الباحث : الدكتور إبراهيم فاضل حميد التميمي
اسم المجلة : العقيدة
العدد : 29
السنة : شتاء 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث : January / 14 / 2024
عدد زيارات البحث : 1688
الملخّص
يعنى المقال بحقيقة رؤية الله البصريّة الحسيّة في ضوء تفاسير القرآن الكلاميّة فيقدّم عرضًا ونقدًا موجزين لأبرز مباني مفسّري التفاسير الكلاميّة وأهمها، وعلى رأسهم المعتزلة والأشاعرة والإماميّة، تلك المباني التي تُعنى بتفسير مفهوم وحقيقة مفردة الرؤية البصريّة الحسيّة المتعلقة بالذات المقدسة والبحث فيها نفيًا وإثباتًا في الدنيا والآخرة.
إذ وقع الخلاف بين مفسّري تلك التفاسير في بيان المعنى الحقيقي لذلك المصطلح، بين قائلين بإمكان رؤية الذات المقدّسة رؤيةً حسيّةً بصريّةً على تفصيلٍ بين عالَمي الدنيا والآخرة، مستندين في ذلك إلى أدلّةٍ نقليّةٍ فقط، وبين قائلين بعدم إمكان الرؤية البصرية، وحصر الإمكان بالرؤية القلبيّة مستندين في ذلك على أدلةٍ عقليّةٍ ونقليّة.
وقد ارتكزنا في بيان البحث على المنهج التحليليّ الموضوعيّ، حيث قمنا بجمع أبرز تلك الأقوال والآراء التفسيريّة، ومن ثم تقسيمها تقسيمًا موضوعيًّا يتمحور في ثلاث مبانٍ رئيسة:
الأول: مبنى مفسّري المدرسة الاعتزاليّة.
الثاني: مبنى مفسّري المدرسة الأشعريّة.
والثالث: مبنى مفسّري المدرسة الإماميّة.
وقدّمنا بيانًا وعرضًا موجزًا لتلك الآراء وفقًا للتقسيم المذكور، ومن ثم نقدها وتقييمها وفقًا للضوابط العلميّة والعقليّة والمنطقيّة والنقليّة، وقد توصّلنا في نهاية البحث الى أنّ جذور وأساس ذلك الخلاف القائم بين المفسّرين يرجع في الدرجة الأولى إلى هشاشة وضعف المباني القائمة على أدلةٍ نقليّةٍ ضعيفةٍ محضة، من دون إعمال العقل والمنطق في ذلك. وتجلّى الرأي المختار في أنّ حقيقة امتناع الرؤية الحسيّة لله تعالى، تعني القصور الذاتي للحاسة البصريّة، في تكوين صورةٍ في الذهن، تحكي عن الصورة الخارجيّة لذاته عزَّ وجلَّ، وقد تم بيان جزئيات المبنى، وبرهنته وإثباته بأدلةٍ نقليّةٍ وعقليّة.
الكلمات المفتاحية
حقيقة، الله، رؤية، تفاسير، القرآن، الكلاميّة.
Abstracts
The article is concerned with the reality of Allah's visual and sensory vision in the view of the Qur'an's verbal interpretations, so it provides a brief presentation and criticism of the most prominent and important premises of theological interpretations, especially the Mu'tazila, Ash'ari and Imami, those premises that are concerned with interpreting the concept and reality of the individual visual vision related to the sacred self and researching it in denial and proof in this world and the hereafter.
There was disagreement between the interpreters of these interpretations in explaining the true meaning of that term, between those who say that the Holy Self can be seen in a visual sensory vision on a detail between the worlds of this world and the hereafter, based on anecdotal evidence only, and those who say that visual vision is not possible, and that the possibility is limited to cardiac vision, based on mental and transmission evidence.
In the research statement, we have based on the objective analytical approach, where we collected the most prominent of these statements and interpretive opinions, and then divided them objectively centered on three main buildings:
The first: the promise of the interpreters of the Mu'tazili school.
Second: The promise of the interpreters of the Ash'ari school.
And the third: the building of the interpreters of the Imami school.
We made a statement and a brief presentation of those views according to the division mentioned, and then criticism and evaluation in accordance with the scientific, mental, logical and transport controls, and we have reached at the end of the research that the roots and basis of that disagreement between the interpreters is primarily due to the fragility and weakness of promises based on evidence of transmission purely weak, without the implementation of reason and logic in it. The chosen opinion was reflected in the fact that the fact of refraining from seeing the sensory of Allan Almighty, means the inertia of the visual sense, in the formation of an image in the mind, telling about the external image of himself Almighty, has been the statement of the parts of the promise, and proven and proven by transmission and mental evidence.
Keywords: The truth of Allah is a vision of the Qur'an's theological interpretations.
مقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على خير خلقه، محمّدٍ وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
أمّا بعد:
فقد نزل القرآن الكريم على قلب نبيّنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأجمل صورةٍ وأبهى منزلةٍ، واستجلى بنور بلاغته المعاني العميقة، المتناغمة مع تركيبة العقل البشري، والموافقة لمنطق تفكيره ومدركاته.
إلّا إنّه بحكم تباعد الأزمان وتداخل الثقافات وامتزاج حقائقه بمختلف العلوم والمعتقدات، وجدَ حائلٌ دون الوصول إلى حقائقه ومرتكزاته، فتولّدت عبر ذلك أفكارٌ متضاربةٌ ومعتقداتٌ مختلفة، منها ما يقرّب إلى الحقّ ومنها ما يبعّد عنه، وتشكلت إثر ذلك شتى المدارس الكلاميّة، وكان من أبرز تلك المدارس: المعتزلة، والأشاعرة، والإماميّة، ومنه ندرك حقيقة وقوع الاختلاف في جملةٍ من مفاهيم القرآن وحقائقه.
وتعدّ (حقيقة رؤية الله تعالى) مسألةً خطيرةً بارزةً، وقع الخلاف في بيان حقيقتها واستجلاء جوهرها. ومن هنا، وقع اختياري على هذا البحث، وهو:(حقيقة رؤية الله تعالى في ضوء تفاسير القرآن الكلاميّة)، الذي يهدف إلى بيان جوهر الحقيقة الاعتقاديّة بالرؤية الإلهيّة من منطلقات منطقيّة ومبتنيات عقليّة، من خلال عرض ونقد وتقييم لأمهات التفاسير الكلاميّة، بمنهجٍ مقارنٍ مستلهمًا العون من الله ورسوله وأهل بيته الأبرار (عليهم السلام)، في اتمامه وإخراجه بشكلٍ علميّ مقبولٍ ومقنع.
المبحث الأول
إضاءات تمهيديّة
المطلب الأول: مفهوم الرؤية لغةً واصطلاحًا
1- الرؤية في اللغة
ذكرت معاجم اللغة، أنّ للرؤية معانيَ واحتمالات متعدّدة، وهي لا تكاد تخلو من التداخل والتقارب فيما بينها.
قال صاحب التهذيب: رأيته بعيني رؤيةً، ورأيته رَأْيَ العين، أي حيث يقع البصر، قال ابن سيده: الرؤية النظر بالعين والقلب، والرأي: الاعتقاد، اسمٌ لا مصدر، والجمع آراء[1].
وجاء في الصحاح: الرؤية بالعين تتعدّى إلى مفعولٍ واحدٍ، وبمعنى العلم تتعدّى إلى مفعولين، يقال: رأى زيدًا عالمًا، ورأى رأيًا ورؤيةً وراءةً، مثل راعةٍ، والرأي معروف وجمعه أرْآءٌ وآراءٌ أيضًا مقلوب، ورئيٌّ على فعيلٍ، ويقال أيضًا: به رَئيٌّ من الجن، أي مسٌّ، ويقال: رأى في الفقه رأيًا[2].
وذكر الجرجاني في التعريفات: الرؤية، المشاهدة بالبصر، حيث كان في الدنيا والآخرة، وجاء في تاج العروس، أنّ للرؤية معاني عدّة، منها: النظر بالعين، الوهم والتخيّل، التفكّر، النظر بالقلب (العقل)[3].
ويتحصّل من مجموع ما تقدّم أنّ معنى الرؤية يتمحور بالإجمال حول: العلم، والاعتقاد، والمشاهدة، والنظر بالعين والقلب.
2- الرؤية الاصطلاح:
والرؤية اصطلاحًا هي ليس ببعيدةٍ عن المعنى اللغويّ أي المشاهدة بالبصر للأشياء الظاهرة والمحسوسة، أو بالبصيرة وهي نورٌ في القلب يُدرك به الحقائق والمعقولات والأمور المعنويّة حين يكون القلب مشحونًا باليقين والإيمان[4].
