البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

حجية السنة الشريفة.. بين أهل السنة والشيعة

الباحث :  السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  1
السنة :  السنة الاولى - شعبان 1435هـ / 2014م
تاريخ إضافة البحث :  April / 10 / 2017
عدد زيارات البحث :  2879
تحميل  ( 696.957 KB )
نشر موقع «مركز التأصيل للدراسات والبحوث» مقالاً بقلم الدكتور عامر الهوشان تحت عنوان: «حجية السنة بين ضوابط أهل السنة وأهواء الشيعة» بتاريخ 21/7/2013 م، وأعاد موقع البرهان نفس المقال بعد فترة، وكذلك سائر المواقع الوهابية.
يحتوي المقال على مجموعة شبهات متكررة حول القرآن الكريم والسنة المطهّرة، أعادها الباحث تحت عنوانٍ يخيّل للقارئ أنّه ينطوي على شيء جديد، ولكن بعد سبر محتواه لا تجد سوى الاتهامات الفارغة، والاجترار من كتب المتقدّمين أمثال ابن تيمية، في كيل التهم على الشيعة والنيل من أُسسهم الدينية والفكرية القويمة.
ونظراً لأهمية هذه الشبهة عند الوهابية حيث تكررت في عدّة مواقع الكترونية، وما تحتويه من تهم فارغة ضد الشيعة، انبرى للإجابة عنها السيد محمدرضا الحسيني الجلالي مشكوراً، بأحسن الجواب وأوجزه وإليك نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
الحمدُ الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وعلى أشرف الخلق وسيّد المرسلين نبيّ الإسلام محمد أفضل الصلوات، وعلى أصحابهم وأتباعهم الأبرار الأخيار مادام الليل والنهار.
و بعدُ، فبذلك العنوان، أوقفتني لجنة هذه المجلّة الغراء على مقالة منشورة على موقع (التأصيل والبرهان) لكاتب المقال.
و من الواضح أن (عنوان) أيّ بحث أو کتاب، أو باب، يکشف عن محتواهُ، ويدلّ على ما فيه من المحتوى، کما يخبر عن هوى کاتبه وما ابتغاه.
فمنذ البداية يدلّ ذلك العنوان على أن الکاتب إنّما يحمل حقداً وغرضاً سيّئاً في ما يريد عرضُه حول الشيعة.
و بهذا التصرّف يخرج ما طرحه عن الموضوعية اللازمة في البحوث العلمية والمناقشات التاريخية، وبالخصوص في مثل مسألة دينيّة مهمّة کحجيّة السنة!
ثمّ إنّ موضوعاً مقدّساً کهذا لابدّ أن يُعرض على العُلماء المتخصّصين بعلوم الحديث، لا أن يُنشر على موقع يراجعه عامة الناس، حيث تعتمد بحوثه على المصطلحات الخاصّة والأدلّة والبراهين المعتمدة عند أهل التخصص بعلم الرواية والدراية، ولايدرکها عوام الناس.
و في هذا دلالة على أن غرض الکاتب المذکور هو التشويه والتمويه على القرّاء بکيل التهم ونشر الأکاذيب. والأمر الخطير أن الکاتب في بداية المقال ـ ومن دون دخول ذلك في ـ عنوانه ـ استخدم البحث عن القُرآن، لأغراضه المشبوهة، وعرّضه لاکذوبة التحريف توصلاً إلى ما يهدفه من تشويه سمعة الشيعة البريئين من ذلك.
ومن أجل کشف هذه الأغراض وسدّ الباب على مثل هذه الأساليب التي يستخدمها أعداء الدين والأمّة الاسلامية، وفي هذه الظروف العصيبة التي تمرّ بها الأمّة، حيث هي مستهدفة من قبل اليهود والنصارى والسلفية العميلة لهم، وقيام الارهابيين بتشويه الاسلام والشريعة بأعمالهم المخالفة للإنسانية.
أحسستُ بواجب الردّ على هذه المقالة بهذه الکلمة التي أرجو أن تکون مؤدّية لما يجب من صدّ هذه الهجمات على معالم الدين وأصوله، وبالأخص القرآن الکريم، والسنة الشريفة، وتنبيه عامّة القُرآء المسلمين إلى أخطاء هذا الکاتب وأقرانه، وأخطار ما يقدمون عليه، في منشوراتهم في الفضائيات وغيرها من وسائل الإعلام.
والله من وراء القصد، فهو الموفق والمعين..

ـ أوّلاً ـ
مع القرآن
إن من الأمور التي تدل على غرض الکاتب أنه لم يدخل في البحث عما عنونه وهو (حجيّة السنّة) بل قدّم على ذلك حديثاً خطيراً عن القرآن الکريم، فبدأ يقول:
«الخلافات بين أهل السنة والجماعة، والشيعة: ليست خلافات فرعية بسيطة کما يدعي البعضُ، بل هي خلافات عقائدية جوهرية، وکيف لا؟ والشيعة يقرّون بتحريف القرآن الکريم ونقصانه».
إنّ هذه البداية، وبهذه العبارة المثيرة والوقحة، تکشف بوضوح عن غرض يکتمه الکاتب في نفسه، وهو التمهيد لما يريد أن يحکم به على الشيعة في بحث «حجيّة السنّة».
و الذي نريد أن ننبّه عليه:
(1) ـ إنّ تعريض القرآن الکريم، لمثل هذه الکلمات الوقحة، لأجل الأغراض الرخيصة، أمرٌ لا يبيحهُ ضمير المؤمن بالقرآن، والمعتقد به کتاب الله المقدس الشريف, فلاريب عند المسلم أن تعريض القرآن لهذه التهمة إساءةٌ وإهانةٌ, ولايرضى بذلك من يعتقد بکونه معجزاً إلهيّاً ووحياً نزل على قلب الرسول الکريم صلى الله عليه وآله وهو المحفوظ بأمر الله وعلى صدور المسلمين إلى الأبد.
فلو کان الکاتب يعتقد بالقرآن ويقدّسه، لما کان يستخدمه عُرضةً لأغراضه مهما کانت، ولکان يُحافظ عليه ويبعدُه عن مثل هذا، وهو يقرأ فيه قول الله تعإلى: (ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانکم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم) (سورة البقرة 2 / الآية14).
فکيف يجعل هذا الکاتب کتاب الله الکريم، عرضة لما استهدفه من أغراضه؟! التي هي إشاعة الخلاف والشقاق والنزاع والتخاصم بين المسلمين!
(2) ـ إنّ الاعتقاد بالقرآن الکريم كونه کتاب الله النازل وحياً على الرسول الأکرم صلى الله عليه وآله أمرٌ عقيديٌّ بلاريب، ومتفقة عليه کلمة المسلمين کافةً.
ولکن ليس ما يرتبط بترتيب نزوله، وتعدد قراءاته، والاختلاف في إعرابه وأشکال تفسيره ودلالاته، وغير ذلك من شؤونه الجزئية، ليست هي أموراً عقائديّة، ولذا نجد في هذه کلّها تعدّد الآراء واختلاف العلماء، فهل يعدّ مثل هذا خلافاً في القرآن نفسه، کلاّ وإلاّ لحکمتَ على جميع العلماء والقرّاء والمفسـّرين، وکتب القراءة من المخالفين في العقيدة.
و لوالتزم بکون جميع ما في هذا القرآن (الموجود بقراءة حفص عن عاصم عن ابي عبدالرحمن السلمي): فقط هو الذي تنعقد عليه وبه العقيدة التي يعدّها من الاصول، فما رأيه في بقية القراءات الموجودة في المغرب العربي، وفي اليمن، وفي المدينة، وغيرها من الموجودة في کتب التفاسير وفي کتب القراءات وفي کتب النحو، وغير ذلك؟ مع أن تلک الخلافات ليست جوهرية ولا عقائدية!
ثمّ إنّ الکاتب ينسب بقول مطلق إلى الشيعة أنّهم (يقرّون بتحريف القرآن ونقصانه)! فينسب إلى عموم الشيعة هذه التهمه! لکنه يستشهد بقول واحد، ويقول:
«فقد أورد أحد علمائهم الشيخ يحيى تلميذ الکرکي قوله: «مع إجماع أهل القبلة الخاص [الشيعة] والعام [أهل السنة] أنّ القرآن الذي في أيدي الناس ليس القرآن کله».
أقول: فترى أنه استند إلى کلام واحد منهم، ولکنه ينسب ذلك إلى الجميع فيقول: (الشيعة يقرون) مع أنّ رأي الواحد لايمثل الجميع، حتى لو ادّعي الإجماع! وذلك:
1 ـ لأنّ الإجماع الحاصل عند جميع الشيعة حاصلٌ على نفي ذلك في التاريخ، کما أثبته الذين کتبوا في هذا الموضوع، وسيأتي بيانه.
2 ـ لأنّ ذلك الشخص (يحيي تلميذ الکرکي) إنما ادّعى (اجماع أهل القبلة) ولم يخص الدعوى بالشيعة، وإنّما نسبه إلى أهل السنّة أيضاً، فهل يصدّق الکاتب کلامه في نسبة النقصان إلى أهل السنة؟ وإن لم يصدقه في ذلك، فکيف يخصّ تصديقه بما نسبه الى الشيعة فقط؟ مع إنکار الشيعة لتلك الدعوى!
مع أنّ الکاتب لم يفهم کلام ذلك الناقل (يحيي تلميذ الکرکي) حيث أن هذا الرجل إنما عنى بکلامه جميع العلماء الشيعة وأهل السنة، وأنهم قد أثبتوا في کتبهم الأحاديث التي تضمّنتْ الدلالة على حذف بعض الأشياء, وليست فعلاً موجودة في القرآن الذي بأيدي الناس!
وهذا الذي ذکره (يحيي) أمر واقع، فإنّ مثل تلك الأحاديث موجودة في کتب الحديث عند أهل السنة أکثر مما يوجد في کتب الشيعة، وقد وردت متفرقة في الصحاح والمسانيد والمجاميع عند أهل السنة والشيعة، وقد جمعها من أهل السنة أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني في کتابه (المصاحف) المطبوع في مصر وبيروت، وجمعها من الشيعه المحدث النوري في کتاب (فصل الخطاب) المعروف، وقد فصلنا الحديث عنهما في کتابنا (دفاع عن القرآن الکريم) المطبوع في مصر والمنشور على الانترنيت في مواقع عديدة.
و هذه الأحاديث على کثرتها، وعلى تنوع صفاتها، هي آحادٌ لا توجب سوى الظنّ, ولاحجيّة لها على ما فيها، بغض النظر عن أسانيدها الضعيفة !!.
لکنّ أهل الحديث من أهل السنة ـ ولاسيما الحشوية منهم ـ يلتزمون بحجيّتها ويستدلون بظواهرها على ما تدل عليه من حذف بعض الجمل والأحکام عن النص الموجود عند المسلمين، لکونها وردت في کتب الحديث المعتبرة عندهم، ومنها الصحاح خاصة والکتب الستة، والمسانيد الأخرى المعتبرة.
