أ ـ هل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عرج إلى السماء؟ وإذا كان فهل كان عروجه روحياً أو جسمياً؟
ب ـ ما هو الغرض من عروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أهو لمجرد المعجزة أو لمسائل اخرى؟
ج ـ أصحيح أن الكفر ينطبق على الرجل فيما إذا شك بالمعراج وقضيته؟
د ـ ما معنى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْـحَرَامِ إِلَى الْـمَسْجِدِ الْأَقْصَى) وما معنى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)؟
لا يمكن أن يكون عروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جسمياً بعد ما أوحى إليه (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي انّه يحيى كحياتنا ويموت كمماتنا، فهو لا يقدر على اجتياز الفضاء بجسمه أكثر من عشرة آلاف متر لأنّ ما فوق هذا القدر غير صالح للاستنشاق والحياة فلا يمكن التوغل فيه البتة إلا أن تكون الغاية من عروجه هي المعجزة.
والمعجزة لا تكون معجزة إلا أن تظهر للناس عيانا فيتلمسونها بأيديهم ويبصرونها بعيونهم، مع أنه لم يشهد معراج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) احد، وعليه لا يمكن أن يكون الباعث هو المعجزة، وكيف يكون المسلم كافراً إذا شك بالمعراج مع أنّ الشرط في الإسلام النطق بالشهادتين ولو بصورة ظاهرية، كما اتضح ذلك من قبول اسلامية قاتل (حمزة) عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع العلم بأنّه كان كاذباً في إسلامه وإيمانه، وكيف يرتاب من مسلم لم تقلّ ثقته بنبيه؟ وإنّما يكذّب نفس الخبر المنسوب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كيف يستدل من الآية (سبحان الذي الخ) على عروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حين إنّ الآية لا يفهم منها كل شيء من هذا القبيل، فأين يثرب مقر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المسجد الحرام وأين المسجد الأقصى من السماء، كل انسان وهو على قاب قوسين أو ادنى من ربه فما هي الغاية من العروج، وليس لله عز وجل مكان مخصوص ولا رسم محسوس حتى يقال بالتقرب إليه.
أنا لا أقدر على أن اُفّسر ذلك إلاّ بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلغ من الايمان بربه حتى عرفه جيداً فكان قاب قوسين أو أدنى إليه من الإيمان (ويغلق هذا الباب إذا ظهر أنّ عروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان روحياً فلا شك عند ذلك ولا ارتياب).
بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد وهو المستعان
أ ـ المعلوم من اتفاق المسلمين في أجيالهم في النقل عنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم هو أنّه عرج بجسمه الشريف إلى السماء فضلاً عما يؤثر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك من الأحاديث الكثيرة المتظاهرة ان لم تكن متواترة، وهذا النقل أجلى من كثير من المتواترات التي لا ينبغي التشكيك فيها. ومعراجه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما أخبر به ممكن في قدرة الله جل اسمه إما بخرق المادة وإما بنواميس جعلها الله في العالم ولم يهتد البشر إلى اكتشافها.
وأما حديث استنشاق الهواء أو الهواء الضاغط المنظم لكيان البدن، فانّ الفلاسفة حتى من الماديين لم ييأسوا من وجود تدابير طبيعية تسد هذا الخلل. فهم يرجون بسير العلم ان يسفر صبح المستقبل عن نواميسها فلا يجعلون تشبّث العاجز القاعد بدعوى الامتناع عثرة في سبيل الحقائق. إذن فكيف يسوغ للإلهي أن يتسرّع إلى الامتناع مع قدرة الله على أن يهيّأ تدبيراً لذلك ولو باحتفاف جسم النبي بما يتمتع به من النسيم، فما بالنا نسمع طرفاً من كلام غيرنا من دون توغّل في فلسفته، ثم نبني عليه دعوى الامتناع؟ كما سمع بعض المسلمين من مجازفات الهيئة القديمة بامتناع الخرق والالتئام في الأفلاك، فبنوا على ذلك امتناع المعراج تغافلوا عن قدرة الله خالق العالم والأفلاك لو كان وضعها على تخمينات الهيئة القديمة وتلفيقاتها.
وكما سمع بعض المسلمين من الهيئة القديمة بتنضّد اكر الماء والأرض فالهواء فالنار فالأفلاك، وسمع بذكر العناصر الأربعة للانسان فزعم أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لما عرج إلى السماء ألقى كل عنصر في كرته بقاهرية الطبيعة فولج الأفلاك مجرداً عن عناصره، ولما رجع استرجع عناصره من أكرها.
