).

وقال الشيخ الطوسي في (الخلاف): تسطيح القبر هو السنة، وتسنيمه غير مسنون، وبه قال الشافعي وأصحابه، وقالوا هو المذهب إلا ابن أبي هريرة (الفقيه الشافعي المشهور) فإنه قال: التسنيم أحبُّ إلي، وكذلك ترك الجهر ( ببسم الله الرحمن الرحيم ) لأنه صار شعار أهل البدع([45]). وقال أبو حنيفة والثوري: التسنيم هو السنة.

دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم. ورووا عن النبي (ص) أنه سطح قبر إبراهيم ولده([46]).

وقال الشهيد الأول في (الذكرى): و يستحب تربيع القبر، لما سلف من خبر محمد بن مسلم. وليكن مسطحاً بإجماعنا نقله الشيخ؛ لأن رسول الله (ص) سطح قبر ابنه إبراهيم، وقال القاسم بن محمد: رأيت قبر النبي (ص) والقبرين عنده مسطحة لا مشرفة، ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء، ولأن التربيع يدل على التسطيح، ولأن قبور المهاجرين والأنصار بالمدينة مسطحة، وهو يدل على أنه امر متعارف([47]).

فالأمر الوارد هنا هو الأمر بتسطيح القبر وتعديله وتربيعه لا تسنيمه، للكراهة في التسنيم، ومع ذلك اتخذه بعض العامّة سُنة لهم ـ كما مرَّ ـ للتمييز عن شيعة أهل البيت الذين اتخذوا التسطيح والتربيع المسنون طريقة لهم؛ فإن القبر المشـرف وإن كان معناه العالي كما كان يتخذه أهل الجاهلية مباهاة ومفاخرة إلا أن التسنيم نوع من العلو أو معنى من معانيه. فافهم.

وكما ترى فإن هذا لا يدل على ما فهمه ذوو العقول القاصرة عن إِدراك روح الإسلام، فاقدموا على نسف ومحو كل قبر ماثل للعيان كما فعل أبناء المُتَسلِّفة الوهابيّة في قبور أهل البيت والصحابة في بلاد المسلمين، ووليدتهم اليوم(داعش).

ثم أن في قول الإمام علي (ع) لأبي الهياج: أبعثك فيما بعثني رسول الله (ص) أمرني أن أسوي كل قبر واطمس كل صنم. يقتضـي أن يكون إِرسال الإمام لأبي الهياج في هذا الأمر زمن خلافته وحكمه من عام (36هـ ـ 40هـ) وهذا ما أقره الشوكاني في كتاب (شرح الصدور)([48]).

وعليه فحق علينا أن نتساءل ـ كما تساءل العلّامة العسكري ـ : أن في عصر خلافة الإمام علي (ع) وبعد انتشار ما يسمى بالفتوحات الإسلاميّة وامتدادها إلى بقاع كثيرة في زمن الخلفاء الثلاثة قبله، فإلى أي بلد بعث الإمام علي (ع) أبا الهياج لتهديم القبور وطمس الأصنام؟!

هذا كله على فرض صحة الرواية وقبولها. فتأمل.

هذا، وقد فهم الصحابة ورجال الصدر الأول([49]) هذه النصوص النبوية والأحاديث الشريفة ـ وأن فيهم مَنْ هو حُجة في فهم النص لقربه منه ـ حيث ترى انتشارهم في البلدان والأصقاع التي فيها معالم الأمم السالفة وآثارهم، والتي دخلوها تحت ما يسمى الفتوحات الإسلاميّة، فلم نسمع من أحدهم أنه أتلف تراثهم أو دمر مقابرهم المشيدة ولا المعالم الأثريّة وهياكل الأصنام ممن أنقرض أهلهم وبادوا، ولم يبق مَن يتعبد بها أو يقدسها، حيث كانت تُعبد في سالف القرون، ولم يبق من هذه الأمم إلا هذه الأطلال والأصنام وبعض المعالم الأثريّة.

أما ما يتمحك به المُتَسلِّف من أن ما يقال في ترك الصحابة ورجال الصدر الأول للأصنام قائمة في البلاد المفتوحة ولم يتعرضوا لها بسوء، فهذا من الظنون والأوهام، فما كان لأصحاب النبي (ص) أن يدعوا الأصنام والأوثان، ‏لاسيما مع كونها معبودة في ذلك الزمن).

إن خير دليل على وهم هذا المُتَسلِّف وقوله بالهوى والخيال هو أن التأريخ الإسلامي لم ينقل لنا شاهداً واحداً لفعل الصحابة ورجال الصدر الأول على تهديم هذه الآثار وتدميرها، مع أن الأصنام القديمة والأوثان والآثار القائمة للبابليين والفراعنة ‏والفينيقيين وغيرهم من بلاد فارس وما حولها، كانت ماثلة أمامهم في مسيرهم وتنقلهم لا أقل من سماعهم بوجودها وشخوصها، ومع ذلك فإنهم تركوها لأنها آثار لا حياة بشـرية فيها، ولا حياة مخالفة للشرع والدين قائمة عليها، إنما هي أطلال وآثار للأمم السالفة تفيد التذكار والاعتبار.

وأما ما يقال بأن الصحابة ورجال الصدر الأول لا يعلم وصولهم إليها، وأن هذه الأصنام والآثار والمقابر كانت في أماكن نائية، فإن فتح بلد لا يعني وصولهم إلى جميع أماكنه وأراضيه؟

فإن هذا قول بلا دليل؛ لأنه أليس من الغريب أن أمة فاتحة لبلاد عظيمة، وقيادة عسكرية عالية الشأن، مدعومة بالعدة والعتاد قطعت الفيافي والقفار للوصول إلى مبتغاهم في فتح بلدان عظيمة كالعراق (بلاد ما بين النهرين) ومصـر والشام وبلاد فارس وما حولها، ولا تعرف شعوب هذه البلدان ولا تأريخها ولا حضارتها ومقوماتها ولو في الجملة، إِذاً هي لَقِيادةٌ مخبولةٌ قائمةٌ على البركة كما يقال، وأنها لا تدخل تحت عنوان فتوح إسلاميّة دينيّة هدفها نشـر الإسلام وعقائده في بلاد الكفر، إنما هي محاولة لنهب خيرات هذه الشعوب والسيطرة عليها لتوسيع أرض المملكة وزيادة دخل بيت المال بكل الوسائل والسبل ـ كما هو الواقع ـ .

وهذا ما لا يقول به عاقل من أهل السنة والجماعة فضلاً عن مُتَسلِّف يقظ!.