3 - الرؤية في الاصطلاح العلمي:
هي النور الساقط على الجسم تنعكس صورته على العين فتحصل صورة الجسم في الدماغ، حيث تقوم القرنيّة في العين بتجميع الأشعة الساقطة على الأجسام، ومن ثم تتجمع هذه الأشعة من القرنيّة إلى شبكيّة العين، وتقوم هذه الأشعة الساقطة بتكوين شحناتٍ كهربائيّةٍ تمرّ عبر العصب البصري إلى الجزء المخصّص للإبصار في الدماغ، فيقوم الدماغ بتفسير هذه الرسائل وترجمتها إلى صورٍ وأشكالٍ للأجسام الخارجيّة[5].
4- الرؤية في الاصطلاح القرآني:
إنّ معنى الرؤية في الاصطلاح القرآني، جاء موافقًا للمعاني اللغويّة المذكورة، فيما إذا كان المصطلح مرتبطًا بالرائي والمرئي المادّي المحسوس[6]. والرؤية في الاصطلاح القرآني أربعة معانٍ:
الأوّل: إدراك المرئي بالحاسّة كقوله تعالى:( لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) [7].
الثاني: إدراك المرئي بالوهم والتخيّل كقوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى)[8].
الثالث: إدراك المرئي بالعقل كقوله تعالى:(إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْن)[9].
الرابع: إدراك المرئي بالقلب كقوله تعالى: (ما كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)[10].
مقصود الباحث من الرؤية المبحوث عنها في هذا المقال هو الرؤية البصريّة الحسيّة الماديّة.
المطلب الثاني: ملامح نشوء مدارس التفسير الكلامي
دائرة المقال تدور حول تفسير الرؤية للذات المقدّسة طبق الآراء والاتّجاهات الكلاميّة بنظرة مقارنة بين الإماميّة والمعتزلة والأشاعرة، فمقتضى البحث نقوم بنبذةٍ تعريفيّةٍ عن هذه المدارس:
أولًا: المعتزلة
إنّ مسألة الاختلاف في المعتقدات لم تكن بارزةً في عصر النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما حصل الخلاف في ذلك بعد رحلته (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا سيّما فيما كان يتعلّق بشؤون الإمامة وملابساتها حينذاك، إلى أنّ راجت تلك الخلافات شيئًا فشيئًا وتضخّمت، لتضمّ مباحث صفات الله وصفات أنبيائه. وتبلورت معالم علم الكلام في نهايات القرن الهجري الأوّل، إلى بدايات القرن الهجري الثاني، وبرزت حينها أوّل مدرسةٍ كلاميّةٍ متمثّلة، بالمدرسة الاعتزاليّة، على يد مؤّسسها واصل بن عطاء سنة (80 - 131 هـ). وعمرو بن عبيد، وأبي الهذيل العلّاف، وإبراهيم النظّام، والجاحظ، القاضي عبد الجبّار المعتزلي والزمخشري. ومن أبرز تفاسيرهم، تفسير متشابه القرآن، للقاضي عبد الجبّار الهمداني، وتنزيه القرآن لعبد الجبّار المعتزلي، والكشّاف لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، وأنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) للقاضي ناصر الدِّين أبي الخير عبد الله بن عمر بن محمّد بن عليّ البيضاوي[11].
ومن أبرز معالم هذه المدرسة، هي: أن الإنسان حرٌّ ومختارٌ في أفعاله، وأنّ الكتاب يجوز تفسير آياته بمعونة العقل، وأنّه بالإمكان فهم أغلب مضامينه بوسيلة العقل (دون النقل)، وفي موارد تعارض النقل مع العقل، فإنّهم يقدّمون العقل على النقل، ويذهبون إلى أنّ الفاسق ليس مؤمنًا ولا كافرًا، أي (المنزلة بين المنزلتين)، وأنّه ليس بإمكان الإنسان الحصول على المغفرة ما لم يتب. ويثبتون التوحيد الصفاتي، وينفون التوحيد الأفعالي، هذا مضافًا إلى اعتقادهم بعدل الله، وأنّ أفعاله لا تخلو من غايةٍ وهدف، كما يتبنون خلق كلام الله، وأن صفة القدم من مختصّاته تعالى، لا غير.
وبلغت آراء المعتزلة أوج رواجها في زمن المتوكّل العباسي، ثم تلا ذلك التنكيل بهم ونبذ معتقداتهم، ومن هذه النقطة، بدأت المدرسة الأشعريّة بالانتشار والرواج[12].
ثانيًا: الأشاعرة
ظهرت بعد تلك الحقبة الزمنيّة، مدرسة الأشاعرة على يد أبي الحسن الأشعري المتوفّى سنة (330 هـ)، فبدأت مسيرتها، من نهايات القرن الهجري الثالث وإلى بدايات القرن الهجري الرابع، ثمّ رافق ذلك ظهور المدرسة الماتريديّة، ومن روّادها، القاضي أبو بكر الباقلاني، وأبو إسحاق الأسفرايني، وإمام الحرمين الجويني، والإمام محمّد الغزالي، والفخر الرازي.
ومن أشهر تفاسيرهم، (تأويلات القرآن)، لأبي منصور محمود الماتريدي، ومدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي)، لعبد الله بن أحمد بن محمود بن محمّد النسفي، و(بيان المعاني)، لعبد القادر الملّا حويش آل غاري، ومفاتيح الغيب (التفسير الكبير) للفخر الرازي[13].
ثالثا: الإماميّة
وأما مرحلة نشوء المدرسة الإماميّة فقد وضعت ملامحها الأولية في أجواء ظهور تلك المدارس الكلاميّة، واستمدت أصولها العقائديّة من الكتاب الكريم وروايات المعصومين (عليهم السلام)، إلى أن أشتد عضدها وتبلورت مفاصلها في زمان الغيبة الصغرى وما بعدها على يد بعض الفقهاء والمحدثين، كالشيخ المفيد سنة (336 - 413 هـ). ومن أبرز المباحث الاعتقاديّة لهم، النصب الإلهي لإمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) من بعده، والقول بعصمة الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) في كافة شؤونهم وحيثياتهم.
وقد قامت تلك المدارس الكلاميّة - انطلاقًا من ثوابتها الكلاميّة - بتفسير آيات القرآن أيضًا، فكانت انطلاقة كلّ مدرسةٍ، بأن تتمسّك بالآيات الموافقة لمسلكها وترد الآيات المخالفة لآرائها، بأن تقوم بتأويلها أو توجيهها، بأيّ وجهٍ ينفي التعارض مع منطلقاتها وثوابتها.
ويشكّل هذا السير الفكري، الحجر الأساس لظهور المناهج الكلاميّة في تفسير القرآن الكريم، بمشاربها المختلفة. ويتمثّل منهج هذه المدرسة في تفسير الكتاب، بالتمسّك بكلٍّ من ظواهر القرآن الكريم وبواطنه. ومن أشهر تفاسير هذه المدرسة، (غرر الفوائد ودرر القلائد) للشريف المرتضى، و(تفسير التبيان) للشيخ أبي جعفر الطوسي، وتفسير مجمع البيان، لأبي علي الطبرسي، و(متشابه القرآن ومختلفه)، لابن شهر آشوب المازندراني، و(حدائق ذات بهجة)، لأبي يوسف عبد السلام القزويني، و(بلابل القلاقل)، لأبي مكارم محمّد بن محمّد الحسني، و(دقائق التأويل وحقائق التنزيل)، لأبي المكارم محمّد بن محمّد الحسني، و(جلاء الأذهان وجلاء الأحزان)، لأبي المحاسن حسين بن الحسن الجرجاني، و(لوامع التنزيل وسواطع التأويل)، لأبي القاسم الرضوي اللاهوري، و(آلاء الرحمن)، لمحمّد جواد البلاغي النجفي، و(الميزان في تفسير القرآن)، لمحمّد حسين الطباطبائي، و(مواهب الرحمن)، للسيّد عبد الأعلى السبزواري، و(تفسير الأمثل)، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
ومن أشهر المباحث الكلاميّة في تفسير الآيات القرآنية هي: والتوحيد الصفاتي، والتوحيد الأفعالي، وعصمة الأنبياء (عليهم السلام)، والعدل الإلهي، والإمامة، والهدى والضلال وارتباطهما بحرية واختيارية أفعال الإنسان، ورؤية الله بحاسة البصر، والتجسيم، والتشبيه[14].