و کذلك التزم بعض الأخبارية من الشيعة، الذين وجدوا الأحاديث الآحاد تنضمن مثل أحاديث العامة، سقوط بعض الألفاظ التي فيها من النص الموجود، فالتزموا بظواهرها وجعلوها تشيرإلى نقص الموجود من النصّ.
و کما أشرنا, فإنّ اثنين من المحدّثين هما: المحدث ابن أبي‎ داود (السني) في القرن الرابع، والمحدث النوري (الشيعي) في القرن الرابع عشر، جمعا تلك الأخبار في کتابين، لکن:
1) إنّ علماء المسلمين: من أهل السنّة، ومن الشيعة، لم يلتزموا بما يظهر في تلك الأخبار الآحاد، حتى على القول بحجيّة الآحاد.
فأما أهل السنة فحملوا تلك الأخبار على (نسخ التلاوة) ومعناه عندهم أنّ النزول کان لتلك الآيات بتلك الألفاظ الواردة في الأخبار الآحاد، والتزموا بحجيّتها, لورودها في الصحاح وغيرها من كتب السنة، لکنهم قالوا: إنّ الزيادات الواردة فيها قد نسخت تلاوتها من القرآن المحفوظ، فلم تکتب ولم تقرأ، لکن أحکامها ثابتةٌ يستدل بها في الشريعة، ولذلك تجد الاستدلال بها بکثرة في کتب الفقه والشريعة لأهل السنة!
و أما الشيعة، فالتزموا بتلك الأخبار الواردة عندهم على أن ما فيها مؤوّل إلى معانٍ أرادها الشارع، وأنّ معانيها مرادة، لکن ليست الألفاظ المذکورة فيها قُرآناً.
وبذلك اتفق جميعهم (أهل السنة والشيعة) على أنّ هذا القرآن المتداول بين المسلمين هو كامل كما أنزل، وهو المعجزة المعتبرة عقيدة والحجة دليلاً على الأحکام، وعلى ما ورد للقرآن من ثواب وقدسية وأحكام .
2) لکنّ المحققين من الشيعة لم يعتبروا أحاديث الآحاد حجّة. فلم يقيموا لتلك الأحاديث وزناً، ولم يستندوا إليها لا في عقيدة ولا في شرع، بل أسقطوها من الاعتبار مطلقاً لضعفها .
3) وأما ما توصّلتُ إليه وشرحتهُ في کتابي (دفاع عن القرآن الکريم) فهو:
إنّ القرآن الذي نزل معجزة للرسول صلى الله عليه وآله کان من بداية نزوله مقروناً بأمور علنية معروفة, سواء في ما يعرض للرسول صلى الله عليه وآله عند نزول الوحي، أو ما کان يتداوله المسلمون ويتعرفون مع الآيات عند نزولها من الاستبشار بالآيات وکتابتها وحفظها على الخواطر الممتازة عندهم، وبهذه القرائن کان يثبّت ويحلّ ويستقرّ بصورة قطعية لا يعتريها نقص ولا ريب ولا تحريف ولا زيادة.
فکان القرآن بآياته يقترن منذ نزوله بالحجيّة القطعية، لتواتره منذ أوّل وهلة عن نزوله، ولم ينقل لواحدٍ مفرد، حتى يکون هو الناقل الوحيد.
بينما کلّ ما نقل من تلك الروايات التي تحدّثنا عنها والتي أثبتت في کتاب (المصاحف) و(فصل الخطاب) وأمثالهما، إنّما هي أحاديث آحاد، لم يروها غير الواحد والاثنين مما لايبلغ التواترالمعتبر للقطع بأمرثبوت القرآن، والذي هو حجّة على الجميع.
فالأحاديث الآحاديه حتى لو کانت صحيحة السند، لم تبلغ في الحجيّة مرحلة القطع اليقيني الذي يشترط في ثبوت الآية القرآنية, بل بحاجة إلى إجماع الأمة على ذلك.
ولکن اجتماع هذه الأحاديث وتكديسها ـ عند بعض أهل السنة، وعند بعض الشيعة ـ يُوحي أنّ هناك إجماعاً على روايتها، وهذا هو معنى قول (يحيى) المذکور، ودعواه إجماع أهل القبلَة عليها، لکن عرفت أنّ المحققين من الطائفتين لم يلتزموا بما في ظواهرها، بل إمّا قالوا بنسخ التلاوة، أو قالوا بالتأويل، وقد قلنا بعدم حجيّة الأحاديث الآحادية، ولم يثبتْ بها قرآنيّة ما ورد فيها، کما فصّلناهُ في کتابنا (دفاع عن القرآن الکريم) المطبوع.
و الکاتب بما أنّه لم يفهم کلام (يحيى) المذکور، جعله اعترافاً على القول بنقصان القرآن!
و مع أنّه نقله عن (يحيى) وحده الذي ادّعى إجماع أهل القبلة کلهم عليه: سنة وشيعة، لکن الکاتب نسب ذلك القول إلى الشيعة فقط! وإلى جميعهم بقول هذا الشخص الواحد.
و تصرّفات الکاتب هذه ـ مع دلالتها على جهله بما ينقله ـ هي نابعة من غرضه الذي أعلنه في عنوان مقالته، وهو التشهير بالمذهب الشيعيّ، والعداء له.
مع أنّ کلام (يحيى) الذي استند إليه الکاتب، يحتوي على نسبة الإجماع على ما قال إلى (العامة ـ وهم أهل السنّة) أيضاً، فهل يلتزم بهذه النسبة؟ کما التزم في ما نسبه إلى الخاصة (الشيعة)؟ وإن رفض ذلك، فليرفض هذا أيضاً.
لکن (يحيى) کما قلنا ناظر إلى ما ورد من الروايات الآحاد عند الطائفتين.
ثمّ إن الکاتب مع من يُماثله في الهجوم على الشيعة، ونسبة التحريف إليهم، وهم يکدّسون الروايات الآحادية الواردة في مؤلفات الشيعة، يغفلون ـ بل يتغافلون ـ عما ورد في صحاح أهل السنة أنفسهم ومسانيدهم ومعاجمهم من الروايات الواضحة الدلالة على مثل روايات الشيعة، وإذا ذکروها فانهم ـ کما أسلفنا ـ يلجأون إلى حملها على (نسخ التلاوة) مع أنّ هذا لايجبر ما يتوجّه إلى القرآن الکريم، من الکسر، ودعوى حذف بعض ما نزل منه , إلا على ما قلنا من بطلان تلك الإدّعاءات.
ثم إنّ من عداء الکاتب وأمثاله من المهرّجين على الشيعة أنهم لايذکرون ما عندهم من تلك الاحاديث، ولا يذکرون الملتزمين بمؤدّى ذلك ـ: مثل ابن مسعود (الصحابي!) وابن شنبوذ، وأمثالهما ـ وقرآنيته، بل يقول بعضهم بوجود غيرالقرآن في هذا المصحف الموجود!
والأدهى والأمرّ أن فقهاء أهل السنّة منهم مَنْ استدلّ بتلك الروايات الآحاديّة على ما فيها من الأحکام في کتب الفقه باعتبارها حجّة منزلة بعنوان (القرآن) وإن کان منسوخ التلاوة، إلاّ أنه ثابت الحکم الذي جاء به! لکونه وحياً منزلاً عند الفقهاء.
ولا نجد مثل هذا في فقه الشيعة ، مما يدلّ على رفض الشيعة لحجيّة هذه الأحاديث عندهم، وعدم اعتبار ما فيها قرآناً لا تلاوة ولا حکماً، عند الفقهاء وغيرهم.
فأيّ الفريقين أولى بالالتزام بنزاهة القرآن من التحريف، وبُعده عن هذا القول الباطل السخيف!
ثمّ إن الکاتب أورد حديثاً عن الکافي للکليني فيه: «إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلي الله عليه وآله وسلم، سبعة عشر ألف آية».
و علّق بقوله:
و من المعروف أن القرآن الذي بين أيدينا (6063) آية فقط، مما يعني ـ حسب زعمهم ـ أنّ ثلثي القرآن ناقصٌ ومخفي. تعالى الله وکتابه عمّا يقولون علوّاً کبيراً.
نقول: إنّ الكلام عن الأرقام ـ سواء في آيات القرآن أو حروفه ـ متعددة ومتفاوتة، ومنها هذا الحديث، لکن:
1 ـ إن کلمة (الآية) ماذا تعني؟ فهل المراد بها هذه الآيات المرقّمة في المصاحف المتداولة اليوم، مع العلم بأنها لم تکن مرقّمة سابقاً.
مع أن العلماء قد اختلفوا في عدد الآيات المرقمة، حتى قال السيوطي: تعديد الآيات من معضلات القرآن، ونقل عن الموصلي قوله: اختلف في عدّ الآي أهل المدينة ومکة والشام والبصرة والکوفة، ولأهل المدينة عددان! (الاتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطي (1/232) طبع مصر).
2. إنّ معنى (الآية) في الحديث ـ بل في نصّ القرآن ـ تطلق على المعجزة الإلهيّة، کما قيل:
وفي کلّ شيء له آية تدلّ على أنـه واحد
و قد ذکرها الله في القرآن ليعتبر بها الناس.
مع أنّ في أحاديث أهل السنّة ما يشبه حديث الكافي، وهو ما رووه عن عُمر(الخليفة الثاني) قال: إنّ حروف القرآن (ألْفُ ألْف حرف و...).
رواه السيوطي في الاتقان (1/242) عن الطبراني، ورواه في مجمع الزوائد (7/163) وکنز العمال (517).
و حروف القرآن الموجود هو (671/323) حسب رأي ابن عباس، کما نقله السيوطي في (الاتقان :1/231).
ومقتضي کلام عمرهو أن يکون المحذوف من هذا القرآن هو حدود (000/600) حرفاً وهو ما يعادل الثلثين بالنسبة إلى الموجود! فهل يدل على (أن ثلثي القرآن ناقص ومخفي)؟ کما فهمه الکاتب من حديث الکافي؟ فما هو موقفه (حضرة الکاتب) من هذا الحديث العمري؟
إنّ رؤوس مذهبه اختلفوا في ذلك:
فهذا الذهبي يقول: إنّه باطل، مستنداً إلى تفرّد الراوي به.
لکن السيوطي يقول: حمل على ما نسخ رسمه من القرآن، أيضاً، إذ الموجود الآن لايبلغ العدد.
فانظر کيف أن الکاتب يرى ما عند الشيعة، ولا ينظر ولا ينقل ما عند أهل السنة مثل ذلك في مصادرهم! لأنّه ينظر بعين واحدة!
و لو کان قاصداً خيراً لحاول النظر إلى جميع ما ورد، وحملها على ما يُناسب من دون طعن أو غمز أو لمزٍ، مما يميزّه عنه أهل العلم الفضلاء الدعاة إلى الحقّ والحقيقة.