وما يزيد الطين بلة ما يتذرع به المُتَسلِّفة لتبرير انحرافهم وجهلهم بالدين من أن الصحابة ورجال الصدر الأول إنما لم يهدموا تلك الأصنام والآثار لأنها لم تكن ظاهرة لهم وإنما كانت داخل المنازل أو القبور، وهذا القول كسابقه مردود؛ لأن كثيراً من المعابد والمعالم في بلاد الرافدين والشام ومصر وغيرها كانت شاخصة لِلعِيانِ وقريبة من المدن المأهولة بالسكان، لا أقل طريقا للمسافرين والفاتحين يمرون عليه، وما زالت، وفيها من الأصنام والأوثان الكثير، فضلاً عن مدونات العلوم والمعرفة والتأريخ في الألواح والرقاع الطينية والخزفية، وعلى جدران القلاع والقصور والصروح ماثل أمام الأنظار لكل من مرَّ عليها، ومع ذلك لم نسمع أو نقرأ أن الصحابة ورجال الصدر الأول قد تعرضوا لها بسوء، بل أهملوها وأعرضوا عنها؛ لأنهم لم يروا فيها ما يخالف الشـرع، أو تقام فيها قرابين أو طقوس دينيّة يمنع منها الإسلام، إنما هي معالم أثريّة باد أهلها وأهملت، فاضحت علماً دارساً، وشيئاً تخطاه الزمن.

وأما ما يقال من أن الصحابة ورجال الصدر الأول ربما مروا بها مرور الكرام سِراعاً؛ لأنها ديار الظلمة والمعذبين، فهذا أول الكلام، ومن قال إِن جميعها ديار المعذبين من الله عز وجل وهذا كلام لا يستقيّم معه العلم ولا التأريخ، فإن ثبت لبعضها فلا تشمل الجميع، وأما ديار الظلمة فما اكثرها وحتى يومنا هذا ولم يقل أحد من العلماء المسلمين بوجوب تركها وعدم المكوث بها، ولا يحتاج هذا الأمر إلى دليل وبرهان.

مع أن وجـوب الالتزام بالأمـر الوارد في الرواية (أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته) ـ على ما يريد فهمه المُتَسلِّف ـ يوجب عليهم الدخول إلى هذه الأماكن وإزالة ما فيها لاسيما على مبنى قطع الذريعة المفضية إلى الفساد المناسب لجلب المصالح ودفع المفاسد. فدفع هذه المفسدة التي ربما تفضـي إلى فساد الآن أو بعد حين على مبنى المُتَسلِّفة وقولهم، ويوجب على الإنسان المؤمن بنظرهم طمس هذه الآثار وإزالتها، ولكنهم لم يفعلوا؛ إما لأنهم فهموا من النصوص والروايات ما بيناه وقد فهم ذلك أيضا عموم المسلمين، لا ما فهمه المُتَسلِّفة ، من أنه لا داع لإزالتها ولا موجب شرعي ولا عرفي ولا أخلاقي يدفع إلى الأمر بإزالتها وتخريبها، لأنه أمر قد تخطاه الزمن.

وإما أنهم خالفوا الأمر والشـرع فيكونوا مأثومين عاصين لله تعالى!! مع أنكم حكمتم لهم بأنهم من خير القرون على حد تعبيركم من الناحية الدينية والتمسك بأحكام الإسلام وتعاليمه، وأنهم أهل خير وصلاح، وبشهادة رسول الله (ص) على ما رواه البخاري ومسلم النيسابوري في صحيحيهما عن عمران بن حصين عن النبي (ص) أنه قال: خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)!([50]).

وقد جاء اليوم لمدعي التمسك بسيرة السلف فعملوا بما فهموه من النصوص في حدود تفكيرهم القاصر، مخالفين لفهم سلفهم وسيرتهم، فعاثوا في هذه الآثار والمقابر والمدن الأثريّة نهباً وحرقاً وتدميراً، وكأنهم أرادوا تعويض ما أهمله الصحابة ورجال الصدر الأول من ادراك فعله، وتصحيح عملهم!؟. وكأن المُتَسلِّف الوهابي الداعشـي اليوم أفقه وأعلم وأورع من الصحابة ورجال الصدر الأول!!.

ولو تنزلنا، وقلنا كما قال المُتَسلِّفة: أنه جاء نهي النبي عن دخول هذه الأماكن الأثريّة القديمة كما في الصحيحين: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، أن يصيبكم مثل ‏ما أصابهم([51]).

قال ذلك (ص) عند مروره على أصحاب الحجر، في ديار ثمود ‏قوم صالح (ع).‏

وفي رواية في الصحيحين أيضاً: فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم ‏مثل ما أصابهم)([52]).‏

وقد تمسك بهذا النهي الصحابة ورجال الصدر الأول ولم يدخلوا مدينة أثريّة، ولا معبداً، ولا محلاً لآثار الأمم السالفة كما ظن المُتَسلِّفة، ولم يطلعوا على ما فيه، وهذا لشدة تقواهم وورعهم عن محارم الله عز وجل، فلماذا أنتم أيها المُتَسلِّفة اليوم لم تتورعوا عن محارم الله وتسيروا بسيرة سلفكم الصالح وتتجنبوا دخول هذه الأماكن والبلدان الأثريّة حتى عثتم فيها فساداً بدعوى إزالة الشـركيات! الجاثمة في أوهام عقولكم لا في هذه الآثار، وقد قال الله تعالى : ) إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْـمُتَّقِينَ(([53]) ولا يطاع الله من حيث يعصـى، بمعنى أن هذا الفعل الذي فعلتموه وإن كان إطاعة للأمر ـ على فرض ثبوته ـ إلاّ أنّه معصية للنهي عن الدخول لهذه الأماكن.

ولا نغفل ما قامت به (داعش) بنت مُدَّعِي السلفية من بيع الكثير من القطع الأثريّة التي سرقتها من متاحف الموصل والمواقع الأثريّة فيها والتي يسمونها(بالتراث المحرم الذي يجب ازالته) إلى الأسواق العالمية وقد شاعت وانتشرت هذه القطع الأثريّة في ربوع العالم وبيعت بأسعار خيالية لتجار الآثار؛ لأن الشيء كلما ندر ارتفع ثمنه، فحق لنا أن نتساءل أليس في بيعها هذا نشـر للشـركيات وصور الضلال والأصنام، أليس هذا فتحاً لأبواب الفساد وأنه يفضـي مع بُعد العهد وفشو الجهل إلى ما كان عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان والأصنام كما تدعون. فما هذا التناقض والتضارب، وإن كان ليس بغريب منهم، ألا ساء ما يحكمون، )أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(([54]).

وأمّا ما يقال أن اغلب هذه الآثار كانت مغمورة ومطمورة وقد اكتشفت حديثاً ولهذا لم يرها الصحابة ورجال الصدر الأول فهذا قول بلا دليل، وإلا فإذا غمرت بعض هذه الآثار لا سيما الصغيرة والقريبة من الأرض، فليس معنى ذلك أن جميع هذه الآثار ومعالمها من المعابد والحصون والقلاع والقصور والمسارح وآثار المدن القديمة الشاخصة لاسيما الصخرية منها، والتي تحتوي في ثناياها ما كان يتعامل به أهل هذه البلاد من أصنام الآلهة والأوثان والتماثيل الشخصية لملوكهم وعوائلهم والحاجيات المنزلية والأواني والأسلحة الحربية ومعداتها، فضلاً عن الألواح المكتوبة والرسوم والنقوش على الجدران وغيرها التي توضح طريقة حياتهم وعاداتهم، قد دثرت وغمرت في الأرض جميعاً، فهذا مما لا يقول به أحد من العوام فضلاً عن مُتَسلِّف يقظ.

