البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

اَلْفَاْظُ الْطَّبِيْعَةِ فِيْ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ « دِرَاْسَةٌ فِيْ الْبُعْدَيِنِ الْدَّلَاْلِيّ وَالْعَقَدِيّ »

الباحث :  د. أَحْمَد مُوَفْق مَهْدِيّ
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  31
السنة :  صيف 2024م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  July / 13 / 2024
عدد زيارات البحث :  421
تحميل  ( 1.992 MB )
الملخّص
دلالةُ أَلْفَاْظُ الْطَّبِيْعَةِ فِيْ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ اتَّصفتْ بمرونتها، لما لها من ظلالٍ إيحائيَّةٍ توشحتْ بها وأعطتها قيَّماً إضافيَّة، فهذهِ الدَّلالات في أَلْفَاْظِ الْطَّبِيْعَةِ فِيْ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ التقتْ مع بنيتها الصَّوتيَّة في تصوير المشاهد بدقةٍ متناهيَّةٍ، فضلاً عن أَلْفَاْظِ الْطَّبِيْعَةِ المتعلقة بالطبيعةِ الحيَّة جاءت تُحاكي أحداثاً سيقت في معرض العبرة للإنسان، فجاءت بها السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) بأسلوبٍ يُرادُ منهُ حث المؤمنين على الهدايَّةِ، وانذار المخالفينَ لوصية أبيها المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والغاصبين لحقها، وحق بعلها، فضلاً عن المنافقين، وتوبيخهم، وأَلْفَاْظُ الْطَّبِيْعَةِ بشقيها الجامدة، والحيَّة أخذتْ حيزاً ليس بالقليل فِيْ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ، فهي زخرت بقيمٍ دلاليَّةٍ متنوعة، وأشربها الْتَّعْبِيْرُ الْفَاْطِمِيِّ عواطف وأحاسيس نبعت من البعد الفنيّ، وطبيعة الْتَّعْبِيْرُ الْفَاْطِمِيِّ.


الْكَلِمَاْتُ الْمِفْتَاْحِيَّةُ: أَلْفَاْظُ الْطَّبِيْعَةِ، الْتَّعْبِيْرُ، فَاْطِمَةُ الْزَّهْرَاْءِ(عليها السلام).

Abstracts
The significance of natural utterances in Fatimid expression is characterized by its flexibility, due to its suggestive shadows that adorned it and gave it additional values. These significances in the natural utterances in Fatimid expression met with its phonetic structure in portraying scenes with infinite precision. In addition to the natural utterances related to living nature, they came to simulate events that will pass in the course of the lesson for man. Lady Zahra (peace be upon her) came with them in a style intended to urge believers to guidance, and warn those who oppose the will of her father Muhammad (may Allah bless him and his family), and those who usurp her right, and the right of her husband, as well as the hypocrites, and rebuke them. The natural utterances, in its inanimate and living aspects, took a not insignificant space in Fatimid expression. It was rich in varied semantic values, and Fatimid expression imbued it with emotions and feelings that stemmed from the artistic dimension, and the nature of Fatimid expression.

Keywords: natural utterances, expression, Fatima Zahra (peace be upon her). مقدّمة

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾
الحمدُ للهِ جلَّتْ أسماؤُه، وسمتْ أوصافُهُ، الذي علَّمَ الإنسانَ، وشرَّفَ العربيَّةَ بنزولِ القرآن، وأفضلُ الصلاةِ وأتمُّ التسليمِ على النَّبيِّ الأمينِ الذي فتحَ أبوابَ العلمِ والرَّحمةِ للعالمينَ، وعلى غصنِ دوحتهِ، وأوَّل مَنْ صَدَّقَ برسالتهِ، وعلى الصدِّيقةِ الزَّهراءِ البتولِ، وعلى الذُّريّةِ الطَّاهرةِ، مِنْ ولدِهم أجمعينَ.

أمَّا بعدُ...
الخطابُ الفاطميّ مِن الخطابات الخالدة، والبحثُ فيهِ من أشرف النِّعم التي يمكنُ أن يطويها الباحث ويضمها إلى سني عمرهِ؛ لأنَّ كلام السَّيدة الزَّهراء(عليها السلام) ميداناً خصباً للدراسة، وفضاءً رحباً للتنقير في مراميهِ، لما يحويهِ من عمق معرفيّ وجماليّ، بدءاً بلغتها التي أبهرتْ كلَّ ذي بيانٍ، وأسلوبها المتدفق بمعانٍ تُحركُ السَّاكن في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فضلاً عن سعةِ الأفق الدَّلاليّ فِيْ أَلْفَاْظِ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ بما يُذهلُ العقول النَّيرة، بعظيمِ إعجازهِ، وجميلِ نسجهِ، وعمق معانيهِ، وفيهِ مِن الإعجاز والبيان ما يسمحُ بتعدد الدِّراسة فيهِ، إذ يمكنُ أن تضاف إلى غيرها مِن الدَّراسات الفاطميَّة.

ولمَّا كان التَّعبيرُ الفاطميّ تعبيراً فنيّاً مقصوداً تخصصتْ الدَّراسة فِيْ أَلْفَاْظِ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ في الطبيعةِ بشقيها الجامدة، والحيَّة، وهذا ممَّا شكَّل لدى الباحث النَّظر والتَّأمل في الكون وعناصرهِ التي تتسمُ بالإبداعِ، والدِّقةِ المتناهيَّةِ، فبدتْ آيات ودلائل يمكنُ بوساطتها معرفة مواطن الجلال والجمال في التَّعبير الفاطميّ، فاتخذتُ منهجاً وصفيّاً تحليليّاً، ينطلقُ من المبتنيات الدِّلاليَّة والعقديَّة في كتب اللغة معتمداً لغة النَّص الفاطميّ، مبيِّناً سماته الفنيَّة والعقديَّة.
وجيء بهذه الدراسة لتصب في رافد من الروافد الدَّراسات الفاطميَّة التي تُعنى بالألفاظِ، وقد صنفت الدَّراسة إلى مبحثين سبقهما مقدمة، وتمهيد، وتلاهما خاتمة بأهم النَّتائج التي توصل إليها البحث، ثمَّ أعقبها ثبت المصادر والمراجع.

وأمَّا التَّمهيد فقد تناولتُ فيهِ مفهوم الطَّبيعة، واشتمل المْبَحْثُ الْأَوَلُ عَلَى الطَّبيعة الجامدة، إذ جاءَ فيهِ ثلاثة محاور: الأول: الطَّبيعة السَّماويَّة، والثانيّ: الطَّبيعة الحقيقيَّة، والثَّالث: الطَّبيعة الصِّناعيَّة، وعَرضتُ فِيْ المْبَحَثِ الْثَّاْنِيّ: الطَّبيعة الحيَّة، إذ جاءَ فيهِ ثلاثة محاور أيضاً: الأول: الإنسان، وما يتعلقُ بهِ، والثَّانيّ: الحيوانُ، وما يتعلقُ بهِ، والثَّالث: النَّبات، وما يتعلق بهِ.
وختاماً لا أزعمُ أنَّ هذهِ الدِّراسة خاليَة مِن الأخطاءِ، أو الهفوات، فهي عمل بشريّ ميزتهُ النَّقص والخلل، ولكنِّي حاولتُ جَهْدَي وبذلتُ ما استطعتهُ في سبيل وصل البحث على ما هو عليهِ، فإن أصبتُ فبفضلِ الله ومنَّهُ، وإن أخطأتُ فأرجو أن أكونَ متعلماً على سبيل النَّجاةِ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ الذي بنعمتهِ تتمُ الصالحات...

التَّــمْــهِــيْــدُ

مَفْهُوْمُ الْطَّبِيْعَةِ فِي اللُغَةِ وَالاصْطِلَاْحِ
أَوَلَاً: الْطَّبِيْعَةُ لُغَةً:
تكادُ تتفقُ المعجمات اللغويَّة على معنى الطَّبيعة بدلالاتٍ متعددةٍ هي: الخليقةُ والسَّجيَّةُ التي جُبِلَ عليها الإنسان[1]، وهي فعلية بمعنى مفعولة[2]، نحو: (جريح، وقتيل) أي المطبوعة والدَّليل على ذلك اشتقاقها من (طُبِعَ) المبني للمجهول، ويأتي الطَّبع بمعنى الفطرة والنَّشأة[3]، وبمعنى ابتداء صنعة الشَّيء تقولُ: طبعتُ اللبن طبعاً، وطبعتُ السيف طبعاً[4]، وقد يُعبرُ عن الطَّبع بالضَّربِ[5].

والطَّبعُ الختم: طبعتُ على الشَّيء ختمتهُ[6]، والختمُ التَّأثير في الطِّينِ وما اشبهُ، وهي كذا في القرآنِ الكريمِ: ﴿طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾[7]، وقال تعالى: ﴿خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾[8].

ثَاْنِيّاً: الْطَّبِيْعَةُ اصْطِلَاْحَاً: جاءَ هذا المصطلح في علومٍ عدةٍ منها:
1. مَفْهُوْمُ الْطَّبِيْعَةِ عِنْدَ الْفَلَاْسِفَةِ:
هو: "جملةُ الموجودات الماديَّة بقوانينها"[9]، وهي في الفلسفة اليُّونانيَّة تعني(الوجود المطلق)، أو العالم أو الكون الشَّامل لجميع المخلوقات الماديَّة مرتبطة بقوانين وجدت بوجودها تتمثلُ في الأجرام السَّابحة فوق رؤوسنا، والأجسام المضطربة من حولنا[10]، وما ترتبَ على ذلك يرجع الظَّواهر إلى الطَّبيعة ويستبعد أي مؤثر خارجيّ، وأصحاب هذا المذهب هم الدَّهريونّ، أو الطَّبيعيون المنكرون وجود الخالق، واعتقادهم بعبادة الطَّبائع الأربع الحرارة، والبرودة، واليُّبوسة، والرُّطوبة، وقيل الماء، والهواء، والنَّار، والتُّراب[11].

والطَّبيعةُ تنقسمُ عندهم إلى أحياء وجمادات، والأحياء أقسام عدَّة مختلفة الماهيَّة موزعة في ثلاث ممالك مملكة النَّبات، ومملكة الحيوان، ومملكة الإنسان الذي وإن كان حيواناً إلَّا أنَّهُ كان حيواناً ناطقاً.
وفي الفلسفة الإسلاميَّة دخلت العقيدة في مفهوم الطَّبيعة لديهم، فالمعتزلةُ يرونَ أنَّ الأجسام تتضمن شكلين وجوديين (كونياًعيانيا) وأن الانتقال من شكلٍ إلى آخر لا يتم إلَّا بتدخل من اللهِ (جلَّ اسمهُ) وأن الوجود التَّحويليّ لا ينفصل عن الوجود الألهيّ[12].
ويلتقي المعنى الاصطلاحيّ عند المناطقة الذين ذهبوا إلى أنَّ الطَّبيعة نسبة إلى الطَّبع بالمعنى اللغوي الذي ذكرنا المتمثل بالسَّجيَّة، أو الخلفيَّة التي تميِّزُ الإنسان وتحدد صفتهُ، نحو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يُطبَعُ المُؤمِنُ عَلى كُلِّ خُلُقٍ، إِلَّا الخيانَة وَالكَذِب»[13].

ومن الجدير بالذِّكر أنَّ مصطلح الطَّبيعة بما تعنيه «كلُّ ما يقعُ خارج الذَّات من الموجودات، وظواهر سماويَّة ليست من نتاج الجهد، أو الفكر الانسانيّ»[14] ظهر أولاً عند الفلاسفة، فكان محوراً أساسيّاً للفلسفةِ.

2. مَفْهُوْمُ الْطَّبِيْعَةِ فِيْ مَيْدَاْنِ الأَدَبِ:
لم تتخذ مفهوماً موحداً عند الأدباء وهي تعتمد في صورتها عند الأديب كما هي في الفلسفة الفنيَّة، أو ما يسمى (محاكاة الطَّبيعة) وكأنَّها كائن حيّ[15]، وقد يُسمى بالوصفِ[16] مع العلم أنَّ هذا الأمر ليس ببعيد في القرآنِ الكريمِ كما سيأتي هنا، والطَّبيعة في العلوم البحتة تعني المادة وعلم الطَّبيعة (الفيزياء) الذي يعني بالمادة من ناحيَّة القوة والطَّاقات والاهتزازات، والحالات التي تلازمها بغير النَّظر إلى تركيبها الكيميائيّ، أو إلى تبدلها ما خلا الانحلال الكهربائيّ، ويشمل أبواب الحرارة، والصَّوت، والكهرباء، والمغناطيسيَّة[17].

3. مَفْهُوْمُ الْطَّبِيْعَةِ فِيْ الْقُرْآنِ الْكَرِيْمِ:
لم يأتِ هذا اللفظ في القرآنِ الكريمِ ما خلا الجذر (طَبَعَ) ورد فيهِ بصيغ مختلفة، وهو لم يخرج عن دلالة الختم كما ذكرنا، ودلالة الضَّرب، والانغلاق، والتَّغطيَّة، نحو قولهِ تعالى:

1. ﴿وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ﴾[18].
2. ﴿بَل طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ﴾[19].
3. ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾[20].
4. ﴿وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾[21].
الْطَّبِيْعَةُ، وَأَقْسَاْمُهَا: إذا كان الإنسان يصطبغ شتى، ويتأثر بعواملٍ عدَّةٍ في حياتهِ، فإنَّ البيئة الطَّبيعيَّة في الصَّدارة منها، فالطَّبيعةُ ذات أثر واضح في الإنسان يتجلَّى، ويصدح في مفرداتها؛ لأنَّ اللغة وسيلة التَّفاهم، والإخبار والذين يعيشون في بيئة واحدة يتواضعون على كلمات خاصة نابعة من طبيعتهم، ويطلقون أسماء معينة على مسميات يعرفونها، فنجدُ ألفاظ الطَّبيعة الصَّحراويَّة تختلف عن ألفاظ الطَّبيعة الرِّيفيَّة، وهي الأخرى تختلفُ عن ألفاظ الطَّبيعة المدنيَّة[22]، أمَّا أقسام الطَّبيعة فقد اختلف دارسوها في تحديد أجزائها، وهي على العموم تشمل عالمين كما ذكرنا عالم الآثار العلويَّة، وعالم الآثار السُّفليَّة فما فوق الأرض يعني الهواء، والكائنات الجوية وما على وجه الأرض، نحو: الحجارة، والجبل، وما في باطن الأرض، نحو: المعادن وما يقابلها السَّماء والعالم[23]، وهي تقسم على أجسامٍ، وأعراضٍ، فالطَّبيعةُ انشقت شقين رئيسين حيّاً، وجامداً[24]، بقي أن نعرف ما يدخل ضمن كل منهما:

القسمُ الأولُ: الطَّبيعةُ الجامدةُ: وهي ما اشتملت على ذكرِ عناصرها وظواهرها، فالعناصرُ: ما اشتمل عليهِ هذا الكون من أرضٍ، وسماءٍ، وبحارٍ، وأنهارٍ...الخ، والظَّواهر: ما ارتبط بتلكَ العناصر ارتباطاً سببياً، نحو: السِّحاب، والمطر، والليل، والنَّهار...الخ، ويرتبطُ بهذا القسم ما يسمى بـ(الطَّبيعة الصِّناعيَّة)، وهي كلُّ ما كان من صنع الإنسان، نحو: القرى، والبيوت، والآبار، وغيرها.
القسمُ الثَّانيُّ: الطَّبيعةُ الحيَّةُ: وهي ما اشتملت على ذكرِ الإنسان، والحيوان، والنَّبات، وما يتعلق بهم.