المبحث الثاني
عرض مباني الأدلة التفسيريّة الكلاميّة حول رؤية الذات المقدّسة
يدور الكلام حول أمكان وعدم امكان رؤية الذات المقدّسة البصريّة الحسيّة تارةً في الدنيا وأخرى في الآخرة، على هذا الأساس ينقسم هذا المبحث الى عدّة مطالب:
الأوّل: إمكان الرؤية مطلقًا، الثاني: عدم امكان الرؤية مطلقًا، الثالث: القول بالتفصيل حول إمكان الرؤية وعدمها في الدنيا والآخرة.
المطلب الأول: امكان الرؤية مطلقًا
قد ذهب بعض متكلّمي الأشاعرة إلى عدم استحالة رؤية الذات المقدّسة بالبصر والنظر الحسي واستدلّوا بقوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)[15].
تقريب الاستدلال:
إنّه لو كانت رؤية الله محالةً في المقام، لما كانت هنالك ضرورةٌ للسؤال من قبل موسى (عليه السلام)، وكان السؤال جهلًا وعبثًا؛ لأنّه نبيٌّ يعلم ما يجب في حقّ الله وما يستحيل، ومنه يعلم إمكان رؤيته تعالى، وحيث جاء التعبير بـ(لَن تَرَانِي)، ولم يجئ بـ(لا أُرى)، دلّ ذلك على أنّ رؤية ذاته تعالى جائزة.
والأمر الثاني أنّ رؤية الله معلّقةٌ على أمرٍ ممكنٍ؛ لأنّه تعالى علّق الرؤية باستقرار الجبل حال تجليه له، وهو أمرٌ ممكنٌ في نفسه؛ لإنّ استقرار الجبل من حيث هو ممكن وكلّ ما تعلّق بالممكن ممكن، كما قال تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّا) فهذا دالٌ على أنّ الجبل حين رأى الله تعالى، اندكّت أجزاؤه دكًّا، ومنه يعلم إمكان رؤيته تعالى[16].
قال في شرح الطحاويّة (وهذا القول الذي قاله القاضي عياض، ولو لم تكن ممكنة لما سألها موسى) [17]. وقال النووي مبيّنًا هذا المعنى: (إنّ رؤية الله في الدنيا ممكنةٌ، ولكن الجمهور من السلف من المتكلّمين عندهم أنّها لا تقع في الدنيا شرعًا) [18].
رد الاستدلال
أولا: طلب الرؤية لم يكن حقيقةً من موسى (عليه السلام) فجاء على أساس لسان حال قومه فلما كانت الرؤية لموسى محالة فمن باب أولى عدم روية غيره وهم أدنى منه، فلو أجابهم موسى باستحالة ذلك لم يقنعوا وأرادوا الجواب من الله، ويشهد لذلك قولهم دائمًا يا موسى اسأل لنا ربك كما في مسألة البقرة، وهي مسألة لا يُعتدّ بها قياسًا برؤية الذات المقدّسة فتحتاج المسألة إلى جوابٍ قاطعٍ يقيني، فجاء الجواب من الله بعدم الرؤية البتة كما في قوله تعالى (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ)[19]، حتى السؤال عن رؤية الله ممنوع، فينفي بأنّه جائز الوقوع.
ثانيًا: وأمّا التجلي للجبل فلم يكن بمعنى الرؤية؛ لأنّ الجبل لم يكن من المبصرات؛ لذا تجلّت قدرة الله للجبل، وليس رؤية الجبل لله تعالى.
مناقشة الاستدلال
إنّهم ذكروا أنّ موسى (عليه السلام) لم يسأل الرؤية لنفسه، بل سألها لقومه لمّا طلبوا منه ذلك، ويلحظ أنّه كيف سأل (عليه السلام) بلسان قومه أمرًا ممتنعًا، مع علمه وعلم الله بامتناع ذلك الأمر؟
وعليه فمعرفة حقيقة ذلك الطلب وبأيّ نحوٍ كان، وبلسان أيٍّ كان، وما هو مقصوده الجدّي منه، متوقّفٌ على معرفة حاله (عليه السلام) وما يضمره في قلبه، والقرائن اللفظيّة والحاليّة المحفوفة بالآية، إنّما جُعلت شاهدًا ومؤيّدًا لذلك المراد، دون تشخيص واقعيته وحقيقته.
بينما الأَوْلى أن يقال، إنّ موسى (عليه السلام) سأل بلسان ربّه لا قومه، إذ بعد علمه بامتناع طلب هذا الأمر، أوحى الله إليه أنْ يطلب منه ذلك؛ لإلقاء الحُجّة على قومه، وإظهار عظم ذلك الأمر وخطورة، وأنّه من المحالات في حقّه تعالى.
وهذا البيان والتفسير لحقيقة مجرى الواقعة، لم يتّضح ويتجلّى، إلّا من خلال الأخبار والروايات المعتبرة، ولا سبيل آخر لمعرفة ذلك إلّا من هذا المصدر. مع كون القرائن اللفظيّة والعقليّة منسجمةً تمام الانسجام مع ما ذكر.
وما ذكر من أنّه (عليه السلام) إنّما سأل الرؤية القلبيّة، أي رؤية لآياته الباهرة، فهو منسجمٌ مع هذا البيان، لا بسؤاله أمرًا ممتنعًا بلسان قومه أن يروا الله جهرةً؛ لذا عندما طلبوا هذا الأمر جاءهم العذاب.
المطلب الثاني: عدم إمكان رؤية الذات المقدّسة مطلقًا
هذا القول مختلفٌ فيه إذ ذهب الأشاعرة إلى إمكان الرؤية، وخالفهم في هذا القول العدليّة (الإماميّة والمعتزلة) فقالوا بامتناع الرؤية البصريّة مطلقًا مستدلّين على استحالة رؤية الذات المقدّسة بالبصر في الدنيا والآخرة ــ أو بعبارة أخرى عدم الرؤية مطلقًا ــ بالعقل والنقل.
أولًا-الاستحالة عقلًا
ذهب العدليّة إلى أنّه ليس بالإمكان لأيّ كائنٍ أن يراه تعالى لاستحالة الرؤية عقلًا؛ لأنّ القول بجواز الرؤية يقتضي إثبات صفة العلو؛ لأنّها من المادّيّات والله تعالى غير مادّيّ فلا يمكن رؤيته بحالٍ ومقتضى القول بعدم الرؤية هو التنزيه عن التشبيه؛ لأنّ الرؤيا لا تحصل إلا بانطباع صورة المَرئي في العين، ومن شروط ذلك انحصار المَرئي في جهةٍ معينةٍ من المكان والله ليس بجسمٍ ولا تحدّه جهةٌ من الجهات[20]، ثم إنّه لو جاز رؤيته في الآخرة لجاز رؤيته الدنيا، وهذا عين استدلال الإماميّة بذلك. كما قال الشيخ المفيد: (لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار، وبذلك شهد العقل ونطق القرآن... والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك) [21]، إنّ القول برؤية الذات المقدّسة بالبصر يستلزم نسبة الجهة والمحدوديّة والجسمانيّة والشكل والصورة، ولمّا كان الله منزّهًا عن هذه الأمور فتستحيل رؤيته البصريّة، يضاف إلى ذلك أنّ الرؤية البصريّة لا تتحقّق إلّا بالمكان والزمان، فإنْ تحقّقت يعني أنّه تعالى فقيرٌ لهما، والله منزّهٌ عن ذلك؛ لأنّه غنيٌّ عمّن سواه.
ثانيا-الدليل النقلي
ذهب مفسّرو الإماميّة والمعتزلة، إلى استحالة رؤيته تعالى نقلًا، وقد أثبتوا ذلك من خلال التمسّك بجملةٍ من الآيات القرآنيّة الدالة على نفي رؤيته تعالى بالعين الحسيّة، ومن تلك الآيات:
1- قوله تعالى: (لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ)[22].
وتقريب الاستدلال:
إنّ التحقيق يقتضي كون المراد من إدراك البصر، هو الرؤية الحسيّة المتعارفة، ووفقًا لقاعدة عموم الشيء مستلزم لعموم جميع أفراده، ثبت أنّ عموم هذه الآية مستلزمٌ لعموم نفي جميع الأفراد وفي كلّ حال، فتحصل أنّه ليس بالإمكان لأيّ كائنٍ أنْ يرى الذات المقدّسة.
هذا مضافًا إلى أنّ قوله: (لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ) بحسب السياق والصياغة التركيبيّة للآيات القرآنيّة، يُعدّ مدحًا وثناءً في حقه تعالى[23].
