البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

حقيقة الصحيفة السجادية، من إنشاء الإمام السجاد زين العابدين (ع)

الباحث :  السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - ذو الحجة 1436هـ / 2015م
تاريخ إضافة البحث :  October / 11 / 2015
عدد زيارات البحث :  5757
تحميل  ( 653.771 KB )
حقيقة الصحيفة السجادية
من إنشاء الإمام السجاد زين العابدين (ع)

السيد محمّدرضا الحسينيّ الجلاليّ


في مهب غارة الوهّابية السلفية على تراث أهل البيت :

[ردّاً على مزاعم (ناصر القفاري) في كراسة كتبها حول

الصحيفة السجّادية]

مقدّمة المؤلّف

بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا للإسلام خير الأديان، على يد رسوله الأكرم سيّد الأنام، وأكمل الدين بولاية الأئمّة الخلفاء من آله الكرام، قرناء القرآن، وهما الثقلان مَن تمسّك بهما لن يضلّ أبداً، والرحمة والرضوان على أصحابهم وأشياعهم وأوليائهم أهل الإيمان الذين على عواتقهم حفظ الدين الحقّ طول الأزمان، وهم الذين حفظوا تُراثه وخلّدوه موثوقاً محفوظاً بأثبت الأسانيد وأضبط الطرق المرفوعة المتّصلة على ما يجب ويُرام، واللعن على أعدائهم ومانعي ما ورد من السنّة الشريفة في حقّهم واُسند عن فضلهم وعلى من تابعهم، من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعدُ، فإنّ الأُمّة اُبتليت بثلّة من المحرّفين للإسلام بين مُعاندٍ متعمّد، وبين جاهل مُقلّد، وقد تصدّى لهم أعلام من المخلصين منذ اليوم الأوّل، وحتّى اليوم، فكشفوا عن بطلان دعاواهم وفساد أغراضهم، وحذّروا الأُمّة عن مكرهم وأحابيلهم كي لا تقع في شباكهم ودعاياتهم.

ومع ذلك، فقد وقع في فخّهم من بَعُدَ عن العلم والعلماء، بل اغترّ بمظاهر وعّاظ السلاطين والمردة أنصار الشياطين، فارتكس في غيّ المُدبرين المنحرفين عن سنّة الأئمّة وأهل الدين الحقّ، ولم يأخذ المعارف الحقّة من العلماء المتّقين.

والأدهى أنّ في عصرنا الحاضر ظهر من أولئك الجهلة من جعل عمل أولئك السلاطين سُنّة يعمل بها، وسمّاهم بالسلف، ووصفهم بالصلاح، مستخدماً أدوات الإعلام المتنوّعة لنشر ضلالات أولئك واعتبارها ديناً لهم، داعياً إليه أهل القُرى والأرياف من العوامّ البُعداء عن مراكز العلم وعن ملاقاة العلماء، بل استخدموا طريقة التزوير والدخل والكذب والاتّهام ضدّ الحقّ حتّى يبعّدوا المغفّلين عنه، ويوجّهوهم حيث الباطل، ويضلّونهم كما هم ضلّوا.

إنّهم احترفوا الأساليب العصرية في مهمّة التضليل والإغراء للناس البُسطاء الذين استفردوا بهم، فمنعوهم من الارتباط بالعلماء والعقلاء والمخلصين والعارفين بحقائق الإسلام عقيدة وشريعة وآداباً وأخلاقاً وسيرة وما حفظوه من القرآن الكريم والسنّة النبويّة وأئمّة الهدى من أهل البيت :.

ومن أضرّ مَن طلع في هذا العصر، ممّن أوغل في حرفة التضليل والكذب والدجل، فجمع ما كدّسه سلفه الطالح، وزاد عليهم من جهله وغبائه ما لم يسبقه أولئك بعبارات نابية وبغي وفُحش، يربؤ منه أهل العلم، ويستهجنه الإنسان السالم الطويّة، ذاك هو المخذول المسمّي نفسه (ناصر القفاري) الذي ألّف كتاباً كبيراً باسم (أصول مذهب الشيعة الإماميّة) فحشّاه بما زيّنه له الشيطان من الأكاذيب والتّهم والافتراءات، والأباطيل ضدّ مذهب الشيعة الإماميّة، وهم الذين يلتزمون بما التزم به الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيت النّبيّ وهم: عليّ بن أبي طالب، والحسن بن عليّ، والحسين بن عليّ و عليّ السجّاد زين العابدين، ومحمّد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعليّ الرضا، ومحمّد الجواد، وعليّ الهادي، والحسن العسكري، ومحمّد المهديّ : الاثنا عشر الذين أخبر النبيّ (ص) بأنّهم الخلفاء من بعده صلّى الله عليه وعليهم.

وهؤلاء هم من اعترف أعلام الأمّة بإمامتهم وعلمهم وتقواهم، وأفضليتهم على مَن سواهم ممّن ادّعوا الخلافة.

فهذا الذهبي ـ وهو من أشدّ الناس على الشيعة الاثني عشريّة ـ يقول عن هؤلاء الأئمّة من آل محمّد، ما نصّه:

(الاثنا عشر سيّداً، الذين تدّعي الإمامية عصمتهم:

فمولانا (عليّ) من الخلفاء الراشدين.

وابناه: (الحسن) و(الحسين) فسبطا رسول الله (ص) سيّدا شباب أهل الجنّة، لو استُخلفا لكانا أهلاً لذلك.

و(زين العابدين) كبير القدر، ومن سادة العلماء العاملين، يصلح للإمامة.

وكذلك ابنه (أبو جعفر الباقر) سيّدٌ إمام فقيه، يصلح للخلافة.

وكذلك ولده (جعفر الصادق) كبير الشأن، من أئمّة العلم، كان أولى من أبي جعفر المنصور.

وكان ولده (موسى) كبير القدر، جيّد العلم، وأولى بالخلافة من هارون.

وابنه (عليّ بن موسى الرضا) كبير الشأن، له علم وبيان، ووَقْعٌ في النفوس، صيّره المأمون وليّ عهده، لجلالته.

وكذلك ابنه (الحسن بن علي) شريف جليل (رحمهم الله تعالى).

و(محمّد) الذي يزعمون أنّه الخلف الحجّة، وأنّه صاحب الزمان، وأنّه حيٌّ، لايموت حتّى يخرج فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً).

فوددنا ذلك، والله([1]).

هذا ما قاله الذهبيّ وهو من كبار رؤوس أعلام ناصر القفاري الذين يقول بإمامتهم ويقلّدهم في أحكامهم.

والشيعة الإمامية إنّما يعتقدون بإمامة أولئك الاثني عشر من آل الرسول (ص) ويرفضون الاقتداء بسواهم ممّن استولوا على أريكة الخلافة بلا أولوية ولا أفضلية، بل بلا استحقاق ولا فضل على هؤلاء السادة الأشراف والعلماء الحنفاء الأتقياء.

لكن القفاري، تبعاً للنواصب العداء لآل رسول الله (ص)، اتّهم الشيعة في كتابه المذكور بما لا يليق، وبعبارات وشتائم مقرفة، لينفّر الآخرين من مذهب الشيعة الإمامية.

وأسلوبه السَـيّئ يدلّ على عدم طلبه للحقّ، وعدم بحثه عن الحقيقة، وإنّما أفرغ في صفحاته ما في قلبه من الحقد والبغض والكراهية، لهؤلاء الأئمّة الأشراف, ولما حملوه من علم ومعرفة أخذوه من القرآن والرسول (ص) فكتب متهجّماً على شيعة هؤلاء الأئمّة الأطهار والذين اتبعوهم بإحسان وأخذوا الإسلام من طريقهم، وعرفوا الأحكام من مذهبهم وقلّدوهم في ذلك، فسمّوا بـ(الشيعة الإمامية).

وقد وفّقنا الله تعالى لمطاردة القفاري في ما كدّسه في كتابه ذلك، من الباطل والكذب، وحاسبناه على كلّ ما أورد من دعاوى كاذبة واتّهامات باطلة، ومن خلال ما داخلناه في ذلك الكتاب، فقد وقّفنا على أمور من تصرّفاته، وهي:

1 ـ عدم إخلاصه في ما يكتب مع قُرّائه، لأنّه يُوهم لهم أموراً لا واقع لها، ويُظهر لهم معاني من النصوص لا صحّة لها، ولا ربط لها، ويفسّرها حسب رأيه، ومخالفة لمدلول الكلام المنقول، ويُطليها على القُرّاء ويفرضها عليهم. وهذه خيانة بلاريب، ومثل هذا العمل لا يمكن أن يعتمد على فاعله، ولابدّ من تحذير الطلاب الناشئين عنه، وعليهم أن يراجعوا في ذلك العلماء الفضلاء من أهل الخبرة بالأدب العربي واللغة.

2 ـ عدم فهمه للمصطلحات العلمية في مختلف العلوم كالكلام والفقه والأصول وحتّى اللغة العربية، فيحاول أن يفسّرها حسب اللفظ وظاهر الكلمات، مع أن من الواضح أن المصطلح له دلالة خاصة لا يعرفها سوى العالم الدارس للعلم، والواقف على مراد أهل الاصطلاح. وهذا يكشف عن عدم تعلّم القفاري، وإنّما يكتب عن نفسه اسم (الدكتور) كذباً، أو وصفته به الجامعات السعودية المزيّفة دَجَلاً وزوراً. ويدّعي الوهابية له ذلك، ليمرّروا أهدافهم من خلال هذه الألقاب الرخيصة، ومثل هذا لا عبرة لما يرتّب على النصوص من استنتاج أو حكم. وما أسخف الدكترة التي تصدر لأمثال هذا الجاهل التافه.

3 ـ الخيانة في نقل النصوص، ومحاولة تقطيعها، ليستفيد من الجملة حسب رغبته، ويفصلها عن القرائن السابقة أو اللاحقة التي تحفّ بالكلام وتدلّ على خلاف رأيه، فيعتمد على ما يوجب التهويل والاحساس بالسوء وتشويه المدلول، الذي يؤدّي إلى الهجوم الظالم على صاحب النصّ، بينما العبارة الكاملة، والقرائن المحتفّة بالكلام، تبرّئ الكلام من أيّ معنى من المخالفة! ومثل هذا التصرف لا يبقي لكتاب القفاري قيمة ولا لكتابه قابلية للاعتماد , بل يسقطهما عن الاعتبار علمياً.

4 ـ وقد أشرنا إلى أنّه يضيف على كلّ ما ينقل - وبعدما يحكم برأيه، وأثناء البحث - شتائم وسباباً وتقبيحاً وتهجيناً، بشكل مقرف، هادفاً إلى تركيزه على ملء فكر القارئ بالابتعاد عن (مذهب الشيعة الإمامية) حسب زعمه!

مع أن من المعلوم عند العلماء الباحثين كون هذه الطريقة، بعيدةً عن روح العلم، وعن نهج العلماء الفضلاء، والملتزمين بالبحث العلمي الناشد إلى معرفة الحق والوصول إلى الحقيقة. وحتّى القارئ المبتدئ يقرف من هذا الأسلوب البشع، إذا كان يريد أن يعرف الصواب. وهذا يدلّ على نقص في استنتاجه وبحثه يحاول أن يكمله أو يصلحه بهذا السبّ والشتم!

وإلا، فإن كان كلام خصمه باطلاً ـ كما يزعم ويرى ـ فقد كفاهُ ما شرحه واستدل به على بُطلانه، إن كان مع الدليل والتحقيق والبحث المقبول.

فلا ريب أن مثل هذا التصرّف، دليل على خروج (ناصر القفاري) عن المنهج العلمي، وعن سيرة العلماء الأعلام من التزام الأمانة، والأدب والخُلق، ومحاولة إيصال المعنى الحقّ إلى القرّاء بكلّ إخلاص وبعيداً عن الهوى والتعصّب للآراء، وفرض ما يُريد على القرّاء، وقد وقفنا ـ أخيراً ـ على كرّاس، ألّفه ناصر القفاري بعنوان:

(حقيقة ما يسمّى زبور آل محمّد، والمطبوع على هيئة المصحف الشريف، وكشف منسوبات أُخرى).

د. ناصر بن عبدالله القفاري

دار الفضيلة ـ الرياض 11433 ـ ص . ب 10387

تليفاكس 233303، حقوق الطبع محفوظة ـ الطبعة الأولى 1419 هـ ـ 1998م.

يقع في (79) صفحة، بقطع الكف.

يحتوي الكتاب على مقدّمة (ص 2 ـ 7).

والمبحث الأوّل: حقيقة الصحيفة السجّادية (ص 8 ـ 28).

والمبحث الثاني: إلى مَن تُنسب الصحيفة (ص 29 ـ 50).

والمبحث الثالث: صحف أُخرى منسوبة (ص 51 ـ 67).

الخاتمة: (ص68).

المصادر والمراجع (ص 69 ـ 77).

فهرس الموضوعات (78 ـ 79).

وعنوان هذا الكرّاس، لا يفصح عن الكتاب الذي استهدفه القفاري بالبحث وهو (الصحيفة السجّادية) لعدم ذكر اسمها المعروف على صفحة وجه الكتاب.

بل ذكر عنوان (زبور آل محمّد) وهذا اسم غريب عند عامّة القُرّاء قبل أن يدخل القارئ في الكتاب، ويجد هذا العنوان، ومَن أتى به، وكيف وضع على الصحيفة؟! مع ما في اسم (زبور) إثارة من حيث كونه اسم كتاب داود النبي(ع)!

ثمّ ورد في العنوان قوله: (المطبوع على هيئة المصحف الشريف) وهذا مثيرٌ للقرّاء، ومن أوّل وهلة، إذ إنّ القرآن الكريم، كتاب مقدّس، فما معنى أن يكون كتاب آخر على هيئته! وما المراد من هيئته؟ مع كون الزبوركتاباً للنبي داود (ع) يعتبره اليهود! وهذا الذي يبحث فيه القفاري مسمّى بذلك الاسم؟!

ومن هذه الصفحة وهي عنوان الكتاب الذي يواجهه القارئ لأوّل مرّة، وهو معروضٌ للجميع! تظهر أهواءُ القفاري وأغراضه في تشويه سمعة الكتاب الذي يحرّف (حقيقته)! ويهوّل الأمر على القارئ المسكين! ويُثير في عقله تلك التساؤلات, وهو بعدُ لم يدخل في الكتاب؟! فكيف إذا دخل ووجد أن القفاري يكيل في كلّ سطر بل في كلّ جملة, الهجومَ على الكتاب وكاتبه والمعتقد به؟ ولو كان مَن كان!

ولعلّ القفاري لـمّا بدا مفضوحاً من أوّل صفحة في تصرّفه هذا، أعرض عن هذا العنوان وطبع هذا الكرّاس بعنوان آخر، وهو:

(حقيقة الصحيفة السجّادية) المنسوبة للإمام علي بن الحسين.

أو زبور آل محمّد، أو إنجيل أهل البيت، أو أخت القرآن والمطبوع على هيئة المصحف الشريف وكشف منسوبات أُخرى.

حقوق الطبع محفوظة، الطبعة الأولى 1426 هـ ـ 2005م.

رقم الإيداع بدار الكتب والوثائق القومية المصرية: 21642/ 2005

مكتبة الرضوان للنشر والتوزيع ـ شارع الفقي ـ كوم حمادة ـ البحرة

الرمز البريدي 22821ـ مصر، هاتف (20103932810) فاكس 20453681553، البريد الألكتروني: ccnaser@hotmail.com

ومع أنّه صرّح هنا باسم الإمام السجّاد زين العابدين (ع)، إلا أنّه حاول التشكيك في الكتاب بقوله: (المنسوب للإمام...) فكلمة (المنسوب) هُنا تدلّ على عدم التزامه بكون الصحيفة من إنشاء الإمام (ع) مع إجماع الإمامية وغيرهم من الشيعة الزيدية والإسماعيلية، بالتأكيد على أنّ الصحيفة من دعاء الإمام من دون شكّ أو ريب. كما سيأتي البحث والحديث عن ذلك.

ثمّ إنّ القفاري كشف عن جهله باللّغة حيث كتب (المنسوب للإمام) مع أن مادة (نسب) تتعدّى في العربية بحرف الجرّ (إلى) فيقال: نسب إليه، أو منسوب إلى فلان.

ثمّ إنّه كتب على هذه الطبعة عنوان: (طبعة أولى) وهذا كذبٌ، فإن محتوى هذا الكرّاس لا يتجاوز عن تلك الطبعة السابقة التي كانت الأولى، بل هي هذه بعينها بلا فرق سوى في الإخراج والحجم، حيث طبع هذا في حجم (الوزيري)، وذلك بحجم الكف، كما سبق. وقد أعاد ما ذكره في الطبعة الأولى من إثارات أعادها في هذا العنوان، مثل ذكر اسم (الزبور) ليوحش قرّاءه من كتاب الصحيفة السجادية! وزاد هنا أسماء أُخرى للتأكيد على هذا الغرض!

وكذلك إيراد عبارة (على هيئة المصحف الشريف) لغرض اتّهام الصحيفة، بتشبيهها بالقرآن؟!!

كلّ ذلك لتهيئة ذهن القارئ لما سيُورده من الاتّهامات والهجوم على الصحيفة!

ولمّا رأيتُ أنّ القفاري قد تعدّى على (الصحيفة السجّادية) وهي من كلام الإمام زين العابدين (ع) وتجاوز الحدّ في الاعتداء، هادفاً إلى إبعاد المسلمين عن قراءته والاطلاع عليه، ومحاولاً صدّ الناس عن ما فيه من المعرفة الحقّة، وقيامه بذلك الغرض، بأساليب لئيمة، وطرق التهريج والكذب والشتم، فحفاظاً على حرمة كتاب الصحيفة العظيم، ومنشئة الإمام العظيم، وسعياً في كشف أغراض القفاري اللئيم، وإبطال محاولاته، ونقد أهدافه، وسعياً في إيصال (الصحيفة السجّادية) هذا الكنز الثمين من معارف الإسلام إلى المسلمين، وتمهيد الطريق إلى قراءته والتزوّد ممّا فيه من العلوم والمعارف الإسلامية الحقّة، وإروائهم من نَميره العذب.

أقدمتُ على الردّ على كراس القفاري، خطوة خطوة، وجُملة جُملة، بنقل نصّ ما أورد فيه، ثمّ بيان ما فيه من الجهل والدَجَل والغرض.

واعتمدتُ على الطبعتين المذكورتين من الكراس، طبعة الرياض ـ في السعودية، وطبعة القاهرة ـ في مصر، ليكون أوثق في إلزام القفاري بما ينقل، وليتحقّق القارئ من صحّة عملنا وحرصنا على الأمانة..

وسنقدّم للبحث أهمّ ما تعرّض له القفاري من غرض وأسلوب، تركيزاً للنظر فيه بالخصوص. وليكون القارئ على بصيرة من الأمر.

وفّقنا الله لمعرفة الحقّ واتّباع أهله، ورفض الباطل والابتعاد عن أهله، آمين، ياربّ العالمين.


وقفة على أغراض القفاري وأساليبه وتصرفاته:

إنّ القفاري هو في عصرنا، أشدّ مَن استهدف أتباع مذهب أهل البيت النبوي (التشيّع) وهم (الشيعة) فصبّ جامَ غضبه وحقده عليهم، ونصب لهم العداء وإثارة الكراهية لهم والبغضاء عليهم بين الناس، بأساليب عصرية ومنها الإعلانات البرّاقة الجميلة المظهر، والمغرية للناس، مثل دعوى اعتماده على المصادر المعتبرة عند الشيعة، والنقل منها مباشرة.

وقد ضلّل كثيراً من المغفّلين بهذه الوسيلة، لعدم وجود المصادر عندهم، فتنطلي عليهم مكيدة هذا القفاري، بينما هو ينقل شيئاً ويُحرّفه، بحذف كلمة أو جملة، أو يُفسّر الكلام من عنده، ويوجّهه إلى مرامه، مع أنّ الكلام التامّ يدلُ على خلاف ما يُريد.

وقد يفسّر الكلام بالغلط، لعدم فهمه المراد منه، لجهله باللغة أو عدم فهمه للمصطلحات العلمية، لقصوره في المعرفة، ومع ذلك يرتّب على الكلام المنقول ما لا يدلّ على مراده، أو يخالف ما ذكر حسب فهمه.

وقد يردّ شيئاً على أساس أنّه مخالف لمذهب السلفية، ويبني على ذلك ردّه على الشيعة، مع أنّ التزامه هو وجماعته السلفية هو الباطل، فيكون تهجّمه على أساس رأيه، بينما رأيه هو الفاسد ولا يمكن الاعتماد عليه.

ومن أساليبه أنّه يُحاول التهويل والتهريج ضدّ النصّ الذي يتعرّض لمناقشته وينقله، حتّى يملأ عقل القارئ من الخوف والفزع والانزجار من المنقول لكونه من كلام الشيعة.

فهو يستولي بهذا الأسلوب على شعور السامع والقارئ، ويستغلّ تلك الحالة، لغرض المعنى الذي يُريده من الكلام المنقول، وإن كان ما يعتقده هو غير صحيح أو منافياً للحقّ.

إنّه يحاول تزييف تراث أهل البيت : وتهجينه وذمّه بمختلف الألفاظ، من دون أن يأتي بشاهـد على ما يزعم، وقـد أورد هـذا في ما يرتبط بالصحيفـة السجّاديـة ـ مثلاً ـ فبالرغم من ذلك تراه لم يذكر شاهداً من الصحيفة، على دعواه، بل قد يكون الكلام الذي اعتمده مشكلاً في نظره، وهو ممّا قاله به غير الشيعة من المذاهب السنّية، أو يكون ممّا أجمع عليه الأُمّة.

فهو لجهله، وقصور فهمه عن درك ما في النصوص من المطالب العلمية الدقيقة يقع في هذه الورطة , والإنسان ـ كما يقال ـ عدوّ لما جهل.

ومن أمثلة ذلك هو (الصحيفة السجّادية) التي اعترض عليها في جهات عديدة، ولم يذكر ما يدلّ على زعمه ودعواه.

وقد تكون مواجهته للصحيفة السجّادية بهذه الهجمات ضنّاً منه وبخلاً أن يتأثر به الشيعيّ ويفتخر بروايته ويعتقد بمضمونه ومؤادّه. ولو اطلع غير الشيعة على ما في الصحيفة من العلوم والخير والبرّ والتقريب إلى الله في مختلف الأمور، لتهافتوا عليه واقتنوه مفتخرين.

فهو يهاجم الصحيفة السجّادية كي لا يقرأها الناس، ولا يتقرّبوا منها، فقد يعتمد عليه الذين لا يعتقدون بإمامة الإمام، لكنهم يفهمون ما ورد في الصحيفة من خلال معرفتهم باللّغة ووقوفهم على كلام رزين، يجمع المعاني الصادقة، بل المتّفق عليه من الأخلاق والآداب، وما فيه من معاني التوحيد والتحميد والأخلاق والآداب والسنن، فيستفيد من هذا الكتاب بكلّ ما فيه، ويعتمد عليه ويعتقد بصاحبه.

فالقفاري بالقدح والذمّ للصحيفة يُحاول أن يزجر الناس عن كتب الشيعة، لكنه يفشل عندما يقف الناس عليها ويطّلعوا على حقيقتها فينكشف زيف دعاوى القفاري وسلفه.

وهذ الخباثة قد تسرّبت إلى إذاعة السعودية، حيث أخذت تبثّ أو تذيع بعض المقاطع من دعاء (الصحيفة السجّادية) ما فيه حكمة أو علم أو معرفة، مأخوذاً من (الصحيفة السجّادية)، لكنّها لا تذكر اسم صاحب الدعاء وهو الإمام السجّاد زين العابدين علي بن الحسين (ع) لئلا يعرف الناس أنّ الدعاء له (ع) فلا يرغبوا في حبّه وولائه، ويلتزموا بإمامته واتباع سبيله؟!