المْبَحْثُ الْأَوَلُ: الْطَّبِيْعَةُ الْجَاْمِدَةُ
لقد تجلَّى ذكر الطبَّيعة الجامدة في تعبيرِ السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) على أروعِ الصُّور الفنيَّة، والتَّعبيرات الموحيَّة، فالطَّبيعةُ تحزن، وتتألم، وتتفاعل مع الأحداث والوقائع، فكأنَّها حيَّة مُدرِكة، فضلاً عن أنَّها تُشعِرُ بالقدرةِ الإلهيَّة التي توقظُ الانسان من سُباتهِ لتدُّله على خالقها وجميل مُصورها،وتُقسَمُ إلى قسمينِ هما:

1. الْطَّبِيْعَةُ الْسَّمَاْويَّةُ، وَمَاْ يَتْعَلَقُ بِهَاْ:
أ. عَنَاْصِرُهَاْ:
1. الْشَّمْسُ: هي من أعظم الأجرام السَّماويَّة، وهي كالملك بين الكواكب، وسائر الكواكب كالأعوان والجنود، ومن لُطف الله تعالى أنْ جعلها في وسط الكواكب؛ لتبقى الطَّبائع والمطبوعات بحركتها على حدِّها الاعتياديّ[25].
ولقد ورد ذكرها عند السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) في عدَّة مواضع حاملة الكثير من الدَّلالات بحسب السِّياق الذي وُضِعت فيهِ فمن ذلك:

❁ تفاعلها مع الحزنِ الذي أصاب الأمة بفقدها نبيها الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كُسِفت، فكأنَّها قد ارتدت السَّواد معلِنة بذلك الحداد، إذ تقولُ (عليها السلام): “وكُسِفَتْ الشَّمسُ... لمُصيبتِهِ”[26].
❁ استدلال السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) بها في وضوح معرفتها عند الأمة، وأنَّها الخير والعطاء الكثير؛ ولذا سُمِّيَت بالكوثر[27]، وأنَّها الرَّحمة المهداة من الخالق تعالى إلى البشريَّة جمعاء، ولولاها لعاشت في ظلمة حالكة، إذ تقولُ (عليها السلام):« بَلى، قَدْ تَجَلّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضّاحِيَةِ أنِّى ابْنَتُهُ»[28].
❁ دلالاتها على الحرارة الشَّديدة وقربها من الخلائق في ساحة المحشر وزيادة حرارتها، فيصاب النَّاس بالحر والعطش الشَّديدين، ولذا سُمِّيَ ذلك اليوم، بـ(يوم العطش الاكبر)، تقولُ (عليها السلام): “ اللهمَّ إذا دَنَتْ الشَّمْسُ منْ الجَمَاجِم، فكانَ بينَها وبينَ الجَماجِم مِقْدارَ مِيْلٍ، وزِيْدَ فِي حَرِّها حرَّ عَشْرَ سنِيْن”[29].

2. الْقَمَرُ: ورد ذكرهُ ملازماً ذكر (الشَّمس) إذ خُسِفَ لفقد النَّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما كُسِفت الشمس، وعبَّرتْ عنهما بالكسوف من باب التَّغليب، إذ تقولُ (عليها السلام): “وكُسِفَتْ الشَّمسُ والْقَمَرُ”[30].

3. الْنُّجُوْمُ: نجَمَ الشَّيء، طلع وظَهَر، وكل ما طلع وبان سمِّيَ نجْماً[31]، والنُّجوم، هي الأجرام السَّماويَّة، التي تُشاهَد ليلاً في جوِّ السَّماء، ذكرتها (عليها السلام) وهي حاملة صفة الانتثار؛ نتيجة لفقد سيد البشريَّة أبوها محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ تقولُ (عليها السلام): «وانْتَثَرَتِ النُّجومُ لِمُصِيبَتِهِ»[32]، والنَّثر هو رمي الشَّيء متفرقاً، وتأخذ السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) هذا المعنى لـ(النَّجم) وهو الطُّلوع والظُّهور، لتوظِفهِ لصورة خروج صاحب الفتنة والإشراك ومروِّجِهما (الشَّيطان) عليهِ لعائن الله، إذ تقولُ (عليها السلام): «﴿كُلَّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللهُ﴾[33]، أوْ نَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطان»[34]، وفُسِّر (قرن الشَّيطان) بقوتهِ، أو متابعيهِ، وامَّتهِ[35].

ب. ظَوَاْهِرُهَاْ:
1. الْرِّيَاْحُ: الرَّيْحُ هو: نسيم الهواء، وجمعُها رِيَاحٌ وأرْياحٌ، وقد تُجمع أرْواحٌ؛ لأنَّ أصلُها الواو، وإنَّما جاءت بالياء؛ لانكسار ما قبلها، وإذا رجعوا إلى الفتح عادت إلى الواو، كقولنا: أرْوَحَ الماءُ، وتروَّحْتُ بالمِروَحَةِ[36]، وتحْمِلُ الريحُ في تعبير السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) معنيين:

أ. فقد تحمل معنى الخَيْر والرَّحْمَة وتسمَّى حينئذٍ بـ(الرِّياح)؛ لأنَّ لفظ الرِّيحُ تكون بمعنى الغَلَبَة والقُوَّة، وعكْسها (الرِّياح)، لِذا جاءت السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) بلفظ (الرِّياح) موصوفة بـ(اللواقح)، وهي التي تُلْقِحُ الأشجار[37]، فلو كانت شديدةً قويَّةً ما كانت لِتُلقِح، تقول (عليها السلام): «الحَمْدُ للهِ الذي بِكَلِماتِهِ... جَرَتْ الرِّياحُ اللوَاقِح»[38]، واستُعْمِلَ معها الفعل (جرى) وفيه معنى الطمأنينة والهدوء[39].

ب. وقد تحمل معنى القوَّة والعذاب، وتسمَّى عندئذٍ بـ(العواصف، والقواصف)[40]، وريحٌ عاصِف، شديدة الهُبُوب، ومنهُ قولهُ تعالى: ﴿فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا﴾[41]، أي الرَّيح إذا اشتدَّ هبوبها، وريحٌ قاصِفٌ، شديدة تُكسِّر ما مرَّت به من الشَّجَر، ومنهُ قولهُ تعالى: ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ ٱلرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾[42]، وقيل: إنَّ «الرِّياح ثمان: أربعٌ عذاب، وأربعٌ رحمَة، فأمَّا الرَّحمة، فالنّاشرات، والذَّاريات، والمُرْسَلات، والمُبَشِّرات، وأمَّا العذاب، فالعاصِف[43]، والقاصِف وهما في البحر، والصَّرصّر[44] والعقيم وهما في البَرِّ»[45]، وفي هذا السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) في دعائها على أعدائها: «سَلِّطْ عليهِمُ العَواصِف والقَواصِفَ أبداً حتَّى تُصْلِيَهم النَّار»[46].

2. الْسَّحَاْبُ: جمع سَحابَة، وهي التي يكونُ عنها المطر، وسُمِّيّت بذلك؛ لانسِحابِها في الهواءِ، والجمع سحائبٌ وسَحابٌ وسُحُبٌ[47]، وقد وردت بلفظها في تعبيرها (عليها السلام)، وذلك بقولها: «الحَمْدُ للهِ الذي بِكَلِماتِه... سارتْ في جَوِّ السَّماءِ السَّحابُ»[48].
وقد تطلق لفظ (الغمام) على السَّحاب إذ السِّياق يقتضيها، فمعنى الغمام، السَّحاب الذي لا فُرجَة فيه، وهو الغيم الأبيض، ومنهُ قولهُ تعالى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ، وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾[49]، وإنَّما سمِّيَ غماماً؛ لأنَّه يغمُّ السماءَ، أي يسترها[50] تقولُ السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) داعيةً ربَّ العالمين بأنّ يُظِلُّ المؤمنين بالغمام عند اقتراب الشَّمس من الخلائق يوم المحشر: «فإنَّا نَسْأَلُكَ أنْ تظِلَّنا بالغَمَامِ»[51]، وقد يكون التعبير مجازياً، والمقصود بهِ الرَّحمة والمغفرة والرِّضوان، والتَّظليل بمعنى ستر الذُّنوب وتغطيتها.

3. الْمَطَرُ: الماء المُنْسَكِب من السحَاب، والجمع، أمطار[52]، لم يرد في التَّعبير القرآني إلَّا في موضع العذاب فمن ذلك قولهُ تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ﴾[53]، تقول (عليها السلام): «تباركْتَ يا مُحْصِي قَطْرَ المَطَر»[54]، وقد يأتي التَّعبير عنْه بلفظ (الطَّرْق) وهو ماء السَّماء الذي تبول فيهِ الإبل وتبْعَرُ[55]، في سياق تعبيرها عن فقر المشركين وذِلَّتهم في الجاهليَّة تقولُ (عليها السلام): «تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْقَدَ والْوَرَقَ»[56]، فكأنَّها قالتْ (عليها السلام) الماء الذي كنتم تشربونه هو الماء المتجمع في المستنقعات والحفائر تدخلها الحيوانات، وتبول فيها الإبل، مع العلم أن النفوس الشريفة تستقذر هذا الماء وتمجه، ولا ترضى به، ولكنه الجهل، والإحساس بالنقص، والخضوع للمذلة والهوان، كأنهم لم يعرفوا حفر الآبار، أو تفجير العيون، أو إيجاد القنوات تحت الأرض ولا تسأل عن مضاعفات هذه المياه وتلوثها بأنواع الجراثيم والميكروبات، وكان قوتكم وطعامكم من القد وهو اللحم أو الجلد اليابس وأوراق الأشجار، فالأراضي الواسعة الشاسعة قاحلة جرداء، لا ضرع فيها ولا زرع ومفهوم الزراعة غير موجود عندكم[57]، وبعد كلّ هذا «أنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بأبي مُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله وسلم)» [58]، فهو المنقذ الأعظم والمصلح الأكبر الذي أنقذ العباد من تلك الحياة التي كانت تشبه الجحيم، وأصلح البلاد من تلك المفاسد والويلات والمصائب وأحدث انقلاباً في العقائد والنفوس والأخلاق والعادات، ولم تتحقق أهدافه إلَّا «بَعْدَ اللُتَيَّا والَّتي»[59].

2. الْطَّبِيْعَةُ الْاَّرْضِيَّةُ، وَمَاْ يَتْعَلَقُ بِهَاْ:
وتشملُ الطَّبيعة الحقيقيَّة التي لم يتدَخَّل الإنسان في إنشائها وتكوينها، والطَّبيعة الصِّناعيَّة التي للإنسان يدٌ في تركيبها وتكوينها.

أ. الْطَّبِيْعَةُ الْحَقِيْقِيَّةُ:
1. الْأَرْضُ: ورد ذكرها في تعبيرها (عليها السلام) في محورين:
الأولُ: مرحلة التَّكوين، والإنشاء تقول (عليها السلام): «الحَمْدُ لله سامِك السَّماءِ وساطِح الأرضِ»[60]، ومعنى السُّطوح، الانبساط ومنهُ سمِّيَ القتيلُ مسطُوحاً وسطيحاً[61]، ثمَّ إنَّها (عليها السلام) تصفُ الأرض بأنَّها قدْ مُهِّدَت وهُيِّأت لخدمة الإنسان، إذ تقولُ (عليها السلام): «الحَمْدُ لله الذي بِكَلِماتِه قامَتْ السمواتُ الشِّداد، وثُبِّتَتْ الأرضون المِهاد»[62]، المِهاد، الفراش، ومَهَّدتُ الفراشَ مهْداً، بَسَطتُه، والمُهْدة من الأرض ما انخفض في سهولة واستواءٍ، ومنهُ مَهْدُ الصَّبيّ، موضعه الذي يُهَيَّأُ له ويُوَطَّأُ لينامَ فيه[63]، وتعبِّر عن باطن الأرض وقعرها بـ(الغَوْر) الذي يجري فيه الرِّياح والماء والنَّار، إذ تقولُ (عليها السلام): «ومُجْري الرياحَ والماءَ والنَّارَ من أغوارِ الأرض مُتَصاعِداتٍ في الهَواءِ»[64].

