الباحث : الأستاذ مجتبى السادة
اسم المجلة : العقيدة
العدد : 33
السنة : شتاء 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : January / 26 / 2025
عدد زيارات البحث : 38
الملخّص
السيّدة أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) حظيت بمنزلةٍ خاصّةٍ في قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد كتبت فضائلها على صفحات الإسلام بتضحياتها وجهادها، فكثرت مناقبها بحيث لا تُعدّ ولا تُحصى، وعدّت من النساء الكوامل، وقد قلّدها أهل البيت (عليهم السلام) بكوكبةٍ من الأوسمة الرفيعة وكانت فخرًا لهم . وللأسف هناك من ينال منها (عليها السلام)، ويشوّه سمعتها الشريفة وسيرتها الناصعة، والبعض من الكتّاب والمؤرّخين من يروّج معلوماتٍ زائفةً وإشاعاتٍ كاذبة، ويكررونها بكثرة، حتى تصبح كأنّها حقائق ثابتة، وجزءٌ من نسيج تاريخها الحافل، ويراد من ذلك إسقاط مكانة ورمزيّة مقامها (عليها السلام).
بالتأكيد هناك دوافع سياسيةٌ واجتماعيةٌ، واجنداتٌ خاصّةٌ سابقاً لمناهضة مقامها، وفي الوقت الحالي ثمّة بواعث أيديولوجية ومذهبية وراء استمرار هذه الأكاذيب وترويجها، وتزييف الصورة الواقعية لأم الزهراء (عليها السلام) . وهناك شواهد كثيرةٌ في كتب التاريخ توضّح مدى فداحة ما وقع على خديجة من الظلم والإجحاف في حقّها. إلّا أنّ أشدّ ظلامةً نالتها هو طمس وتغييب الروايات النبوية المنقولة عن لسانها، وتهميش وأقصاء أقوالها وأشعارها، بالإضافة إلى صرف الذهن عن أدوارها الجليلة ومواقفها العظيمة، وتجاهل مفاصل ومحطّاتٍ مهمةً من حياتها للتقليل من شأنها، ممّا أثّر بشكلٍ سلبي على إرثها التاريخي ومكانتها المرموقة، وقد استغلّ بعض المستشرقين هذه الإساءات التي لصقت بالسيدة (عليها السلام) لإثارة الشبهات. وفي الحقيقة هذه الافتراءات المذكورة في كتب التاريخ والسيرة تنال من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتقدح فيه، قبل أن تثلب وتطعن في خديجة (عليها السلام)، ممّا له أثرٌ سلبيٌّ ونتيجةٌ خطيرةٌ على الفكر الإنساني والمجتمعات الإسلامية والأجيال القادمة.
الكلمات المفتاحية: خديجة بنت خويلد ، زوج الرسول، أم المؤمنين، شبهات المستشرقين.
الهوية الشخصية للسيدة خديجة (عليها السلام):
الاسم والنسب: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فهي قرشيةٌ حسبًا ونسبًا من جهة الأب ومن جهة الأم؛ لصلة أجدادهم بالنضر بن كنانة (قرشية أسدية)، تلتقي مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجد الأعلى لهما وهو قصي؛ فهي من أصولٍ كريمةٍ في قمة الشرف، فهي من ذرية إبراهيم شيخ الأنبياء، ومن ولده نبي الله إسماعيل (عليه السلام).
أبوها: خويلد بن أسد، من أشراف قريش، وكبير بني أسد بن عبد العزى، ويذكر أنّه وقف وواجه آخر التبابعة ملوك اليمن، وحال بينه وبين أخذه للحجر الأسود ، وهو من أقران عبد المطلب جد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). ويذكر المؤرخون أنه كان ضمن الوفد القرشي الذي ذهب بقيادة عبد المطلب إلى اليمن لتهنئة سيف بن ذي يزن لانتصاره على الحبشة وطردهم من بلاده بعد عام الفيل بسنتين. مات في حرب الفجار [1].
أمها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب، يجمعها النسب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في لؤي بن غالب بن فهر. كانت امرأة ًيشهد لها بالجمال، وعزّة النسب، ورجاحة العقل.
جدتها لأمها: هالة بنت عبد مناف بن قصي بن كلاب، يجمعها النسب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أبيها عبد مناف، كانت ذات شأنٍ في قومها، حسيبةً نسيبةً من أشراف العرب وأسماهم عرقًا، وكلا أبويها من أعرق البيوت وأكثرهم كرمًا وخلقًا.
الزوج: الزوجة العذراء البكر [2] الأولى للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، تم الزواج المبارك وهي في عمر 28 سنة [3] ، وعاشت معه 25 سنة ، 15 سنة قبل البعثة ، و 10 سنوات بعد ذلك.
الأبناء: المتفق عليه بين الشيعة والسنّة:
- القاسم: كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يكنى أبا القاسم، ولد في مكة، عاش 17 شهرًا، توفى قبل البعثة.
- عبد الله: لُقّب بــ (الطيب)، و(الطاهر)، ولادته بعد نزول الوحي، توفى في حياة أمه فبكت عليه.
- السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام): 5 للبعثة - 11 الهجرة.
الإخوة والأخوات: ولد لخويلد عدد من الأبناء أكبرهم خديجة أم المؤمنين (عليها السلام):
من الذكور: عدي، والعوام، وحزام، ونوفل، وعمرو.
من الإناث: خديجة، وهالة، وخالدة، ورُقَيْقَةُ.
ابن عمها: ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، كره عبادة الأصنام وطلب الدين في الأفاق، وقرأ الكتب وأصبح مؤمنًا عابدًا لله الواحد، وهو الذي بشّر السيدة خديجة (عليها السلام) بنوّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان يقول لها: ما أراه إلّا نبيّ هذه الأمة الذي بشّر به موسى وعيسى (عليهم السلام).
الشهرة: زوجة الرسول الأولى، وأم المؤمنين الأولى، وأول امرأة آمنت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووالدة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) [4]، وأم المعصومين الاثني عشر (فاطمة والحسنين والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام).
الولادة: ولدت قبل عام الفيل بثلاث سنوات (567م)، في مكة المكرمة.
الوفاة / الشهادة: في العاشر من شهر رمضان من السنّة العاشرة للبعثة النبويّة، وقبل الهجرة بثلاث سنين (619م)، عن عمر يناهز 53 عامًا، وقد كفنها (صلى الله عليه وآله وسلم) برداءٍ له ثم بكفن من الجنة، ودفنت في مكة المكرمة في الحجون في مقبرة المعلاة. رحيلها ترك صدعًا في قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسمّى ذلك العام الذي توفّى فيه عمه أبو طالب وزوجته خديجة بعام الحزن.
خصائص السيدة خديجة (عليها السلام) الذاتية:
إنّ أبرز معالم شخصية السيدة خديجة (عليها السلام) قبل زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هي تلك الخصائص العليا التي حازتها بامتياز، والقابليات الضخمة التي تتمتع بها دون النساء، وهي التي جعلت منها نموذجًا للكمال النسائي والإنساني، نستعرض نزرًا يسيرًا من هذه المقومات الشخصية التي حظيت بها (عليها السلام):
أولًا: تنتمي إلى نسبٍ شريف، ليس بالمال والعدد والشهامة فحسب، إنّما بالسلطة أيضًا؛ ولذا أصبحت قريبةً نوعًا ما من الحياة السياسية في مكة، ولطيب أصلها ونشأتها طوعت ذلك إلى مزايا إيجابية، فجعلت من شخصيتها الإنسانة التي تتمتع بالكرم والجود، وتحترم الآخرين، فكانت المتواضعة والمهذبة، والمخلصة لمجتمعها والمحبة للخير، وهو ما جعلها تبذل جهودًا كبيرةً في بداية الدعوة الإسلامية.
ثانيًا: صاحبة مالٍ وتجارةٍ وثراءٍ عريض، وهذا لم يتوفّر لمعظم النساء في ذلك الوقت، ممّا يعني أنّها تتمتع بشخصيةٍ طموحةٍ ومثابرةٍ وقويةٍ وذكيةٍ ومستقلةٍ وقيادية، وتمتلك مهاراتٍ ممتازةً في التفاوض والتخطيط واتّخاذ القرارات المالية السليمة، وقد كانت تختار بنفسها وكلاء تجارتها. وهو ما جعلها تحوز قدرةً ماليةً كبيرة، وتتمتع بالاستقلال المادي؛ ولذا سمّيت (سيّدة قريش).
ثالثًا: كانت منفتحة ذهنيًا على القضايا العقائدية والفكرية لعصرها، من خلال محيطها العائلي المقرّب منها (ابن عمها ورقة ابن نوفل، وأخته قتيلة بنت نوفل) [5]، فالاهتمامات العقائدية والدينية لم تكن غريبةً على الوسط الذي عاشت فيه، وشخصيتها مؤهّلة لذلك؛ ممّا أتاح لها أنْ تكون أكثر سلامًا مع نفسها ومع قناعاتها. وهو ما جعلها حنفيةً لم تعبد الأوثان.
رابعًا: كانت كاملة الوصف حتى في أيّام صباها، فلم تكن فتاةً مغرورةً، ولا متكبرةً ولا مدللةً ولا عصبيةً بالرغم من المال والجمال والحسب والنسب، بل كانت تتمتع بأخلاقٍ عاليةٍ وعقلٍ راجح ٍوطباعٍ هادئةٍ وقلبٍ طيب، كانت كريمة اليد شديدة العطف على الفقراء، ولا ترد من يأتيها لصدقة أبدًا، وهو ما جعلها من خير نساء العالمين ومن سيدات نساء أهل الجنة.
خامسًا: حباها الله بدرجةٍ عاليةٍ من الجمال، إلا أنّها لم تستغله في تجارتها، بل كانت لا تخالط الرجال ولا تصافحهم، أنّما كانت تبعث خادمها، بل كانت تضع الحجاب على رأسها وتستر بدنها بالكامل، وهو ما جعلها تكنى في الجاهلية بـــ (الطاهرة) لشدّة عفافها وشرفها.
سادسًا: تتمتع بقدرةٍ عاليةٍ على التعبير عن أفكارها ومشاعرها من خلال الشعر، ولديها حساسية مرهفة تجاه المواقف النبيلة ومشاعر الآخرين. وهو ما جعلها تقول الشعر [6] كثيرًا مدحًا وفخرًا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الزواج. وللأسف لم يصل لنا أيّ بيتٍ من أشعارها في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الزواج؛ وهو ممّا يثير الاستغراب كثيرًا!!
هذه العناصر الذاتية المتميزة كلّها جعلت منها امرأةً ذات شخصيةٍ مستقلةٍ وقويةٍ ومتفرّسةٍ، وذات مكانةٍ اجتماعيةٍ مرموقةٍ في قريش، وما بذلها للجهود الكبيرة في سبيل الدعوة الإسلامية إلّا انعكاس لإيمانها الصادق وتركيبة شخصيتها الفريدة، ممّا كان له بالغ الأثر في علاقتها مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلوكها معه. وممّا يؤسف له أنّ هذه الجوانب من شخصية السيدة خديجة (عليها السلام) لم تحظَ بالعناية الكافية من قبل المؤرّخين والباحثين، وظلّت مطموسةً مغمورةً حتى الآن، لا بحكم قلة المعطيات وندرة المعلومات فحسب، وإنّما بحكم غاياتٍ سياسيةٍ وأهدافٍ مذهبية أيضًا.
مناقب السيدة خديجة(عليها السلام):
فضائل السيدة خديجة (عليها السلام) لا تُعدّ ولا تحصى؛ لأنّ سيرتها كلّها خصالٌ كريمةٌ من حين ولادتها حتى وفاتها، وعلى إثر ذلك سُمّيت بالطاهرة، وزادت فضلًا ورفعةً بعد زواجها من أشرف الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعجز البيان والفكر عن ذكر وإحصاء محامدها الجلية ومناقبها الزهية. كيف يمكن وصف مآثر أم للصديقة الزهراء (عليها السلام)، وإليك بعض الشذرات من هذه الأنوار اللامعة في حقّ السيّدة خديجة الكبرى (عليها السلام):
أنوار من السماء:
حظيت السيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام) بمكانةٍ عاليةٍ ومقامٍ رفيع عند الله (عزّ وجلّ)، لما لها من خصائص ومواقف جليلة، فقد أخلصت لربّها، وجاهدت في سبيله، وناصرت رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وواسته بنفسها ومالها؛ فنالت عند خالقها منزلةً خاصّةً، وهذا ما كشفه جبرئيل الذي نقل لها السلام من الله سبحانه وتعالى، وبشّرها بما أعدّ لها من النعيم في الآخرة:
روي في المناقب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «يا خديجة إنّ الله (عزّ وجلّ) ليباهي بك كرام ملائكته كلّ يوم مرارًا» [7].
روي أنّ جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: «إذا جاءت فأخبرها أنّ ربّها يقرؤها السلام.. وروى أبو هريرة قال: أتى جبرئيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: هذه خديجةٌ قد أتتك معها إناء مغطّى فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها، ومني السلام، وبشّرها ببيتٍ في الجنة من قصبٍ لا صخب فيه ولا نصب» [8].
أنوار من أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):
حظيت بمكانةٍ خاصةٍ ومنزلةٍ رفيعةٍ لدي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبقي طيلة حياته الشريفة يذكرها بخير، ويؤكّد على مكانتها في قلبه الطاهر، ويثني عليها دائمًا، ولا يرى من يوازيها في تلك المنزلة الرفيعة، لقد كانت خديجة (عليها السلام) شريكة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ آلامه وآماله، والمسلية له بما يصيبه من أذى، بل كانت المعينة له على مكاره قريش؛ ولذا لم يتزوج (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياتها غيرها، ومما قاله فيها:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلّا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)». وفي حديثٍ آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون» [9].
عن عائشة قالت: كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يكاد يخرج من البيت حتّى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يومًا من الأيام فادركتني الغيرة؛ فقلت: هل كانت إلّا عجوزًا فقد أبدلك اللّه خيرًا منها، فغضب حتّى اهتّز مقدَّمُ شعره من الغضب، ثم قال: «لا واللّه ما أبْدلَني اللّه خيرًا منها، آمنَتْ بي إذْ كَفَر الناسُ، وصدَّقتني وكذَّبني الناسُ، وواستني في مالها إذ حرمني الناسُ، ورزقني اللّه منها أولادًا إذ حرمني أولاد النساء» قالت عائشة فقلت في نفسي:لا أذكرها بسيئة أبدًا [10].
وخلاصة القول: لو لم يكن إلّا هذه الرواية في ذكر أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) لكانت أعظم شهادة لها في هذا الكون، وعلى لسان من لا ينطق عن الهوى، ويقسم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالله العظيم على عظم شأنها وحبها وإيمانها وتصديقها بالله ورسوله، وأنّ الله لم يخلفه خيرًا منها من زوجاته، هذه الشهادة حقيقةٌ واضحةٌ وشهادةٌ عظيمةٌ لهذه السيّدة الجليلة التي ضحّت بنفسها وأموالها، وكل ما ملكت من أجل الإسلام ونصرته.
أنوار من أقوال أهل البيت (عليهم السلام):
أحاط أهل البيت (عليهم السلام) جدتهم أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) بهالةٍ من التعظيم والتكريم، وقلّدوها كوكبةً من الأوسمة الرفيعة، وكان من مفاخرهم بها [11]:
اعتزاز الصديقة الزهراء (عليها السلام) بأمّها: «أنا ابنة خديجة الكبرى ... » .
ثناء أبي طالب عليها: «أنا خاطب كريمتكم الموصوفة بالسخاء والعفة، المعروف فضلها الشامخ ... ».