و الکاتب يتمنّى ويترجّى أن يتحقق ما يشتهي من الباطل لينسبه إلى الشيعة، رغبة منه في تعميق ما في نفسه من اتّهامهم، فيقول:
«و لعلّ السبب الأهم الذي دفع الشيعة لادّعاء نقصان القرآن وتحريفه، هو عدم ذکر القرآن الکريم موضوع الإمامة، التي يدّعي الشيعة أنّها من لوازم الإيمان ومن أهمّ أسس العقيدة عندهم...».
نقول: فانظر کيف يجمع بين أمرين أحدهما حقّ وهو التزام الشيعة بالامامة أنّها من لوازم الإيمان، وثانيها باطل : وهو أنّ عدم ذکر القرآن الکريم للإمامة، هو سبب الالتزام بتحريف القرآن، وحذف ما يدل على الإمامة منه.
و هذا ـ من الکاتب ـ دليل آخرعلى تعمّده لخلط الحقّ بالباطل، أوالتوصل بالحق إلى الباطل، فإن التزام الشيعة بالإمامة أنه من لوازم الإيمان فهذا هو الصحيح استناداً منهم إلى أدلة علمية رصينة، أثبتوها في کتب علم الکلام عندهم. لکن لا يحتاجون إلى القول بتحريف القرآن للوصول إلى ذلك، لأنّهم فعلاً يستدلون بالآيات القرآنية الواردة في هذا القرآن المتداول، وقد أثبتوها في کتب علم الکلام أيضا. وهذا دليل آخرعلى جهل الکاتب بما يدخل انفه فيه!
فهل هذا الأسلوب يليق بمن يتصدّى لهذا البحث المهم، أن يتمنّى ويترجّى لمن يُناقشه، فيعرض ما يتّهمه بأمر خطير مثل القول بتحريف القرآن! على أساس مشتهياته ورغباته!
فلا يمكن صدور ذلك إلاّ ممن يکون متعمداً يقصد الإهانة بالقرآن الکريم، نعوذ بالله من اتباع الهوى.
ثمّ إن الکاتب ـ وبالرغم مما أثاره من الشبه وما سطره من الاتهام والتمويه ـ يقرّ بأن الشيعة يلتزمون (باعتماد القرآن الذي بين أيدينا) وهذه حقيقة لا يمکنه أن ينکرها، وهي فخر للأمّة الاسلامية المجمعة على الاعتزاز بالقرآن الکريم والاعتماد عليه في دينهم: عقيدة وشريعة، وهدىً وصلاحاً.
إلاّ أنّ الکاتب ـ ولامتلائه بالحقد والبغضاء والکراهية - يأبى إلاّ أن يُناقض نفسه، وينغّص على الآمة ابتهاجها بذلك الاجماع على حجية القرآن والاعتماد عليه، فراح يظهر تشکيکه في القرآن، ليخفت نور تلك الحقيقة اللامعة الرائعة، فراح يقول:
«إن الشيعة مضطرون ومأمورون ـ في الظاهر ـ بالاعتماد على القرآن...».
نقول: مع أن کل مسلم مؤمِن هو مأمورٌ بالاعتماد على القرآن! لکن الکاتب لايعجبه ذلك، بل يريد أن ينفي ما اعترف به، ويجعل من «ذلك الاعتماد» عملا ظاهرياً لاواقعياً، رجماً منه بالغيب، وحملاً لفعل المسلم على غيرالصواب وغيرالحقّ.
وهذه النفسية، وهذا الأسلوب، ليس من أوصاف المؤمن الذي يحبّ الحق أن ينتشر, ويحبّ الحقيقة أن تتبّع، ويحبّ القرآن أن يعمل به. فهل العداء للقرآن، والسعي في التأکيد على تحريفه، يکون من العدو أکثر من هذا الذي اتبعه الکاتب؟!
ثم لابدّ أن ننبّه على أمرلم يذکره الکاتب (غفلةً أو تغافلاً) وهو: انّ القرآن الکريم، الذي يتداوله المسلمون في الشرق الإسلامي والأشهر بين الشعوب الاسلامية، هو من (قراءة حفص، عن عاصم، عن أبي عبدالرحمن السلمي) وهؤلاء کلّهم من الشيعة، وروايتهم عن أميرالمؤمنين علي بن أبي‎طالب عليه السلام.
وهذا وحده شاهد صدق قويم على بطلان ما ينسبه المبطلون إلى الشيعة حول القرآن، لأن هؤلاء الرواة کلّهم من الشيعة، وقد اعتمدت الأمة على قراءتهم ونقلهم للقرآن الکريم، ولم يأبه أحدٌ بما لفقه وعّاظ السلاطين ضدّ هؤلاء القرآء من الجرح والتضعيف، لأنّ ذلك يؤدّي إلى التعرّض للقرآن الشريف. وقد نافح کبار الفقهاء والعلماء عن هؤلاء الرواة محتجّين بما ذکرنا. وفصّلنا الکلام عن هذا في کتابنا (دفاع عن القرآن الکريم)، فراجع.

ـ ثانياً ـ
مع حُجيّة السنّة
و هو الأمر الذي قصده کاتب المقال، وعنونه به, فبدأ بالقول:
«تبقي حجيّة السنة النبوية هي الأهمّ والأکثر ظهوراً ووضوحاً من اختلافات أهل السنة والجماعة والشيعة الرافضة».
نقول: إنّ تضخيم الکاتب للسنّة في مقابل القرآن الکريم، أمرٌ مخالفٌ للحقّ، فإنّ القرآن الکريم مع کونه المعجزة الاعظم والحجة الأکبر والأقوى، لکونه قطعيّ الصدور، ومجمعاً عليه بين المسلمين، وعدم تدخل الرواة في ذلك، ولا تعرضه للجرح والتعديل، فلو وقع فيه خلاف من أحد، کان مخالفاً في الأهم والأعظم وکانت مخالفته أکثر وضوحاً في ما يروم الکاتب!
لکنه مع ذلك يُحاول تضخيم أمر السنة في مقابل القرآن، لأنه يعرفُ ـ ولو لم يعترف ـ بطلان ما وجّهه إلى الشيعة من التهم والافتراءات حول القرآن, ومحاولته الفاشلة في نسبة التحريف إليهم، کما أوضحنا ذلك في ما سبق (أولاً).
وبدأ في کلامه عن السنّة بهذه العبارة التي تکشف عن عدم معرفته وعدم اتّزانه، ثم إنّه يقول:
«فرغم اشتراک الطائفتين (يعني أهل السنة والشيعة) في اعتبار السنة النبوية مصدراً للتشريع، إلاّ أن سنة الشيعة مختلفة تماماً عن السنة عند أهل السنة والجماعة».
و في کلامه هذا اعتراف صريح ومهم، وادعاءٌ باطل سخيف:
فهو يعترف باعتماد الشيعة على السنة النبوية في التشريع, وهذا أمر لايخفى على أحد من أهل العلم، فهذه مصادر الحديث الشريف عند الشيعة ـ والتي ذکرها الکاتب نفسه ـ أکثر عدداً وأصحّ سنداً وأشمل مورداً، وأقوى اسلوباً ومنهجاً. لکن الکاتب (و هو من يُحاول اثبات الخلاف بين المسلمين) يتبع هذا الاعتراف بقوله:
«إن سنة الشيعة مختلفة ـ تماماً ـ عن ما عند أهل السنة».
و هذا الادّعاء باطل، من جهات:
الجهة الأولى: إنّ قوله (تماماً) واضح البطلان، لوجود الأحاديث المشترکة المروية بين الطائفتين کثيرة جدّاً، وهي مثبتة في المصادر المهمة عند الفريقين، فتأکيده وترکيزه بقوله (تماماً) ينمّ عن جهل الکاتب، أو غرضه تفضيع الأمر.
والجهة الثانية: إن اختلاف العلماء ـ حتى أهل السنة ـ في نوعية ما يعتمدونه من السنة ـ بعد الاتفاق على حجية السنة ـ أمر واقع، فهل اعتماد المذهب الحنفي على أحاديث السنة، يُساوي اعتماد الشافعية، وهل اعتماد المذاهب السنية تساوي اعتماد الحنابلة اهل الحديث، وهل اعتمادها تساوي اعتماد أهل الظاهر؟
ولو کانوا متفقين في الاعتماد على الأحاديث صدوراً وحجية، وفهماً وتفقهاً، فما لها تعددت المذاهب؟ ولماذا تختلف في الفتاوى إلى حدّ التناقض؟
ولو كان الكاتب يعرف الحديث وعلومه، ومناهج العلماء في حجيته والالتزام به, وطرقهم في اعتماده في التشريع، لما تکلم بذلك الکلام السخيف !.
ولو أنّه اکتفى بما عرضه من مصادر الفريقين، وسکت عمّا لا يعنيه من الفضول، وأحال الأمر إلى (المدققين) من العلماء المتخصّصين، لكان في مأمنٍ من هذه الورطات، وکان أولئك هم الحاکمون بين الطرفين!
لکنه حتى في عرضه ذلك, حاول أن يکون هو الحاکم، الفارض على (المدققين) رأيه الفاسد عليهم، فيقول:
«و المدقق... يجد اختلافاً کبيراً کاختلاف ما بين النور والظلام، وبوناً شاسعاً کالمسافة ما بين السماء والارض».
وهذا تجاوز على المدقّق الذي فرضه، والکاتب ليس له الحقّ في أن يفرض على أحد أحکامه، بل المدقّق هو الذي يبحث ويدقق لمعرفة الحق من الباطل، ويميز بين المناهج المتبعة لدى المحدّثين، ويلتزم بالنتيجة التي يتوصّل إليها فالمدققون لايتبعون رأي الکاتب، حتى ينسب إليهم حکمه هذا.
ثمّ إن ما حکم به من سعة الاختلاف دعوى بلا بينة ولابرهان، فالاختلاف بين الشيعة وأهل السنة في الحديث ليس کما تصوّر هذا الکاتب، بل کما أوضحنا، فإن الاحاديث المؤتلفة ـ لفظاً ومعنىً، أو معنىً فقط ـ کثيرة جدّاً ، وقد ظهر ذلك جليّاً في الفقه والتشريعات، فان (فقه الوفاق) بين الشيعة واهل السنة، يشمل مساحة کبيرة واسعة، يتضاءل أمامه فقه الخلاف، وهذا أمر معروف لدى أصحاب الفقه المقارن.
ثمّ إن الکاتب حاول أن يُبين بعض ما يخطر في وهمه، من دوافعه على مزاعمه، فقال:
«فبينما اعتمد أهل السنة والجماعة على أحاديث متصلة السند إلى زمن الرسول صلي الله عليه وسلم ضمن ضوابط محکمة من علم رجال الحديث والجرح والتعديل وغير ذلك من الشروط والضوابط.
نجد الشيعه يعتمدون على أحاديث منقطعة السند لاتستند على أيّ أساس علمي أو منطقي، وإنما على أهواء وميول وأحقاد، جعلتهم ينسبون للنبي صلى الله عليه وسلم ولعليّ رضي الله عنه وغيره من الصحابة الکرام، أحاديث وأقوال وأفعال ما أنزل الله بها من سلطان».