الثَّانيّ: مرحلة ما بعد التَّكوين والانبساط: فنرى الأرض تحزن وترتدي السَّواد حُزناً وحداداً لفقد سيِّدِها الرَّسول الأعظم محمد (صلى اللهُ عليهِ وآلهِ)، إذ تقولُ (عليها السلام): «وأظلمتْ الأرضُ لغيبتِهِ»[65]، فمن الطبيعيّ أن تحزن وتظلم؛ لأنَّ الذي فُقِدَ هو الرَّسول الأعظم الذي كان نوراً تستضيء به الأرض ومن عليها وبوفاته أظلمت الأرض، ونجد في القرآن آيات كثيرة تعبر عن رسول الله له بالنور كقوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾[66]، والأرض مخلوقة للبشريَّة جمعاء، فلكلِّ واحِدٍ منهم حُصَّة فيها، وحُصَّة الزهراءِ(عليها السلام) أن ترزقَ قطعة أرض تُدفَن فيها، وفي ذلك درس أخلاقي في الزُّهد عن ملاذّات الدنيا الفانيَّة، إذ تقولُ(عليها السلام): «ثُمَّ ارزُقْنِي في خُطَّتي من الأرْضِ حُصَّتي، موضعَ جنْبِي حيثُ يَرفُثُ لَحْمي، ويُدفَنُ عظْمِي»[67]، ونُلاحظُ هنا فنياً جماليَّة الجناس بين لفظتي (خُطَّتي، حُصَّتي) وما أثارتْهُ من نغمٍ موسيقيٍ هادئ حزين فضلاً عن غَلَبة الأصوات المهموسة (الحاء، والتَّاء، والفاء) وكأنَّ الحُزن بلغ ذروته من الإعياء والتَّعب، ومن مظاهر يوم القيامة انشقاق الأرضِ؛ لتُخرج ما في باطِنها من الخلائق فيُبْعَثُوا ليُحاسَبوا، إذ تقولُ (عليها السلام): «ثمَّ بارِكْ لِي في البَعْثِ والحِسابِ، إذا انْشَقَّت الأرضُ عنِّي، وتَخَلَّى العِبادُ منِّي»[68].

2. الْجِبَاْلُ: تقولُ (عليها السلام) في مرحلة تكوينها: «وانتصَبتْ الجِبالُ الرَّواسيّ الأوتاد»[69]، ومعنى الانتصاب، هو وضْعُ الشَّيءِ ورفْعُه وجعلُه علَماً[70]، ووصفُها بالرَّواسي فيهِ دلالة على ثباتِها ورسوخها في الارض[71]، وقد تُجْمَع (راسيات)، نحو قولها (عليها السلام): «وبِعِزَّتِهِ استَقَرَّتْ الرَّاسيات»[72]، فضلاً عن أنَّها موتَّدَةٌ في الأرضِ، أي ثابتةٌ[73].
وقد يُنْسَبُ الخشوع الى الجبالِ مجازاً[74]، نحو قولها (عليها السلام) في وفاة أبيها(صلى الله عليه وآله وسلم): «وخَشَعَتْ الجبالُ، وأُضِيع الحريمُ، وأزيلت الحُرْمَةُ عنْدَ ممَاتْهِ»[75]، ومعنى خشوع الارض، تطامِنُها، فيقال: طَامَنَ ظهره، إذا حنى ظهره، وطأمَنَ الشَّيء، سكَّنَه، ومنهُ الطَّمأنينة، أي السُّكون[76]، والمعنى أنَّ الجبال قد انحنت خشوعاً وسكنت حزناً لرحيل النَّبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

3. الُبِحَاْرُ: تقولُ (عليها السلام): «الحَمْدُ لله الذي بكلماتِهِ... وقفت على حُدُودِها البحارُ»[77]، إنَّ من عجيب صنع الخالق تعالى أنْ جعل حدَّاً للماء لا يتجاوزه ويتعدّاه، فانحسر بذلك عن بعض وجه الأرض، ولولا ذلك لكان الماءُ لابِساً لوجه الأرض، ولكانت الارضُ في وسطه شبيهةً بمُحِّ البيض، والماءُ حولَها بمنزلة البياض[78]، فحصرَ الله تعالى بقدرتهِ البحار في حدٍّ لا تتعداه تقولُ (عليها السلام): «الحَمْدُ للهِ... حَاصِرِ البِحار»[79].

ممَّا تقدَّم نُلاحظُ أنَّ ثمتْ علاقة الاشتمال بين الوحدات اللغويَّة (الارض، والجبال، والبحار)، والمُتَضَمِّن الأعلى (الطبيعة، والارضيَّة، والحقيقيَّة)، وكذلك نُلاحظُ علاقة التَّرادف الجزئيّ بين الوحدات اللغويَّة (الرَّواسي، والأوتاد، والانتصاب).

ب. الْطَّبِيْعَةُ الْصَّنَاْعِيَّةُ:
1. الْبَيْتُ: يُطلق على البناء الضّخم المُرَوَّق، وبيت الرجُلِ، دارُهُ، وسمَّى الله الكعْبَة بـ(البيت الحرام)[80]، تقول (عليها السلام): «اللهمَّ ربَّ البيت الحَرْامِ... أبْلِغْ روحَ محمدٍ مِنَّا التّحيَّة والسَّلام»[81]، وسُمِّيَ بالحرام؛ لأنَّ الله حرَّمَه وعظَّمَه وحرَّمَ القتال والاصطياد عِنده[82]، وتُسمِّيه (عليها السلام) في موضعٍ آخر بـ(الدَّار)، وذلك بقولها: «فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ»[83]، ما أروع هذه الكلمة وما أحسن هذا التعبير الراقي إذ أنها ما قالت(عليها السلام): فلما مات النبي، بل قالت: «فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ»، وهي الدرجات العلا في الجنة، فهناك الأنبياء، وهناك «مَأْوى أصْفِيائِهِ»، والدَّار، اسم جامعٌ للعَرَصة والبناءِ والمَحَلَّة، وكلُّ موضعٍ حلَّ به قومٌ، فهو دارُهم، وسُمِّيَت بذلك لكثرة حركات النَّاس ودورانهم فيها، والجمع دُورٌ، وأدْوُرٌ، وأدؤُر[84]، والآخرة دار البقاء والخلود، ودار الأنبياء الجنَّة، تقول (عليها السلام): «وإلى دارِ السَّلام فاهدني»[85]، والدنيا دارُ الفناء، قول (عليها السلام): «فمحمدٌ (صلى الله عليه وآله وسلم) من تعب هذهِ الدَّار في راحةٍ»[86].

و(المأوى)، المَرْجِع، وأوى الى اللهِ، رجع إليهِ[87]، ومنهُ قولهُ تعالى: ﴿عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ﴾[88]، أي الجنَّة التي يأوي إليها المؤمنونَ، والأصفياء، والمرادُ بها هنا جنَّة الآخرة.
وتقولُ (عليها السلام) في القرآنِ الكريمِ: «يهتِفُ في أفْنِيَتِكم هتَافاً»[89]، و(الفِنَاء)، سَعَةٌ أمام الدَّار، أو ما أمتدَّ من جوانبها، والجمع أفْنِيَةٌ، وسمِّيَت بذلك؛ لأنَّك إذا تناهيت الى أقصى حدودها فَنِيْتَ[90].
وتقولُ (عليها السلام) في صاحب الفِتنةِ: «فخَطَرَ في عَرَصاتِكُم»[91]، و(العرصة)، هي كلُّ بُقعَةٍ بين الدُّور واسعةٍ ليس فيها بناء، وعرصَة الدارِ: وسطُها، وقيل هو موضعٌ واسعٌ لا بناء فيهِ، وسمِّيَت بذلك لاعْتِرَاص الصبيان فيها[92]، والمراد بقولها(عليها السلام): أي مشى ذلك البعير مشية المعجب بنفسه، مشية الكبرياء والغرور، وكلها كنايات عن ظهور النفاق الكامن في الصدور، وبروز النزعات والاتجاهات التي كانت مختفية في عصر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وانقلاب الضعفاء العجزة أقوياء.

2. الْصَّيَّاْصِيُّ: وهي الحصون، وكل شيء امتُنِعَ به وتُحُصِّنَ به، فهو صيصة، شبَّهت الرماح التي تُشرَع في الفتنة وما يشبهها من سائر السلاح بقرونِ البقر وهي مجتمعة، وربَّما كانت تُرَكَّب في الرِّماح مكان الأسِنَّة[93]، تقول (عليها السلام) داعيةً على أعدائها: «اللهمَّ وأعدائي ومنْ كَادَنِي بِسوءٍ... أنزِلْهُم منْ صَيَاصِيهِم، أمْكِنَّا منْ نواصيهِم»[94]، وقد يكون هذا الحصن الذي أشارت اليهِ السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) مجازياً لا حقيقيّاً، بمعنى الغطاء والسِّتار من بِدعٍ وغيرها التي تسَستَّروا خلفها، فأصبحت كأنَّها حصنٌ تمترسوا خلفهُ، واقٍ لهم من نِقمة الأمة عليهم، فتطلبُ (عليها السلام) من اللهِ تعالى أن يُعريَهم منها لكي يستبين أمرهم للعامة وليُفْضَحُوا على حقيقتِهم، وليعودَ الحقُّ الى أهلِه، ولعلَّ هذا الأمر هو ما عَنَتْه (عليها السلام) بقولها (أمكنَّا من نواصيهم).

المْبَحْثُ الْثَّاْنِيُّ : الْطَّبِيْعَةُ الْحَيَّةُ
يتمحورُ هذا المبحث على ثلاثةِ محاورٍ هي:
المحورُ الأولُ: الْإِنْسَاْنُ وَمَاْ يَتْعَلْقُ بِهِ: وتشملُ على ثلاثةِ مطالبٍ هي:
المطلبُ الأولُ: الألفاظُ الدَّالةُ على الجماعةِ: وهي على قسمين:
1. الألفاظُ الدَّالةُ على العمومِ:
أ. الأُمَمُ: جمع أُمَّة، وهي الطَّريقة والدِّين[95]، والمقصود بالأمم، الملل المختلفة من اليهود والنَّصارى والمجوس وغيرهم، ومنهُ قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾[96]، أي خير أهل طريقة ودين أظهرها الله للناس[97]، ولم ترد لفظة (أُمَّة) في تعبير السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) إلَّا جمعاً، نحو: قولها (عليها السلام) في بِعثةِ النَّبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم): «فَرَأى الأُمَمَ فِرَقَاً في أدْيَانِها»[98]، أي كانوا متفرقين؛ فكلُّ أُمَّة تتبع طريقةً وشريعةً للعبادة تختلف عن غيرها، وتقولُ (عليها السلام) في مدح جِهادِ الأنصار: «وناطَحْتُم الأُمم، وكَافَحتُم البُهَم»[99]، ومعنى ناطحتم، من تناطحت الكِباش، أي تضارَبَتْ بقرونِها[100]، والمناطحة هنا كناية عن المجاهدة، والقتال الشَّديد.

ب. الْخَلَاْئِقُ: جمع خليقة، يُقال: هم خَلِيْقةُ الله، وهُمْ خَلْقُ الله أيضاً[101]، تقولُ السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) في زمن اختيار الرَّسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذْ الخَلائقُ بالغيبِ مَكْنُونَة، وبسِتْرِ الأهاويل مصُوْنَة، وَبِنِهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالى بِمآيِلِ الأُمُور»[102]، والمراد بكونِها مكْنُونَة، مَسْتُورَة، ومنه الأكِنَّة، الستر والغطاء والحجاب، نحو: قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾[103]، والمراد بهذا النص الشريف: إنَّ الله تعالى اصطفى محمداً واختاره واجتيله في الوقت الذي كانت الخلائق وهم الناس غير موجودين بل كانوا في الغيب مختفين مستورين، أي كانوا في علم غيب الله، وما كان لهم وجود في الخارج بحيث ما كان يمكن إدراكهم، فالخلائق كانت بعيدة عن الوجود أي كانت معدومة، فمن ذلك الوقت اختار الله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بسببب علمه بعواقب الأمور وما ترجع إليه الأمور، كان الله يعلم عواقب البشر، وعواقب حالاتهم وشؤونهم، وعواقب رسالة النبي وبعثته، ومواهبه وكفاءته للرسالة بسبب اتصافه بالأخلاق الحميدة والصفات الجميلة، ولهذا اختاره للرسالة من ذلك الوقت، وقد صرحت أحاديث كثيرة جداً مروية عن رسول الله: أن أول ما خلق الله نور نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهكذا قوله: «إنَّ الله خلق نوري ونور علي قبل أن يخلق آدم أو قبل أن يخلق السماوات والأرض باثنتي عشر ألف سنة أو أربعة وعشرين ألف سنة»[104]، وتقولُ (عليها السلام) في عدالة ربّ العالمين في قِسمته الأرزاق بينهم: «وقسَّمْتَ الأرزاقَ بينَ الخلائقِ، فسوَّيتَ بين الذّرَةِ والعُصْفور»[105].

ج. الْعِبَاْدُ: جمع العَبْد، وهو الإنْسان حُرَّاً كان أو عبْداً ، يُذهَبُ بذلك إلى أنَّهُ مربوبٌ لباريه جلَّ وعزَّ[106]، تقولُ (عليها السلام) مخاطبة القوم: «أنْتُم عِبَادُ اللهِ نُصُبُ أمرِه ونَهْيِه[107]، ومعنى (نُصُب)، من نصبْتَ الشيءَ، إذا أقمتَهُ ورَفَعْتَهُ[108]، والنُصُب: الشَّيء المرتفع المنصوب، نحو: العلم مثلاً، ومعنى (نُصُبُ أمرِهِ)، أي أنتم الأجدر بتطبيق أوامر الله تعالى والانتهاء عن نواهيه، ومعنى إقامة الشيء، الإتيان به على أكمل وجه، ومنه إقامة الصلاة، أي الإتيان بها تامَّة الاجزاء والأركان.

د. الْبَرِيَّةُ: هي الخلْقُ، وأصلُه الهمز؛ إذا أُخِذَ من برأه الله يَبْرَؤُه، أي خَلَقَه، وهي لا هَمزٍ؛ إذا أُخِذَ من براهُ الله يَبْرُوه بَرْواً والجمع البرايا والبريَّات من البَرَى، أي التُراب[109]، تقولُ (عليها السلام) في عِلَّة بِعْثة النَّبي محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «وتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِه»[110]، وأشارت بلفظ التعبُّد وخصَّته بالبرية، إشارة الى ما أودعه الله تعالى فيهم من فطرة نقيَّة، فلو خُلِّيَ الإنسان وفطرته لتوجه بالعبادة لخالقه.
هـ. الْنَّاْسُ: مأخوذ من ناسَ الشيءُ ينوسُ نوساً، أي تحرَّكَ وتذبذبَ[111]، وقد يكون مأخوذاً من (النَّس)، وهو السَّوق الشَّديد[112]، وعلى كلا المعنيين فإنَّ لفظة (النَّاس) تدُّل على الحركة والسُّرعة والاضطراب، تقولُ (عليها السلام): «أيُّها النَّاس اعْلَمُوا: إنِّي فاطِمَةٌ وأبي مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم)» [113].