افتخار الإمام الحسن (عليه السلام) بجدته: «أنا الحسن وأنت معاوية ... وجدتي خديجة وجدتك نثيلة ... ».
افتخار الإمام الحسين (عليه السلام) بجدته: «هل تعلمون أنّ جدتي خديجة أول نساء هذه الأمة إسلامًا».
اعتزاز الإمام السجاد (عليه السلام):«أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة ....».
صلاة الإمام العسكري (عليه السلام) عليها: «فصلِّ عليها - أي على الزهراء - وعلى أمّها خديجة الكبرى، فكرم بها وجه محمد، وتقرّ بها عين ذريته».
كما اشتملت كتب: (زيارات الأئمة (عليهم السلام) وأدعيتهم) ذكرها كثيرًا، كما في زيارة وارث ودعاء الندبة، وما أكثر ما كان يفتخر بها المعصومون (عليهم السلام) بها.
عبقات من فضائلها العديدة:
امتازت السيدة خديجة عن غيرها بجملة من المآثر النبيلة والمكارم الجليلة التي أعطتها صبغةً خاصّةً ميّزتها عن بقية نساء العالم، وهذا توفيقٌ لا تناله إلّا من كانت لها حظٌّ عظيم، ومن هذه الفضائل:[12]
أوّل زوجةٍ للحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).
سبق إسلامها في أوّل يوم للبعثة.
أدّت الصلاة في اليوم الأول من نزول الوحي.
من أفضل أربع نساء أهل الجنة.
أنّها في سلسلة الأرحام المطهرة.
خديجة وعاء لأمّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
خير نساء أهل الجنة يحضرن في مخاضها بالزهراء (عليها السلام).
ربت الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو صغيرًا.
أوّل مؤمنةٍ بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).
01. لها كفنان: كفن من الله، وكفن من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
11.جبرئيل يبشرها ببيت عظيم في الجنة.
21.إحدى الزوجات الأربع لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الآخرة.
31.أطلق (صلى الله عليه وآله وسلم) على العام الذي توفّيت في السيدة خديجة وأبو طالب (عليه السلام) عام الحزن.
ممّا يؤسف له حقًا أنّ سيرة أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) وفضائلها الرفيعة قليلة الذكر في كتب التاريخ ، ومجهولة عند عموم المسلمين أيضًا، بالرغم من الروايات العديدة التي تدلّ على عظيم مقامها وجلالة قدرها.
جوانب من مظلومية السيدة خديجة(عليها السلام):
على الرغم من فضائلها العالية ومناقبها العظيمة التي لا تضاهيها في مقامها أيّة واحدةٍ من أمهات المؤمنين، إلا أنّ بعض الكتّاب والمؤرّخين[13] يمارس منهجية وسياسة التشويه وطمس الحقائق، ونشر الإشاعات والأراجيف والخزعبلات الكاذبة[14]، ويروجون معلوماتٍ زائفةً عن السيدة (عليها السلام) ويكررونها بكثرة حتى تصبح كأنها حقائق ثابتة وجزءٌ من نسيج التاريخ الإسلامي، ويراد من ذلك إسقاط مكانة ورمزية هذه الشخصية العظيمة بحيث تكون آراء المسلمين بشكلٍ عامٍّ حاملة نوعًا من السلبية لها، أو التقليل من شأنها.
ويلجأ بعض الكتّاب والمؤرّخين إلى اتّباع مجموعةٍ من الأساليب والتقنيات لطمس أو تجاهل أو تشويه مقام وعظمة السيدة خديجة (عليها السلام) معتمدين في ذلك على المنهج التالي:
التحريف: تحوير وتغيير في الحقائق الخاصة بالسيدة خديجة (عليها السلام)، أو في سياق الأحداث التاريخية وتقديمها بطريقةٍ مغايرةٍ لتناسب أجندتهم الخاصة. على سبيل المثال: التلاعب في عمرها الشريف لإعطاء مصداقية لأكذوبة زواجها من مشركين في الجاهلية، واختلاق أسماء أولاد لها تبع لذلك[15].
التزوير: تزييف الأدلة التاريخية والقرائن المحيطة لتشويه سمعتها (عليها السلام)، ولتناسب المعلومات المختلقة ما يرمون إليه. على سبيل المثال: تلفيق خبر على شكل رواية بأنّها سقت (أباها: خويلد أو عمها: عمرو) الخمر أثناء عقد النكاح من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكسب موافقته على الزواج[16].
تسطيح أدوارها: يتم التركيز فقط على الجوانب الظاهرة للدور الذي لعبته(عليها السلام)، والتبسيط المفرط المتعمد للمحتوى الفكري لهذه المواقف المهمة قدر الإمكان، ودون الغوص في تأثيراتها العميقة أو الدعم الذي قدمته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). على سبيل المثال: الدعم المالي والمعنوي، والذي كان أساسيًا في بقاء الدعوة في بداياتها الصعبة، يتم تهميشه بأعلى ما يمكن من التجاهل والأقصاء لفقد قيمته ومكانته الحقيقية.
تجاهل المصادر الموثوقة: يركز بعض الكتّاب والباحثين على المصادر السلبية والضعيفة والمنحازة التي تدعم رؤيتهم، أو تفسير بعض الأخبار التاريخية بشكلٍ خاطئ، ويتجاهلون المصادر الموثوقة التي تقدم روايةً موضوعيةً وصحيحةً تتطابق مع الواقع التاريخ. على سبيل المثال: «المصادر التي ذكرت أنّ أباها خويلد هو الذي تولّى أمرها في الزواج، جاءت الرواية عن طريق الزهري وأخذ الآخرين عنه، وقد ذكرت بدون إسناد، وهو لم يذكر من أين أخذ هذه الرواية» [17].
بكل تأكيد هناك دوافع سياسيةٌ واجتماعيةٌ وانحيازيةٌ في السابق، أما حاليًا فثمّة بواعث أيديولوجيةٌ ومذهبيةٌ وراء استمرار وترويج هذه الأكاذيب وتزييف الصورة الواقعية لأم المؤمنين (عليها السلام). ولو أردنا أنْ نستقرأ كتب التاريخ لطال بنا المقام، إلا أنّنا نأتي بشواهد قليلةٍ من التاريخ لنرى مدى فداحة ما وقع على هذه السيدة العظيمة من الظلم والإجحاف في حقّها، ومن المهم التذكير أنّ النقاط اللاحقة ليست إلّا سوى أمثلةٍ على الأساليب والمنهج الذي يستخدمه بعض المؤرّخين لتشويه سمعتها، وقد يلجأ بعض الكتّاب الى استخدام مزيجٍ من هذه الأساليب باختلاف ظروفها وسياقها التاريخي، وفي الحقيقة هذه الإساءات تنال من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقدح فيه، قبل أن تثلب وتطعن في السيدة خديجة (عليها السلام). نذكر بعض من هذه الافتراءات بشيءٍ من التوضيح:
تشويه الصورة الناصعة والحقيقية للسيدة خديجة (عليها السلام):
السيدة خديجة (عليها السلام) بوصفها شخصيةً مهمةً في التاريخ الإسلامي لها دورٌ حاسم في بداية رسالة الإسلام؛ لذا كان من الطبيعي أن تتعرض لحملات التشويه من قبل الأقلام الجائرة التي تريد النيل منها، وقبل ذلك النيل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتي تضمنت اتهامها بارتكاب عدة أخطاء في علاقتها مع (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن بعض هذه الافتراءات وزيف القول ما يلي: جاء (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت خديجة (عليها السلام) وذلك قبل أن يتزوجها، فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها! [18]. ومن الأكاذيب أيضًا: أنّها سقت أباها خمرًا أثناء عقد النكاح! ومن الخزعبلات: أنّها أمرت جواريها أنْ يرقصن ويضربن الدفوف أثناء مراسيم الزواج [19]، وغير ذلك من البهتان والتدليس والأخبار الكاذبة.
لنأخذ خبرًا مختلقًا واحدًا نناقشه بشيءٍ من التفصيل كمثال: وقد ذُكِر بكثرة في بعض كتب السيرة والتاريخ، وكذلك يشار إليه في الخطب وعلى المنابر: بأنّ خديجة (عليها السلام) قامت وسقت أباها خمرًا [20] حتى لا يعارض عقد النكاح من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتم العقد وهو ثمل، حتى إذا أفاق قام صاخبًا معترضًا على هذا الزواج!! وهذا الخبر كاذب وباطل أصلًا، ولعدة جهات [21] نذكر بعضها باختصار:
مصدر الخبر الأصلي رواية ضعيفة [22]، وقد أكد ضعفها معظم علماء الحديث، ممّا يوجب التوقف بالاعتماد عليها.
مخالفتها لرواياتٍ كثيرةٍ وبطرقٍ مختلفةٍ لا تذكر موضوع الخمر والسكر.
إنّ أباها توفي قبل ذلك بسنواتٍ في حرب الفجار، وكثير من الأخبار ذكرت أنّه عمها عمرو بن أسد هو الذي حضر عقد النكاح.
هذا الحدث والسلوك لا ينسجم إطلاقًا مع أخلاق السيدة خديجة (عليها السلام) وطهارتها، ولا يتفق مع مكانتها وما تتمتع به من استقلال في شؤونها فهي أكرم وأسمى، وقد عرفت برجاحة العقل والحكمة والوقار.
إنّ بني هاشم وفي طليعتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو طالب (عليه السلام) لا يقبلون الزواج بهذه الحالة، خاصة في مجلس ستعقد به أقدس المواثيق الإنسانية مع سيد الخلق والصادق الأمين.
موقف أبيها أو عمها فهو أكثر غرابة، بقبول عقد الزواج وهو سكران، وهو من أشراف العرب ومن زعماء قريش.
الخطبة البليغة لأبي طالب في أثناء عقد النكاح ليس لها معنى، لو كان (أبوها أو عمها) سكران وثملًا، وكأنّها بيان ما لا يلزم بيانه وفي غير محلّه، وهذا مخالف لسيرة العقلاء.
وغير ذلك من الأمور والقرائن التي تنفي هذا الخبر. علما بأنّ هذا الخبر يستلزم الطعن في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولًا، وفي خديجة ثانيًا، وفي صحة الزواج ثالثًا. وقد استند مدعي خبر سقاية الخمر إلى روايةٍ ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، حكم عليها علماء الحديث بالضعف [23] لعلّةٍ في السند، فالرواية التي استندوا إليها توجب التوقف بالاحتجاج بها، ومع ذلك استمروا في تداول الخبر الكاذب بكثرةٍ ولغاية في نفس ناقلها.
لقد أعطت هذه الأخبار الكاذبة الفرصة للمستشرقين ليكيلوا التهم للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجته الطاهرة، وصوّروا النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه مغمورٌ في قومه؛ ولذا لجأت خديجة للخداع والتحايل ليتم هذا الزواج.
خلاصة القول في عقد النكاح: أنّ الزواج تم بصورة طبيعية جدًا، حيث إنّ بني هاشم صاهروا بني أسد مرتين [24]. وقد تمت مراسيم الزواج على وفق القوانين والأعراف السائدة في مجتمع مكة حينها.
تجاهل جوانب ومفاصل مهمّة من حياتها:
عند استقراء كتب التاريخ والتراث نستغرب من عدم العثور على أخبارٍ كثيرةٍ عن السيدة خديجة (عليها السلام) بعد زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكلّ الكتب تكتفي بذكر أنّهما عاشا حياةً هادئةً ورِزقا الولد. ويثيرنا العجب والدهشة للغياب الكامل عن تلك الفترة، وعدم الإشارة إليها بتاتًا، وطمس وتغييب كل ما له علاقة بذلك! فمثلًا لم تذكر كتب السيرة شيئًا عن تفاصيل عبادتها وتنسكها، وممّا غيب أيضًا:
ذكرت الكتب التاريخية والروائية القصائد الشعرية والأبيات البديعة الذي نظمتها السيدة خديجة (عليها السلام) في شأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الزواج، وكانت مشحونةً باللطائف الأدبية والمعنوية، وذات ذائقة فنية رقيقة جدًا، وقد كانت أشعارها كثيرة [25]. ولكن بعد الزواج لم تذكر لنا تلك الكتب أية أشعار أو قصائد لها، ولا حتى بيت شعر واحد، فهل توقفت عن نظم الشعر أم ماذا؟ للأسف لم يتم توثيق كتاباتها الشعرية بشكل ملموس.
وفي السياق نفسه، لا نعثر على معلوماتٍ تذكر مصير تجارتها (عليها السلام) بعد زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهل توقف نشاطها التجاري وتقلص أم استمر وازدهر؟ وهل شارك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تجارتها بعد الزواج، وما هو حجم دوره؟ وهل سافر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعيدًا عن مكة بغرض التجارة، وإلى أين؟ لا تشير كتب التاريخ والسيرة إلى أخبار أو معطيات في ذلك.
ومن هنا فنحن لا نشك في وجود فراغٍ كبيرٍ في كتب التاريخ عن حياة السيدة خديجة (عليها السلام)، وسيرتها بعد الزواج من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل البعثة، وكذلك دورها في المرحلة المكية من تاريخ الإسلام، وتشح الأخبار والمعلومات فيها، وتنحصر في شذراتٍ متفرقةٍ هنا وهناك في بعض كتب القدامى. لكن غياب المعلومات لا يمنعنا من طرح عددٍ من التساؤلات في ما يخصّ هذه المرحلة المهمة من حياة السيدة خديجة (عليها السلام)، أي بعد الزواج، وقد دامت خمس وعشرين سنة. فهذه الفترة في الواقع هي: مرحلة التأسيس والأعداد الجدي للرسالة الإسلامية، والتي انطلقت بعدها قافلة الإسلام باتجاه التوسع والانتشار، والغريب في الأمر أنّ المؤرّخين والرّواة عوض العناية بهذه المرحلة نراهم أهملوها رغم أنّها حاسمة. فهل نعلم أو لدينا أيّ تصورٍ عن العلاقة بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة (عليها السلام) طوال المدة التي سبقت البعثة، حتمًا أنّها لا تقف عند حدود العلاقات العائلية العادية، بل إنّنا نتصورها حبلى بالأحاديث والحوارات حول واقع قريش والعرب والعالم في جانبهم الروحي والعقائدي والأخلاقي والاجتماعي، وما يجب القيام به تجاه ذلك، وفي هذه المرحلة بالذات نخمن تكوين الجانب الروحي والعقائدي في شخصية السيدة خديجة (عليها السلام).
وفي هذا الإطار فإنّ التعليمات والتوجيهات أو الدروس التي قدّمها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للسيدة خديجة (عليها السلام)، هي التي أخذها لأنْ تكون أول النساء إيمانًا بالرسالة والنبوة والإمامة وإقامة الصلاة جهرًا، ودفعها بكل حرية وباختيارها وبملء إرادتها للتضحية بكلّ ثروتها في سبيل الدعوة الإسلامية في بدايتها، فمن المؤسف ألّا نجد ذكرًا في كتب التاريخ لهذه العلاقة أو معلومات ومعطيات عنها، وهو ما يدعو إلى الاستهجان والاستغراب!