ثمّ إنّ الكاتب القفاري يسعى في كلّ صفحات كرّاسه أن يكرّر عبارات التشويه والسبّ والقذف، وبألفاظ نابية قبيحة، وبأوصاف مشوّهة ونسبة أكاذيب وترّهات إلى (الصحيفة) ومَن يلتزم بها!

وغرضه ـ كما أسلفنا ـ تغرير القارئ وتهويشه على (الصحيفة) وعلى الشيعة الملتزمين بقراءتها.

لكنّه؛ غافلٌ عن أنّ انغماسه في هذا الأسلوب الوقح، يبعث القارئ على أن ينتبه إلى الصحيفة، ويغريه إلى الاطّلاع عليها،، فيتسبّب ذلك إلى أن يبحث عن حقيقة (الصحيفة) ويحاول الوقوف عليها، وحينئذٍ يجد خلاف مزاعم القفاري، حيث يجد العلم والمعرفة والذكر الطيّب وتعظيم الله جلّ وعزّ والتوجه العميق إليه، والانقطاع إلى عظمته وتمجيده.

ويدلّ على غرض القفاري السَـيّئ، وأنّه مع شدّة التزامه بذلك الأسلوب الوقح، لا يذكر مورداً من نصوص الصحيفة يستدلّ به على ما يقول لأنه لو ذكر، فهو يدلّ على عدم شعوره وعدم فهمه لمعنى كلام الإمام زين العابدين وعدم التفاته إلى المعاني الرفيعة والمضامين العالية التي في (صحيفته) الرائعة.

ثمّ إن من تصرّفات القفاري المُريبة ؛ أنّه ـ دائماً ـ يتعرّض إلى الأمور الجانبية، بل والأجنبية عن ما يتكلّم حوله، وذلك في صفحات كرّاسه بما امتلأ قلبه من الشبهات التافهة، والتشكيلات الباهتة التي عُرضت عليه، فلم يعرف وجهها لقلّة وعدم فهمه للغة العربية، ولا للمصطلحات العلمية.

ونحن نشير في الردّ عليه إلى التصرّفات الغريبة التي استعملها في كلّ موردٍ، ونذكر عباراته منقولة عن النسختين معاً من كرّاسه، ليقف القارئ الكريم على هذا الأسلوب المغرض المستهجن والخارج عن قواعد الكتابة والتأليف.

بقيت أمور لابدّ من ذكرها:

أوّلاً: أنّ القفاري عرض في كتابه الكبير (أصول مذهب الشيعة الإمامية) جميع ما عند الشيعة من التراث من القديم والجديد، وطوّل فيها. الكلام بالتكرار والإعادة، وبتغيير العبارات! لكنّه لم يتعرّض لما في (الصحيفة السجّادية) وبعد مضي ستّ سنواتٍ من طبعته الأولى سنة 1419 هـ . وحتى طبعته الرابعة سنة 1426 هـ ليس للصحيفة فيها ذكر إلا عابراً.

وكأنّه ندم على ترك الصحيفة بالتفصيل، فعمد إلى إصدار هذا الكرّاس، لما رأى أنّ الصحيفة من الكتب المهمّة عند جماعات الشيعة، ولهذا كثرت طباعتها وكثرت الشروح لها، والعناية بها.

فقام بكتابة هذا الكرّاس، وسار على عادته القديمة، فملأه بالتزييف والتسخيف واستهدفها بأقبح طريقة، وعلى أسلوبه المعروف الذي ذكرنا أوصافه هنا، وفصّلنا الكلام عنه في ردّنا الكبير على كتابه (أصول مذهب الشيعة الإمامية).

ثانياً: قد ملأ القفاري كتابه الأوّل، وكرّاسه هذا حول الصحيفة السجّادية بعبارات نابية لا تليق بأهل العلم، ويأباها الكاتب الشريف، كما لا يجري بها القلم البريء ولا الكتابة المهذّبة، ونسرد هنا مجموعة من تلك الألفاظ، التي أقلّ ما تدلّ عليه، هو جهل الكاتب وسوء أدبه، في مواجهة كتاب عظيم مثل (الصحيفة) المروية عن إمام من أئمّة أهل البيت : في سؤدده وعلمه وورعه وزهده.

فترى القفاري يقول عن هذا الكتاب:

1 ـ الصحيفة المزوّرة (ص 13)([2]).

2 ـ الصحيفة الموضوعة (ص14).

3 ـ أكثرها عند أهل العلم من الموضوعات.

4 ـ أكثرها كذب (ص 8).

5 ـ ظهور علامات الكذب عليها سنداً ومتناً.

6 ـ الكتاب المفترى (ص 6).

7 ـ منسوبة إلى الإمام (في العنوان) وفي (ص23) ينسبها الروافض.

8 ـ في مضامينها غلوّ في الآل (ص8).

9 ـ أسماؤها المتعدّدة : (إنجيل أهل البيت) و(زبور أهل البيت :) و(أخت القرآن) (ص 16 و 19) وفي (ص16) عنوان: (دلالة التسمية) فأعاد فيه تخيّلاته واعتداءاته واحتمالاته الباهتة الباطلة!

10 ـ طبع على هيئة المصحف، على هيئة طباعة القرآن العظيم، يشابه في شكله طبعات القرآن (ص9).

11 ـ محاولة مضاهاة كتاب الله سبحانه بالمظهر (ص 43).

12 ـ شرحها على طريقة المفسّرين (ص9).

وقد طبع صوراً ـ من طبعة ـ للصحيفة لصفحات مؤطّرة بإطارات مزركشة بورود (ص 17 ـ 22).

ثالثاً: إن القفاري مع إطلاقه هذه التّهم، وإرساله هذه العبارات بلا حياء، على الصحيفة الشريفة المقدّسة، ومع عرضه لمواضيع كثيرة لا ترتبط بالصحيفة استطراداً، ليملأ صفحاته! لم يأت بأيّ دليل على هذه المفردات الوقحة والتّهم الكاذبة، ولم ينقل من متن الصحيفة جملةً واحدةً من أدعيتها ما يتمكّن أن يبحث فيها، ويستدلّ بها على دعاويه تلك، إطلاقاً.

وبينما عنوان البحث عن (حقيقة الصحيفة السجّادية) وهو يكيل عليها هذه التُّهم، فيعتبر متنها (كذباً) لا يدخل في متنها ولا يأتي منه بما يظهر منه الكذب، ومع ذلك يقول: (بظهور علامات الكذب عليها متناً)!

فلو كان صادقاً لذكر علامة واحدة على الأقلّ، منها في أيّة مقطع من نصّها ومتنها.

ولعلّ القارئ اللبيب يقف على السبب في امتناعه عن ذكر نموذج ممّا يدّعي من العلامات! فلو اطّلع القارئ بعينه على متن الصحيفة نفسها، وقرأ جزءاً ممّا ورد فيها من الأدعية والكلام الرائع لفظاً ومعنىً، يقطع ببطلان دعاوى القفاري، وأنّه إنّما لجأ إلى هذا القول ليخوّف القارئ ويمنعه من قراءة متن الصحيفة، وإلا فإنّ قراءة المتن تكشف كذب القفاري وجهله، وعناده، وعدائه لصاحب الصحيفة.

رابعاً: إنّ خروج القفاري الكاتب عن موضوع العنوان، وعرضه لمواضيع لا تمتّ بالصحيفة التي عنون لها الكرّاس، مع أنّها تشترك في كونها هجوماً ظالماً على الشيعة وتراثهم في جميع ما يمتّ بهم! بأسلوبه الباطل والفاشل علمياً وعملياً، فإنّه قد أدخل أنفه في ما لا يعنيه، ودخل ساحات العلوم والمعارف التي لا ناقة له فيها ولا جمل، وإنّما اعتمد في أكثر كلامه على النقل من مشايخه النواصب، من أمثال: ابن تيمية الحرّاني، وابن حزم الظاهري، والذهبي التركماني، وغيرهم من المبغضين لآل محمّد والمنحرفين عن الحقّ، وأمّا القفاري نفسه فلا دخل له في شيء من العلم كما لا يفهم ما ورد عن العلماء في العلوم.

وهذا مجمل ما أردنا عرضه عن كاتب هذا الكرّاس.

وأمّا تفصيل ذلك، فسنقدّمه في فصول متوالية هنا، تبعاً لما أورده هو في كلماته.

وأخيراً: استميح القرّاء عذراً من أمر اضطررنا إلى ارتكابه بسوء تصرّف القفاري بكيله الشتائم والقذف والسبّ على الشيعة.

فرأينا أن نردّ عليه بما يستحقّ عملاً بقوله تعالى: ) فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...( .


مع مقدّمة القفاري :

قدم القفاري كما هو المعتاد ليعبّر عن الباعث له على كتابة هذا الكرّاس ونشره، فذكر الباعث له بقوله:

(فإنّ الباعث على وضع هذه (الوريقات) سؤالٌ ورد من بعض الجهات العلمية، عن كتاب طبع على هيئة المصحف الشريف، وسمّي الصحيفة السجّادية، ونسب إلى الإمام عليّ بن الحسين...). (حقيقة الصحيفة: ص7).

وقال في (ص8):

(لم أكتب هذه السطور ابتداءً، وإنّما إجابة لمن تعيّنت إجابتهم، ولا وجه للاعتذار عن تلبية إجابتهم)!

ففي هذه العبارات أمران:

أوّلاً: إنّ الجهة السائلة كيف تكون (علميّة) وقد جاء في سؤالها : (كتاب طبع على هيئة المصحف الشريف).

وهذا ليس تعبيراً ينطق به شخص له علم، إذ ما معنى هيئة المصحف، فهل للمصحف هيئة تخصّه وتُميّزه عن سائر المطبوعات؟ هل هو أكبر، في الطول والعرض، أو عدد السطور أو الصفحات؟

فهذا تعبير لا يصدر من عالم، بل إنّما ينطق به العامّي الذي يعبّر عمّا يراه أمامه أنه المصحف، وإلا فإنّ المطبوعات من الكتب لكلّ منها حجم بعينه وأوصاف مشتركة، كالخطّ والورق والتجليد، وكذلك من حيث الإخراج الداخلي والتزيين الخارجي, وليست هذه الأوصاف تابعة لقدسيّة كتاب أو آخر، وطبعات القرآن الكريم تختلف في ذلك من طبعة إلى أُخرى، وكذلك في الحجم، وليس للمصاحف المطبوعة وصف ولا حجم ولا خصوصيّة طباعيّة معيّنة.

نعم، القرآن مميّز بنصّه، ومحترم بين المسلمين بنفسه، سواء طبع على شكل أو آخر، ويعرف القرآن من اسمه، أمّا وضعه في محفظات خاصّة أو أكياس تلبس وأغلفة متميّزة، وكذلك الخطوط التي يكتب بها القرآن الكريم ليس لأحدها اختصاص به، بل تختلف خطوط القرآن حسب اختلاف اللغات وأنواع الخطوط، واختلاف فنون الخطّاطين.

وليس التعبير عن كتاب بكونه على هيئة المصحف الشريف، مناسباً أن ينسب إلى عالِم، بل إن صحّ كلام القفاري ونقله فهو صادر عن عامّي جاهل، وليس جهة علمية.

وثانياً: إنّ توجّه هذا السائل إلى مثل القفاري في هذا السؤال، دليل على عدم كونه من (جهة علمية) لأنّ القفاري ـ كما سيثبت من خلال البحوث الآتية ـ هو جاهل فارغ عن العلم، فكيف يكون مرجعاً للإجابة، إلا إذا كان السائل بمستواه بل أجهل منه.

ونحن لا نستبعد أن يكون الكلام كلّه مجعولاً من القفاري نفسه، لأنّه هو المركّز على مضمون السؤال، وهو يركّز في كلامه مكرّراً على أنّ الصحيفة بهيئة المصحف، كما أشرنا سابقاً. وأراد بفرض السؤال أن يجعل من نفسه مسؤولاً؟! ومهما كان، فهل تمكّن القفاري أن يجيب السائل، بما عنده من العلم؟! إنّ ما لفّقه القفاري في هذه الكرّاسة، ستكشف عن مدى تمكّنه في الإجابة!

ولعلّ ما ذكره القفاري من أن وريقاته تحتوي على مباحث ثلاث، قال: (وقد يقول قائل: دع هذا الكُتيّب المفترى وأمثاله في زاوية النسيان، ولا تدلّ الجُهّال عليه ومن لا تمييز عنده، بوريقاتك؟) فأجاب عن هذا القائل بوجوه سبعة.

نقول: إنّ هذا القائل، لو كان شخصاً موجوداً، ولم يكن مفروضاً من القفاري نفسه، فهو قد كشف عن أمرين:

الأوّل: أنّه سلفيٌّ وقحٌ، حيث عبّر عن الصحيفة بـ(الكُتيّب المفترى)! بل هو متوسّط الحجم، وليس صغيراً حتّى يعبّر عنه بصيغة التصغير (كُتيّب).

الثاني: أن ما ورد في قوله: (لا تدلّ الجُهّال عليه، ومن لا تمييز عنده...) يدلّ على أن القائل نبيهٌ، أشار إلى أمر مهمّ. حيث أن القفاري أثار بما لفّق في هذا الكرّاس ضدّ الصحيفة السجّادية، وبالشدّة والعنف، قد يكون سبباً لجذب القارئ إلى متن (الصحيفة السجّادية) ليطّلع عليها عن كثب، ويعرف السبب الذي دعا (القفاري) إلى أن يُحاول بهذا الشكل الحادّ والمقرف! الذي يغري السامع إلى الاطّلاع عليه. ففيها وأبعادها.

ولا شكّ في أن مَن يقرأ صفحة واحدة من أيّ موضع من هذه الصحيفة سيقف على علمٍ جمٍّ، وأدبٍ ثرّ، وعقيدة حقّة، ومعرفة ناصعة، وكلام لا يصدر إلا من عارف تقيّ كامل وهو الإمام زين العابدين، عليّ السجّاد ابن الإمام الحسين الشهيد (ع). فينقلب سحر القفاري في وريقاته، على الساحر نفسه وكتابه!

فذلك القول، إنّما هو كلام إنسان فطِن، حتّى لو كان صادراً من شخص سلفيّ لا يعتقد بالصحيفة، ولا يحترم صاحبها الإمام السجّاد، ولذا يرشد القفاري إلى: (إن يترك (الصحيفة) في زاوية النسيان) فهو أعقل من (القفاري) الذي قام بكتابة هذا الكرّاس، وبما أورد فيه، حيث يكون قد أعلن عن وجوده، ونبّه الآخرين إلى ما فيه، وجعل من لا يعرف الصحيفة يُحاول معرفتها، ويقتنيها فيطّلع على ما فيها من المعارف الحقّة، فيكون القفاري بتعرّضه للصحيفة داعية إلى عظمتها، فيكون قد فضح الغبيّ نفسه، وهتك عِرضه، ونقض عَرضه!

وإن كان هذا القول من كلام القفاري نفسه، فرضه ليكبّر شخصيته أنّه ممّن (يُسألُ) وتُراجعه جهاتٌ علمية مهمّة لا يُمكن له أن يعتذر من إجابتها، أو أنّه شخص تقدّم إليه مثل هذه النصيحة... إلى آخر ما يدلّ على أنّه شخص يُعتنى به!!

ففرضه لهذه النصيحة، ورفضه لها، دليلٌ على حُمقه وغبائه وبلاهته، حيث وقف على هذا المعنى، لكنه ركب حمار عناده وشِقوته، فلم يعمل بها، وأدخل نفسه في ما لا يعنيه، بل ورّط نفسه في ما يؤدّي الكشف عن عواره، وفضحه بجهله، حتّى بمصلحة نفسه.

وهذا مصير مَنْ يُريد أن يحجب نورَ الصحيفة السجّادية بوُريقاته هذه الهشّة الباهتة، كما يحجب الأبله نورَ الشمس بأصابع يده!

وقد قدّم القفاري، جواباً لذلك القول، بأمور سبعة وهي (في ص 6 و7):

أوّلاً: لم أكتب هذه السطور ابتداءً، وإنّما إجابة لمن تعيّنت إجابتهم، ولا وجه للاعتذار عن تلبية طلبهم.

نقول: وهذا ما سبق أن ذكره عن (الجهة العلمية) وقد أجبنا عنه سابقاً.

ثانياً: إنّ هذه الصحيفة، طبعت طبعات عديدة وبكمّيات كبيرة، فلم تعدّ أمراً خفيّاً.

نقول: هكذا يؤكّد القفاري على أن الصحيفة لم تُعدْ أمراً خفيّاً ويعترف بأنّها مطبوعة طبعات عديدة وبكميّات كبيرة!

وكذلك سيأتي في الصفحة نفسها :

(رابعاً) : يقول: (وفي عصرنا نشط الروافض في نشرها وتوزيعها).

لكنّه في (ص 8) يقول: (إنّها سريّة التداول) وعدّ ذلك من (شهوة الغلوّ والتستّر على الكذب) الذي يتّهم به الشيعة.

وهكذا يتناقض القفاري في القول، لأنّ الحقد والغيض يغطّي عقله، فلا يفهم ما يكتب؟!

ثالثاً: إنّها منسوبة لإمامٍ من أئمّة أهل البيت والسنّة، فهذا يوجب الاغترار بها.

نقول: إنّ نسبة الصحيفة إلى إمامٍ، لابدّ أن يكون دافعاً إلى التأكّد من ذلك، بالبحث الخالي من التعصّب والبغضاء، ولا شكّ عند العلماء والعقلاء أن التأمّل في مضامين (الصحيفة) يؤدّي إلى العلم واليقين بصحّة نسبة الصحيفة إلى الإمام.

لكن القفاري يطلق كلمة (النسبة) قاصداً بها عدم الصحّة، كما عبّر عن الصحيفة بالوضع والكذب، وأطلق هذه الألفاظ على الصحيفة جزافاً، ولم يأت بدليل على ذلك، كما سيأتي.

وأما أصل النسبة، فإن تمّت وصحّت، كما هو الثابت عند أهل البيت وشيعتهم، فكون المنسوب إليه واحداً من أئمّة أهل البيت والسنّة، لا يوجب الإعراض والاعتراض، بل يُلزم الانقياد والاتّباع، لأنّ الإمام حجّة، والصحيفة ليس فيها إلا ماهو الحقّ والصدق، فالالتزام بها هو الواجب على كلّ عاقل مسلم، يعترف بإمامة المنسوب إليه. فكيف يجعل هذا سبباً للتعرّض للصحيفة والهجوم عليها في (وريقاته) هذه!

قال (رابعاً): إنّ شيخ الإسلام [يعني ابن تيمية] ذكر في معرض كلامه عنها، أنّه يعتمد على أدعيتها كثيرٌ من أهل الكلام والوعّاظ.

نقول: هذا الكلام أوضحُ دليلٍ على أنّ أدعية الصحيفة السجّادية كلّ مَن وقف عليها اعتمد عليها، لأنّ علماء الكلام والوعّاظ هم أعرف بما فيها، فلو لم تكن حقّاً لم يعتمدوا عليها...

وأيضاً عرفنا أنّ القائل لهذا الكلام هو من أشدّ الناس عداءً للشيعة وهو ابن تيمية الحرّاني، فقد ذكره في كتابه (منهاج السنة ج6 ص306) على ما ذكره القفاري في الهامش.

والقفاري يعتبر كلام ابن تيمية حجّة، لأنّه شيخ إسلامه، وإمامه الذي لايتجاوزه، فهو ملتزم بكلامه، لكنّه أضاف في طبعة الرياض من كرّاسه هذا قوله: (وفي عصرنا نشط الروافض في نشرها وتوزيعها) فالقفاري يُراوغ حتّى في مدلول كلام شيخ إسلامه ابن تيمية، لأن ابن تيمية لمّا قال: (اعتمد عليها علماء الكلام والوعّاظ) لم يقصد الروافض, بل قصد أهل نحلته من أهل السنّة، فيدلّ على أن المعتمدين هم من أهل السنّة.

لكن القفاري أضاف على كلام ابن تيمية وألحق به قوله: (في عصرنا نشط الروافض في نشرها وتوزيعها)! حتّى يوحي إلى القارئ معنىً آخر لكلام ابن تيمية، وهذا واحد من أساليب التحريف في منقولات القفاري، وهو بالنتيجة إغواءٌ وتخريفٌ لقرّاء كتابه.

وبهذا الجواب ظهر أنّ القفاري، لا يعي ما يُورد في هذه الوريقات، فهذا المنقول عن ابن تيمية تأكيدٌ على صحّة أدعية الصحيفة عند العلماء من أهل الكلام، ومن الوعّاظ، فكيف يذكره وهو بصدد الردّ على الصحيفة وتسخيفها، كما هو ظاهر من كرّاسه هذا، وهو يحكم عليها بالكذب، والوضع، والباطل؟! وإبطال الصحيفة كلّها من الأساس؟!

وقال: خامساً: إنّها مناسبة لنقل اعتقاد هذا الإمام المفترى عليه، من خلال أقواله.

نقول: إنّ القفاري يظهر نفسه أنّه يبحث عن مناسبةٍ ينقل فيها اعتقاد الإمام السجّاد (ع) ويدافع عنه من أجل ما افتراه عليه الآخرون، ولم يجد وسيلة إلا ضرب (الصحيفة السجّادية) وتفنيدها وتكذيبها؟ والصحيفة كما يعلم الجميع هي من أفضل تُراث الإمام السجّاد (ع).

وهذا الجواب أيضاً دليلٌ على خلوّ القفاري من فكر مستقيم، فبينما هو يريد أن يعرّف الإمام ويمدحه ـ كما سيأتي ـ يُحاول أن يذمّ، وينفي عنه أوضح أعماله وأشهرها وأعزّها، وهي (الصحيفة السجّادية) ويتّهمه بالوضع والكذب والافتراء.

ومن الواضح لأهل العلم ومن يقرأ التاريخ أنّ افتراء أهل الباطل على الحقّ وأهله أمرٌ رائجٌ منذ خلق الله آدم أبا البشر (ع) وذرّيته، فقد افتروا على الله الكذب كما أخبر به كتابه الكريم، وافتروا على رسله وما جاءوا به من الرسالات، وعلى كتبهم، وكذلك على الأئمّة وشيعتهم، وكذبوا على أولئك، كما كذبوا على رسول الله (ص) وفي عصره وبمحضره حتّى ضجّ ونادى (مَن كذّب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار) (حديث مشهور).

والإمام السجّاد (ع) كآبائه وابنائه لم يُسْتَثنوا من ذلك، فقد افترى المنحرفون من الناس، حكّاماً وولاةً وقضاةً وملوكاً ورعاةً، ومحدثين ومتعالمين على الأئمّة : حتى أقصوهم عن مقاماتهم التي رتّبهم الله فيها، وبغّضوهم إلى الناس ليبتعدوا عنهم، ولا يسمعوهم، ولا يقرأوا كتبهم، كما يفعل القفاري بالإمام السجّاد والصحيفة السجّادية.

وقد تنبّه إلى هذا الواقع، الشيخ المصري محمّد أبو زهرة حيث كتب: (وظلّ علم عليّ [7] في بيته، نتيجة اضطهاد الأمويّين للعلويّين، واقتصار الأمويّين على نقل أحكام (أبي بكر) و قضاء (عمر) دون نقل أحكام وأقضية (علي) ممّا جعلها بعيدة عن اهتمام علماء السنّة، ولذا تورّث العلويّون (تُراث علي). [ذكر ذلك في كتابه (الإمام الصادق ص91].