2. الألفاظُ الدَّالة على الخصوصِ:
أ. النُّخْبَةُ: وهي خيار القوم وخاصَّتهُم[114]، تقولُ (عليها السلام) في الأنصارِ: «والنُّخْبَة التي انْتَخَبَتْ، والخِيَرَة التي اُختيرَت لنا أهلَ البيت»[115]، ومعنى (الخِيَرَة)، المختارون من قِبل الله تعالى والمصطَفَون، مأخوذ من الخيرِ[116].
ب. الْعَرَبُ: جيلٌ من النَّاس معروف من ولد إسماعيل النَّبي (عليه السلام)، خلاف العجم، والأعرابي: البَدَوِي، وهم الأعراب، فمن نَزَلَ الباديَة، وجاورَ البادِينَ، وظعَنَ بِظعْنِهِم، فهو أعرابي، ومن استوطَنَ المُدُن والقُرى العربية، فهو عَرَبي، فلا يُقال للمهاجرين والأنصار أعرابٌ؛ إنَّما هم عربٌ؛ لانَّهم استوطنوا القُرى العربية، وسكنوا المُدُن[117]، والأعراب أشدُّ كفراً ونفاقاً كما وصفهم الله تعالى[118]؛ وذلك «لِبُعْدِهم عن المدينة والحضارة، وحرمانهم من بركات الإنسانية من العالم والأدب أقسى وأجفى، فهم أجدر وأحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله من المعارف الأصلية والاحكام الشرعية من فرائض وسنن وحلال وحرام»[119]، ولم تردْ مفردة (العرب) في تعبيرها (عليها السلام) إلَّا في سياق الذَم والهجاء، فمن ذلك قولها (عليها السلام) تَصِفَهم بالذئاب الشَّرِسِة؛ وما ذلك إلَّا لقَسْوَتِهم وخُبْثِهِم: «وذؤبانِ العَرَب»[120]، وفي موضِعٍ آخر تمْتَدِحُ الأنْصارَ لمُقاتَلَتِهم العرب: «قَاتَلْتُم العَرَب، وتَحَمَّلتُم الكَدَّ والتَّعَب»[121]، فهي (عليها السلام) توجِّه خطابها للأنصار، وهم عربٌ، فما معنى مقاتَلَتِهم للعرب؟!، يظهر بأنَّها قَصدَتْ جِنساً خاصاً منهم، لا عمومهم، ولعلَّها أرادتْ بالعربِ، الأعراب المعروفين بِشِدَّتهم وقسوتهم.
ج. المَعْشَرُ والمَعاشِرُ: المَعشَر، النَّفَر والقوم والرَّهْط، وكلُّ جَماعةٍ أمرُهم واحد[122]، تقولُ (عليها السلام) مخاطبة الأنصار: «يا مَعْشَرَ النَّقيبَة»[123]، والنَّقيب، عريف القوم وشاهِدُهم وضَمِينُهم، ومَعاشِر: جماعات النَّاس[124]، وهي جمع (مَعْشَر) ويظهر بذلك اختلاف أفكارهم وآرائهم وما يؤمنون به؛ لذا تُخاطِبُ الزَّهراء (عليها السلام) المُسلمين بلفظة (معاشِر)؛ لأنَّهم جماعات مُشَتَّتة ومُتَفرِّقة، تقولُ (عليها السلام): «معاشِرَ المُسلِمين، المُسْرِعَة الى قِيْلِ الباطِل، المُغضية على الفِعْلِ القبيحِ الخَاسِر»[125].

الموازنة بين الوحدات اللغويَّة الواردة في هذهِ المجموعة:
❁ الفرق بين النَّاس والخَلْق: النَّاس مأخوذة من الأُنس، وهو خلاف الوحشة، أي أنَّ بعضهم يأنس ببعض، وهي جمع لا مفرد لها من لفظها، أمَّا الخَلْق: فهو مصدر سُمِّيَ به المخلوقات، من الجماد والحيوان والإنسان والنبات .
❁ الفرق بين المعشر والمعاشر: أنَّ الأولى للجماعة المُتَّحِدَة الفكر والعقيدة والرؤى، والمعاشر، الجماعات المختلفة، التي قد تربطها روابط مشتركة، إلا إنَّ التناحر والتخاصم، هي السِّمة الغالبة عليها.
❁ الفرق بين البريَّة والنَّاس: أنَّ البريَّة، من برأ الله الخلقَ أي ميَّزَ صورهم، أمَّا (النَّاس) عامَّة لا تمييز فيها[126].
❁ بين النُّخبة والمعشر علاقة اشتمال، فكل نُّخبة هم معشر، وليس كل معشَر نُخبة.

المطلبُ الثَّانيّ: الألفاظُ الدَّالةُ على القرابةِ:
أ. الْأَبُ: ذكرت السَّيدة الزَّهراء(عليها السلام) في خطابها لفظة(أبي) ثمان مراتٍ، حمَلَتْ عِدَّة دلالاتٍ في:
قولها(عليها السلام): « وأشهَدُ أنَّ أبي مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) عبدُهُ ورسُولُه»[127].
قولها(عليها السلام): «فأنارَ الله بأبي مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ظُلَمَها»[128].
قولها(عليها السلام): «صلَّى اللهُ على أبي نَبِيَّهُ وأَمِيْنَهُ عَلى الوَحي»[129].
قولها(عليها السلام): «إنِّي فاطِمَةٌ وأبي مُحَمَّدٌ (صلى الله عليه وآله وسلم)» [130].
قولها(عليها السلام): «فإنْ تعْزوهُ وتَعْرِفوهُ، تَجِدُوهُ أبي دُونَ نِسائكُم»[131].
قولها(عليها السلام):»سُبْحانَ الله، ماكانَ أبي رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كِتابِ الله صادِفاً»[132].
قولها(عليها السلام): «هذا ابن أبي قُحَافَة يبْتَزُّنِي نِحْلَة أبي»[133].
قولها(عليها السلام): «شكواي إلى أبي، وعدواي إلى ربِّي»[134].
لقد كررت السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) ذكر أبيها بإضافته لياء المتكلم؛ لأسباب كثيرة ودواعٍ جليلة منها:
التِّكرار من باب الاستئناس، فللعلاقة الوطيدة التي تربطها بالنَّبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولفقدِها إياه، وجدت (عليها السلام) في تكرار ذكره أُنساً وسروراً لقلبها الحزين.
الشعور بالغبن والجحد والظلم الذي وَقعَ على البيت العلوي بالاجتراء عليه، وحرمانه من حقوقه المشروعة[135]، وهو ما بيَّنتْه (عليها السلام) في المقطع الأخير علانية عند مخاطبتها لأمير المؤمنين (عليه السلام).
تذكير القوم بفضل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم، وإنقاذِه إياهم من الظلم والفساد والرذيلة.
التعالي على المصالح الدنيوية الضَّيِّقة، والإبحار في أفق واسع أرحب، متمثِّلاً بعُظمِ المُصيبة، والفاجعة الأليمة، التي حلَّت بالأُمَّة؛ لفقد نبيها وانقطاع الوحي، وتنبيه الامة الى خطورة ما أقدموا عليه .
التَّشَرُّف بذكرِه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكفاها شرَفاً وفخراً وسمُوَّاً أنَّها ابنته وبضعته وحبيبته، تقولُ (عليه السلام): «ولَنعْمَ المعْزى إليه (صلى الله عليه وآله وسلم)» [136].

الترابط الروحي بينهما، وإشعار الأُمة بالحضور النبوي من خلالها، يظهر ذلك من خلال النَّسب الشريف الذي كررته،وفيما نقله لنا أرباب التأريخ بكيفية خروجها الى المسجد، وطريقة مِشيتها(عليها السلام)؛ إذ عُبِّر عنها بـ «تطأ ذيولها ما تَخرم مِشيَتُها مِشيَة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» [137].
ب. الْأَخُ: أطلقت السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) لفظ (الأخ) في خطابها، على العلاقة والرابطة القائمة بين الإمام علي (عليه السلام) والرَّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولعلَّها بذلك أرادت تذكير الأمَّة بـحادثة (المؤاخاة)[138] وحديث المَنزلة[139]، وفيهما كان لعلي(عليه السلام) من الميزات ما لم يكن لغيره، فإذا أقرت الأُمة بذلك، كان ردعاً لها لما أقدمت عليه، من ظلمٍ واعتداءٍ على منزلته السَّاميَّة.

لقد ذكرت السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) لفظة (الاخ) في موضعين، وفي كلِّ مرَّةٍ حمل دلالةً مُختلِفة:
❁ الموضع الأول: تقول (عليها السلام): «كلَّما أوقدوا ناراً للحَربِ، أطْفَأَهَا الله، أو نَجَمَ قرْنُ الشَّيْطان، أو فَغَرَتْ فاغِرةٌ منَ المُشْرِكين، قَذَفَ أخَاهُ في لهَوَاتِها»[140]، وهنا تُقَدِّم ذِكر النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتُنسِب علياً (عليه السلام) له، والضَّمير يعود الى عليٍّ (عليه السلام) كما هو واضح، ويبدو أنَّ علةَ ذلك راجعةٌ الى المقام والسياق الذي وردت فيه؛ فالموقف موقفُ حربٍ وشِدَّة وعناء، مما يوحي الى ثِقَة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام)، وبقُدْرَتِه في إخماد نار الحَرْب وإطفائها، فهو (أخاه)، فكان الرسول يأمر علياً أن يرد عنه كتائب المشركين وعصابات المنافقين فكان علي يخاطر بحياته، ويغامر بنفسه، ويستقبل أولئك الذئاب المفترسة، كان يقاتلهم وحده، ويخوض غمار الحرب، فيصح التعبير بقولها (عليها السلام): قذف أخاه في لهواتها في قم الموت بين أنياب السباع تحت سيوف الأعداء، والرماح الشارعة والسهام الجارحة.
❁ الموضع الثَّاني: تقولُ(عليها السلام) في موضعٍ آخر بعد ذِكرِها للنبي محمَّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «وأخا ابن عمِّي دُونَ رجالِكُم»[141]، وهنا تُنسِب النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عليٍّ (عليه السلام)، وتُضيفُه إليهِ، على العكس من الموضع الأول، وأنَّه الأوحدي من الأمة الذي يملكُ هذه الميزة[142]؛ إذ تُظهِر(عليها السلام) بذلك مكانةً أخرى لعلي (عليه السلام)، فمن أراد اتباع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فعليه باتِّباع أخيهِ، نعم، إنه أخو زوج البتول(عليها السلام)، ولم يشارك أحد من الرجال الذين خاطبتهم أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأخوة وليس المقصود هنا أخوة النسب بل الأخوة التي حصلت يوم المؤاخاة حينما آخى رسول الله بين أصحابه، وآخى بينه وبين علي(عليها السلام)، وكان الرسول ينوه بهذه الأخوة في شتى المناسبات ومختلف المجالات، ويركز على كلمة: (أخي) كقولهِ: ادعوا لي أخي، وأين أخي؟ وأنت أخي، وإنَّهُ أخي في الدنيا والآخرة.
ج. الابن والابنة: ورد ذكر (الابنة) مرتين مضافاً إلى النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه استشعار للأمة بقرب المنزلة وعلو المرتبة، التي لا يُضاهيها أحد:

❁ تقول(عليها السلام): «بلى قد تَجَلَّى لَكُم كالشَّمْسِ الضَّاحِيَةِ: أنِّي ابنته»[143]، وهي هنا في مقام الاحتجاج، والمطالبة بالإرث الطبيعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنَّها الوريثة لهُ (صلى الله عليه وآله وسلم) بموجب النَّسب الطَّبيعي بينهما.
❁ تقولُ(عليها السلام): «وأنَا ابْنَةُ نَذِيْرٍ لَكُم بَيْنَ يَدَي عَذابٍ شدِيْد»[144]، وذِكْرُ النسب الشريف هنا حَمَلَ دلالة الإنذار والوعيد؛ إذ استنفذَت (عليها السلام) كل الحجج والبراهين في ردع القوم وما أقدموا عليهِ.

وأمَّا ذِكْر (الابن) فقد ورد بصيغة المثنى، إشارة الى ابْنَي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الحسن والحسين (عَلَيْهَما الْسَّلَاْمُ)، تقولُ في بيان صِفةِ فدك «وبُلْغَة ابنيّ»[145]، والبُلْغَة: ما يُتَبَلَّغُ به من العيش، وفيها معنى الاكتفاء[146]، وفي ذلك اشارة الى فدكٍ، وأنَّها للزهراء (عليها السلام) ولذُرِّيَتِها من بَعْدِها .

المطلبُ الثَّالث: الألفاظُ الدَّالةُ على أعضاء الإنسان وما يتعلَّقُ بها:
أولاً: ألفاظ أعضاء الإنسان:
1. الْقَلْبُ: مُضغَةٌ من الفُؤادِ مُعَلَّقةٌ بالنِّياط[147]، وقد يُطْلَقُ القلب ويُرادُ به (العقل)، نحو: قولهِ تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾[148]، فالقلبُ هنا: ما يعقل به الانسان فيميِّز بهِ بين الحق والباطل[149]، فإذا لم يَعقِلْ به، استغلقتْ عليه الطُرُقُ، واشتبهت عليه الأُمور وأُشْكِلَتْ، ولم يُميِّز بين الخير والشَّر، فهو كالمُبْهَم؛ لذا تحتاج القلوب الى من يرعاها ويدُلَّها على الصراط السَّوي، تقولُ السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) في بِعْثَة النَّبي الكريم: «وكَشَفَ عن القُلوبِ بُهَمَها»[150].

ولو خُلِّيَت القلوبُ وما فُطِرَت عليه، لدَلَّت على الله تعالى، ولأوصلتْ الإنسان الى كلِمة التوحيد مُذْعِناً صاغراً، تقولُ(عليها السلام) في الشَّهادة الأولى: «وأشهَدُ أنْ لا إله إلا الله، كلِمَةً جعلَ الإخلاصَ تأويلها، وضَمَّن القلوبَ موصولها «[151]، فالقلوبُ مشتمِلَةٌ وموصِلَةٌ، الى كلمة الإخلاص والتَّوحيد، والدَّقائق المُسْتَنبَطة منها[152]، والمقصود أنَّ كلمة: (لا إله إلا الله) تعود في معناها إلى الإخلاص، مثلما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه»[153]، فالمقصود من الإخلاص هو جعله خالصاً من النقائص كالجسم والعرض، وما شاكلهما من النقائص، وكمال الإخلاص له نفي الصفات، أي الصفات الزائدة على ذاته لأن كل موجود منصف بصفته، وصفته غير ذاته، فالإنسان غير العلم، والعلم غير الإنسان ولكن الله تعالى علمه عين ذاته، وبقية صفاته كلها عين ذاته، كما أنَّ الله تعالى ألزم القلوب المعنى الذي تصل إليه كلمة (لا إله إلا الله) وهو معنى التوحيد الفطري، أي جعل القلوب على هذه الفطرة، قال تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾[154]، والفطرة الملة، وهي الدين والإسلام والتوحيد، وهي التي خلق الناس عليها ولها وبها، ومعنى ذلك أن الله تعالى خلقهم وركبهم وصورهم على وجه يدل على أن لهم صانعاً قادراً عالماً حياً قديماً واحداً، لا يشبه شيئاً، ولا يشبهه شيء.