مما يدفعنا إلى إثارةٍ استفهامٍ جوهري: لمّا كانت أخبار ومعلومات المصادر التاريخية قليلة جدًا جدًا حول السيدة خديجة (عليها السلام) وخاصة حول حياتها بعد الزواج، يصعب علينا التعرف على مفاصل حياتها في هذه المرحلة؛ ولذا بقيت غامضةً ومجهولةً لا نعرف عنها شيئًا، لكن لماذا هذا التغييب؟! وهل هذا الإغضاء عن هذه المدة مقصودٌ ومفتعلٌ أم ماذا؟
ادّعاء زواجها من شخصين مشركين:
ذكرت الأخبار وكثيرٌ من المصادر التاريخية أنّها تزوّجت في الجاهلية من رجلين قبل اقترانها بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ لها منهما عدة أولاد، وزوجها الأول مخزومي قرشي، وزوجها الثاني من قبيلة تميم. لنوضّح ذلك باختصار:
عتيق بن عابد المخزومي: لم تعطنا الروايات سوى اسمه فقط، فليس هناك تحديدٌ دقيقٌ وواضحٌ لزواجه من السيدة خديجة (عليها السلام)، وماهي مكانته الاجتماعية؟ وما علاقته ببني أسد بن عبد العزى؟ الأخبار أشارت إلى أنّها أنجبت منه بنتًا اسمها هند [26]، وقد ذكرت عامة الروايات أنّ عتيقًا توفي عن خديجة، بينما ذكر البلاذري أنّ عتيقًا طلقها [27].
أبو هالة هند بن النباش التميمي: جاء إلى مكة في ظروفٍ غير معروفةٍ وحالف بها بني عبد الدار، وذكرت الروايات أنّ له من الأبناء الذكور الحارث والزبير والطاهر وهالة وهند، وله من الإناث هالة وزينب[28]. لم تذكر الروايات شيئًا عنه، فلم تبين لنا أين منزله قبل مجيئه إلى مكة، ومتى تزوج بخديجة ومن زوجه منها، ولماذا تزوج من بني أسد ولم يتزوج من حلفائه بني عبد الدار، وكم بقي مع السيدة؟
هناك إصرار عجيب للترويج لهذه المسألة، وبالرغم من المعطيات السابقة، ومن خلال معلومات أخرى وقرائن عديدة، نرى يد الوضع والتزوير في هذا الأمر واضحة، ولأهدافٍ وغاياتٍ كثيرةٍ نذكر منها:
تفضيل بعض نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على خديجة (عليها السلام) كونهن أبكارًا، وهي ثيّب.
الانتقاص من منقبة للسيدة الزهراء (عليها السلام)، إذا افترضوا أنّها وُلدت من رحمٍ كان حليلًا لمشركين في الجاهلية.
أنّ ثمّة من يهتم بسلب مكرمة الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لأهل البيت (عليهم السلام).
من نافل القول، أننا نلاحظ في هذا الخبر المختلق ثلاثة أشخاص باسم هند: فمن زوجها الأول: عتيق أنجبت بنتًا اسمها (هند بنت عتيق)، ومن زوجها الثاني: أبو هالة (هند) بن النباش أنجبت ابنًا اسمه (هند بن أبي هالة)، ومعلوم من هي أشهر هند في قريش (هند بنت عتبة) زوجة أبي سفيان، فمن المؤكد أنّ الخبر ملفقًا من قبل بني أمية، لإضفاء مزيدًا من الأهمية على هند أم معاوية، وإعطاء اسمها بعدًا أسطوريًّا له علاقة بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال أبناء السيدة خديجة (عليها السلام).
إنّ خبر زواج خديجة (عليها السلام) من شخصين قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) محض خيال من الرواة وبعض المؤرخين، لم يستند على أساسٍ متينٍ، ويحمل الكثير من التناقضات، والقرائن التاريخية العديدة تخالفه، وهو في الواقع خدمة لأجندةٍ سياسيةٍ معروفة، يراد منه توهين مقام السيدة الجليلة(عليها السلام)، وإعلاء شأن بعض الصحابة. بل إنّ التحقيق التاريخي الدقيق [29] يؤكد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوّج بخديجة وكانت عذراء، كما روى أحمد البلاذري في كتابه (أنساب الأشراف)، وأبو القاسم الكوفي في كتابه (الاستغاثة)، والشريف المرتضى في كتابه (الشافي)، وأبو جعفر الطوسي في كتابه (تلخيص الشافي) [30].
لا فضيلة لإنفاقها المال:
التشكيك في قدرة السيدة خديجة (عليها السلام) المالية وتأثيرها، والتقليل من شأنها كداعمٍ ماليّ رئيس للدعوة الإسلامية، فمن الافتراءات المثارة القول: من أين حصلت خديجة (عليها السلام) على هذا المال، إن لم تكن متزوجة قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ممّا يدفعهم لإثارة فريةٍ أخرى عن السيدة خديجة (عليها السلام)، وأنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوّجها لمالها فقط! فبعضهم امتعض ولم يَرُقْ لهم هذا الفضل الذي أحرزته (عليها السلام) بإنفاق المال في نصرة الإسلام، فقاموا بمحاولةٍ واهيةٍ لصرف الأذهان عن هذا الدور والكرامة، فقالوا: «والغنى الوارد في قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَآئِلا فَأَغنَىٰ﴾ تنزيل على غنى النفس، فإنّ الآية مكية، ولا يخفى ما كان فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أنْ تفتح عليه خيبر وغيرها» ، كما ذهب إليه ابن حجر العسقلاني[31]، الذي اعتقد خلو نفس (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغنى الروحي في مرحلةٍ من مراحل حياته - والعياذ بالله -.
إنّ أصل الكمال الروحي والمعنوي متجسّدٌ في كيانه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لقد وضّح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواياتٍ عديدةٍ فضل مال خديجة (عليها السلام) ودوره في الدعوة الإسلامية، ولكن عندما يكون البغض والحقد والانحياز هو المحرك لقراءة النصوص الدينية، فحتمًا سيظهر لنا مثل هذا الكلام وتلك التفسيرات، حتى لو كان فيه إساءة للحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).
وإنّنا نعتقد أنّ بداية راس مال خديجة (عليها السلام) حصلت عليه من أهلها (سواء بالوراثة أم هبة)، وقامت بنفسها على إدارة هذه الأموال واستثمرتها في التجارة والمضاربة لعدة سنوات، وكوّنت منها ثروتها التي تتحدث عنها كتب التاريخ والروايات. ومهما يكن من أمرٍ لنفترض جدلًا: أنّ خبر زواجها من اثنين قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صحيح - وقد أثبتنا بطلان هذا الخبر في الفقرة السابقة -، فأننا لم نحصل على أيّ خبرٍ أو رواية تذكر أنّ أزواجها كانوا يمتلكون أموالًا أو كانوا تجّارًا، وإذا كان أحد أزواجها بهذا الثراء المالي الضخم، فكيف يغفل التاريخ عن ذكره والإشارة إليه. بالإضافة إلى أنّ قوانين الوراثة في تلك الفترة تحتم ألّا ترث الزوجة شيئًا من تركة زوجها، بل الأمر أسوأ من ذلك؛ فإذا كان للرجل أبناء من غيرها، ملكوا زوجة أبيهم. ولذا فإنّ عدم العلم بمصدر مال خديجة لا يكون سببًا في نفي الغنى عنها، فحالها حال عبد المطلب وهاشم (عليهم السلام) اللذين ذكرهما التاريخ في سجل الأثرياء والجاه والشرف، ولم يذكر مصادر أموالهم، وفضلًا عن ذلك نص التاريخ على أنّها من أهل بيت عرفوا بالثراء واتّخاذ التجارة موردًا للغنى.
ولا شكّ في أنّ ثمة هدفًا وراء هذا الادعاء، وهو الإيحاء بطريقٍ غير مباشرٍ بأنْ لا فضل لخديجة (عليها السلام) في تكوين وتجميع هذا المال، وبالتالي لا منقبة أو فضيلة في إنفاقه، فالقول المأثور: (إنّ الإسلام قام على مال خديجة) غير صحيح، بلحاظ أنّ المال في الأساس لم يكن لها أو بمجهودها، وقد نسي هؤلاء أو تناسوا حجم نشاطها التجاري، «وإنّ أهل الأثر مجمعون على أنّ خديجة كانت أيسر قريش وأكثرهم مالًا وتجارة»[32]. وفي هذا السياق لم يكن القرآن الكريم بزاهدٍ في بيان ما لخديجة (عليها السلام) من مقامٍ ومنزلةٍ وكرامة، قال الله تعالى مخاطبًا حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيما فَـَٔاوَىٰ❁وَوَجَدَكَ ضَآلّا فَهَدَىٰ❁وَوَجَدَكَ عَآئِلًا فَأَغنَىٰ﴾[33]، هذه الآيات تتحدث عن مرحلةٍ من حياة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن نعم الله عليه، أنّه اليتيم الذي هيّأ له بيت جده عبد المطلب وعمه أبي طالب خير مأوى، وهو الفقير الذي أغناه الله بمال خديجة (عليها السلام)[34].
الادّعاء بأنّها تشكّك في نبوّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم):
أجمع أهل السير والمؤرخون أنّ أوّل من آمن بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي السيدة خديجة (عليها السلام)، لم يتقدّمها رجلٌ ولا امرأة غير الإمام علي (عليه السلام)، ولم يكن إيمانها إيمان عاطفة، بل كان إيمان بصيرةٍ ويقينٍ وتصديق. ولكن يد التشويه والتحريف والأقصاء نقلت خبرًا مكذوبًا على شكل رواية: بأنّ أم المؤمنين (عليها السلام) تُشكك في صحة نبوّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تكن متأكدةً من ماهية الكائن الذي يزوره، وسمته: هل هو صاحب؟ أم وحي؟ أم شيطان أم جن؟ ممّا يعني أنّها تشكّ في صحة نبوّته وفي صحة رسالته، وفي إمكانية تلقي الوحي الإلهي، وأنّها غير مقتنعةٍ بالأدلة والبراهين التي قدّمها (صلى الله عليه وآله وسلم) لدعم رسالته النبوية، ومن العجائب أنْ يقال: إنّ هذا الخبر أو الحدث وقع بعد 15 سنة من زواجها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كأنّما هي جاهلة بحياة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بسيرته أو بصدقه؛ لذا أرادت خديجة أنْ تختبر برهان الوحي لتتأكد من حقيقته: عن إسماعيل بن أبي حكيم مولى الزبير أنّه حدّث عن خديجة بنت خويلد أنّها قالت للنبي: «يا ابن العم أتستطيع أنْ تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك، قال: نعم، قالت: فإذا جاءك فأخبرني، فجاءه جبرئيل كما كان يصنع، فقال رسول الله لخديجة يا خديجة هذا جبرئيل قد جاءني، قالت قم يا ابن العم فاجلس على فخذي اليسرى، قال فقام رسول الله فجلس عليها، قالت: هل تراه، قال: نعم، قالت: فتحوّل فاجلس على فخذي اليمنى، قالت: فتحوّل رسول الله فجلس على فخذها اليمنى، فقالت: هل تراه، قال: نعم، قالت: فتحوّل فاجلس في حجري، قالت: فتحول رسول الله فجلس في حجرها، قالت: هل تراه، قال: نعم قال: فتحسّرت وألقت خمارها ورسول الله جالس في حجرها، ثم قالت: له هل تراه، قال: لا، قالت: يا ابن العم اثبت وأبشر فوالله إنّه لملك وما هذا بشيطان»[35].. ونجد أضافةً على هذا الخبر من طريق آخر: «أنّها أدخلت رسول الله بينها وبين درْعَها فذهب عند ذلك جبرئيل»[36].
ولا مناص من القول أنّ مثل هذه القصة الزائفة هي محاولةٌ واهيةٌ لصرف الأذهان عن سبق السيدة خديجة (عليها السلام) للإيمان بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالرسالة الإسلامية، فقالوا كما علق البيهقي (ت: 458 هـ) على ذلك: «وهذا شيء كانت خديجة تصنعه تستثبت به الأمر احتياطًا لدينها وتصديقها»[37]. وبنظرةٍ من التعقّل والحكمة إلى هذه الرواية السقيمة، نتساءل: هل يعقل أنّ خديجة (عليها السلام) وهي أوّل من آمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تقوم بمثل هذه التجارب؟ ولتختبر من: محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أم جبرئيل؟، وهل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة لهذا الاختبار؟ أم أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أصبح يأخذ العلم بطبائع الملائكة ودلائل الوحي من خديجة (عليها السلام)؟
وفي واقع الأمر هذا الخبر الكاذب، قبل أنْ يكون تشويهًا وتشكيكًا في إيمان السيدة خديجة (عليها السلام)، هو في الحقيقة طعن في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يتضمن تلميحًا بأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن مطمئنًا بأنه نبيّ ورسول لله تعالى، وكان شاكًّا في نبوة نفسه، وكان يخشى أنْ يكون قد أصابه مسٌّ من الشيطان، وأنّ ما يعتريه ليس أكثر من هواجس وأوهام وخيالات! وأكثر ما اشتمل عليه هذا الخبر هو أنّه أكّد ما كان يُروج له المستشرقون من أنّ محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن مطمئنًا بنبوَّة نفسه إلا بعد أنْ طمأنته امرأة[38].
لا بدّ من التأكيد على أنّ هذه الرواية من ناحية السند: روايةٌ مكذوبةٌ؛ لأنّها مرويةٌ من طريقين: فيها انقطاع، ولا يوجد واحدٌ ممّن رواها أدرك عصر الواقعة ليحدث عنها. وقد قال الألباني [39]: (ضعيف).
تفنيد الرواية من ناحية المتن: أولًا: مضمون هذا الرواية خطير جدًا؛ فهي تهدم بناء الإسلام من أساسه؛ لأنّه إذا تم التشكيك في الوحي، فلن يبقى لنا شيءٌ بعد الوحي، فكلّ ما عندنا من تشريعاتٍ ومعتقداتٍ إنّما يرتكز الإيمان بعصمتها على أساس أنّها صادرة عن الوحي الإلهي، فإذا تم التشكيك في الوحي فأيّ شيءٍ يبقى في الإسلام؟!
ثانيًا: هذه الرواية تخالف صريح القرآن كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾[40] والبصيرة هي الرؤية التامة المنتجة لليقين، فليس ثمة من شكّ أو تردد في أنّ ما يراه (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسمعه هو وحيُّ الله تعالى، وما انتاب النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في لحظة ٍمن لحظات مبعثه الشريف شكٌّ أبدًا في أنّ ما يأتيه وحيّ، فهو كما أفاد القرآن: ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي﴾[41].
وجدير بالذكر أنّ جبرئيل أو الوحي عندما يأتي النبي أو غير النبي، يُعرّفه من هو، ثم يطمئنه ويهدّئ من روعه، فهكذا فعل عندما جاء مريم (عليها السلام)، وكذلك عندما جاء إبراهيم (عليه السلام)، كما أخبرنا القرآن الكريم [42]. وقد سُئل الإمام الصادق (عليه السلام): «كيف عَلِمَت الرُّسل أنّها رُسُل؟ قال (عليه السلام): »كُشِفَ عنهم الغطاء« [43]، مثل هذه الرواية كما يقولها أهل البيت (عليهم السلام) هي التي تناسب عصمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعصمة الوحي. أما لو وقفنا على مثل الخبر الكاذب (اختبار الوحي) سنُدرك منشأ ودوافع مثل هذه المرويات التي نالت من شخصية السيدة خديجة (عليها السلام)، وقبل ذلك هي طعن في شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وموقعه السامي، وقد وظّفها الأعداء للتشكيك في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي الوحي لتقويض بُنى الإسلام.