فليس ما يقوم به القفاري في كرّاسه هذا، بدعاً، بعدما عَرفه من سيرة سلفه! فإنّما هي (شنشنة أعرفها من أخزم)!

وأمّا قيامه بتعريف الإمام السجّاد (ع) بما ذكره نصّاً، فهو أمرٌ مهمٌ، وليس للقفاري منه مهربٌ، لأنّ الإمام مقدّرٌ بل مقدّس عند جميع العلماء من أهل السنّة والشيعة، فكيف يتمكن شخص ضحل مثل القفاري أن يتغافل عن مدحه والثناء عليه وهو يرى سلفه يخضعون ويُقرّون ويعترفون بعظمة الإمام السجّاد (ع) وزهده وعبادته ولياقته حتّى بالخلافة، وإن كان منهم قولاً، بلاعمل.

لكن القفاري يحاول في وريقاته هذه أن يفصل الإمام عن أهم عناصر عظمته وعلمه وإمامته، وهي الصحيفة السجّادية، فيتصدّى لتزييفها، بما كدّسه هنا من الأراجيف واللغط والدجل، تمويهاً على القرّاء الكرام.

وسنوضّح فساد تصرّفاته، وأغراضه المبتنية على النَصب والعداء لأهل البيت: ولتراثهم بجهله وبذاءة لسانه.

وقال: سادساً: إنّ في مضامينها غلوّاً في الآل، والإمامُ منها بريء، فهي مادّة تُدافع عن الآل، وهذا من حقوقهم علينا.

نقول: إنّ مَن يقرأ هذا الكلام يتصوّر أن القفاري قد قرأ في الصحيفة نصّاً وقف فيه على ما يدّعي من الغلوّ!

لكن نتحدّاه أن يكون قد قرأ في الصحيفة جملةً فيها ما يدّعيه من الغلوّ في الآل. وهذا واضحٌ لمن قرأ هذا الكرّاس، وتصفّح وريقاته، فإنّه لا يجد كلمة ينقلها القفاري من الصحيفة، أو يستشهد بها على أي واحد من مجموعة أحكامه على الصحيفة.

وقوله: (والإمام بريء منها) نعم الإمام السجّاد (ع)، كما هم سائر أئمّة أهل البيت : كلّهم وكذلك شيعتهم بريئون من أي كلام ينمّ منه الغلوّ ـ نعوذ بالله ـ فكلّهم بُراء من الغلو المزعوم، وأحاديثهم وأقوالهم وأفعالهم متواترة على هذه البراءة.

وقوله: (فهي مادّة تدافع عن الآل) يعني المادّة التي أوردها في هذا الكرّاس، وسوّد بها وجهه ووجه وريقاته.

لكن قد أشرنا، وستعرف أنّ غرضه في هذا الكرّاس، كما هو في سائر كتاباته هو تشويه سمعة الآل، وإذا ذكر شيئاً من فضلهم نقلاً عن سلفه، فإنّه يقصد به التعمية على الناس، لأنّهم جميعاً ينقلون بعض الفضائل والأوصاف، ويتركون المقامات المهمّة كالإمامة في الحكم، والأعلمية في الشريعة، والتقوى والورع والحكمة، وما إلى ذلك ممّا يوجب الاقتداء بهم واتّباعهم والالتزام بسيرتهم، والتعظيم لهم ورفض سيرة أعدائهم الذين غَصبوا مكانتهم وآذوهم وقتلوهم وأسروا نساءهم وحرقوا بيوتهم، وأبادوهم وشرّدوهم في أقاصي البلاد.

والآن وفي هذا العصر، يتصدى هذا القفاري الذي هو من أجلاف خَلَفهم يحاول أن يُبعّد الناس عن تراثهم العظيم الذي احتوى على الحقّ والصدق، ويشوّه سمعة (الصحيفة السجّادية) لئلا يقرأه أحد، خوفاً من أن يهتدي إلى أحقّية الآل للإمامة، الذي هو واحدٌ من حقوقهم على الأُمّة. والغريب أنّه يُسمّي عمله : (مادّة تُدافع عن الآل).

نعم، بل هو مادّة تدفع عن الآل، أي تبعد الناس عن الآل، لأنها تزيف علمهم وتراثهم، وتحاول أن يجتنبها الناس. لكنّ لا نشكّ في أنّ عمل القفاري هذا، سيدفع الناس إلى أن يُحصّلوا هذه الصحيفة السجّادية المقدّسة العظيمة، ويقرأوها فسيجدون فيها ما يعلمون منه أنّ القفاري دجّال، عدوّ لآل محمّد، وعدوّ للأُمّة، وهو يريد أن يمنع الأُمّة عن الحق ويبعّدهم عن معرفة الحقيقة.

ويقول: (وهذا من حقوقهم علينا).

نقول: إن كنت صادقاً، فهذا من أقلّ حقوقهم! لكن أين أنت وأعوانك من سائر حقوقهم؟ ماهي؟ وكيف ادّيتموها لهم؟ أليس من حقوقهم أن تدفعوا عنهم أعداءهم وظالميهم، وتحاسبونهم على اعتداءاتهم ضدّهم؟ فلماذا نراكم تركتموهم طول التاريخ عُرضة للقتل والإبادة والسجن والتشريد والهتك والإزواء؟ وبدلاً من الدفاع عنهم، نراكم تؤيّدون الظالمين لهم؟ وتعظّمون قاتليهم وسالبي حقوقهم؟!!

فهذا عليّ (ع) لا تُحاسبون من ظلمه وعارضه وحاربه في الجمل وصفّين والنهروان؟! وتحترمونهم وتعظّمونهم مع أنّهم حاربوا خليفة المسلمين وأمير المؤمنين ورابع الراشدين وهو عليّ (ع)؟!!

لكنّكم تعتبرون مَن حاربه في الجمل (أمّ المؤمنين) وفي صفّين (معاوية خال المؤمنين) وفي النهروان الخوارج هم محترمون عندكم معذورون تترحّمون عليهم؟!!

وقد سبّ بنو أمية وخلفاؤهم عليّاً مدّة ألف شهر من حكمهم على الأمّة، لكنّهم أمراء المؤمنين عندكم؟

ويزيد قاتل الحسين (ع) هو أمير المؤمنين لكم؟! وعمر بن سعد ثقة تلتزمون بأحاديثه، لا تستنكرون قتله للحسين؟!!

والإمام السجّاد (ع) مع أنه يليق بالإمامة ـ كما قال الذهبي ـ ما هو موقفكم من إمامته؟ مع أنّكم خلّفتم عدّة من بني أمية في زمانه؟!! وقد أجمع علماء عصره أنّه (أفقه الناس) وأفقه الأُمّة، فهل أخذتم أحكام الشريعة منه؟ كلا، إنّكم أخذتم الفقه ممّن تعلمون أنّه لا يبلغ شأو الإمام السجّاد في علم ولا عمل؟!!!

وها أنت يا قفاري تحاول أن تبعد الناس عن كتاب واحد من تراث الإمام السجّاد (ع) وهو (الصحيفة السجّادية) مع ما فيه من قدس وعظمة وإيمان وحكمة ودين ومعارف حقّة؟

فهل هذا دفاعٌ عن (الآل) ـ يعني آل محمّد (ص) ـ أم هو نصرة ودفاع عن آل أميّة وسفيان ومروان؟!!

ثم قال القفاري: وأخيراً، فإنّ طابعها تعمّد لإخراجها على هيئة طباعة القرآن العظيم، لما يدّعون بأنها: زبورهم، وإنجيلهم؟! وأخت قرآنهم؟

نقول: ويكرّر القفاري رقصه على هذا الوتر الحسّاس، ليزيّن أغنيته الفُضلى في التهريج على الصحيفة، لكن بكلّ وقاحة على حساب (القرآن العظيم)! واستخدام اسمه المكرّم؟! ولا يستحي من كونه قد عرّض القرآن ـ كتاب الله ـ العزيز، لأغراضه الفاسدة، حيث يُريد التنقيص من الصحيفة، كمن يريد أن يرمي أحداً بسوء، فيرميه بنسخة من كتاب الله؟!

إنّ القفاري بتركيزه على هذا الوتر، إنّما يقصد إهانة القرآن والحطّ من قدره، حيث يذكر اسمه في مثل هذا السجال التافه الذي يحكيه ضدّ الصحيفة السجّادية.

وأما قوله: (زبورهم) و (إنجيلهم)؟ فهو أتفه ما يريد أن يستعمله ضدّ الشيعة وتشويه سمعتهم:

أوّلاً: إنّ الزبور، وهو كتاب داود (ع) والإنجيل، وهو كتاب عيسى (ع) وهما كتابان مقدّسان مذكوران في القرآن، لنبِيّيْن مبعوثين، وهما مُنزلان من السماء، فما معنى الاستهزاء باسمهما، يا قفاري!

ثمّ إنّ مَن شبّه الصحيفة بهما، فإنّما أراد أن يعبرّ عن الصحيفة بأنها كتاب يحتوي على معاني تقدٍّس الله وتعبّر عن عظمته وعلوّ شأنه، وأنها متلوّة ومنشأة من لسان إمامٍ عارفٍ زاهد، معترف له بمقام الإمامة والخلافة عن رسول الله (ص).

مع أن هذا أمرٌ لم يذكره من العلماء الكبار، وإنّما عبّر عنه بذلك بعض العرفاء الزهّاد. يحقّ للقفاري ان يركّز عليه إلى هذا الحدّ؟ حيث يجعل ذلك وسيلة للإسفاف بالصحيفة السجّادية نفسها، ليسقطها عن أعين الناس!

وكذلك قوله: (ويسمّونه أخت القرآن).

فبالإضافة إلى أنّ هذا الاسم، ليس له أصل ولا معنى، ولم يعرف منَ ذكره، إلا أنّ القفاري يستخدمه للتشنيع على الصحيفة! لكن عمله استخدام باطل، يمسّ كرامة القرآن الكريم أوّلاً، ويكشف عن سوء غرض القفاري ثانياً. ويؤيّد الكشف عن فساد غرضه، قوله : (على هيئة المصحف الشريف) الذي يذكره بعبارات مختلفة ـ كما سبق ـ. فإنّه يحاول أن يوحي إلى أن الشيعة يريدون أن يجعلوا الصحيفة قريناً للقرآن في الحجّية ـ مثلاً ـ أو أن يجعلوا الصحيفة بديلاً للقرآن، فرضاً؟

لكن نقول: الذي يفهم من تصرّفات القفاري، وتركيزه على وتر الأسماء المطلقة على الصحيفة السجّادية، مثل (زبور آل محمّد) أو (إنجيل أهل البيت) أو (أخت القرآن) أنّه يريد أن يتّهم القارئين للصحيفة والطابعين لها: أنّهم يجعلون الصحيفة كتاب وحيٍ إلهيٍّ، كما هو (الزبور والإنجيل والقرآن).

فلذا يقول: (ولم يجرءوا أن يقولوا (قرآنهم) بل قالوا: (أخت اقرآن).

فالقفاري يُريد أن يستدلّ بتلك التسميات على أن الصحيفة وحي، كما أنّ تلك الكتب أوحيت على الأنبياء؟! وهذا من القفاري خيال فاسد، وكلام لغوٌ، لا يصدّق به عاقل، وذلك:

أوّلاً: إنّ مَن أطلق هذه الأسماء على الصحيفة، إنّما أراد أن أسلوب الصحيفة المعنويّ بما فيها من الدعوة الروحية إلى الله تعالى، والتوجّه إليه بالمناجاة والتضرّع والالتجاء إليه وبعبارات ملؤها الإقرار بوجوده تعالى، والتجليل لعظمته وقدرته، والاعتذار له، والتذلّل إليه، والاعتراف بالعبودية لذاته المقدّسة.

ومثل هذه المعاني الرفيعة هي التي وردت بها (الأحاديث القدسيّة) وفي كثير منها أنّها وردت في كتاب (زبور آل داود) و(إنجيل عيسى) وهما كتابان منزلان على هذين النبيَيْن بنصّ القرآن حيث قال: )وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ(([3]). وقال: )وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً(([4]).

قال: )إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوح وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنَا دَاوُد زَبُوراً(([5]).

كما ذكر الإنجيل المنزّل على عيسى (ع) في (12) مورداً في (6) سور.

والأحاديث القدسيّة التي فيها ذكر (زبور داود) و(إنجيل عيسى) وكذلك (توراة موسى) كثيرةً جدّاً، ومروية عن الرسول، وكذلك عن الأئمّة : وهي تنقل عن وحي الله وكلامه مع أولئك الأنبياء، ولها مجال واسع في كتب الحديث، بل ألّف العلماء لجمعها كتباً مستقلّة.

فهل مثل ذلك يُقاس بالقرآن الكريم، ويحاول أن يشنّع على جامعيها وناقليها لمجرّد ذكر اسم (الزبور) و(الإنجيل) فيها؟

وإذا كان الناطق بالصحيفة السجّادية شخصاً مثل إمام الأُمّة وسيّد الساجدين وزين العابدين الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : بمثل تلك المعاني، أو ما يشبهها، فشبّهت بالزبور والإنجيل، فهل فيها حزازة وحساسية بالحدّ الذي يركز عليه القفاري، ويشنّع على الصحيفة نفسها لذلك أو يثير التّهمة على الشيعة لالتزامهم بالصحيفة؟!

إنّ ما يقوم به القفاري، عمل سخيف، ويكشف عن خبث ولؤم واعتداء على المصحف الشريف، الذي يدخل اسمه المبارك، في وريقاته هذه!

وثانياً: إنّ هذه التسميات ـ كما أسلفنا ـ ارتجالية لم توجد إلا في القرون المتأخّرة، من قبل مَن لم يُسمّ ولم يُذكر، فليس لها أهمّية ولا التزام من قبل علماء الطائفة، ولم يتداولها إلا البعض.

فلا يجوز التحامل على الصحيفة من أجل ذلك، ولا على الأمّة التي تلتزم بالصحيفة، كتراث قيّم من كلام إمام عظيم من أئمّة أهل البيت :.

ثمّ لا يخفى على أهل العربية، أنّ هذه التسميات إنما هي (مجازية) والغرض منها التعبير عن الاحترام والأهمّية، وليس ما يقصده القفاري وهو التعبير عنها لكونها (وحياً) وغير ذلك من الأغراض الباطلة.

ولكن قلب القفاري الأعمى، المليء بالاتّهام وسوء الظن والحقد على ما يرتبط بآل رسول الله (ص) وشيعتهم ومن والاهم، يدفع القفاري إلى الاتّهام بالظنّ والخيال، مع أنّ ) بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (([6]).

يستمرّ القفاري في أسطورته فيقول: (وربمّا يكون في هذا الإخراج: تغرير بالجاهلين وخداع للغافلين، بما قد يظنّونه نسخة من القرآن الكريم).

إنّ هذه الأسطورة التي يحكيها القفاري تبدأ بـ(ربّما) وتنتهي بقوله: (ممّا قد يظنّونه) دليل على أنّ القفاري يحكم بالاعتماد على هذه الاحتمالات، ويبني عليها حكماً قطعياً بأن الطابع للصحيفة إنّما أراد التغرير والخداع!

وهل يحقّ للقفاري المدّعي للعلم والمعرفة والاستدلال على ما يقول والمتصدّي للجواب عن سؤال (الهيئة العلمية)؟ أن تصدر منه الأحكام، معتمداً على هذه الظنون والاحتمالات، (بربّما، وقد يظنون) وأمثال ذلك؟!

وهذا الكلام يشير إلى أن القفاري هو الذي يبني كلامه على التغرير والخداع، لصرف القُرّاء عن قراءة كتب أهل البيت والشيعة وتراثهم بما يورده حولهم وحول تراثهم.

ثمّ الذين يتداولون كتاباً منسوباً إلى الإمام السجّاد (ع) هل هم بهذا المستوى من البساطة أن يُغرّروا وأن يُخدعوا بمظهر الكتاب والغلاف المكتوب على صفحاته الأولى، من دون الدقّة في المحتوى، ولو سطحيّاً؟!

ثمّ هل يحقَ لأحدٍ أن يظنّ بالمسلمين، الجهل والغباء إلى حدٍّ أن لا يعرف احدهم القرآن الكريم من غيره من كتب الحديث أو المعارف الأُخرى، بحيث تعبُر عليه كون كتاب مّا قرآناً؟! بل يغترّ بمجرد الشكل والمظهر؟!

أليس عنوان الكتاب المطبوع على وجهه (الصحيفة السجّادية) بالخط العريض، أليس هذا كافياً أن يميّز الناظر إلى غلاف الكتاب ليعرفه؟ إنّ مثل هذا الاحتمال من القفاري : إهانة بالقُرّاء المسلمين عامّة؟

ثمّ إذا أخطأ الطابع في تصرّفه، أو أساء الغافل الجاهل في ظنّه، أفهل يقتضي هذا أن يقوم أحد (مثل القفاري) أن يجعله دليلاً على الهجوم على الصحيفة السجّادية، ويسخّف محتواها، ويتّهم القارئين لها؟

وأخيراً: فإن تعرّض القفاري للقرآن الكريم، في هذه (الوُريقات) وبهذه الصورة المُهينة، وبأساليب الاحتمال والظّن واستناداً إلى تصرّفات الطابعين، إهانة واضحة بكتاب الله، واستخدام منه لنصّه الشريف واسمه المنيف في سبيل الوصول إلى غرضه السخيف، وهو تشويه سمعة الصحيفة ومنشئها الشريف وقرّائها الكرام.

مع أنّ محاولة القفاري أن يظهر بمظهر المحافظ على القرآن ممّن يتعدى عليه، وقد أوقع نفسه في التعدّي عليه بإدخال اسمه في هذه الترّهات التي لفّقها، وبهذا الأسلوب الفاشل الباطل.

وقد فزع عن سوء عمله، فقال: (وأنا لا أزعم أنّي أدافع عن القرآن) فهو بكلامه هذا يدافع عن نفسه، ويبرّئ نفسه عن ما فعل ممّا فيه الإهانة بكتاب الله، إذ كرّر ذكره في هذه الجمل والعبارات والمناقشات الواهية!

ولهذا بدأ يمدح القرآن الكريم بقوله: (وهل يخفى القرآن أمام العيان) نقول: نعم، وإذا كنت صادقاً في هذا الكلام، فلماذا تفرض أن المظاهر في الطباعة، تغرّر بالجاهلين، وتخدع الغافلين؟! ويقول في مدحه: (كتاب الله... لا تنال من عظمته دعوى حاقد ومزاعم مغرض، ... وهل يخفى القرآن أمام العيان).

نقول له: إذن، لماذا تفرض القرآن أن يشبّه على أحدٍ من الناس بمجرّد هيئة الطباعة، والشكل وما إلى ذلك؟! وإنّما حقدك على الصحيفة وأهلها حملك أن تّدعي بـ (ربّما) و (قد يظنّون) وغرضك أن تهين الصحيفة وأهلها، أن القرآن يُشبّه على الناس؟! ولقد خذلك الله، ودفعك على أن تعترف بذنبك، )فَسُحْقاً لاَِصْحَابِ السَّعِيرِ(([7]).

ومن الغريب أنّ القفاري تندّم من اعترافه بالذنب، وراح يكرّر دعواه بقوله: (ولكن أكشف محاولة الجاني والجناية، وأفضح المجرم والجريمة، ولا سيّما أن هذه الدعوى تحملها طائفة، وتسير بها طباعة ويتولّى إشاعتها فئام).

نقول: لكنك أنت صاحب الدعوى، والدعوى هي أنّ طباعة الصحيفة بشكل القرآن، ويريد طباعتها التغرير بالجاهلين، وخداع المغفّلين. أنت ادّعيت على مَن طبع الصحيفة السجّادية، هذه الدعاوى. فأنت الجاني على القرآن الذي لا يخفى نوره وضياؤه على أحد؟! أفهل بإهانة القرآن، وتنزيله بما فرضت من ظنونك، تريد معرفة الجاني وفضح الجناية، بينما أنت الجاني وفرضك هو الجناية؟! وقد تعدّيت على المسلمين، واتّهمتهم بالجهل والغفلة، عن معرفة القرآن بظاهره، وأنّ مظاهر الطباعة تشبّه عليهم القرآن؟ وكأنّهم أغبياء وبلهاء، لا يميّزون ما يرون من الأشياء!

ثمّ هم سوف يفتحون ما يرون، فيجدونه كتاباً ليس بقرآن، أفتعتبر – يا قفاري- الناسَ مثلك أغبياء أو عُمياً، لا يميّزون؟! وما أكبر جريمة القفاري حيث يفرض ـ تخيّلاته ـ دعوىً، يتصوّرها، ويحلم بها، ويحكم على أساس أحلامه وصورها، ويؤلّف بذلك وريقاته، ثمّ يكفّر ويفسّق رجالاً من المسلمين، وفئاماً من الناس، وطائفة من المؤمنين، لا جناية لهم ولا جرم إلا في أوهامه وأحلامه وخيالاته.

وهكذا انتهينا من كشف أهداف القفاري التي جاءت في مقدّمة كراسه ووريقاته وستتضح للقراء الكرام بتطبيقها في بحوث الكتاب مفصلة.


* * *



المبحث الأول

حقيقة الصحيفة السجّادية


هكذا عنوَن القفاري بابه الأوّل، وقد ذكر في مقدّمة المؤلّف (ص7) في تعريف هذا الباب: (في كشف حقيقة هذه الصحيفة... وذلك من خلال قول أئّمة العلم، وما تدلّ عليه مضامينها).

بدأ هذا البحث الأوّل بقوله: (... وينسبها الروافض لعليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، المشهور بزين العابدين، والذي يعدّونه إمامهم الرابع) ويضيف: (لكن أكثرها عند أهل العلم من الموضوعات).

نقول: يحتوي هذا الكلام على تهجّم عنيف، في بداية البحث، مع أنّه بصدد تعريف (حقيقة الصحيفة)؟!

والسؤال المهمّ هنا: هل هكذا يتمكّن الإنسان أن يعرف حقيقة أيّ شيء؟ أو يعرّفه للآخرين؟ أليس طريق معرفة الأشياء هو البحث فيها عن ذاتها؟ وتاريخها؟ وفوائدها، وعن منشئها؟ وعن أصحابها وأهليها؟ قبل أن يكيل عليها الإنكار والاتّهام، أو اللجوء إلى غير أهلها؟ فضلاً عن السؤال من الأجانب الذين لا يعرفونها؟ أو لا يعترفون بقيمتها؛ جهلاً أو عمداً وعناداً وحقداً وحسداً؟ لأنّهم أعداء لأصحابها؟!

فهل يتمكّن مَن يُراجع الجهلة والأعداء، من معرفة حقيقة شيء هم يكرهونه، ويزيّفونه؟ فكيف يصل الإنسان إلى معرفة شيء إذا سار في هذا السبيل، فضلاً عن أن يصل إلى الحقيقة المنشودة؟!

ولكن القفاري مع أنّه في هذا المبحث الأوّل عنوَنه (الكشف عن حقيقة الصحيفة) تراه يسردُ مجموعة من الدعاوى ضد الصحيفة ويذكر أموراً يلتزم بها سلفاً ويعتقد بها ويبني أحكاماً على أساسها تنتج بطلان الصحيفة.

ثمّ إنّه يبني استدلاله على شيء مشكوك، بدليل هو الآخر مشكوك أو باطل، والثاني أيضاً يعلّقه على أمر هو أوّل البحث، أو يبني على الأمر الأوّل الذي هو محلّ النقاش، وهذا ما يسمّى اصطلاحاً بـ (المصادرة على المطلوب) عن أهل العلم، عند أهل علم المنطق، الذي لا يقرأه السلفية، فلا منطق لهم سوى الإنكار والسبّ.

ويظهر تعمّده على أسلوبه هذا من قوله في (ص 7) لكشف حقيقة الصحيفة: (وذلك من خلال قول أئمّة العلم فيها، وما تدلّ عليه مضامينها).