تنتقل السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) في تصوير القلب الى أفق رحبٍ واسعٍ، ليتحوَّل من عضوٍ فسلجيٍ الى كيانٍ قائمٍ له ميزاته وخصائصه، فالقلب كسائر بقية أعضاء البدن قد يُجْرَحُ، إلَّا أنَّ جُرحَه يختلف عنها، فجُرحُهُ الذُّنوب وما يقتَرِفُهُ من معاصي، تقولُ (عليها السلام) في دعائها: «يا ساترَ الأمرِ القبيح، ومداوي القلبِ الجريحِ، لا تفضَحْني في مَشْهدِ القيامَة بمُوبِقاتِ الآثام»[155]، وقد تتنافر القلوب، وتتباعَد بين بني البشر، فيأتي العدل ليوحِّدها ويُنسِّقُها، تقولُ (عليها السلام): «وجعل..العدل تَنْسِيْقاً للقُلوبِ»[156]، ولعمري لا أعرف تعريفاً للعدل أحسن وأكمل من هذا التعريف، لأن تنسيق القلوب تنظيمها كتنسيق خرز السبحة وتنظيمها بالخيط، فلو انقطع الخيط تفرقت الخرز وتشتتت واختل التنظيم وزال التنسيق.

وإنَّ العدل في المجتمع بمنزلة الخيط في السبحة، فالعدل الفردي، والزوجي، والعائلي، والاجتماعي، والعدل مع الأسرة ومع الناس يكون سبباً لتنظيم القلوب وانسجامها بل واندماجها، وإذا فقد العدل فقد الانسجام، وجاء مكانه التنافر والتباعد والتقاطع، وأخيراً التقاتل، وليست العدالة من خصائص الحكام والولاة والقضاة، بل يجب على كل إنسان أن يسير ويعيش تحت ظلال العدالة، ويعاشر زوجته وعائلته وأسرته ومجتمعه بالعدالة إبقاء المحبة القلوب.

2. الْلِسَاْنُ: هو العضو المخصوص والمعروف، جارحة الكلام، يُجْمَعُ ألسِنةٌ وألسِنٌ، يُذَكَّر ويُؤنَّث، وقد يأتي بمعنى (اللغة)، ومنهُ قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[157]، أي بلُغة قومه،وقد يأتي بمعنى(الثَّناء، والذَّكر الحسن)،نحو:قوله تعالى ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾[158]، أي ثناءً باقياً مدى الدَّهر، وقد يكون المراد به هنا، استمرار النّبوة في عقبه، واستمرار دين التوحيد، وممن يدعو اليه، ولعل في ذلك اشارة الى بِعثة النَّبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لذا ورد عنهُ (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا دعوة أبي إبراهيم (عليه السلام)»[159].

تقولُ (عليها السلام): في الذَّات الإلهيَّة: “الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ”[160]، فالله تعالى ليس بجسم، ولا جوهر ولا عرض، والعين لا تدرك ولا ترى إلا الأجسام والأعراض، وهي الأمور التي تعرض الجسم، كالألوان والطول والعرض وما شابه ذلك، إذ أنَّ الإدراك بالبصر إنما يتحقق بانعکاس صورة المرئي في عدسة العين، أو اتصال أشعة العين إلى ذلك الشيء المرئي، وأن الله تعالى ليس بجسم فلا يمكن انعكاسه في العين، ولهذا من المستحيل أن تدركه العيون ولا يمكن لأي موجود أن يرى الله تعالى ويدركه بالعين، مثلما قال تعالى:﴿لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾[161]، وليس هذا الامتناع خاصاً بالرؤية، بل بجميع الحواس الظاهرة كالسامعة والشامة والذائقة واللامة.

ومن المؤسف جداً أنَّ بعض طوائف المسلمين يعتقدون أنَّ الله تعالى جسم، ويصرحون بهذا الاعتقاد الفاسد الساقط عبر الإذاعات، رافعين أصواتهم: أنَّ الله ينزل إلى سماء الدنيا وهو راكب على حمار!!.
وليس هذا ببعيد من طائفة أصول دينهم وفروعه محمول على أكتاف رجل يصفونه بالكذب، والتزوير، والتلاعب، واختلاق الروايات وإسنادها إلى رسول الله وغيره، ويكتبون أنَّ عمر بن الخطاب ضربه بالدرة ومنعه عن الحديث لكثرة الأكاذيب التي كان يختلقها ويصوغها في بوتقة الدجل والتزوير[162].
والقرآن الكريم يقول: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَرُ﴾[163]، والجهال يقولون: تدركه الأبصار، يتركون كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويأخذون بقول مخلوق إن لم نقل إنه كذاب فهو جاهل يخطئ ويصيب.
وإذا كان بعض المسلمين يجهلون أو ينحرفون عن التوحيد الذي هو أصل الدين فكيف بالنبوة، والإمامة، والمعاد؟، وكيف بفروع الدين، والأحكام الفقهية، والأمور الدينية، والقضايا الشرعية؟.
كما لا يمكن وصف الله تعالى، فلا يمكن رؤيته، وكيف يستطيع الإنسان أن يصف شيئاً لم يره، ولم يحط به إحاطة، كما قال آمير المؤمنين (عليه السلام) : «ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود»[164]؛ لأن صفاته عين ذاته، فكما إنه لا يمكن إدراك ذاته، كذلك لا يمكن إدراك صفاته التي هي عين ذاته.
فالصَّفات الحاصلة للذات الإلهيَّة المقدسة إمَّا ان تكون صفة ذات أو صفة فعل، وكلا الصفتين لا تنالهما الألسن؛ لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهجهِ:» «وكَمالُ الإخلاصِ لهُ نفيُ الصِّفاتِ عنهُ لِشهادَةِ كُلِّ صِفةٍ أنَّها غيرُ الموصوف، وشَهادَةِ كُلِّ موصوفٍ أنَّه غير الصِّفة: فمَنْ وصَفَ اللهَ سبْحانَهُ فقد قَرَنَه، ومن قرَنَه فقد ثنَّاه، ومن ثنَّاه فقد جزَّأهُ، ومن جزَّأه فقد جَهِلَه...» [165].

3. القَدَمُ: تقولُ (عليها السلام) في حال المشركين في الجاهليَّة ومذلتهم: «ومَوْطِئَ الأقدامِ»[166]، والوطئ، الدَّوْس، ووطِئ الشيءَ، داسَه[167]، وهو كناية على المذلَّة والخضوع والقهر.

و(الأخْمَصُ) في قولها (عليها السلام) مادحةً أمير المؤمنين (عليه السلام): “فلا ينكَفئُ حتّى يطأُ صِماخَها بأخْمَصِه”[168] باطنُ القدَمِ وما رقَّ من أسفلها الذي لا يلصَقُ بالأرضِ[169]، والمقصود بـ(الصِّمَاْخُ) خَرقُ الأُذُنِ، أو الأُذُن نفسها[170]، والمقصود أنَّه (عليه السلام) لا يرجع من ساحة الحربِ حتى يهزِمَ العدوَّ، ويدوسُ بقدمه هامتهم، وهو كناية عن الغلبة والقهر، وذِكْرُ (الصِّماخ) هنا، من باب ذكر الجزء وإرادة الكُلّ، أو أنَّها (عليها السلام) عنَتْ، أنَّ للحرب صوتاً مدوياً، ووقعاً تهابُه النُّفوس الضعيفة، فأخمد عليٌ (عليه السلام) هذا الصوتَ؛ بأنْ ضرب على أُذُنِه، فخَمَدَ ونام، ومنهُ قوله تعالى: ﴿ فَضَرَبْنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمْ فِى ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾[171]، أي أنمناهم، فكان أمير المؤمنينَ (عليه السلام) لا يرجع من جبهة القتال حتى يسحق رؤوس الأعداء، ويدوس هامات الرؤساء بباطن قدمه كالمصارع الذي ينزل إلى ساحة المصارعة، فإذا تغلب على خصمه وصرعه، فلا بد من أن يلصق المصارع ظهر خصمه أو رأسه على الأرض ليثبت أنه أنهى المصارعة بأوفى صورة.

كذلك كان علي (عليه السلام) يهرول نحو الأعداء لا يعرف معنى الخوف، وكأنه مستميت وكأن غريزة الحياة قد سلبت عنه، وبيده صحيفة يقطر منها الموت، تراها راكعة ساجدة على الرؤوس، والخواصر، وكان يقد الأبدان نصفين طولاً أو عرضاً، ويفري ويكسر ويهشم في طرفة عين، وقبل أن تنفجر الدماء من العروق كانت العملية قد انتهت.

4. الْلِهَاْةُ: لحمةٌ حمْراء في الحُنك مُعَلَّقَةٌ على عَكَدَةِ اللسان، وهيَ الهَنَةُ المُطْبِقة في أقْصى سَقْفِ الفم[172]، تقولُ (عليها السلام) في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقت الحرب: «قَذَفَ أخَاهُ في لَهَوَاتِها»[173]، وهو كناية عن اقتحام أمير المؤمنينَ (عليه السلام) للحرب والمهالك.

5. الْظَّهْرُ: خلاف البَطن، وجمعها أظْهُر وظُهور وظُهْران[174]، تقولُ (عليها السلام) مخاطبة القوم: «أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ اذْ يَقُولُ: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ﴾[175]؟!»[176]، وهو كناية عن نسيانهم أو تناسيهم إياه، وقد تأتي بمعنى الإقامة، فالسَّيدة الزهراء(عليها السلام) كأنها تقول: هذا كتاب الله وهو القرآن المجيد موجوداً عندكم وبين أيديكم فلماذا تركتم العمل به وهو حجة عليكم وطرحتموه وراءكم، إذ يبين بيان الشمس الضاحية أنَّ محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) هو رسول الله وأنا ابنته، كما يبين أن سليمان ورث داوود وهذا ما أشار إليهِ قولهُ تعالى: ﴿ وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ﴾ أليس هذا تصريحاً بقانون التوراث والوراثة بين الأنبياء؟ أما كان سليمان وابنه داوود من الأنبياء؟ فلماذ منعتم أرث أبي عني؟.

فالسَّيدة الزهراء(عليها السلام) فهمت من الآية الشريفة أن معنى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ ﴾ هو إرث المال، وهكذا فهم أبو بكر، وجميع المسلمين الحاضرين يومذاك، وهم يستمعون إلى كلام السيدة (عليها السلام) هؤلاء كلهم قد فهموا أنَّ المقصود من الإرث في هذه الآية هو إرث المال، ومعنى ذلك أنَّ سليمان ورث أموال أبيه داود، ولم يفهموا غير هذا [177].

وهكذا الكلام في قوله تعالىفيما اقتص من خبر زكريا : ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾[178]، فإنَّ زكريا(عليه السلام) سأل الله تعالى أن يرزقه ولداً يرثه المال.
ولكن بعد قرون عديدة جاء المدافعون عن السلطة، فقالوا : في تفسير الآيتين: ورث سليمان داود العلم لا المال، وهكذا: ولياً يرثني العلم لا المال، وهم يقصدون بهذا التفسير تأييد الذين حرموا السيدة فاطمة من ميراث أبيها الرسول .

ولا بأس أن نتحدث بما تيسرحول الآيتين لعلنا نصل إلى نتيجة مطلوبة :

أولاً : لفظ الإرث والميراث يستعمل شرعاً وعرفاً ولغة في المال، فإذا قلنا: فلان وارث فلان فالظاهر أنَّهُ وارثه في المال، لا أنَّهُ وارثه في العلم أو المعرفة، إلَّا إذا كانت هناك قرينة أي دليل يدل على إرث العلم والمعرفة كقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ﴾[179]، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَيْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾[180]، فأمَّا قولهُ: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَنُ داوُدَ﴾، فالمقصود إرث المال لا إرث العلم والملك وما شابه، لأن سليمان كان نبياً في حياة أبيه داود، كما قال تعالىفي قصة الزرع الذي نقشت فيه غنم القوم﴿ فَفَهَمْتَهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا وَالَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا .... ﴾[181]، و"روي أن سليمان غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس، وقيل: ورثها من أبيه، وأصابها أبوه من العمالقة، وقال البيضاوي : وقيل أصابها أبوه من العمالقة فورثها منه فاستعرضها .. الخ»[182].
فسليمان ورث أباه داود تلك الخيول والأفراس، وورثه غيرها من التركة والأموال التي تركها داود، وبهذين القولين ثبت أن سليمان لم يرث العلم والنبوة من أبيه داود؛ لأن سليمان كان نبياً في زمان أبيه داود كما كان هارون نبياً في زمان أخيه موسى بن عمران وثبت أيضاً أن سليمان ورث أباه داود المال.

وأما ما يتعلق بدعاء زكريا ربه: ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي﴾، فقد قال بعض الشواذ يرثني نبوتي، فهو يريد نفي الوراثة عن الأنبياء، ولكن الآية الكريمة بنفسها تكشف الحقيقة عن مراد زكريا، فقوله: ﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾[183] يدل على أنه ليس المقصود إرث النبوة لأنه يكون المعنى أن زكريا سأل ربه أن يهب له ولياً يرثه النبوة ويكون ذلك الولي مرضياً عند الله، وهذا كقول القائل: اللهم ابعث لنا نبياً واجعله عاقلاً مرضياً في أخلاقه، وهذا لغو وعبث، ولا يستحسن من زكريا أن يسأل ربه أن يجعل ذلك النبي رضياً أي مرضياً في أخلاقه، لأن النبوة أعظم من هذه الصفات، هذه الصفات تندرج تحت النبوة، وقد قال فخر الدين الرازي: «إن المراد بالميراث وجميع في الموضعين (الآيتين) هو وراثة المال»[184].

