«القارئ لدعاء الندبة يسأل في دعائه ويقول: (ليت شعري أين استقرت بك النوى بل أيّ أرض تقلّك أو ثرى؟ أبرضوى أو غيرها أم ذي طوى؟) ولا أدري لماذا يطلب هذا الدعاء ـ والذي راج كثيراً في المحافل المذهبية وتشكّلت لجان خاصة لذلك ويُخاطب به الإمام ـ الإمام المهدي(عليه السلام) في ذي طوى وجبل رضوى المتعلّقين بمحمد بن الحنفية (إمام الكيسانية) حيث يعتقدون بغيبته من هذا الجبل وأنّه سيظهر منه، وكان أتباعه يجتمعون عند هذا الجبل ويبكون ويتضرعون ويدعون كي يخرج منه للقيام.
هذا عدا عدم وجـود أيّ علقة للإمام المهدي (عليه السلام) مع هذا الجبل لا في حياته ولا في غيبته الصغرى والكبرى ولا بعد ظهوره، وفي الواقع فانّ غيبته لم تكن من باب أنّه تحصّن في مكان، بل إنّه حاضر في كل مكان وناظر ولكن نحن لتقصيرنا لا نراه. وعليه فالسؤال عن مكانه المخفي لا يتلاءم مع نوع غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) موعود الشيعة الإمامية.
وعند الفحص الدقيق لمتن دعاء الندبة، والذي لا يصرّح بأسماء الأئمة ولا بترتيبهم، نرى أنّه بعدما يذكر تفصيل فضائل أميرالمؤمنين(عليه السلام) ومناقبه، يعرّج فجأة ومن دون واسطة إلى الإمام الغائب، وهذا ما يثير السؤال مرّة اُخرى».
هذا ما طرحه الدكتور شريعتي وقد انبرى للإجابة عن أسئلته عدّة من العلماء منهم العلامة الشيخ محمد تقي الشوشتري حيث كتب في جوابه ما يلي:
نعم قد ورد في النصوص المعتبرة أنّ مكان الإمام (عليه السلام) ـ سواء في الغيبة الصغرى أو الكبرى ـ هو جبل رضوى.
إنّ شيخ الطائفة الشيخ الطوسي بعد نقل روايات في كتاب الغيبة من العامة أولاً والخاصّة ثانياً على أنّ عدد الأئمة اثنا عشر، وأنّ المراد منهم أئمة الإمامية، وبعد رواية ما يدل على إمامة الإمام الثاني عشر خصوصاً نقلاً عن الأئمة وقبل ولادته وبأنّه سيغيب، يقول:
وأخبرنا ابن أبي جيد القمي، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن عبد الله بن حمدويه بن البراء، عن ثابت، عن إسماعيل، عن عبدالأعلى مولى آل سام قال: «خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلّما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاً عليها، فقال لي: ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يُدعى رضوى من جبال فارس أحبنا فنقله الله إلينا، أما إنّ فيه كل شجرة مطعم، ونعم أمان للخائف مرتين، أما إنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين واحدة قصيرة والأخرى طويلة(1).
وقال الحموي في معجم البلدان في عنوان رضوى: «قال أبو زيد: وقرب ينبع جبل رضوى، وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية ورأيته من ينبع أخضر، وأخبرني من طاف في شعابه أنّ به مياهاً كثيرة وأشجاراً»(2).
وأمّا كون الكيسانية اتخذته مقراً لمحمد بن الحنفية، فلا يكون دليلاً على استبعاد كونه مقراً للإمام المهدي (عليه السلام) بل سيكون شاهداً ومؤيداً، لأنّ الكيسانية كالناووسية والواقفية والاسماعيلية استندوا لمدّعـاهم في مهديّـة وغيبـة محمـد بن الحنفيــة والإمام الصادق والكاظم (عليهم السلام) وإسماعيل بن جعفر على ما تواتر عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأميرالمؤمنين(عليه السلام) من أنّ للمهدي (عليه السلام) غيبة، فطبقوا هذه الروايات خطأ على أولئك، وربما تكون الكيسانية قد رأت في أخبار المهدي (عليه السلام) أنّ مقرّه في غيبته جبل رضوى، فطبقوه لصاحبهم محمد بن الحنفية.