استدلّ مفسّرو المدرسة الإماميّة بهذه الآية على استحالة رؤيته تعالى بالتقريب الآتي: وهو أنّ المدح في نفي رؤيته تعالى مستلزمٌ لقبح إثبات الرؤية له عقلًا، ومتى ما وصف الباري ذاته بصفةٍ ثبوتيّةٍ أو سلبيّةٍ ما، وكان في مقام المدح والتعظيم، كان ما يقابل ويضادّ تلك الصفة، نقصًا وعيبًا في حقّه تعالى بالدلالة الالتزاميّة، ومنه يعلم أنّ المدح قد أُستفيد من السياق القرآني للآيات، وأنّ الدلالة الالتزاميّة قد استفيدت من القواعد العقليّة والمنطقيّة، وأنّ ثبوت معنى المدح قد أُستفيد من الدلالة اللغويّة والبلاغيّة، والغرض دفع شبهة التجسيم.
ردّ الاستدلال
يلاحظ أنّ لتلك الأدوات التفسيريّة تأثيرًا في تكوين الصناعة التفسيريّة، إلا أنّها في مجال التطبيق والاستدلال بحاجةٍ إلى نظرةٍ دقيّةٍ أكبر، فالوقوف على دلالة السياق عند المدح، من دون الإشارة إلى أيّ صورةٍ من صوره، وما هو الغرض الواقعي منه، وما مدخليّته مع سياق الآيات السابقة، يبقي تلك التساؤلات بحاجةٍ إلى الإجابة والدقة والتحليل، وكذا الأمر بالنسبة إلى سائر الأدوات، من حيث ثبوتها ودلالتها.
ما ذكر من أنّ المدح جاء في قوله: (لا تدركه الأبصار)، لأجل دفع شبهة التجسيم عن أفهام المشركين، الذين تصوّروا أنّ كونه تعالى على كلّ شيء قدير، أنّ له جسمًا كسائر الأجسام، فهذا الفهم المذكور غير تام؛ لأنّ شبهة التجسيم والتشبيه قد اخترقت عقول بعض علماء المسلمين وأتباعهم، وهم الموحِّدون والمنزهِّون له من الشرك والنقص.
مناقشة الاستدلال
فكلّ ما يتصوّر عدمه مدحًا - كعدم رؤيته - ولم يكن ذلك من باب الفعل، كان تصوّر ثبوته - كثبوت رؤيته - نقصًا في حقه تعالى، والله منزّه من النقص، فهو محال، وعليه، فكونه تعالى مرئيًّا محال[24].
وأمّا الاستدلال بصحّة الاستثناء على عموم النفي، فمعارض بصحّة الاستثناء عن جمع القلّة، مع أنّها لا تفيد عموم النفي، بل نسلم أنّه يفيد العموم إلّا أنّ نفي العموم غير عموم النفي، وقد دللنا على أنّ هذا اللفظ لا يفيد إلّا نفي العموم، وبينا أنّ نفي العموم يوجب ثبوت الخصوص.
فتحصل أنّ الرؤية البصريّة للذات المقدّسة منفيّة.
2- قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)[25].
تقريب الاستدلال:
إنّ موسى (عليه السلام) لم يسأل الرؤية لنفسه، بل سألها على لسان قومه، إذ إنّهم كانوا جاهلين بذلك الأمر، أو أنّه (عليه السلام) لم يكن عارفًا بعدم جواز رؤيته تعالى، أو أنّ الباري هو من طلب من موسى (عليه السلام) أن يسأل ذلك لإظهار الآيات الباهرة التي تزول بها الخواطر والوساوس عن معرفته، أو أنّه (عليه السلام) سأل ذلك كي يبرهن بالدلائل السمعيّة على امتناع رؤيته تعالى، وبهذا يتأكّد الدليل العقلي بالدليل السمعي[26].
رد الاستدلال:
الأول: قالت الأشاعرة إجماع العقلاء على أنّ موسى (عليه السلام) ما كان في العلم بالله أقلّ منزلةً ومرتبةً من العدليّة، فلما كان كلّهم عالمين بامتناع الرؤية على الله تعالى وفرضنا أنّ موسى (عليه السلام) لم يعرف ذلك، كانت معرفته بالله أقلّ درجةً من معرفة كلّ واحدٍ من العدلية، وذلك باطل بإجماع المسلمين.
يرد عليه
التأويل الأوّل: ردّ الأشاعرة على العدليّة بأنّ القول بأنّ موسى (عليه السلام) إنّما سأل الرؤية لقومه لا لنفسه، فاسدٌ؛ لأنّه لو كان الأمر كذلك لقال موسى: (أرهم ينظروا إليك)، ولقال الله تعالى: (لن يروني)، فلمّا لم يكن كذلك، بطل هذا التأويل.
يرد عليهم
إنّ صيغة السؤال وإنّ كانت واردة على لسان موسى (عليه السلام) ظاهرًا، لكن إذا كان موسى على علو قدره لن يراه فمن باب أولى غيره لا يراه لأنّه أدنى من موسى مرتبةً.
التأويل الثاني: من أنّه (عليه السلام) سأل رؤية آيةٍ من آياته تعالى، فغير تامٍ من وجوه:
إنّه على هذا التقدير يكون معنى الآية (أرني أمرًا أنظر إلى أمرك)، ثم حذف المفعول والمضاف، لكن سياق الآية يدلّ على بطلان هذا، وهو قوله: (أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِى)[27]. فسوف تراني (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) ولا يجوز أن يحمل جميع هذا على حذف المضاف[28].
يرد عليهم
هذا ليس بعزيزٍ في اللغة إذا كانت هناك قيودٌ عقليّةٌ والقيد العقليّ هنا موجودٌ من حيث استلزام إثبات الجسميّة للذات المقدّسة إذا قلنا بالرؤية البصريّة؛ لأنّ الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[29]
3- قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)[30]
تقريب الاستدلال:
استدلّ العدليّة على عدم إمكان الرؤية مطلقًا بهذه الآية ولو كانت الرؤية جائزةً لما استحقّوا هذا العقاب الصارم بمجرد السؤال عن رؤية الذات المقدّسة، إذ أرشدت الآية أنّ مجرّد طلب الرؤية يعدّ من الذنوب الكبيرة الموجبة لنزول العذاب الدنيوي قبل الأخروي، ومثل هذه الآية آيات أخرى منها: (سألوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)[31]، وآية ثالثة: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا)[32] ، وهذا بيان جلي على استحالة ذلك، فلو كانت الرؤية أمرًا ممكنًا لكان المرجو منه التلّطف بهم بأنّكم سترونه في الآخرة لا في الدنيا، ولكنّا نرى سبحانه يقابلهم بشدّةٍ وحدّة بنزول الصاعقة، ثم يحييهم بدعاء موسى (عليه السلام) كما أنّ موسى لما طلب الرؤية، وأجيب بالمنع تاب إلى الله، وقال أنا أوّل المؤمنين أنّك لا ترى[33].
4- الروايات عند الإماميّة في استحالة الرؤية مطلقًا قد بلغت حدّ التواتر منها عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «جاء حبر إلى أمير المؤمنين سأله هل رأيت ربّك؟ فقال (عليه السلام): ويلك ما كنت أعبد ربًّا لم أره، قال كيف رأيته، قال ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان» [34].
المطلب الثالث: القول بالتفصيل حول إمكان الرؤية وعدمها
ظهر ممّا مرّ من المباحث والمطالب السابقة أنّ في رؤية الذات المقدّسة اتّجاهين الأول: قائل بالإمكان مطلقًا وظهر ضعف هذا الاتّجاه، والآخر يرى استحالة الرؤية البصريّة مطلقًا وهو قول العدليّة من الإماميّة والمعتزلة، وهنا قول ثالث للأشاعرة يرون عدم إمكان الرؤية البصريّة في الدنيا، ووقوعها فعلًا في الآخرة ولهم على ذلك استدلالات من الكتاب والسُّنّة.
الاول-الكتاب العزيز
1- قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[35].
تقريب الاستدلال:
قد ذهب المفسّرون من الأشاعرة إلى أنّ في معنى (إلى ربّها ناظرة) هو نظر العين لمشاهدة الذات المقدّسة كون لفظ النظر ظاهرًا في الحقيقة لا المجاز، أنّ النظر المذكور في الآية، لا يراد منه تقليب الحدقة إلى جانب المرئي، وإلا لاستلزمت الآية: (أنظر إليك) أن يكون الباري محدّدًا بجهةٍ ومكانٍ مشخّصين عندما طلب موسى (عليه السلام) النظر إليه، وهذا محالٌ في حقّه، بل المراد منه، هو رؤيته تعالى في ذلك اليوم.
