البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ماهية الإمامة و حقيقتها

الباحث :  أ.د. أحد فرامرز قراملكي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  1
السنة :  السنة الاولى - شعبان 1435هـ / 2014م
تاريخ إضافة البحث :  April / 10 / 2017
عدد زيارات البحث :  2089
تحميل  ( 521.050 KB )
إنّ الكلام عن حقّانية الإمامة وأدلّة ضرورتها، يسبقه ـ ولنواحٍ عـدّة ــ التصوّر الواضح والكامل لها.
وذلك أوّلاً: لتقدّم رتبة التصّور على التصديق منطقياً، وأنّ إقامة الأدلّة نفياً وإثباتاًيسبقه تحرير محلّ النزاع وتبيين المسألة.
وثانياً: اتخاذ أيّ دليل في مقام إثبات المدّعى، مشروط بوجود سنخيّة بين الدليل والمدّعى، فلو لم تنطبق دلائل المدّعى مع التصّور الموجود عنه عندنا، سيكون هذا الاستدلال عند المناطقة من باب: (أخذ ما ليس بعلّة علّة).

مضافاً إلى ما مرّ فإنّ من أهمّ موارد الخلاف بين الشيعة والسنة في مسألة الإمامة ـ والتي يرجع إليها سائر الخلافات بنوع ماـ هو التصوّر الذي يذكرونه عن الإمامة. وفي الواقع إنّ منشأ أكثر الخلافات في مسألة الإمامة يعود إلى الخلاف في مقام التصوّر. وهو أنّ مبحث الإمامة هل يتعلّق بالأصول أو الفروع؟ هل الإمامة مسألة فقهية أو كلامية؟ هل نصب الإمام واجب أم لا؟ هل وجوب نصب الإمام يكون من قبل الله تعالى أو المكلفين؟ ماهي أوصاف الإمامة وشرائطها؟ فهذه كلّها تبتني على تصوّرنا للإمامة.
لقد أفرط بعض العلماء نوعاً ما في مقام التعريف (للمفردات)، فانغمروا في التدقيقات والمناقشات المنطقية ولم يتجاوزوا مقام التعريف، كما فرّط بعض آخر واتخذ أمام إسهاب القسم الأوّل في مناقشات غير مجدية؛ سبيل عدم الاعتناء بالتعريف وتركه رأساً. ولكن طريق الاعتدال هو السؤال عن التعريف وتصوّر المدّعى المتنازع فيه تصوّراً واضحاً ثم الخوض في القيل والقال والنقد والاستدلال. وعليه، فقد بان ضرورة تعريف الإمامة، وكذلك قيمة البحث عن التعريف وأهمّيته.
إنّ منهجنا في تعريف الإمامة هو الابتداء بالشرح والتوضيح اللّفظي لكلمة الإمامة وسائر الألفاظ المترادفة كالولاية مثلاً وذلك بإيجاز واختصار، ثم نعرّج على البحث والتعريف الاصطلاحي للإمامة مع الإشارة إلى اختلاف الشيعة والسنة في حقيقتها، ولا يخفى أنّ مراتب الإمامة الثلاثة، تعيننا على بلورة هوّيتها، كما أنّ بيان نسبة النبوّة والإمامة يبلور التصوّر الشيعي للإمامة.

أهمية البحث عن تعريف الإمامة:
إنّ السؤال عن (ما) مقدّم على سائر الأسئلة، لأنّه يعطينا تصوّراً واضحاً عن الموضوع في البداية، ثم نتطرّق إلى الوجود والأحكام والخواص، ولكن لوجود بعض الغموض يعترينا تردّد في ضرورة بيان تعريف الإمامة، وفيما يلي نشير إليه مع بعض الأجوبة.
1 ـ قد يقال: لو كان لزوم الاهتمام بتعريف الإمامة بهذه المثابة، فلماذا تركه الخواجة نصيرالدين الطوسي في تجريد الاعتقاد وكذلك غيره؟
الجواب: إنّ آثار المتكلّمين على نحوين: الآثار المفصّلة والآثار المختصرة الموجزة، وعليه فللمحقق الطوسي مؤلَّف مفصّل في الإمامة وقد جعل فيه تعريف الإمامة أوّل مسألة من مسائلها بحيث يتفرّع منه باقي المسائل، كما أشار إلى تعريفها أيضاً في بعض رسائله المختصرة، كما هو الحال في (الفصول النصيرية) و (قواعد العقائد). وعليه فانّ سبب ترك التعريف في تجريد الاعتقاد هو ايجاز الكتاب واختصاره الكبير، ممّا يلقي مهمّة تبيين بعض المسائل والمباحث على عاتق الشراح والأساتذة، ولذا قد قام بعض شرّاح الكتاب أمثال الاسفرايني (ت 749) في تفريد العقائد، والقوشجي في (شرح الهيات التجريد) بسدّ هذا النقص.
نعم إنّ ما يشهد له الواقع التاريخي؛ أنّ المتكلمين التفتوا تدريجاً إلى أهمية تعريف الإمامة قياساً إلى سائر مباحثها، ولكن ممّا لا يُنكر في تاريخ علم الكلام أنّه قلّما تجد متكلّماً خبيراً لا يُعطي تعريفاً مدوّناً عن الإمامة، وسنورد جدولاً بأهم تعريفات متكلّمي الشيعة والسنة.
2ـ قد يُتصوّر أنّ الانشغال بالتعريف سيكون في الواقع دخول في نزاع لفظي، فانّ التعاريف ألفاظ إعتبارية يكتفي كلّ واحد ببعضها، فإنّ شأن المحقّق ومتعلّم العلوم الحكمية، يقتضي الاعراض عن الخوض في المنازعات اللفظية والأمور الاعتبارية التي لا طائل تحتها أو التي تقلّ فائدتها.
ونقول في الجواب:إنّ في هذا التصّور خطئين رئيسين: الأوّل هو التصوّر الخاطئ عن مسألة اعتباريّة التعريف ـ وسنتطرق إليه ـ والثاني الخلط بين شرح اللفظ وشرح الاسم والتعريف الحقيقي، فالداخل في النزاع اللفظي هو شرح اللفظ المتعلّق بعلم اللغة والذي لم يكن ضمن المطالب أو الأسئلة العلمية السداسية (أي (ما) الشارحة و (ما) الحقيقية، و (هل) البسيطة و (هل) المركّبة، و (لم) الثبوتية و (لم) الاثباتية).
كما أنّ شرح اللفظ لا يكون عديم الفائدة دائماً، بل يجب الانشغال به في موارد الوقوع في الخطأ كوجود الايهام أو الاشتراك في الاسم.
إنّ الخلط بين شرح اللفظ وشرح الاسم ناشئ من الاشتراك في اللفظ. إنّ شرح الإسم هو التحليل المفهومي، ويمتاز عن التعريف الحقيقي بالاعتبار (1). والمطّلع على تاريخ علم الاصول أو الفلسفة التحليليةُ، يعلم بأهميّة التحليل المفهومي في حلّ المنازعات المتعلّقة بمقام التصديق.
3 ــ ربما يقال بأنّ التعريف أمر اعتباري، وبإمكان كل واحد تقديم تعريف خاص، وأنّ التعريف لا يستند إلى البرهان والدليل لأنّ (الحد لا يُكتسب بالبرهان)(2)، ولذا لا يوجد منهج خاص لنقد التعاريف والتمسّك بتعريف تام، وعليه فالانشغال بمبحث التعريف لم يكن من شأن طالب العلم الحقيقي.