ومن الواضح أنّ منشأ كل شبهة هي المطالب الحقّة التي تُطبّق خطأ، حتى أنّ منشأ ما ذهب إليه عمر عندما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورأى أنّ أبا بكر خارج المدينة وخاف ميل الناس إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وفوات الفرصة، وما طرحه من شبهة عدم موته وأنّه غاب وسيرجع، وهدّد من يقول انّه مات، كان منشأها تلك الروايات النبوية في غيبة المهدي الموعود، حتى أنّ الشهرستاني مع كونه من أهل السنة ذكر في الملل والنحل أنّ كلام عمر هذا كان أول شبهة في الإسلام(3).
أما ذو طوى فقد صنّف النعماني تلميذ محمد بن يعقوب الكليني كتاباً في غيبة الإمام، وقد ذكر كتابه الشيخ المفيد في الإرشاد قائلاً: النصوص على الثاني عشر من الأئمة (عليهم السلام) والروايات في ذلك كثيرة، .. فمن أثبتها على الشرح والتفصيل محمد بن إبراهيم المكنى أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنّفه في الغيبة(4).
فقد روى النعماني في كتابه في باب ما روي في غيبة الإمام وقال:
حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني محمد بن علي السلمي، عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع، وحدّثني غير واحد عن منصور بن يونس بن بزرج، عن إسماعيل بن جابر، عن محمد بن علي أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب ـ وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ـ حتى إذا كان قبل خروجه أتى المولى الذي كان معه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم ها هنا؟ فيقولون: نحو من أربعين رجلاً، فيقول: كيف أنتم لو رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوى بنا الجبال لآويناها معه... (5).
وكذلك روى في باب ما جاء في ذكر جيش الغضب: عن علي بن حمزة، عن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) قال: إنّ القائم (عليه السلام) يهبط من ثنية ذي طوى في عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً حتى يسند ظهره إلى الحجر الأسود ويهزّ الراية الغالبة. قال علي بن أبي حمزة: قد ذكرت ذلك لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) فقال: كتاب منشور(6).
وفي معجم البلدان: ذو طوى ـ بالضم ـ موضع عند مكة(7).
فبعد هذه الروايات الثلاثة يصح معنى الفقرة الواردة في دعاء الندبة: «أبرضوى أو غيرها أم ذي طوى» والجمع بينهما أنّ مقرّه (عليه السلام) كان جبل رضوى في البداية، أما عند قرب الظهور سيكون في ذي طوى.
أما الروايات الدالة على تواجده (عليه السلام) في كل مكان، كالخبر الذي رواه النعماني في كتابه عن سدير الصريفي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إنّ في صاحب هذا الأمر لسنة من يوسف (عليه السلام) ـ إلى أن قال ـ فما تنكر هذا الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف، وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم ويمشي في أسواقهم ويطأ فُرشهم ولا يعرفونه حتى يأذن الله له أن يعرّفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال له إخوته: (أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ) [يوسف:90] فلا تنافي بين الخبرين، لأنّ للإمام (عليه السلام) بطبيعته البشرية مكانا ومقراً أيضاً يتنقّل فيه، وإلاّ فالذي يكون في كل مكان دائماً ومن دون أن يكون له مكان أيضاً هو الله الواحد جلّ وعلا.
كما أنّ الدعاء أضاف غير رضوى وذي طوى حيث ربما يكون فيها أيضاً، وقد روى الشيخ الطوسي في الغيبة في باب ذكر طرف من صفاته ومنازله وسيرته عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: لصاحب هذا الأمر بيت يقال له بيت الحمد، فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى أن يقوم بالسيف(8).