التحيّز الشخصي والمذهبي ضدّها (عليها السلام):
السيدة خديجة (عليها السلام) تعدّ شخصيةً محوريةً عند جميع المسلمين، ولكن فضائلها ومناقبها الرفيعة ومكانها ومقامها العالي تعرّض لتشويهٍ من قبل جماعاتٍ سياسيةٍ أو دينيةٍ متطرفةٍ لأغراض وأجنداتٍ خاصة، وأنّ العداء التاريخي بين بني أمية والعلويين دفعت بعض العناصر المحسوبة على التيار الأموي إلى التشكيك في الروايات التي تعظم الشخصيات المرتبطة بشكلٍ وثيقٍ بأهل البيت (عليهم السلام) [44]، وكذلك الخلاف المذهبي والطائفي شكّل عاملًا رئيسًا في تباين النظرة لأمهات المؤمنين، وبوصف السيدة خديجة (عليها السلام) رمزًا بارزًا في التراث الشيعي نظرًا لكونها والدة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، والجدة الكبرى لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) والعلويين وقادة بني هاشم؛ لذا تعدّ إحدى الشخصيات المركزية في الفكر الشيعي، ممّا دفع بعض الجهات للانحياز إلى شخصيةٍ منافسةٍ من زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتلميع دورها وتعظيم مكانتها في التاريخ الإسلامي، لدعم تيارٍ أو أيديولوجيةٍ معينة، وتعزيزًا لتوجههم الديني أو السياسي الخاص على حساب الحقيقة التاريخية.
ومن الجدير بالملاحظة فإنّ كتب أهل السنّة تعُج بالأحاديث عن فضائل ومكانة السيدة عائشة وتفضيلها على بقية أمهات المؤمنين ومن بينهم السيدة خديجة (عليها السلام)، فقد روى عن عمرو بن العاص، أنّه سُأل فيه النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): أي الناس أحبّ إليك؟ قال: (عائشة) [45]. وروي عن أبي موسى الأشعري أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»! [46] . وغير ذلك كثير من الروايات، وإنْ كانت تتضارب وتتناقض مع الأحاديث النبوية في أفضلية السيدة خديجة (عليها السلام) ومكانتها المبجلة ومن المصادر نفسها، وغضّ الطرف عن كل الحبّ النبوي لأم المؤمنين خديجة (عليها السلام) لدرجة التصريح بذلك، فقد جاء في صحيح مسلم قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): »فقد رزقت حبّها« [47]، وهذا الحبّ النبوي هو عينه حب الله تعالى[48].
وفي واقع الأمر فإنّ مثل هذه الروايات وعلى كثرتها عند أهل السنّة، لا نود النقاش في سندها؛ لأنّها وجدت في أصح الكتب الحديثية عندهم، ولكن النقاش في متن هذه الأحاديث وفقه الحديث، وبعبارةٍ أخرى هل هذه المتون تامة وتنسجم مع القواعد القرآنية ومع منطق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ أم أنّ المتن منكر؟ وهل علامات الوضع واضحة فيهم أم لا؟ لأنّه بصريح العبارة بعض هذه الأحاديث إهانةٌ للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهذا أفضل خلق الله، وقد أوتي جوامع الكلم وافصح من نطق بالضاد، فهل من المعقول أنْ يشبه أفضل نساء العالم بنوعٍ من الأكل (الثريد)، فمثل هذا الحديث طعنًا في بلاغة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن جهةٍ أخرى إهانة وذم لبعض أمهات المؤمنين.
ومن زاوية أخرى نرى الانحياز واضحًا ولافتًا للنظر في بعض هذه المرويات، فمثلًا نجد أنّ السيدة خديجة (عليها السلام) قد حذفت من النساء الكوامل[49]! ولذا نجزم أنّ دوافع الانحياز هي:
الاستبداد السياسي الأموي الذي هو المسؤول الأساس عن تهميش مكانة السيدة خديجة (عليها السلام)، وإقصاء دورها وطمس فضائلها، بوصفها الجدة الكبرى للعلويين، ولا بد من وجود شخصيةٍ بديلةٍ تأخذ مكانها.
وجود حسد وغيرة عند إحدى أمهات المؤمنين تجاه السيدة خديجة (عليها السلام) ومحاولات عديدة لتقليل شأنها.
ميل وهوى ومصلحة دنيوية لتفضيل إحدى زوجات الرسول كما هو الحال عند الزبيريين لعلاقة النسب بينهم.
ومن هنا ينبغي الرجوع للسيرة التاريخية لأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لنرى واقعًا ما صدر منهن: هل ينسجم مع كمال العقل؟ أو يكشف لنا السلوك العملي والواقع التاريخي أنّ هذا العقل لم يكن كاملًا؟ وممّا لا شك فيه أنّ أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) لم تتعرض في حياتها مع النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إشكالاتٍ تفرض تدخل جبرئيل، بل كان يقرؤها السلام من الله (عزّ وجلّ) ومنه، حسب الروايات المستفيضة والمتفق عليها بين الفريقين[50].
وبكل تأكيد فعندما يتم تفضيل إحدى زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتبجيلها بشكلٍ واسع، وتقديمها على أنّها أهمّ من الأخريات والأفضل بلا منازع ، حتى لو كانت الحقائق التاريخية لا تدعم ذلك، فإنّ هذا الانحياز والتركيز على شخصيتها بشكل مفرط، يؤدي إلى تقديس غير مستحق وتضخيم غير واقعي لأدوارها ، ويؤدي أيضًا إلى أقصاء دور الأخريات الأكثر أهمية كالسيدة خديجة (عليها السلام) مثلًا، ممّا يسهم في خلق صورةٍ مشوهةٍ وغير متوازنةٍ لتاريخ الأمة وثقافتها، وممّا يؤكّد هذا ونراه واضحًا هو الاختلاف الكبير والتفاوت الشاسع في عدد الروايات النبوية المنقولة عن أمهات المؤمنين.
وخلاصة القول أنّ التحيّز والتركيز على شخصيةٍ واحدةٍ من زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤدّي إلى أقصاء مكانة الشخصية الأبرز من أمهات المؤمنين، وهذا ما حدث للسيدة خديجة (عليها السلام)، ففي السابق كان التحيّز والتشويه ينطلق من دوافع شخصيةٍ كالحسد والحقد أو سياسية كأجندة أموية، أم حاليًا فبسبب دوافع مذهبيةٍ أو دينيةٍ متطرّفة، وفي كلاهما تم استخدام منهج وأساليب التجاهل والإقصاء والتشويه، لتحجيم مكانتها وتقليل شأنها وتأثيرها، وتقديمها فكريًا وثقافيًا بطريقةٍ سلبيةٍ أو تحريف سيرتها وإرثها التاريخي.
يضاف إلى ما سبق من النقاط سالفة الذكر، والأخبار المختلقة والافتراءات الكاذبة، هناك كثيرٌ من صور الانتقاص والتشوية في حقّ هذه السيدة الجليلة أم القاسم (عليها السلام) لم نشر إليه من قبيل:
التلاعب في عمرها الشريف، فمن الخرافات التي صاغتها يد الكذب والبهتان: أنّها كبيرةٌ في العمر حينما تزوّجت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ زعموا أنّ ذلك كان في الأربعين من عمرها، وقد شاع ذلك حتى أصبح كذبةً متداولةً في لباس الحقيقة[51].
التحوير في هوية بنات أختها المتوفية (هالة)، ونسبتهن إليها (عليها السلام)، وإلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبدلًا من ربائب أصبحن بنات، وذلك لرفع شأن بعض الصحابة، وجعله منافسًا للإمام علي (عليها السلام) في فضائله[52].
إغفال كثيرٍ من تضحياتها العظيمة ومفاخر سيرتها الكريمة وجهادها الفريد، والتقليل من شأنها، وإهمال دورها الديني والإيماني كأوّل من آمن برسالة النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من النساء.
ولا مناص من القول بأنّ السيدة خديجة (عليها السلام) بعد وفاتها لم تُعطَ مكانتها الحقيقة، ولم تُقدّر تضحياتها، عطاؤها بشكلٍ منصف، بل بخس شأنها ومقامها من قبل المسلمين، إضافة إلى ذلك نجد أنّ يد الحقد والعدوان قامت بعمل يعدّ الأسوأ والأشدّ ظلامة في حقها (عليها السلام)، نشير إليه بشيءٍ من التفصيل في ما يأتي.
الجانب الأهم والأبرز من مظلومية السيدة خديجة (عليها السلام):
هل حظيت هذه السيدة العظيمة التي تمثّل هذا المقام الشامخ لدى السماء وعند المعصومين (عليهم السلام)، بالتقدير لدى كلّ المسلمين؟ وهل استوفت حقًا حظّها من التقدير والاحترام والبحث والدراسة؟ هذا السؤال يبقى عالقًا في الذهن كلّما اطّلع الفرد المسلم على العدد النادر من الروايات النبوية الشريفة المنقولة عن لسان هذه السيدة الجليل، وممّا لا شك فيه أنّ طمس وتغييب الروايات النبوية المنقولة عن لسانها، وتهميش وأقصاء أقوالها وأشعارها والتقليل من شأنها، تُعدّ أعظم وأشدّ ظلامة تعرّضت لها (عليها السلام) بعد وفاتها.
وبطبيعة الحال، مرحلة زواج السيدة خديجة (عليها السلام) بالحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) تهمنا بقدر ما لها من دور جوهري في قيام واستمرار الدعوة الإسلامية. وبناءً على المعطيات التالية نستطيع أنْ ندرك حجم الظلامة ومقدارها:
عاشت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خمس وعشرين سنة، لم يتزوّج خلالها بزوجةٍ أخرى، إعظامًا لها وتبجيلًا لمكانتها العالية، ووفاءً لعطائها للإسلام، وقد بقي معها في بيت الزوجية مدة أطول من بقية أمهات المؤمنين.
بعد وفاة خديجة (عليها السلام) لم يتزوج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من أخرى إلّا بعد مرور عامٍ كاملٍ على رحيلها[53]، في حين أنّه تزوّج من إحدى عشرة امرأة [54] في الثلاث عشرة سنة التي تلت وفاتها، بل إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عاش مع تسعٍ منهن في الوقت نفسه. أي إنّ نسبة التفرّغ والبقاء في بيت الزوجية مع الواحدة منهن تقدر بنسبة 11(عليهم السلام) تقريبًا.
المزايا والخصائص الذاتية للسيدة خديجة (عليها السلام) وكذلك القدرات والكفاءات الشخصية لها تفوق بقية أمهات المؤمنين؛ ولذا عدت من النساء الكوامل[55]، فهي الذكية والحكيمة والطاهرة والشاعرة والتاجرة، وواسعة الأفق، والمطلعة على الأديان وسيدة النساء في قريش.
كانت مدّة زواجها وبقائها مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، تبدأ من عمر من 28 إلى 53 عامًا، أي في مرحلة الرشد الفكري، ممّا يجعل عدد الأحاديث النبوية المنقولة عنها والنادرة جدًا موضع تعجب واستغراب، فهي كانت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرحلة النضج العقلي وبمفردها.
أدّت دورًا محوريًا في بدايات الدعوة الإسلامية، وشهدت الأحداث الكبيرة للمرحلة المكية بكلّ تفاصيلها، وبقربها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تتابع التطورات والمعضلات الجارية عن كثب، وتسمع كلامه وتوجيهه أولا بأول، مما يعني أنّ لديها مخزونًا كبيرًا من المعلومات المهمة ورؤيةً واضحةً لمستقبل الرسالة، ممّا يؤهلها أنْ تتمتع بفهمٍ عميقٍ للخطوات والإجراءات التي يتّخذها القائد العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم).
عدد الأحاديث النبوية الشريفة المروية عن بعض أمهات المؤمنين، التي بين أيدينا حاليًا:
روي عن السيدة خديجة (عليها السلام) في حدود (5) أحاديث نبوية على أحسن تقدير[56].
الأحاديث المروية عن السيدة أم سلمة التي تزوجها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في السنة الرابعة للهجرة في حدود (788) حديث [57].
روت عائشة [58] التي كانت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرحلة طفولتها ومراهقتها ما يقارب (2210) حديث.
كانت السيدة خديجة (عليها السلام) قرينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تعيش معه في بيتٍ واحدٍ بلا شريك، أي أنّها قريبةٌ من معدن العلم ومخزنه، وفي بيتها يهبط الوحي والملائكة، فأول ما يصدر الحكم والأمر، تكون على اطلاع به، وتأخذه من المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بلا وساطة.
حالة المقارنة
خديجة
أم سلمة
عائشة
مرحلة العمر مع (صلى الله عليه وآله وسلم)
من 28-إلى 53
من 27 - إلى 34
من 9 - إلى 18
المرحلة الحياتية
الرشد الفكري
النضج الفكري
الطفولة والمراهقة
حالة (صلى الله عليه وآله وسلم) الزوجية
أحادي
متعدد
متعدد
سكن (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتها
100%
11%
11%
سنوات البقاء مع (صلى الله عليه وآله وسلم)
25 سنة
7 سنوات
8.5 سنة
مرحلة الدعوة الإسلامية
المكية
المدنية
المدنية
الأحاديث المروية عنها
5
788
2210
وتأسيسًا على المعطيات أعلاه، فقد أشارت كتب الرجال والرواة أيضًا إلى أنّ السيدة الطاهرة (عليها السلام) ممّن روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الفترة الحرجة من عمر الرسالة، فقد واكبت فترة التأسيس الأولى للدين الإسلامي، التي تتصف بغرس أصول العقيدة ومبادئ التوحيد ودعائم الرسالة، وتركز على المبادئ والمفاهيم الأساسية للإسلام. وقد كان لها (عليها السلام) باعٌ في رواية الحديث حسبما نصّ على ذلك أهل الاختصاص في علم الرجال، وورود اسمها في الكتب الرجالية [59] عند الشيعة والسنّة مثل:
ذكرها السيد الاسترآبادي في باب: نساء لهن رواية، وعدها منهن.
ذكرها الأردبيلي في كتابه (جامع الرواة) في فصل: نساء لهن رواية.
ذكرها الشيخ الحائري في كتابه (منتهى المقال): نساء لهن رواية أو صحبة.
ذكر اسمها السيد الخوئي في كتابه (معجم رجال الحديث) ضمن التسلسل 15667.
ذكرها ابن حبّان التميمي في كتابه(الثقات).
ذكر أسمها العوجلي في كتابه (معرفة الثقات) ضمن التسلسل 2331.
ذكرها ابن قايماز الذهبي في كتابه (المعين في طبقات المحدثين) ضمن التسلسل 160.[60]
وقد جاء ذكر اسمها في 25 كتابًا من المصنفات الرجالية كراوية للحديث، كما أشار إلى ذلك صاحب موسوعة (معجم رواة الحديث وثقاته) [61].
إنّ المدة التي قضتها السيدة خديجة (عليها السلام) مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تؤهّلها أنْ تكون من أكثر النساء روايةً للحديث، فقد أمضت معه (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسًا وعشرين عامًا من أنْ تكون له زوجةٌ غيرها، منها عشرة سنوات بعد البعثة، ويضاف على ذلك تميّزها بالعلم والحكمة والأدب وسعة الأفق ومرحلة الرشد الفكري والنضج العقلي. لكن للأسف الشديد لم نجد في الكتب الحديثة والروائية إلّا النزر اليسير من الروايات المنقولة عنها، وتكاد تعد على أصابع اليد الواحدة - ومع ما توفّر لدي من مصادر، ومع قصوري في البحث عن المسألة - إلا أنني وجدت من ثلاثة إلى خمسة أحاديث فقط، وهي الآتية [62]:
حديثٌ مروي عنها (عليها السلام)، في استفسارها من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الدعاء في أثناء الطواف [63].
رواية منقولة عنها (عليها السلام): ماذا يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في سجوده، وفضل ذلك [64].
سمعت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: يقول: إنّ الله أعطاني في علي خصالًا تسعًا.. [65].