نقول في الجواب: إنّ مقولة (اعتبارية التعريف) تحتاج بنفسها إلى تعريف واضح، نعم لا شك في أنّ (الحد لا يكتسب بالبرهان ولا بالاستقراء ولا بالتمثيل) ولكن اعتبارية التعريف يكون بمعنى تعدّدية التعريف المختص بالتعاريف الناقصة، ولم يكن بمعنى عدم إمكانيهُ نقد التعريف ولا يستبطن هكذا مدعى.
إنّ الأُمور الماهويّة قابلة للتعريف بالحد التام الواحد فقط لا أكثر، ولكن في غير مورد التعريف بالحد التام، فيمكن التعريف استعانة بالعناصر التعريفية المختلفة، أعمّ من الأجزاء الماهوية والمفهومية أو الخواص والآثار، فانتخاب تعريف خاص حينئذٍ أو ترك آخر، يتبع نوعية الخلفية الفكرية للشخص ومعلوماته المسبقة، ولكن يبقى أيَّ تعريف تمّ انتخابه قابلاً للنقد.
إنّ غاية ما يقال في خصوص قواعد اكتساب الحدّ، هو مغايرة طريقة اكتساب التعريف ومنهج نقده مع طريقة اكتساب التصديق ومنهج نقده ونقد أدلّته. إنّ المناطقة وضعوا لمنطق التعريف ضوابط وقواعد معيّنة يمكن نقد التعريف على ضوئها، كما أشاروا إلى شرائط التعريف المعتبر، وهي ترجع على الأغلب الى نقطتين: الأولى: الشرائط الراجعة إلى المفهوم في نفسه، والثانية: الشرائط المتعلّقة بصدق المفهوم على المصاديق.
ففي الحالة الأولى يكون الوضوح من شرائط التعريف، وفي الحالة الثانية يلزم الانطباق الجامع والمانع للمفهوم على جميع المصاديق، كما أشار اليهما الحيكم السبزواري في الشطر الأوّل من شعره حيث قال:
مساوياً صدقاً، يكون أوضحاً ألا تـرى سمّـي قولاً شارحا
أي إنّ القول الشارح (التعريف) يلزم تساويه من حيث الانطباق والصدق (لامبائن ولا أخص) و إلاّ سيكون إما غير جامع أو غير مانع، ولابد أن يكون من حيث المفهوم واضحاً، وعليه لا يتلاءم مع وضوح التعريف كلّ من: تعريف الشيء بنفسه، أو تعريفه بأخصّه، أو تعريفه بأمر مبهم وهكذا.
هذه الشرائط مقبولة نوعاً ما عند جميع العلماء، حتى أنّ ديكارت رغم الاعتقاد بكونه بداية ولادة الفلسفة الجديدة، يؤكد على ملاك الوضوح والتمايز، والمقصود من التمايز هو فصل هذا المفهوم عن غيره، والمقصود من الوضوح الدلالة الواضحة على جميع هوية الشيء.
إنّ إحدى المشاكل المنهجيّة في تعريف الإمامة، هي هل أنّ تعريفها منطقياً يكون من التعاريف السابقة أو اللاحقة؟ هل نستعين في البداية بالملاكات القبليّة المأخوذة من العقل أو المستنبطة من الوحي ونصل الى تعريف مّا ثم نشخّص المصداق، بأن يكون صدق إسناد المعرِّف على المعرَّف على نحو القضايا الحقيقية، حتى لو لم يوجد أيّ مصداق خارجي للمفهوم؟ أو أنّ منهج الوصول إلى التعريف بخلاف هذا؟ بمعنى أن يكون التعريف ناظراً إلى المصاديق الخارجية، بأن تُدرس المصاديق ومن ثَمّ يُعتبر لها وجه جامع، بحيث يكون صدق إسناد المعرِّف على المعرَّف من باب القضايا الخارجية.
فعندما نقول: (الحدّ بالماهية وللماهية) نقصد القسم الأول، ولكن غالباً ما يكون التعريف الرسمي من القسم الثاني، بيد أنّ منهج نقد القسمين يختلف فيما بينها، وقد عرّف متكلّمو الشيعة والسنة الإمامة بمنهج يختلف عن الآخر، وإن تشابهت ألفاظ تعاريفهم نوعاً ما في الظاهر.
فـإنّ أهل السنة وجـدوا في الواقع الخارجي أشخاصاً حكموا الأُمّة الإسلامية ـ مع قطع النظر عن أدلّة ذلك ـ وأسندوا حكمهم إلى الحكم النبوي حتى لو كان وصولهم إلى الحكم بالغلبة أو من دون مبايعة(3)، ومن ثمّ بحثوا عن مفهوم جامع ينطبق على هذه المصاديق وقاموا بتعريف الإمامة على ضوئه، ولذا ـ رغم وضوح المفاهيم وتمايزها ـ يقعون في التناقض في مقام انطباق المفهوم على المصداق(4).
أمّا متكلّمو الشيعة كما اعتقدوا بوجوب نصب الإمام عقلاً، عرّفوا الإمامة بالاستناد إلى الملاكات العقلية وعلى نحو النظرة المسبقة ثم بحثوا عن المصداق الكامل لهذا المفهوم. ثم إنّ الحدّ وإن لم يحصل من البرهان، ولكن طبقاً لقاعدة (الحدّ والبرهان قد يشتركان) يمكن افتراض قواعد مشتركة بين الحد والبرهان. إنّ متكلّمي الشيعة ذهبوا إلى وجوب نصب الإمام استمراراً للنبوّة واستناداً على الأدلّة العقلّية، فالحد الأوسط لهذا الاستدلال يبتني على فهم تعريف الإمامة المتكوّن من النظرة المسبقة.
سرد تاريخي لتعريف الإمامة:
إنّ تصوّر المتكلّمين عن الإمامة يسبق النقدَ والتحليلَ لتعاريف الإمامة المختلفة، واتخاذ تعريف واضح ومتمايز من بينها، إنّ الوقوف على السير التاريخي وتطوّر تعريف الإمامة عند المتكلمين، يُظهر لنا أوجه التفاوت والتشابه للرؤى المختلفة حول أحكام الإمامة، ولذا سردنا أهمّ التعاريف الموجودة للإمامة بحسب التسلسل الزمني، وسيكون هذا السرد التاريخي موضوع ارجاعاتنا في هذا البحث، ولذا نقدّمه ضمن جدول تسهيلاً للرجوع إليه وتوخّياً للدّقة والاختصار.
وقد التفتنا عند ذكر التقارير عن تعريف الإمامة إلى نقطة هي أنّ أيّ خبر بشأن الإمامة وإن كان في ظاهره يندرج في كونه قولاً شارحاً، ولكن لا يلزم أن يكون تعريفاً أيضاً، بل ربما كان قصد القائل بيان حكم من أحكامها لا أكثر، وعليه تم هنا اختيار الموارد التي كان قائلها بصدد إعطاء التعريف.
وعلى سبيل المثال فقد أوردنا التعاريف الواردة في مصادر شرح المصطلحات، وكذلك كلّ مبحث ورد في مقام التعريف.


ت
الاسم المذهب التاريخ المصدر التعريف
1 الشيخ المفيد شيعي 336-413 اوائل المقالات، ص 73 انّ الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود وحفظ الشرائع وتأديب الأنام، معصومون كعصمة الأنبياء.