مع أنّه لو كان عارفاً بنظام الاستدلال العلمي، لعرف أن الرجوع في معرفة حقيقة الشيء يجب أن يكون أوّلاً إلى نفس الشيء كمضامين الصحيفة، ثمّ الرجوع إلى آراء الآخرين!

ثمّ إنّ القفاري لمّا يذكر الرجوع إلى (أهل العلم) يستدلّ قبل كلّ أحد منهم إلى (ابن تيمية)؟ فهل إنّ (ابن تيمية) هو من أهل العلم؟ أو يُمثّلهم؟

ومع أنّ ابن تيمية ليس ممّن يرجع إليه في مثل أمر الصحيفة التي هي من تراث أئمّة أهل البيت : وليس ابن تيمية مرضياً للتحكيم في مثل هذا الأمر، لأنّه معروفٌ بالعداء لأهل البيت عامّة، وللأئمّة الاثني عشر خاصّة، فديدنه إنكار علومهم وفضائلهم، فكيف يمكنه أن يعترف بكون الصحيفة السجّادية معتمدة عنده؟! مع أنّه اضطرّ إلى أن يعترف باعتماد أهل الكلام والوعّاظ عليها، كما سبق.

ثمّ إنّ القفاري يقول في (ص8) : (لكن أكثرها عند أهل العلم من الموضوعات). ثمّ ينقل عن ابن تيمية مباشرة، قوله: )الأدعية المأثورة في صحيفة علي بن الحسين أكثرها كذب على علي بن الحسين) [عن منهاج السنّة: 1/ 306].

فالملاحظ: إنّ دعوى القفاري: (أكثرها ... من الموضوعات) لكنه ينقل عن ابن تيمية (أكثرها كذب)؟ فلاحظ أمانته في النقل، وأسلوبه في تغيير المنقول أو إبهامه؟!

ثم عقّب القفاري بعد كلام بن تيمية بقوله: قلت : وفي مضامين هذه الصحيفة ما ثبت ذلك من: الغلو في الآل (وعلّق: بدعوى أنّهم يعلمون ما يكون). والتوسّل المبتدع في الدعاء. ودعوى الإمامة المنصوصة).

وبعد ذكر هذه الأمور الثلاثة، يقول القفاري:

(وهذا كافٍ في الحكم على هذه الصحيفة ـ أو على أكثرها ـ بحكم شيخ الإسلام). (ص 8).

نقول: إنّ هذه الأمور بين ما هو افتراء على الصحيفة، أو غلط من ابن تيمية والقفاري في تفسير (الغلوّ) كما هو مفصّل في محلّه، أو حقّ عليه أدلّة من العقل والنقل كالتوسّل والإمامة، وسيأتي تفصيل ذلك أيضاً.

ولو سلّمنا للقفاري مدّعاه في هذه الأمور الثلاثة! فهل وجود هذه الثلاثة في مضامين الصحيفة يكفي في دعوى ابن تيمية أن يقول: أكثر الصحيفة كذب؟! أو للقفاري أن يقول: هذا كاف في الحكم على هذه الصحيفة أو على أكثرها بحكم شيخ الإسلام ـ يعني ابن تيمية ـ ! فضلاً عن أن يحكم القفاري نفسه على الصحيفة كلّها أو أكثرها بالبطلان؟

والدليل على عجز القفاري من ذكر موارد أُخرى من مضامين الصحيفة أنّه اقتصر على هذه الموارد، التي لا تدلّ على مدّعاه، ولم يتمكّن من ذكر شيء آخر، أنّه ذهب إلى أسلوب آخر وهو ذكر مسائل أُخرى خارجة عن المضمون، مثل قوله:

1 ـ وقد تفرّد بنقلها الروافض، ولا حجّة في نقلهم.

2 ـ كما ادّعوا في بدايتها أنّها سرّية التداول.

3 ـ ومع ظهور علامات الكذب عليها سنداً ومتناً، فإنّ الروافض يقدّسونها ويقولون: هي (من المتواترات).

4 ـ وقد نشروها في هذا العصر بطبعات أنيقة.

5 ـ وتعمّدوا إخراجها بصورة تشابه في شكلها طبعات القرآن، ... ويسمّونها (أخت القرآن) و (إنجيل أهل البيت) و(زبور آل محمّد).

6ـ وقد اهتمّوا بنشرها.

هكذا انتهى القفاري إلى ذكر أمور مشكلة عنده مع الصحيفة، وانتقل من الحديث عن مضامينها التي ادّعى أنّها تدلّ على أحكام ابن تيمية وأحكامه عليها. وهذه الأُمور كلّها خارجة عن المتن والمضمون.

ومن المعلوم من سيرته وأسلوبه أنه لو وجد أقل شيء يمكن أن يُسيءُ بالصحيفة مضموناً لَما أفلته ولا تركه، إلا وذكره وزمّر وزمجر حوله! وإلا، كيف يكتفي بتلك الموارد الثلاثة التي ذكرها أوّلاً في ثلاث أدعية فقط (!) ويعتبرها كافيةً، للاستدلال على كون سائر الأدعية وهي (54) دعاءً كذباً أو موضوعات؟ أليس نفس هذا العمل يدلّ على تزيّده هو وإمامه ابن تيمية؟!

* أمّا التوسّل إلى الله:

فأمرٌ مسنونٌ وواقع في الكتاب والسنّة، وعليه أكثر المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فالله تعالى يقول في محكم القرآن الشريف: )وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ(([8]).

وما أشرف التوسّل إلى الله أن يكون بأحبّ الخلق إليه محمّد الرسول وآله أهل بيته الطيّبين الطاهرين، وهذه مسألة أثبتها العلماء الاعلام سوى هؤلاء السلفية الطغام.

* وأمّا الإمامة:

فشأنها أكبر من أن يريد القفاري إنكارها وحسمها بكلمتين نابيتين، مع أن عشرات الكتب قد ملئت صفحاتها بالبحث عنها في كتب الإمامة من علم الكلام. فأين القفاري من هذا العلم حتى يدخل أنفه فيه؟!

* وأمّا الغلوّ في الآل:

فهو لا يفترق عن الغلو في غير الآل من الصحابة والخلفاء والأُمراء، والبحث عن حقيقته وأبعاده وموارده، ونماذجه ووجوده، في أكثر الفرق الإسلامية وحتى السلفية، بحث طويل عريض.

ولكن القفاري يتظاهر أنّه خاصّ بالشيعة أو بآل البيت : وهذا أمرٌ معلوم أنّه باطل وأنّ عمل القفاري مغرض وفاسد، وظلم على أهل البيت وشيعتهم.

ثمّ إنّ تجاوز القفاري ـ وإن كان مقتصراً على الشيعة ـ لكنّه في أعماله يسير على مسلك السلفية والوهّابية التكفيريين، إذ يستنكرون على المسلمين كافّة كثيراً من الأحكام الشرعية: من الواجبات والمستحبّات والمسنونات والمندوبات، ويكفّرون المسلمين الملتزمين بها، ومن أمثلتها: زيارة قبر النبي (ص) والتزام كساء الكعبة، وتقبيل جدارها، وزيارة القبور والدعاء عندها، وما إلى ذلك من ما يلتزمه المسلمون.

ولكن الوهّابية: يُبيحون الاتّهام والقذف بالكفر للمسلمين، وحتى ضربهم وإهانتهم وسحبهم إلى مراكز التحقيق، وهتك حرماتهم، والتجهّم في وجوههم وتخويفهم، وحتّى الحكم عليهم بالقتل والاعدام والإخراج من البلد الحرام، بأحكام باطلة من علمائهم الجّهال، ومن المطاوعة الجفاة البدويين الأعراب! ومن الأُمراء والملوك الفَسَدة والعملاء لليهود والنصارى!

وأمّا قوله: (عند أهل العلم)!!

فالسؤال من هم أهل العلم؟ وما هو مبلغ علمهم؟ إنّ ذكره لابن تيمية نموذجاً لأهل العلم، وتسميته بشيخ الإسلام(!) يعني أنه عدّه منهم(!) لكن ابن تيمية لا يمكن أن يكون (حجّة) في مثل هذا الموضوع:

أوّلاً: لأنّه عدوٌ للشيعة، ولأهل البيت والأئمّة بالخصوص، كما يظهر من مجموع أعماله وعدم اعترافه بعلمهم وتراثهم. فليس يصحّ الاستشهاد بكلامه في حقّهم، لأنّه متّهم في ذلك.

ثانياً: إنّه غير حجّة ولا مقبول القول حتّى عند أهل السنّة، وقد انتقده شيخ المحدّثين في عصره ابن حجر العسقلاني في ما صنعه إزاء أحاديث فضائل أميرالمؤمنين (ع) حيث إنّ ابن تيمية كذّب كثيراً من الأحاديث الصحاح منها.

وكذلك ما قاله المحدّث ابن حجر الهيتمي المكّي عن ابن تيمية، حيث قال: إنّه عبد أضلّه الله.

فهل يبقى القفاري على التزامه بابن تيمية إماماً وشيخ إسلامه؟ ولكن اشتراك القفاري والسلفية مع ابن تيمية الحرّاني، في النصب والبغض لأهل بيت الرسول (ص)، جمعهم على هذا السبيل.

وأمّا الأمور التي خرج بها القفاري عن صلب البحث، وراح يلجأ إليها ليغطّي على فشله في إثبات مدّعاه حول مضامين الصحيفة، فنذكرها تباعاً، ونكشف زيف ما استند إليه منها:

قوله: (وقد تفرّد بنقلها الروافض، ولا حجّة في نقلهم).

نقول: قد كرّر القفاري هذا، في السابق، ويكرّرها فيما يلي، وهو كلام منقوض من جهات:

فأوّلاً: إنّ دعوى (تفرّدهم بنقل الصحيفة) مرفوضٌ قطعاً، حتّى عند ابن تيمية الذي هو حجّة عند القفاري، لأنّه ذكر أن علماء الكلام والوعاظ اعتمدوا على الصحيفة، ومعلومٌ أن الاعتماد عليها فرع نقلهم لها وقبولهم بها. وهؤلا الذين ذكرهم ابن تيمية هم من أهل السنّة بدليل ذكر ابن تيمية لهم واعتنائه بفعلهم.

وثانياً: إنّ في طرق الصحيفة كثيراً من رجال السنّة ورواتهم ومحدّثيهم، كما يعرف بالرجوع إلى أسانيدها، وجهل القفاري بهم لا يدلّ إلا على عدم معرفته للطرق والإجازات والأسانيد!

وثالثاً: إنّ لكل أهل مذهب رجالهم ورواتهم وطرقهم وأسانيدهم إلى تراث أئمتهم، وذلك الزخم الكبير من الرواة في الطرق الكثيرة إلى الصحيفة عند أعلام الشيعة ومحدّثيهم تتمّ بهم الحجّة عندهم، بل عند غيرهم لأنّ من يعلم حجّة على من لا يعلم.

وأما قوله: (ولا حجّة في نقلهم).

فهو أمر غير مقبول عند أهل العلم والمعرفة، لأنّ المنقول إذا كان أمراً صحيحاً عقلاً ومعروفاً شرعاً وهو من الحكمة والمصلحة، ولم يُعارض الشرع ولا السنّة ولا الكتاب، وقد اُسند إلى أئمّة أهل البيت : فهو خير ممّا ينسب إلى الحكماء والعقلاء والمصلحين، وأوجب في القول عند المسلمين.

والصحيفة تنتهي إلى الإمام زين العابدين (ع) برواية ولديه الإمام محمّد الباقر وزيد الشهيد (ع) بإملاء أبيهما عليهما ذلك , وبحضور الإمام الصادق جعفر بن محمّد (ع) وسماعه منه.

والطرق الى هؤلاء متعدّدة، متضافرة، فمحاولة ردّها والإعراض عنها، بمجرد عدم معرفتها، أمر مستهجن وقبيح عند العقلاء والعلماء، والمؤمنين.

ومن لم يقنع بهذه الأسانيد، وبهؤلاء الأئمّة السادة, وعاندهم فهو ممّن يجعلون أصابعهم في آذانهم حذر سماع الحقّ، ويستكبرون من قبوله، فبعداً لهم، ولا تليق بالصحيفة المقدّسة أن يمسّوها، ولا كرامة.

والعجب ممّن يدّعي للعلم معرفة، وحفظ عنها شيئاً وغابت عنه أشياء، وهو يغفل عن أنّ لكل قومٍ طرقهم وأسانيدهم ورجالهم ومؤلّفاتهم وحججهم وبيّناتهم، وهي أوثق وأتقن وأنقى من طرق الآخرين، فلا يهمّهم جهل الآخرين بها وبما عندهم، ولا إنكار الجهلة علومهم ومعارفهم، فهم في علومهم منعّمون، ولأئمّتهم من أهل البيت النبوي تابعون، ولا يعتنون بنعيق المدبرين من أعداء آل محمّد ولا الضالّين الذين يحسبون أنّهم يحسنون الأسانيد وهم في طرقها يتيهون.

وإلا، فكيف ينكرون الصحيفة، وهذه أسانيد الصحيفة المتّصلة المسندة إلى صاحب الصحيفة، ممّا يفوق حدّ الاستفاضة في صدرها الأوّل، وحدّ التواتر في عصرها التالي، إلا إذا كانوا معاندين (صمّاً بكماً عمياً وهم لا يعقلون).

* ثمّ إنّ القفاري ـ التائه في قفار جهله وغبائه ـ ينتقل من نقد الصحيفة السجّادية نفسها، إلى انتقاد ما يرتبط بالصحيفة من عمل الباحثين عنها: نقلاً، وشرحاً، وتفسيراً، وطبعاً، ونشراً، وتوزيعاً، فيقول: (كما ادّعوا ـ في أوّلها ـ أنّها سِرّ­يّة التداول).

يشير إلى ما في مقدّمة (الصحيفة) من وصية الأئمّة الناقلين لها بحفظها عن أن تقع في أيدي الظلمة من حكّام عصورهم، لئلا يتلفوها، أو يحرقوها، كما حرقوا القرآن الكريم في الصدر الأوّل، أوّل القرون المفضّلة!

إنّ القفاري يسمّي هذه المحافظة على الصحيفة (سرّية التداول). وجعل هذا عيباً في الصحيفة نفسها؟ ثم أكّد على جهله بمعنى ما كان في صدر الصحيفة من التأكيد على حفظ الصحيفة، بقوله: (ومتى كان الدعاء لله سبحانه موضع التداول السرّي بين المسلمين، فضلاً عن حقبة القرون المفضّلة).

ومع أن القفاري يعترف ضمناً أن كتاب الصحيفة يحتوي على الدعاء لله سبحانه، فنقول له: ومتى كان الدعاء لله سبحانه وتعالى هكذا معرّضاً للاتّهام والتكذيب والقذف بالوضع، والمعارضة؟!

ونقول أيضاً: نعم، لمّا كان قول الحقّ، ولو بلسان الدعاء لله سبحانه وتعالى، ومن أئمّة أهل البيت، معرّضاً للإبادة، ودعاته معرّضين للقتل وهتك الحرمات، ورواته متّهمين بالكذب و محكومين بالحبس والسجن، ورواياتها بالتضعيف والتحريق والإماثة في الماء والدفن، كما فعلوا بأحاديث الرسول (ص) وبرواتها من الصحابة في أوّل القرون المفضّلة! بأعذار واهية، وبحجج باطلة!

في ذلك الظرف كان العلم (موضع التداول السرّي)؟!

وهل ينسى التاريخ وقُرّاؤه عهد الحجّاج ـ الذي عاش في القرن الأوّل من القرون المفضّلة! ـ الذي ختم على صحابة رسول الله (ص) كي لا يحدّثوا الناس بأحاديث رسول الله (ص) فهل كان في عهده ـ وهو معاصر للإمام السجّاد زين العابدين، صاحب الصحيفة السجّادية ـ أن يظهرها وهو كتاب فيه الدعاء لله سبحانه وتعالى؟ وهو من تأليف إمام من أئمة أهل البيت :؟!

وإذا كانت الصحيفة في عصرنا الحاضر، هدفاً لشخص هزيل معوّق مثل القفاري, وهو عصر تفتّحت فيه العقول وانتشرت فيه العلوم، أن يهجم عليها بكل ما يملك من ألفاظ نابية ويحاول أن يشوّه سمعتها ويكذبها ويخوّف الناس منها؟ فكيف في ذلك الزمان الذي كان أسلافه يملكون السيطرة على البلاد والعباد، ويعيثون في جميع الأشياء فساداً.

نعم، هي شهوة الانتقام من الرسول وأهل بيته، في القرون المفضّلة في أشخاصهم بالقتل والسجن والأسر والتعذيب والتهجير.

وفي هذه القرن المتحضّر المنوّر بالهجوم على تراثهم بالتهجين والتشويه والتكذيب وتخويف الناس من قراءته وتداوله! خوفاً من أن يميل القارئ للصحيفة ولغيرها ممّا يرتبط بأئمّة أهل البيت من العلوم والمعارف، حذراً من أن تميل قلوب الناس إليهم، فيلتزموا بآرائهم ويعتقدوا بإمامتهم! ولذلك ألّفوا كتاب (كتب حذّر العلماء منها)!

* والقفاري الذي مُلأ كيانه بالحقد على الشيعة وأئمّتهم، بالغ في الهذيان من شدّة غيظه، فهو في كلامه السابق ينعى ويئنُّ من ما نسبه إلى الشيعة من الدعوة إلى سرّية التداول للصحيفة، نراه في جملة أُخرى ينسب إلى الشيعة (محاولة تعظيم المكذوب [يعني: الصحيفة] وإشاعته).

ثمّ يضيف: (وهذا دين الفرق الباطنية في كثير من نصوصها وكتبها)!

فانظر ـ أيّها القارئ النبيه ـ كيف وقع القفاري الأهبل في التناقض، فهو في القول السابق ينعى (سرّية التداول) للصحيفة، وفي قوله هذا: يصرخ بمحاولة الشيعة (تعظيم الصحيفة وإشاعتها؟). ويصرّح في وريقاته هذه: مكرّراً بقوله: (في عصرنا نشط الروافض في نشرها وتوزيعها). ويقول: (وقد نشروها في هذا العصر بطبعات أنيقة).

فنقول: فأين سرّية التداول للصحيفة، إذن؟

* ثم يستمر القفاري في تجاوزاته، وتسطير ما يشوّه به صورة الصحيفة السجّادية في نظر القُرّاء، فيحاول إثارة وقحة، اقحم فيها ذكر اسم (القرآن الشريف) فيقول:

(وتعمّدوا إخراجها بصورةٍ تشابه في شكلها طبعات القرآن! لأنّ هذه الصحيفة في موازينهم شقيقة القرآن في القدسية والتعظيم، ولذا يسمّونها: (أخت القرآن) و(إنجيل أهل البيت) و(زبور آل محمّد).

نقول: لقد سبق في حديثنا عن مقدّمة المؤلف أن بيّنا غرض القفاري من إثارة مثل هذا الأمر، حيث ذكر القفاري عين هذا هناك.

فتحدّث عن (طباعة الصحيفة، بأشكال تشبه القرآن) وتسمية الصحيفة بتلك الأسماء، وقد ذكرنا أن إنزاله لاسم القرآن في هذا البحث، لهذا الغرض السيّئ هو نوع من الإهانة للقرآن، بهذه المقارنة المخزية. فاستخدامه لاسم القرآن الكريم وسيلة للتوصّل إلى الطعن في الصحيفة والحطّ عليها، عمل قبيح، يستهجنه من يؤمن بالله ورسوله وبكتابه. هذا ما فصّلناه سابقاً.

لكن ما أضافه القفاري هنا، هو استشهاده بكلام الشيخ محمّد جواد مغنية القاضي اللبناني حيث قال: الصحيفة السجّادية التي تعظّمها الشيعة، وتقدّس كل حرف منها).

فهل في هذا الكلام ربط للصحيفة بالقرآن الكريم أو تشبيهٌ به حتى يجعله القفاري شاهداً على ذلك؟ أليس كل ّ كتاب ديني يحتوي على المناجاة مع الله تعالى أو الأدعية والأذكار، أو الحديث الشريف، يستحقّ التعظيم والقدسية؟ أليس أهل السنّة يعظّمون صحيح البخاري، ويقدّسونه، لكونه كتاباً للحديث، ويصرّحون بأنّه (أصحّ كتاب بعد كتاب لله)!؟ أليس هذا تعظيماً وتقديساً له، مقارناً بذكر اسم كتاب الله صريحاً؟

لكن القفاري لا يرى الجذع في عين مقدّسي كتاب البخاري الصحيح عنده، مع أنه تأليف إنسان من المحدّثين، ويرى القذى في كتاب الصحيفة التي رواها أئمّة أهل البيت!! وعين السخط، التي يحملها القفاري في رأسه، تبدي له كلّ شيء شيعي سيّئاً، وتبدي له المساوئ من غيرهم، أموراً حسنةً.

إنّ حقد القفاري على مذهب الشيعة، وغرضه السيّـئ الذي يغلي في قلبه، وهو التشهير بهم وإثارة الناس عليهم، يعمي عينيه، ويصمّ اُذنيه، ويكمّ فمه، ويجعل على عقله غشاوةً, فلا يفهم حتّى معنى الكلمة الواضحة للجميع.

إنّ تعظيم الصحيفة السجّادية لما فيها من المعارف الصالحة، والدلالات الرائعة، والمناجاة القدسية، والأدعية المؤثرة للتقوى والشوق في نفس كلّ مسلم عاقل خالٍ من الشبهة والتشكيكات، هي التي تجعل من الصحيفة كتاباً معظماً عند الناس الذين يقرأونه ويستوعبون ما فيه، ويقدّسونه لارتباطه بالله تعالى، الذي يوجب القرب إليه تعالى ذلك المقام الجليل الذي كان عليه صاحب الصحيفة الإمام السجّاد (ع) باعتراف أعلام المسلمين، كما سيقف القارئ على مقامه الشامخ في ذلك. وهذا سبب تقديس الشيعة للصحيفة السجّادية، لا ما يدّعيه القفاري من اتّهامه لهم، ومقارنة الصحيفة بالقرآن الكريم!

* ويدلّ على مدى فساد غرض القفاري، ما في كلامه إذ يقول:

(وقد اهتمّوا بشرحها، وذكر صاحب (الذريعة) أسماء هذه الشروح فوصلت إلى خمسة وستّين شرحاً).

وهذا كلام يدلّ على سفاهة قائله، حيث يستدلّ بكثرة شروح كتاب (الصحيفة السجّادية) على دعواه التي احتوت الإهانة بالقرآن. فهل شروح كتاب مّا، فضلاً عن كثرتها ـ فيها دلالة على ذلك الزعم؟ وهل في شروح كتاب مّا، خطراً على القرآن، ويدعو إلى اتّهام الشارحين بإرادة تشبيه الكتاب المشروح بالقرآن العظيم!

أليست كتب العلوم كلّها قد ألّفت حولها الشروح، فهذا كتاب البخاري كم له من الشروح، وكتاب (الألفية) لابن مالك في النحو، له عشرات الشروح، وغير ذلك من كتب التراث.

وأمّا (الصحيفة السجّادية): فلأنّها مليئة بالعبارات البليغة والمواضيع الدينية المهمّة، والمعاني العميقة، والمطالب العالية، ممّا اقتضى أن يبيّن العلماء مغزاها، ومؤدّاها، ويشرحوها للطالبين ليتمتَعوا من معارفها من مختلف جهاتها، لما فيه من العلوم كاللغة والنحو والكلام والبلاغة والعرفان، وغير ذلك، فهي بحاجة ماسّة إلى الشرح والتفسير والتوضيح، كسائر كتب التراث الإسلامي.