وأمّا قول الزِرِكلي حين سئل عن الأهرام وأبي الهول ونحوها هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟

فقال: كان أكثرها مغموراً بالرمال، ولاسيما أبا الهول([55]).

وقد استشهد به المُتَسلِّف ثم علَّق فرحا بذلك لما فيه من تأييد لهوى قلبه وخيال عقله، وكأن قول خير الدين الزِرِكلي المعاصر تام وثابت، إذ قال: (وهذا مما يزيل الإشكال حول عدم تعرض الصحابة للأهرام وما فيها، مع احتمال كون أبوابها ‏ومداخلها مطمورة بالرمال في ذلك الوقت).‏

فأقول: فإن احتملنا انغمار أبو الهول بالرمال وهذا أمر ممكن؛ لصغر حجمه نسبة للأهرامات العملاقة فلا يمكن أن نصدق اندثار عشـرات الأهرامات بها، مع أن سكان المناطق القريبة منها يعرفون هذه الآثار الفرعونية وما في داخلها من كنوز وأصنام ونحو ذلك منذ عهد قديم؛ لأنها كانت محلاً للنهب والسرقة إلى ما قبل الإسلام لمن يدخلها، حتى وضعت الدولة الحديثة يدها عليها، وهذا لا يخفى على من تتبع تأريخ هذه المناطق الأثريّة على مرّ القرون المتطاولة.

هذا، وليس مسألتنا منحصـرة وقائمة في حدود أهرامات مصـر، وأن المسلمين لم يفتحوا غير هذا البلد الذي يحوي آثاراً قديمة لأمم سالفة، بل العراق والشام وبلاد فارس وما جاورها مليئة بهذه الآثار فلا تختزل مسألتنا في خصوص الأهرامات، مع أنها نار على علم لكل من دخل مصر من الشخصيات والرحالين، وسجلوا ما شاهدوه ودونوه في كتبهم ومذكراتهم من شواخص الأهرامات وعجائب هندستها وغيرها، كما في مذكرات رجال اليونان والرومان والفرس، ولو أراد الصحابة ورجال الصدر الأول فتحها لفتحوها ووجدوا مدخلاً لها كما فعل الخليفة العباسي المأمون ابن الرشيد عندما أراد أن يعرف ما في داخل هذه الأهرامات والاطّلاع على ما فيها، وليس تهديما لها، قال الحميري في (الروض المعطار): فلما كان في زمن المأمون بن الرشيد أراد هدم الأهرام، فعرفه بعض شيوخ المصـريين أن ذلك غير ممكن ولا يحسن بأمير المؤمنين أن يطلب شيئاً لا يبلغه، فقال: لا بد أن أعلم ما فيها، ثم أمر بفتح هرم من أعظمها، فَفُتِحَ فيه ثلم في جانبه الشمالي لقلة دوام الشمس على من يعمل فيه، فعملوا فيه فوجد حجراً صلداً يكل فيه الحديد، فكانوا يقدون النار عند الحجر فإذا حمي رش بالخل ورمي بالمنجنيق بزبر الحديد، وأقاموا على ذلك أياماً حتى فتحوا الثلمة التي فيها الآن، فدخلوا ذلك الهرم فوجدوا بنيانه بالحديد والرصاص، ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعاً، ووجدوا بالقرب من الموضع الذي فتحوا مطهرة من حجر أخضـر فيها مال.

فقال المأمون: زنوه، فوزنوا الجملة فوجدوا فيها مالاً معلوماً، وكان المأمون فطناً فقال: ارفعوا ما أنفقتم على فتح هذه الثلمة، فوجدوه موازياً لما وجد من المال، فعجب المأمون من معرفتهم بالموضع الذي يفتح على طول الزمان، وازداد بعلم النجوم غبطة، ووجد المأمون في الهرم صنماً أخضـر ماداً يده وهو قائم فلم يعلم خبره، ونظر إلى الزلاقة والبئر التي في الهرم وأمر بالنزول فيه، فأفضوا إلى صنم أحمر عيناه من جزعتين سواد في بياض كأنهما حدقتا إنسان ينظر إليهم، فهالهم أمره وقدروا أن له حركة فجزعوا منه وخرجوا.

ويقال: إنه وجد فيها مالاً كثيراً.

وسأل المأمون من وجد بمصـر من علمائها هل لهذه الأهرام أبواب؟

فقيل: لها أبواب تحت الأرض في آزاج مبنية بالحجارة كل واحد منها عشرون ذراعاً له باب من حجر واحد يدور بلولب إذا أطبق لم يعرف أنه باب، وصار كالبنيان لا يدخل إليه الذر ولا يوصل إليه إلا بكلام وقرابين وبخورات معروفة([56])، وإن في هذه الأهرام فنوناً من الذهب والفضة والكيمياء وحجارة الزبرجد الرفيع والجواهر النفيسة ما لا يسعه وصف واصف، وفيها من الكتب المستودعة فيها طرائف الحكمة وكمال الصنعة ومن التماثيل الهائلة من الذهب الملون على رؤوسها التيجان الفاخرة مكللة بالجواهر النفيسة ما يستدل به على عظم ملكهم، وجعلوا على ذلك من الطلسمات ما يمنع منه ويدفع عنه إلى أوقات معلومة، وقصدوا بذلك أن تكون تلك الأشياء ذخيرة لأعقابهم ولمن يكون بعدهم ليروا عظيم مملكتهم، ووضعوا أساس تلك الأعلام وقت السعادة، وجعلوا في أساس كل علم منها صنماً، وزبروا في صدورها دفع المضار والآفات عنها، وفي يد كل صنم منها آلة كالبوق وهو واضعه على فيه، وفى وسط كل هرم منها شرفات موجهة إلى آزاج ضيقة المنافذ واسعة المداخل، تجتذب الرياح إليها على طول الزمان، وتخرج من وجه الداخل إليها، ولها صفير فمن لم يحس دفعها أهلكته.

قال: فعجب المأمون من ذلك ولم يتعرض إلى شيء من تلك الأعلام([57]).

وهكذا تقرأ الرواية بأكملها والتي ختمها بأن المأمون (لم يتعرض إلى شيء من تلك الأعلام)، ولو أنه هدم هذه الأصنام والتماثيل وطمسها كما يفعل مُدَّعُوا السلفية اليوم لذُكر في الرواية، ولأصبح فعله ـ لو جرى ـ دليلاً يتشبثون به ويتبجحون بأعلى الأصوات.

على أن هذا الدليل عليهم لا لهم كما يتصور المُتَسلِّف، اذ قال: أن الخليفة المأمون أراد أن يهدم الأهرام في مصـر ‏فجمع الفعلة ولم يقدر) ولكن بعد أن فتحها وجد فيها الأصنام والتماثيل والهياكل، ولكنه لم يتعرض إلى شيء منها، ولم يشر عليه أحد من علماء مصـر ولا من علماء حاشيته وخاصته بإتلافها وقد رأوها ماثلة أمامهم، لوجوب إزالة وطمس هذه المعالم الأثريّة وما فيها من الأوثان والأصنام كما تدعي المُتَسلِّفة الوهابيّة. فتأمل.