2 عبد الجبار الهمداني معتزلي ؟ ـ 415 شرح الأصول الخمسة الامام اسم لمن له الولاية على الامة والتصرف في امورهم على وجهٍ لا يكون فوق يده يدٌ
3 السيد المرتضى علم الهدى شيعي 355-436 الحدود والحقايق الإمامة رئاسة عامة في الدين بالاصالة لا بالنيابة عمن هو في دار التكليف
4 الماوردي اشعري 364-450 الاحكام السلطانية الإمامة رئاسة عامة في امر الدين والدنيا خلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
5 الشيخ الطوسي شيعي 385-460 شرح العبارات المصطلحة بين المتكلمين الإمام هو الذي يتولى الرئاسة العامة في الدين والدنيا جميعاً
6 القاضي شرف الدين صاعد البريدي الآبي شيعي ق 6 الحدود والحقائق الإمامة التقدم لأمر الجماعة
7
ابو الحسن سيف الدين الآمدي 551-631 ابكار الافكار خلافة شخص من الأشخاص للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في اقامة قوانين الشرع وحفظ حوزة الملّة على وجهٍ يجب اتباعه على كافة الامة
8 الخواجه نصير الدين الطوسي شيعي 598-672 الفصول النصيرية الإمام: رئيس قاهر آمر بالمعروف ناه عن المنكر مبيّن لما يخفى على الامة عن غوامض الشرع، منفذ احكامه ليكونوا الى الصلاح اقرب ومن الفساد أبعد ويأمنوا من وقوع الفتن
9 هو ايضاً شيعي 589-672 رسالة في الإمامة الإمام هو الإنسان الذي له الرئاسة العامة في الدين والدنيا بالأصالة في دار التكليف
10 هو ايضاً شيعي 598-672 قواعد العقائد الإمامة رياسة عامة دينية مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنيوية وزجرهم عمّا يضرهم بحسبها
11 كمال الدين ميثم بن ميثم البحراني شيعي 636-699 قواعد المرام رئاسة عامة في امر الدين والدنيا بالأصالة
12 العلامة الحلّي شيعي 648-726 نهج المسترشدين رئاسة عامة لشخص من الاشخاص في امور الدين و الدنيا بحق الاصالة
13 هو أيضاً شيعي 648-726 الباب الحادي عشر رئاسة عامة في الدين والدنيا لشخص من الاشخاص
14 هو أيضاً شعي 648-726 الأبحاث المفيدة في تحصيل العقدية نفس تعريف نهج المسترشدين بدون قيد بحق الاصالة
15 الاسفرايني (شارح التجريد) ؟ ـ 749 تعزيز الاعتماد وهي رئاسة عامة في الدين والدنيا نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
16 فخر المحققين شيعي 682-771 ارشاد المسترشدين رئاسة عامة في امور الدين والدنيا نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
17 القاضي عضد الدين الايجي اشعري 756- 701 أو
708 المواقف في علم الكلام خلافة الرسول في اقامة الدين بحيث يجب اتباعه على كافة الامة
18 محمد الاصفهاني (شارح التجريد) اشعري شرح التجريد خلافة شخص من الاشخاص للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في اقامة قوانين الشريعة...
19 سعد الدين التفتازاني اشعري 712-793 شرح المفاصد رياسة عامة في امر الدين والدنيا خلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
20 ابن خلدون سنّي 742-808 المقدمة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا
21 الفاضل مقاد السيوري شيعي ؟ ـ 828 شرح واجب الاعتقاد نفس تعريف العلامة الحلي في نهج المسترشدين (رقم 12)
22 القوشجي (شارح التجريد) اشعري ؟ ـ 879 شرح تجريد الاعتقاد رئاسة عامة في امر الدين والدنيا خلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
23 حميد المفتي سنّي القرن التاسع قاموس البحرين رئاسة عامة في الدين والدنيا
24 مير سيد شريف الدين الجرجاني اشعري 740-816 التعريفات رئاسة عامة في الدين والدنيا
25 ابن ابي جمهور الاحسائي شيعي ق 9و10 التحفة الكلامية رئاسة عامة في امور الدين والدنيا نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة أو بغير واسطة
26 عبد الرزاق اللاهيجي شيعي ؟ ـ1072 كوهر مراد رئاسة عامة على المسلمين في امور الدين والدنيا على سبيل خلاقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنيابة عنه
27 المولى محمد مهدي النراقي شيعي متوفى 1297 انيس الموحدين نفس تعريف عبد الرزاق اللاهيجي.
28 ميرزا رفيعا النائيني شيعي 988-1083 الشجرة الإلهية (الإمام) شخص تجب طاعته على جميع الناس لترويج الشريعة وإقامة العدل بدلاً عن طاعة النبي والانقياد له حال حياته
29 النوري الطبرسي شيعي 1254-1320 كفاية الموحدين رئاسة عامة إلهية خلافة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في امور الدين والدنيا بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة
30 الميرزا احمد الآشتياني شيعي 1300-1395 لواقع الحقايق التعريف السابق

شرح لفظ الإمامة والكلمات التابعة:
سنذكر هنا المعنى اللغوي لمفردة الإمام والإمامة والمفردات التابعة، حيث أنّ بيانها يعيننا في فهم معنى الإمامة.
□ الإمامة والإمام:
تشتق لفظة الإمام من (أم م) مهموز الفاء مضاعف، ووردت في اللغة بالمعاني التالية:
الف: المقتدى والمتَّبع، قال الطريحي: (والإمام بالكسر على فعال للذي يؤتم به. وفي معاني الأخبار: سمّي الإمام إماماً لأنّه قدوة للناس) (5).
ب: المقدّم(6).
ج: القيّم.
د: الطريق(7).
هـ: الناحية(8).
ويوجد نوع ترابط بين المعاني الثلاثة الاولى (ألف، ب، و ج)، ويقال:إنّ المفاد اللغوي للمفردة؛ مطلق يشمل كل شخص تقدّم على جمع من الناس وكان القيّم والمقتدى لهم (سواء كان مستحقاً للتقديم أو لم يكن مستحقاً)(9).
وذهب ابن منظور في لسان العرب إلى أنّ أمام (بمعنى القدّام) وإمام (بمعنى المقتدى) من جذر واحد حيث اشتّقا من أمّ يؤمّ بمعنى القصد والتقدّم(10).
وقد استعملت كلمة الإمامة في القرآن في أغلب معانيها اللغوية، ذهب التفليسي في وجوه القرآن إلى أنّ (الإمام) استعمل في القرآن على خمسة أوجه:
الأوّل: بمعنى القائد، كما قال تعالى في سورة البقرة: 124 (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) وفي سورة الفرقان: 74 (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)أي قائداً في الخير.
الثاني: بمعنى الكتاب، كما في سورة بني اسرائيل: 71 (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)أي بكتابهم الذي عملوا في الدنيا.
الثالث: بمعنى اللوح المحفوظ، كما في سورة يس: 12 (كُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)أي في اللوح المحفوظ.
الرابع: بمعنى التوراة، كما في سورة هود آية 17(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا)أي التوراة.
الخامس: بمعنى الطريق الواضح، كما في سورة الفجر: 79 (وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ)أي الطريق الواضح(11).