إين هي الأحاديث والروايات النبوية الشريفة على كثرتها والتي قالها (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة، والتي تتحدّث عن التوحيد ودعائم الدين وأصوله، والتي بالتأكيد سمعتها السيدة خديجة (عليها السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأخبرت بهذه المفاهيم التوحيدية والتعاليم العقائدية الأساسية للنساء حديثي العهد بالإسلام في مكة. فمن المفترض أنْ يتوفّر لدينا: موسوعة بعنوان (مسند خديجة) على أنْ يكون: كتاب روائي للروايات الواردة عنها حول الأحاديث والأخبار النبوية، أو الكلمات التي قالتها وأسندت إليها، والذي من الممكن - لو وُجِد - أنْ يسهم في فهم أصول الدين والتوحيد بصورته ومبادئه الرئيسة. كما هو موجودٌ حاليًا مسندٌ خاصٌّ بالسيدة أم سلمة [66].
للأسف أقولها مرارًا وتكرارًا وبحسرة، لماذا لم تصل لنا تلك الأحاديث؟ فهل السيدة خديجة لم تنقلها؟ نشك في ذلك! أم أنّ كتب الحديث والسنّة النبوية لم تسجلها؟ أم أنّها دُوّنت وسُجّلت، ثم طُمست وغيّبت عنا بعد ذلك؟ كما يذكر الكلاباذي (توفي 398 هــ): أنّ أم المؤمنين خديجة في رجال صحيح البخاري تحت الرقم 1417[67]، إلا أنّنا لم نعثر لها على روايةٍ أخرجها البخاري في الطبعات المتوفرة حاليًا، ماذا يعني ذلك أيّها القارئ اللبيب؟!
من هنا فإنّ السؤال الكبير الذي يطرح ولازال قائمًا ومحيّرًا: لماذا لا نجد أثرًا لمكانة السيدة خديجة (عليها السلام) في التشريع والفقه الإسلامي؟ وقد راجعت عددً كبيرًا من المصادر الحديثية والروائية، وتتبعت كتب السيرة والتاريخ فلم أجد جوابًا مقنعًا شافيًا متكاملًا له حتى الآن.
وتلخيصًا لما سبق: لماذا لم تتغلب الخمس وعشرون سنة من الزواج الأحادي للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بخديجة (عليها السلام) وهي في مرحلة الرشد الفكري، على بضع سنواتٍ من زواجٍ متعددٍ من بقية أمهات المؤمنين؟
وفي الحقيقة فإنّ أعظم مسألةٍ وأخطر مظلمةٍ تعرّضت لها السيدة خديجة (عليها السلام) للنيل من شأنها: هي طمس وتغييب الروايات النبوية الشريفة التي نقلتها عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ممّا جعلها نادرةً جدًا، بالإضافة إلى صرف الذهن عن أدوارها المهمة في بداية الدعوة الإسلامية، والتقليل من ذكر فضائلها ومناقبها، وجعل اسمها لا يكاد يذكر في المجالس الثقافية ولا في المنابر والخطب الدينية، فأصبحت سيرتها كقدوة للنساء مجهولة وغامضة، ممّا أثر سلبًا على إرثها التاريخي ومكانتها المرموقة عند المسلمين، والجهل بمقامها وعظمتها عند الأجيال الحالية، وهذا خطيرٌ على المجتمع والفكر الإسلامي.
افتراءات المستشرقين على علاقة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسيدة خديجة (عليها السلام):
كلّ الافتراءات والأكاذيب في بعض كتب التاريخ والسيرة حول حياة السيدة خديجة (عليها السلام)، التي أشرنا إلى بعضها سابقًا، استغلّها عـددٌ مـن المستشرقين ممّن تناول حيـاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مـع السـيدة خديجة (عليها السلام)، فأثـاروا الشـبهات والأباطيـل فيمـا يخصّ بعـض الجوانب من حياتها الشريفة، تأسيسًا على الأخبار والروايات المتاحة عن سيرتها من مصادر أهل العامة في التاريخ الإسلامي، وكتب الحديث والسيرة التي تحوي هذه المغالطات، وبعض الإشارات من هنا وهناك الموجودة في المصادر العربية القديمة، ممّا أعطى المستشرقين فرصةً للإسهام في نشر معلوماتٍ خاطئةٍ ومضللةٍ عن السيدة خديجة (عليها السلام)، خدمةً لغرضهم الجوهري الطعن في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والدين الإسلامي، وكان توجههم يتمثل في الآتي:
التركيز على دورها بوصفها أرملةً ثريةً ناجحةً في التجارة وذات ثراء عريض، وبنظرةٍ ماديةٍ أشاع المستشرقون تَوَهَّمًا أو إيهامًا بأنّ علاقة الزواج بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة (عليها السلام) قائمةٌ على المصلحة، ويذكر المستشرق سفاري بأنّ حب النبي لخديجة كان بسبب الثراء ، إذ يقول: «إنّ المال وحده هو الذي جذب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعله يحب خديجة»[68].
ولقد تمادى المستشرق بودلي[69] وكأنّه فضل السيدة خديجة (عليها السلام) على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقول المستشرق هنري ماسيه: «فإنّ خديجة هي التي ستعيد إليه الثقة بنفسه، وأموال خديجة ستعضد محمدًا في معاركه الأولى، وطوال حياة خديجة فإنّ محمدًا لم يتخذ زوجةً أخرى، وهذا برهانٌ على النفوذ الذي كانت تمارسه عليه»[70].
ولقد نالت تجارة السيدة خديجة (عليها السلام) جانبًا مميزا في كتابات المستشرقين [71] وكانت في رأيهم ذات أثرٍ مهمٍّ في ظهور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الساحة المكية، وأوصلته إلى مكانةٍ اجتماعيةٍ مرموقةٍ بين قومه (قريش). يقول المستشرق جولد تسهير: «ثم أصبح تاجرًا لحساب سيّدةٍ غنيّةٍ اسمها خديجة عندما بلغ من العمر خمسًا وعشرين سنة، وبعد أنْ تزوج من هذه الأرملة الغنية التي تكبره بخمسة عشر عاما انتهت همومه المادية وأصبح بدوره تاجرًا»[72].
يشير أحد المستشرقين إلى سبب اختيار خديجة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعمل في تجارتها عندما فاتحها أبو طالب في ذلك، حيث يعلق: فعندما قابلته: ساعدت وسامة محمد وعذب ابتسامته في دعم الفكرة، وممّا يؤكد ذلك بودلي فيقول: «كانت خديجة توافيه لتسمع من مديرها الوسيم إرشاداته ونصائحه، وأصبحت مشغوفةً بمقابلة محمد والإنصات إليه، وأخذت تزداد شغفًا بمديرها الممتلئ حيويةً وسحرًا، لقد أحسّت لأول مرةٍ في حياتها أنّها سيدة الحب والهيام»[73].
تعرّض المستشرق (ارفنج) الى زواج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من خديجة (عليها السلام) فيقول: «أقامت خديجة حفلًا كبيرًا ودعت أباها وبعض أقاربها، وعمَي محمدٍ أبا طالب وحمزة، وبعض رجالات قريش، وكان أبوها خويلد يحب النبيذ، فأقبل يعب منه حتى ثمل، وطلبت خديجة من أبيها، وهو واقع تحت تأثير الخمر، أنْ يوافق على زواجها من محمد، فأبدى موافقته متناسيًا فقر محمد»[74]، لقد اعتمد ارفنج في كلامه على نصٍ بعيدٍ عن العقلانية والواقع العلمي، وكان عليه استعراض المصادر التاريخية للوقوف على حقيقة هذا الخبر.
يطعن المستشرقون في شخصية النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد ضرب كثيرٌ منهم على نغمةٍ ورددوها كثيرًا في كتاباتهم وهي: توجيه النقد اللاذع للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) واتهامه باستيلائه على أموال خديجة، ويؤكدون أنّ هدف محمد من الزواج من خديجة هو الوصول إلى حكم بلاد العرب، يقول بودلي افتراءً: «ودخل محمدٌ في خدمة خديجة، وبذلك وضع قدمه على الدرج الأول الذي سيوصله يومًا إلى حكم بلاد العرب جميعًا»[75].
كثيرٌ من المستشرقين يهمل دورها في بداية الدعوة الإسلامية وتضحياتها وجهادها بالمال، أو أهمية مالها عند حصار قريش للمسلمين في شعب أبي طالب. مثل المستشرق مونتجمري وات في كتابه: (محمد في مكة) [76]، فإنّه لم يتطرّق أو يعرج على دور السيدة خديجة (عليها السلام) في بذل أموالها لنشر الإسلام ومساعدة الفقراء إطلاقًا.
ومن الافتراءات الكاذبة والمغرضة، الشبهة التي تُصور: أنّ محمدًا كانت تنقصه في بعض مراحل حياته الثقة بنبوته، وأنّ لديه مشاعر الخوف من تجربة الوحي، واليأس الذي أدّى به إلى التفكير في الانتحار في المدة التي انقطع فيه الوحي عن الرسول، وأنّ ورقة بن نوفل يشدّ من أزر محمد بفضل جهود خديجة، كما يقول وات في كتابه: محمد في مكة [77].
وغير ذلك كثيرٌ من الادعاءات المختلقة والشبهات السامة التي نجدها في بعض كتاباتهم، ممّا تهدف الى تشويه التاريخ الإسلامي، اعتمادًا على الروايات الضعيفة والأخبار الشاذة والمكذوبة، وقبل ذلك تشويه السيرة النبوية وتلفيق مالم يحدث فيها. فعند الحديث عن السيدة خديجة (عليها السلام) يتضمن الكلام الطعن في أخلاق النبي والافتراء على حياته وسمعته واتهامه بالطمع في المال والمصلحة الدنيوية. وعند قراءة تحليلات واستنتاجات بعض الدراسات الاستشراقية تتضح لنا الأجندات الخاصة، وأنّها في الأساس مؤدلجة؛ ولذا فأنّهم يتجاهلون الثابت والصحيح في كتب السيرة والتاريخ، وبالطبع أحاديث وروايات أهل البيت (عليهم السلام) التي تفند رؤيتهم. وللأسف تعود معظم خلاصة آرائهم المشبوهة وتفسيراتهم المادية والفردية اعتمادًا على بعض الروايات المضطربة أو الأخبار الضعيفة في مصادر أهل العامة. ولا شك في أنّ ما أورده المستشرقون حول علاقة خديجة (عليها السلام) بالنبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بهتانٌ عظيمٌ يرفضه العقل والنقل والنصوص التاريخية.
وفي واقع الأمر إنّ معظم ما استنتجه المستشرقون وأشاعوه على شكل شبهاتٍ لا يمت إلى الحقيقة بصلة، حيث لم يرد شيءٌ من هذا في كتب السيرة النبوية المعتبرة، وقد ردّ على افتراءاتهم علماء المسلمين من كافة الأطياف.
وهنا لدينا ملاحظات سريعة على شبهات المستشرقين حول السيدة خديجة (عليها السلام):
جميع الشبهات التي أثارها أعداء الإسلام حول خديجة (عليها السلام) والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) سواء كانوا من المستشرقين، أم ممّن ينتسبون إلى المسلمين إنّما كان الدافع لها الحقد الدفين والحسد البغيض لشخص نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)
جميع الأحاديث التي استدلّ بها أعداء الإسلام على الشبهات المذكورة لا حجة لهم فيها؛ لأنّهم اعتمدوا على تحريف معاني النصوص أو على الروايات الضعيفة والموضوعة دون النظر في أسانيدها ومتونها وصحتها؛ وذلك من أجل تأييد الادعاءات والافتراءات والشبهات التي يثيرونها.
غالى المستشرقون في كتاباتهم عن السيدة خديجة (عليها السلام)، وحاولوا تحريف كثير من أحداث سيرتها، وتشويهها بالكذب والافتراء، فقد بالغوا في التحدث عن تجارة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد زواجه منها، للتأكيد على أنّه زواج منفعةٍ ومصلحةٍ مادّيةٍ بحتة. والادّعاء كذبًا بأنّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استفاد من مال خديجة في حروبه وتجهيز الجيوش وهو في المرحلة المكية.
كان للمستشرقين كتاباتٌ كثيرةٌ عن السيدة خديجة (عليها السلام) لمنزلتها الرفيعة لدى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)نصاف، وحاول معظمهم تشويه مكانتها وسمعتها للنيل من النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والتشكيك في الدين الإسلامي، وللأسف فإنّهم استسقوا المعلومات التي اعتمدوا عليها في بث افتراءاتهم وشبهاتهم من كتب السيرة النبوية والمصادر التاريخية الرائجة عند عامة المسلمين، وتجاهلوا المصادر المعتبرة لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). وقد كان الأمل يحدونا أنْ تكون معظم دراسات المستشرقين بخصوص سيرة السيدة خديجة (عليها السلام) تسير وقف المناهج الموضوعية والمنطقية والحياد العلمي، والابتعاد عن التعصب والعاطفة المؤدلجة، إلا أنّ واقع ونتاج دراساتهم في الأغلب كانت متطابقةً مع البواعث والأغراض التي دفعتهم للبحث والكتابة.
لماذا التجاهل والبغض للسيدة خديجة (عليها السلام) في الأساس؟
تجاهل السيدة خديجة (عليها السلام) أو بغضها والحقد عليها، أو محاولة تهميش دورها وطمس ذكرها في التاريخ، يرجع لأسبابٍ حقيقيةٍ ودوافع عميقة، فنحن لا نعتقد في صحة التأويلات التبسيطية التي ترى أنّ السبب الأساس يرجع الى رفضها الزواج من كثيرٍ من زعماء قريش. وكان ممن تقدم لخطبتها [78]: عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب، وأبو جهل، وأبو سفيان وغيرهم، ولكنها رفضتهم جميعًا وهي سيدة قريش، وفضّلت واختارت يتيم بني هاشم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون زوجًا لها مع قلة ماله. ونشير هنا إلى أبرز الأسباب الجوهرية والحقيقية التي أدّت إلى معاداة أم المؤمنين (عليها السلام) والحقد عليها:
أولًا: الجهر بالإسلام في بداية الدعوة: خروجها إلى الصلاة في فناء الكعبة، وأمام الناس مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، مما يعني إعلانها وإشهارها إسلامها أمام الناس، وهذا له أكثر من دلالة، فسيدة قريش صاحبة الحسب والنسب والمال والجاه تدعم محمدًا ورسالته، وهذا تحدٍّ لجميع زعماء قريش علنًا، ودعوة للنساء إلى أنّ الدين الجديد (الإسلام) ليس للذكور فقط، أو الفقراء، إنّما لجميع الناس، وهذا موقفٌ ينمّ عن جرأةٍ وشجاعةٍ فريدة، وفي وقتٍ صعبٍ وحرجٍ جدًا، والمؤمنون بالرسالة الجديدة يعدون على أصابع اليد الواحدة.
ثانيًا: الجهاد بالمال: دعم خديجة (عليها السلام) للنبيّ محمدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) وللإسلام في بداية الدعوة لم يقتصر على الجانب المعنوي والبطولي فقط، وإنّما شمل أيضًا الجانب المادي (الاستقلال الاقتصادي منذ البداية)، فثروة خديجة كلها[79] كانت تحت تصرف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وخدمة للرسالة، قال (صلى الله عليه وآله وسلم):« ما قام ولا استقام ديني إلّا بشيئين: مال خديجة، وسيف علي بن أبي طالب» [80]، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما نفعني مالٌ قط، ما نفعني مال خديجة»[81]، فأنفقت مالها كلّه حتى لم يبقَ لها شيء، فما أعظم عائدتها على الإسلام!