عكس ما يحاول المُتَسلِّفُ من تبرير عدم تدمير الصحابة ورجال الصدر الأول لهذه الآثار والأصنام القديمة التي باد أهلها على فرض رؤيتهم لها بعدم القدرة والعجز عن ذلك، فقال: ثم يقال لو قدر وجود تمثال ظاهر غير مطمور، فلا بد من ثبوت أن الصحابة رأوه، وأنهم ‏كانوا قادرين على هدمه. ‏والواقع يشهد أن بعض هذه التماثيل يعجز الصحابة رضي الله عنهم عن هدمه، فقد ‏استغرق هدم بعض هذه التماثيل عشـرين يوماً، مع وجود الآلات والأدوات والمتفجرات والإمكانيات التي لم ‏تتوفر للصحابة قطعاً).

ولا يخفى أن كل زمان له أسلحته وأدواته وآلاتُهُ ورجاله، وهم اعرف بكيفية فعل ذلك ومعالجته، وإلا كيف بنيت البيوت في الجبال ونحتت الصخور وعمرت الكهوف وعولجت الجبال ونحو ذلك على قِدم العصور وتطاول القرون مع عدم وجود الآلات والأدوات والمتفجرات والإمكانيات التي لم ‏تتوفر للصحابة ورجال الصدر الأول قطعاً.

ولكن إذا كانت الغاية أسمى والقصد أنبل والأجر أعظم لما يتقرب به إلى الله عز وجل في تهديم الأصنام والتماثيل والآثار ـ على فرض المُتَسلِّفة ـ فالأمر وإن طال فيه الزمن وبذل جهداً استثنائياً لذلك، وأنفقوا أموالاً إضافية عليه، فالمفروض أن الأمر يهون ويرخص كل شيء لأجل مصلحة الإسلام العليا والقضية الرسالية..!!

وكذا استشهاد المُتَسلِّفُ ‏ بفعل الخليفة العباسي هارون الرشيد (وأنه عزم ‏على هدم إيوان كسرى، فشـرع في ذلك وجمع الأيدي، واتخذ الفؤوس، وحَمَّاه بالنار، ‏وصب عليه الخل، حتى أدركه العجز)([58]).

ولم يكن دافع هارون الرشيد من فعل ذلك إلا الهوى الشخصـي والنزعة النفسية في إزالة هذا الصرح المعماري واختبار وزرائه من بني برمك، ولأجل كون أصلهم مجوسياً أتهم الرشيد جعفر البرمكي على ما حكي أنه استشاره في هدم إيوان كسرى، فأشار عليه بترك ذلك، فما طاب ذلك على هارون، وظن أنه أراد بها مشـرف آثار المجوس.

وربما قيل: إنه شافهه بذلك مبكتاً له، فقال له: اهدموا فلما شرعوا في هدمه صعب الهدم، وتعسـر لقوة إحكام بنائه، فاستشاره ثانياً في ترك الهدم، فأشار عليه بأن لا يترك ما شرع فيه من الهدم!

فقال له: سبحان الله، أشرت أولاً بترك الهدم وأشرت ثانياً بالهدم، فقال ما معناه: إني إنما أشرت بترك الهدم ليعرف شرف الإسلام وعلوه وقوة تأييده كل من رأى تلك الآثار التي ظهر عليها الإسلام وأذل أهلها وأزال ملكهم الذي زواله لا يرام وعزة لا يضام، فلما لم تقبل مشورتي وشرعتم في هدمه واستشـرتني في ترك ذلك، أشرت عليك بعدم الترك لئلا يدل ذلك على ضعف الإسلام، ويقال: عجز المسلمون عن هدم ما بناه المخالفون لدينهم.

فعند ذلك عرف صواب رأيه وغزارة عقله، وقد كان غرم على هدم قطعة يسيرة أموالاً كثيرة([59]).

وتروى أيضا لوالد جعفر يحيى البرمكي وأنه لما اعتزم الرشيد على هدم إيوان كسرى وبعث إلى يحيى بن خالد وهو في محبسه يستشيره في ذلك.

فقال: يا أمير المؤمنين لا تفعل واتركه ماثلا يستدل به على عظم ملك آبائك الذين سلبوا الملك لأهل ذلك الهيكل.

فاتهمه في النصيحة، وقال: أخذته النعرة للعجم والله لأصرعنه.

وشرع في هدمه وجمع الأيدي عليه واتخذ له الفؤوس وحماه بالنار وصب عليه الخل حتى إذا أدركه العجز بعد ذلك كله وخاف الفضيحة بعث إلى يحيى يستشيره ثانيا في التجافي عن الهدم.

فقال: لا تفعل واستمر على ذلك لئلا يقال عجز أمير المؤمنين وملك العرب عن هدم مصنع من مصانع العجم فعرفها الرشيد وأقصـر عن هدمه([60]). وإن عشت اراك الدهر عجبا.

ولو تنزلنا وقبلنا هذا القول بعدم قدرة الأصحاب ورجال الصدر الأول على إتلاف هذه الأصنام والأوثان وغيرها من المعالم الأثريّة فلا أقل من القيام بتشويه صورتها وتغيير معالمها وفعل بها ما ينبغي فعله، بأي نحو كان مما يمكن فعله، إن لم يستطيعوا تدميرها وازالتها ـ على ما فهمه المُتَسلِّفة ـ ، ولكن لم نر شيئا من ذلك، وهذا دليل على أن الصحابة ورجال الصدر الأول لم يفهموا من هذه النصوص الأمر بإزالة هذه المعالم التأريخيّة القديمة التي باد أهلها، وعلى هذا قامت سيرة عامة المسلمين إلى يومنا هذا، إلا من شذ منهم ممن فهم النصوص وقرأها بعين عوراء ضبابية ممن يدعي السلفية الوهابيّة.

وأما استشهاد المُتَسلِّفُ بقول النووي في شرح مسلم في كلام له على التصوير: ((وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْع مَا كَانَ لَهُ ظِلّ, وَوُجُوب تَغْيِيره)) والذي له ظل من الصور هو الصور المجسمة كهذه التماثيل).

فالإجماع هذا مردود بما روي في صحيح البخاري عن عائشة قالت: كنت العب بالبنات عند النبي (ص) وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله (ص) إذا دخل يتقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي([61]).

وفي صحيح مسلم عن عائشة أنها كانت تلعب بالبنات(وهن اللُعب) عند رسول الله (ص) قالت: وكانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله (ص).

قالت: فكان رسول الله (ص) يسر بهن إلي([62]).

قال ابن الأثير في (النهاية): وفي حديث عائشة (كنت ألعب بالبنات) أي التماثيل التي تلعب بها الصبايا([63]).

وعن عائشة، قالت: قدم رسول الله (ص) من غزوة تبوك، أو خيبر، وفى سهوتها ستر، فهبت ربح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال:(ما هذا يا عائشة)؟

قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع.

فقال: (ما هذا الذي أرى وسطهن)؟

قالت: فرس.

قال: (وما هذا الذي عليه)؟

قالت: جناحان.

قال: (فرس له جناحان)؟

قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟

قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه([64]). وغيرها.