نقول: إنّ تکديس ألفاظ التهجين والتکذيب والتحقير والإبطال، أمر سهل على لسان من لايستحي من الحقّ، ولا يعترف لخصمه بحرمة ولا يلتزم بأدب الحوار، ولا يعرف آداب البحث والمناظرة، ولا له ضمير يردعه، ولا وجدان يمنعه، مثل هذا الکاتب (الجاهل)!
و ما سوف يکون موقف هذا الکاتب، لو عکس أحد عليه هذه الأحکام، فجعل ما ذکره عن الشيعة، منسوباً إلى أهل السنة، فقال: إنّ أهل السنة يعتمدون على أحاديث منقطعة... وإلى آخر ما ذکره الکاتب.
فما سوف يکون موقف الکاتب؟
إن أحداً من عامة الناس، فضلاً عن العلماء الفضلاء، لا يقبل مثل تلك الادّعاءات التي کدّسها الکاتب حتى في حقّ أحاديث أهل السنّة على الاطلاق:
فلماذا وقع بين علمائهم الخلاف في التوثيق والتجريح؟ ولماذا تعدّدت کتب الثقات والضعفاء؟ ولماذا اختلفت الفتاوى في الفقه، والعقائد؟ ولماذا بلغ الأمر بينهم إلى حدّ التکفير والقتل والنزاع، مما هو مسجّل ومثبت في التاريخ!
إذا کان معتمدهم في الأحاديث الموصوفة بما وصفها الکاتب بقوله:
«متصلة السند إلى ( الرسول) ضمن ضوابط محکمة من علم رجال الحديث والجرح والتعديل...»؟
وأما ما نسبه إلى الشيعة، فهو کاشف عن جهل مطلق بتراث الشيعة ومعارفهم وعلومهم.
فهذا تراث الشيعة الحديثي ـ کما عدّده هوالکاتب نفسه ـ يعتبر من کنوز التراث الإسلامي، والأسانيد فيها الکثير مما هو مرفوع مسند متصل إلى الرسول الأکرم صلى الله عليه وآله وسلم.
ولهم من الأسانيد مؤلفات قيّمه وجهود وابتکارات لم توجد في کتب أهل السنة، فالمشيخة التي ابتکرها الشيخ الصدوق، وتبعه الشيخ الطوسي في کتابيهما، عملية سندية بديعة وعظيمة, لم يفطن لها أصحاب الصحاح والمسانيد عند العامة، وکذلك کتب الفهارس التي سبق الشيعة في تأليفها، وهي لاثبات الطرق إلى الکتب المؤلّفة , وتحکيم اسانيدها وبلوغها. و کلّ ذلك مشروح في الکتب المعدّة لذلك. لکن الكاتب الجاهل بها يکون بعيداً عنها، والإنسان عدوّ ما جهل، کما يقال.
وأما ما رواه المحدثون الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين يعتقدون بعصمتهم، فإنّما تعتمد لقيام الأدلة على حجيّة أقوالهم، بما ثبت من أقوال الرسول صلى الله عليه وآله والمتفق عليها بين المسلمين سنةً وشيعة.
وهي متّصلة مرفوعة لقول الأئمة عليهم السلام أنّها مروية بأسانيد آبائهم إلى الرسول صلى الله عليه وآله, فقد قال الإمام: (حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدّي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله) !
وبهذا تتمّ الحجة على اعتبار أحاديثهم، لاتّصالها.
لکن الجاهل بأمور أهل البيت عليهم السلام والبعيد عنهم، يتّهم أحاديثهم بالانقطاع والإرسال.
فليس العيب في الأحاديث الشيعيّة, وإنّ المشکلة في الکاتب وأمثاله من الجهلة بالعلم والعلماء وأحوالهم، حتى أنه لم يُراجع کتب أهل السنة ومؤرّخيهم الکبارالذين يعرفون أئمة أهل البيت عليهم السلام ومقاماتهم العلمية.
فهذا الذهبي وهو من الرؤوس الکبيرة في الجرح والتعديل، يعرف الأئمة عليهم السلام ما ذکره في ترجمة الامام محمد المهدي ابن الحسن العسکري عليهما السلام، من الجلالة والکرامة، واستحقاق الخلافة وأولويتهم لها من خلفاء بني ‎اميّة والعباس، الذين يأتمّ بهم أهل السنة.
فحديثُ هؤلاء هو المعتمد عند الشيعة، لکن الکاتب لايعجبه ذلك، ويتّهمهم بأن حديثهم «ما أنزل الله به من سُلطان».
و نحن لا نعتدي على الحديث الشريف المرويّ عند أهل السنّة، بجميعه، لما ذکرنا أنّ فيه من الحقّ ما يشترك مع حديث الشيعة، لکن يکفي القول في أحاديث أهل السنة ما يقوله فيه علماؤهم ومحدّثوهم على اختلاف مذاهبهم.

الفروق التي زعمها الكاتب بين الحديث الشيعي والسني:
و المهم في هذا المقال هو ما ادّعاه من «الفروق بين حجيّة السنة عند أهل السنة والجماعة...، وبين السنة التي يحتجّ بها الشيعة...» فقال:

الفرق الأوّل:
«الفرق الأول: من تدوين السنة:
فبينما بدأ تدوين السنّة عند أهل السنّة والجماعة بشکل متسلسل ومتّصل منذ عهد النبي صلي الله عليه وسلم، حين سمح النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة الکرام بکتابة الحديث.
بعد منعه من ذلك، خوفاً من اختلاطه بالقرآن في بداية نزول الوحي ».
إلى هُنا أبدع الکاتب بإيراد هذا الرأي الذي ابتدعه وابتکره، لأنّه مخالف لآراء أکثر الکتاب ـ من أهل السنة ـ المؤلّفين في البحث عن «تدوين السنة وتاريخها»!
فإنّ الأصل الذي التزموه هو المنع الشرعيّ عن کتابة الحديث، وقاموا بالبحث عن أسباب ذلك المنع الشرعيّ، وذکروا لذلك أعذاراً منها ما ذکره الکاتب وهو خوف اختلاط الحديث بالقرآن!
لکن لم ينسب أحدٌ من العلماء هذا العذر إلى الرسول صلى الله عليه وآله نفسه، وإنما هو عذر افترضه بعض المتأخرين. مع أنهم أجمعوا على أن ما صدر من الکتب على عهد الرسول صلى الله عليه وآله کان قليلا نادراً يُعدّ بالأصابع!
ثمّ تعرض الکاتب لموقف الصحابة في أمر التدوين، فقال:
«ثمّ استمر الاهتمام بتدوين السنة زمن الصحابة ـ وإن کان الغالب الحفظ في الصدور ـ من خلال الصحف التي دوّن فيها بعض الأحاديث النبوية خوفاً من النسيان، کصحيفة علي».
لاشكّ أنّ الصحابة الأمناء على هذا الدين، کانوا من أحرص الناس على الحديث وحفظه، لما سمعوه من النبيّ صلى الله عليه وآله من التأکيد على کتابته وتخليده، وقد کان رائد التدوين هو أميرالمؤمنين علي بن أبي ‎طالب عليه السلام.
لکن هل کان زمان الصحابة بعد الرسول صلى الله عليه وآله والذي طال إلى نهايات القرن الأول الهجري (11 ـ 100 للهجرة) هل کان هذا الزمان، مجالاً رحباً للصحابة أن يدوّنوا ويجمعوا الأحاديث في الکتب والصحف!
هذا ما لم يدخل الکاتب في البحث عنه، بل اقتصرعلى کلماته تلك وهو:
«استمرار اهتمام الصحابة بتدوين السنّة من خلال الصحف التي دوّن فيها بعض الأحاديث...».
نقول: إنّ عهد الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله کان هو فترة الخلفاء ثم حکم معاوية وبني ‎أمية وطال عصرهم إلى أوائل القرن الثاني.
وکان التدوين في ذلك العصر کلّه ممنوعاً رسمياً، والصحابة المساکين الذي الّفوا وسعوا في کتابة الأحاديث لحرصهم على العلم والدين، واجهوا منعاً باتاً، وشاملاً، وواجهوا مقاومة عنيفة من قبل الحکّام، بلغ إلى حدّ التهديد، والإبعاد، بل السجن والحبس، والضرب بالدرّة، بل لقد جمعت صحفهم التي احتوت على السنة النبوية، وأحرقت بالنار، أوأميثت بالماء، أومحيت وأبيدت!
بدأ کل ذلك بعد الرسول صلى الله عليه وآله مباشرة، واستمر في عهود الخلفاء والأمراء حتى مطالع القرن الثاني الهجري، مروراً بعهد السفاح الوالى عن الامويين الذي ختم على الصحابة حتى لايحدّثوا الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وآله.
فمتى تمکن الصحابة من کتابة الحديث؟ وماذا بقي مما کتبوهُ في تلك الظروف الحرجة، والرقابة الشديدة التي فرضت عليهم؟ حيث منعوهم لا عن مجرد الکتابة، بل حتى عن التحدّث والقراءة للحديث الشريف.
إنّ هذه السياسة الشديدة ضدّ الحديث وکتابته أربکت علماء أهل السنة! فراحوا يخترعون لها الأعذار والتوجيهات العديدة، مما يؤکد وجودها، وإن صعب على البعض تصوّرها.
فلهذا يتغافلون عن ذکرها، ولم يتعرضوا لها أبدا, مثل الکاتب الذي ادعى استمرار الصحابة على تدوين السنة!
ثم إنّ الکاتب مهما تغافل عمّا ذکرناه من تاريخ تدوين الحديث في عصر الصحابة، فإنّ فيها ما يأبى الخفاء، ولا يمکن لأحد الإغماض عنه , وهوالإعلان عن شعار «حسبنا کتاب الله» الذي صرخ به قائله في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وفي محضره الشريف، وهو مسجّىً في فراش الموت، عند ما طلب من الصحابة القرطاس والدواة، وهمّ ليکتب لهم «ما لم يضلّوا بعده أبداً».
لکنه روحي فداه جوبه بذلك الشعار، ومنع من کتابة ما أراد؟
هذا الأمر الذي تناقله علماء الاسلام، المحدثون في کتبهم، والمؤرخون في تواريخ سنة وفاة النبي صلى الله عليه وآله. کما أن قائل تلك الکلمة کان هو المتشدّد في منع الصحابة عن تدوين السنة، والمهدّد لهم بالحبس والإبعاد والدِرّة.
بل لم يکتف بمنع الکتابة، حتى منع نشرالحديث وإعلانه, واستمرّ هذا المنع في عصر الأمويين. فکان الحکّام يصرحون بمنع کتابة الحديث ونشره ، وکذلك أمراؤهم، فالحجاج بلغ الأمر به أن ختم على الصحابة، ليجتنبهم الناس، فلا يسمعوا أحاديثهم؟
فعلى ماذا يدلّ إغفال هذه الامور من هذا البحث الخطير؟ من حضرة الكاتب المتحمس للسنة؟
والغريب أنّه ـ وأمثاله ـ تناسوا جهود الشيعة من الصحابة الکرام، ودورهم المجيد في الحفاظ عليه وتخليده، رغم کلّ المصاعب التي تجاوزوها، وخلّدوا الدين والحقّ في الکنوز المليئة بالمعارف الإسلامية.