ويكون الغالب في معنى الإمام عند العرب ما يدلّ على التبعية، سواء كان إنساناً حيث يُتبع في أقواله وأفعاله، أو كان كتاباً (كالدستور مثلاً) وسواء كان محقّاً أو مبطلاً(12).
□ النبي:
إنّ البحث عن النسبة بين النبي والإمام، من المباحث المهمّة في مبحث الإمامة، وسنتطرق إليها عند مبحث التحليل المفهومي للإمام، ونشير إلى أنّ النبي في اللغة جاء بأربعة معانٍ: الخبير، المخبر، الطريق الواضح، رفيع المنزلة، ويشترك في المعنيين الأخيرين مع المعنى اللغوي لكمة الإمام.
□ الولاية والولي:
الولاء، الوِلاية ـ بالكسرـ الوَلاية ـ بالفتح ـ ولي، المولى، الأولى وأمثالها مشتقة كلّها من (و ل ي). وهي من أكثر الكلمات استعمالاً في القرآن وبأشكال مختلفة، استعملت في 124 مورد على صيغة اسم، وفي 12 مورداً على صيغة فعل، والمعنى الرئيسي لهذه الكلمة على ما ذكره الراغب في المفردات حصول شيء إلى جنب شيء آخر من دون فاصل، ولذا استعملت بمعنى القرب والدنو، أعم من القرب المكاني أو المعنوي، كما استعملت في الولاية والمعونة وسائر المعاني، لوجود نوع اتصال في جميعها(13).
أمّا بالنسبة إلى طريقة استعمال كلمة الولاية فيقول الراغب: (والوِلاية: النصرة، والولاية: تولّي الأمر، وحقيقته تولّي الأمر)(14).
أمّا التفليسي فيذهب إلى أنّ كلمة (ولي) استعملت في القرآن بستة أوجه:
1ـ الابن: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) (مريم: 5)، أي ولداً.
2ـ الصاحب: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنْ الذُّلِّ) (بني اسرائيل: 11)، أي لم يكن له صاحب ينتصر به من ذلّ أصابه. وكذلك:(وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا) (الكهف: 17)، أي صاحباً مرشداً.
3ـ القريب: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)(العنكبوت: 22)، أي من قريب ينفعكم ولا ناصر ينصركم.
4ـ الرب: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (الأنعام:14)، أي أتخذ رباً. وكذلك: (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ) (الشورى:9)، أي هو الرب، وهو كثير في القرآن.
5ـ الولي بمعنى الله، والأولياء بمعنى الآلهة: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ)أي آلهة.
6ـ النصيحة: (لاَ يَتَّخِذْ الْـمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْـمُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 28). أي في المناصحة، وكذلك بنفس المعنى في سورة النساء:144، وكذلك الممتحنة.
وكذلك كلمة المولى الواردة في الرواية المعروفة: «من كنت مولاه فعلي مولاه» الدالّة على تنصيب علي عليه السلام للإمامة من قبل الله تعالى، مأخوذة من جذر (و ل ي)، وعلقتها الدلالية بمعنى الإمام تُعّد من المباحث الرئيسية في مبحث الإمامة، فقد ذهب مخالفوا الشيعة إلى القول بعدم وجود علقة لغوية بينها وبين الإمام بمعنى مفترض الطاعة والرئاسة. وقد ألّف الشيخ المفيد رسالة في ردّ هذا المدّعى، وأثبت فيها بالاستناد إلى الشعراء المخضرمين اللذين أدركوا الجاهلية والإسلام أمثال الأخطل، وكميت، وقيس بن سعد بن عبادة، وحسان بن ثابت، أنّ معنى (ولي) في الحديث المذكور هو الإمام حصراً.
□ تعريف الإمام والإمامة:
إنّ المرور على التعاريف المذكورة في الجدول، يوصلنا إلى اتحاد تعريفها على الأغلب بين المتكلمين وحتى بين الفرق الكلامية المختلفة، ويبقى التفاوت بينها ضيئلاً، ونستخلص من ذلك التقرير التاريخي في ماهية الإمامة ما يلي:
1ـ إنّ جميع المتكلّمين عند تعريف الإمامة كانوا ناظرين إلى ماهية الإمامة وتحصيل حقيقتها، بغية الوصول إلى مقومات مفهوم الإمامة، وهذا ما يصل إليه الإنسان بالتحليل.
2ـ التمايز بين الإمامة وبين اُمور اُخرى كالنبوة وولاية الفقيه وسائر المناصب الدينية والسياسية في المجتمع.
□ المقومات الحقيقية للإمامة:
بناءً على التعاريف المذكورة يمكن القول بأنّ مقوّمات الإمامة هي:
الف: خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فالإمام هو الذي يخلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويجلس مجلسه، وهذا ما صرّح به أمثال الشيخ المفيد، فخر المحققين، الفاضل مقداد السيوري، ابن أبي جمهور الاحسائي، عبد الرزاق اللاهيجي، محمد مهدي النراقي وميرزا رفيعا النائيني من متكلّمي الشيعة، وقد تبعهم على ذلك جميع المعاصرين، أمّا عند أهل السنة فذهب إلى معنى خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والنيابة عنه في معنى الإمامة كلّ من الماوردي، وسيف الدين الآمدي، وابن خلدون، والقاضي الايجي، والتفتازاني.
ب ـ الولاية وزعامة جميع المكلّفين: فقد ذهب المتكلّمون ـ على الأغلب ـ إلى أخذ معنى الرئاسة العامة أو الولاية على جميع المكلّفين في تعريف الإمامة، مع وجود الخلاف في بعض النقاط الجزئية، وهي كما يلي:
هناك من أطلق القول في مسألة الولاية على الاُمّة والتصرّف في الاُمور أمثال السيد المرتضى علم الهدى، وهناك الكثير من المتكلّمين، ذكروا الولاية على الامّة في الأمور الدنيوية والدينية مثل الماوردي، وابن خلدون،والتفتازاني من أهل السنة، والشيخ الطوسي، والخواجة الطوسي، وابن ميثم البحراني، والعلاّمة الحلّي، وفخر المحققين، والاحسائي،واللاهيجي، والنوري الطبرسي من الشيعة.
وقد خرق هذا الاجماع بعض المعاصرين، وذهب إلى أنّ إضافة قيد الولاية في الأمور الدنيوية يُعدّ تنقيصاً لمنصب الإمامة، والحال أنّ الإمامة كالنبوّة تتعلّق بالدين لا الدنيا(15).
ويرد عليه أوّلاً: لم يكن قيد (الولاية في الأمور الدينيةوالدنيوية) في تعريف الإمامة أمراً مستحدثاً، بل هو ما أجمع عليه المتكلّمون الشيعة منذ الشيخ الصدوق والشيخ المفيد وإلى وقتنا الحاضر، أمّا عدم ذكر علم الهدى لقيد (الاُمور الدنيوية) في (الحدود والحقائق)، فهو لا ينطبق على مبناه، إذ أنّه يؤكّد كثيراً في كتابه الشافي على شأن الولاية الدنيوية، وعليه فيحتمل سقوط هذا القيد عند الاستنساخ وتصحيح النسخ.
ثانياً: إنّ افتراض اختصار دعوة الأنبياء على الاُمور الاُخروية والدينية، قابل للنقاش والنقد، وقد اُسهب الكلام حوله في مباحث النبوة، كما أنّ متكلمي الشيعة منذ زمن ابن ميثم البحراني اتخذوا النظرة الشمولية في تفسير وتعريف النبوة(16)، حتى أنّ بعض كبار علماء الشيعة كالشيخ ذهبوا إلى أنّ النبي بما هو نبي لا يلزم أن يكون متصرفاً في الأمور بالضرورة، بل هذا الأمر يختص ببعض الأنبياء، ولكن بالنسبة إلى الإمامة جعلوا مسألة التصرّف في الاُمور جزءاً غير منفك عنها(17).