وفي هذه الروايات دلالة على أن رسول الله (ص) يرفض ذلك وينكره على فرض حرمتها لاسيما إذا كانت بيد الأطفال والصغار حتى لا ينشئوا على حب هذه الأصنام والتماثيل، فافهم.

وما قيل فيه من التوجيه كتدريبهن على تربية الأولاد، أو أنه منسوخ، أو كانت القضية أول الهجرة قبل تحريم الصور وغير ذلك لا وجه له أبدا، غايته إذا خصصتم لعب الأطفال وتماثيلهم من عموم النهي عن اتخاذ التماثيل، فتخصيص هذا العموم بما لم يُتخذ من التماثيل للعبادة أولى لما مرّ سابقا من دلالة الأحاديث النبوية على ذلك، فراجع.

وأما ما يقال من المُتَسلِّفة من أن ترك هذه الآثار والأصنام القديمة التي باد أهلها قد يفضي مع بُعد العهد وفشو الجهل إلى ما كانت عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان.

أقول: قد مَرَّت القرون المتطاولة عليها وهي ماثلة أمام المسلمين، والمتاحف مَلْأى بالأصنام والأوثان الأثريّة للأمم السالفة، ولم نر أحداً من المسلمين اتخذ هذه الأصنام القديمة وآلهة الفراعنة والبابليين والاشوريين للعبادة بل ولا من غيرهم.. على الرغم من أنها كانت موجودة قبل الإسلام أي منذ اكثر من الف واربعمئة سنة، وأن بعضها عمرها أكثر من الفين وخمسمئة عام قبل ولادة السيد المسيح (ع)، ولم نر أحداً اتخذ أماكنهم محلاً للعبادة ولا الهتهم رباً يُعبد من دون الله، وإنما كانت عبرة وتذكرة ودراسة لسيرة ومسيرة الأمم السابقة وحضارتهم ورقيهم في سُلَّمِ الحياة، وقد مرَّت على الأمة الإسلاميّة عصور تخلف وانحطاط فكري ونكبات لاسيما في المناطق القريبة من أماكن هذه الآثار القديمة ومدنها ولم نسمع أن أحداً من المسلمين ولا غيرهم اتخذها محلاً للعبادة ولا أصنامها آلهة، فيكون وجودها في هذه العصور الحضاريّة اليوم مع الرقي المعرفي للبشـرية ـ دون المُتَسلِّفة ـ أولى بعدم اتخاذها محلاً للعبادة ولا أصنامها آلهة معبودة، إنما اتخذت كتحف أثريّة ومقتنيات نفيسة تعود إلى حقبة زمنية من تأريخ الأمم السالفة ليس أكثر من ذلك، فلا تفضـي إلى شيء مما في أذهان المُتَسلِّفة الفارغة، ولا مبرر لهذا الخوف الأعمى بدعوى قطع الذريعة المفضية للفساد؛ لأنها لم توجد أصلاً، والدليل على ذلك أنها ما زالت قائمة على مدار القرون المتطاولة وليس هناك من اتخذها محلاً للعبادة وأصنامها الهة إلا في خيال وعقول المُتَسلِّفة وأوهامهم.

وعليه، فلا يقال إِنّ في تدمير هذه الآثار القديمة جلباً للمصلحة ودفعاً للمفسدة بل على العكس من ذلك، فإن فيها دلالة على الانحطاط الفكري للفاعلين والتخلف السلوكي والاجتماعي لهم، مما أثر على صورة الإسلام الناصعة وشوه منظومته المعرفيّة المشـرقة، حيث يحسب العالم المتحضر اليوم بمختلف ألوانه وأطيافه أن هؤلاء الجهال والحمقى والشاذين ممن قاموا بتدمير التراث الحضاري والإنساني للأمم السالفة والغابرة أنهم بهذا يمثلون رؤية الإسلام، ولم يعلموا أن الإسلام وعموم المسلمين منهم ومن أفكارهم وافعالهم براء.

ولهذا دافع المُتَسلِّفُ عن أفعاله (داعش) الهمجية في تهديم الآثار الحضاريّة للأمم السابقة في موصل العراق وغيرها بعد أن استنكرتها جميع دول العالم، الإسلاميّة وغير الإسلاميّة، المتقدمة منها ودول العالم الثالث بل حتى الدول الناميّة عدا إسرائيل فيما احسب، وجميع المؤسسات الثقافيّة والعلميّة والمعرفيّة الدوليّة، وجميع المرجعيات الدينيّة على اختلاف معتقداتها ومذاهبها، وحتى الشخصيات الإسلاميّة والمعرفيّة والثقافيّة التي لها ثقلها في المجتمع العربي والإسلامي والعالمي وتأثيرها في النفوس، حيث قال:

وأما التعلل بكون هذه التماثيل من التراث الإنساني، فهذا كلام لا يلتفت إليه، فإن ‏اللات والعزى وهبل ومناة وغيرها من الأصنام كانت تراثاً لمن يعبدها في قريش والجزيرة‏ وهو تراث، لكنه تراث محرم يجب إزالته).

أقول: لا يخفى على اللبيب أن هناك فارقا بين ما كان يُعبدُ في زمن الجاهلية وصدر الإسلام، وبين ما كان يُعبدُ منذ قرون متطاولة وانقرض أهلها وبقيت هذه الآثار أطلالاً.

فإنه لا خلاف بين المسلمين في وجوب تحطيم الأصنام وما يُعبد من دون الله عند التمكن منها وإلغاء وجودها مع وجود من يعبدها أو يدعوا اليها؛ لقطع دابر هذا الأمر كما فعل رسول الله عندما دخل مكة وتمكن من رقاب أهلها فأمر أمير المؤمنين عليِّاً بهدم أصنامهم وازالتها من الوجود وارسل بعض الصحابة ورجال الصدر الأول إلى تهديمها في أماكن تواجدها خارج مكة، حتى استقر الأمر وسقطت عبادة الأصنام من الجزيرة العربية، وجاء بعده عصـر الخلافة وانتشـر الإسلام في ربوع المعمورة وعرف القاصي والداني أن الإسلام لا يسمح بعبادة الأوثان والأصنام، وأن المسلمين وحتى يومنا هذا تربوا ونشأوا على هذا المبدأ وساروا على هذه العقيدة منذ أكثر من الف واربعمئة عام من بزوغ شمس الإسلام العظيم، ولم نسمع أن أحدا من المسلمين اتخذ صنما إلها له سواء على نحو الاستقلال أو من هذه الأصنام والأوثان القديمة التي باد أهلها، إلا أوهام في عقول أبناء (ابن تيمية) صاحب العقد النفسية والأمراض الاجتماعيّة، والبدوي الأعرابي محمد بن عبد الوهاب النجدي ومن قَفا خُطاهما من المُتَسلِّفة.