وقد کان رائد الشيعة الملتزمين لتدوين الحديث الشريف هو أميرالمؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه السلام، الذي جمع الکثير من ذلك، ومنها « کتاب عليّ » الذي توارثه الأئمة عليهم السلام من بعده.
وقد تبعه عليه السلام الشيعة من الصحابة الکرام وكذلك التابعون العظام، وسائرالموالين لهم مدى العصور، فقد حافظوا على السنّة الشريفة متّصلة بسلسلَة الأئمة الأطهار من أهل البيت عليهم السلام وهي أشرف الطرق وأفضلها وأوثقها عند عامة المسلمين، وقد عرفها المحدّثون وسموها بسلسلة الذهب.
وجهود أهل البيت الأئمة عليهم السلام وأصحابهم الكرام من الصحابة، کثيرة وهي من أعزّ ما تفتخر به الأمّة الاسلامية.
لکن الکاتب يُحاول أن يغالط، ويملأ أفکار قرّائه بالباطل، فيدّعي أن التراث الحديثي الشيعي متأخر، وأنه بدأ سنة (290) وناقش التراث الشيعي وشؤونه، مما لامجال للکلام عنه.
وقد اعترف علماء الحديث السني، بتأخّر تدوينهم له عن القرن الاول، واتفقوا على أن أوّل من بدأ التدوين هو عمر بن عبد العزيز (99 ـ 101) وصرّح بذلك کبير محدّثيهم وهو البخاري صاحب الصحيح کما اعترف به الکاتب نفسه، فقال:
«ما رواه البخاري من أن عمر بن عبد العزيز هو الذي أمر بتدوين السنّة في مطلع القرن الثاني الهجري».
والکاتب لم يوافق على رأي البخاري، فقال:
«أراد جمع الجهود المتفرّقة التى کانت موجودة فعلاً قبل ذلك».
نقول: لکن ليس البخاري وحده هو من أعلن عن تأخّر التدوين، وإنّما اتفق على ذلك أهل العلم کافّة.
وأما تفسيرالكاتب لکلام البخاري، فهو باطل لوجوه:
الوجه الأوّل: إنّ الجهود المتفرّقة في القرن الأوّل ـ ومن طرق أهل السنة ـ لم تکن بالکثرة والسعة بقدر ما کتب وانتشر بعد القرن الأول وفي بداية القرن الثاني.
الوجه الثاني: إذا تمکن عمر بن عبدالعزيز من جمع الجهود المتفرقة الموجودة فعلاً كما زعم الكاتب، فمن أين له الجهود المبادة على أيدي الحکام والأمراء وغيرهم في القرن السابق الذي تشددوا فيه على من کَتَبَ وعلى الکُتب التي نالتها النار والتهمتها؟ وطالتها الإماثة في الماء فمحتها؟ ونالها الدفن في الارض فأبيدت!
و أدلّ دليل على حصول المنع وما ترتب عليه هو إقدام العلماء ومؤرّخو الحديث، على إيجاد الأعذار للمنع الحکوميّ الرسميّ عن تدوين الحديث في تمام القرن الأوّل والأيام العصيبة الخاوية.
فلو کانت الآثار باقية لما لجأوا إلى الاعتذار بالأعذار الواهية.
و قد فصلنا الکلام عن جميع ما ورد هنا من الکلام عن مسأله تدوين الحديث، في کتابنا الكبير: (تدوين السنة الشريفة) المطبوع.
وقد تمّ ما عرضه الکاتب في (الفرق الأوّل) وعرفت أنّ ما قصده الکاتب من عرضه لم يثبت له، وإنّما موّه فيما نقله وتجاوزعن حقائق تضرّ بمراده، فأوردناه ليعرف القارئ الکريم صنيعه الفاشل.
الفرقُ الثاني:
قال الکاتب:
«يشترط أهل السنة والجماعة في الحديث أن يکون مستداً… مع اشتراط العدالة والضبط… دون شذوذ أو علة قادحة في علم يعتبر مفخرة هذه الأمة لم ينله غيرها»..
ثم نقل عن ابن تيمية قوله: «علم الاسناد والرواية مما خصّ به أمة محمّد صلى الله عليه وسلم وجعله سلّماً إلى الدراية…».
و يقول:
«بينما الشيعة يزعمون رواية أحاديثهم عن آل البيت، ولکن دون سند ولاضبط ولا شيء من هذا».
نقول: إنّ في کلامه اعترافاً بأنّ هذا العلم يعتبر مفخرة لهذه الأمة لم ينله غيرها، وکذلك اعترف ابن تيمية: ان هذا العلم مما خص الله به أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وجعله سلماً إلى الدراية.
فهنا اعترافان بأن هذا العلم يعمّ جميع الأمة، ولم يخصّ أهل السنة فقط، فهو يشمل الشيعة، إلاّ أن يکون الحقد بلغ بهؤلاء أن يخرجوا الشيعة من ملة الإسلام؟ کما هو رأي السلفية والوهابية التکفيرية، الذين يکفّرون الأمة کلّها إلا من تبع آراءهم وهواهم!
ثمّ إن ما ذکره مميّزاً لأهل السنة، هو موجود بکلّ وضوح عند الشيعة، فهذه کتب الاسناد وکتب الدراية والمصطلح، وبحوث الحديث وعلوم الحديث من مؤلّفات الشيعة قديماً وحديثاً منشور مشهور، ولا يحتاج الطالب لها إلا بأمر بسيط وهو فتح عينه، ونبذ حقده، ومخالفة هواه، للوقوف عليها.
فکيف يدّعي الکاتب (الکاذب) ان الشيعة: «دون سند ولا ضبط ولاشيء من هذا»؟!
ثمّ إنّ مراجعة سريعة إلى المصادر التي ذکرها الکاتب للحديث عند الشيعة، تکفي لإبطال هذه المزاعم المزيّفة، ليجد المراجع أمامه الأسانيد لکل حديث , والمناقشات الرجالية في حجية الأحاديث، ليعرف کذب هذه الدعوى الفاجرة.
وأما العناية بالدراية، فيکفي أن الشيعة هم الذين يعملون بقول رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو من رواية حفيده الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام, القائلين: «حديثٌ تدريه خيرٌ من ألف حديث ترويه» فلا يکدّسون الروايات بلا فهم، ولا يعملون بظاهر ما فيها بلا تدبّر، وهم الذين يشترطون العدالة بمعنى عدم الکذب والبراءة من الوضع والدسَّ والأغراض السياسية والأحقاد المذهبية، کما تفعله السلفية والوهابية، الذين يقومون بتسطير الأکاذيب قربةً وحسبة، کما يفعله الکاتب هنا.
و لهذا نجد أن دليلهم على دعاواهم هو السبّ والقذف والإتهام کما ترى في هذا الموضع أن الکاتب عن رواية الشيعة لأحاديثهم عن آل البيت، يقول:
«بل هو الکذب والتلفيق». وينفي عنها «السند والضبط ولا شيء».
مع إنه مدان من فمه حيث يقول بعد هذا مباشرة: « وإن وجد السند ظاهرياً، فلأهداف وغايات...».
فهناك ينفي وجود السند عند الشيعة! وهُنا يثبته؟ لکنه يصفه بقوله : «ظاهرياً»؟!!
فهل هناك سندٌ باطني؟
وأما کون السند لأهداف وغايات، فهل في ذلك تأثير على السند بحيث يقتضي أن تعتبره غير موجود، فتنفيه, وتقول: «بدون سند»!؟
و إذا کان الغرض من وجود السند - کما تنقل - هو إثبات اعتماد الشيعة على الأسانيد ودفع اتهام جهال العامة ـ من أمثالك ـ بعدم السند، فهو أمر ملزمٌ لکم ومثبت لکذبکم واعتدائکم؟ وهذا هو الذي يزعجکم.
ولکن حبل الکذب قصير، فأنا على يقين أن القُراء الکرام لهم عقل ووجدان , سيراجعون کتب الشيعة في علوم الحديث، فيجدون أمامهم کتب الحديث بأسانيدها، وکتب الرجال والجرح والتعديل، وکتب المصطلح والدراية بأعدادها, فيقفون على بطلان ما ادعاه الکاتب من الهراء! والکذب! والدجل.
ثمّ إن وجود ذلك الغرض لايخرج السند عن کونه مفيداً للاتّصال، ولا يزيله عن فوائده المعهودة في علم المصطلح والرجال.
لکن ألا يتمکن هذا الغرض من إلجامکم وإفحامکم وإرغامکم على ترك تلك الدعاوي الکاذبة على الشيعة؟ وهل تمتنعون عن کيل التهم وسرد الأقاويل الباطلة ضد الحديث الشيعي؟
الفرق الثالث:
قال الکاتب: «الزيادة والنقصان في المتن عند الشيعة معروف وموجود، بل يعترف به المتّهم،كما في الکافي عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: اسمع الحديث منك، فأزيد وانقص؟ قال: إنّ کنت تريد معانيه، فلا بأس.
فقال الكاتب:
بينما لايجوز الزيادة او النقصان في المتن عند أهل السنة والجماعة، فالزيادة والنقص في متن الحديث تعتبر کذباً على رسول الله صلي الله عليه وسلم ووضعاً إن کان بقصد، وإن کانت بغير قصد فهي غلط وعدم ضبط, وکلاهما لا يؤخذ الحديث عنه عند جماهير علماء أهل السنة والجماعة.
نقول: الزيادة والنقصان في الأحاديث متونها أو أسانيدها حيث يقع، فهو قادح في الحديث بلاخلاف، ولا يفترق وقوعه بين حديث طائفة دون أخرى، ولذلك وضع علم علل الحديث لمعرفته، وقد اختصّ بالتنبيه على ذلك أعلام من الأمة من مختلف الطوائف.
فعنوان الکاتب لهذا للتفريق بين الحديث الشيعي عن السنّي، جهل بأصل الأمر.
وأما استشهاده بالحديث المذکور، فهو أيضاً جهل منه، لأن الحديث المذکور إنما أورده الکليني في باب (نقل الحديث بالمعنى) وهو من بحوث علوم الحديث، وفي جوازه وعدمه اختلاف.
وقد احتاط المحدث الأقدم الثقة العلم محمد بن مسلم, فسأل الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك احتياطاً لدينه، فکان جواب الإمام له بما هو المعروف عند أئمة هذا العلم، وهو جواز النقل بالمعنى إذا کان الناقل مصيباً للمعنى الوارد في الحديث، وليس التقيّد بألفاظ الحديث حينئذٍ ضرورياً، وهذا يؤکد ان المهم في الحديث هو ادراك المعنى وفقهه، لا مجرّد لفظه بدون فهم المعنى.