أضاف بعض المتكلّمين ذيل مفهوم الولاية قيد (الدينية) أو (الإلهية)(18) ممّا ينبىء عن توخّيهم الدقّة، فهذا القيد يختلف عن (الاُمور الدينية) حيث يميّز بين ولاية الطاغوت وولاية الإمام، إذ أنّ للولاية والقيمومة ـ المأخوذة في مفهوم الإمامة عند الشيعة ـ هوية دينية، وسنفصّل القول حوله في مورده.
والدقّة الجيدة الاُخرى التي أوردوها ذيل تعريف الولاية والقيمومة أو خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، هي ذكر قيد (الحفاظ على الشريعة) حيث عبّر عنه ابن خلدون بقوله (خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين)، كما ذكر الايجي: (في إقامة الدين)، وأورد الميرزا رفيعا النائيني قيد (ترويج الشريعة). والغرض أنّ الإمام مضافاً إلى مسؤوليته في تنظيم اُمور الناس الدينية والدنيوية، يكون حافظاً لشريعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً، إنّ حفظ الشريعة النبوية تعني استمرار النبوة في الدين الخاتم.
ج: وجوب الاطاعة: أورد بعض المتكلمين قيد (واجب الطاعة) في تعريف الإمامة، إذ أنّ الإمام خليفة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ووليّ الاُمة بحيث أنّ طاعته طاعة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن مجرد دليل وهاد لا تتحمّل الامّة تجاهه أيّ مسؤوليّة، بل على الامة طاعته في امورها الدينية والدنيوية.
نعم إنّ قيد الولاية والزعامة يستبطن معنى وجوب الطاعة بالالتزام، ويكون التصريح به في تعريف الإمامة رافعاً للابهام في مقام تعيين شرائط الإمامة، بأنّ كلّ إمام تجب طاعته، ولم يكن هذا الوجوب مفهوماً حقيقياً فقط، بل هو مفهوم ديني أيضاً بمعنى أنّ معصيته من الكبائر، طبعاً لا يقال لكلّ من وجبت طاعته، إمام، كما زعم بعض أهل السنة، إذ أنّ استنتاج إمامة الولي والرئيس الذي تجب طاعته من قيد وجوب إطاعة الإمام، يكون من باب مغالطة إيهام الانعكاس.
وقد صّرح بقيد (وجوب الطاعة) في تعريف الإمامة كلّ من سيف الدين الآمدي في أبكار الأفكار، الخواجة الطوسي في الفصول النصيرية، القاضي الايجي في المواقف، الميرزا رفيعا النائيني في الشجرة الإلهية، والنوري الطبرسي في كفاية الموحدين، يقول النائيني: (الإمام هو من تجب طاعته على جميع الناس في أمر ترويج الشريعة وإقامة العدل، بدلاً عن طاعة النبي والانقياد له في زمن حياته)(19).

□ وجه التمايز بين الإمام وغيره:
ذكر المتكلّمون للتفكيك بين منصب الإمامة عن سائر المناصب الدينية، عدّة قيود ضمن تعريف الإمامة:
1ـ النيابة عن رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم): هذا القيد يميّز الإمامة عن النبوة، وسنتكلّم عنه في مبحث التمايز بين النبي والإمام.
2ـ الرئاسة العامة: هذا القيد يميّز الإمامة عن سائر المناصب الأخرى المدرجة تحت ولاية الإمام، كالقضاء والامارة، وعبّر البعض عن هذا القيد بقوله: (على وجه لا يكون فوق يده يد)(20)، وذكر البعض الآخر عنوان (بحق الاصالة) أو (بالاصالة لا بالنيابة)(21)، وعلى أية حال فالمراد أنّ الإمامة تُعدّ أعلى منصب في المجتمع الديني بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
3ـ الرئاسة الإلهية أو الدينية: سعى الخواجة الطوسي والميرزا رفيعا النائيني بذكر هذا القيد إلى التمايز بين الحكومات غير الدينية كحكومة السلاطين والملوك، وبين ولاية الأئمة عليهم السلام.
وعليه نستخلص ممّا مضى في تعريف الإمامة أنّها زعامة ورئاسة عامة دينية على الأمة الإسلامية في شؤونها الدينية والدنيوية، تكون نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حفظ الشرع واستمرار الهداية الإلهية.

□ الفوارق بين الشيعة والسنة في تعريف الإمامة:
يبدو بعد المراجعة لما مرّ من تعاريف متنوعة للإمامة، عدم وجود فوارق ظاهرية بين متكلمي الشيعة والسنة بهذا الخصوص، بمعنى أنّ ظاهر العبائر لا توحي إلى وجود تفسيرين للإمامة (التفسير الشيعي والتفسير السني)، ممّا أدّى إلى تصوّر بعض السذّج بعدم وجود فوارق بين الشيعة والسنة في تصوّر الإمامة وماهيتها، والخلاف إنّما هو في تعيين المصداق أي من هو الإمام؟ لا ماهي الإمامة؟ الخلاف في (من هو) لا (ما هو). والحال أنّ الفوارق بين الشيعة والسنة في تصوّر الإمامة لم يكن بيّناً وواضحاً فقط، بل انّهم يختلفون في جميع مسائل الإمامة كوجوبها، وطريقة النصب، والعصمة وسائر أوصاف الإمام.
إنّ المرحوم عبد الرزاق اللاهيجي ـ المتكلّم الشيعي الصلب في القرن الحادي عشر المعروف بالدّقة في تحليل المسائل الكلامية ـ عدّ التشابه الظاهري في تعريف الشيعة والسنة للإمامة لغزاً لابد من حلّه، لأنّه يستبطن التخالف البيّن الذي لا يوجد وجه جمع له.
إنّ تقرير اللاهيجي وتحليله واحتجاجه على مدعاه، يبيّن بشكل واضح تعريف الإمامة عند الشيعة حيث يقول:
«ومن عجائب الأمور أنّ التعريف المذكور للإمامة [أي كونها رئاسة عامة للمسلمين في أُمور الدين والدنيا] متفق عليه بيننا وبين المخالفين، والحال أنّ أيّ واحد من الخلفاء والأئمة الذين اختصّوا بالإمامة عندهم لايتّصفون بجميع الأمور المذكورة في مفهوم الإمامة في التعريف المذكور، إذ أنّ الرئاسة في الأمور الدينية موقوفة لا محالة على المعرفة بها بالضرورة، مع انّهم لا يشترطون أعلمية الإمام في الإمامة، ولا يدّعون بأنّ جميع أئمتهم كانوا عالمين بجميع الأُمور الدينية. وكذلك الرئاسة في امور الدين موقوفة على العدالة بالضرورة ولم يشترطوها أيضاً، والتصريح بعدم اشتراط الموردين موجود في أكثر كتبهم، منها ما ورد في كتاب شرح المقاصد أنّ من أحد أسباب انعقاد الخلافة القهر والغلبة، فمن تصدى للإمامة بالقهر والغلبة ومن دون بيعة فالأظهر انعقاد خلافته وإن كان فاسقاً أو جاهلاً... كما أنّ الخلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) موقوفة على إذنه بالضرورة، وما يظهر من شرح المقاصد عدم اعتبار هذا الشرط أيضاً»(22).