ولكن هذا الأمر يعدّه القفاري (خطراً) ويعتبره عملاً يمسّ القرآن الكريم! والأعجب أنّه يستشهد لما تخيّله، بما ذكره الشيخ في (الذريعة) فقال:

(ومن الملفت للنظر(!) أنّ جملةً من هذه الشروح سلكت في أسلوب شرح الصحيفة طريقة المفسّرين, ولذا قال عنه صاحب (الذريعة): هو شرح مبسوط يشبه تفسير (مجمع البيان) في أسلوبه، حيث يذكر الدعاء أوّلاً، ثمّ اللغة، ثمّ الإعراب، ثم المعنى).

هكذا يستدلّ القفاري على ما قدّمه من الاتّهام على الشيعة! ومن الواضح للقرّاء الكرام أن هذا الدليل يدلّ على خلل في عقل القفاري وغبائه الذي جرّه إليه حقده وغيظه على الصحيفة السجّادية والملتزمين بها، فهو يتصوّر أنّ لتفسير القرآن أسلوباً خاصّاً، ليس لأحد أن يستعمله في شرح كتاب آخر.

ولو كان مرتبطاً بالعلوم وكتبها من المتون والشروح، لوجد أنّ للشرح أساليب عديدة متداولة عند العلماء فمنها الشرح المزجي، ومنها الشرح بـ (قال) و (أقول) ومنها الشرح بالتعليق على موارد النظر والخلاف، ومنه الشرح المذكور في كلام صاحب الذريعة.

وقد استعملت تفاسير القرآن الكريم، بجميع هذه الأساليب وغيرها، كما استعملت شروح المتون العلمية بها، وبغيرها.

فليس لتفسير القرآن الكريم أسلوب معيّن، كما ليس للصحيفة السجّادية، أسلوب واحد معيّن، وليس لاستعمال أسلوب واحد في التفسير للقرآن، وفي أي كتاب آخر دليلاً على إرادة شارح الكتاب الآخر التشبّه بتفسير القرآن.

ولعلّ الذي هيّج القفاري هي كلمة (تفسير مجمع البيان)! لكنّه لجهله وغبائه، لم ينتبه إلى أن المسلمين ـ عموماً ـ يطلقون على ما يرتبط بالقرآن الكريم اسم (التفسير) ويُطلقون على غيره (اسم الشرح)! ألا يكيفيه هذا، لينتبه إلى فشل استدلاله، وفساد غرضه.

فما معنى أن يجعل سلوك بعض شرّاح الصحيفة السجّادية، أسلوب بعض التفاسير، دليلاً على غرضه الفاسد من اتّهامه الشيعة بتشبيه الصحيفة بالقرآن الكريم؟! إنّ مثل هذا التصرّف لا يصدر عن عالم بالتراث، إلا من غريق يتشبث بكل حشيش هشٍّ، ليتوصّل إلى إيحاءاته السخيفة والمغرضة والشيطانية إلى القرّاء، بقصد إغرائهم ضد الشيعة، وضدّ الصحيفة السجّادية.

* لكن ما يقوم به القفاري من هذه التصرّفات المفضوحة والباطلة هو تمهيدٌ منه ليتوصّل إلى اتّهام أشدّ وأخزى، وهو ما ذكره بقوله:

(وأشار بعض الشرّاح إلى أنّها من الوحي المنزّل, حيث ذكر أن الله جعل الدعاء بهذه الصحيفة، فقال: (الحمدلله الذي جعل الدعاء في الصحيفة الكاملة زين العابدين، وحثّنا بالاحتذاء في مراسمه بإمام الساجدين).

هكذا اقتصر القفاري على هذا المقطع من الشرح المذكور، واستوحى منه (غرضه) وهو أنّ الشارح نسب إلى الله ـ جلّ وعزّ ـ أنّه جعل الدعاء في كتاب الصحيفة الكاملة، وأن ّ الله حثّ على الاقتداء بالإمام زين العابدين.

فهو فسّر كلمة (الصحيفة الكاملة) بالصحيفة السجّادية! وفسّر (زين العابدين) بالإمام عليّ بن الحسين السجّاد (ع) الذي يقال له أيضاً: سيّد الساجدين! لكنّه أخطأ في كلّ ذلك، لجهله، وبُعده عن اللغة العربية وآدابها. وعن علوم البلاغة وبديعها، وإليك توضيح ذلك:

1 ـ إنّ العبارة المذكورة هي بداية الشرح الفارسي للصحيفة السجّادية للشارح المسمّى (قاضي بن كاشف الدين اليزدي [1001 ـ 1074هـ])، وقد حقّقه المحقق البارع الشيخ علي الفاضلي، وطبع في قمّ.

واسم الشرح (تحفة رضوية) وهو ترجمة لشرح كتبه الشارح نفسه بالعربية، وطبع بجهد المحقّق المذكور بعنوان (التحفة الرضوية للصحيفة السجّادية) سنة (1430هـ) في قم أيضاً.

2 ـ إنّ الشارح ابتدأ شرحه الفارسي بالحمدلله، واستعمل في كلامه الألفاظ المذكورة، بمعاني تدلّ عليها بوضعها اللغوي، لا بمدلولها الوضعي المصطلح الذي وضع لاسم الكتاب، ولقب الإمام.

وهذا الأسلوب يستعمله العلماء في مقدّمات الكتب، لكون الألفاظ المذكورة، تحتوي اشتراكاً لفظياً مع ما يرد في متن الكتاب من المعاني الوضعية والاصطلاحات العلمية.

ويسمّى هذا في علم البلاغة بـ (براعة الاستهلال) لأنّ المصنّف للكتاب يستهلّ كتابه ويفتتحه بألفاظ بمعناها اللغوي، لكنّها تشترك في ظاهرها مع الألفاظ الواردة في العلم بمعانيها المصطلحة في ذلك العلم.

لكن الجاهل بهذه البديعة البلاغية، يتوهّم في إطلاق هذه الألفاظ ويحملها على المعاني الوضعية والاصطلاحية، فلا يفهم مراد الكاتب والمؤلّف، ويختلط عليه الأمر، كما هو الحال عند القفاري.

3 ـ فالشارح المذكور أراد بقوله: (الصحيفة الكاملة) هو الكتاب الذي يحمله كلّ إنسان يوم القيامة، ويجد فيه تسجيل كلّ ما عمله في الدنيا كاملا، ويُقال له: )اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً(([9]).

فكلّ يؤتى كتابه بيده: فمن اُوتي كتابه بيمينه قال الله عنه: )أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُا كِتَابِيَهْ(([10]). و/، أوتي كتابه بشماله قال عنه : ) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ(([11]).

ذلك الكتاب الذي عيّن له الباري تعالى كُتّاباً ذكرهم الله بقوله : ) إنّ عَلَيْكُم لَـحَافِظِيْنَ كِرَاماً كَاتِبِيْنَ يَعْلَمُوْنَ مَا تَفْعَلُوْنَ (([12]).

والكتب هي (الصُحف المنشّرة) يوم القيامة كما قال : )وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ(([13]). و واحدها (الصحيفة) وهي (كاملة) لأنّها الكتاب الذي )لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا(([14]).

فإذن قول الشارح: (في الصحيفة الكاملة) مراده صحيفة الأعمال التي تخصّنا، ونؤتاها يوم القيامة وهي كاملة تحتوي على جميع ما كتبته الملائكة الكتّاب.

ومراده بقوله (زين العابدين) هو أن الله جعل ذلك زينة لمن يعبده من عباده.

وقوله: (إمام الساجدين) يريد به النبيّ الأكرم (ص) وآله. ولا ربط لهذا الكلام كلّه بصحيفة الإمام عليّ بن الحسين (ع) إلا بنحو التصوّر اللفظي الذي هو مفاد الأسلوب البديعي المسمّى (براعة الاستهلال) كما شرحنا.

4 ـ ومع وضوح ذلك للعربي الذي يعرف العربية وأساليبها, فهناك دليل عيني على ما ذكرنا، وهو ما ذكره الشارح المذكور في شرحه العربي، وهذا نصّه:

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمد يا مَن وشّحت مفتتح الصحيفة الكاملة لطاعات أعمالنا، بانخراطنا في الفرقة العليّة الإماميّة الاثني عشريّة. وجعلت زين العابدين والساجدين الصلاة على صفيّك من ختمت له السفارة([15])...

أقول: فقد صرّح بأنّ مراده بـ(الصحيفة الكاملة) هي صحيفة الأعمال. وأوضح أنّ الله جعل الصلاة على النبي الصفي الخاتم (ص) زيناً للعابدين والساجدين. وهذا هو مراده في عبارته المذكورة في شرحه الفارسي، الذي هو ترجمة لهذا الشرح العربي([16]).

فانظر، أيّها القارئ الكريم، كيف أنّ القفاري، الجاهل بكل ما ذكرنا، والمعتمد في دينه وأحكامه، واتّهاماته للآخرين، على سوء فهمه والتزامه باللفظيّة الظاهريّة من اللغة العربية الجميلة الرائعة، المليئة بالبديع يتحامل لجهله على التراث والصحيفة والشيعة.

والأفضح أنّ القفاري جعل تلك العبارة دليلا على دعواه أنّ الشيعة يجعلون (الصحيفة السجّادية) وَحْياً!! ولكن أيّة كلمةٍ تدلّ على هذه الدعوى؟ في العبارة المذكورة؟

وحسب فهم القفاري ـ إن كان له فهم ـ ووفق ما توهّم وتخيّل:

إذا كان الشارح المذكور حمد الله على أن الله قدّر لنا وجود (الصحيفة السجّادية) على لسان الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين، كي يتلوه المؤمنون، ويتقرّبون بمعانيه الطيّبة إلى الله ربّ العالمين، لصدوره من إمام من أهل البيت النبوي الطاهر، والمعترف بزهده وعلمه وفضله عند جميع المسلمين، المعلوم أن إنشاءه خير من إنشاء الشخص العادي لنفسه، فماذا في اتّخاذ الإمام قدوةً واُسوةً لمعرفته وتقواه من مأخذ يطلبه القفاري؟

وهل في عمل مَن يقتدي بالإمام الصالح في قراءة الدعاء، ما يؤاخذ به المسلم الداعي، ويتّهم بتلك التهم الباطلة القاسية؟!

وبالرغم من أنّ القفاري وهو يدّعي لنفسه مقام الحكم على الآخرين، يجب عليه أن يدقّق في قراءة ما يريد الاعتراض عليه، ولا يدخل في استنباط الباطل المؤدّي إلى تكفير الآخرين بسوء فهمه، فهو لم يُتعب نفسه لأي جُهد، ويقول بكل وقاحة: (لا نحتاج لتقرير هذا الأمر، عند هذه الطائفة، إلى الاستنباط من هذه الكلمات).

كيف ـ يا قفاري ـ وأنت تحاول بإيرادك لهذه الكلمات أن تنسب إلى هذه الطائفة أنّها تقول بأنّ (الصحيفة السجّادية) (وحيٌ) إلهي! وفي هذا افتراء على الله؟ وأنت لا تفهم معنى تلك الكلمات، وتتّهم هذه الطائفة هكذا؟! وهل أنت مَنْ يقدر على الاستنباط؟ وهل تعرف معنى الاستنباط؟ وأنت لا تعرف معنى مفردات اللغة.

وأخيراً نقول للقفاري: إذا كانت هذه الكلمات لا تؤدّي ما تقصده، فلماذا أوردتها ؟ وطوّلت الكلام حولها؟ نعم، إنّه يقصد بإيراد هذا، أمراً آخر أشدّ وأوغل في الكذب والدجل، والهجوم على الطائفة المظلومة، فهو يمهّد بهذا الكلام الذي تبيّن زيفه وبطلانه، إلى ما سيدخل فيه ممّا لا يرتبط بالصحيفة ولا بالإمام السجّاد (ع) نفسه، ويحاول أن يجرّ الكلام إلى ما في نفسه من الروح التكفيرية.

* وهو الذي طالما يلوكه السلفيّون التكفيريّون وأذنابهم الوهّابيون من الكذب والبهتان، ليشوّهوا سمعة الشيعة، ومن ذلك ما ذكره بقوله:

(إنّهم يصرّحون في كتبهم بتنزيل كتب إلهية على الأئمّة! كما يقولون: إنّ الوحي ينزل عليهم، والملائكة تأتيهم.

ثم يقول: (والصحيفة السجّادية هي لأحد هؤلاء الأئمّة الّذين قالوا فيهم هذه الأقوال).

ونحن نوجّه القارئ المنصف إلى كلامه هذا، كيف أنّه ذكر أمرين، ورتّب عليهما ثالثاً:

فهو ذكر أوّلاً: تنزل كتب إلهية على الأئمة!

وذكر ثانياً: نزول الوحي عليهم، والملائكة تأتيهم!

ورتّب على هذين أمراً ثالثاً: هو: أنّ الصحيفة السجّادية هي لواحد من هؤلاء.

ويريد أن يستنتج : أنّ الصحيفة السجّادية وحيٌ إلهيّ!!

فنقول: لو فُرِض ـ حسب زعمه ـ دعوى الأمرين الأوّلين (الأوّل والثاني) فهل يستلزمان الأمر الثالث، وكيف يرتّب هذا الثالث، على الأمرين الأوّلين، أليست هذه دعوى بلا بيّنة ولا برهان؟!

وإنّما يريد القفاري أن يغرّر القارئ، ويلقّنه هذه النتيجة ويفرض عليه الالتزام بها، بينما لا يترتّب هذا على الأمرين المذكورين، ولهذا لم يجد القول بهذا في أي موردٍ، ولا من أيّ قائل، بالنسبة إلى (الصحيفة السجّادية) التي هي موضوع وريقاته هذه.

مع أنّ الأمرين المذكورين كليهما غير دالّين على ما يريد، من اتّهام الشيعة بكون ما عند الأئمّة هو (وحيٌ إلهيّ بالمعنى المعروف للوحي) وهو: ما يُرسله الله إلى الأنبياء والرسل وثبتت لهم النبوّة والرسالة الإلهية.

بل كلمة (الوحي) ومشتقاتها لها في اللغة العربية، معانٍ أُخرى وتطلق على ما لا يرتبط بالنبوّة، وقد ورد بهذه المعاني في القرآن الكريم، قال تعالى: )وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى(([17]). وقال: )وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ(([18]).

فهل تحقّق بهذا الوحي الرسالة لأمّ موسى أو النبوة للنحل ؟

بل الوحي في اللغة هو الإشارة السريعة، ويكون على سبيل الرمز والتعريض أو التنبيه والإشارة بالأعضاء، أو بالكتابة، وغير ذلك، ومنه نوع خاصّ بالأنبياء والرّسل. ولا يمكن أن يتصوّر ذلك الخاص بالأنبياء في حقّ غيرهم حتّى الأئمّة. فكيف يحقّ لأحدٍ أن يتّهم المسلمين المؤمنين بالله ورسوله بدعوى الوحي النبوي لغيره.

إنّ القفاري والسلفية بتخيّلهم هذا الأمر الباطل، يكشفون عن جهلهم حتّى بلغة العرب، وبكلام الله، وبمعنى الأحاديث، كما أنّهم يكشفون عن أغراضهم الفاسدة في إثارة البغضاء بين الأمّة بتكفير طائفة كبيرة بهذه الأساليب الباطلة الفاشلة المخزية.

والقفاري أبدى صفحته للحقّ، وفضح نفسه، وكشف حقده على أئمّة أهل البيت وشيعتهم بمحاولاته اليائسة، بتحويط القارئ بمزيد من مزاعمه وترّهاته، فهو يقول: كما يقولون بنزول : (مصحف (!) يسمّونه مصحف فاطمة).

فقد استعمل اسم (مصحف) الذي يُطلقه عامّة المسلمين على القرآن لكثرة استعماله فيه، واستخدمه لإثارة تهمة أُخرى على الشيعة، لأنّهم عبّروا عن كتاب مرويّ في تراثهم باسم (مصحف فاطمة)!

ليظهر للناس : أنّ الشيعة يزعمون أنّ لفاطمة قرآناً آخر! وبذلك يتوصّل إلى غرضه الفاسد، بتكفير الشيعة!

لكن كلّ عارف بلغة العرب يعلم أنّ كلمة (مُصحَف) إنّما تطلق على كلّ مجموعة من الصفحات والأوراق، تضمّها دفّتان، يُسمّى (المصحف) كما يسمّى الكتاب، ولا يختص هذا الاسم بالقرآن الكريم، وإن كان شايعاً إطلاقه عليه عند المسلمين.

فمصحف فاطمة، هو كتاب أضيف إليها لاختصاصه بها، وهو مجموعة أحاديث، وكذلك (لوح فاطمة) الذي يحتوي على رواية لها. لكن القفاري، بعد أن أثار القارئ، باسم (مصحف فاطمة) عطف عليه قوله: (وآخر يسمُونه لوح فاطمة).

ونقول: فما في هذين الكتابين من الإشكال، حتّى يورده القفاري؟ فإذا كان واقع الأمر وجود كتابين (باسم مصحف، وباسم لوح) منسوبين إلى فاطمة بنت الرسول :، فأيّة حزازة في ذلك؟ حتّى يريد القفاري أن يوردهما في إطار اتّهامه للشيعة وأئمّتهم بادّعاء نزول الوحي عليهم؟!!

نعم، هذا هو هدفه، لأنّه ذكر بعد هذين الكتابين قوله: (وقالوا أيضاً بنزول اثني عشر صحيفة من السّماء تتضمّن صفات الأئمّة).

وهكذا يتدرّج القفاري في تكديس الدعاوي في عقل القارئ بما يملؤه باتّهاماته، ولا يدع مجالاً للتفكير وتقليب الأمور، ومقارنتها ببعضها والتأمّل في صدقها وكذبها، أو معرفة معناها.

وأمّا حقيقة هذه الأمور التي ذكرها: من مصحف فاطمة، ولوح فاطمة، والصحيفة، فهي أحاديث تحتوي على مضامين من قبيل ما يسمّى في علوم الحديث (بالأحاديث القُدسية) التي تحتوي على كلماتٍ وجمل ومنقولات منسوبة إلى البارئ تعالى، من دون أن تكون وحياً أو قرآناً، بل ولا يدّعي راويها النبوّة والرسالة، وليس فيها ما يخالف حكماً شرعياً، ولا أصلاً عقائدياً، ولا أمراً مخالفاً، ولا دعوى بالإعجاز، وأنّما هي مجموعة مواعظ وإرشادات.

وهي ملحقة بالحديث في اعتبارها لو تمّت أسانيدها عند أهل الحديث، ولم يتّهم ناقلوها ورواتها بادّعاء الوحي ونزوله، وغير ذلك ممّا يحاول القفاري والسلفية توجيهه إلى الشيعة من التّهم.

* نعم، إنّ القفاري إنّما ذكر هذه القضايا والأُمور، بغرض خبيث وهو الهجوم على الشيعة وأئمّتهم، وتمهيداً لقوله الأخير: (وكلّ قول للأئمّة فهو كقول الله ورسوله، عندهم). ويضيف إلى ذلك نقلاً عن الشيخ ابن بابويه، المحدث الشيعي، قوله: (قولهم: قول الله، وأمرهم أمر الله، وطاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، وأنّهم لم ينطقوا إلا عن الله تعالى وعن وحيه).

نقول: فهل في هذا تصريحٌ بأن قول الأئمّة (وحيٌ إلهي إليهم بأنّهم أنبياء)؟! وهل في كلّ هذا الكلام المنقول تعبير عن أن كلام الأئمّة هو من الوحي؟ حتّى يورده القفاري شاهداً لدعواه؟! مع أنّ في نهاية قوله: (إنّهم لم ينطقوا إلا عن الله الله تعالى وعن وحيه)!

أليس القرآن الكريم هو وحي الله إلى نبيّنا، فإذا كان كلام الأئمّة نقلاً عن وحي الله، فهل هذا شيء يُثير القفاري، ويزعمه باطلاً وداعياً إلى هذه الضجّة؟!!

نعم، إنّ الأئمة : عبادٌ مكرمون، لا يتجاوزون أوامر الله ولا يقربون نواهيه، وهم يعملون بأوامره، ويتركون نواهيه، ويأمرون بما أمر الله، وينهون عمّا نهى عنه، ومن أطاعهم فهو مطيع لله لأنّهم هم المطيعون لله، فالاقتداء بهم يؤدّي إلى تطبيق طاعة الله، وهم السبيل إلى معرفة كيفية طاعة الله، وكذلك من عصاهم يكون عاصياً لله، لأنّهم لا يعصون الله، ومن طريقهم تعرف أحكام الله، لأنّهم العالمون بها، و هم المطّلعون بما أراد الله في قرآنه، وبما أنّهم يعرفون الحقّ الذي أراده الله؛ فالاقتداء بهم مؤدّي إلى الوصول إلى الحقّ الذي أراده الله.

وهذا هو شأن كلّ العلماء الذين عرفوا دين الله وأحكامه، وعلى المسلمين اتّباعهم والأخذ منهم. فما في هذا من الحزازة، حتى يعدّه القفاري الجاهل دليلاً على ما في قلبه الأسود، وعقله العفن، من ادّعاء أنّ الأئمّة يدّعون الوحي؟!

والأئمّة : هم علماء الأمّة، باعتراف جميع المسلمين، والشيعة التزموا بإمامتهم، فمنهم يأخذون أحكام الشريعة التي هي من الله، وهم لا ينطقون إلا اطاعة لأوامر الله، ومعصيتهم معصية لنواهي الله، وهم الأتقياء الذين لا يلتزمون بغير ما جعل الله حجّة، وهو القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ولا يأخذون دينهم بالرأي والظنّ، ولا يقلّدون غيرهم من أهل القياس والرأي والبدعة، بل حديثهم مسند عن حديث جدّهم رسول الله وهو من وحي الله ورسالته.

فما في هذا كلّه من الخلاف، حتّى يهوّله القفاري، ويشوّه به مقام الأئمّة وشيعتهم، ويتّهمهم، بقوله: (وأصل ذلك أنّ الأئمّة يوحى إليهم، عندهم، كما جاء التصريح بذلك في عشراتٍ من الروايات).

إنّ القفاري بعمله هذا يدل على أنّه لا يخاف الله، فهو بكلّ وقاحة، يكرّر التّهمة، وبعبارات مختلفة، حتى يغرز مراده في فكر قرّائه، عملاً بنصيحة الإنجليز، حيث قال أحدهم: (اكذب، ثمّ اكذب، ثمّ اكذب، حتّى يصدّقك الناس) وهكذا يفعل القفاري في وريقاته هذه.

وهو يقصد بالوحي، ما ينزل على الأنبياء ممّا يدلّ على نبوّتهم بذلك، وهذه مغالطة منه، وتمويهٌ وتشبيهٌ على القرّاء، فقد عرفت أنّ الوحي لغةً لا يختصّ بالأنبياء، وهو واضح عند مَن يعرف لغة العرب، كما هو وارد في القرآن أيضاً.

* وأمّا (الروايات التي زعم التصريح فيها بما يدّعي، فقد ذكر موردها فقال: (ضمن أبواب تمثّل عناوينها أصول وقواعد النحلة، منها بابٌ عقده صاحب الكافي، بعنوان (إنّ الأئمّة تدخل الملائكة بيوتهم، وتطأ بُسُطهم، وتأتيهم الأخبار :).

يدّعي القفاري: (إنّ الأئمّة يُوحى ليهم، كما جاء التصريح بذلك في عشرات الروايات). ثمّ يأتي بعنوان هذا الباب مثالاً لتلك الروايات.