إنّ عدم إمكان حمل النظر على حقيقته، يلزم حمله على مسببه، ألا وهو الرؤية، أي من حيثيّة إطلاق السبب على المسبّب له، فأولويّة حمل النظر على الرؤية، ناتجة عن كون تقليب الحدقة سببًا للرؤية[36].
ردّ الاستدلال
هذا الوجه باطل عند جمهور العدليّة من الإماميّة والمعتزلة، كون الشيء المنظور إليه بالعين يكون ملحوظًا ومشارًا بالحدقة إليه، وهو محال، ثم إنّ رؤية العين تستلزم المقابلة والتوجّه واتصال الشعاع بالمرئي، والله منزّهٌ عن جميع ذلك، ثم إنّ النظر في اللغة لا ينحصر معناه في الرؤية؛ بل إذ نسب إلى العين أفاد معنى الرؤية، وإذا نسب إلى القلب أفاد معنى المعرفة.
الاتّجاه الثاني: بمعنى الانتظار، أي منتظرة لثواب ربّها، أو مؤملة لتجديد الكرامة، أو أنّهم قطعوا آمالهم وأطماعهم عن كلّ شيء سوى الله تعالى.
ويمكن أن يكون المعنى، النظر بالعين حقيقة، وبمعنى الانتظار مجازًا، كما ذهب إلى ذلك السيّد المرتضى.
وعليه، فإنّ النظر إليه تعالى ليس بمعنى النظر الحسّي المتعلّق بحاسّة العين، إذ إنّه قامت الأدلّة القطعيّة على بطلانه كما مرّ في المطلب الثاني، بل المراد هو رؤية القلب بحقيقة الإِيمان، على ما تدلّ عليه الأدلّة والأخبار المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام)[37].
3- قوله تعالى: (وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ)[38].
تقريب الاستدلال:
قد ذهب جمهور الأشاعرة إلى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حال رؤيته لله عند سدرة المنتهى، أي فوق السماء السادسة، بَعُدَ احتمال وجود جنّ أو إنس هناك، فقال تعالى: أفتمارونه على ما يرى - بعينه (صلى الله عليه وآله وسلم) - وقد رأى الله سبحانه في تلك السماء، فكيف تنكرون ذلك؟
والنزول المقصود به في الآية، هو القرب المعنوي لا القرب الحسّي، حيث إنّه تعالى قد يفرض اقترابه من عباده بالعطف والرحمة، في حين أنّ العباد لا يرونه بعيونهم الحسيّة[39].
ردّ الاستدلال
اعترض العدليّة على استلال الأشاعرة بأنّه ليس المراد من رؤيته (صلى الله عليه وآله وسلم) هو رؤيته لله تعالى، في السماء السادسة، بل إنّ الآية تعني أنّ جبرائيل نزل على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نزلةً أخرى غير الأولى، وعرج به (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى سلم السماوات، وتراءى جبرائيل له عند سدرة المنتهى على هيئته الأصليّة.
فالمراد من الرؤية هو رؤية القلب لا العين، ومن النزلة الأخرى هو نزلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند سدرة المنتهى، ومنه يتّضح أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى جبرائيل بقلبه، كما رآه في النزلة الأولى[40].
مناقشة الاستدلال
بناءً على القول التفسيري، من أنّ مرجع ضمير الهاء في (رآه) يعود إلى الله، فإنّ رؤيته تعالى من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنّما تتحقّق بصفةٍ قلبيّةٍ، أي من خلال مشاهدته لآياته الباهرة الكبرى، إذ إنّ خلو تلك السماء من الإنس والجن، لا يحتم أن يكون ذلك الشيء الذي رآه هو الله تعالى، إذ قد ثبت بالأدلة العقليّة والنقليّة استحالة رؤيته تعالى بالعين الحسيّة.
هذا، مضافًا إلى أنّ أغلب الوجوه التفسيريّة قد ذكرت من أنّ الذي رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك السماء، إنّما هو جبرائيل (عليه السلام).
والمماراة التي جاء بها المشكّكون غير ناظرةٍ إلى أصل المشاهدة والرؤية، بل هي ناظرةٌ إلى تلك الآيات الباهرات نفسها التي شهدها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقلبه وفؤاده
4- قوله تعالى: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ)[41].
تقريب الاستدلال:
يرى الاشاعرة أنّ تقييد الكفّار بصفة الاحتجاب عن رؤية الله، دالٌّ على أنّ المؤمنين خارجون عن ذلك القيد، فلا يُوصفون بالاحتجاب عن رؤيته تعالى، فالمؤمنون يرونه في الآخرة[42].
ردّ الاستدلال
رد العدليّة على هذا الاستدلال بأنّه ليس في الآية دلالة على أنّ الموصوفين بالكفر، محجوبون عن رؤيته تعالى بأبصارهم وحواسهم، بل المعنى أنّهم محجوبون يوم القيامة عن رحمته تعالى وإحسانه وكرمه، فهم محرومون من شرف القرب الإلهي والمنزلة عنده، ثم إنّ سقوط الحجاب بين الله والخلق، بمعنى حصول المعرفة التامّة به تعالى، وهذا الأمر حاصل للجميع[43].
مناقشة الاستدلال
فسّرت الإماميّة الاحتجاب الوارد في الآية بمعنى الحرمان من رحمة الله وكرمه، مستندةً في ذلك إلى بعض الأخبار الروايات، في قبال من ذهب من مفسّري الأشعريّة إلى أنّه بمعنى الحرمان أو المنع من رؤيته تعالى بالأبصار الحسيّة.
ويلاحظ أنّ مفسّري الإماميّة اقتصروا في الاستدلال على ما ورد من الأخبار، دون الاستناد إلى قرائن أخرى تؤكّد الاستدلال وتردّ التفسير المخالف.
ومن أبرز تلك الاستدلالات الدلالة السياقيّة للآيات المحفوفة بها، حيث ذكر تعالى أنّ هؤلاء المكذّبين بسبب كثرة الذنوب اسودّت قلوبهم (بل ران على قلوبهم)، ثم ترتب على هذا الأمر الاحتجاب عن رحمته تعالى والحرمان منها (إنّهم عن ربّهم لمحجوبون)، وهذا الحرمان من رحمته كان باعثًا لدخولهم نار الجحيم (ثم إنّهم لصالوا الجحيم)، فالابتعاد والحرمان من رحمة الله، هو العامل والمسبب في إدخالهم النار، وليس الحرمان من رؤيته بالأبصار.
5- قوله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[44].
تقريب الاستدلال:
إنّ اللقاء قد فسّره الأشاعرة برؤيته تعالى، إذ قد أورد تعالى في أواخر هذه السورة ما يدلّ على إمكان رؤيته تعالى في ثلاث آياتٍ: الأولى، قوله: (أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِ رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ)[45]. والثانية، قوله: (كَانَتْ لَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)[46]، والثالثة، قوله: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ)[47]، ولا دليل أفضل من ذلك على رؤية الذات المقدّسة[48]. وزيادة النظر إلى وجه الله، ومنها أنّ الصحابة اختلفوا في أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هل رأى الله ليلة المعراج، ولم يكفّر بعضهم بعضًا بهذا السبب؟ وما نسبه إلى البدعة والضلالة، وهذا يدلّ على أنّهم كانوا مجمعين على أنّه لا امتناع عقلًا في رؤية الله تعالى، فهذا جملة الكلام في سمعيّات مسألة الرؤية[49].
ردّ الاستدلال:
أجاب العدليّة على هذا الاستدلال بإنّ المراد من لقائه تعالى، محمولٌ على لقاء ثوابه تعالى، وأن يلقاه لقاءَ رضا وقبولٍ، لا الرؤية بالعين الباصرة[50]. وأمّا ما استدلّ به من الأخبار والآثار بنظر العدليّة فليست بصحيحةٍ بل معارضة لأخبار نفي الرؤية مطلقًا.
مناقشة الاستدلال:
إنّ هذه الآية تدلّ على أنّه تعالى جائز الرؤية في ذاته، وثبت أنّه متى كان الأمر كذلك، وجب القطع بأنّ المؤمنين يرونه، فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على حصول الرؤية، وهذا استدلالٌ لطيفٌ من هذه الآية، لكن هذا اللقاء معنويّ لا مادي.
6- قوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا)[51].
تقريب الاستدلال:
ذهب الأشاعرة إلى أنّ المُلك الكبير المذكور في سياق الآية، لا بدّ أن يكون مغايرًا لتلك النعم والملذات، وقد أجمع المسلمون على أنّ المراد الحقيقي منه، هو الله تعالى، لا غير[52].
ردّ الاستدلال:
ردُّ العدلية هو أنّ المُلك الكبير، لا يراد منه رؤيته تعالى، بل المراد، الثواب والتفضل المصحوبة بالتعظيم، فقد ذكر تعالى في الآيات السابقة تفصيل ذلك الثواب والتفضّل، وذكر في هذه الآية حصول التعظيم، بمعنى أنّ كلّ واحدٍ منهم يكون كالملك العظيم[53].
مناقشة الاستدلال:
إنّ حصر تفسير (المُلك الكبير) برؤية الله تعالى، غير تام. وإنّ المغايرة والاجماع، لا تدلان عليه، إذ إن هذا التفسير قائمٌ على أحد القراءات، حيث يقال: المَلك الكبير بالفتح، وهي من القراءات الضعيفة والشاذة، هذا مضافًا إلى أنّ الأخبار ورجال التفاسير، قد ذهبوا إلى غير هذا المعنى، فأين الإجماع إذًا؟، ولو صحّ، فهو مخالفٌ لصريح الأدلّة القرآنيّة والبراهين العقليّة.
7- قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ)[54].
تقريب الاستدلال:
قالت الأشاعرة إنّ النفوس الطاهرة مفطورةٌ على إرادة الوصول إلى معرفته تعالى على أتمّ وجهٍ، وهو ألذّ ما تشتهيه الأنفس وتبتغيه، وأوضح سبل معرفته، هي الرؤية، فلزم ذلك أن تكون رؤيته تعالى أمرًا مغروزًا في فطرة كلّ البشر، وهذا الأمر يلزم منه الضرورة حصول تلك الرؤية يوم القيامة[55].
مناقشة الاستدلال
لو سلّمنا بحقيقة كون النفوس الطاهرة مفطورةً على معرفته تعالى، فإنّ رؤيته تعالى بالعين الحسيّة ليست طريقًا لمعرفته.
هذا، لو سلمنا أنّ الآية ناظرةٌ إلى خصوص هذا المصداق، دون غيره من المصاديق الأخرى، إذ إنّ الظاهر من الآية أنّها في مقام بيان نعيم الجنة، والأنفس عادةً ما تميل فيها إلى قصورها وثمارها وأنهارها وحورها، ممّا لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على عقل بشر، ومن هنا جاء الترغيب بهذه العناوين، كونها أقرب إلى النفوس وأشدّ تأثيرًا فيها.
8- قوله تعالى: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[56].
تقريب الاستدلال:
ادّعى الشاعرة أنّه ورد في الحديث الصحيح، أنّ الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى الله سبحانه وتعالى. فالمشهور من كلمات المسلمين والثابت عند أهل الإسلام، أنّ لفظة الحسنى هي الجنة، وما تتضمنها من المنافع، ويترتّب على هذا، لزوم كون المراد من الزيادة شيئًا مغايرًا لمراد الحسنى، كي لا يحصل التكرار. ومن هنا، تقرّر القول: إنّ المراد منها، هو رؤية الله تعالى[57].
رد الاستدلال
يرى العدليّة أنّ لفظ الزيادة الوارد في الآية، لا يمكن حمله على معنى الرؤية، وذلك لعدّة أسباب، منها:
الأول: كون رؤيته تعالى ممتنعةً عقلًا، وفقًا للأدلّة العقليّة المبرهنة في محلّها.
والثاني: أنّه يلزم في الزيادة أنّ تكون من جنس المزاد عليه، هذا مع أنّ رؤيته تعالى ليست من جنس الجنة وأنعمها.
الثالث: أنّ الخبر المتمسّك به لإثبات الرؤية، هو ما روي أنّ الزيادة تعني النظر إلى وجهه تعالى، وهذا الأمر يوجب التشبيه؛ لأنّ النظر يقتضي كون المرئي منحصرًا في جهةٍ ما، وهو من التشبيه، فلا يمكن حمله على الرؤية، ولزم حمل لفظ الزيادة على معنى آخر، فالزيادة فُسِّرت بما يزيده الله تعالى على هذا الثواب من التفضّل، فقد جاء في قوله تعالى: (لِيُوَفّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ)[58].، ونقل عن علي (عليه السلام) أنّه قال: «الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة»[59].
مناقشة الاستدلال:
إنّ التكريم الإلهي للمؤمنين المتمثّل بجنات الفردوس، لا يحتم ضرورة الكرم والعطاء في أن يتشرّف بعد ذلك المؤمنون برؤيته بأبصارهم الحسيّة؛ إذ إنه قد ثبت استحالة هذا المصداق عقلًا، وحيث إنّ مصاديق العطاء والفضل الإلهي لها أشكال وأنحاء عدّة، فلا وجه للذهاب إلى ذلك المصداق بعد ثبوت استحالته.
9- قوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)[60].
تقريب الاستدلال:
قالت الاشاعرة إنّ التكريم الإلهي في جنات الفردوس غير مقتصرٍ على النُزُل بمقتضى عطائه تعالى، بل لازم ذلك حصول تكريمٍ أكبر وأكمل، ولا يُتصوّر شيءٌ أكمل وأعظم من رؤيته سبحانه وتعالى[61]. فإن قالوا: أليس أنّه تعالى جعل في الآية الأولى جملة جهنم نُزُلًا الكافرين ولم يَبقَ بعد جملة جهنم عذابٌ آخر، فكذلك ههنا جعل جملة الجنة نُزُلًا للمؤمنين مع أنّه ليس له شيء آخر بعد الجنة، قلنا: للكافر بعد حصول جهنم مرتبة أعلى منها، وهو كونه محجوبًا عن رؤية الله، كما قال تعالى: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ)[62]. فجعل الصلاء بالنار متأخرًا في المرتبة عن كونه محجوبًا عن الله، ثم قال تعالى:(لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) الحول التحول، يقال: حال من مكانه حولًا كقوله عاد في حبها عودًا يعني لا مزيد على سعادات الجنة وخيراتها حتى يريد أشياء غيرها، وهذا الوصف يدلّ على غاية الكمال؛ لأنّ الإنسان في الدنيا إذا وصل إلى أي درجةٍ كانت في السعادات، فهو طامح الطرف إلى ما هو أعلى منها[63].
رد الاستدلال:
ما ذكره العدلية أنّ المؤمنين لا يتشرفون برؤيته تعالى بعد ذلك النُزُل، كما ادّعى الأشاعرة، بل المراد كما جاء في الآية الأولى، أنّ جهنم نُزُلٌ للكافرين، ولم يُذكر بعدها عقاب آخر، فكذلك الأمر هنا، إذ جعل الجنة نُزُلًا للمؤمنين، مع عدم ذكر أيّ شيءٍ آخر بعدها[64].
مناقشة الاستدلال:
لا يتوقف التكريم على رؤية الذات المقدسة كما ذهب اليه الاشاعرة، إنما للتكريم انحاء ومظاهر متعددة ونفترض يكون التكريم بالرؤية القلبية لا بالرؤية الحسية فيندفع اشكال الاشاعرة.
المبحث الثالث
النقد العلمي لمفهوم رؤية الله تعالى عند المتكلّمين
المطلب الأوّل: التقييم العلمي لأدلّة المبنى التفسيري الاعتزالي
ذهب مفسّرو المدرسة الاعتزاليّة إلى عدم إمكان رؤية الله تعالى بالعين الباصرة بحالٍ من الأحوال وفي أيّ ظرفٍ كان، مستندين في ذلك إلى منهجهم العقلي المحض، وقد أكّدوا تلك الأدلّة العقليّة بشواهد قرآنيّة.
ومن هنا سنتعرض في هذا المطلب إلى مناقشة ذلك المنهج.
مناقشة المنهج العقلي المحض في التفسير.
أسّس مفسّرو المعتزلة عقائدهم على خمسة أصول: التوحيد، والعدل، وإنفاذ الوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[65]. ومن أجل برهنة تلك الأصول وتأكيدها - كي تشهد قبولًا عند علماء الأمة - حتم عليهم ذلك إسنادها إلى شواهد قرآنيّة، وقد كان العقل المحض محورًا لتأسيس مناخهم الفكري والعقدي.