وحاصل كلام اللاهيجي أنّ أهل السنة تناقضوا في مسألة الإمامة، فمن جهة التزموا في التعريف أن يكون الإمام خبيراً بالإسلام وعادلاً مجازاً من قبل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن جهة ثانية عند تعيين المصداق لا يراعون هذه الشرائط، ولم تكن موجودة في أئمتهم.
ولكن ما هي جذور هذا التناقض؟
لو كان مراد متكلّمي أهل السنة من تعريف الإمامة ـ كما يقتضيه ظاهر اللفظ ـ نفس التصوّر الشيعي عن ماهية الإمامة، فهذا التناقض لا ينحلّ، ولكن يبدو ـ مع قطع النظر عن ظاهر كلمات متكلّمي الشيعة والسنة ـ أنّ للإمامة من وجهة نظرهم هويتين متخالفتين تماماً لايمكن الوصول إليهما من خلال الدلالة التطابقية الصريحة. وقد التفت بعض المعاصرين إلى هذا الأمر، وذهب إلى أن خلاف الشيعة والسنة في مسألة الإمامة يرجع إلى تباين تصوّرهم عن حقيقة الإمامة ولم يكن صرف خلاف في المصداق(23).
دليلنا على الخلاف الرئيس بين متكلّمي الشيعة والسنة في حقيقة الإمامة وتعريفها أمران:
الأوّل: كون مسألة الإمامة عند الشيعة من مسائل علم الكلام، أما عند أهل السنة فهي من المسائل الفرعية الفقهية، وهذا يدلّ على تصوّر متخالف تماماً بينهما.
الثاني: وجوب نصب الإمام عند الشيعة على الله تعالى، ولكن عند أهل السنة على المكلّفين.
فهذا الخلاف ينبئ عن وجود تصوّرين متخالفين عن الإمامة عندهما أيضاً. وعند تبيين هذا المدّعى نحاول إيضاح تصوّر الشيعة عن الإمامة، وذكر وجوه الخلاف بينهم وبين أهل السنة:
من المعلوم أنّ الحد والبرهان قد يكونان متشاركا الأجزاء، أي ربما يكون الحد الأوسط في البرهان من مقدّمات الحد. فما هو بمثابة الحد الأوسط لإثبات وجوب نصب الإمام على الله تعالى، يكون في الواقع جزء من هوية الإمامة. فالإمامة بلحاظ خصوصية هويتها؛ تستدعي أن تكون واجبة النصب من قبل الله تعالى. هذا الأمر الخاص في الإمامة يكون من جهةٍ جزء هويتها حيث يُذكر في مقام التحديد والتحليل المفهومي، ومن جهةٍ اُخرى يكون علّة لإثبات وجوب نصب الإمام على الله تعالى؛ الكائن حدّاً أوسطاً عند البرهان وهو كون الإمامة لطفاً.
وتمتاز قاعدة (لطفية الإمام) بموقعية خاصّة عند متكلّمي الشيعة، إذ أنّ دليل وجوب نصب الإمام على الله (لا وجوب نصبه مطلقاً) عند الشيعة هو كون الإمام لطفاً، كما أنّ من أهمّ أدلّة المتكلّمين في وجوب بعثة الأنبياء على الله كون النبي لطفاً. فلطفية الإمام ينبئ بوضوح عن خلافته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكون الإمامة استمراراً للنبوة، كما ينبئ أيضاً بوضوح كون مسألة الإمامة كلامية.
اللطف هو ما يفعله المكلِّف (الله تعالى) للمكلَّف (العباد) فيما يقرّبهم إلى أداء التكاليف، فلطفية الإمام ينبئ عن هويّته الربانية والإلهية والسماوية، الهويّة التي لو أدرجها أهل السنة في تعريف الإمام لما تمكنوا من نسيان الشرائط التي ذكرها اللاهيجي، والقول بكونه منصوباً من قبل الناس، أو القول بأنّ مسألة الإمامة من الفروع الفقهية (الوجوب الكفائي).ولذا أدرج بعض متكلّمي الشيعة شرط (الرئاسة العامة الدينية أو الإلهية) في التعريف، كي يشيروا إلى هذا الجانب من هوية الإمامة.
كما أنّ لطفيّة الإمام يبيّن جانباً آخر من هوية الإمامة أيضاً، وهو أنّ الإمامة لم تكن صرف تنظيم ارتباط المكلّفين بعضهم مع بعض على أساس الشرع المقدّس، أو تنظيم نظامهم المعيشي على أساس قوانين الإسلام، كما لم تكن صرف رابط بين الإنسان وبين الله تعالى، بل الإمامة أولاً وبالذات رابط من قبل الله مع الإنسان كالنبوة التي هي في البداية رابط من قبل الله تعالى مع الإنسان، نعم ستتبع هذه العلقة مسألة هداية الإنسان إلى الله تعالى، وتنظيم المناسبات بين بني البشر (أي حراسة الدين وسياسة الدنيا)، ولذا فإنّ مسألة الإمامة مسألة عقديّة، يجب نصبها على الله تعالى دون المكلّفين كالنبوة تماماً.
وبعبارة أُخرى إنّ ذكر خلافة النبي في تعريف الإمامة عند الشيعة والسنة، يكون أشبه بالاشتراك اللفظي، لأنّ كلاهما قصد مفهوماً مخالفاً عن الآخر في مسألة خلافة النبي.
(إنّ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ عند الشيعة والسنة ـ ثلاثة أدوار:
1ـ تلقّي الوحي وإبلاغه.
2ـ تبيين الوحي.
3ـ الرئاسة على أمور الناس الدنيوية وإدارة المجتمع الإسلامي (الحكومة).
كما أنّ كلاهما يذعنون بأنّ الوحي بمعنى وحي النبّوة لا وحي الإلهام والتحديث قد انقطع بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا أحد يحوز الدور الأوّل للنبي بعد رحيله، ويبقى الكلام في الثاني والثالث ومن يحوزهما بعد النبي؟
فالشيعة تذهب إلى أنّ المتصدّي لهذين المقامين يكون بنصب من الله تعالى، أما أهل السنة تخالف هذا. إنّ تعيين خليفة للنبي لتصدّي هذين المقامين لم يكن بعهدة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليه لا يصح إرجاع الخلاف المذكور في مسألة الإمامة إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هل عيّن خليفة أم لا؟ لأنّ هذا العمل لم يكن من شأنه بل هو شأن إلهي. ففي الثقافة الشيعية يطلق على من حاز هذه الخصوصيات لقب الإمام، فالإمام مصطلح خاص، وإلاّ فأهل السنة أيضاً تذعن بالإمام، ولكن الإمام الذي يكون بمعنى رئيس المجتمع في اُمور الدين والدنيا. فهذا الإمام يختلف تماماً عن الإمام الذي تذهب إليه الشيعة.
الإمام في الثقافة الشيعية هو من ينال مقام تبيين النبي، ويكون كلامه حجة في تبيين الوحي، ويكون واجب الطاعة، كما أنّ أمره مطاع في سائر الأمور الاجتماعية، سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية أو السياسة الخارجية وما شاكل)(24).