فالسؤال المطروح هنا: هل في هذا الباب والعنوان، ذكر عن (الوحي) ولو بالإشارة، فضلاً عن التصريح؟! ومع ذلك، ماذا يريب القفاري في هذا العنوان؟!! هل في (نزول الملائكة) ما لا يعجب القفاري، ويعدّه أمراً مخالفاً لعقيدته ونحلته, ولهذا ينسبه إلى نحلة الشيعة؟!

أليس، هو الله تعالى قد نشر الملائكة في السماوات والأرضين، ووزّعهم لما يُريد، كما تدلّ له الأحاديث المتضافرة؟! أليس، من اليقين، أنّ الله جعل الرقيب والعتيد، وكلاهما من الملائكة الموكّلين على كلّ فرد من الناس، يكتبان حسناته وسيّئاته؟!!

أليس، في القرآن صريحاً أن في ليلة القدر: )تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْر* سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(([19])؟!

فماذا يريب القفاري من نزول الملائكة إلى الأرض، ويستنكره؟!!

وأمّا نزول الملائكة إلى بيوت الأئمّة : من أهل بيت الرسول (ص)، فقد وردت به الأحاديث، في زمن الرسول، ومن بعده في أحاديث أهل البيت : وتواترت به أخبارهم ونصوصهم ـ طبعاً من دون ادّعاء الوحي بالمعنى الذي يفرضه القفاري ـ .

ونحن الشيعة نصدّق الائمة على ما يخبرون، لأنّهم الصادقون المطهّرون؟ وليس في دعواهم ما يُنافي أو يخالف أصلاً من العقيدة أو فرعا من الشريعة، أو معارضاً لدليل من الأدلّة المعتبرة. ولماذا يستكثر ذلك عليهم، وذلك من )فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(([20]).

وليس في شيء من ذلك ذكرٌ للوحي، الذي يدّعيه القفاري؟

فكيف يستدلّ بهذه الأمور على ما يدّعيه ؟! ويقرّره بأن (أصل ذلك أنّ الأئمّة يوحى إليهم)؟! لولا أن الدجل والخبث ونصب العداء لآل محمّد : هو الداعي للقفاري إلى تلفيق الأكاذيب، ومحاولة تلقين أذنابه السلفية باتهاماته الباطلة.

* ويستمرّ القفاري في ذكر ما يتخيّله دليلاً على أكاذيبه فيقول: بعد كلامه السابق، عن الروايات التي ذكرها عن الشيعة:

(ثم تتحدّث أخبارهم عن أنواع (الوحي) للإمام، فيقول على لسان (جعفرهم!!): وإنّ منّا لمَن ينكث في أذنه، وإنّ منّا لمَن يؤتى في منامه، وإنّ منّا لمَن يسمع صوت السلسلة على الطشت، وإنّ منّا لمَن يأتيه صورةٌ أعظم من جبرائيل وميكائيل).

وفي هذا المقطع من كلام القفاري أمورٌ، ننبّه القارئ الكريم عليها:
أوّلاً: عبّر القفاري عن هذا الحديث بقوله: (أنواع الوحي للإمام) وهذا كلام من القفاري نفسه، ولم يرد في الحديث اسم الوحي.
ثمّ إنّ كلمة (الوحي) كما ذكرنا سابقاً له إطلاقٌ هو المصطلح عند المسلمين، وهو المضاف إلى اسم الجلالة، فيقال (أوحى الله) أو هذا (وحيٌ من الله) وهذا يختصّ بالأنبياء، باتّفاق المسلمين.
وقد صرّح أعلامهم بأنّ من ادّعاه لغير الأنبياء، فهو كافر.
ولكن (الوحي) في المعنى الآخر، يطلق على ما يكون لغير الأنبياء، كما أطلق على ما كان لأُمّ موسى، وللنحل، بنصّ القرآن، والمراد به الإيحاء إليهم، وتذكيرهم، وتنبيههم إلى أمرٍ، وقد سبق منّا هذا الكلام.
وليس في ما نقله القفاري من الرواية، اسم الوحي، ولا ينسبه إلى الإمام، وإنّما في نصّها: (أنّ منّا لمن ينكث في أذنه... الخ) وهي أمورٌ قد تحصل لأولياء الله، ومن شاء الله أن يُطلعهم على أمر، ممّن ارتضاهم وأيّدهم بنصره، ولم يدّع أحد منهم أنّه يُوحى إليه، نعم، هو فضلٌ ورحمة وهداية يطلبها كلّ مَن يؤمن بالغيب، ويؤمن بقدرة الله على كلّ شيء، وهم عبادالله الصالحون المخلَصون، وأهل البيت النبوي الشريف من خيار عباده، والأئمّة الاثنا عشر : من أشرف أوليائه وأكرمهم وأولاهم بكلّ تلك العنايات الربّانية.
فما في هذا، من الحزازة، أو ما يستنكر؟! لكن القفاري يحاول ـ كما هو عادته وديدنه ودينه ـ أن يفسّر الرواية على مذاقه وغرضه، فيضيف كلمة (الوحي للإمام) ويتّهم الشيعة، بقوله: (وهم بهذا أعطوا الأئمّة معنى النبوّة دون اسمها).
وهذا زورٌ من القول، وبهتانٌ عظيم، يأباه ذو القلب السليم، ولا يتصوّره مَن يؤمن بالله ورسوله، ويعرف الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت، وبالخصوص الإمام جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب :! والذي اعترف بفضله وشرفه وعظمته وعلمه، كلّ المسلمين حتّى سلف القفاري وأئمّته مثل الذهبي وغيره.
لكن القفاري، لنصبه وحقده وعدائه لآل محمّد، يسعى في الحطّ من مقام آل محمّد وشيعتهم، فلا يحترمهم حتّى في ذكر الاسم، فيقول عنه (جعفرهم)!
* ومن سخافات القفاري في كلامه حول هذه الرواية أنّه قد علّق عليها بقوله: (... كأنّهم من خلال دعواهم : أنّ الأئمّة مَن يأتيه أعظم من جبرائيل أرفع من مقام سيّد ولد آدمُ الذي لا يأتيه سوى جبرئيل)!
فترى أنّ القفاري بتر الحديث المذكور، واقتصر على ذكر اسم (جبرائيل) ليركّز في ذهن القارئ أنّ الحديث يدور حول (الوحي) لكون جبرائيل (ع) هو ملك الوحي على النبي (ص) !
لكن الحديث يحتوي على ذكر (جبرائيل وميكائيل) معا.ووجود اسم ميكائيل يدل على أن الكلام ليس من الوحي لأن ميكائيل لا علاقة له بالوحي.
والقفاري تغافل عن أنّ الرواية تحتوي على أنّ الذي ذكر في الحديث ملك آخر غير (جبرائيل وميكائيل) فالحديث ـ إذن ـ لا يرتبط بالوحي الإلهي المشهور والخاصّ بالأنبياء وبكلام الله لرسله!!
لكن القفاري بعيد عن كلّ ما يدلّ عليه الحديث، وإنّما يهمّه أن يربطه بما في قلبه الأسود من اتّهام الأئمة وحديثهم وشيعتهم! وقد أفضع في السخافة، حيث ركّز على جملة (أعظم من جبرائيل) الوارد في نهاية الحديث، وقال: (كأنّهم من خلال دعواهم (... أعظم من جبرائيل...) أرفع من مقام سيّد ولد آدم الذي لا يأتيه سوى جبرائيل).
ومع غض النظر عن الخلل في عبارته هذه، فإنّ الذي هاله من كلمة (أعظم من جبرائيل) هو كون الملك الوارد في الحديث هو ذكر (ميكائيل) مع (جبرائيل) فتصوّر في خياله أنّ الحديث يحتوي على ذكر هذين الملكين بالنسبة إلى الأئمّة، مع أنّ الذي ينزل على النبي (ص) هو واحد منهما وهو (جبرائيل) فقط!
فقد هال القفاري هذا، وتصوّر أنّ المقام يزداد رفعةً بكثرة الملائكة، وأنّ نزول الإثنين يدلّ على مقام أرفع من نزول الواحد! وهذا من ضحالة رأي القفاري وجهله، كما هو شأن الأطفال الذين ينظرون إلى العدد والكمّ، في تقدير الأمور وتمييز أهمّيتها. أفهل نزول ملك آخر مع جبرائيل ينقص من مقام جبرائيل وحده، أو يزيد من مقام من أتى مع جبرائيل؟.
ثمّ إنّ القفاري في هذا الاعتراض بدأ بقوله: (كأنّهم) وهذه كلمة تدلّ على أنّه يتمثّل أمامه شيءيتخيله؟ وليس واقعاً يلمسه، أو يدل عليه كلام خصمه!
وهكذا, وبهذه التخيّلات يحكم القفاري في مثل هذا المقام الحاوي على اتّهام طائفة من المسلمين، وتشويه سمعتهم، ودعوى أنّهم (أعطوا الأئمّة معنى النبوّة، دون اسمها).
ومن العجيب أنّه يعدّ كلّ هذا الذي سطّره من الزيف والخيال (استنباطاً) فيقول: (ومالنا (!) نتكلّف الاستنباط)؟! فتبّاً لكم، وتعساً لاستنباطكم، وخزياً لما استنبطتموه!
ثمّ إن قوله: (... سيّد ولد آدم، الذي لا يأتيه سوى جبرائيل).
هذا قول غير صحيح، فإنّ جبرائيل (ع) كان خاصّاً بإنزال الوحي وهو القرآن الكريم، على قلب الرسول. لكن غير جبرائيل من الملائكة المقرّبين، قد نزلوا عليه كما وردت بذلك الأحاديث الشريفة، ومن الواضح لكلّ ذي عين وعقل أنّ ملك الموت عزرائيل (ع) نزل عليه لقبض روحه (ص) ([21]).
وأمّا حديث نزول الملائكة إلى أئمّة أهل البيت :، فله شأن آخر، لا ربط له بالوحي (المصطلح) ولا يدور مداره، كما لا ربط لذلك بالصحيفة السجّادية الذي هو موضوع كتابه ووريقاته! إلا أنّه ذكر ذلك، تهويلاً للأمر بزيادة هذه الدعاوي وتكرارها، لحاجة خبيثه في نفسه.
ثمّ إنّه ـ بعد أن صرّح بكون ما ذكره (استنباطاً) له يدلّ على أنّه ليس تصريحاً من اللفظ والنصّ، يقول: وقد قالوها صراحة، فقرّوا بّانه من ضرورات مذهبهم: (أن لأئمّته مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبي مرسل). هكذا نسب هذا إلى عموم الشيعة، لكنّه قال في نهاية كلامه: (وهذا مذهب غُلاة الروافض).
فنقول: مع قطع النظر عن معنى هذا الحديث، وماهو المراد من (المقام) في سياق الكلام الذي ورد فيه الحديث. وهذا أمرلا يمكن الحكم عليه من دون الفحص عن القرائن التي حفّت به. فإنّ القفاري يعترف بأنّ هذا الكلام ـ حسب ظاهره ـ إنّما هو (من مذهب غُلاة الروافض).
إذن، فلماذا ـ يا قفاري ـ تؤاخذ جميع الشيعة! بما تفهم أنت من الكلام؟!! وأنت تعلم أنّ الغُلاة، مرفوضون عند عموم الشيعة، وأنّهم يحكمون عليهم بالخروج من الإسلام! ومع علمه بأنّ ذلك الكلام ليس لعموم الشيعة، فمع ذلك يؤكّد على تعميمه ويرتّب عليه قوله: (ولذلك(!) لم يَعُد هناك فرق ـ في موازينهم ـ بين قول الأئمّة، وقول رسول الله (ص)، وقول الله).
فمع اعترافه بأنّ ذلك الكلام هو من خصوص الغلاة، نراه يعمّمه على جميع الشيعة. وقد أطال الادّعاء بعدم الفرق بين (قول الأئمّة، وبين قول الرسول وقول الله) وتجاوز في الإتّهام، فقال: (ولذا قالوا: يجوز لمن سمع حديثاً عن أبي عبدالله، أن يرويه عن أبيه، أو عن أحد أجداده، بل يجوز أن يقول: قال الله تعالى).
أُنظر: كيف يخلط الحقّ المرويّ عن الأئمّة من أهل البيت، بما يراه من الباطل.
أمّا رواية أحد الأئمّة : عن آبائه وأجداده، فأمرٌ لا ريب فيه، فهم يتوارثون العلوم ويتناقلونه عن آبائهم بإسناد متّصل مسندٍ، معروف بسلسلة الأبناء عن الآباء، وهو من أفضل الأسانيد وأصدقها حتّى عُرف بسلسلة الذهب، وهو أصدق وأصحّ من رواية الرواة عن الغرباء.
وقد صرّحوا : فقال كلّ واحد منهم: (حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث رسول الله(ص)...).
فهل في هذا ما يُعيب؟ حتّى يشكل عليه القفاري! ويسندوه إليه، مرفوعاً، ويحذفون الأسانيد الوسائط، فيقولون: (قال رسول الله (ص)) وهذا أمر متداول، وليس فيه ريبٌ ولا على قائليه عيبٌ، ولكن القفاري يجعله محلاً للنقد إذا كان صادراً من أئمّة أهل البيت؟!
وإنّما يلتزمون بذلك، لأنّ علومهم كلّها من طرقهم إلى جدّهم النبي الأكرم (ص) فهذا فخرٌ لهم وكرامة، على رغم أعدائهم النواصب. وأمّا قول القفاري مهوّلاً: (بل يجوز أن يقول : قال الله تعالى)؟
فهذا من جهل القفاري بالحديث ودليل حجّيته. فإنّ ما ثبت عن الرسول (ص) فهو لا بدّ أن يكون عن الوحي الإلهي، وهذا أمر مُجمع عليه بين الأُمّة، ولا يضرّ به جهل القفاري وأذنابه، وقد صرّح بذلك علماء الحديث.
وصرّحوا بأنه وحيٌ، لكنه غير معجز، تفريقاً بينه وبين القرآن الكريم الذي هو معجزٌ. فمن يثبت عنده الحديث عن الرسول (ص) بالطرق الصحيحة المتيقّنة الصدق، كأحاديث الأئمّة : عن آبائهم، فهو من هذا الذي لا ريب فيه. فهل هذا فيه شيء باطل حتّى يجعله القفاري أمراً يهوّل به، وينكره، ويذكره ممّا يؤاخذ عليه؟!!
ثمّ إنّ النبي (ص) قد وصف في القرآن الكريم بأنّه )وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى(([22]).
فليس ما يخرج من فيه الشريف سوى الحقّ الذي هو وحيٌ كما التزم به المحدّثون، سواء كان من آيات القرآن الكريم المعجز، أو كان من الحديث الشريف الذي لم يرد للإعجاز. وقد ورد في قوله (ع) مُشيراً إلى فمه، قائلاً: (لا يخرج منه إلا حقّ).
وهل ينكر القفاري هذه الحقائق، وقد اعترف بصوابها أئمّته حتّى السلفيّين منهم. وإذا قال بها كبار رؤوس أهل السنّة، فلماذا يستنكرها لو صدرت من الشيعة، والتزموها؟!
هذا مع أنّ الأئمّة : إنّما أكّدوا على ذلك في كلماتهم، ردّاً على المتعصّبين من النواصب الذين جعلوا أحاديث الأئمّة من أهل البيت (مرسلة) بزعمهم، أي غير متّصلة بالرسول (ص).
وليس ذلك منهم إلا جهلاً بعلوم أهل البيت وبُعداً عنهم، كما هو حال القفاري! فقد حرموا أنفسهم من التزوّد من معين أئمّة أهل البيت، فخسروا علومهم، واتّبعوا الغرباء، فضلّوا وأضلّوا.
والأغرب أنّهم يدّعون العلم والاستنباط ـ كما عبرّ عنه القفاري ـ في كلامه السابق!! والأدهى أنّ القفاري يتّهم الأئمّة من أهل البيت : وشيعتهم بما يعلنه بقوله في (ص 13): (لكنّ الغرض أنّهم يعدّون (الصحيفة السجّادية) كالقرآن).
وقد قلنا: إنّ كلامه هذا هو إهانة للقرآن الكريم، واعتداء صارخ على هذا الكتاب المقدّس الإلهي، يهدف إلى إعلانه القفاري بنفسه ومن قلبه، لكنّه ينسبه إلى غيره. بينما أي أحدٍ لم ينطق بهذا، لا من الشيعة، ولا من المتسننين، فهو كذبٌ مفترى على المسلمين أجمع.
نعم، إنّ المسلمين يقدّسون كتباً من التراث لاحتوائها على آيات القرآن، كالتفاسير، وكذلك ما احتوي الأحاديث المرويّة عن الرسول (ص) لأنّها تحتوي على كلامه الشريف التي هي (وحيٌ يوحى) ولم تكن قرآناً يُتلى!! وكذلك يقدّسون كتب الأدعية المأثورة، بهذا الاعتبار.
ومن كتب الدعاء هي: (الصحيفة السجّادية) المروية عن لسان الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين بن أميرالمؤمنين : الذي أقرّ بصلاحه وعبادته وأهمّية ما في أدعيته من المعاني الروحانية والتوجيهات، أعلام العامّة والخاصّة.
والقفاري يُفزعه تقديس الصحيفة السجّادية، حتّى أنه ينسبها إلى (التزوير) فيقول: (إنّ هذه الصحيفة (المزوّرة!) في جُملته تحظى بهذا التقديس).
نعم، إنّ الشيعة، بل وغيرهم ممّن يعرفون اللغة العربية، ويميّزون بين البليغ منها والفصيح، يقدّسون الصحيفة السجّادية، هذه، لأنّها تحتوي على أبلغ الأدعية وأروعها في التوجّه إلى الله عزّ وجل، وأقواها دلالة للعبد إلى الوقوف أمام المولى بلسان الأدب والتذلّل والخشوع، والاستدعاء المناسب لمقام الربوبية.
ويكشف القفاري عن غِلّه وغبائه وغرضه، حيث يتجاوز طور العقلاء فيقول: (... ولو كانت (صحيحة النسبة) بجملتها، فلا يسوغ(!) أن توضع بهذه المكانة).
والقفاري هذا يضع نفسه في مقام الحاكم، فيُفتي بأنّه (لا يسوغ) وهذا من البلاء على الأمّة الإسلامية، أن يتظاهر هؤلاء الجهلة المتفيقهون بإصدار الفتاوى المخزية، المخالفة للكتاب والسنّة، ولإجماع الفقهاء.
فنقول له: لماذا لا يسوغ ! وهو نصٌّ يحتوي على امتثال أمر الله حيث يقول: )ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ(([23]). الدعاء الذي حثّ الباري جلّ جلاله عباده بالتزامه فقال: )قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ(([24]).
فيأتي القفاري الأعرابي الأرعن، ويقول : (لا يسوغ) أن يبلغ مكانةً تقديس واحترام.
ولمّا كانت الصحيفة السجّادية، صادرة من قلب زين العابدين، وأفقه العلماء في عصره([25]) والمتّفق على جلالته وزهده، وورعه ومقامه، فهو حريٌّ بكلّ تقديسٍ وتقدير.
وقد عبّر عن ذلك كبار العلماء والأُدباء والبلغاء، فما للقفاري البَدَوي الجلف الجافي أن يُدخل أنفه في مالا يعنيه، حقّاً إنّه ظالم لنفسه، حيث لم يعمل بما يعلم، إن كان يفهم ما كتب في المبحث الثالث في شأن الإمام السجّاد (ع) صاحب (الصحيفة) ولو كان يفهم لما اعتدى عليها بقوله: (المزوّرة) وقوله: (لا يسوغ أن يكون لها هذه المكانة)!!
لكن حقده المستولي على كيانه في النصب والبغض لأهل البيت النبوي وبالخصوص على أئمّتهم، وعلى شيعتهم، يمنعه من أن يعيَ ما يكتب أو يقول، أو يرتدع عن أسلوبه الوقح عند ذكر الأئمّة من أهل البيت : أو ذكر ما يرتبط بهم من حديث أو دعاء أو مناجاة، أو علم، أو كتاب؟؟!!
ولكنه لم يهدأ له بالٌ، إلا أن يصف ما لهم من علوم ومعارف، بالوضع والكذب والتزوير، لما عرفنا من أغراضه الفاسدة، وأهدافه الكاسدة.
ولعلّ في هذا الحوار ما يحثّ القُرّاء الكرام على مراجعة كتاب (الصحيفة السجّادية) ليقرأوا ما يشاءون من أدعيتها، ليقفوا على ما فيها من معانٍ سامية راقية وبلغة ملؤها البلاغة والادب الراقي، والأهداف الإلهية الرائعة.
إنّ مَن يقرأ صفحة من هذه الصحيفة، يقف على الحكم العادل، والقضاء الفاصل بيننا، وبين القفاري، فيما قال وقلنا.