وعلى فرض أن اليوم وجدنا أصنام‏ اللات والعزى وهبل ومناة وغيرها من أصنام الجاهلية بين ظهرانينا، فما الموجب لهدمها وازالتها مع عدم وجود من يعبدها أو يقدسها، وإنما يكون وجودها يمثل حالة تأريخيّة في حضارة الإسلام بعد أن احتواها ومحاها من الوجود فكراً ورجالاً، وأنها أصبحت أثراً غابراً يشير إلى معالم وسلوك أمة من الأمم قد دثرها نور الإسلام وفكره وتعاليمه الراقية وروحه السمحة، وأصبحت أثراً بعد عين، ثم أنظروا إلى هذه الأصنام والأوثان فإنها مخلفاتهم تثير الاستغراب والاستهجان والاستنكار على تلك العقول السالفة التي روضها الإسلام من عبادتها إلى عبادة الواحد القهار، وأن مشاهدة هذه الآثار القديمة تُقوي صِلة الإنسان بِرَبه سبحانه وتعالى، وتشد رابطتهُ بدينه عندما يرى ويشاهد أمام عينيه الحقائق والأشياء للأمم السالفة دون أن يسمع ويخبر عنها، فسوف يعرف ضحالة هذه الأفكار والعقول التي كانت تعبد هذه الأحجار من دون الله عز وجل.

إن هذا لا يُعد تراثا محرماً اليوم، ولا يوجد عاقل ينظر اليه نظرة قداسةٍ، فلا مانع من وجوده، وإن كان محرماً في عصره لوجود المقتضـي لذلك، وهذا ينطبق على كل ما يُعبد من دون الله عز وجل.

أما وقد باد أهلها ولم يبق منها إلا الأطلال والمعالم والأصنام التي تحكي حياتهم وطريقة معاشهم وأسلوب حياتهم في عبادتهم وعاداتهم، والاطّلاع على علومهم ومعارفهم ونحو ذلك، مما يرتبط بشؤون حياتهم العامة، فأضحت تراثاً إنسانياً عاماً يستلهم منه الدارسون والباحثون تأريخ الأمم السالفة، والوقوف على حقيقتهم وأحوالهم، من خلال هذه الآثار والمعالم الحضاريّة، والإسلام ندب إلى السير والقصد، والنظر والتأمل، في آثار الأمم السالفة؛ لأخذ العبرة منها في آيات كثيرة من كتابه العزير، لا أن نقوم بطمسها وتهديمها، منها:

قوله تعالى: )أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأرض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأرض وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ( ([65]).

) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأرض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأرض فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَـهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ وَاقٍ( ([66]).

) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأرض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا( ([67]).

)قُلْ سِيرُوا فِي الْأرض فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْـخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ( ([68])

)قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ الْـمُشْرِكِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أهل الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأرض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ( ([69]) .

)أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأرض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا( ([70]).

)قُلْ سِيرُوا فِي الْأرض ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ(([71]).

)قُلْ سِيرُوا فِي الْأرض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ(([72]).

)قُلْ سِيرُوا فِي الْأرض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ(([73]). وغيرها من الآيات الشريفة.

فالأمر الإرشادي في الآيات الشـريفة بالسير )قُلْ سِيرُوا(، والنظر )انْظُرُوا(، لأجل النظر والتأمل والاعتبار فيما يوصل الإنسان إلى العلم بالله تعالى والإيمان به، لا أن يكون سيره سير الغافلين.

فإن النظر في هذه الآيات الشـريفة هو طلب الإِدراك بالبصـر والفكر والاستدلال، وإنما أمرهم الله تعالى بذلك؛ لأن ديار الأمم السالفة ما زالت باقية قائمة جملة منها، وأخبارهم شائعة، فإذا سار الإنسان في الأرض وسمع أخبارهم وشاهد آثارهم دعاه ذلك إلى الإيمان بالله تعالى، وزجره عن الكفر والطغيان ) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأرض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأرض إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيراً( ([74]).

فإذا انقرضت الأقوام وبادت ماذا بقي شاهداً عليهم للنظر والتأمل والقصد بالسير لهم إلا آثارهم ومساكنهم وحاجاتهم ونحو ذلك.

وعليه فإن هذه الآثار القديمة من الأمم السالفة لا تكون تراثاً محرماً، ولا دليل على ذلك من كتاب أو سنة أو عقل يمكن الركون اليه، إلا أوهام وخيالات في عقول عصابة شاذة عن الإسلام والمسلمين تدعي الانتماء إلى سيرة السلف الصالح، فشوهوا صورتهم وأماتوا سيرتهم؛ بآرائهم المنحرفة وأفعالهم الشنيعة، فتأمل وافهم.


)إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْـمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِـرُوا بِالْـجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْـمُسْلِمِينَ(([75]).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
-------------------------------------------------
[1])) وهي كلمة مؤلفة من الأحرف الأولى لما يسمى بـ( الدولة الإسلاميّة! في العراق والشام).

[2])) السلفيّون هم المنسوبون إلى السلف وقد حرص أتباع هذه الحركة ومن شاكلهم وسايرهم على نهجهم الضال والمنحرف على اطلاق هذا اللفظ على أنفسهم بدعوى أنهم يَقْفُونَ آثار السلف الصالح في أفعالهم وتروكهم، ومع الاغماض عن تحديد هُويّة (السلف) الذين يزعمون اقْتفاءَ آثارهم، فإنه لا يصح اطلاق ذلك عليهم إلا من باب الادعاء والتمحل، ولذا أطلقنا عليهم (المُتَسلِّفة) بمعنى أنهم مُدَّعون لهذه النِسبة، وهم أبعد ما يكونوا عنها.

[3])) وهي حركة عنصـريّة طائفيّة وهابيّة على غرار (داعش) وشقيقتها فكراً وسلوكاً ومنهجاً، تسلطت على شعب أفغانستان ما بين سنة (1996 ـ 2001م) وعاثت في البلاد فساداً وأهلكوا الحرث والنسل، وما زالت فلولها المخذولة تفتك بالأبرياء...

[4])) سورة التوبة/آية 97.

[5])) سورة الحجرات/آية 14.

[6])) سورة الإسراء/آية 70.

[7])) كمال الدين وتمام النعمة ـ الشيخ الصدوق ص410.

[8])) صحيح البخاري ـ البخاري ج 2 ص 110 ، صحيح مسلم ـ النيسابوري ج1ص40.

[9])) نهج البلاغة ـ شرح محمد عبدة ج3 ص84.

[10])) سورة الحجرات/آية 13.

[11])) سورة البقرة/آية 258.

[12])) صحيح مسلم ـ النيسابوري ج 3 ص114.

[13])) صحيح البخاري ج 6 ص115، موطأ مالك ج 1 ص204، وقد أوضح محمد فؤاد عبد الباقي ألفاظ الحديث بقوله: (يخرج فيكم) أي عليكم (قوم) هم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب يوم النهروان، فقتلهم. فهم أصل الخوارج ]والمُتَسلِّفة الوهابيون اليوم ومنهم ما يسمى(داعش) فرع من أصل تلك الحركة، فهم خوارجُ العصر[. (تحقرون) تستقلون. (صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم) لأنهم كانوا يصومون النهار ويقومون الليل. (ولا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة، وهي آخر الحلق مما يلي الفم. والمعنى أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها. (يمرقون) يخرجون سريعا. (الرَّمِيَّة) الطريدة من الصيد. فعيلة بمعنى مفعولة. شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد، فيدخل فيه ويخرج منه. ومن شدة سرعة خروجه، لقوة الرامي، لا يعلق من جسد الصيد بشـيء. (النصل) حديدة السهم. (القدح) خشب السهم. أو ما بين الريش والسهم. (وتتمارى) أي تشك. (الفوق) موضع الوتر من السهم، أي تتشكك هل علق به شيء من الدم.= =والمعنى أن هؤلاء يخرجون من الإسلام بغتة كخروج السهم إذا ما رماه رام قوي الساعد، فأصاب ما رماه، فنفذ بسـرعة، بحيث لا يعلق بالسهم، ولا بشيء منه، من المرمى شيء، فإذا التمس الرامي سهمه لم يجده علق بشيء من الدم ولا غيره).