فتبين أن المقصود من الوراثة في آية سليمان بن داود وآية زكريا هو وراثة المال والنتيجة أن الوراثة كانت بين الأنبياء.
نحو: قولها (عليها السلام): «وكِتَابُ الله بينَ أظْهُرِكُم»[185]، أي مقيم بينكم، ومحفوفٌ من جميع جوانبه بكم.

6. الْحَشَا: هو ما دون الحِجاب مما في البطن كُلّه من الكبد والطَّحال والكَرِش، وقيل: ظاهر البَطن وهو الحِضْنُ[186]، تقولُ (عليها السلام): «ونَصْبرُ منكُم على مِثْلِ حزِّ المُدى، ووخْزِ السِّنانِ في الحشا»[187]، والوخز، الطَّعن غير النافِذ، على العكس من الحَزّ، وهو القطْع.

ثانيّاً: ما يتعلَّقُ بأعضاءِ الإنسانِ:
1. النُّطْقُ: هو التَّصويت، وصوتُ كلِّ شيءٍ مَنْطِقَه ونُطقه[188]، ولفظة (النُّطق) في تعبيرها(عليها السلام) حملَ بُعدَيْنِ متضادين بحسب السِّياق الذي وقعت فيه:

غلَبَة الحقِّ وظهورِه، تقولُ (عليها السلام): “ونَطَقَ زَعيْمُ الدِّين”[189]، والزعيم هو السيِّد والرئيس.
صوت الفِتنة والانقلاب، تقولُ(عليها السلام): “ونَطَقَ كاظِمُ الغَاويْن”[190]، والكاظم هنا المتستِّر والحابِس لما يُضمِر من الشَّر.
2. الْخَرْسُ: ذهاب الكلام عِيّاً، أو خِلْقَةً، وجملٌ اخرس: لا ثَقْبَ لِشِقْشِقَتِهِ يخرجُ منهُ هديرُه فهو يُرَدِّدُه فيها[191]، تقولُ (عليها السلام): «وخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشياطين»[192]، أي خَرِست ألسِنَة المشركين والمنافقين، الذين كانت أصواتهم عالية بوجه الدعوة.
3. الْشُّرْبُ: تقولُ (عليها السلام): “وتشْرَبُون حسْواً في ارتِغاء”[193]، والحُسْوَة، الجُرْعة، وهي الشُّرب القليل[194]، والارتغاء، شُرب رغوة اللبن، وفلانٌ احتسى الرَّغوة، يُضربُ مثلاً لمن يُظْهِرُ طلب القليل وهو يُسِرُ أخذ الكثير، والمعنى أنَّكم طالبتم بكفِّ الفِتنة ودعوتم الى العمل الصالح ظاهراً وصلاح الأمة، ولكنَّما كانت دعوتكم في الحقيقة لأنفسكم، وتثبيت مصالحكم الشخصية لا غير.
4. التَّفكر، أوالفِكْر: ومَحَلُّهُ، العقل، وهو التأمل وإعمال الخاطر في الشيء[195]، وذكر علماء الأخلاق، عدَّة مقدمات ومقامات للتفكر منها (اليقظة، والتوبة، والمحاسبة، والإنابة...)، وكيفية التفكير وحصوله، وأنَّ التفكير يقود الأنسان للإيمان؛ فهو مقدَّمةُ لحصوله للقلب، فإذا حصل الإيمان لقلب الانسان أثَّرَ ذلك في جوارحه[196]، تقولُ (عليها السلام): «وأشْهَدُ أنْ لا إله إلا الله وحْدَهُ لا شَرِيْكَ له، كلمَةً جَعَلَ الإخلاصَ تأوِيلَها... وأنَارَ في التَّفَكُّرِ مَعْقُولَها»[197]، والمقصود بالإنارة هنا الإضاءة ومعناه نور الهِدايَة، ومعقول كلمة التوحيد هو «المعنى الذي يُتَعقَّلُ منها، ولمعناها نور واضح، وبرهان لائحٌ في الأذهان عند التَّفكُّر فيه؛ إذ لكُلِّ حقٍّ حقيقة، ولكلِّ صوابٍ نورٌ، والمعنى أنَّ الله تعالى قد جعل لمعنى هذه الكلمة في عالم التَّفكُّر المُتَعلِّق به، نوراً به يتنوَّر القلب، ويتَّضحُ سبيلُ الحقِّ لما هو ظاهرٌ من مطابَقَة معناها للواقعِ مع جِبِلَّة القُلوبِ على التوحيدِ من حيث فِطرَتِها»[198].
5. الْخَمَصُ: وهو الجوع الشديد، وخَلاءُ البَطْن من الطعام جوعاً، والمَخْمَصَة: المجاعة، والخَمْصَان والخُمْصَان، الجائعُ الضامِرُ البطن، والأنثى، خَمْصانة وخُمْصَانة، وجمْعُها، خِماص؛ حملاً على فعلان الذي مؤنَّثه فعلى[199]، تقولُ (عليها السلام) مخاطبةً القوم: «وفُهْتُم بِكَلِمَةِ الإخلاصِ، في نَفَرٍ من البِيْضِ الخِماص»[200]، والمراد بالبيض هم أهل البيت (عَلَيْهم الْسَّلَاْمُ)، ووصْفُهم بالبيض؛ لبياض وجوهِهِم، ونقاء سريرتهم، وطهارة قلوبهم، ووصْفُهُم بالخماص؛ لِضُمورِ بُطونِهم بالصوم وقِلَة الأكل، أو لِعِفَّتِهم عن أكل أموال الناس بالباطل[201]، وممَّا يُلاحظُ في هذا وجود علاقة التضاد الحاد بين الوحدتين اللغويتين (الخرس، والنطق)، وهو ما يسمى منطقياً (تقابل الملكة وعدمها)، فلا يجتمعان معاً، ويَصح ان يرتفعا فيمن ليس من شأنِه النُّطق، كالحجر مثلاً.

المحورُ الثَّاْنِيُّ: الْحَيْوَاْنُ، وَمَاْ يَتَعَلَّقُ بِهِ
أولاً: الْحَيْوَاْنُ:
1. الْإبِلُ: تقولُ (عليها السلام) في القوم الذين أخذوا ما ليس لهم بحقٍ: «فوسمْتُم غيرَ إبلِكُم، ووردْتُم غيرَ مشربكُم»[202]، والوَسْم، أثر الكَيّ، إذ كانوا يَسِمونَ إبِل الصَّدَقة، ليعلموها، أو كانت القبيلة تسِمُ إبِلَها بوِسامٍ معروفٍ؛ كي لا تختَلِطَ مع إبل القبائل الأخرى[203]، وهذا كناية عن أخذ ما ليس للقوم بحقٍ من الخلافة والزَّعامة والميراث، أي أنَّهم عملوا ما لا يجوز لهم أن يفعلوه، وانتخبوا من ليس بأهل الانتخاب، وأعطوا مقاليد الأمور غير أهلها، وخولوا القيادة إلى غير أكفائها، فأوردوا شرباً ليس لهم، كالراعي الذي ينزل إبله في عين ماء ليست له، والمقصود أنَّهم أخذوا ما ليس لهم بحق من الخلافة، والمراد التصرفات الشاذة التي قام بها الناس في تعيين الخليفة، وصرف الخلافة عن أهلها وأصحابها الشرعيين؛ لأنَّ هذه التصرفات ليست من حق الناس، بل هي من عند الله تعالى .

وقد تُعَبِّر(عليها السلام) عنهُ بـ(الفنيق) هو الفْحل المُكْرَمُ: «يُوْدَع ويُعفَى عن الرُّكوبِ والعمل، ويُقتَصَرُ بهِ على الفِحْلَةَ، ويُسمَّى (مُصْعَبٌ ومُقرَمٌ وفَتِيقٌ)»[204]، تقول (عليها السلام) «وهَدَرَ فَنِيْقُ المُبْطِلِين»[205]، وهدر البعير، أي ردَّدَ الصوت، وهو كناية عن تصويت من كان خاملاً متنعِّماً ساكتاً.

2. الْذِّئَاْبُ: وهو كلب البرِّ والجمع، ذئابُ وذُؤْبانٌ والأُنثى ذِئْبة[206]، ولم يرد لفظ (الذئب) عند السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) بمعناه الحقيقي، أي الحيوان المفترس، وإنَّما أطلقته (عليها السلام) على لصوص العرب وصعاليكَهم الذين يتَلَصَّصون ويَتَصَعْلَكونَ، تقول (عليها السلام) مخاطبة القوم: «فأنقَذَكُم الله تبارَكَ وتعالى بَعْدَ اللُتَيَّا والَّتي، وبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرجالِ وذُؤبَانَ العرب ومرَدَة أهل الكِتاب»[207]، وتقول في نصٍ آخر(عليها السلام)مخاطبةً أمير المؤمنين (عليه السلام) «افترست الذِّئاب وافْترَشْتَ التُّراب»[208]، ويظهر هنا جمال الصورة الفنية؛ وروعة التشكيل الصوري، إذ تستعير صورة الذئب وهي صورة تُطلق على الخُبث والدَّهاء، للمشركين والكفار، وتصور مجاهدة بعلها (عليه السلام) إياهم بالافتراس، فهو أسد الله، وفيها دلالة على القوَّة والشَّجاعة والاستبسال، لتأتيَ بصورة ثانية هي على النقيض من الأولى تماماً (افتراش التراب) وهي كناية عن القعود عن طلب الخلافة.

3. الْفَاْغِرَةُ: فَغَرَ فاه، فتَحَهُ وشَحَاه، فهو واسعٌ، وسمِّيَت بذلك الأفعى؛ لعُظمِ فمِها وسِعَته[209]، تقول (عليها السلام) في استبسال عليِّ (عليه السلام) في الذّبِّ عن الاسلام ورسوله «أو فَغَرتْ فاغِرةٌ من المُشركينَ، قَذَفَ أخاه في لَهَواتِها»[210]، وهنا تشبيهٌ للمُشركين بالأفعى الفاتحةِ فمِها؛ لتنقضَّ على الاسلام؛ لتستأصله.

4. الْأَجْدَلُ: وهو الصَّقر، صفة غالبة، وأصله من (الجَدْل) الذي هو الشِّدَّة والقوَّة[211]، تقول (عليها السلام) مخاطبةً الامام علي (عليه السلام): «نَقَضْتَ قادِمَة الأجْدَل، فخَانَكَ رِيْش الأعْزَل»[212]، قوادِم الطير: مَقَادِيم رِيشِه ضدَّ الخَوَافِي، وهِيَ عَشْرٌ في كُلِّ جناحٍ[213]، وهنا تشبيهان: الأول للقوَّة وهو (الأجدل) وآلتُه (القوادم)، والثاني للضَّعف وهو (الأعْزَل) وآلتُه (الرِّيش)، فيتَكوَّن عندنا عِدَّة معانٍ[214]:
❁ كنت أجدل، فصِرتَ أعزل، وكُنت ذا قوادمَ فنقَضتَها، ثُمَّ أردْت النهوضَ بالريش الذي لا يقوى على ذلك فخانك، فقد يكون المراد بنقض القوادِم هنا، قعوده (عليه السلام) عن القيام بالسيف.
❁ شبَّهَت الصقْر الذي نقَضتْ قوادِمه، بمن لا سلاحَ له. والمعنى تركت طلب الخلافة في أول الأمر، وقبل أنْ يتمَكَّنوا منها، وظننت أنَّ الناس لا يرونَ غيرَك أهلاً للخلافة، ولا يُقدِّمون عليْكَ أحَدَاً، فكُنْتَ كمَنْ يتوَقَّع الطَّيران من صقّرٍ منقوضة القوادِم.
❁ أنَّك نازلتَ الأبطال ولم تُبالِ بكثرة الرجَال، حتى نَقَضتَ شوكَتَهُم، واليوم غُلِبْتَ من هؤلاءِ الأراذل الضُّعفاء.

5. البُهَمُ: كلُّ ذاتِ أربعِ قوادِم من دوَابِّ البَرِّ والماءِ[215]، تقول (عليها السلام) في وصف المشركين في الجاهليَّة وابتلاء النَّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهِم: «وبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَم الرجال»[216]، فكلُّ حيِّ لا يُمَيِّز فهو بهيمة، وأبهَمْتُ الباب، أغلقْتُهُ، وقد يكون مفرد (بُهَم) البُهْمَة، وهو الفارس الذي لا يُدرى من أين يُؤتى؛ من شِدَّة بأسِه[217]، وعلى كلا المعنيين، فالمراد ابتلاء الرَّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأقوام أشدَّاء معاندين، تميزوا بالخشونة الصَّحراويَّة وإلى جانب ذلك، فهم منغلقون على معتقداتهم، من الصَّعب إتيانهم فيها. وتقول (عليها السلام) في المعنى نفسه واصِفة الأنصار: «وناطَحْتُم الأُمَمَ، وكافَحْتُم البُهَمَ»[218]، ثمَّ إنَّها (عليها السلام) تُشَبِّه عمى القلوب وعد ادراكها للحقائق بـ(البُهَم)، إذ تقولُ (عليها السلام): «وكشَفَ عن القلوب بُهَمَها»[219].