فأين إيراد الکاتب لهذا الحديث من هذا المعنى المهم؟
وأين إيراده له من ما يقصده من القدح في الحديث الشيعيّ؟
وأما استشهاده بکلام أحمد بن حنبل حيث أنه في جواب السؤال عمّن يؤخذ العلم؟. قال: «عن الناس کلّهم الاّ عن ثلاثة. صاحب هوىً يدعو إليه, أوکذّاب فانه لايکتب عنه قليل ولا کثير، أو عن رجل يغلط فيردّ عليه فلا يقبل».
فهو صحيح، ولا يفترق الرأي الشيعي عن السنّي في هذا، فهو أمر مسلّم لاخلاف فيه, فإيراد الکاتب له هنا، بلا مناسبة!.
وکذلك قوله بعد ذلك: «فالعدالة بعدم الاتهام بالفسق وخوارم المروءة والضبط بالحفظ وعدم النسيان أو الغلط , من أهم شروط الراوي في الحديث عند أهل السنة والجماعة؟»
نعم، وهو کذلك عند الشيعة، ويصطلحون لذلك اسم «السداد»! فايّ ربط لهذه المسلّمات المتّفق عليها بالموضوع!
و هکذا نجد الکاتب يکدّس الأمور بعضها على بعض ويخلط الحق بالباطل! زيادة في العبارات من دون ارتباط بينها , ولا دخل لها في ما يهدف إليه!
الفرق الرابع:
قال:
«الصحابة کلّهم عدول عند أهل السنّة والجماعة، بمعني أنهم لايتعمّدون الکذب على رسول الله صلّي الله عليه وسلم، لما اتّصفوا به من قوة الايمان والتزام التقوي والمروءة وسموّ الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور.
و ليس معني عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي، أو من السهو والغلط, فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم»!.
نقول: الکلام حول (الصحابة) واسع الأطراف:
فمن هم الصحابة؟ وعلى من يُطلق هذا الاسم؟
ثم من هم المحکوم عليهم بالعدالة؟ هل هم الجميع من دون شرط أو قيد أو صفة؟
وما معنى عدالتهم؟
وغير ذلك من الجهات والأمور التي تتعلّق بهم, وفي جميع تلك الأمور اختلافات، وآراء متعدّدة وأقوال متعارضة.
فعنوانٌ بهذا الشکل، ذو بحوث بهذه السعة والأطراف، لا يمکن البتّ فيه بکلمات وسطور قاصرة، مثل ما أورده الکاتب.
فقد أفرد اسم (الصحابي) وأطلقه، وأورد ما يراهُ مما لايوافقه الجميع عليه، حتى کثير من أهل نحلته السنيين، وأورد فيه ما يدّعيه هو فقط.
فکلمة (کلّهم) التي ذکرها لايمکن فرضها، مع وجود المنافقين بين ما يطلق عليهم الصحابة في بعض الآراء، فهل يلتزم الکاتب بدخول المنافقين في حکمه بالعدالة؟
و هل الذين ارتدوا عن الاسلام، ثم رجعوا إليه، يحملون صفة العدالة؟
و هل الذين تلطخت أيديهم بدماء المسلمين ظلماً وعدواناً، يعتبرهم عُدولاً؟
ثم کيف يفهم الکاتب الأحاديث النبوية الصحيحة التي تصرّح بان من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله, من يبعدون عنه يوم القيامة إلى النار، لِما أحدثوا من بعده, هل لايزالون عند الکاتب صحابة عدولاً؟ يترحّم عليهم؟ ولا يجوز التعرض لهم ولا ذکرهم بسوء؟ وهم بهذه الحالات ؟؟؟
إلى غير أولئك من الصحابة الذين تورّطوا في ما ملئت الصحف والکتب بجرائمهم، مما اتفق المسلمون على آثارهم السيّئة والمهينة للقرآن والسنّة والشريعة، في تاريخهم الأسود.
فهل يبقون عند الکاتب وزمرته على کرامة الصحبة، ويجب تقديسهم!
ثمّ القول بأنهم «لا يتعمّدون الکذب» التي أطلقها الکاتب على کلّ صحابيّ، وعلّلها بقوله: «لما اتّصفوا به من قوة الإيمان والتزام التقوي والمروءة وسموّ الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور».
فهل هذا شيء غير العصمة؟ فإنّ اتّصافهم بما قال ـ حسب قوله ـ يمنع صدور المعاصي منهم، وقيامهم بها عمداً.
و على هذا فقوله: « ليس معني عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي » يُناقض ذلك التعريف والتعليل، لأنّ المعصوم في عرف المتکلمين هو من امتنع من المعاصي لما احتواه من الصفات التي تمنعه من ارتکاب المعصية.
و أما قوله : «أو السهو والغلط» فلا يرتبط بالعصمة حتى يحتاج ثبوتها نفي هذه الأمور، فإن السهو والغلط مرفوعان في الإسلام عن جميع الأمة, ولا يُحاسب المسلم على صدورها منه، فيبقى العمد هو الذي يُحاسب عليه المکلّف إذا صدر منه، وإذا کان الصحابي ـ حسب الکاتب ـ لا تَصدر منه المعصية عمداً، فهو إذن معصوم!
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى يتناقض هذا التعريف، مع ما صدر من کثير من الصحابة، ومن أصحاب الجلود المنفوخة عند أهل السنة، من المعاصي الموبقات الکبائر مثل قتل الأنفس الزکية البريئة، والزنا بذات العدّة، وإثارة الحروب ضد الخليفة بالحق، وقتل الناس صبراً، وشرب الخمر وبيعه، وضرب الصحابة، وتمزيق القرآن وحرقه، وما إلى ذلك مما لايشك في کفر من يتعمده من عامة الناس.
لکنّ من أهل السنة من لايعدّ ذلك من الصحابي معصية، أو يعتذر له بأنّه اجتهد فأخطأ. مع أن الاجتهاد هو يقتضي الإرادة والعمد ـ کما لايخفى على أهل العلم ـ ومع أن بعض تلك الموبقات غير قابل للاجتهاد، لکون النصّ عليه واضحاً، والاجماع عليه واقعاً وإنما صدر ما صدر منهم في مقابل النص.
فهل يکفي في الإجابة عن كل هذه المسائل مجرد ادعاء الکاتب بأن الصحابة عدولٌ، بشخطة قلم؟!
ثمّ تغافل الکاتب عن جميع هذه الأمور، وتعريجه على ما يهدف إليه دائماً وهو الهجوم على الشيعة، فيقول:
«وقدح الرافضة في أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، وبالغوا في العداء لهم، وکفّروهم، وحکموا بردّة خيارهم، بل جعلوا لعنهم صباح مساء عبادةً لهم، ولا يخلو کتاب من کتبهم من هذا السبّ والقدح».
نقول: نسب في هذا الکلام عدّة أمور إلى الشيعة:
1) ـ نسب إليهم قدح أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله ، والمبالغة في العداء لهم، وتکفيرهم. وأطلق هذه النسبة في جميع الأصحاب!
و هذا باطل من القول وزور، لأن الأصل عند الشيعة في الصحابة الکرام: أنّهم صالحون مؤمنون، سابقون بالايمان، ما داموا لم يُخالفوا الشريعة في صغيرة ولا کبيرة، وبقوا صادقين في ما عاهدوا الله عليه.
فمن عاش منهم ومات على هذا، فهو مکرّم عند الشيعة، ومقدّس، نصلّي عليه ونترحم له، ولهم الفضل على من لحق في الإسلام لکرامتهم وتبرکهم برؤية النبي ونصرته صلى الله عليه وآله.
ونسبة غيرهذا إلى الشيعة في حقّ الصحابة هؤلاء فهو تهمة باطلة، وزور من القول غرورا.
2) ـ قوله: «و حکموا بردّة خيارهم».
فهذا کلام بطلانه فيه، فإذا کانوا خياراً! فکيف يرتدّون؟ وعن ماذا؟
و إن لم يرتدّوا فلا معنى للحکم بردّتهم، لان ذلك من السالبة بعدم الموضوع!
إن الکاتب ـ کأمثاله من السلفية ـ لايعون ما ينطقون، بل هم تلقنوا هذه الكلمات کالببغاء من شيوخهم، فحفظوها وتناقلوها، بلا فهم لمؤدّاها, ولا انتباه إلى التعارض الموجود فيها.
أما کلمة (الردّة) الواردة في مثل هذا الموضوع، فهو عبارة عن الرجوع عمّا التزموه من بيعة علي عليه السلام بالخلافة التي فرضت عليهم في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وعقدها عليهم في يوم الغدير، لکنهم أعرضوا عنها وتخلفوا وارتدوا عنها على أعقابهم، وما أخذ الرسول عليهم عند اسلامهم من الحفاظ على أهله وأولاده، لکنهم عَدَوا عليهم بالظلم والغصب والقتل، کما تشهد به حوادث التاريخ في کتبه. ومن جهل الکاتب وأمثاله أنّهم قرأوا کلمة (الردة) وفسّروها بالردّة عن الإسلام، ولم يفهموا معنى ذلك في کلام الإمام الباقر محمد بن علي عليه السلام؟!
فترى الکاتب يستشهد بکلام الإمام على مراده الفاسد.
3) ـ کلامه حول اللعن، وقوله:
«جعلوا لعنهم صباح مساء عبادة لهم، ولا يخلو کتاب من هذا السبّ والقدح».
نقول: إنّ الشيعة يقدسون من کانت له صحبةٌ مع النبي صلى الله عليه وآله صحبةً واقعية، يکون صاحبها مؤمناً صادقاً، تقيّاً شريفاً، عاملاً بما أمر الله تعالى، منتهياً عمّا نهى، وفياً بما عاهد الله عليه، إلى آخر ما يجب على المسلم الصادق ولايمسون أحداً من هؤلاء ممن له مثل هذه الصحبة الکريمة بأدنى سوء, والعياذ بالله من ذلك.
لکن من تسمّى بالصحابة، وتسلل بينهم، وکان منافقاً في زمن الرسول صلى الله عليه وآله , ومرد على النفاق من بعده, وتخفّى ـ لبلوغه إلى مآربه ـ في کنف الحکام والأمراء, ونيله المناصب الدنيوية، فهؤلاء لاتعدهم الشيعة «صحابةً» لأنهم ملعونون على لسان الباري تعالى حتى أنزل فيهم الآيات وخصص لتعريفهم سورةً کاملة من القرآن، وکذلك لعنهم رسول الله في أحاديثه، وحذّر منهم، والشيعة إنما تلعن هؤلاء اتّباعاً لله في القرآن، وأسوة حسنة برسول الله وسنته.
لکن السلفية الجهلة ممن تسمّى بأهل السنة وأهل الحديث، يلبسون أولئك المنافقين ثوب «الصحبة» واسمها الطاهر، ولايفرقون بين العظماء من الصحابة مثل أبي ‎ذرّ وعمّار والمقداد، وبين أبي‎ سفيان، وعمروالعاص، وخالد، وغيرهم من الذين ملأت جرائمهم ومخازيهم أوراق التاريخ وانتشرت على عدد أيامه!