4ـ وأمّا قوله: إنّ دعاء الندبة لم يصرّح بأسماء الأئمة (عليهم السلام) وينتقل بعد أميرالمؤمنين (عليه السلام) مباشرة إلى الإمام الغائب، فنقول: بما أنّ الدعاء لم يكن بصدد ذكر عدد الأئمة ولم يكن في مقام التعريف بهم، وبما أنّ عددهم واضح عند الشيعة وأسماءهم معلومة عندهم كاسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، اكتفى بذكر الإمام الأوّل والآخر، مع لحاظ وجود بعض الفرق الشيعية القائلة بإمامة بعضهم دون بعض، ولا يوجد فيهم من يقول بإمامة الإمام الثاني عشر ولا يقول بإمامة الأحد عشر الماضين.
مضافاً إلى ذلك فانّ المهم في المقام هو هذان الإثنان، الإمام الأوّل الذي تبدأ الإمامة به، والإمام الآخر الذي تختم به، وعلى يده يتمّ الإصلاح.
ثم كيف يقول إنّ في الدعاء انتقالاً مفاجئاً من أميرالمؤمنين (عليه السلام) إلى الإمام الحجة (عليه السلام) وقد ورد في الدعاء: «ولما قضى نحبه وقتله أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الهادين بعد الهادين ـ إلى أن يقول ـ أين الحسن أين الحسين، أين أبناء الحسين، صالح بعد صالح، وصادق بعد صادق، أين السبيل بعد السبيل، أين الخيرة بعد الخيرة، أين الشموس الطالعة، أين الأقمار المنيرة، أين الأنجم الزاهرة، أين أعلام الدين وقواعد العلم ـ ثم يقول: ـ أين بقية الله التي لا تخلو من العترة الهادية». حيث نرى أنّه ذكر اثنين بالاسم وثمانية بالوصف.
5ـ وأما سند دعاء الندبة ففي البحار نقلاً عن المزار لعلي بن طاوس أنّه قال: ذكر بعض أصحابنا قال محمد بن علي بن أبي قرة: نقلت من كتاب محمد بن الحسين بن سفيان البزوفري رضي الله عنه، وذكر أنّه الدعاء لصاحب الزمان (عليه السلام) ويستحب أن يدعى به في الأعياد الأربعة وهو: «الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وسلم تسليماً، اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك..» إلى آخر الدعاء(9).
ثم يقول مؤلّف البحار: قال محمد بن المشهدي في المزار الكبير: قال محمد بن علي بن أبي قرة: نقلت من كتاب أبي جعفر محمد بن الحسن بن الحسين بن السفيان البزوفري.. إلى آخره، مثل السيد.
وظاهر قوله: «وذكر أنّه الدعاء لصاحب الزمان (عليه السلام)» يدلّ على أنّ البزوفري رواه عن الإمام صاحب الزمان (عليه السلام) وهو من إنشائه كدعاء الافتتاح. ويحتمل أن يكون من إنشاء البزوفري بمعنى لزوم قراءة هذا الدعاء له (عليه السلام) أي لفرجه وظهوره. وعلى كلّ حال فأصل السند هو ما ورد في البحار.
أما ما ذكره في زاد المعاد(10) من أنّ دعاء الندبة مروي بسند معتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام) وأنّه يقرأ في الأعياد الأربعة: الجمعة، والفطر، والأضحى، والغدير، فيظهر أنّه أخطأ إذ لم يراجع المصادر، ولو كان مروياً عن الإمام الصادق (عليه السلام) لذكره في البحار الذي هو موضع ذكر الأسانيد والمستندات.
* هوامش البحث *
(*) سبق وأن نشرت هذه الرسالة باللغة الفارسية في كتاب (بيست رساله فارسي) بتحقيق الشيخ رضا الاستادي.
(1) كتاب الغيبة: 103.
(2) معجم البلدان3، 51.
(3) الملل والنحل1: 21.
(4) الإرشاد 2: 350.
(5) الغيبة للنعماني: 181ـ 182.
(6) المصدر السابق: 315.
(7) معجم البلدان4: 45.
(8) الغيبة: 467،483.
(9) بحار الأنوار 99: 104.
(10) زاد المعاد: 394.