ويا ليت هذا السامع المقلد حينما أخذ تخمينات الاكر والعناصر كأنها حقائق ملموسة قد التفت إلى أقاويل من قلّدهم بان الشهب والنيازك هي أجرام أرضية تتصاعد وتخرق كرة الهواء وتلج في كرة النار! أو التفت إلى أنّ النار تبارح كرتها إلى أعماق الأرض والبحار وكذا الهواء، فيختلج في ذهنه أن هناك نواميس طبع الله عليها خليقته تحول دون أوهامه لو صحت أحلام هيئته، فأين هو إذن عن قدرة الله خالق الاكر والعناصر ومدبر تفاعلها ونتائجه وآثارها، فضلاً عن قدرة الله على خرق العادة الطبيعية، ولا يخفى أنّه قد ضرب كثير من الناس على هذه الأوتار، وصار ما ذكرناه رأياً لجماهير وطبقات من الناس،فياليت الذي يركن الى أطراف المسموعات يصغي إليها بتفهّم وتدبّر لفلسفتها فيعرف ما يجوز وما يمتنع وأين وها نحن نتزبزب ونحن حصرم، كم من أمر قد صفق به المقلّدون في مبادئ سير العلم وسير التشريح وبعد أن تقدم العلم والتشريح عادوا بصفقة المغبون كما جرت الاشارة إلى ذلك في بعض المكتوبات.
ب ـ يكفي أن تكون الغاية هو التكريم لرسول الله بإرائته ملكوت السماوات رأي العين بمظاهر التكريم والاحتفال في ذلك الملكوت العظيم، فيعين أسرار الخليقة وآثار القارة محفوفاً بالعناية بخرق العادة أو بإعمال النواميس المحجوبة عن البشر. هذا فضلاً عن أنّ في الحسّ والعيان مقاماً رقب فيه خليل الله ابراهيم بقوله: (بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) دعني لا أعرف الغاية ولكن جهلي بها لا يقضي بنفيها، وليس له هذا القضاء الجائز، ولتكن هذه الغاية من مجهولاتي التي لا تحصى.
نعم قد أوحى إلى الرسول: (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فهو يحيى حياة البشر ويموت مماتهم، لكن لو قلنا إنّه عرج إلى السماء بقدرة البشرية والنواميس التي نعرفها في الخليقة لسهل في الجملة قول القائل (فهو لا يقدر على اجتياز الفضاء أكثر من ـ إلى آخره)... وإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقدر ببشريته أن يستنزل الوحي والروح الأمين، ولكن الله القادر أكرمه بالوحي والعروج إلى السماء.
ج ـ إذا كان الشك في المعراج من أجل عدم العلم بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر به أو دلّ عليه القرآن الكريم، فهذا الشك بما هو لا يوجب الكفر، غاية الأمر أنّ يقال:إنّ هذا الشك وسوسة في الطرق العلمية العقلائية في البشر، وتشكيك عليل خارج عن حد الاعتدال.
وأما إذا كان الشك مع العلم بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر به فيجمد لأجل مسائل استنشاق الهواء الخرق ولاالتئام، العناصر الأربعة فحينئذٍ يرجع هذا الشك إلى تكذيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانّ تكذيبه فيما يخبر لكفر، فانّ الناطق بالشهادتين إذا ظهر منه تكذيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مورد حكم بكفره.
د ـ المسجد الحرام هو مكة لا يثرب كما ذكرت، والمسجد الأقصى هو بيت المقدس وهو يبعد عن مكة بأكثر من سبعمائة ميل، وكان هذا الاسراء ليلاً لم يبلغ النهار، ولم ينسب إلى سري الرسول بل نسب إلى إسراء الله تنبيهاً على أنّه لم يكن من مجاري القدرة البشرية، بل كان بقدرة الله خالق البشر لأجل تكريمه لعبده ومختاره، فانظر إلى قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا) الآيات. نعم لا دلالة في هذه الآية على العروج إلى السماء ولكنّها لا تعارض العلم به من وجه آخر.
وأما قوله تعالى: (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) فقد قيل إنّه في ذكر جبرائيل وقربه من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وروي أنّه في ذكر رسول الله في معراجه وأنّه دنى من المقام الرفيع في الملأ الأعلى، نعم لا يسوغ تفسير الآيتين بما يرجع إلى تجسيم الله وتحيّزه، فإنّ هذا الباب قد أغلقه العقل ومعرفة جلال الله، سواء كان المعراج جسمانياً ام روحانياً، ولا ينتج من إغلاقه بطلان المعراج الجسماني.