ومن هذا المنطلق، فإنّ هاذين الموقفين هما الأساس في تحرّك مشركي قريش ونسائها ضدّ السيدة خديجة (عليها السلام)، بالتأكيد أنّ اتّخاذ موقف العداء كان بتأثير عوامل اجتماعية وسياسية وإيديولوجية، كشعورهم بالتهديد من انتشار الإسلام، وتنامي قوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورغبتهم بالحفاظ على سلطتهم وسيادتهم على مكة، ممّا دفعهم لمحاولة إضعاف وضرب وتضيق الخناق على كل من يساند الرسالة في بداية انطلاقتها، وبالخصوص أبو طالب وخديجة (عليها السلام)، وبرز هذا العداء في حقد نساء قريش على السيدة (عليها السلام) فقاطعنها وهجرنها، إلى درجة أنها كانت تعاني الأسى والحزن في أكثر من موقف: ففي أثناء ولادة ابنتها الصديقة الزهراء (عليها السلام) رفضت قابلات قريش مساعدتها[82]، وكذلك في الساعات الأخيرة من حياتها تملكها الحزن لأمر ابنتها الوحيدة (فاطمة الزهراء - ذات الخمس سنوات)، لعدم وجود من يساعدها من النساء في ليلة زفافها[83].
وفي هذا السياق وتبعًا لتلك التصرفات والسلوكيات القديمة من قريش، فإنّ تشويه المكانة الرمزية والصورة الشخصية الرفيعة والسمعة الأخلاقية العالية للسيدة خديجة (عليها السلام) أمرٌ غير مستهجن ولا مستبعد. أمّا الشائن والمستنكر هو استمرار هذا العداء والتشويه في كتب السيرة والتاريخ وبصورٍ وأشكالٍ مختلفة، وظلّ متواصلًا حتى وقتنا الحالي، وذلك لدوافع متباينةٍ وبواعث مقيتة، منها:
دوافع سياسية: خدمةً لأجندة السلطة السياسية الحاكمة كالأموية والعباسية، وأضعاف للمعارضين العلويين وقادة بني هاشم، بوصف السيدة (عليها السلام) جدتهم الكبرى وإحدى مفاخرهم.
دوافع دينية: وذلك لترويج عقيدةٍ أو اتجاهٍ دينيّ معين، أو الخوف من بروز فضائل ومناقب هذه الشخصية العظيمة، وتجلّي مكانة أولادها وأحفادها، ممّا يهدّد سلطتهم ونفوذهم الديني.
دوافع شخصية: انطلاقًا من الحسد والكراهية من قبل بعض الشخصيات المنافسة، وافتقارهم لأيّ مواقف وأفعال تقاس أو تنافس الإنجازات العظيمة للسيدة خديجة (عليها السلام) وشهرتها الواسعة.
دوافع التعصب: ممّا يدفع الكتّاب والمؤرخين للتحيّز إلى بعض الشخصيات التاريخية التي تتماشى مع أفكارهم وتوجهاتهم وتيارهم، وتفضيلها على السيدة خديجة (عليها السلام) ومكانتها.
وإزاء هذه الأسباب لم يدرك كثيرٌ من الباحثين والمؤرّخين في السيرة، اليد الخفية والأقلام الخبيثة التي ما زالت تبثّ الافتراءات وتشيع الشبهات بأسلوبٍ إيهامي، وبمنهجٍ مغلّفٍ بأطروحات علميةٍ وتحقيقاتٍ تاريخية.
وحقًا ما يثير الاستغراب والعجب استمرار هذا البغض والكراهية للسيدة خديجة (عليها السلام) إلى العصر الحالي من بعض الفئات المسلمة. وعندما يعمد الباحث إلى التعمق في دراسة الأساليب التي يستخدمونها والمنهج الذي يتبعونه، يتضح في كثيرٍ من الأحيان عدم قدرتهم على طمس كلّ الحقائق الساطعة والأدوار الرسالية التي قامت بها، وقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) بتسليط الضوء عليها، ومع ذلك نجد التحوير والتركيز على الجوانب الظاهرة للدور الذي أدّته هذه السيّدة(عليها السلام) وتبسيطه قدر الإمكان، وتفريغه من القيمة المعنوية الحقيقية، أو التشكيك فيه وإبداء آراء مبنية على العاطفة والهوى والاجتهاد في تحريف تفسيره.
الشهادة والوفاة والغروب الحزين
لقد حاصرت قريش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته في شِعْب أبي طالب لثلاث سنواتٍ متتالية - من بداية شهر محرم من السنة السابعة للبعثة حتى السنة العاشرة - فمنعت عنهم الطعام والشراب والبيع والشراء، فقررت خديجة (عليها السلام) حينها أنْ تترك قبيلتها بني أسد أهل القوة والمنعة، وتلتحق بزوجها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه من بني هاشم لتعاني ما يعانونه من جوعٍ وضعفٍ وخوفٍ ومأساة، وكاد القوم أنْ يهلكوا، إلا أنّ خديجة (عليها السلام) لم تدخر جُهدًا لإيجاد الحلول لإطعام المحاصرين، فسارعت بأموالها وعلاقاتها التجارية لتوفر بعض الطعام من السوق بأضعاف قيمته، وترسله إلى الشعب عن طريق أقاربها بصعوبةٍ كبيرةٍ ومخاطرة شديدةٍ ليسدوا رمقهم[84].
ولكن ما أنْ انتهى الحصار الخانق والمقاطعة الجائرة بعد ثلاث سنوات، وخرج بنو هاشم والمسلمون من الشعب، حتى غرزت هذه السنوات العجاف مخالبها في جسد الطاهرة أم المؤمنين (عليها السلام)، فخرجت منهكة القوى متهالكة البدن، ونال منها الإعياء أشده، وبلغ بها المرض مبلغًا عظيمًا، ذلك كلّه من أجل الإسلام وفداء للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وبعد شهرين من الخروج حان موعدها مع القدر في العاشر من شهر رمضان في السنة العاشرة من البعثة، فقضت نحبها وأسلمت الروح لبارئها في ذلك اليوم، وكان ذلك بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام، وعلى أيّ حال رحلت وقد جاوزت الثالثة والخمسين أو كادت، وهي شهيدة الصبر والجهاد والتضحية والفداء، وكانت بذلك أول شهيدة من آل البيت النبوي الكريم [85].
لقد كانت السيدة خديجة (عليها السلام) طيلة ربع قرنٍ نجمًا ساطعًا يشعّ بنوره على بيت النبوة والرسالة، فكانت سكنًا وأنسًا ورأفة ومودة؛ ولذا كانت وفاتها مصيبةً كبرى ألقت ظلالًا من الأحزان على قلب الحبيب (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأصبحت الدار خاليةً والجو مكفهرًا، وغدت مكة موحشةً في عام الحزن.
وقبل ذلك بأيامٍ قليلة، وهي في الرمق الأخير من عمرها، كانت تنظر بقلقٍ وحزنٍ إلى ابنتها الوحيدة فاطمة (عليها السلام) ذات الخمس سنوات، فما كان من أسماء بنت عميس إلّا أنْ تعهّدت بأنْ تكون أمًّا لها ليلة زفافها[86]. واشتدّ بأم القاسم المرض، وهي على فراش الموت صارت توصي الزوج الحبيب (صلى الله عليه وآله وسلم) عدّة وصايا: إني قاصرة في حقك فاعفني، أوصيك بهذه وأشارت إلى فاطمة، ووصية أخيرة خجلت أنْ تقولها فلم تطلبه منه مباشرة، بل عن طريق ابنتها الزهراء (عليها السلام): إنّها خائفةٌ من القبر، وتريد رداءك الذي تلبسه حين نزول الوحي تكفنها[87] فيه، فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد دمعت عيناه، فرآها في حال الاحتضار، فقال لها: «بالكره منّي ما أرى منك يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيرًا كثيرًا، أما علمت أنّ الله قد زوّجني معك في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون»[88]، تدلّ محادثة (صلى الله عليه وآله وسلم) مع خديجة (عليها السلام) بهذا الأسلوب - عن الزواج - بأنّه ليس مع شخص في حالة الاحتضار، أنّما بشارة لمؤمنةٍ ذات نفسٍ مطمئنةٍ ذاهبةٍ مباشرةٍ إلى الجنة. ولم تلبث أم المؤمنين (عليها السلام) وقتًا يسيرًا حتى سمت روحها الطاهرة إلى الله تعالى. حينذاك نزل الوحي من عند العلي القدير بكفنٍ لها من الجنّة.
بعد الرحيل المفجع: قامت أم أيمن (مولاة الرسول) وأم الفضل (زوجة العباس) بتجهيز جثمان السيدة خديجة (عليها السلام) [89]ثم ألقتا عليها نظرة الوداع الأخيرة. ثم دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبرها ووضعها في لحدها بيديه الشريفتين ودفنت في الحجون. فقضت نحبها راضيةً مرضيةً، فسلامٌ عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّةً.
ما فتئ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يردد م مفاده أنّ الحزن والهم لم يسيطرا عليه طيلة حياة أبي طالب وخديجة. ثم ما تزوج إلّا بعد مرور عام على وفاتها، لقد ظلّت ذكرى خديجة (عليها السلام) والسنوات المشتركة خالدةً وماثلةً في ذاكرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يمحها الزمان، ولم يكن يخرج من بيته في بقية أيام حياته الشريفة إلّا ويذكرها بخير.
الخلاصة:
عندما نتكلّم عن مظلومية السيدة خديجة (عليها السلام)، فنحن لا نتحدث عن شخصيةٍ عاديةٍ أو مهمةٍ في المجتمع فحسب، بل نشير إلى امرأةٍ عظيمةٍ وبارزةٍ ومؤثرةٍ في تاريخ الدعوة الإسلامية، نحكي عن سيدةٍ جليلةٍ عالية القدر، ذات شرفٍ عائلي، وجمالٍ ظاهري، وثراءٍ مالي، وطهرٍ داخلي، وكمالٍ عقلي، بل هي من أكمل النساء، هي الزوجة الأولى للحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم). إنّ شخصية السيدة خديجة (عليها السلام) التي يعرّفُها أهل البيت (عليهم السلام) هي في الحقيقة، غير خديجة التي تذكرها بعض كتب الأخبار والتاريخ والسيرة وبعض الكتابات المؤدلجة والمتحيزة ذات الأجندات الخاصة. وعلى الرغم من احترامها العميق من قبل المسلمين، فإنه قد حدثت محاولاتٌ عديدةٌ عبر التاريخ للتقليل من شأنها وطمس مناقبها وفضائلها، هذه المحاولات كانت نتيجة لمصالح وأهداف سياسية أو لمواقف شخصيةٍ واجتماعيةٍ أو اختلافاتٍ مذهبيةٍ؛ ممّا أدّى إلى ظهور افتراءاتٍ تاريخيةٍ كثيرة في حقها.
ومن الجدير بالملاحظة أنّ مسألة ظلم التاريخ للسيدة خديجة (عليها السلام) وإجحاف بحقها، تُثير منذ فترةٍ بعيدةٍ نقاشًا واسعًا في الأوساط الثقافية الإسلامية وخاصة بين اتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، حيث يرى كثيرٌ منهم أنّ التاريخ لم ينصف أم المؤمنين خديجة (عليها السلام)، ولم يعطها حقّها الكامل من التقدير والتبجيل أو الاعتراف بإنجازاتها وتضحياتها الجسيمة. وإنّ أوجه الإساءة والانتقاص الذي تعرضت له من بعض الرواة وكتّاب السيرة والتاريخ الإسلامي كثيرة نلخصها في الاتي:
تهميش دورها الجهادي في بداية الدعوة الإسلامية: حيث نرى أنّ كتب السيرة والتاريخ لم تُسلّط الضوء بشكلٍ كافٍ على الدور الجهادي للسيدة خديجة (عليها السلام)، خاصّة خلال المرحلة المكية من الدعوة، ممّا أدى إلى إغفال ونسيان مواقفها الشجاعة في هذه الفترة الحساسة والحرجة منذ انطلاق الإسلام.
تشويه سمعتها: قام بعض المؤرخين بِتشويه شخصية أم المؤمنين خديجة (عليها السلام)، ونشر رواياتٍ وأخبارٍ كاذبةٍ عنها، عمدًا وبسوء قصد، ولعدة أسباب منها التحيز لغيرها، ممّا أدى إلى تكوين صورةٍ غامضةٍ وسلبيةٍ عنها لدى بعض المسلمين، استغلها المستشرقون في كتاباتهم.
إغفال إنجازاتها العلمية والأدبية: فمن المؤكد أنّ التاريخ لم يُعِر إنجازات السيدة خديجة العلمية والأدبية الاهتمام الكافي، خاصّة في مجال رواية الحديث وعلم العقيدة والشعر في بداية الدعوة الإسلامية، بل غيب ذلك كلّه، وهذا يعدّ الجانب الأهم من مظلوميتها.
عندما يعمد الباحث إلى التعمّق في دراسة المسوّغات والركائز والأهداف التي أدّت الى تهميش دور ومكانة السيدة خديجة (عليها السلام) في التاريخ وأثرها مازال قائم حتى الآن، ليستغرب من هذا التناقض العجيب بين الروايات الشريفة في حقها ورفعة مقامها والفضائل الكريمة والدرجات العالية التي حظيت بها، والمشار إليها بكثرة وبطرق متنوعة في المصادر الحديثية والتراث الإسلامي، سواء من أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقها، أو سلام خاص من الله ينقله الوحي، أو البشارة بالجنة، ومثبت كل هذا ومعترف به لدى كل المسلمين، وبين الافتراءات والخزعبلات والغث والسمين التي ذكرت ودونت في كتب التاريخ والتراث عن حياتها وسيرتها. وانطلاقا من هذا، ما زلنا نبحث عن الأسباب والدوافع الحقيقية وراء هذا التهميش وإخفاء وكتمان دورها ومواقفها وبطولاتها، وبدلًا من نشر فضائلها والترويج لمكانتها ومقامها العالي، نرى من يحاول تحريف الحقائق التاريخية وتشويه سمعتها، ويطمس ويغيب الروايات الشريفة التي روتها عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكثير من هذا القبيل. ممّا يدفعنا للتساؤل: هل هناك في التراث الإسلامي ما حجب عنا بعض الجوانب من شخصيتها (عليها السلام) وخصوصا علاقتها بالرسالة والنبوة والإمامة؟ أو هل هناك من الخصوم من يحاول تشويه سمعتها ومكانتها في التاريخ؟ وإذا كان هذا صحيحًا، فما هي أسبابه ودوافعه الحقيقة؟ وما هي الذرائع الأساسية التي جعلت الرّواة والمؤرخين يحجمون عن التعمق في سبر أغوار شخصية السيدة خديجة (عليها السلام) ودراسة الأحداث والوقائع التي حفت بحياتها؟ ثم السؤال الأهم، هل من إمكانية للتصحيح؟ أو معرفة ما أهمل أو طمس أو غيب من سيرتها وارثها التاريخي؟ وهل من إمكانية لإعادة رسم صورة أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) في كتب التاريخ، وبشكل واقعي وموضوعي وبكل صدق وأمانة، دون إهمال لأي زاويةٍ من شخصيتها أو تجاهل أيّ من مواقفها في مختلف مراحل حياتها؟
السيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام) واحدةٌ من أهم الشخصيات النسائية في التاريخ الإسلامي، نظرًا لدورها المحوري في دعم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال بدايات الدعوة الإسلامية، ولها أدوارٌ بارزةٌ ومؤثرةٌ بإسهاماتها الفريدة، التي جعلت منها شخصيةً لا غنى عنها في السرد التاريخي الإسلامي.
ومن المهم أن ندرك أن دورها كان حاسمًا في نشر الإسلام، وأنّ تقليل أو تجاهل هذا الدور لا يعكس أهمية إسهاماتها الفعلية في نشر الرسالة. والمتأمل في التراث الإسلامي وكتب التاريخ والسيرة يرى بوضوحٍ تامٍ أنّ سيرتها تعرضت لعمليات تغييرٍ وتزييفٍ ونسفٍ تاريخيّ كبيرة جدًا. ومن المؤكّد أنّ كل الافتراءات والأكاذيب التي نسبت إلى هذه السيدة العظيمة قد صنعتها يد السياسة وخصوصًا في الحقبة الأموية، أو أنّها جاءت لتكريس أفضيلة أحدى زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على حساب أم القاسم (عليها السلام) كما كان يحرص عليه الزبيريّون، وأنّ كلّ ما ذكر على شكل روايٍة أو خبرٍ وفيه إساءةٌ أو انتقاصٌ لمقامها العالي هو محض خيال من الرواة ومن تخرصاتهم.