ثم إنّ النصوص التي جاءت منسابةً إلى مذهبهم، إنّما جاءت بالعرض والاتفاق، لا بالدليل والبرهان، فنرى أنّهم أسّسوا أركان عقيدتهم على العقل المحض، ثم بعد هذا استشهدوا بالنصوص، واقتنصوا منها ما يوافق مبانيهم، وما لم يوافقه، وهو الأغلب، فقد بذلوا قصارى جهدهم في تأويله وتسييره، وفقًا لمذاقهم العقلي.
ومن الجدير بالذكر، أنّهم لم يستندوا في تأويلاتهم هذه إلى نصوصٍ قرآنيّةٍ أو روائية؛ لأنّ ذلك يبقيهم في فضاء دائرة النصوص الشرعيّة، ولا يسمح لهم بتسيير المعاني وليّها وفقًا لمذاقهم كما يرغبون، ومنه ارتأوا إلى تضعيف بعض النصوص الروائيّة، فلم يبقَ أمامهم إلا أن يتوقّفوا ويذهبوا إلى عدم صحّتها ومقبوليّتها.
وقد وظّفوا جميع العلوم التفسيريّة، من اللغة والقراءة والبلاغة والنحو والأدب، في تأويل الآيات المخالفة لعقائدهم، ويُعدّ مفهوم رؤية الله تعالى، من أبرز تلك المسائل والمباحث.
حيث سرى الاتفاق بينهم، على نفي رؤيته تعالى بالأبصار في الدارين، ونفوا عنه تعالى التشبيه من جميع الوجوه، من الجهة والمكان والصورة والجسم والتحيز والانتقال والزوال والتغير والتأثر، وقد التزموا بتأويل الآيات المتشابهة فيها، وأصبح هذا النهج من معالم التوحيد لديهم، فيذكر القاضي عبد الجبار: ومّما يجب نفيه عن الله تعالى، الرؤية[66].
المطلب الثاني: مناقشة المنهج الروائي المحض في التفسير عند الأشعريّة.
مع ما يملكه هذا المنهج من إيجابيّات، من التمسّك بالأخبار المفسّرة والكاشفة لحقائق القرآن ومضامينه، إلا أنّ الركون إليها من دون إعمال منطق العقل والبرهان، أمرٌ لا يخلو من الوقوع في الشبهات والأخطاء والخروج بطبيعة الحال بنتائج خطيرة.
كما أنّ الأخبار نفسها تخبرنا، بأنّ ملاك معرفتها التامة، يكمن بالعرض على الكتاب نفسه، هذا مضافًا إلى الأخذ بنظر الاعتبار سلامتها من الأخبار المعارضة الأخرى وخضوعها لمنطق العقل والتحليل سندًا ودلالةً.
ومن هنا، نرى أن مفسّرو المدرسة الأشعريّة قد وقعوا في بؤرةٍ مظلمة، إذ تمسّكوا بعدّة أخبارٍ ضعيفة السند والدلالة، ومعارضةٍ لروح القرآن في إثبات عقائدهم وأصولهم، معطلين في ذلك منهج العقل والبرهان. فساروا في تفاسيرهم إلى تفسير آيات القرآن وفقًا لمضامين تلك الأخبار الضعيفة والمعارضة في الوقت نفسه لظواهر القرآن والأخبار الأخرى.
فأصبحوا يفسّرون رؤية الله، بأنّها رؤية بالعين الباصرة (بلا كيف) في يوم القيامة، استنادًا إلى بعض الأخبار الضعيفة والفهم المجرّد عن الاستدلال والتحليل العقلي في فهم النصوص القرآنيّة، فكانت النتيجة كما ترى.
المطلب الثالث: التقييم العلمي لأدلة المبنى التفسيري الإمامي
ذهب مفسّرو المدرسة الإماميّة إلى عدم إمكان واستحالة رؤيته تعالى بالعين الحسيّة في دار الدنيا والآخرة. وكان منطلق اعتقادهم هذا، هو الأخبار والروايات الواردة عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، وقد استدلوا على هذا الأمر بأدلّةٍ عقليّةٍ وأردفوها بشواهد قرآنيّة.
وسنتطرق في هذا المطلب إلى مناقشة المنهجيّة التي استندوا إليها، مضافًا إلى النظر في الأدلّة والشواهد القرآنيّة، في جهتين.
مناقشة منهجيّة التفسير الإمامي
انطلق مفسّرو الإماميّة في إثبات أصول متبنّياتهم الكلاميّة، من الأحاديث والروايات الواردة عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، ثم برهنوا على صحّتها من خلال الأدلّة العقليّة المحضة.
ومنه نرى، أنّ مبنى الاستحالة العقليّة لرؤية الله، قد خرج من رحم تلك الروايات الشريفة، إلا أنّ وسيلة اثباته والبرهنة على حقانيّته وصدقه، قد انطلق من خلال التمسّك بالأدلة والبراهين العقليّة المحضة.
وروح تلك الأدلّة العقليّة تتمثّل في أمرين:
الأوّل: إنّ للرؤية البصريّة ملازمات ذاتيّة لا تنفكّ عنها، كانعكاس الضوء، والجهة، والمسافة والمكان، وتلك الملازمات محالة الثبوت للذات الإلهيّة عقلًا.
والثاني: إنّ إدراك العين الباصرة للأشياء، إمّا أن يكون بالإحاطة الكليّة بها ومن جميع الجهات، وإمّا بالإحاطة الجزئيّة ببعض أجزائها دون بعضها الآخر، فعلى الأول تكون الإحاطة ملازمةً للجهة والمكان، وعلى الثاني تستلزم التجزئة والتركيب، وكلا الفرضين محالٌ في ذات الله تعالى.
ونلحظ أنّ الأدلّة العقليّة التي سيقت في المقام، لا تنفكّ منطقيًا عن القوانين الطبيعيّة في عالم الدنيا، وأنّها منسجمةٌ تمام الانسجام مع الحالة المتعارفة من الظواهر الكونيّة المكتشفة بالعلوم التجريبيّة الحديثة، التي ما زال العلم الحديث وإلى يومنا هذا، يكتشف المزيد من خصائصها ومتغيّراتها.
وعلى كلّ حال، فعلى تقدير ثبوت ما ذكر، فإنّ أقصى ما يمكن إثباته، هو ثبوت هذه القوانين الطبيعيّة في عالم الدنيا، لا غير. وعليه، فلا سبيل حينها لإثبات ما ذكر في دار الآخرة، إلا من خلال التمسّك بالأدلة الحديثيّة والروائيّة.
هذا كلّه فيما لو سلّمنا تمام التسليم، في أنّ العقل يمثّل وسيلةً يُستكشف به سائر المعارف والعلوم الطبيعيّة والشرعيّة والغيبيّة.
فانطلاقًا من تلك المتبنيات المستمدّة من المنبع الروائي المعتبر، قام مفسّرو الإماميّة بتأكيد أصولهم الكلاميّة بظواهر الآيات القرآنيّة المنسجمة معها، كما وأوّلوا الآيات القرآنيّة التي لا تسجم بظاهرها مع طبيعة تلك المتبنيات. ومن هنا نرى، أن أوج الجهد التفسيري قد وقع في مرحلتي التأييد والتأويل، من خلال الاستعانة بالأدلّة القرآنيّة واللغويّة والبراهين العقليّة والفلسفيّة والشواهد التأريخيّة والروائيّة.
المطلب الرابع: الرأي المختار المسألة
اتّضح أنّ الفرق الكلاميّة انقسمت في تفسير حقيقة رؤية الله بين من هو نافٍ لثبوتها، ومن هو مثبتٌ لوقوعها. فالعدليّة (المعتزلة والإماميّة)، ذهبوا إلى استحالة رؤيته تعالى بالأبصار الحسيّة سواء في الدنيا أم في الآخرة، فالمعتزلة انطلقت من متبنيات عقليّة وأيّدتها بشواهد نقليّة، في حين انطلقت الإماميّة من متبنّيات نقليّة وأيّدتها بشواهد نقليّة وعقليّة. وأمّا الأشاعرة، فذهبوا إلى إمكان رؤيته تعالى - بلا كيف - بالعين الباصرة يوم القيامة، وانطلقوا في ذلك من خلال متبنيات نقليّة ثم أيّدوها بشواهد نقليّة وعقليّة. وقد ذهب بعض الأشاعرة الى أمكان رؤية الذات المقدّسة مطلقًا في الدنيا والآخرة، ودليلهم على ذلك النقل حسب فهمهم.