[14])) سورة الإنسان/آية 2 ـ 3.

[15])) سورة الغاشية/آية 21 ـ 26.

[16])) وأخرجه أيضاً أبو داوود، والنَّسائي، والترمذي، والحاكم، والبيهقي، والطيالسي، وأحمد من طريق أبي وائل عن أبي الهياج، والطبراني في المعجم الصغير من طريق أبي إسحاق عن أبي الهياج.

وقريب منه روي في كتبنا الحديثية، منها ما رواه الكليني في الكافي( ج6 ص528) عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني ، عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع): بعثني رسول الله (ص) إلى المدينة فقال: لا تدع صورة إلا محوتها، ولا قبراً إلا سويته، ولا كلباً إلا قتلته. ورواه البرقي في المحاسن (ج2 ص613 ـ 614) عن النوفلي، مثله.

وفيه أيضاً (ج6 ص528) عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع) بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله في هدم القبور وكسـر الصور. ورواه البرقي في المحاسن(ج2 ص614) عن جعفر بن محمد الأشعري، مثله. أقول: إلا أن في أسنادها كلام، ودلالتها على المطلوب قاصرة كما سيتضح.

[17])) صحيح مسلم ـ النيسابوري ج 3 ص 61

[18])) سير اعلام النبلاء ـ الذهبي ج9 ص154

[19])) تهذيب التهذيب ـ ابن حجر ج11ص114

[20])) تهذيب التهذيب ـ ابن حجر ج4 ص102

[21])) تهذيب التهذيب ـ ابن حجر ج11ص192

[22])) تهذيب التهذيب ـ ابن حجر ج2 ص156 ـ 157

[23])) تهذيب الكمال ـ المزي ج12ص548.

[24])) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ج 4 ص 99.

[25])) تهذيب الكمال ـ المزي ج12ص548.

[26])) شرح سنن النسائي ـ السيوطي ج 4ص89.

[27])) وقد علق على هذه الرواية العلّامة العسكري فقال: إِن أهل المدينة بعد أن أسلم بعضهم أرسل لهم الرسول (ص) بادئ ذي بدء مصعب ابن عمير يعلم من أسلم منهم ما ورد من الإسلام يوم ذاك ولما وفدوا إلى الحج حضر المسلمون منهم العقبة وبايعوا رسول الله سراً ولم ينتشـر الإسلام بينهم حتى هاجر الرسول إليهم وتبعه بعد ثلاث أو أكثر الإمام علي، وقصة وروده المدينة بعد ذلك مشهورة. وتدرج الرسول في بسط حكمه على المدينة بعد أن عاهد يهود قريضة والنظير وبني قينقاع ودخل أهل المدينة كلهم في الإسلام متدرجاً. فمتى كان ارسال النبي الإمام علياً من تشييع جنازة إلى المدينة ليهدم الأصنام ويسوى القبور ويلطخ الصور كالحاكم الذي لا راد لأمره. أضف إليه أن محتوى الخبر: أن المرسل الأول ذهب وهم في تشييع الجنازة ورجع خائباً ثم أرسل النبي الإمام علياً بعده وهم لا يزالون في تشييع الجنازة، فكيف يتم ذلك؟! .

[28])) مسند احمد ـ ابن حنبل ج 1ص87.

[29])) انظر معجم الفاظ الفقه الجعفري ـ د. أحمد فتح الله ص125.

[30])) انظر معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية ـ محمود عبد الرحمن عبد المنعم ج1 ص 206.

[31])) صحيح مسلم ـ النيسابوري ج 2 ص208.

[32])) مجمع الزوائد ـ الهيثمي ج6 ص176.

[33])) الطبقات الكبرى ـ ابن سعد ج 2 ص146.

[34])) الطبقات الكبرى ـ ابن سعد ج 2 ص146.

[35])) صحيح البخاري ـ البخاري ج 4ص22 ، صحيح مسلم ـ النيسابوري ج7 ص157.

[36])) القاموس المحيط ـ الفيروزآبادي ج2 ص301.

[37])) كتاب الأصنام ـ ابن الكلبي ص34 ـ 53.

[38])) معالم المدرستين ـ مرتضى العسكري ج1ص51.

[39])) المصباح المنير ـ الفيومي ص113

[40])) القاموس المحيط ـ الفيروزآبادي ج4ص345

[41])) نيل الأوطار ـ الشوكاني ج 4ص131

[42])) المصنف ـ ابن ابي شيبة ج 3ص222.

[43])) المحلى ـ ابن حزم ج 5ص133.

[44])) سنن ابي داوود ـ السجستاني ج 2ص84.

[45])) انظر الفتاوى الكبرى ـ ابن تيمية ج 2ص174. وأهل البدع يريد بهم شيعة أهل البيت : فإنهم ذهبوا إلى تسطيح القبر وتربيعه، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة، تبعاً لما هو مسنون ووارد عن رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار :.

[46])) الخلاف ـ الشيخ الطوسي ج 1ص706 ـ 707.

[47])) ذكرى الشيعة ـ الشهيد الأول ج 2 ص27 ـ 28.

[48])) شرح الصدور ـ الشوكاني ص11.

[49])) هناك فارق بين عنوان الصحابة الذين تمسكوا بما جاء عن رسول الله (ص) ولازموا سيرته وسنته حتى لحقوا بالرفيق الأعلى ولم يفارقوا منهاجه، وبين رجال الصدر الأول الذين عاشوا تلك الفترة واختلفت احوالهم وتقلبت أوضاعهم وسيرتهم وخالفوا وصية رسول الله (ص) خصوصاً بعد وفاته، فإن هؤلاء لم يرتقوا إلى شرف هذا المصطلح (الصحابة) فاسميتهم للتمييز برجال الصدر الأول، فتأمل.

[50])) صحيح البخاري، البخاري ج3 ص151، صحيح مسلم ـ النيسابوري ج7 ص185ـ186.

[51])) صحيح البخاري ـ البخاري ج5 ص135، صحيح مسلم ـ النيسابوري ج8 ص221.

[52])) صحيح البخاري ـ البخاري ج 5ص222، صحيح مسلم ـ النيسابوري ج8 ص221.

[53])) سورة المائدة/ آية 27.

[54])) سورة الجاثية /آية 21.

[55])) انظر شبه جزيرة العرب ـ الزركلي ج 4ص1188.

[56])) من أين علموا هؤلاء العلماء هذه الأمور ؟

[57])) الاستبصار في عجائب الأمصار ج1ص57، الروض المعطار في خبر الأقطار، الحميري ص17.