و يغمض السلفية أعينهم، ويصمّون آذانهم، ويقفلون على عقولهم عن أفعال هؤلاء وأقوالهم المخالفة ـ صريحاً ـ لله ولرسوله، بل للشريعة والأخلاق والأعراف العربية الطيبة، والمعارضة للإنسانية الشريفة.
فإذا ذکر الشيعيّ أحد هؤلاء المنافقين بما يستحقون, نعق الغربان بالويل والثبور, وتنادوا أن الشيعة يسبّون الصحابة!.
هذا مع سکوت هؤلاء المتحمّسون للمنافقين باسم الصحابة، نراهم خانسين مخنوقين، صُماً بُکماً عمّا يقوم ويقول أولئك المنافقون في حق القرابة، قرابة الرسول الذين أوصى الله تعالى بمودّتهم، فقال:(قل لا أسألکم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى) وطهّرهم في کتابه فقال: (إنّما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهّرکم تطهيراً).
فأولئك المنافقون، الذين تلبسوا باسم «الصحابة» قد قاموا في حقّ أهل البيت النبوي وقرباه بکلّ جريمة تتصوّر، فقد نحوهم وأبعدوا کبار أهل البيت من کلّ منصب وموقع، على طول أيام الخلافة، فلاتجد منهم أميراً ولا قاضياً ولا کاتباً ولا ولا... بل حاولوا بشتى الطرق اتهامهم وتحقيرهم... إلى أن وصل الأمر إلى مواجهتهم بالحرب لمّا اختار الناس عليّاً أميرالمؤمنين ليؤُمّهم ويدير أمورهم، فقامت الحروب بأيدي أولئك المنافقين في (الجمل والنهروان وصفّين) ذهب ضحيتها الآلاف من المسلمين، مع اتفاق أهل الحلّ والعقد من المسلمين على صحة إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام بانعقاد إجماع المسلمين، عدا أولياء أولئك المنافقين.
ثم إن المتولّين على الأمة بعد أميرالمؤمنين عليه السلام حاولوا إبادة أصحابه بشتى الطرق، واستعملوا وعّاظهم لوضع الأحاديث المکذوبة المفتعلة والمزوّرة ضدّ أهل البيت عامّة وضد عليّ أميرالمؤمنين خاصّة.
ومن أفضع ما قاموا به هو سنّهم اللعن والسبّ لأميرالمؤمنين على منابرهم علناً، وجعلوه جزءاً من خطب الجمعة، وسمّوها السنّة، واتخذوا لقب «أهل السنّة» لمن قام واستمرّ على ذلك اللعن والسبّ لعليّ ولآله ولأصحابه وفيهم الکبار من الصحابة الصادقين.
ولکن من يسمّي نفسه من أهل السنّة ـ هذا اليوم ـ لايرى شيئاً من هذه الجرائم التي بلغت بأوليائهم إلى حدّ قتل الحسين عليه السلام وحتى سبي أهله وعياله وأطفاله ـ وهذا حدثٌ لم يسبق له مثيل في الاسلام! ـ فأهل السنة ـ إليوم ـ يغمضون أعينهم عن قراءة ذلك، بل يعتبرونه بدعة کما يصمّون آذانهم عن سماع شيء منه، ويعتبرونه سبّاً ولعناً للصحابة! ويعمّمونه على جميع الشيعة، ويعبرون عنه بالعبادة! تهويلاً وتضخيماً يروّع المسلمين، ويبعّدهم عن سماع الحقّ الثابت بالتاريخ بالإجماع.
مع أنه لقد بلغ من صحّة ذلك، وکبر تلك الجرائم التي جرت على أهل البيت النبوي الطاهر، بحيث أن بعض غير الشيعة ـ ممن صفا فکره ولم يتلوث من شبهات السلفية واتهامات الوهابية، وقف على الحقيقة بمجرّد قراءة کتاب التاريخ للطبريّ، فاطلع على ما جرى من الجرائم، ورفض المذاهب المعادية لأهل البيت ولشيعتهم.
لکن السلفية الإرهابية والوهابية العميلة (أنصار المنافقين) وإن کانت لهم أعين لکن لايبصرون بها، ولهم آذان لايسمعون بها، ولهم قلوب لايفقهون بها! إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل.
وإذا عرضت عليهم، ورأوها نصب الأعين، اعتذروا لأولئك الجناة بأنّهم اجتهدوا فأخطأوا وکأنّ الحساب بأيديهم، والوجدان يتبع آراءهم، والناس أنعامٌ مثلهم!
وإذا سمعوا أحداً يذکر جرائمهم ويحذّر المسلمين من اتباعهم والاقتداء بهم، أو بذکر مساوءهم ويلعنهم ـ کما لعنهم الله ـ طار عقل السلفية، فتنادوا: واصحابتاه! وکالوا التهم على من يسبّ هؤلاء المجرمين بأنّه سبّ الصحابة.
وکلّما قيل لهم: إنّ هؤلاء ليسوا صحابة للنبي، وإنما هم صحابة لابي‎ سفيان, ولقريش الذين حاربوا الله ورسوله, لم يزدادوا إلاّ عتوّاً وعناداً.
هذا هو أمر اللعن الذي يثيره الکاتب، ويؤکّد عليه، ويجعله مما أخذه على الشيعة, وهذا هو السبّ الذي يقوم به الشيعة لايکون إلاّ على المنافقين!
مع أن السب واللعن، ليس کما يقوله الکاتب، من العبادات المفروضة، بل هي البراءة التي ذکرها الله عن الکفّار، ولاريب عند المسلمين أن المنافقين أشدّ على الاسلام من الکفّار.
وکأن الکاتب قد أشار بقوله: «هذا السب والقدح» خصوص ما قال: « ومن ذلك ».
وهو ما ورد من قول الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين الشهيد بکربلاء ابن الامام أميرالمؤمنين عليهم السلام, حيث قال:
«کان الناس أهل ردّة بعد النبي صلى الله عليه وآله, إلاّ ثلاثة!
فقلتُ: ومن الثلاثة؟
فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذرّالغفاري، وسلمان الفارسي، ثم عرف أناس بعد يسير».
و قد علّق الکاتب على هذا الحديث بقوله:
«وهؤلاء الذين عرفوا عددهم أربعة فقط، ليصبح مجموع الذين نجوا من الردّة في کتب الشيعة سبعة.
فهل يعقل أن تؤخذ السنة النبوية بکل تفاصيلها من سبعة فقط؟!».
نقول: إنّ الکاتب ـ مثل سائر أهل مذهبه ـ ممن لا يفهم النصوص وإنّما يتعاملُ معها بما في خياله من الألفاظ والمعاني، مضافاً إلى ما في ذهنه البليد من المکدس من سوء الظن بالآخرين.
إنّه رأى لفظ «أهل ردّة» فتصوّر أن المراد بها من ارتدّ بعد النبيّ , وخرج من الاسلام وأعلن الکفر ـ مثل أصحاب مسيلمة وسجاح ـ .
ومن أجل هذا التصوّر الوهمي الخاطئ عبّرعن ذلك بـ «أهل الردّة» الذي عُرف به أولئك.
و إنّما مراد الإمام محمد الباقر عليه السلام: إنّ الناس ـ من المسلمين ـ کانوا على «ردّة» أي عُدول ورجوع عن ما فرض عليهم من معرفة إمام زمانهم الذي خلّفه الرسول صلى الله عليه وآله من بعده، وفرض طاعته عليهم في يوم الغدير، عند رجوعه من حجة الوداع، وهو أميرالمؤمنين علي بن أبي ‎طالب عليه السلام.
والکاتب لم يفرّق بين «أهل الردّة» مع «ال» وهم المعروفون، وبين قول الإمام: «أهل ردّةٍ» بدون «ال»!
مع أن هذا يدرکه صغار طلبه العلوم العربية.
لکن (المعيديّ) لايدرك مثل ذلك وليس له نور يهتدي به في ظلمات الشبه والاتّهامات التي يتلوها ويکررها وينام ويصبح ويمسي عليها.
ثمّ إنّ کلامه الأخير: «فهل يعقل أنّ تؤخذ السنة النبويّة بکلّ تفاصيلها من سبعة فقط؟».
فيه نکتة ظريفة، لابدّ من ذکرها، وهي: انّ الکاتب، إنّما عنون مقاله بـ «حجيّة السنّة».
ولکنه ـ کما أشرنا إلى ذلك في البداية ـ تعرّض لأمور أخرى خارجة عن هذا الموضوع، وهذا دأب السلفية والوهابية أنّهم في مناقشاتهم وبحوثهم وحتى مؤلّفاتهم، لما يعجزون عن مواجهة الحقّ، يلجأون إلى سلاح الشبهات والاتهامات الأخرى, هادفين إلى الابتعاد عن الموضوع الذي عجزوا فيه، إلى أمور أخرى مثيرة للسامعين أو القرّاء، وهي أيضاً مجرّد دعاوى، لكنّها تضيّع وتغطّي عجزهم وقصورهم، بل جهلهم فيما بدأوا بالبحث فيه، وهذا من باب المثل: «الغريقُ يتعلّق بکلّ حشيش».
و الکاتب ـ کما ذکرنا في التقديم ـ بدأ بأمر القرآن الكريم , وأكذوبة تحريفه, وقد أطال فيه، وهو أمرٌ لايرتبط بالعنوان.
و في أثناء الفروق التي ذکرها بين الشيعة وأهل السنة، حول الحديث الشريف وحجيته، يذکر أموراً يهدف بها التهويل والاتهام والإهانة بالشيعة وتراثهم وغير ذلك. و هنا في (الفرق الرابع) يتحدث عن سبّ الصحابة وردّتهم، من دون أن يحتاج البحث عن ذلك، فلو اقتصرعلى القول بأنّ الشيعة لا يقولون بعدالة الصحابة ـ بدون قوله : کلّهم ـ لکفى للإيعاز إلى الفارق.
لکنه لايکتفي بما يخصّ البحث إلاّ أن يطوّله بما لا يليق بموضوعيّة العلم, ولايليق بأدب الکتابة، ولا يجوز شرعاً لتشويه السمعة بالکذب والتعابير النابية، مثل کلمة «الرافضة»! عند ذکر کلمة «الشيعة».
وأما عن أخذ السنّة من الصحابة:
فلا ريب أنّ الصحابة العدول الصالحين الأبرار هم مصدر الحديث النبويّ، ومنهم وصل إلينا، وعليهم تعتمد السنّة ورواياتها (قولاً وفعلاً وتقريراً وهمّاً) ومن أکارمهم وعظمائهم هم أهل البيت النبوي الذين عاشروه ورافقوه، وهم أدرى بما وبمن في البيت، وقد کان الرسول صلى الله عليه وآله يغذوهم بعلمه وحديثه.