ثَاْنِيّاً: مَاْ يَتَعَلَّقُ بِالْحَيْوَاْنِ:
1. الخِطَامُ والرَّحْلُ: تقولُ (عليها السلام) مخاطبة أبا بكرٍ: «فَدُونَكَهَا مَخْطُوْمَةً مَرْحُوْلَةً تَلْقَاكَ يَوْمَ حَشْرِك، فنعْمَ الحكمُ الله والزعيمُ محمَّد»[220]، فالخِطامُ: ما يدخل في انف البعير ليُقاد وهو زِمامُه؛ وسمِّيَ بذلك؛ لأنَّه يقع على خَطْمِ الدَّابة، أي مُقدَّم أنفها وفمِها[221]، والرَّحْل: رَحْل البعير، وهو أصغر من القَتَب، وهو للناقة كالسرج للفرس[222]، والمعنى أنَّها (عليها السلام) شبَّهَت فدكاً المأخوذة عنوةً، بالناقة المُنقادَة المِطواعَة، وفي ذلك تَهَكُّم واستنكار للفعل؛ فأمر فدكٍ صعبٌ مستَصعبٌ وعسيرٌ يوم القيامة، فقبل هذا النص الشريف كان الخطاب عاماً لجميع المسلمين الحاضرين في المسجد، وهنا وجهت خطابها إلى رئيس الدولة وحده، وقالت: (فدونكها): أي خذها، خذ فدك وشبهت فدك بالناقة التي عليها رحلها وخطامها، والرحل للناقة كالسرج للفرس والخطام الزمام، والمقصود خذ فدك جاهزة مهيأة، وفي هذا الكلام تهديد، وهذا كما يقال للمعتدي: افعل ما شئت، وانهب ما شئت هنيئاً مريئاً، ولهذا أردفت كلامها بقولها (عليها السلام): تلقاك يوم حشرك: إشارة إلى أنَّ الإنسان يرى أعماله يوم القيامة قال تعالى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً﴾[223]، فنعم الحكم الله، ففي ذلك اليوم الحكم الله الواحد القهار، الذي لا يخفى عليه شيء من مظالم العباد، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المحامي الذي يخاصمك هو سيد الأنبياء، وهو أبي، يطالبك بحق ابنته فاطمة.
2. الدَّبَرَة: قرْحَةُ الدَّابَّة والبعير والجمع، دَبَرٌ وأدْبارٌ[224]، تقولُ (عليها السلام): «فَدُونَكُمُوهَا فاحْتَقِبُوها دَبَرَة الظَّهْرِ، نَقْبَة الخفِّ»[225]، والمعنى، خذوا عملكم وأوزاركم واحملوها على ظهوركم المتقرِّحة بهذا الفعل.

المحورُ الثَّاْلِثُ: الْنَّبَاْتُ، وَمَاْ يَتَعَلَّقُ بِهِ:
لم يرد عن الزهراء(عليها السلام) ذِكْر لأسماء النباتات والأشجار إلا في مواضع نادرة ومحدودة الألفاظ، فمن ذلك:
1. الشَّجَرُ: وهو ما قامَ على ساق، وسما بنفسِه، والشَّجْراء: منبت الشَّجر وكثيرُهُ[226]، تقولُ (عليها السلام): «الحَمْدُ للهِ... خَالق الشَّجَرِ»[227]، وما من قَطْرَةِ مَطرٍ أو ورَقةِ شجَرٍ إلا والله تعالى مُحصيها، تقولُ (عليها السلام): «تباركتَ يا مُحْصيَ قَطْرِ المَطَر، وورَقِ الشَّجَر»[228]، وتشيرُ B إلى حالة المشركين في الجاهليَّة وفقرهم وذِلَّتهم، بأنَّهم كانوا يقتاتون ورقَ الشَّجَر، تقولُ (عليها السلام): «وتَقْتَاتُونَ الوَرَق»[229]، وقد يكون المقصود بالورق، ورْقَة (الوَرقاء)، وهي شُجَيْرةٌ تسمو فوق القامة، لها ورقٌ مُدَوَّرٌ واسِعٌ دقيقٌ ناعِمٌ تأكُلُه الماشية، وهي غبراء الساق، خضراء الورق[230].
2. الضَّرَاْءُ: وهو الشَّجرُ المُلْتَفُّ في الوادي، وقد يُطْلَقُ على ما وُرِيَ من الشَّجَر وغيره[231]، تقولُ (عليها السلام): «وتَمْشُونَ لأهْلِه ووِلْدِه في الخَمَرَةِ والضَّراءِ»[232]، والمراد بالشَّجَر المُلتَفِّ هنا، كناية عن المكْرِ والخَديْعة، يُقالُ للرجُلِ إذا ختل صاحِبُهُ ومَكَرَ به: هو يدُبُّ له الضَّراء، ويمشي له الخَمَرَ، ومكانٌ خَمِرٌ، إذا كان يغطِّي كلَّ شيءٍ ويُوارِيه[233]؛ ولذا سُمِّيَت الخَمْرَةُ خمْرَةٌ؛ لأنَّها تُغَطِّي العقْل وتَسْتُرُه وتذْهبُ بهِ.

الخَاْتِمَةُ وَنَتَاْئِجُ الْبَحْثِ
بعد أن استنشقنا عبق النبُوَّة، ورفلنا بعطر خمائل السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام)، ونهلنا من غديرها العذب الفرات، وسرنا في جنان كلماتها النورانيّة، وصل بنا الخُطى الى نهاية المطاف، وآن لنا أنْ نقتطفَ الثمار لنسطِّرها بكلمات توجز كلام ما أفضناه، وتُجمِل حديث ما ابتدأناه، فأقول:

1. دلالةُ أَلْفَاْظُ الْطَّبِيْعَةِ فِيْ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ اتَّصفتْ بمرونتها، لما لها من ظلالٍ إيحائيَّةٍ توشحتْ بها وأعطتها قيَّماً إضافيَّة، فهذهِ الدَّلالات في أَلْفَاْظِ الْطَّبِيْعَةِ فِيْ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ التقتْ مع بنيتها الصَّوتيَّة في تصوير المشاهد بدقةٍ متناهيَّةٍ،
2.أَلْفَاْظُ الْطَّبِيْعَةِ المتعلقة بالطبيعةِ الحيَّة جاءت تُحاكي أحداثاً سيقت في معرض العبرة للإنسان، فجاءت بها السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) بأسلوبٍ يُرادُ منهُ حث المؤمنين على الهدايَّةِ، وانذار المخالفينَ لوصية أبيها المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والغاصبين لحقها، وحق بعلها، فضلاً عن المنافقين، وتوبيخهم،
3. أَلْفَاْظُ الْطَّبِيْعَةِ بشقيها الجامدة، والحيَّة أخذتْ حيزاً ليس بالقليل فِيْ الْتَّعْبِيْرِ الْفَاْطِمِيِّ، فهي زخرت بقيمٍ دلاليَّةٍ متنوعة، وأشربها الْتَّعْبِيْرُ الْفَاْطِمِيِّ عواطف وأحاسيس نبعت من البعد الفنيّ، وطبيعة الْتَّعْبِيْرُ الْفَاْطِمِيِّ.
4. يُعدُّ خطاب السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) ثروة علميَّة وفكريَّة؛ لمَا تضمَّنه من مضامين عميقة في مجال فلسفة الدين وعلل شرائع الأحكام، ومبادئ الإمامة، وفلسفة التعاليم الأخلاقيّة، والفكر السياسي الإسلامي.
5. دقّة السَّيدة الزَّهراء (عليها السلام) في رسم الصور عبر تشكّلات صورية مختلفة كالاستعارة والكناية والمجاز؛ إذ تخلق هذه السمة التصويرية التفاعل والانسجام بين المتلقي والخِطاب المُلقى، وجذب انتباهه، وجعله يدور في فلك التخيّل والتأمل أكثر من غيرها.
6. تميَّزَ خطابها بفصاحة الألفاظ وجزالتها، ودقَّة عمقها الدلالي، وجماليَّة انتقائها للألفاظ ووضعها في موضعها.


الْمَصَاْدِرُ وَالْمَرَاْجِعُ
أَوَلَاً: الْكُتُبُ
القرآن الكريم
أبنية الصرف في كتاب سيبويه، الدكتورة خديجة الحديثي، منشورات مكتبة النهضة، بغداد – العراق، الطبعة الأولى، 1965م.
الإحتجاج، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي من اعلام القرن السادس الهجري (ت560هـ)، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، والشيخ محمد هادي به، بأشراف العلامة الشيخ جعفر السبحاني، دار الاسوة للطباعة والنشر، قم المقدّسة، ط4، 1424هـ.
أساس البلاغة، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري (ت538هـ)، تحقيق محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1419هـ/1998م.
أغاني الطبيعة في الشعر الجاهلي، أحمد محمد الحوفي، مكتبة نهضة مصر بالفجالة، (د.ت).
ألفاظ الطبيعة في القرآن الكريم دراسة لغوية، خولة عبيد خلف الدليمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2008م.
بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمة الاطهار، الشيخ محمد باقر المجلسي (ت1111هـ)، تحقيق وتعليق لفيف من العلماء، مؤسسة الوفاء ، بيروت، لبنان ، ط2 ، 1403هـ/1983م .
تاج العروس من جواهر القاموس، السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت1205هـ)، تحقيق مجموعة من المحققين، مؤسسة الكويت للتقدّم العلمي، الكويت، ط1، 1421هـ/2000م.
تاريخ الأحمدي، الأمير أحمد حسين بهادرخان الهندي (ت1350هـ)، تحقيق محمد سعيد الطريحي، مركز الدراسات والبحوث العلمية، لبنان – بيروت، ط1، 1408هـ/1988م.
تاريخية المعرفة منذ الاغريق حتى ابن رشد، مجيد محمود مطلب، دار الجاحظ، بغداد – العراق، الطبعة الأولى، 1972م.
التربية الروحية بحوث في جهاد النفس، كمال الحيدري، مؤسسة الإمام الجواد للفكر والثقافة، قم – ايران، ط20، 2012م.
تطور الشعر العربي الحديث في العراق، علي عباس علوان، دار الشؤون الثقافة العامة، وزارة الثقافة الإعلام، بغداد – العراق، (د.ت).
التعريفات، السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني (ت816هـ)، دار احياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1424هـ/2003م.
التوحيد.. بحوث في مراتبه ومعطياته، تقريراً لدروس السيد كمال الحيدري، جواد علي كسّار، دار فراقد للطباعة والنشر، إيران، ط3، 1424هـ.
حياة سيدة النساء فاطمة الزهراء(عليها السلام)، باقر شريف القرشي، دار الذخائر الإسلامية، قم إيران، ط1، 1427هـ.
الخصائص، أبو الفتح عثمان بن جني (ت392هـ)، تحقيق محمد علي النجار، المكتبة العلميّة، لبنان، د.ت.
الدرّ المنثور في التفسير المأثور، جلال الدين السيوطي (ت911)، دار الفكر للطباعة والنشر، ط1، 1983م.
الزهراء وخطبة فدك، العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي،تعليق الشيخ محمد تقي شريعتمداري،دار كلستان كوثر للنشر طهران ايران ط1 1423هـ 2002م.
شرح نهج البلاغة ، أبن أبي الحديد ، دار الامير بيروت ، ط٤/ ٢٠٠٧
الصحاح، إسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت393هـ)، ترتيب وتصحيح إبراهيم شمس الدّين، شركة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1433هـ/2012م.
الطبيعة ومابعد الطبيعة، الدكتور يوسف كرم، دار المعارف، القاهرة – مصر، ط1، 1959م.
عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات، زكريا بن محمد بن محمود الكوفي القزويني (682هـ)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1421هـ/2000م.
العين، أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ)، تحقيق د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1408هـ/1988م.
فاطمة من المهد إلى اللحد، السيد محمد كاظم القزويني، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت -لبنان، ط1، 1430ه2009م .
الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن الكريم، د. محمد بن عبدالرحمن بن صالح الشايع، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1414هـ/1993م.
فقه اللغة وسر العربية ، أبو منصور عبدالملك الثعالبي (ت 430هـ) ، حققه حمدُو طمَّاس، دار المعرفة بيروت، لبنان، ط2، 1428هـ ،2007م.
القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، تحقيق : محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة ، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1426 هـ2005 م.
لسان العرب، جمال الدين أبو عبدالله محمد بن مكرَّم بن منظور (ت711هـ)، تحقيق ياسر سليمان أبو شادي، ومجدي فتحي السيد، المكتبة التوفيقية، مصر، د.ت.
اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء(عليها السلام)، المولى محمد علي بن أحمد القراچه داغي التبريزي الأنصاري (ت1310هـ)، تحقيق هاشم الميلاني، دار التبليغ الإسلامي، بيروت، لبنان، ط2، 1432هـ، 2011م.
مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي ، تحقيق : احمد الحسيني ، مؤسسة التاريخ العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية، 2008م.
مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام)، جمعه العلّامة السيد حسين شيخ الاسلامي التويسركاني، راجعه وعلَّق عليه السيد محمد جواد الحسيني الجلالي، دار الصفوة، بيروت، لبنان، ط2، 1428هـ/2007م.
المعجم الأدبي، جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط1، 1979م.
المعجم الاوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (ت360هـ)، تحقيق طارق بن عوض الله وعبدالمحسن الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، د.ط، 1415هـ.
المعجم الفلسفي، جميل صليبا، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، الطبعة الاولى،1979م.
المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيّوب الطبراني (ت360هـ)، تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، ط2، 1404هـ/1983م.
معجم المصنفين، محمود حسن التونكي، طبع في دولة السلطان ملك التركن، حماة، بيروت، سوريا، 1344هـ.
المعجم الوسيط ، مجموعة مؤلفين ، مجمع اللغة العربية ، الادارة العامة للمعجمات واحياء التراث، مكتبة الشرق الدولية ، الطبعة الرابعة ، 1425 هـ2004 م.
معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت395هـ)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، د.ت.
المنصف في شرح كتاب التصريف ، أبو الفتح عثمان بن جني (ت392هـ)، تحقيق ابراهيم مصطفى وعبدالله امين، دار احياء التراث القديم، ط1، 1373هـ/1954م.
الميزان في تفسير القرآن، العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 1417هـ/1997م.
نظريات الخليفتين، نجاح الطائي، مؤسسة آل البيت% لأحياء التراث.
نهج البلاغة، الشيخ محمد عبده، تحقيق: فاتن محمدخليل، مؤسسة التاريخ العربي بيروت، ط١، ٢٠٠٦.
الهداية الكبرى، ابو عبدالله الحسين بن حمدان الخُصيبي (ت334هـ)، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، ط4، 1411هـ/1991م.

ثَاْنِيَّاً: الْبُحُوْثُ
المثال في خطاب الزهراء(عليها السلام)، د. عباس علي الفحام، بحث غير منشور اُلقي في المؤتمر الدولي حول شخصية السيدة الزهراء(عليها السلام)، في جامعة الكوفة، 1433هـ/ 2012م.