وللأسف مازال الإجحاف بحق أم المؤمنين خديجة (عليها السلام) قائمًا ومستمرًا حتى الآن، خدمة لأغراضٍ وأهدافٍ مذهبيةٍ وطائفيةٍ مقيته، ممّا له أثرٌ سلبي ونتيجةٌ خطيرةٌ على الفكر الإنساني والمجتمعات الإسلامية والأجيال القادمة، من قبيل:
فقدان القدوة والإلهام: الشخصيات العظيمة كالسيدة خديجة (عليها السلام) تُقدم قدوةً ونموذجًا يُحتذى بها، وتُلهم الأجيال اللاحقة. ولكن عندما يتم تهميش دورها وطمس إنجازاتها وتضحياتها، يُحرم الناس من هذه الأمثلة التي يمكن أنْ تشجعهم على تحقيق إنجازاتٍ كبيرةٍ أو التمسّك بقيم ومبادئ سامية.
تعزيز الظلم الاجتماعي والفكري والسياسي: طمس التضحيات العظيمة للسيدة خديجة (عليها السلام) يمكن أنْ يكون نتيجةً لأجنداتٍ سياسيةٍ أو مطامع شخصيةٍ واجتماعيةٍ أو مصالح مذهبية، تهدف إلى قمع الحقيقة وفرض هيمنة فكرية معينة. وهذا يُعزز الفكر الإقصائي والغلبة لتياراتٍ دينيةٍ وسياسيةٍ في المجتمع المسلم.
إضعاف التعليم والتربية: عندما يتم تغييب مقام السيدة خديجة (عليها السلام) وأدوارها ومواقفها من المناهج التعليمية، يُحرم الطلاب من فهمٍ شاملٍ ومعمّق للتاريخ الإسلامي والثقافة الحقيقية. وهذا يمكن أنْ يضعف نوعية التعليم ويحدّ من قدرة الأفراد على التفكير النقدي، وفهم الواقع التاريخي والعالم الحالي.
فقدان الذاكرة التاريخية: تُفقد الأجيال القادمة قصصًا مُلهمة عن نساء رائدات قمن بأدوارٍ فريدةٍ، وحققن إنجازاتٍ عظيمةً لا مثيل لها، مثل بطولات وتضحيات السيدة خديجة (عليها السلام)، ممّا يُؤثر سلبًا على ثقافة وحماس وروح المجتمع، والعنصر النسائي حاليًا بأمس الحاجة إلى مثل التحفيز.
في المجمل، طمس وتغييب مكانة شخصيةٍ عظيمةٍ في التاريخ ليس مجرد مسألة نسيان فردٍ واحد، بل هو تغييب لتراثٍ كاملٍ يمكن أنْ يؤثر بعمق على فكر وثقافة المجتمعات الإسلامية والأجيال القادمة. وللباحث الحق في أنْ يتساءل: هل السيدة خديجة (عليها السلام) استوفت حقًّا حظّها من الدراسة والبحث من قبل المؤسسات الأكاديمية الإسلامية؟ هذا السؤال يبقى عالقًا في الذهن كلما اطّلع المثقّف الحاذق على سيرتها المسجلة في كتب التاريخ! وهنا في الحقيقة يأتي دور الباحث المؤمن والمؤرخ المنصف من أجل أعادة قراءة وكتابة سيرتها من جديد، وبكل واقعية وموضوعية بعيدًا عن الانحيازية والمذهبية أو الأجندات الخاصة، ودون إهمال لأيّ حقيقةٍ تجاهلتها السياسة وطمسها الحقد الشخصي والمذهبي.
وأخيرًا نقول لكلّ من لم يجد أيّ شيءٍ يخدش تاريخ هذه السيدة الكاملة كما قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاختلقوا كلمات واهية، وافتعلوا قصص خرافية، وسرقة مكارمها وفضائلها ونسبتها لغيرها، كي يُنّزِلوا من شأنها ومقامها، نقول لهم: إنّكم نسيتم أو تغافلتم علو قدرها عند الله تعالى، ورفعة شأنها عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما جعله ينظر إليها كنفسه المقدسة، كما أشير إلى ذلك في الأحاديث المروية: عن سلمان المحمدي قال: قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «من عرف قدر خديجة فقد عرف قدري، ومن أهان قدرها ، أهان قدري»، وفي روايةٍ أخرى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أراد هوان خديجة، فقد أهان الله تعالى» [90] ، وكذلك قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾[91].
المصادر:
القرآن الكريم.
1.الأبطحي، السيد محمد باقر الموحد، معجم رواة الحديث وثقاته، الجزء 12، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي قم المقدسة، الطبعة الأولى، الناشر: عطر عترت، 1430 هـ.
2.ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: عمر بن غرامة العمروي ، دار الفكر بيروت، طبعة 1995 م.
3.ابن كثير، الدمشقي إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، الجزء الثاني، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1408 هـ.
4.ارفنج واشنتجون، حياة محمد: سيرة نبي الإسلام، ترجمة وتعليق: علي حسني الخربوطلي، الطبعة الأولى، الأهلية للنشر، عمان، 2014 م.
5.آل سنبل، نزار، وارثة خديجة أم سلمة أم المؤمنين، الطبعة الأولى، المصطفى لإحياء التراث، بيروت، 1423هـ.
6.آل سيف، فوزي، إنّهما ناصران: الصديقة الكاملة خديجة، الطبعة الأولى، 2021 م.
7.الألباني، محمد ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، الجزء 13، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 2002 م.
8.الأميني، عبد الحسين، الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، الجزء الثاني، دار الكتاب العربي، بيروت، 1397 هـ.
9.إيتن، سفاري كلود، السيرة النبوية وكيف حرفها المستشرقين، ترجمة: محمد عبد العظيم، نقد وتحقيق: الجبري عبد المتعال، دار الدعوة، القاهرة، الطبعة الأولى، 1994م.
10.البغدادي ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، 1410 هـ.
11.البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق: سهيل زكّار ورياض الزركلي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1996 م.
12.البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، الجزء الثاني، خرج أحاديثه: د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1408 هـ.
13.جولد تسيهر، أجناس، مذاهب التفسير الإسلامي، ترجمة: عبد الحليم النجار، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1374هـ.
14.الحائري، محمد مهدي، شجرة طوبى، الجزء الثاني، المطبعة الحيدرية، النجف، الطبعة الخامسة، 1385 هـ.
15.الحسني، نبيل، خديجة بنت خويلد (ع) أمة جمعت في امرأة، الطبعة الأولى، العتبة الحسينية، العراق، 1432هـ، 2011م.
16.الحلبي، علي بن إبراهيم بن أحمد، السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون)، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الثانية، 1427 هـ.
17.الحميري، ابن هشام، السيرة النبوية، الطبعة الأولى، تحقيق: محمد محيي الدين، مكتبة صبيح، مصر، 1963م.
18.رفيق، عبيد الله أبو القاسم محمد، مسند أم سلمة، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1404 هـ.
19.رونالد فيكتور بودلي، الرسول: حياة محمد، ترجمة: عبد الحميد السحار ومحمد فرج، تعليق: مهدي رزق الله أحمد، مكتبة مصر، الطبعة الأولى، 1989م.
20.الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، قم المقدسة، 1416 هـ.
21.السيلاوي، الشيخ غالب، الأنوار الساطعة من الغراء الطاهرة، الطبعة الثانية، الناشر: محلاتي، المطبعة: ثامن الحجج، 1424 هـ.
22.الشرهاني، حسين علي، السيدة خديجة بنت خويلد الزوجة المثال، الطبعة الأولى، العتبة الحسينية، العراق، 2017م.
23.الشرهاني، حسين علي، خديجة بنت خويلد من المهد إلى اللحد، الطبعة الأولى، دار الهلال، بيروت، 2005م.
24.شلبي، محمود، حياة أم المؤمنين خديجة، الطبعة الأولى، الناشر: دار الجيل، بيروت، 1988 م.
25.الشيباني ابن حنبل، أحمد بن محمد، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة، الرياض، 1413 هـ.
26.الشيرازي، محمد الحسيني، أمهات المعصومين، الطبعة الأولى، مركز الجواد، بيروت، 1424 هـ.
27.الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، حقّقه: أبو معاذ طارق بن عوض الله، الناشر: دار العلمين، طبعة 1995 م.
28.الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، حققه: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: مكتبة ابن تيمية، القاهرة، طبعة 1983 م.
29.الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الطبري: تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية، دار المعارف، بمصر.
30.العاملي، السيد جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، الناشر: دار الحديث، قم المقدسة، الطبعة الثانية، 1428 هـ.
31.العايب، د. سلوى بلحاج صالح، دراسة تحليلية لشخصية خديجة بنت خويلد، الطبعة الأولى، دار الطليعة، بيروت، 1999 م.
32.العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى، 2005 م ، 1426 هـ.
33.الغروي، محمد هادي اليوسفي، موسوعة التاريخ الإسلامي، أضواء الحوزة، لبنان، طبعة 2012 م.
34.القرشي، باقر شريف، حياة أم المؤمنين خديجة (ع)، الطبعة الأولى، الناشر: شبكة الفكر الإلكترونية، لم يحدد تاريخ طباعته.
35.الكلاباذي، أبو نصر احمد بن محمد البخاري، الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد الذين أخرج لهم البخاري في جامعه، المجلد الثاني، تحقيق: عبد الله الليثي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الأولى، 1407 هـ.
36.المازندراني، محمد بن علي بن شهر اشوب، مناقب آل أبي طالب، المكتبة والمطبعة الحيدرية، النجف، 1376 هـ.
37.المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 هـ.
38.هنري ماسيه، الإسلام، ترجمة: بهيج شعبان، منشورات عويدات، بيروت، الطبعة الأولى، 1960م.
39.الهيثمي، الحافظ نور الدين، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تحرير: العراقي وابن حجر، دار الكتب العلمية، بيروت، طبعة 1988 م.
40.ويليام مونتجمري وات، محمد في مكة، ترجمة: عبد الرحمن عبد الله الشيخ، تعليق: د. أحمد الشلبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة الأولى، 1415 هـ.
41.اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب، تاريخ اليعقوبي، تحقيق: عبد الأمير مهنا، الناشر: الأعلمي، بيروت، الطبعة الأولى، 2010 م.
---------------------------------------------------
[1] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/16؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، 2/282.
[2] يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي: المرتضى، الشافي؛ الطوسي، التلخيص، (إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوج بها وكانت عذراء).
[3] المجلسي، بحار الأنوار، 16/12؛ شذرات الذهب 1/14؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى 8/17؛ ابن عساكر، تهذيب تاريخ دمشق، 1/303؛ النيسابوري، مستدرك الحاكم، 3/200؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 98؛ الذهبي، سيرة أعلام النبلاء، 2/82؛ السيف، فوزي، إنهما ناصران، 27.
[4] ينظر: العاملي، السيد جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، 2 / 212 : إنّ السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي البنت الوحيدة لخديجة، حيث ذكر التاريخ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُرزق من البنات إلاّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقط، أما من الأبناء فكان له من السيّدة خديجة (عليها السلام): القاسم وبه كُنّي(صلى الله عليه وآله وسلم)، عاش حتى مشى ثم مات، وعبد الله مات صغيرًا أيضا، أمّا إبراهيم فمن مارية القبطية، وهو الآخر قد تُوفّي صغيرًا.
[5] البلاذري، أنساب الأشراف، 1/81.
[6] المجلسي، بحار الأنوار، المجلد 16، تجد الكثير من أشعارها في مدح الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في باب: تزوجه (صلى الله عليه وآله وسلم) بخديجة وفضائلها وبعض أحوالها.
[7] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، 16/78؛ الإربلي، كشف الغمة، ۲/۷۲؛ عباس القمي، الأنوار البهية، 54.
[8] أخرجه: البخاري، الصحيح، ح3820؛ مسلم، الصحيح، ح 2432؛ الألباني، صحيح الجامع، رقم 69.
[9] الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 2746، ح 3535، ح 1، نقلًا عن: مجمع البيان، 10/480، ح 2 نقلًا عن: الدر المنثور، 8/229.
[10] أخرجه: البخاري، الصحيح، ح3821؛ مسلم، الصحيح، ح2437؛ أحمد بن حنبل، المسند، ح24864؛ الأرنؤوط، تخريج المسند، رقم 24864.
[11] نقلًا بتصرّف عن: القرشي، حياة أم المؤمنين خديجة (عليها السلام)، ص 18 - 21.
[12] ينظر: المجلسي، بحار الأنوار، ج 16، ص 2-7؛ القرشي، حياة أم المؤمنين خديجة، ص 15-21؛ الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، ج1، ص 114 وما بعدها؛ السيلاوي، الأنوار الساطعة من الغراء الطاهرة، ص171 وما بعدها.
[13] انظر مثلًا: ابن تيمية، منهاج السنة، ج 4، ص 303 -307، حيث يمارس سياسة الانتقاص من السيدة خديجة (عليها السلام) ويقول: انحصار خيرها علی نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعتقد أنّ الأمة الإسلامية لم تنتفع بها، ويواصل بأنّه لم یحصل لها كمال الإيمان، بل حصل هذا الإيمان الكامل لمن آمن بعدها: «فخديجة كان خيرها مقصورًا على نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تبغ عنه شيئًا، ولم تنتفع بها الأمة كما انتفعوا بعائشة، ولا كان الدين قد كمل حتى تعلمه، ويحصل لها من كمال الإيمان به ما حصل لمن علمه، وآمن به بعد كماله». ونلخص دعاويه المطروحة في أربع نقاط:
1. انحصار خيرها علی نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
2.عدم انتفاع الأمة الإسلامية بها.
3.عدم العلم والمعرفة بالدين.
4. عدم حصول كمال الإيمان لها.
[14] انظر مثلًا: الحلبي، السيرة، 1/224؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 132؛ وللتوسع راجع التحقيق: الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، ج1، ص 106 وما بعدها.
[15]- الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، ج1، ص 88 إلى 96، ص 104- 105.
[16] الطبراني، المعجم الكبير، 22/370؛ محب الدين الطبري، السمط الثمين، 16؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 1/142؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 9/220؛ تاريخ اليعقوبي، 1/340؛ تاريخ الطبري، 2/36؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 2/295؛ الحلبي، السيرة، 1/224.
[17] الشرهاني، حياة خديجة (عليها السلام) من المهد الى اللحد، ص 170.
[18] الحلبي، السيرة، 1/ 203، باب: تزوّجه (صلى الله عليه وآله وسلم) خديجة (عليها السلام)؛ ذكر الفاكهي عن أنس: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عند أبي طالب، فاستأذن أبا طالب في أن يتوجه إلى خديجة: لعلّه بعد أن طلبت منه الحضور إليها، وذلك قبل أنْ يتزوجها، فأذن له وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة، فقال: انظري ما تقول له خديجة، فخرجت خلفه، فلّما جاء (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خديجة (عليها السلام) أخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها، ثم قالت: بأبي أنت وأمي .....
[19] الشرهاني، حياة خديجة من المهد الى اللحد، ص 186، نقلًا عن: الديار بكري، تاريخ الخميس، 1/265؛ المكي، سمط النجوم، 1/367؛ وكذلك وجدنا الخبر في: الحلبي، السيرة، 1/227.