وکذلك الخيار من أصحابه، الذين حملوا علمه ونشروه، بالرغم من المنع الحکوميّ الذي واجهوه بکلّ صلابة، وتحمّلوا من أجل ذلك الإهانات والسجون, ومنهم ـ بل من أعيانهم ـ هؤلاء السبعة الذين لم يُخالفوا أوامره، ولم يخلفوا وعودهم إياه، والذين «صدقوا ما عاهدوا الله» وتابعوا أهل بيت الرسول وشايعوهم ونصروهم، بل استشهد کثيرٌ منهم معهم في مواقفهم ومشاهدهم.
فما هذا السؤال السخيف الذي يعرضه الکاتب إلاّ أن يريد إثارة قارئه وسامعه؟ وهو الذي لانشك أنّه سوف يَضحك على عقله!
و هذا التراث الشيعي العظيم مليئٌ بما فيه من أحاديث الصحابة الکرام الذين رووهُ عن الرسول الأکرم صلى الله عليه وآله ، أصدقُ شاهدٍ على ما قلنا.
الفرق الخامس:
قال الکاتب:
بينما يشترط أهل السنة والجماعة رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... بينما يکتفي الشيعة الروافض برواية الحديث عن أحد أئمتهم الاثني عشر... بل عندهم ـ في عقيدتهم ـ أنّ الإمام المعصوم إذا حدّث بحديث يجوز لك أن تقول: قال الله!»
نقول: لاينفكّ الکاتب عن تقديم البرهان على جهله في أکثر المقاطع التي يوردها، لو لم نقل بأنه يتعمّد الکذب، ليشوّه السمعة، ويضرّ الآخرين.
فهو هنا يقول: «... يکتفي الشيعة الروافض برواية الحديث عن أحد أئمّتهم...» .
وهذا كلام باطل، بل کذب مفترع، وقد بيّنا في ردّه على ما مضى من کلامه: أن الحديث المرويّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله، وبطريق الصحابة الکرام من غير أهل البيت، عند الشيعة منه الکثير الکثير، ولا يکتفي الشيعة بحديث أهل البيت فقط.
ثمّ إن الکاتب اعترف في کلام له سابق بـ «اشتراك الطائفتين (يعني: الشيعة وأهل السنّة) في اعتبار السنة النبويّة مصدراً للتشريع».
ولکن هنا يدّعي الاکتفاء بأحاديث الأئمّة، ويعتبرها مقطوعة عن النبيّ أو مرسلة!
وکان هناك لا يعبّر بالاکتفاء، بل يقول «الأحاديث المروية عن الأئمّة» وهو تعبير شامل لما يرويه الأئمّة عن جدهم الرسول صلى الله عليه وعليهم.
لكنه هنا يقول: «يکتفي الشيعة...»!؟
نعم، إنّما يعتمد الشيعة ـ في أکثر الأحيان ـ أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، لانهم:
أوّلاً: تنتهي أحاديثهم إلى جدّهم، کما صرّحوا بذلك، بأن « حديثهم هو حديث آبائهم وحديث آبائهم هو حديث رسول الله» کما مضى ذکره.
وثانياً: لأنّ طريقهم هو أفضل الطرق وأصحّها وأوثقها، فلو ورد الحديث من طرقهم کان أکثر اطمئناناً ووثوقاً واعتماداً، وهذا لايُنافي وجود الحديث من طريق غيرهم، بل يعتمد الشيعة على الصحابة الکرام الآخرين، أيضاً, کما أسلفنا.
فهل هذا عيبٌ يؤخذ عليهم؟
وهل هذا يُنافي عمل سائر المحدثين من أهل السنة؟.
أليس کثير منهم يعتمد على روايات الأئمة من أهل البيت؟
نعم، الفارق أنّ أهل السنة يقلّون الرواية عن أهل البيت، والشيعة يکثرون، فهل هذا موجب للنقد والاعتراض؟ وهل هذا يوصل الکاتب إلى غرضه من الحطّ من حديث الشيعة؟!
و قد اعترض على کبير محدّثي أهل السنة ـ الذين يعدّون کتابه الصحيح ـ «أصحّ کتاب بعد کتاب الله» أنّه لم يحتج في هذا الکتاب بحديث الإمام الصادق جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي ‎طالب (عليهم السلام)؟ بينما احتج بالمرجئة والخوارج واعتمد عليهم؟
حتى قال الشاعر في حقّه:
قضيّة أشبــــــه بالمرزئــــة هــذا البخـاريّ إمام الفئــة
بالصادق الصدّيق لم يحتجّ في صحيحــه واحتجّ بالمرجئـة
أبمثل هذا يفتخر الکاتب وأمثاله، ويعيب على الشيعة أنهم يعتمدون على أهل البيت في أخذ الحديث؟
و أما قوله: « بل، عندهم وفي عقيدتهم أن الإمام المعصوم إذا حدّث بحديث يجوز لك أن تقول: قال الله!!».
فهذا تهويل، وإهانة للحديث النبويّ الشريف، نعم يعتقد الشيعة بأنّ ما صدر من الرسول صلى الله عليه وآله, وما روي عنه من حديث وقول ولفظ، فهو حقٌّ , وهو وحيٌ الاّ أنّه غير معجز، فالوحي المعجز هو القُرآن وحده، وقد صرّح القرآن بهذه العقيدة حيث قال تعالى: (ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحي علمه شديد القوى) ولهذا يعتقد الشيعة بأنّ الحديث النبويّ هو وحيّ إلهي على لسان النبي الصادق، فإذن يکون هو قول الله أوحاه إلى رسوله.
و قد صرّح کبار من علماء أهل السنة بذلك، وقسّموا الوحي إلى معجز هو القرآن، وغير معجز هو کلام الرسول، فهو وحي على کلّ حال.
فکيف يُحاسب الکاتب الشيعة، على هذه العقيدة الحقّة؟ وإذا کان هو لايعتقد بهذا فليسأل عن حکمه أهل السنة؟

و أخيراً:
قال الکاتب: «إنّ الفروق کثيرة ومتشعبة لايمکن حصرها».
لکن مع اذعانة هذا العريض الطويل، ما أثبت في هذه المقالة إلا القليل، مع أنّ فيها من التکرار الکثير الکثير، و(الفرق الرابع) بعينه، هو معادٌ في (الفرق الثاني) وهکذا أعاد ما لفّقه من مدح أهل السنة وذمّ الشيعة، وقال:
« حجيّة السنة عند أهل السنّة والجماعة المنضبطة بشروط اتصال السند والعدالة والضبط وعدم الشذوذ،... ،
وحجيّة السنة عند الشيعة الرافضة التي لاسند لها ولا أصل ولا فضل، بل عبارة عن أکاذيب وأباطيل لمجموعة من الحاقدين والحانقين على هذا الدين».
وهذه الکلمات هي التي بدأ بها کلامه، والتزم تکرارها حتى آخر نفس له هنا، وهي کلمات نابية لا تليق بمدّع للعلم، فضلاً عن من يسمّي نفسه مسلماً، فکيف بمن ينتمي إلى السنّة، ويعدُّ من أهل السنّة!
أهکذا کانت سنة النبي صلى الله عليه وآله في مواجهة خصومها بهذه الصورة البشعة، حاشاه روحي فداه، بل کان خلقه القرآن، وهو المخلوق على «خُلُق عظيم» وهو المبعوث بالحکمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن!
ولکن أُفٍ لهؤلاء الذين هم عارٌ على السنّة وأهلها وکتبها وعلومها.
و کلمة أخيرة، قالها الکاتب، وهي قوله عن کتب الشيعة:
«مصنفات وکتب، لايحتاج کشف زيفها وبطلانها إلاّ قراءة بعضها من کثرة ما تحمل حروفها من الکذب البواح».
مع أنه حتى الحروف المسکينة لم تأمن من اتهامه.
نقول: «قد يَصْدُقُ الکَذُوبُ» فإنّ الکاتب بعد تلك السيرة الوقحة، عاد إلى الصواب، بل قد أراد الله أن يفضحه بهذا الکلام، حيث أرشد القراء الأعزاء إلى ما يطلبه الشيعة, وهو مراجعة کتبهم ومصنفاتهم ليقفوا على أقوالهم وآرائهم عن کَثَبٍ، وبدون توسّط أحد، ولا اعتماداً على منقولات السلفية الحمقى ولا الوهابية الإرهابية البلهاء. فللشيعة کتب تحتوي على أنواع المعارف والعلوم, توقف قراءتها القرآء الكرام على المحجّة البيضاء والحجّة القوية، وبذلك يقفون على بطلان جميع ما افتأته هذا الکاتب وأمثاله منذ عصر ابن تيمية وإلى إليوم.
و المطلوب من القرّاء الأعزاء:
أوّلاً: أن يکونوا بعيدين عن التعصّب والهوى، وفارغين عن دعاوي أعداء الشيعة وأکاذيبهم واتهاماتهم، بل تکون قراءتهم حياديّة، طالبة للواقع الذي تدلّ عليه الکلمات والجمل، فهماً عرفيّاً عاماً.
و عندما يقفون على مبهم أو مصطلح عليهم أن يراجعوا العلماء الأمناء، والفضلاء العدول، من الشيعة أنفسهم, أو من أهل اللغة المضطلعين، لا الأعراب والمستعربين.
وثانياً: أن ينتخبوا من مصادر الشيعة الکتب المعتبرة والمعتمدة عندهم والمعروفة عند علماء الشيعة الکبار، ولا يقرأوا کلّ ما کتب ونشر باسم الشيعة، أومن عامة الکتّاب غيرالمعترف بهم ممن أدخل نفسه في العلم قبل أن يتعلّم.
وليعلم أنّ بعض ما نسب إلى التشيع من الکتب والمنشورات، هي من عمل أعداء الشيعة، ألّفت وکتبت ونشرت من جهات متسلّلة في المذهب، بغرض تشويه السمعة، وإثارة الفتنة وفيهم مثقفون خرّيجي جامعات الغرب والشرق، يصفون أنفسهم بالدكتور! ويتهجمون على الإسلام، وکذلك ما يصدر من الأحزاب العلمانية، والمدّعين للإسلامية! وهدفهم خدمة النصارى والغربيين.
فليکن من يراجعُ الکتب حذراً ويقظاً في انتخاب ما يقرأ، کما هو فيما يسمع ويرى، (ان السمع والبصر والفؤاد کلُّ اولئك کان عنه مسؤولاً).
وأحسن ما ختم الکاتب مقاله، وهي کلمة حقّ من مُبطل، قوله:
«فهلا زاد المسلم من القراءة والمطالعة ليکون على بيّنةٍ من دينه وعقيدته».
نقول : هلاً، وألف هلاً؟! ليقَف المسلم على الحقيقة وليعرف هل:
(أن حجيّة السنة عند أهل السنة لها «ضوابط»؟ أو هي «أهواء»؟).
أم (أن حجية السنة عند الشيعة، هي «أهواء» ولها «ضوابط»؟!).
و بعد : هل يحقّ للکاتب أن يعنون مقاله بذلك العنوان؟!!

حرر في 18 شهر جمادى الآخرة سنة 1435 هـ
وكتب السيد محمدرضا الحسيني الجلالي
كان الله له