القفاري ونسخ كتاب (الصحيفة السجّادية):
ثمّ إنّ القفاري ـ وبعد ما مضى من محاولاته البائسة ـ دَخل في عمل صعب، وليس له فيه باع ولا ذراع، وهو موضوع: ضبط نصّ الصحيفة، من خلال (نسخها)! فقال: (مع أنّهم في صحيفتهم المقدّسة(!) اختلفوا في قائل : (حدّثنا السيّد الأجلّ...) في صدر سند (الصحيفة السجّادية) وأقرّوا باختلاف نسخها).
وهذا الأمر ممّا يتعلّق بتحقيق النصوص، والتحقّق من نسبتها، واتّصال سندها، واختلاف نسخ الكتب، وغير ذلك ممّا يدخل في (علم تحقيق النصوص)([26]).
وهو من اختصاص المحقّقين للتراث، وليس القفاري منهم قطعاً، إذ من شروط المحقّق أن يكون عارفاً باللغة العربية وعلومها، ومطّلعاً على علوم الدين ومصطلحاتها، ومتخصّصاً في موضوع الكتاب الذي يقومون بالعمل فيه، وغير ذلك ممّا هو مذكور في الكتب المؤلّفة في (علم التحقيق).
والقفاري فارغ أعزل، بعيد عن كلّ هذه الأمور، وأهمّها اللغة العربية، فإن القفاري لا يفهم معاني الألفاظ فضلاً عن مصطلحات العلوم الأُخرى، كما عرفنا ذلك ممّا سبق من تفسيره للعبارات، ومن استدلالاته على ما يُريد، مع دلالة ما يذكره من المباحث، وتعرضه بما لا يعنيه من الأمور، ومع ذلك يحكم على ما يبحث بالكذب والتزوير والوضع، ويُفتي حَسب توهّماته وأغلاطه!
فما له والدخول في بحث النسخ ومعرفة رواتها؟
وفي خصوص الراوي الأوّل للنسخة قد يقع في كثير من الكتب ترديدٌ، لكثرة الرواة أو تعدّدهم، وهذا أمرٌ معروف، ومألوف بين المحقّقين، الذين يعرفون كيف يحلّون ذلك بالطرق المحدّدة في (علم التحقيق).
وفي خصوص القائل (حدّثنا) في بداية (الصحيفة السجّادية) فقد أشبع البحث عن الكلام فيه وتعيينه، وكذلك قام المحقّقون للصحيفة، ببذل جهود واسعة، وأعمال رائعة، في التأكيد من النسخ وتصحيحها كما قام الشرّاح بدراسات عميقة في المقارنة بينها وانتخاب الحقّ منها، وأين القفاري الجاهل، من هذه الجهود، وهذه المعارف والعلوم، لكن روح الفضول التي يحملها تدعوه إلى إدخال أنفه في كلّ موضع!
ويدّعي أنّه (يستنبط) فيحكم على الصحيفة المقدّسة بالوضع والتزوير وعلى رواتها بالرفض.... إلى آخر ما عرفنا بعضه، وسنعرف الأكثر من ذلك.
ثمّ إنّه يخلط البحث بين معرفة مَن هو (القائل: حدّثنا) في بداية سند الصحيفة، وهو من قول الرواة للصحيفة، لا من صاحبها الإمام السجّاد (ع)، وبين الكلام عن مضمون نصّ الصحيفة، وهو الوارد من الأدعية التي أملاها الإمام السجّاد (ع) من لفظه وإنشائه.
فيدلّ هذا الفعل من القفاري أنّه يحاول أن يشكك في الصحيفة كيفما حَصل، ومن أي وجه أمكن، ليصل إلى غرضه الفاسد، ويزيّن له اتّهاماته ودعاواه الباطلة ضد الصحيفة السجّادية.
ومن عادته تكرار الاتّهامات التي افتعلها، ممّا يُثير القارئ، مثل تشبيهه لها بالقرآن، وقد فنّدنا ذلك مرّات عديدة بعدد تكراره لذلك، وهو في ما يأتي يحاول أن يرتّب على اتّهاماته تلك نتيجة لما لفّفقه من خزعبلاته، فيقول:
(ونقول لهم: لقد ختم الله سبحانه بمحمّد (ص) الرسالات، وأكمل برسالته الدين، وأتمّ النعمة، وانقطع بموته الوحي. وهذه أمور معلومة من الدين، بالضرورة).
وأضاف: (هذه الدعاوى الخطيرة لكم، تقوم على إنكار هذه المبادئ، أو تنتهي بقائلها إلى ذلك).
كذا قال , ولكنه غير واثق من هذين الامرين اللذين جعلهما منشأ للدعاوى الخطيرة، (أو) تنتهي إليها! والفرق بين الأمرين، دليل على عدم تثبّته ممّا يقول، فمع ذلك تراه يحكم حكماً قطعياً، فيقول: (وهذا بلا شكّ نقضٌ لحقيقة شهادة أنّ محمّداً رسول الله (ص)).
وإذا عرفنا فساد اتّهاماته، وسابق كلامه ولاحقه، وما نسبه أوّلاً، وما بنى عليه حكمه الأخير، كما بيّنا ذلك في موارد ما ذكره من الأمور، وبيّنا خلطه وغلطه، فيما اعتبره (دعاوى خطيرة) فأثبتنا أنّ ما فرضه دعوى خطيرة إنّما هو حقٌّ ظاهر، لكنّه (مُرّ) في حلق السلفي التكفيري، وثقيل على قلبه الأسود المليء بالحقد والتكفير، وخطيرٌ في عقله الناقص وجهله. وبعد هذا، فما جعله نتيجة كلماته يكون باطلاً، مردوداً عليه.
والأهمّ في المقام أنّ ما ذكره في هذه السطور، لا يرتبط بالصحيفة السجّادية، وليس فيها شيء ممّا ادّعاه. وهذه الصحيفة منشورة مشهورة، فمن يقرؤها يجدها مشحونة بخالص الدين القيّم، من التوحيد الأكمل الأتمّ والرسالة المحمّدية العُظمى والأعمّ، وتمام النعمة بالولاية الكبرى!
وهذا يقتضي الحمدُ لله والشكر له، وتقديس قائل الصحيفة ومنشئها الإمام الطاهر عليّ بن الحسين بن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، زين العابدين، وأفقه الناس في عصره.
ولا يضرّ هذا النصّ الشريف، انحراف المنحرفين عنه، ولا ظلم الظالمين له، كما لم يضرّ الأئمّة ما قام به الظالمون من الاعتداء الأثيم. كما لا يضرّنا نحن شيعة أهل البيت : ما كالوه علينا وضدّنا من الاتّهامات الباطلة، ما دمنا على الحقّ ولأهله متّبعين. ولا يضرّنا (من ضلّ) إذا اهتدينا بفضل الله ورحمته.
وقد خسر السلفيون المبتدعون، ما عند الأئمّة : من علم ومعرفة، فابتعدوا عنهم، وخسروا ما عندهم من تراث عظيم فانحازوا عنهم، وعن شيعتهم العلماء والفضلاء الأخيار، واتّبعوا أئمّة لهم ممّن لا خلاق لهم، وكفاهم خسراناً وضلالاً. (فلهم دينهم ولنا دين).
ثمّ إنّ القفاري ـ المتناقض ـ يعترف في نهاية كلامه الأخير، بأنّ تلك الشذوذات (الاتّهامات) التي فرضها ونسبها إلى عموم الشيعة، وتقوّلها عليهم عموماً، اعترف (بأنّها مذهبٌ لطائفة مغمورة، منكرة، غلاه، في نظر كثير من فرق الشيعة نفسها: وقد نسب الإمام الأشعري ! هذه الشواذ من المقالات، إلى الصنف الخامس عشر من أصناف الغالية، فهم الذين يزعمون أنّ الأئمّة ...) إلى آخر ما ادّعاه.
نقول: فإذا كان ما يقوله ـ هذا الإمام الأشعري ـ صحيحاً، وأنت يا قفاري! توافقه على ذلك، فلماذا تعمّم القول على جميع الشيعة الذين تسمّيهم الروافض، وتُريد ممّا أوردته هنا أن تحشر الصحيفة السجّادية، ومنشئها السجّاد زين العابدين (ع) ومن يعتقد بها من عموم الشيعة، وتحكم على الجميع بأحكامك الظالمة، تلك؟؟!!!
أليس في فرق أهل السنّة، مَن هو عندكم (أشدّ من الكفّار والملحدين) ومن تتبرّأون منهم أنتم، وكفرهم ظاهر بيّن، وهم يعدّون أنفسهم من أهل السنّة؟!!
فهل يجوز لأحد أن يحكم على عموم أهل السنّة، بحكم أولئك الكفرة، ويحمل شذوذهم على جميع المسلمين وعليكم أنتم بالذات؟!!
وإذا كنتَ تعترف بما نقلته عن (إمامك الأشعري) وأنّ الشذوذات التي افترضتها خاصة ببعض الفرق الشاذة، المغمورة، المعيّنة، وهي تنسب نفسها إلى (الشيعة) ولكن ليسوا منهم، لبراءة عموم الشيعة من تلك الشذوذات ـ إن صحّ نسبتها إليهم ـ . فلماذا تسعى ـ يا قفاري ـ وتدأب على تعميم التّهم لأهل البيت وعموم شيعتهم، ولا تميّز؟!! أليس هذا منك اعتداءً، وظُلما، وزُوراً من القول، تحمل وزره!

ميلاد صُحفٍ أُخرى:
تحت هذا العنوان، بدأ القفاري هجومه، فقال:
(كعادة الروافض في استمرار الكذب، فقد قام جُملة من شيوخهم، بجمع أدعية أخر، ونسبتها لعليّ بن الحسين، وتسميتها بالصحيفة السجّادية).
ثمّ عدّد مجموعة من الكتب المؤلّفة لجمع الأدعية المرويّة عن الإمام السجّاد زين العابدين (ع)، ممّا لم يرد في الصحيفة السجّادية المشهورة، فجمع فيها المؤلّفون الأدعية المنتشرة في التراث، وسمّي كلّ منها بالصحيفة السجّادية موصوفة بالثانية، والثالثة، وهكذا إلى السادسة، حسب تأليفها.
جمع هذه المجموعة عدّة من كبار المحدّثين العلماء المختصّين من كتب التراث العظيم، المتوفّر في الثقافة الإسلامية.
والقفاري ـ وتحت ذلك العنوان الذي فيه نوعٌ من الاستهانة، ذكر تلك العبارة الجسورة، أطلقها كعادته من دون أن يدلّ على وجه ذلك، ولماذا اعتبرها (كاذبة) أو (منسوبة) ؟! مع أنّ جميع ما ورد فيها قد استخرجت من كتب معروفة متداولة ومعتبرة عند الشيعة، وبطرقهم المعروفة عندهم، وبأسانيدهم المتّصلة كسائر المرويّات والأحاديث الشريفة المذكورة في كتب التراث الإسلامي، عند فرق المسلمين.
وأمّا المضامين الواردة في هذه الصحائف فهي كالصحيفة السجّادية الأولى، مروية عن الإمام السجّاد(ع) وتحتوي على المعارف الرفيعة الحقّة، وهي من الدعاء لله، الذي يجوز إنشاؤه لكلّ أحد، وبكل لسان، فكيف إذا كان عن إمام عظيم من أئمّة أهل البيت : وهو الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ أمير المؤمنين :.
وهنا ـ أيضاً ـ ندعو القرّاء الكرام أن يقفوا على هذه الصُحُف الأُخرى، كي يقرأوا النصوص الرائعة المحتوية على الحقّ المبين، والمعاني الرفيعة، التي تليق بالعباد الصالحين الذين يعبدون الله تعالى بآدابٍ وعبارات وتضرّعات، صادرة من قلب إمام من أئمّة أهل البيت : وهو الإمام السجّاد زين العابدين (ع).
ليقرأوا ويحكموا بإنصاف ويقين على هذا القفاري السلفي التكفيري، المعتدي على أهل البيت :.
وهذه الصُحُف كلّها مجموعة في كتاب واحد باسم (الصحيفة السجّادية الجامعة) جمعها ونظّمها المرحوم العلامة الفقيه المحدّث الكبير السيّد محمّد باقر الموسوي الأبطحي الأصفهاني رحمه الله.

عنوان أخير، في نهاية (المبحث الأوّل):
دلالة التّسمية:
إنّ عنوان كُتيب القفاري هو : (حقيقة الصحيفة السجّادية) لكنّه يحاول أن يقدح في كلّ ما قيل عنها، فيحمل عليها، ويجعل أفعال الآخرين وأقوالهم، طريقاً إلى إبطالها!
وهذا عمل منافٍ للعدل والإنصاف، ومخالف لأبسط قواعد العلم والمعرفة، وفي هذا العنوان بحث عن أسماء أطلقها آخرون على هذه الصحيفة، اعتزازاً منهم بها، وتعظيماً لها، وإعلاناً عن محتوياتها الحقّة الرائعة، وبالتالي تشويقاً للمؤمنين إلى قرائتها وتداولها.
لكن القفاري يجعل ذلك طريقاً للهجوم على الصحيفة ذاتها، ويجعل ذلك دليلاً ـ بزعمه ـ على بُطلانها.
وقد كرّر هذا الأسلوب في (وُريقاته هذه) في عرض أفكاره أكثر من مرّة، ومن ذلك موضع (تسمية) الصحيفة، بأسماء عديدة من قبل الآخرين، مثل (زبور آل محمّد) و(إنجيل آل محمّد).
فنقول: إن هذه الأسماء ليست متأصّلة في إطلاقها على الصحيفة، بل هي أوصاف أطلقها بعض المتأخّرين، ممّن لم يعرف اسمه، ولا رسمه، واستطابها بعض فأوردها وأطلقها على الصحيفة! فلم ترد في حديث أو نقل، سوى عند المتأخّرين من المفهرسين.
ثم المناسبة لمثل هذا الإطلاق: أن (زبور داود) و(إنجيل عيسى). إنّما هي مجموعة نصائح ومناجاة ومواعظ وأدعية، وهذا هو المتداول منه مقاطع في قسم من أنواع الحديث، المعروف بالأحاديث القدسيّة، في مصطلح المحدّثين.
والصحيفة السجّادية، تقوم بدور هذه المواضيع باللغة العربية وبالعهد الإسلامي، ومن إنشاء إمام من أهل البيت النبوي الشريف، وبأحسن أداء وأبلغه وأفصحه، وبمعانٍ وأغراض أهمّ وأنسب من تلك المذكورة في الأحاديث القدسية، وقد بلغتنا الصحيفة مسندة عن الإمام بأفضل الطرق وأقواها وأصحّها وأسناها.
فالتعبير عنها بالزبور والإنجيل، منسوبين إلى (آل محمّد) والإمام السجّاد منهم، ليس إلا تعبيراً عن الاعتزاز والتنبيه على عظمة الصحيفة ومضامينها، مع أنّ في ذلك افتخاراً بما لثقافة المسلمين المأخوذة عن أهل البيت النبوي، وهو مأخوذ عن جدّهم المصطفى (ص) فيه مثل ما في تلك الكتب. فما في ذلك من عيب أو خطأ أو مؤاخذة؟!!
وقد أوغل القفاري في جهله وغرضه الإثارة ضد الصحيفة ومن يلتزم بها وهم شيعة أهل البيت، حيث ذكر في نقده لهذه التسميات، فقال:
(فهو ـ أوّلاً ـ جزءٌ من دعاوى عريضة لديهم، بأنّ عند أئمّتهم كلّ كتاب نزل من السماء، وأنّهم يقرأونها على اختلاف لغاتها).
والعَجب من هذا الأعرابي أنّه يستكثر على أهل البيت وأئمّتهم وشيعتهم أن تكون عندهم من تراث السابقين نسخٌ من أشرف كتبهم المنزّلة على أولئك الأنبياء والعظماء، فلو كانت عنايتهم بها إلى حدّ المحافظة عليها وقراءتها ومعرفة لغاتها من مهمّات ما اهتمّوا بها، فهل في ذلك أمر مكروه، أو باطل أو سيّئ، حتّى يجعلها القفاري الجاهل، مدعاةً للهجوم والاتّهام؟
وقد سبق أن عرض القفاري مثل هذا، مكتفياً ـ كما هنا ـ بالاستغراب، ثمّ الهجوم والاتّهام.
ما دامت أنّ تلك الكتب مقدّسة ونازلة على الأنبياء السابقين، فالسعي لتحصيل نصوصها الأصلية بأعيانها والمحافظة عليها وجمعها، أمر طيّب، بل دليل على عظمة من يقوم بذلك، وفي ذلك يتنافس المتنافسون، ويفتخر بوجوده المحصلون لها، كما هو المتداول في القرون، وفي عصرنا، من سعي العلماء والمؤسّسات على تحصيل النسخ القديمة والتراثية، وحفظها والاستفادة منها، وتفتخر البلاد والأشخاص في العالم بوجود هذه الكتب عندها.
فهل مثل هذا أمر يوجب الاستغراب والنقد والهجوم والاتّهام، أو هو أمر جيّدٌ مهمٌ و موجب للفخر والاعتزاز، ودليل على عظمة أهل البيت الذين قاموا بها، مع غفلة الحكّام والخلفاء والأمراء، وأرباب السلطة ووعّاظ السلاطين عن مثل هذا التراث الإلهي العظيم والمقدّس، لانغماسهم في الدنيا ولذّاتها ولهوها ولعبها.

ثم يُتابع القفاري قوله:
(ثانياً: فهذا يشي بالجذور العقدية للمذهب، والتوجّهات والانتماءات لأتباع هذا المذهب).
إنّ هذا الكلام المشوّه، يتضمّن أكثر من مدلولٍ، يُحاول القفاري من خلاله إثبات تهمة، على مذهب الشيعة، لا يجرؤ على التصريح بها ـ هنا ـ لشناعتها؛ وهي معروفة، قد عرضها بوضوح في كتابه الذي أرجع إليه هنا، وهو (أصول مذهب الشيعة). فقد أكّد فيه (ج1 ص 82) على هذه التهمة، في ضمن عرضه لعقائد الشيعة ـ بزعمه ـ فنسب المذهب إلى الفلسفات القديمة والأديان غير المسلمة!!
ويكفي في بطلان هذه التّهمة، عدم معرفته أن الزبور والإنجيل، من الكتب المنزّلة من الله على نبيّين من المذكورين في القرآن الكريم، ولا يرتاب مسلم في قدسهما، ومعلوم أنّ الأنبياء كلّهم رسل الله ودعاته إلى توحيده فهذه النسبة لا تضرّ، بل تؤكّد على الإيمان كما جاء في القرآن الكريم بقوله:
)آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كَلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِن رُسُلِهِ(([27]).
وقال تعالى: )وَمَن يَكْفُرْ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً(([28]).
والشيعة آمنوا بكتب الله التي أنزلها على داود وعيسى(ص)، بما نقله الأئمّة من آل البيت :، وبأمر من الله ورسوله، وبإرشاد الأئمّة الأطهار.
فما هو الذي يغيظ القفاري الحاقد، أليس المستنكر على الشيعة في هذا، ممّن )ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً( .
ثمّ إنّ القفاري يستمرّ في تعلّقه بأرجوحة تسمية الصحيفة، ويقول:
(أمّا تسميتهم لها بـ(أخت القرآن) فلمّا يزعمونه من أنّ أقوال أئمّتهم كأقوال الله سبحانه، كما مرّ).
فمع أنّ هذا الاسم، ليس صادراً عن حجّة، ولا عن دليل أو مصدر، له سمة علمية، فإنّ من الواضح أنّه اسم مجازي، فيه نوع من جهة أنّ التمثيل والتقريب الصحيفة وما فيها من المواعظ والعبر مستلهمة من القرآن، وهذا واضح لمن قرأ نصّ الصحيفة، فسيجد أنواعاً مبتكرة من الاستلهام من القرآن، والروعة والبلاغة، وغير ذلك من النصائح والترغيب فيما وعد الله عباده الصالحين، وكذلك الترهيب ممّا توعّد الله منه الذين اتّخذوا طريق الفساد والعناد. فهذا الاسم ـ وإن لم يناسب لفظاً ـ فإنّه لا معنى له إلا ما ذكرنا.
وليس فيه ما يدلّ على انحراف في العقيدة، وإلا فهو مرفوض قطعاً، ولا يقتضي أن يُحاسب من أجله، طائفة كبيرة من المسلمين، لأجل تصرّف شخص مجهول الحسب والنسب، على فرض كونه مريداً للمعنى الذي يتصوّره القفاري السيّئ الظن والفكر والمنهج والأسلوب.
يقرب من صنيعه هذا ما أقدم عليه من طبع صفحات من نسخة من (الصحيفة السجّادية) . مكتوبة بخطّ اليد، ومحرّكة بالإعراب والضبط، والصفحات مجدولة بنقوش، زاعماً أنّ طباعته تشبه طباعة القرآن الكريم، فقال ـ وهو يتحدّث عن طباعة الصحيفة ـ : (المطبوعة على هيئة المصحف الشريف). وقال: على هيئة طباعة القرآن الكريم) و(تُشابه في شكلها طبعات القرآن) و(محاولة مضاهاة كتاب الله سبحانه بالمظهر).
وهكذا راحَ يكرر هذه الدعوى، ويُهرّج، أنّ طبعة الصحيفة السجّادية، تشابه طبع القرآن الكريم، ليصل إلى ما زعمه ظلماً وبهتاناً، أنّ الشيعة يدّعون بكون الصحيفة قرآناً!
وفي تكراره الزعم المذكورة بعباراته المتعدّدة تلك، اتّباع لسياسة أسياده التي تبتني على مقولة : (إكذب ثمّ إكذب ثمّ إكذب.. حتّى يصدّقك الناس)، وحسب أن ذلك يقنع القرّاء الواقفين على صور تلك الصفحات من تلك الطبعة، ويصدّقون بما يقوله هذا الأعرابي ويحاوله بفعله المضحك ذلك.
ومن الواضح أنّ ذلك إن انطلى على الصبيان، والجهّال، فإنّه بلا ريب لا يقنع القرّاء من الناس، الذين سوف يقلبّون صفحات الصحيفة، ويتلون منها سطوراً مليئة بالتقوى والبرّ .
وإنّا نربأ بأن يستعمل اسم القرآن لمثل هذه الأغراض الرخيصة! والفاسدة والمفضوحة!
والقفاري بهذا المنطق الضحل، يستخفّ بالقرّاء الأعزّاء ويستغفلهم، ليصل إلى أغراضه الفاسدة، ولكن أهل العصر هم أذكى وأبصر وأفهم وأعقل من أن تنطلي عليهم هذه الأساليب مع وجود من يكشف لهم دجل تلك التصرّفات وبطلانها.
* * *
المبحث الثاني
إلى مَن تنسب الصحيفة السجّادية ؟

عقد القفاري هذا المبحث ـ الثاني ـ من مطلبين:
فذكر في الصفحات (23 ـ 26) ما يخصّ الإمام زين العابدين، عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، السجّاد (ع).
فنقل فيها ما ذكره كتاب العامّة المتسنّنين، في ترجمته (ع) وأورد بعض ما كان له من جميل الصفات والأحوال والمقام علماً وعملاً.
ولم يبلغوا شأوه كلّ أولئك، فإنّهم أقلّ باعاً وأقصر ذراعاً من أن يدركوا ذلك، ولكن الذي يكفي لإتمام الحجّة أنّ أحداً منهم لم يجرؤ على القدح في شخصه، ولا إنكار ما شاع وذاع وانتشر من فضاله وفواضله (ع).
ويدلّ على تقصيرهم، أنّا لا نجد فيما كتبوه كلمة واحدة عن أخصّ أصحابه وأهل بيته الذين هم أولى من عرفه ومن شيعته المقرّبين منه، والمعتقدين بإمامته.
والمطلب الآخر الذي أورده القفاري، فهو ما لفقه ممّا تعوّد عليه ولهج به لسانه من سبٍّ وقذف واتّهام في حقّ شيعة الإمام ومحبّيه ومعتقدي إمامته. وعمدة مصادره التي اعتمدها في هذا المطلب هم أعداء أهل البيت، من أمثال ابن حزم الأندلسي، وابن تيمية الحرّاني، والذهبي التركماني، وأمثالهم من سلف التكفيريين الطالح، أولياء بني أميّة، مضافاً إلى ما ملأه من قلمه المسموم، وكلامه الموهوم، على أسلوبه المعلوم.

أما المطلب الأوّل:
فهو الكلام الطيّب الذي نقله في هذا الكتاب، حول الإمام السجّاد زين العابدين (ع)، فقد نقل ما نصّه:
(إمامٌ من أئمّة الإسلام العظام، وأحد كبار التابعين وسادتهم علماً وديناً).
ونقل عن الذهبي قوله: (وكان له جلالة عظيمة، وحقّ والله له ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى، لشرفه وسؤدده، وعلمه، وتألّهه، وكمال عقله).

ملاحظة:
ومع هذا الاعتراف الصريح والواضح، لماذا لم يلتزم القوم بإمامة هذا الإمام العظيم، والتزموا بإمامة الملوك من بني أمية بدءاً بيزيد إلى آخر أولئك الظلمة؟!! ولماذا يكفّرون الشيعة الذين التزموا بإمامته، والاقتداء به؟!!
ونقل القفاري عن ابن سعد، قوله: عن الإمام زين العابدين (ع): (وكان ثقةً مأموناً، كثير الحديث عالياً رفيعاً).