[20] الطبراني، المعجم الكبير، 22/370؛ محب الدين الطبري، السمط الثمين، ص 16؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 1/142؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 9/220؛ تاريخ اليعقوبي، 1/340؛ تاريخ الطبري، 2/36؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 2/295؛ السيرة الحلبية، 1/224.
[21] ينظر: الشرهاني، حياة السيدة خديجة بنت خويلد من المهد الى اللحد، ص 161-182، لمزيدٍ من التوسّع في الرد على هذه الفرية والأكذوبة، ومناقشة أدلتها ورواياتها بالتفصيل.
[22] المصدر: أحمد بن حنبل، المسند، ج5، ح 2849، وقد ضعف علماء الحديث من أهل السنة، أسانيد الرواية القائلة: بأنّ خديجة (عليها السلام) سقت أباها الخمر بجميع طرقها.
[23] الأرنؤوط، تحقيق مسند أحمد، 5/47، ضعف الرواية في هامش الصفحة، حيث قال: «إسناده ضعيف، فقد شك حماد بن سلمة في وصله، إذ قال الرواة عنه : (فيما يحسب حماد) ولم يجزم، ثم إن حماد بن سلمة قد دلسه؛ وقد أخرجه: البيهقي، الدلائل، 2/ 73 ، من طريق مسلم بن إبراهيم، قال: «حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس: أنّ أبا خديجة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو -أظنه- قال: سكران، فعاد الحديث الى علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف »، ثانيًا: مخالفتها لروايات كثيرة لا تذكر السكر، ثالثًا: وقد أنكر المؤرخون أنّ يكون خويلد بن أسد هو من زوجها، بل رجحوا عمها عمرو بن أسد؛ لأنّ خويلد مات في حرب الفجار.
[24] ليس هناك مجالٌ لاعتراض بني أسد على مصاهرة بني هاشم؛ فلقد تزوج أسد بن عبد العزى من خالدة بنت هاشم بن عبد مناف، وتزوج العوام بن خويلد من صفية بنت عبد المطلب.
[25] الأميني، الغدير، 2/17، ذكرها في موكب الشعراء.
[26] ابن هشام، السيرة، 4/214؛ ابن سعد، الطبقات، 8/15؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 1/406؛ ابن عساكر، التاريخ، 3/ 190.
[27] البلاذري، أنساب الأشراف، 1/407.
[28] ابن هشام، السيرة، 4/214؛ ابن حزم، جوامع السيرة، ص32، ولمزيد من التوسع والشرح والتحقيق في هذه النقطة ارجع الى: الشرهاني، حياة السيدة خديجة من المهد الى اللحد، ص 108 وما بعدها.
[29] جعفر مرتضى العاملي، الصحيح من سيرة النبي، 2/212، في التحقيق التاريخي ذكر: أنّه كانت لخديجة (عليها السلام) أخت اسمها هالة، تزوّجها رجل مخزومي، فولدت له بنتًا اسمها هالة، فلما مات تزوّجت برجلٍ تميمي يقال له: أبو هند، فأولدها ولدًا اسمه هند، وكان لهذا التميمي امرأة أخرى قبل هالة قد ولدت له زينب ورقية، فماتت، ومات التميمي، فلحق ولده هند بقومه، وبقيت هالة أخت خديجة والطفلتان اللتان من التميمي وزوجته الأخرى؟ فضمتهم خديجة إليها، وبعد أن تزوّجت بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ماتت هالة، فبقيت الطفلتان في حجر خديجة والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان العرب يزعمون: أنّ الربيبة بنت، ولأجل ذلك نسبتا إليه (صلى الله عليه وآله وسلم)من غير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن بنات خديجة، كما أن اللّتَينِ تزوجهما عثمان لم يكن بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا بنات خديجة.
[30] العاملي، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، 2/208.
[31] العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري، ج 14، ص 559، ح 6446، كتاب الرقاق (81)، باب الغنى غنى النفس (15).
[32] التستري، نور الله، الصوارم المهرقة، ص 326؛ الحسني، خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة،1/118.
[33] سورة الضحى، الآيات: 6، 7، 8.
[34] الصدوق، علل الشرائع، ص 131؛ المجلسي، بحار الأنوار، 16/138؛ الطبرسي، مجمع البيان، 10/ 296، تفسير سورة الضحى.
[35] أخرجه: الطبراني، المعجم الأوسط، 6581/1/99/2؛ الطبري، التاريخ، 2/303؛ الدولابي، الذرية الطاهرة، ص 24؛ الآجري، الشريعة، 5/2190؛ البيهقي، دلائل النبوة، 2/151-152؛ الأصبهاني، دلائل النبوة، ح164؛ ابن إسحاق، السيرة، 1/239.
[36] الحميري، السيرة النبوية، 1/157؛ البيهقي، دلائل النبوة، 2/152؛ الطبري، التاريخ، 2/303.
[37] البيهقي، دلائل النبوة، 2/152.
[38] لقد ركز هؤلاء المستشرقون على الطعن في حقيقة الرسالة والوحي من السماء، ليكون بمنزلة هدم الصرح الذي يرتكز عليه الإسلام بالكامل. انظر الى:
واشنطن إرفنج، حياة محمد، ص 48؛ شاهين، د. علي، دراسات في الاستشراق ورد شبه المستشرقين حول الإسلام، ص 124-125؛ نخبة من العلماء، الإسلام والمستشرقون، ص 202؛ الشرقاوي، د. محمد عبد الله، الاستشراق دراسة تحليلية تقويمية، ص 135؛ رضوان، د. عمر إبراهيم، آراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره، 1/398؛ الشرقاوي، د. محمد عبد الله، الاستشراق دراسة تحليلية تقويمية، ص 136؛ عبد اللطيف، د. إبراهيم خليفة، شبهات المستشرقين حول الوحي والرد عليها، ص 7، 12، 17، ضمن بحوث المؤتمر الدولي الثاني،= =المستشرقون والدراسات العربية والإسلامية، مصر 1427هـ - 2006م؛ بروكلمان، كارل، تاريخ الشعوب الإسلامية، ص 36 ؛ نومانن دانيل، الإسلام والغرب، ص 52.
[39] الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفة، 13 / 220، ح6097.
[40] سورة يوسف، الآية: 108.
[41] سورة الأنعام، الآية: 57.
[42] سورة مريم، الآيات: 17-21، سورة الذاريات، الآية: 28.
[43] المجلسي، بحار الأنوار، 11/56.
[44] ينظر: ابن تيمية، منهاج السنة، ج4، ص 303 وما بعدها، هذا أسلوبه في معظم كتاباته، وكذلك من يسير على نهجه.
[45] سنن الترمذي، المسمى بـ (الجامع المختصر)، كتاب المناقب، ح4264، باب فضل عائشة؛ البخاري، ح 3462، ح4100؛ مسلم، ح 2384؛ الترمذي، ح 3885؛ ابن ماجه، ح 101.
[46] البخاري، ح 3230، ح3250، ح5103، ح5112؛ مسلم، ح2431؛ الترمذي، ح1834؛ النسائي، 7/68؛ ابن ماجه، ح3280.
[47] صحيح مسلم، باب: فضائل خديجة، ح2430؛ التلخيص للقرطبي، ج6، ص315، رقم 2343.
[48] سورة آل عمران: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ﴾ الآية: 31.
[49] انظر: صحيح البخاري، ح3411؛ صحيح مسلم، ح2431.
[50] أنظر مثلا: المجلسي، بحار الأنوار، 16/7-11؛ صحيح البخاري، ح3820؛ صحيح مسلم، ح2432، ح2437.
[51] ابن الأثير، أسد الغابة، 7/80؛ الحلبي الشافعي، السيرة، 1/140؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/132؛ ابن كثير، السيرة النبوية، 1/265؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 2/152؛ دحلان، السيرة النبوية، 1/55.
[52] الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، ج1، ص 276، ص 281؛ العاملي، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ج 2، ص 212-214.
[53] الطوسي، المبسوط في فقه الإمامية، 4/270؛ القرشي، حياة أم المؤمنين خديجة، ص 131.
[54] هن حسب ترتيب الزواج: خديجة بنت خويلد، سودة بنت زمعة، عائشة، حفصة، زينب بنت خزيمة، أم سلمة، زينب بنت جحش، جويرية بنت الحارث، أم حبيبة، ماريا القبطية، صفية بنت حيي، ميمونة بنت الحارث.
[55] قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): « كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلّا أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)»، المصدر: الريشهري، ميزان الحكمة، 3/2746؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج16، ص 2، مجمع البيان، 10/480.
[56] عدت من راويات الحديث النبوي الشريف: حيث ذكر المرحوم الخبير الرجالي الأردبيلي فصل في ذكر نساء لهن رواية: خديجة بنت خويلد زوجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذكر ابن حزم الأندلسي في أصحاب الواحد خديجة أم المؤمنين. وعن الحافظ محمد بن حبان أبي حاتم التميمي ممن روى عن النبي من النساء: خديجة بنت خويلد. وأما رواياتها (عليها السلام) فلا توجد في كتبنا؛ ولذا قال المرحوم الأردبيلي في (جامع الرواة، ج ٢، ص ٤٥٧ ). فصل في ذكر (نساء لهن رواية غير مقفيات – ص 455) وذكر منهم خديجة بنت خويلد ص 457. وفي استقراء قمنا به (كاتب البحث) حيث لم نجد أكثر من 5 أحاديث مروية عن السيدة خديجة (عليها السلام)، 3 أحاديث مروية عن طريق مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وسنذكرهما لاحقًا في متن البحث مع المصدر، و2 أحاديث مروية عن طريق مدرسة العامة، هذا الذي وجدناه فقط.
[57] آل سنبل، نزار، وارثة خديجة أم سلمة أم المؤمنين، ص 129. نقلاً عن كتاب: أمنة الحسني، أم سلمة أم المؤمنين، ج2، ص 583، الذي أحصت أحاديثها في حدود (788) حديث، وقد قالت: «كل المصادر الحديثية وأصحاب التراجم تنقل عن بعضه بأنّ عدد أحاديث أم سلمة (378) فقط»، وهي قد استقصت أحاديثها فوجدت ما يقارب (788) حديثًا .. ونحن نرى أن رقم (378) انتشر وفقًا لبقي بن مخلد القرطبي (201-276 هـ) وكتابه في الحديث الذي رتبه على أسماء الصحابة الذي نقل هذا العدد من روايات أم سلمة. وكذلك هناك كتاب: عبيد الله أبو القاسم محمد رفيق، مسند أم سلمة، ص 678، حيث جمع هذا العدد من الأحاديث (378) التي روتها أم سلمة، وذكرت في مسند أحمد بن حنبل فقط، والتي ذكرها ابن حزم والذهبي والخزرجي أيضًا، علما بأن هناك أحاديث كثيرة لم يذكرها أحمد.
[58] توفي عنها (صلى الله عليه وآله وسلم) ولها من العمر 18 سنة - كما هو شائع - وقد عاشت في بيته (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانية أعوام وخمسة أشهر. ارجع للمصادر التالية: البخاري، الجامع الصحيح، ج 4، ص 164 كتاب النكاح؛ مسلم النيسابوري، الجامع الصحيح، ج 4، ص 142 كتاب النكاح؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 8، ص 58 إلى 61.
[59] الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، ج2، ص 200-202.
[60] السيلاوي، الأنوار الساطعة من الغراء الطاهرة، ص 329-331؛ الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، ج2، ص 199-202.
[61] الأبطحي، السيد محمد باقر الموحد، معجم رواة الحديث وثقاته، 12/137.
[62] السيلاوي، الأنوار الساطعة من الغراء الطاهرة، ص 329-331.
[63] المصدر السابق نقلا عن: البيهقي، شعب الإيمان، 3/453.
[64] المصدر السابق نقلًا عن: المحدث النوري، مستدرك الوسائل، 5/143.
[65] المصدر السابق نقلًا عن: المجلسي، بحار الأنوار، 28/84.
[66] رفيق، عبيد الله أبو القاسم محمد، مسند أم سلمة، حيث جمع عدد (387) من الأحاديث التي روتها السيدة أم سلمة (عليها السلام) وذكرت في مسند أحمد بن حنبل فقط، والتي ذكرها ابن حزم والذهبي والخزرجي أيضًا.
[67] الكلاباذي، رجال صحيح البخاري المسمى الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد، 2/835.
[68] سفاري، السيرة النبوية وكيف حرفها المستشرقين، ص 42.
[69] بودلي، الرسول: حياة محمد، ص 393.
[70] هنري ماسيه، الإسلام، ص 45.
[71] سفاري، السيرة النبوية وكيف حرفها المستشرقين، ص 40.
[72] جولد تسهير، مذاهب التفسير الإسلامي، ص 84.
[73] بودلي، الرسول: حياة محمد، ص 57-58.
[74] ارفنج واشنتجون، حياة محمد، ص 50.
[75] بودلي، الرسول: حياة محمد، ص 57.
[76] ويليام مونتجمري، محمد في مكة، ص 119.
[77] مونتجمري، محمد في مكة، ص 118-120.
[78] المجلسي، بحار الأنوار، 16/22؛ العاملي، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، 2/192.
[79] المجلسي، بحار الأنوار، 16/22، تقدر ثروة السيدة خديجة (عليها السلام): بأكثر من 80 ألف جمل بحمولته، متفرقة في كل مكان، وكان لها في كلّ ناحية تجارة، وفي كلّ بلد أموال، مثل مصر والحبشة وغيرها.
[80] الحائري، شجرة طوبى، 2/223.
[81] المجلسي، بحار الأنوار، 19/63.
[82] المجلسي، بحار الأنوار، 16/80؛ المجلسي، بحار الأنوار، 43/2؛ الحائري، شجرة طوبى، 2/236.
[83] الحائري، شجرة طوبى، 2/223؛ المجلسي، بحار الأنوار، 43/132.
[84] المجلسي، بحار الأنوار، ج 19، ص16 و19؛ الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، ج2، ص 69-76؛ السيلاوي، الأنوار الساطعة من الغراء الطاهرة، ص 167-170.
[85] المجلسي، بحار الأنوار، 19/20؛ ابن حجر، الإصابة 8/103؛ ابن إسحاق، السيرة، 5/228؛ الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، 4/116 ؛ بالنسبة لعمرها 53 سنة يرجع الى تحقيق: السيف، فوزي، أنهما ناصران، ص 27 وما بعدها ؛ ابن سعد، الطبقات، 8/17؛ البلاذري، انساب الأشراف، 1/98 ؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 2/275 ، حيث ذكروا بأنّ عمرها عند الزواج كان 28 سنة، وهذا يعني أنّها توفيت بعمر 53 ؛ وكذلك: العاملي، الصحيح من سيرة الرسول، 2/200.
[86] الحائري، شجرة طوبى، 2/223؛ المجلسي، بحار الأنوار، 43/132؛ الإربلي، كشف الغمة، 1/375؛ العلامة الحلي، كشف اليقين، ص 198.
[87] الحائري، شجرة طوبى، 2/235.
[88] المجلسي، بحار الأنوار، 19/58؛ الطبراني، المعجم الكبير، ج 22، ص 451، ح 1100.
[89] البلاذري، أنساب الأشراف، 1/180؛ التستري، قاموس الرجال، 12/47؛ الأصبهاني، مقاتل الطالبيين، ص 48؛ الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، 4/97.
[90] الحسني، خديجة (عليها السلام) أمة جمعت في امرأة، 4/112؛ نقلا عن: الكنكشي، أبن العباس، الكتاب مخطوط: فضائل العشرة، موجود في مكتبة الأسد، دمشق، برقم 12990.
[91] سورة الأحزاب: 58.