[58])) تأريخ ابن خلدون (المقدمة) – ابن خلدون ج 1ص 346.

[59])) مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ اليافعي ج 1ص327.

[60])) تأريخ ابن خلدون (المقدمة) ـ ابن خلدون ج 1ص 346.

[61])) صحيح البخاري ـ البخاري ج 7 ص102.

[62])) صحيح مسلم ـ النيسابوري ج 7 ص135.

[63])) النهاية ـ ابن الأثير ج1ص158.

[64])) سنن أبي داوود ـ السجستاني ج 2 ص462 ـ 463، السنن الكبرى ـ البيهقي ج10 ص219.

[65])) سورة الروم/آية 9.

[66])) سورة غافر/آية 21.

[67]))سورة فاطر/آية 44.

[68])) سورة العنكبوت/آية 20 ـ 21.

[69])) سورة يوسف/آية 108 ـ 109.

[70])) سورة محمد/آية 10.

[71])) سورة الانعام/آية 11.

[72])) سورة النمل/آية 69.

[73])) سورة الروم/آية42 .

[74])) سورة فاطر/ آية 44.

[75])) سورة فصلت/آية30 ـ 33.

* المصادر والمراجع *
القرآن الكريم ـ كلام رب العالمين.
الاستبصار في عجائب الأمصار ـ كاتب مراكشـي (متوفى في القرن السادس الهجري) نشـر دار الشؤون الثقافيّة، بغداد/ 1986م.
تأريخ ابن خلدون (المقدمة) ـ ابن خلدون، الطبعة الرابعة، نشر دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.
تذكرة الفقهاء ـ العلامة الحلي ، تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، الطبعة الأولى/ محرم 1414هـ ، المطبعة مهر ـ قم ، نشر مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث ـ قم.
تهذيب التهذيب ـ ابن حجر، الطبعة الأولى/ 1404 ـ 1984 م ، نشـر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان.
تهذيب الكمال ـ المزي، تحقيق وضبط وتعليق الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الرابعة/1406 ـ 1985 م، نشـر مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان.
الخلاف ـ الشيخ الطوسي، تحقيق جماعة من المحققين/ جمادي الآخرة 1407هـ ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
ذكرى الشيعة في أحكام الشـريعة ـ الشهيد الأول، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث ـ قم، الطبعة الأولى/ محرم 1419هـ ، المطبعة ستاره ـ قم.
الروض المعطار في خبر الأقطار ـ الحميري، حققه د.إحسان عباس، الطبعة الثانية/ 1984 م، طبع على مطابع هيدلبرغ ـ بيروت، نشر مكتبة لبنان.
سنن ابي داوود ـ السجستاني ، تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، الطبعة الأولى/ 1410 ـ 1990م، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
السنن الكبرى ـ أحمد بن الحسين البيهقي، دار الفكر . بيروت.
سنن النسائي– النسائي، الطبعة الأولى/1348 ـ 1930م، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان.
سير اعلام النبلاء ـ الذهبي، إشراف وتخريج شعيب الأرنؤوط، تحقيق حسين الأسد الطبعة التاسعة/ 1413 ـ 1993 م، نشر مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ لبنان.
شبه جزيرة العرب ـ خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين ـ بيروت.
شرح الصدور بتحريم رفع القبور ـ محمد بن علي الشوكاني.
شرح سنن النسائي ـ جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلميّة ـ بيروت ـ لبنان.
شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى/ 1378 ـ 1959 م، نشـر دار إحياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه.
صحيح البخاري ـ البخاري/ 1401 ـ 1981 م ، نشر دار الفكر للطباعة والنشـر والتوزيع.
صحيح مسلم ـ مسلم النيسابوري، طبعة مصححة، دار الفكر ـ بيروت ـ لبنان.
صحيفة الحياة، رقم العدد 13866، تأريخ النشر 7/ذي الحجة/1421 هـ الموافق 2/3/2001 م.
الطبقات الكبرى ـ ابن سعد، طباعة ونشر دار صادر ـ بيروت.
الفتاوى الكبرى ـ ابن تيمية، تحقيق محمد عبد القادر عطا ، مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى/ 1408 ـ 1987م، نشر دار الكتب العلميّة.
القاموس المحيط ـ محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، برسم الخزانة السلطانية الملكية الناصرية الصلاحية الرسولية، دار العلم للجميع بيروت ـ لبنان.
الكافي ـ الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة/1363 ش، المطبعة حيدري ، نشـر دار الكتب الإسلاميّة ـ طهران.
كتاب الأصنام ـ ابن الكلبي. تحقيق احمد زكي باشا.
كمال الدين وتمام النعمة ـ الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، محرم الحرام 1405 ـ 1363 ش، نشر مؤسسة النشـر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
مجمع الزوائد ـ الهيثمي/ 1408 ـ 1988 م ، نشر دار الكتب العلميّة ـ بيروت ـ لبنان.
المحلى ـ ابن حزم ـ طبعة مصححة، دار الفكر.
مرآة الجنان وعبرة اليقظان ـ اليافعي، وضع حواشيه خليل المنصور، الطبعة الأولى/ 1417 ـ 1997 م، نشـر منشورات محمد علي بيضون / دار الكتب العلميّة.
مسند أحمد ـ ابن حنبل، نشـر دار صادر ـ بيروت ـ لبنان.
المصباح المنير ـ احمد الفيومي، 1987م ، مكتبة لبنان، بيروت ـ لبنان.
المصنف ـ ابن ابي شيبة، تحقيق وتعليق سعيد اللحام، الطبعة الأولى/ جماد الآخرة 1409 ـ 1989 م، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان.
معالم المدرستين ـ السيد مرتضى العسكري/ 1410 ـ 1990 م، نشر مؤسسة النعمان للطباعة والنشـر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان.
معجم الفاظ الفقه الجعفري ـ د. أحمد فتح الله، الطبعة الأولى/1415 ه‍ ـ 1995م، مطابع المدوخل ـ الدمام.
معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية ـ محمود عبد الرحمن عبد المنعم، نشـر دار الفضيلة ـ القاهرة.
الموطأ ـ الإمام مالك، تصحيح وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي/ 1406 ـ 1985م نشر دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان.
موقع (الإسلام سؤال وجواب) على شبكة الأنترنت محمد صالح المُنَجِّد، وجوب تكسير الأصنام.
النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين ابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، الطبعة الرابعة/ 1364 ش، نشـر مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشـر والتوزيع ـ قم ـ ايران.
نهج البلاغة ـ خطب الإمام علي (ع) ـ شرح محمد عبدة، الطبعة الأولى/1412 ـ 1370 ش، المطبعة النهضة ـ قم، نشـر دار الذخائر ـ قم ـ ايران.
نيل الأوطار ـ الشوكاني/ 1973 م ، نشر دار الجيل ـ بيروت ـ لبنان.

وسائل الشيعة (آل البيت) ـ الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، الطبعة الثانية/ 1414هـ، المطبعة مهر ـ قم، نشـر مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث بقم المشرفة.