وبناء على هذا فإنّ من أحد المقوّمات الرئيسة في مسألة الإمامة عند الشيعة كونها لطفاً، ولابد من إدراجه ضمن التعريف كي ينبئ عن مسألة خلافة النبي تماماً. فالإمام يكون واسطة بين الوحي والمخاطبين كالنبي، ويكون معصوماً كالنبي، نعم سيكون مبيّناً للوحي لا متلقياً له؛ خلافاً للنبي.
لم تكن الإمامة عند أهل السنة استمراراً للنبوة، بل هي بمنزلة نظرية للحكم في المجتمع الديني وسيكون مآلها إمّا الفصل بين الدين والسياسة، أو جعل الدين وسيلة بيد السياسة، كما شاهدنا كلا الحالتين في تاريخ الدول الإسلامية السنية.
أمّا الإمامة عند الشيعة فهي استمرار لنبوة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن عمدة مهامّها الهداية الإلهية والعدالة الاجتماعية، وبناء على هذا تذهب الشيعة إلى عصمة الأئمة عليهم السلام وتطابق أفعالهم وأقوالهم مع الدين كأفعال وأقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث تكون منشأ لاستنباط الأحكام الفقهية والعقائد الكلامية.
يبتني مفهوم الإمامة الشيعي ـ خلافاً لتصوّر أهل السنة عنها ـ على تقسيم جميع الناس إلى قسمين: الإنسان الهادي، الإنسان الهابط. الإنسان الهابط هو المخاطب بقوله: (اهبطوا إلى الأرض) والمبعّد إلى ظلمات المادة والطبيعة، في حين أنّ مقولة الإنسان الهادي لم تكن من باب الهبوط والسقوط، بل من باب الارسال والمسؤولية (وفي المصطلح الكلامي من مقولة اللطف الإلهي)، مسؤولية الهداية الجامعة للتزكية والتعليم والتربية والسياسة، أي صناعة الفرد والمجتمع، وهذا الإرسال وهذه المهمة من قبل الله تعالى إمّا أن تكون من دون واسطة (الأنبياء) أو بواسطة (الأوصياء والأئمة)(25).
إنّ المتكلمين الشيعة ـ بناء على هكذا تصّور عن الإمامة ـ يؤكّدون على الجانب الإلهي والسماوي للإمامة. فكما أنّ الإنسان الهابط لا يستطيع أن ينتخب النبي، كذلك لا يقدر على انتخاب الوصي ـ كيف يُعقل أن يجتمع الناس ليقولوا لشخص أنت نبي فاذهب وجئنا بالوحي؟! انّ انتخاب الناس يتنافى مع مفهوم النبوة. النبي ـ بحسب تعريفه ـ لطف إلهي مرسل من قبله ولم يكن رئيساً منتخباً من قبل الناس. وكذلك لا يمكن أن يجتمع الناس ليقولوا لشخص: أنت وصي النبي وخليفته، فاجلس مجلسه، وكن استمراراً لحضور النبي الجامع في اُمته، وتعلّم علم الكتاب وفسّر رموزه. ومآل هذا الكلام يرجع إلى القول باستطاعة تعيين الإنسان الهابط للإنسان الهادي، وهذا محال، فكما أنّ الإنسان الهابط لا يتمكن من انتخاب الإنسان الهادي الأوّل (النبي) فكذلك لا يتمكن من انتخاب الإنسان الهادي الثاني (الوصي والإمام).
وعليه يعود جذر الخلاف بين الشيعة والسنة في مسألة الإمامة إلى خلافهم في تصوّر الإمامة، فهي عند الشيعة استمرار للنبوة ولطف إلهي ومهمّة سماوية لهداية المجتمع الديني وزعامته.
□ مراتب الإمامة:
ذهب الأُستاذ المطهري إلى منحىً آخر في بيان فوارق متكلّمي الشيعة والسنة في مفهوم الإمامة يمتاز بالدقة والنفع الأكثر، وهو البحث عن مراتب الإمامة، إذ أنّ الإمامة وبتبعها التشيع أمرٌ ذو مراتب؛ لأنّ لخلافة النبي التي تُعد من أهم مقوّمات الإمامة مع اشتراكها الظاهري بين الشيعة والسنة؛ مراتب لا تتحقق عندهما:
الف: الرئاسة العامة وزعامة المجتمع: الرئاسة العامة هي أوّل مراتب الإمامة، وعندما يتوفى النبي يصبح أحد شؤونه ـ وهو رئاسة المجتمع ـ شاغراً، هذه المرتبة من الإمامة متفق عليها بين الشيعة والسنة، والخلاف هو مصداقي وتاريخي. فلو كانت الإمامة بهذا الحدّ والرتبة، أي لو كان الكلام فيها لمجرّد الرئاسة السياسية بعد النبي، كان الانصاف أن نجعلها ضمن الفروع الدينية كالصلاة لا الاصول.
ب ـ الإمامة بمعنى المرجعيّة الدينيّة: الإمامة في هذه المرتبة نوع من الخبرة الإسلامية تفوق خبرة المجتهد بكثير. الخبير الذي يأتي من الله تعالى يكون بمعنى الخبير الإسلامي الذي عرف الإسلام لا من خلال عقله وفكره المؤديان إلى الخطأ لا محالة، بل من خلال أخذ العلم من النبي بطرق غيبة خفيت علينا، حيث أنّ علم المعصوم عار من الخطأ تماماً.
فأهل السنة لا يذهبون إلى هكذا مقام لأي أحد، فهم في هذه الرتبة لا يقولون بوجود إمامٍ ولا يعترفون بالإمامة، لا أن يعترفوا بالإمامة ويختلفوا عن الشيعة في المصداق.
ج ـ المرتبة الثالثة للإمامة ـ وهي أعلى مراتبها ـ هي الولاية ، المفهوم الذي أخذه التصوف من الشيعة، المسألة في هذه المرتبة إنّما هي مسألة الإنسان الكامل والحجة في الزمان. ففي كلّ فترة يوجد انسان كامل يحمل المعنوية الكلّية للإنسانية. فالإمام عند الشيعة إنسان كامل له مقامات ودرجات كثيرة وردت في الأدعية والزيارات. فأهل السنة ـ وحتى بعض الشيعة ـ لا يعتقدون بهذه المرتبة في الإمامة.
ثم إنّ الاستاذ المطهري كما يعتقد بوجود مراتب في الإمامة، كذلك يذهب إلى وجود مراتب في التشيع أيضاً، فبعض الشيعة يذهبون في الإمامة إلى الرئاسة الاجتماعية، والبعض الآخر يضمّون إليها المرحلة الثانية أيضاً ولا يرقون إلى المرحلة الثالثة، ولكن أكثر الشيعة وأكثر علمائهم يعتقدون بالمرحلة الثالثة أيضاً (26) .

□ النسبة بين النبّوة والإمامة:
إنّ البحث عن فوارق وتشابه أو بعبارة أدق: النسبة بين النبي والإمام، من المسائل الكلامية المتداولة. وقد اتضح ممّا مضى أنّ الإمام يشترك مع النبي في عدّة جهات: كونه لطفاً، هادياً، مأموراً من قبل الله تعالى، حيازة مقام تبيين الوحي وتدبير أُمور الناس الدينية والدنيوية. فالسؤال الذي يطرح نفسه أنّه هل يوجد تباين بين النبي والإمام؟ بمعنى أن النبي لا يكون إماماً والإمام لا يكون نبياً أبداً؟!