ملاحظة:
أين حديثه الكثير؟ لماذا لم يروه المحدّثون من أهل التسنّن؟!! لماذا ترك حديثه مع علوّه وارتفاعه؟!! ولماذا ترك أهل المدينة حديثه، وقد طال مقامه بينهم ما يقارب الأربعين سنة؟!! ولماذا قَدَح دعاة الجرح والتعديل في ما رواه عنه أصحابه الذين رافقوه وعاشروه والتزموا بإمامته، من شيعته؟
وإذا كان ـ كما نقل عن ابن شيبة ـ (أصحّ الأحاديث ما رواه عن أبيه عن جدّه). فلماذا تزيّفون حديثه الموجود برواية أصحابه؟!!
وهذا موقف القفاري من أشهر تراث مروي عنه (ع) وهو (الصحيفة السجّادية) ؟ الذي نعرض ما يندى له جبين أهل العلم والدين من مواجهة السلفية له، أهكذا يُواجه تراث ذلك الإمام العظيم؟!!
ثمّ إنّ القفاري لم ينقل ما نقله أئمّة كبار ممّن لكلامهم شأن عند أهل التسنن، مثل أبي حازم المدني، القائل (ما رأيتُ هاشمياً أفقه من علي بن الحسين...).
ومع هذا الاعتراف الواضح الصريح، واعترافهم السابق بفضل الإمام وعلمه وزهده وتقواه، فلماذا لم يلتزموا بفقهه، بل لم يتداولوه، ولم يرووه؟! وصاروا إلى فقه الآخرين؟ والقفاري، يذكر حديث الإمام السجّاد عن أبيه الإمام الشهيد الحسين بن علي (ع)، هكذا:
(وكان معه يوم كائنة كربلاء، وكان يومئذٍ موعوكاً فلم يُقاتل، ولا تعرّضوا له، بل أحضروه مع آله إلى دمشق، فأكرمه يزيد، وردّه...).
وهكذا وبكلّ برودة، يذكر كربلاء، بأنّها (كائنة)!! وكأنّها حادثة بسيطة، لم يقتل فيها سبط رسول الله، الحسين (ع) وإخوانه وأولاده، وأصحابه، في فاجعةٍ عظمى، وفي عصر يعجّ بالصحابة، ولم يمضِ على وفاة جدّه المصطفى سوى (خمسين) سنة!
ثم قوله: (كان يومئذٍ موعوكاً فلم يُقاتل)!
جهلٌ منه بالتاريخ، فإنّ الإمام السجّاد (ع) (قد حضر القتال وارتُثّ) كما ذكر مَن حضر المعركة وهو ابنه الإمام الباقر محمد بن علي، ورواه أصحابه؟ وقد فصّلنا الحديث عن ذلك في كتابنا (جهاد الإمام السجّاد (ع)) .
وقول القفاري: (لم يتعرّضوا له، وأحضروه مع آله إلى دمشق) هكذا، وبكل سهولة، ولو كان من أهل العلم، لفتح أيّ كتاب في التاريخ ووقف على مجريات (فاجعة كربلاء) وما جرى على أهل البيت في كربلاء، لماذا ذكر ما ذكر؟!!
إنّ القوم، وبعد المذبحة الكبرى التي قتلوا فيها الإمام الشهيد الحسين سبط رسول الله ومَن تبعه، حرقوا خيام أهل البيت وفيها النساء والأطفال، والجرحى ومنهم الإمام زين العابدين، ونهبوا ما في خيامهم من أثاث، حتّى سحبوا البساط الذي كان الإمام ملقىً عليه، لما ناله من الجراح في المعركة!!
وأما قوله: (أحضروه مع آله إلى دمشق). هكذا وكأنّهم ساروا بهم في سفرةٍ إلى نزهةٍ. ولو كان له وجدانٌ وضمير، لذكر أنّ أعداء أهل البيت حملوا الإمام مع النساء والأطفال (أسرى) من بلد إلى بلد، مكبّلين على نياق عجاف، وهذا أوّل أسر، لأشرف أسرة، في تاريخ صدر الإسلام! والأسرى هم أهل بيت النبي الأكرم!! شراف البلد الذين دافعوا عن حرم الرسول وأولاده وذويه، قتلوا بأبشع صورة، في تلك الفاجعة الأليمة، التي لم يشهد التاريخ لها مثيلاً في (مكوّناتها).
لكن القفاري يعبّر عنها بـ (كائنة) فقط!!
إنّ ما جرى في كربلاء، على السبط الشهيد وأصحابه، وما جرى على أهل بيته من بعده، ليس أمراً هيّناً يمرّ به القارئ هكذا.
بل ما جرى على أهل بيت الرسالة وبقية النبوّة في طريق كربلاء، إلى الكوفة كان أوّل قافلة أسرى في تاريخ الإسلام، والأسرى هُم ذرّية الرسول نبيّ الإسلام.
فأهل بيته مع شرفهم ومقامهم وكرامتهم عند الله، ووصيّة جدّهم النبي بهم، هكذا يُقتلون ويُستأصلون ويُساق بهم أسرى، في بلاد الإسلام وفي حكم خليفة يدّعي الدين والإسلام، لهو من أكبر جرائم أولئك الأنذال، أنصار بني أمية، الذين انتقموا بهذا من النبي (ص) الذي حطّم أصنامهم وأباد كفرهم، وقتل أوغادهم، لكنّهم عند القفاري هم (اُمراء المؤمنين).
ويذكر في كلامه الماضي: (إنّ يزيد أكرم الإمام وردّه). ولو فتح عينه، لرأى ما كتبه المؤرّخون ـ وهم من أهل نحلته ـ عن مجريات ذلك الأسر، ومواقف أهل البيت في الكوفة والشام في مجالس العتاة القتلة، لما تعرض لهذا الأمر!!
لكن الله أراد أن يكشف عن ما انطوى عليه القفاري، من حقده وظلمه وعدائه، وعدم اهتمامه بأهل البيت النبوي عامّة، وبخصوص الإمام السجّاد (ع)، فكيف بتراثه وأهمّه (الصحيفة السجّادية) التي مَن قرأها أقرّ بأحقّية الإمام (ع) للإمامة والاتباع في الفقه.
إنّ القفاري في هذا المطلب ـ الأوّل ـ أراد أن يبيّض لنفسه وجهاً، بقناع ما نقله من فضائل الإمام السجّاد (ع)، لكن الواقع اللئيم، في سواد قلبه وقد ظهر من خلال كلامه الوقح ولعبه بحقائق التاريخ، وتحريف كلّ الوقائع الثابتة!

وأمّا في مطلبه الثاني:
فقد بدأ به، معطوفاً على ما سبق من كلامه عن الإمام السجّاد (ع) فقال: (وقد تعلّقت به الرافضة).
نعم، تعلّقت به، تعلُّق اقتداءٍ واتّباع وتقليد، وولاء، لما فيه وَلَه من الفضائل التي ذكر سلفك بعضها.
والشيعة سُعداء بهذا التعلّق، لأنّهم بذلك يتمثلون أوامر النبي الأكرم ووصاياه، حيث أمر بالتمسّك بعترته أهل بيته، في حديث (الثقلين) المتواتر حيث قال: «إنّي مخلفٌ فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي... ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا». وأفضل أهل بيته وأعلمهم هم الأئمّة الإثنا عشر :.
فآمن الشيعة بإمامتهم والتزموا بخلافتهم من جدّهم النبي فنجوا بذلك من الضلال، ورفضهم أعداء أهل البيت النبوي، أولئك الذين حاربوهم وقتلوهم، وغصبوا حقوقهم في الخلافة النبوية.
ولكنكم ـ يا قفاري ـ رفضتم أهل البيت النبوي، وعلومهم وحديثهم وفقههم، فضللتم باتباعكم أعداءهم الظالمين، واتّبعتم ملوكاً ـ سمّيتموهم
خلفاء ـ على ماهم عليه من الجهل بالدين والشريعة، وقيامهم بالرأي والبدع، واقترفوا المظالم والمآثم من قتلهم الأخيار والصالحين واقترافهم المحرّمات وارتكابهم الفجور والفواحش ما ظهر منها وما بطن([29]) وقد سوّدوا تاريخ الإسلام، وشوّهوا سمعة الدين الإسلامي، بما أتوا في عصورهم المظلمة.
وحَسبُكُم هذا التفاوتُ بَيْننا وكلُّ إنـاءٍ بالـذي فيه يَنْضَحُ
وهكذا نرى القفاري يُعَيِّر الشيعة بالتعلّق بالإمام السجّاد الذي ذكر له تلك الأوصاف والفضائل، لكنّه يجعل التعلّق به سُبّة، ويكيل على الشيعة التّهم.
ونقول: يكفي للردّ على هذا الهجوم الوقح، قيامه بتزييف (الصحيفة السجّادية) وتكذيبها، وتضعيفها، ونسبتها إلى التزوير. فإنّا نجعل هذه الصحيفة (حَكَماً) بيننا، لأنّها تحتوي على العدل، وتميّز الخبيث من الطيّب، وتعرّف المحقّ من المبطل. وندعو القرّاء الكرام، إلى مطالعتها والمراجعة إليها، ليقفوا على الحقّ الفاصل.
والشيعة ـ بكلّ فِرَقهم القائمة اليوم ـ يلتزمون بالصحيفة، ويتلونها، بل يقدّسونها، لأنّها صادرة من إنشاء هذا الإمام الهُمام العظيم، الذي اعترف أعيان التسنّن بفضله.
لكن القفاري ـ على رغم سلفه ـ يرفض الصحيفة، ويحاول بكتابه هذا
ـ الهزيل ـ أن يُبطلها ويزيّفها.
فنحن ندعو القرّاء المنصفين: أن يقرأوا أيّ دعاء من هذه الصحيفة، ليقفوا على ما فيها، وما لها من الشأن، وأنّها تناسب مقام الإمام السجّاد (ع) وما عُرف له من الفضل والورع والعلم.

تنبيهٌ:
إنّ من أسخف ما يقوم به السلفية في محاوراتهم وكتبهم، أنّهم يخلطون بين مواضيع البحث والنقاش، ويقفزون من مطلب إلى غيره،، قبل أن يتمّ السابق.
وقد اقتفى القفاري هذا الأسلوب، فهو قد وضع عنوان كتابه : (حقيقة الصحيفة السجّادية) لكنّه يُدخل في الكتاب بحوثاً عن (العصمة) و(التقية) و... ونراه هنا، يلحق بما سبق (موضوع العصمة) فيقول: (وقد تعلّقت به الرافضة، وادّعت عصمته).
فنقول: نعم، الشيعة تقول بعصمة النبي وابنته فاطمة الزهراء، وأمير المؤمنين، والأحد عشر من ذرّيته.
لكن لا ادّعاءً، بل استناداً إلى نصّ القرآن الكريم، وأحاديث النبي، وكلّ ذلك مفصّل في (علم الكلام) والبحث عن شرائط الإمام.
ولكن البحث عنه لا يُحسم بجملة أو صفحة، ونحن لا نتّبع الأسلوب الخاطئ، في الابتعاد عن الموضوع، بالدخول في بحوث أُخرى، فإنّ له مجاله الخاصّ.
ولكنّ القفاري إنّما يُبعد المسافة عن بحث (الصحيفة السجّادية) لما يعرفه هو من ضعف كلامه عنها بل بطلانه.
وكذلك يستخدم هذا الأسلوب، فيقول: (وغَلَتْ فيه) فيدخل بحث (الغلوّ) هُنا، لتبعيد المسافة، وتحريف البحث عن (الصحيفة)!! هذا، مع أنّه اعترف في سابق كلامه، بأنّ الغلاة فرقةٌ مرفوضة من الشيعة، فكيف ينسب القول بالغلوّ إلى شيعة الإمام السجّاد (ع)؟!! وليس هذا إلا افتراءً وتهمة وإهانة لطائفة من المؤمنين البريئين عن هذا القول. إنّ هذا التصرّف من مناقضاته التي استعملها في وُريقاته هذه.
ثمّ قال القفاري: (وافترت عليه).
إنّ نسبة الافتراء على الإمام السجّاد (ع) إلى شيعته والملتزمين بإمامته، أمرٌ باطل بوضوح، إذ من غير المعقول أن يفتري أحد على مَن يقدّسه ويقول بإمامته، وهذه النسبة تطاول على فرقة كبيرة من المؤمنين، وهم شيعة آل محمد (ص). وقد تكرّرت هذه التهمة من القفاري، ولو كان يخاف الله لما بادر إلى هذا التصرّف البشع، لكنه... !!
ونقول: إنّ المتّهم بالافتراء على الإمام هم الرواة لنصوص تخالف الحقّ، وتعتبر شيئاً لقائلها. وقد أورد القفاري هنا بعض ما هو باطلٌ واضح، ناسباً له إلى الإمام، فقال ناسباً إلى الإمام السجّاد (ع):
(ولذلك قال منكراً عليهم: يا أيّها الناس؛ أحبّونا حبّ الإسلام، فما برح حبّكم حتّى صار علينا عاراً).
أقول: لا ريب أنّ المسلمين ـ حتّى هذه الساعة ـ يحبّون أهل البيت، ويحترمونهم، لما يرونه في أعمالهم وما لهم من الصلاح والخير والعلم والفضل والكرامة، وهذا أمر لا يمكن إنكاره حتّى من السلفية، مثل القفاري.
لكنّ مجرّد الحبّ، ليس ممّا يرغب فيه أهل البيت :، إذا لم يكن الحبّ عن معرفة لما لهم من المقامات العالية، والذي يستتبع الانتماء والاقتداء.
أمّا الحبّ المجرّد عن المعرفة فليس مطلوباً للأئمّة، فمن يحبّهم بدون معرفة، ويتّبعون الولاة الظلمة والملوك الجائرين، والفقهاء المبتدعين، فهو حبٌّ مستتبع للأذى لأهل البيت، لأنّ الحكّام والأُمراء كانوا يهابون ذلك، وعلى أساسه يضغطون على الأئمّة : بالمراقبة، والمسائلة، وإلى حدّ الاعتقال والاستدعاء كما حصل مع أكثر الأئمّة : .
فالإمام ـ بلا ريب ـ يتبرّأ من هكذا (حبّ) عاطفي، لا عمل يتبعه، ووراءه أذىً واتّهام.
والمهمّ أنّ هذا الحديث ممّا انفرد به الحديث عن المتسنّنين، ويركّز عليه النواصب منهم، وتخصيص الحديث بوروده على أهل العراق، المعروفين بالتشيّع والولاء...!!
والأغرب أنّ بعض النصوص تحتوى على جملة (ولا تحبّونا حُبّ الاصنام).
ونحن نربأ بالإمام (ع) أن ينطق به، إذ فيه تشبيه حبّ الناس الذين يُخاطبهم بحبّ الأصنام. وهذا بعيدٌ صدوره من الإمام. ثمّ هل كان في زمان الإمام، أصنام في البلاد الإسلامية؟!! حتى يذكره الإمام.
لكنّ الكذّاب الذي افترى هذا الحديث نسبه إلى الإمام كذباً وجهلاً، لأنّ حقده قد غشّي عينيه وعقله ولسانه، فلا يعي ما يُخرج من فمه، ويرويه. والقفاري الجاهل يستند في دعاويه إلى أحاديث لم تدلّ على ما يريد، مثل هذا الحديث وفي ما يرتبط بأبي بكر وعمر ومقامهما عند النبي(ص):
(إنّ الإمام السجّاد (ع) سُئِل عن منزلتهما عند رسول الله(ص)، فأشار بيده إلى القبر، ثم قال: (بمنزلتهما منه الساعة).
ومع انفراد المتسنّنين برواية هذا الحديث، فإنّ له مخرجاً علمياً، ذكرناه مفصّلاً في كتابنا (جهاد الإمام السجّاد (ع) ) اعتماداً على فقه الحديث، يبعده عمّا يهدف إليه القفاري من إيراده.
وعلى عادته، يقفزُ القفاري إلى موضوع آخر، فيقول:
(إنّ الروافض تُشيع عن مشاهير أهل البيع أنّهم يتظاهرون أمام السلطة (تقيةً)).
وأضاف: (بل قالوا هذه المقالة عن أمير المؤمنين عليّ، حيث لم يجدوا وسيلة للخروج من التباين التامّ بين: أقوال الإمام عليّ وسيرته، وبين أقوال الروافض وعقائدهم).
أقول: وهكذا أقحم القفاري بحث (التقية) في هذا الكُتيب ليخلط الأمور، ويبتعد عن بحث (الصحيفة السجّادية).
ثم عرضه وكأنّه أمر اعتيادي، بينما هو من البحوث المفصّلة التي غطّت صفحات من الكتب، والاستدلال والنقض والإبرام في الفقه الإسلامي، وقد طبّقها علماء المسلمين في التاريخ الإسلامي عند مواجهتهم للصعوبات من الحكّام والظلمة واعتبروها من الضرورات التي تبيح المحظورات.
فليس للقفاري أن يُطلقها ويتهجّم على القائلين بها بهذه الصورة والكلمات النابية...
* * *
المبحث الثالث
صحفٌ أُخرى منسوبة
خصّص القفاري هذا المبحث ـ الثالث ـ للحديث عن كتب أُخرى، لا ترتبط بالصحيفة السجّادية، سوى ما زعمه من كونها كتباً منسوبة، لكن الأمر الغريب أنّه جعل أكثر صفحات هذا المبحث ـ الثالث ـ في كلامه عن كتاب (نهج البلاغة) الشريف.
ونقول: يُحار القلم في ما يكتب عن كلام هذا الأعرابي المعوّق، الذي يدخل أنفه في ما لا يربطه به رابط، ويتدخّل في ما لا يعنيه، بل ما لا يعيه، ممّا لا ناقة له فيه ولا جمل، ولكنّه يظنّ أو يتخيّل أنّه يقدر عليه، كما تعوّد من رعيه في قِفار نجد وبواديه، فهو يتصوّر أنّ العلم والأدب، تمرٌ يأكله أو حليب ناقة يشربه.
ومنتهى ما لديه هو ما ألقمه المطاوعة وعلّموه، هو أن يعلس الكلمات، التي يخالها (حجّة) وليس له منها ولا حرف، بل يجترّها من الذين فرضتهم السلفية أئمّة لهم، مثل: (ابن تيمية الحرّاني) الذي ملأ القفاري من نتن سُبابه وشتائمه كتاباته وأوراقه، يستشهد بها ويعتمدها حُجّة.
أو (الذهبي التركماني) الذي أبلغ ما عنده هو الجَرْح والقدح وإنكار الحقّ وإحياء الباطل في ملفّقاته.
ومن الغريب أنّ هذا القفاري، وبهذه البضاعة الهزيلة، يريد في بحثه هنا أن يطاول كتاب (نهج البلاغة) الشريف الذي هو بين كتب الأدب كالشمس في رائعة النهار الضاحي، وكالنجم اللامع في سماء البلاغة والفصاحة.
والقفاري أقصر باعاً وأعيى منطقاً من (باقل) في مجاراة كلام أمير البلاغة، وملك الفصاحة والبراعة.
وقد اعتمد القفاري في دعاواه على حرّاني أعجمي (ابن تيمية) وتركماني ألكن (الذهبي) وهما لا يطالان تصريحات أقطاب اللغة، وأعيان الأدب، وثقات العلماء البارعين من الماضين والمعاصرين، فيما قالوه عن (نهج البلاغة) من مدحٍ وثناء وتقدير وتقييم وتجليل وتعظيم.
وحيث أنّ البحث عن (نهج البلاغة) وما يدور حوله من الردّ على خزعبلات القفاري، طويلٌ، ولا يخصّ ما تصدينا له من الكلام حول الصحيفة السجّادية، فقد أرجأنا ذلك إلى مجال آخر.


الخاتمة
وهكذا نجد القفاري قد ملأ أوراقه بما يليق به من السبّ والقذف والاتّهام، والشتائم التي تنطبق عليه وعلى شيوخ إسلامه السلفي التكفيري.
كما رأينا اُسلوبه في استخدام التحريف والمراوغة، والتقلّب، وقد نبّهنا على مواضع لهذه الأمور في أوراقه التافهة، ولم نغادر صغيرة ولا كبيرة إلا كشفنا عوارها، وألقمناه حجراً كي لا يغترّ أحد بأساليبه الماكرة، وأكاذيبه الجائرة.
وهدفنا أن يقف القُرّاء الكرام على الحقّ فيتّبعوه، والحقيقة فيلتزموها.

وننبّه القُرّاء الكرام إلى:
1 ـ إنّ القفاري لم يذكر في أوارقه هذه وجدله ونقاشه، شيئاً عن (متن الصحيفة السجّادية). بل اكتفى بكيل التّهم والقذف والإدّعاء فقط.
2 ـ إنّا ندعو الإخوة القُرّاء أن يُراجعوا (متن الصحيفة السجّادية) ويتلوها بدقّة فائقة، بغرض التعرّف على محتواها، بعيداً عن التعصّب والعداء وسوء الظنّ، ممّا أوحاه القفاري وأمثاله من الوهّابية والسلفية التكفيرية. ونُسَخ الصحيفة السجّادية موفورة متداولة ولها طبعات كثيرة.
إنّ جميع الناس مدعوّون ليروا بأمّ أعينهم، ونور إيمانهم، ما في هذه الصحيفة الشريفة، من معانٍ لطيفة، ومعارف مهمّة، تزيد القارئ قرباً إلى الله، وصلابة في الاعتقاد، وجمالاً في الروح.

وفي الختام:
نحمد الله عزّ وجلّ ونشكره على ما هدانا من تأليف هذا الكتاب، تحقيقاً للحقّ ونصره، وإبطالاً للباطل ودحره، فنقول:
ربّنا آمنّا بك، واتّبعنا الرسول وآل الرسول صلواتك عليهم، فاكتبنا مع الشاهدين، وانصر الإسلام والمسلمين على الكفر والكافرين وأتباعهم المنافقين، والسلفيّين الوهابيّين والتكفيريّين. واحشرنا مع النبي وآله الطاهرين والشهداء والصدّيقين، وحَسن أولئك رفيقاً.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين..
--------------------------------------
([1]) سير أعلام النبلاء 13: 119 ـ 121.
([2]) هذا الرقم لصفحات الطبعة الثانية المصرية.
([3]) سورة الأنبياء: 105.
([4]) سورة الإسراء: 55.
([5]) سورة النساء: 163.
([6]) سورة الحجرات: 12.
([7]) سورة الملك: 11.
([8]) سورة المائدة: 35.
([9]) سورة الإسراء: 14.
([10]) سورة الحاقة: 19.
([11]) سورة الحاقة: 25.
([12]) سورة الانفطار : 12و13.
([13]) سورة التكوير: 10.
([14]) سورة الكهف: 49.
([15]) الصحيفة الرضوية لليزدي : 51.
([16]) صحيفة رضوي، لليزدي: 25.
([17]) سورة القصص: 6.
([18]) سورة النحل: 68.
([19]) سورة المائدة:
([20]) سورة القدر: 4 ـ 5.
([21]) وذكرّني هذا الكلام عن نزول جبرائيل وعزائيل’ بما حدث لي في إحدى سفراتي إلى حلب الشهباء صانها الله من كلّ بلاء، حيث ركبت سيارة أجرة عامّة، وكان ركّابها أربعة، أحدهم امرأة كبيرة محجّبة، وكان إلى جنب السائق شابٌ نَزِق يُغنّي بأعلى صوته أغنية مستهجنة، وبمجرّد ركوبي وسماعي صوته العالي، قلتُ له: أخي، هذه السيّارة ليست خاصّة لك، ثمّ إنّ معنا حرمة فلا يجوز أن تغنّي هكذا؟! فأدار وجهه إلى الخلف، فرآني في زي رجل دين وعرف من زيّي أنّي شيعيٌ، فقال: هاه، أنتم الشيعة، تقولون إنّ (عزرائيل) خان ما كان عليه أن ينزل على عليّ، فنزل على محمّد!! فقلت له فوراً: إنّ عزرائيل هو ملك الموت، إن شاء الله يأخذ روحك، والذي تتّهمونه بالخيانة هو الملك جبرائيل. فضحك الركّاب جميعاً، وصار سبباً لسكوت الشابّ، وكان مصرياً، وحينئذٍ توجّه السائق وقال لي: رحم الله والديك يا شيخ! إنّ هذا الولد راكب معي منذ ساعة، وهو يغنّي وينعق ولا يسكت، وأنت خلّصتنا من صوته الأنكر، وكلّما نصحته لم يؤثّر فيه، لكنك خنقته بكلامك الطيّب.
أقول: إنّ ذلك الشابّ النزق، اقتنع وسكت، فهل القفاري المعوق الخرق، يسكت عن نعيقه؟
([22]) سورة النجم: 3 ـ 4.
([23]) سورة غافر : 60.
([24]) سورة الفرقان: 77.
([25]) انظر المبحث الثاني من هذا الكتاب .
([26]) لنا كتاب بهذا العنوان (علم تحقيق النصوص) مطبوع، فليُراجع.
([27]) البقرة: 285.
([28]) النساء: 136.
([29]) وقد جمعها المؤرّخ الشهير أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الفخم (الأغاني) فليُراجع.