--------------------------------------------
[1] ينظر:العين، الخليل ابن أحمد الفراهيدي، مادة (طبع):7/372، ومقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد فارس بن زكريا، مادة (طبع):5/ 245، والتعريفات، علي بن محمد الجرجاني: 158، ومعجم مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي: 6 / 419، والمعجم الوسيط ، إبراهيم أنيس، وعبد الحليم منتصر، وعطية الصوالحي، ومحمد خلف الله أحمد: 2/823.
[2] ينظر: أبنية الصرف في كتاب سيبويه: 203.
[3] ينظر: معجم متن اللغة، أحمد رضا، مادة (طبع): 3/581.
[4] ينظر: القاموس المحيط، الفيروز أبادي، مادة (طبع): 4/175.
[5] ينظر: تاج العروس، محي الدين الحسيني الزبيدي، مادة (طبع): 17 / 648 – 649.
[6] ينظر: لسان العرب، ابن منظور مادة (طبع): 12/541.
[7] سورة النحل: 108.
[8] سورة البقرة: 7.
[9] الطبيعة ومابعد الطبيعة، الدكتور يوسف كرم: 8.
[10] ينظر: المعجم الفلسفيّ، جميل صليبا: 2/17.
[11] ينظر: المصدر نفسه: 2/17.
[12] ينظر: تاريخية المعرفة منذ الاغريق حتى ابن رشد، مجيد محمود مطلب:126.
[13] الدرّ المنثور: ۳ /۲۹۰.
[14] ألفاظ الطبيعة في القرآن الكريم دراسة لغوية، خولة عبيد خلف الدليمي: 13.
[15] ينظر: المعجم الأدبي، جبور عبد النور: 164.
[16] ينظر: تطور الشعر العربي الحديث في العراق، علي عباس علوان: 133.
[17] ينظر: ألفاظ الطبيعة في القرآن الكريم دراسة لغوية، خولة عبيد خلف الدليمي: 13.
[18] سورة الأعراف: 100.
[19] سورة النساء: 155.
[20] سورة الأعراف: 101.
[21] سورة التوبة: 87.
[22] ينظر: أغاني الطبيعة في الشعر الجاهلي، أحمد محمد الحوفي: 14.
[23] ينظر: معجم المصنفين، محمود حسن التونكي: 184.
[24] الطبيعة ومابعد الطبيعة: 51.
[25] ينظر:عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات, زكريا بن محمد بن محمود الكوفي القزويني: 27.
[26] الإحتجاج, أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: 1/270.
[27] ينظر: تفسير القرآن الكريم، السيد عبدالله شُبَّر: 567.
[28] الإحتجاج: 1/267.
[29] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام), جمعه العلّامة السيد حسين شيخ الاسلامي التويسركاني: 407.
[30] الإحتجاج: 1/270.
[31] ينظر: لسان العرب، مادة (نجم): 14/62.
[32] الإحتجاج: 1/270.
[33] سورة المائدة: 64.
[34] الإحتجاج: 1/262.
[35] ينظر: الزهراء وخطبة فدك, العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي: 84.
[36] ينظر: الصحاح، مادة (روح): 455.
[37] ينظر: فقه اللغة وسر العربية, أبو منصور عبدالملك الثعالبي: 310.
[38] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 406.
[39] ينظر: لسان العرب، مادة (جرا): 2/310.
[40] ينظر: فقه اللغة وسر العربية: 309.
[41] سورة المرسلات: 2.
[42] سورة الإسراء: 69.
[43] ومنهُ قولهُ تعالى:﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ﴾ سورة يونس: ٢٢.
[44] ومنهُ قولهُ تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ سورة الحاقة: 6.
[45] فقه اللغة وسر العربية: 309.
[46] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 406.
[47] ينظر: لسان العرب، مادة (سحب): 6/205.
[48] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 406.
[49] سورة الأعراف: 160.
[50] ينظر: لسان العرب، مادة (غمم): 10/143.
[51] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 407.
[52] ينظر: لسان العرب، مادة (مطر): 13/140.
[53] سورة الشعراء: 173.
[54] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 406.
[55] ينظر: لسان العرب، مادة (طرق): 8/171.
[56] الإحتجاج: 1/261.
[57] ينظر: فاطمة من المهد إلى اللحد، السيد محمد كاظم القزويني: 244.
[58] الإحتجاج: 1/261.
[59] الإحتجاج: 1/262.
[60] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 409.
[61] ينظر: لسان العرب، مادة (سطح): 6/282.
[62] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 406.
[63] ينظر: لسان العرب، مادة (مهد): 13/224.
[64] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 409.
[65] الإحتجاج: 1/261.
[66] سورة المائدة: ١٥.
[67] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 399.
[68] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 399.
[69] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 406.
[70] ينظر: لسان العرب، مادة (نصب): 14/169.
[71] ينظر: لسان العرب، مادة (رسا): 5/255.
[72] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 409.
[73] ينظر: لسان العرب، مادة (وتد): 15/228.
[74] ينظر: أساس البلاغة: 1/248.
[75] الإحتجاج: 1/270.
[76] ينظر: لسان العرب، مادة (طمن): 8/233, وذهب ابن جني إلى أنَّ (اطْمَأنَّ) مقلوبة من (طَأْمَنَ) وهو ما عليه سيبويه, وعلة ذلك أنَّ الفعل إذا لم تكن فيه زوائد فهو أجدر بأن يكون أصلاً، والفعل (اطمأنَّ) لحقته الزيادة, فهو مقلوب من (طمأنَ). ينظر الخصائص: 2/74, والمنصف في شرح كتاب التصريف, أبو الفتح عثمان بن جني: 2/104.
[77] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 406.
[78] ينظر:عجائب المخلوقات والحيوانات وغرائب الموجودات: 99.
[79] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 409.
[80] ينظر: لسان العرب، مادة (بيت): 1/670.
[81] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 409.
[82] ينظر: الميزان في تفسير القرآن, السيد محمد حسين الطباطبائي: 6/141.
[83] الإحتجاج: 1/263.
[84] ينظر: لسان العرب، مادة (دور): 4/508.
[85] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 408.
[86] الإحتجاج: 1/256.
[87] ينظر: لسان العرب، مادة (أوا): 1/333.
[88] سورة النجم: 15.
[89] الإحتجاج: 1/270.
[90] ينظر: لسان العرب، مادة (فني): 10/376.
[91] الإحتجاج: 1/264.
[92] ينظر: لسان العرب، مادة (عرص): 9/154.
[93] ينظر: لسان العرب، مادة (صيص): 7/491.
[94] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 408.
[95] ينظر: الصحاح، مادة (أمم): 48.
[96] سورة آل عمران: 11.
[97] ينظر: الميزان في تفسير القرآن: 3/431.
[98] الإحتجاج: 1/257.
[99] الإحتجاج: 1/251.
[100] ينظر: لسان العرب، مادة (نطح): 14/202.
[101] ينظر: الصحاح، مادة (خلق): 326.
[102] الإحتجاج: 1/256.
[103] سورة الاسراء: 46.
[104] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ١٥/٢٤.
[105] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 406.
[106] ينظر: لسان العرب، مادة (عبد): 9/8.
[107] الإحتجاج: 1/257.
[108] ينظر: الصحاح، مادة (نصب): 1113.
[109] ينظر: لسان العرب، مادة (بري): 1/484, وقد يكون مأخوذاً من (البَرَى) القطع؛ لأنَّ الله قطعهم من جملة الحيوان, فأفردهم بصفات ليست لغيرهم. ينظر: الفروق اللغوية وأثرها في تفسير القرآن الكريم, د. محمد بن عبدالرحمن بن صالح الشايع: 276.
[110] الإحتجاج: 1/256.
[111] ينظر: لسان العرب، مادة (نوس): 14/359.
[112] ينظر: لسان العرب، مادة (نسس): 14/133.
[113] الإحتجاج: 1/259.
[114] ينظر: الصحاح، مادة (نخب): 1096.
[115] الإحتجاج: 1/271.
[116] ينظر: الصحاح، مادة (خير): 337.
[117] ينظر: لسان العرب، مادة (عرب): 9/128.
[118] قولهُ تعالى: ﴿الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة: 97.
[119] الميزان في تفسير القرآن: 9/383.
[120] الإحتجاج: 1/262.
[121] الإحتجاج: 1/271.
[122] ينظر: لسان العرب، مادة (عشر): 9/253.
[123] الإحتجاج: 1/269.
[124] ينظر: لسان العرب، مادة (عشر): 9/253.
[125] الإحتجاج: 1/278.
[126] ينظر: الفروق اللغوية: 274.
[127] الإحتجاج: 1/256.
[128] الإحتجاج: 1/257.
[129] الإحتجاج: 1/257.
[130] الإحتجاج: 1/259.
[131] الإحتجاج: 1/259.
[132] الإحتجاج: 1/276.
[133] الإحتجاج: 1/280.
[134] الإحتجاج: 1/282.
[135] ينظر: المثال في خطاب الزهراء(عليها السلام), د. عباس علي الفحام,بحث غير منشور اُلقي في المؤتمر الدولي حول شخصية السيدة الزهراء(عليها السلام), في جامعة الكوفة, 1433هـ/ 2012م: 5.
[136] الإحتجاج: 1/259.
[137] حياة سيدة النساء فاطمة الزهراء(عليها السلام), باقر شريف القرشي: 346.
[138] وهو ما عليه إجماع أرباب السِّيَر, ويومها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): «أنت أخي في الدُّنيا والآخرة», ينظر: تاريخ الأحمدي: 49.
[139] ينظر: المعجم الكبير: 1/146 رقم الحديث(328), والمعجم الأوسط: 5/287 رقم الحديث(5335).
[140] الإحتجاج: 1/262.
[141] الإحتجاج: 1/259.
[142] ينظر: الهداية الكبرى, أبو عبدالله الحسين بن حمدان الخُصيبي: 138.
[143] الإحتجاج: 1/267.
[144] الإحتجاج: 1/274.
[145] الإحتجاج: 1/280.
[146] ينظر: لسان العرب، مادة (بلغ):: 1/598.
[147] ينظر: لسان العرب، مادة (قلب): 11/283.
[148] سورة ق: 37.
[149] ينظر: الميزان في تفسير القرآن: 9/383.
[150] الإحتجاج: 1/257.
[151] الإحتجاج: 1/255.
[152] ينظر: اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء(عليها السلام), المولى محمد علي بن أحمد القراچه داغي التبريزي الأنصاري: 379.
[153] شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد: 1/ 74.
[154] ينظر: سورة الروم: 30.
[155] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 400.
[156] الإحتجاج: 1/258.
[157] سورة إبراهيم: 4.
[158] سورة الشعراء: 84.
[159] الميزان في تفسير القرآن: 15/268
[160] الإحتجاج: 1/255.
[161] سورة الأنعام: ١٠٣.
[162] ينظر: نظريات الخليفتين، نجاح الطائي: ٢/١٠.
[163] سورة الأنعام: ١٠٣.
[164] نهج البلاغة: ١٤.
[165] نهج البلاغة: 39.
[166] الإحتجاج: 1/260.
[167] ينظر: لسان العرب، مادة (وطأ): 15/373.
[168] الإحتجاج: 1/262.
[169] ينظر: لسان العرب، مادة (خمص): 4/252.
[170] ينظر: الصحاح، مادة (صمخ): 634.
[171] سورة الكهف: 11.
[172] ينظر: الصحاح، مادة (لها): 1021.
[173] الإحتجاج: 1/262.
[174] ينظر: لسان العرب، مادة (ظهر): 8/312.
[175] سورة النمل: 16.
[176] الإحتجاج: 1/267.
[177] ينظر: فاطمة من المهد إلى اللحد، السيد محمد كاظم القزويني: 265.
[178] سورة مريم : ٥٦.
[179] سورة غافر: ٥٣.
[180] سورة فاطر:٣٢.
[181] سورة الأنبياء: ۷۹.
[182] الكشاف، الزمخشري: ۲۳/ 179.
[183] سورة مريم : ٦.
[184] التفسير الكبير: 13/ 297 .
[185] الإحتجاج: 1/265.
[186] ينظر: لسان العرب، مادة (حشا): 3/223.
[187] الإحتجاج: 1/267.
[188] ينظر: لسان العرب، مادة (نطق): 14/207.
[189] الإحتجاج: 1/260.
[190] الإحتجاج: 1/264.
[191] ينظر: لسان العرب، مادة (خرس): 4/67.
[192] الإحتجاج: 1/260.
[193] الإحتجاج: 1/266.
[194] ينظر: لسان العرب، مادة (حسا): 3/210.
[195] ينظر: لسان العرب، مادة (فكر): 10/340.
[196] ينظر: التربية الروحية، كمال الحيدري: 209.
[197] الإحتجاج: 1/255.
[198] ينظر: اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء(عليها السلام): 385.
[199] ينظر: لسان العرب، مادة (خمص): 4/252.
[200] الإحتجاج: 1/260.
[201] ينظر: الزهراء وخطبة فدك: 80.
[202] الإحتجاج: 1/265.
[203] ينظر: لسان العرب، مادة (وسم): 15/338.
[204] فقه اللغة وسر العربية: 198.
[205] الإحتجاج: 1/264.
[206] ينظر: لسان العرب، مادة (ذأب): 5/14.
[207] الإحتجاج: 1/262.
[208] الإحتجاج: 1/281.
[209] ينظر: لسان العرب، مادة (فغر): 10/326.
[210] الإحتجاج: 1/262.
[211] ينظر: لسان العرب، مادة (جدل): 2/247.
[212] الإحتجاج: 1/280.
[213] ينظر: لسان العرب، مادة (قجم): 11/68.
[214] ينظر: الزَّهراء (عليها السلام) وخطبة وفدك: 143.
[215] ينظر: لسان العرب، مادة (بهم): 1/643.
[216] الإحتجاج: 1/262.
[217] ينظر: الصحاح، مادة (بهم): 110.
[218] الإحتجاج: 1/271.
[219] الإحتجاج: 1/257.
[220] الإحتجاج: 1/268.
[221] ينظر: الصحاح، مادة (خطم): 316.
[222] ينظر: الصحاح، مادة (رحل): 415.
[223] سورة الكهف: ٤٩.
[224] ينظر: لسان العرب، مادة (بهم): 1/643.
[225] الإحتجاج: 1/274.
[226] ينظر: لسان العرب، مادة (شجر): 7/34.
[227] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 409.
[228] مسند فاطمة الزهراء(عليها السلام): 406.
[229] الإحتجاج: 1/261.
[230] ينظر: لسان العرب، مادة (ورق): 15/311.
[231] ينظر: لسان العرب، مادة (ضرا) 8/64, ويُقال: ما واراك من أرضٍ فهو الضَّراء, وما واراك من شَجَرٍ فهو الخَمَر.
[232] الإحتجاج: 1/266.
[233] ينظر: لسان العرب، مادة (ضرا) 8/64.