إنّ الشيخ الطوسي ألّف رسالة مختصرة في الإجابة عن هذا السؤال(27). ولم يضف المتكلّمون المتأخرون شيئاً على ما كتبه الشيخ، وكل ما ذكروه إنّما هو شرح وتفصيل لكلامه، وقد أرجع الشيخ تفصيل الكلام إلى كتابيه: كتاب الإمامة وكتاب المسائل الجلية، ونظراً لأهمية رأي شيخ الطائفة نوجزه فيما يلي:
(اعلم أنّ معنى قولنا نبي، هو أنّه مؤد عن الله تعالى بلا واسطة من البشر، ولا يدخل على ذلك الإمام ولا الأمة ولا الناقلون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن كانوا بأجمعهم مؤدين عن الله بواسطة من البشر... وقولنا إمام يستفاد منه أمران: أحدهما أنّه مقتدى به في أفعاله وأقواله من حيث قال وفعل لأنّ حقيقة الإمام في اللغة هو المقتدى به...، والثاني أن يقوم بتدبير الاُمّة وسياستها وتأديب جناتها والقيام بالدفاع عنها وحرب من يحاربها وتولية ولاية من الامراء والقضاة وغير ذلك وإقامة الحدود على مستحقيها.
فمن الوجه الأوّل يشارك الإمام النبي في هذا المعنى، لأنّه لا يكون نبي إلاّ وهو مقتدى به، وأمّا من الوجه الثاني فلا يجب في كلّ نبي أن يكون القيّم بتدبير الخلق ومحاربة الأعداء والدفاع عن أمر الله بالدفاع عنه من المؤمنين لأنّه لا يمتنع أن تقتضي المصلحة بعثة نبي وتكليفه ابلاغ الخلق ما فيه مصلحتهم ولطفهم في الواجبات العقلية، وإن لم يكلّف تأديب أحد ولا محاربة أحد ولا تولية غيره. ومن أوجب هذا في النبي من حيث كان نبياً فقد أبعد وقال ما لا حجة له عليه، ثم استشهد على مدعاه بالآية 247 من سورة البقرة ، وذكر أنّ جمع النبوة والإمامة اختصّ بها بعض الأنبياء عليهم السلام كداود وسليمان والنبي عليهم أفضل الصلاة والسلام.
وعليه فالإمامة بالمعنى الثاني تلازم النبوة بما هي هي، وإن اجتمعت النبوة والإمامة بمعنى الولاية في بعض الأنبياء(28).
وقد ذهب الشيخ المفيد إلى أنّ هذا الرأي مطابق لجمهور الشيعة، أمّا المقدس الاردبيلي (ت 993) فلا يرى فرقاً كثيراً بين النبي والإمام إلاّ في مسألة تلقي الوحي حيث قال: (الإمام هو الحاكم على الخلق من قبل الله وبواسطة بشر في أمور الدين والدنيا، ويكون كالنبي إلاّ أن النبي ينقل عن الله تعالى من دون واسطة بشر، أمّا الإمام فبواسطة بشر هو النبي... وكل فائدة تترتب على وجود الرسول والنبي، كذلك تترتب على وجود الولي والنائب أيضاً)(29).
وعليه لابد من القول بناء على جميع الأجزاء التعريفية للنبي والإمام، بوجود تباين بين المفهومين، ولكن بالنظر إلى بعض أجزاء التعريف يوجد قولان في تعريف النبوة:
الأول: إنّ النبي بما هو نبي كما يهتم بالأمور الدينية (إبلاغ الوحي) يهتم بأمور الدنيا أيضاً، لأنّ كل نبي له حق الولاية والتصرف في الأمور لزوماً.
الثاني: إنّ وظيفة النبي بما هو نبي إبلاغ الوحي فقط لا تدبير أُمور الناس والرئاسة، لذا نرى حيازة بعض الأنبياء مقام الإمامة بمعنى سياسة المدن دون البعض الآخر.
ذهب إلى الرأي الثاني الشيخ المفيد ومتقدّمي الشيعة، وذهب إلى الرأي الأوّل ابن ميثم البحراني ومن تلاه.
أمّا بخصوص الإمامة فقد أجمعت الشيعة والسنة على أخذ شرط التصرف في أمور المسلمين الدينية والدنيوية في تعريف الإمامة، ولكن لو تم لحاظ جميع أجزاء التعريف سيتباين الإمام الذي له واسطة بشرية مع النبي الذي لا واسطة له، أمّا لو لاحظنا جوهر الإمامة أي التصرف في أمور المسلمين وولاية الدين والدنيا، فعلى الرأي الأوّل سيكون كل نبي إماماً، وعلى الرأي الثاني سيكون بعض الأنبياء أئمة كما هو واضح وكما أشار إليه الشيخ المفيد. هذا المبحث يبتني على نظرية خاصة في اتجاه دعوة الأنبياء.
* هوامش البحث *
(*) سبق وأن نشر هذا البحث باللغة الفارسية ضمن كتاب (امامت ﭘﮊوهى)، ط: الجامعة الرضوية.
(1) العلامة الحلي، الجوهر النضيد: 322.
(2) للاطلاع على شرائط التعريف عند القدماء انظر: محمد الطوسي، شرح الاشارات 1: 95ـ111.
(3) سعد الدين التفتازاني، شرح المقاصده: 237.
(4) عبد الرزاق اللاهيجي، كوهر مراد: 289.
(5) فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين 6: 14، محمد بن علي الصدوق، معاني الأخبار: 96.
(6) ابن منظور، لسان العرب12: 24، و 25.
(7) الطريحي، مجمع البحرين 6: 10.
(8) ميرزا رفيعاالنائيني، الشجرة الإلهية، مخطوطة مكتبة جامعة طهران رقم 159.
(9) القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة: 509.
(10) ابن منظور، لسان العرب 26:12.
(11) جيش بن ابراهيم التفليسي، وجوه القرآن، تحقيق مهدي محقق: 28 و29.
(12) الراغب الاصفهاني، المفردات في غريب القرآن: 24.
(13) المفردات للراغب: 533و535، والنقل بالمعنى.
(14) م ن.
(15) مهدي بازﮔان، آخرت وخدا هدف بعثت أنبياء: 41ـ 103.
(16) راجع بهذا الصدد: أحد فرامرزقراملكي، مباني كلامي جهت ﮔيرى دعوت أنبياء.
(17) الشيخ الطوسي، الرسائل العشر: 111ـ114.
(18) رئاسة عامة دينية (نصيرالدين الطوسي، تلخيص المحصل: 457) رئاسة عامة إلهية (النوري الطبرسي، كفاية الموحدين2:2).
(19) الميرزا رفيعا النائيني، الشجرة الإلهية، مخطوطة في مكتبة جامعة طهران.
(20) مقوله عبد الجبار المعتزلي.
(21) مقولة السيد المرتضى وأغلب متكلّمي الشيعة.
(22) اللاهيجيﮔوهرمراد: 289و290.
(23) محمد تقي المصباح، راهنماشناسي:396-411.
(24) م ن : 408ـ410.
(25) محمد رضا حكيمي، كلام جاودانه 48-50.
(26) مرتضى المطهري، مجموعة الآثار 4: 848-850.
(27) الشيخ الطوسي، الرسائل العشر (رسالة في الفرق بين النبي والإمام): 109 -114.
(28) المصدر نفسه.
(29) أحمد بن محمد المقدس الأردبيلي، حديقة الشيعة:3.