والذي يختاره الباحث في هذه المسألة ما ذهب اليه العدلية (الإماميّة والمعتزلة)، من استحالة رؤية الذات المقدّسة بالعين الماديّة بشكل مطلق، وذلك تنزيهًا للذات من التشبه والتجسيم؛ لأنّ الرؤية الماديّة تقتضي الحدّ والعد، وكذا الدليل النقلي من الآيات والروايات التي ناقشها الباحث في طيّات المقال.
أهم الثمرات:
1ـ إن كيفيّة رؤية الله للموجودات ورؤية الموجودات له، أمرٌ فوق إدراكاتنا العقليّة والبشريّة، فضلًا عن بيان حدودها وضوابطها.
2ـ إنّ الاستعمالات اللغويّة للرؤية، لا تصلح أداةً لفهم مصطلح الرؤية القرآني بصورةٍ صحيحةٍ ودقيقة، ما لم تؤخذ بعين الاعتبار كافة القرائن والملازمات العقليّة والمنطقيّة في فهم ذلك الاستعمال القرآني.
3ـ للقرآن الكريم في تحديد مفهوم الرؤية صورٌ متعدّدةٌ وأشكالٌ متنوّعةٌ تتجلّى في جوانب عدّة بصريّة، وعقليّة، وقلبيّة.
4ـ تبنّى مفسّرو المدرسة الاعتزاليّة استحالة رؤيته تعالى بالعين الحسيّة عقلًا، وقد أثبتوا ذلك من خلال التمسّك بجملةٍ من الأدلّة العقليّة والشواهد القرآنيّة.
5ـ تبنّى مفسّرو المدرسة الأشعريّة، إمكان رؤية الله تعالى يوم القيامة ـ بلا كيف ـ أي من دون ملازمة التشبيه والتجسيم، واستدلّوا على ذلك، من خلال جملةٍ من الآيات القرآنيّة والأحاديث.
6ـ تبنّى مفسّرو المدرسة الإماميّة، استحالة رؤيته تعالى عقلًا ونقلًا، واستدلّوا على ذلك بجملةٍ من الأدلّة العقليّة والآيات القرآنيّة.
7ـ ترد على جميع المدارس التفسيريّة الكلاميّة جملةٌ من الملاحظات والإيرادات، التي تتبلور في جهتَي المبنى والاستدلال.
8ـ المبنى المختار في المسألة، يتجلّى في أنّ حقيقة امتناع الرؤية الحسيّة لله تعالى، تعني القصور الذاتي للحاسة البصريّة، في تكوين صورة في الذهن، تحكي عن الصورة الواقعيّة لذاته عزَّ وجلَّ، وقد تم بيان جزئيات المبنى وبرهنته وإثباته بأدلّةٍ نقليّةٍ وعقليّة.
أهم المقترحات:
1ـ عدم المرور العابر على الشبهات الكلاميّة، إلّا بعد التقييم العلمي لها والوقوف على مضامينها ومنابعها.
2ـ الاستعانة بالأساتذة المتخصّصين في حقل (نقد المباحث الكلاميّة)، لرصد وفرز الثغرات الواردة فيها، والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم في تقييمها علميًّا، طبقًا للضوابط العلميّة والعقليّة.
3ـ إجراء دراسةٍ علميّة تخصصيّة تقوم على تحقيق الكتب الكلاميّة العقائديّة ونقدها، والانطلاق من خلالها لتقويم كافة الشبهات الكلاميّة المثارة حول حقيقة صفات الله في القرآن الكريم.
المصادر
القرآن الكريم.
السبحاني، جعفر، رؤية الله في الكتاب والسنة والعقل الصريح، خالٍ من بطاقة كتاب.
ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأفريقي، لسان العرب، دار النوادر، ط1، 1433 هـ.
الحنفي، صدر الدين محمد بن علاء، شر الطحاوية في العقيدة السلفية، وزارة الشؤون الإسلاميّة، ط1، 1418هـ.
الأزهري، محمد بن أحمد الهروي، تهذيب اللغة، دار إحياء التراث العربي، ط1، 2001م.
البيضاوي، ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد، الشيرازي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1418هـ.
الجوهري، أبو نصر إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، دار العلم للملايين، ط4، 1990م.
الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 1997 م.
الطوسي، أبو الفضل علي بن حسن بن فضل، التبيان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط3، 1991 م.
الرازي، محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح، مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1415هـ.
الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دار هجر، ط1، 2001م.
الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1420هـ.
القاضي، عبد الجبار بن الجبار المعتزلي، تنزيه القرآن عن المطاعن، دار الكتب العلمية، ط1، 2008م.
القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية، ط2، 1338هـ.
معرفة، محمد هادي، التفسير والمفسرون، الجامعة الرضوية للعلوم الاسلامية، ط2، 1425 هـ.
الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم(عليه السلام)، نهج البلاغة، مركز الأبحاث العقائديّة، ط1، 1419هـ.
الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1403 هـ.
الزمخشري، محمود بن عمر، تفسير الكشاف، دار الكتاب العربي، ط3، 1407 هـ.
القاضي، عبد الجبار بن أحمد، شرح الأصول الخمسة، مكتبة وهبة للطباعة والنشر، ط1، 2010 م.
الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، دار الكتب الإسلاميّة، ط1، 1398هـ.ش.
الكفوي، أبو البقاء أيوب بن موسى، الكليّات في معجم المصطلحات، مؤسسة الرسالة، 1919م.
النووي، أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف، المنهاج في شرح صحيح مسلم، دار الإحياء العربي، ط2، بيروت لبنان، 1392هـ.
معرفة، محمد هادي، التفسير والمفسرون، الجامعة الرضويّة، ط2، 1425هـ.
المفيد، محمد بن النعمان العكبري البغدادي، أوائل المقالات، دار المفيد، ط2، بيروت لبنان، 1414هـ
WWW.MADRASSATI.C0M
----------------------------
[1]. الأزهري، محمد عوض مرعب، تهذيب اللغة، ج15، ص228.
[2]. الجوهري، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح في اللغة، ج1، ص234.
[3]. الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، ج1، ص109
[4]. الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، ج1، ص109، الكفوي، أبو البقاء أيوب بن موسى، الكليّات في معجم المصطلحات، ص287، مؤسّسة الرسالة سنة الطبع 1919.
[5].WWW.MADRASSATI.C0M
[6]. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، ج14، ص430.
[7].التكاثر:6.
[8]. الأنفال:50
[9]. الأنفال:50
[10]. النجم :11
[11]. البيضاوي، أنور التنزيل وأسرار التأويل، مقدمة الكتاب.
[12]. عبد الجبار المعتزلي، شرح الأصول الخمسة ص61.
[13]. الشهرستاني، الملل والنحل ص132.
[14]. معرفة، محمد هادي، التفسير والمفسّرون، ج 2، ص 429.
[15]. الأعراف: 143.
[16]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، الأعراف، الآية 143.
[17]. شرح الطحاويّة في العقيدة، ج1 ص434.
[18]. النووي، شرح مسلم، ج1 ص320 .
[19]. النساء:153.
[20]. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، ص232.
[21]. الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، أوائل المقالات، ص57.
[22]. الأنعام: 103.
[23]. الزمخشري، جار الله محمود بن عمر، تفسير الكشاف، الأنعام، الآية 103.
[24]. القاضي عبد الجبار، عماد الدين، تنزيه القرآن عن المطاعن، الأنعام، الآية 103.
[25]. الأعراف: 143.
[26]. القاضي عبد الجبار، عماد الدين، تنزيه القرآن عن المطاعن، الأعراف، الآية 143.
[27]. الأعراف: 143.
[28]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، الأعراف، الآية 143.
[29]. البقرة :55
[30]. الشورى: 11.
[31]. النساء:153
[32]. الفرقان:21
[33]. السبحاني، رؤية الله في الكتاب والسنة والعقل، ص48.
[34]. الكليني، أصول الكافي ج1ص98
[35]. القيامة: 23.
[36]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، القيامة، الآية 23.
[37]. الطبرسي، الفضل بن الحسين، مجمع البيان في تفسير القرآن، القيامة، الآية 23.
[38]. النجم: 14.
[39]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، النجم، الآية 14.
[40]. الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، النجم، الآية 14.
[41]. المطففين: 15.
[42]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، المطففين، آية 15.
[43]. الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، المطففين، الآية 15.
[44]. الكهف: 110.
[45]. الكهف: 105.
[46]. الكهف: 107.
[47]. الكهف: 110.
[48]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، الهف، آية 110.
[49]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، الكهف، الآية 110.
[50]. الزمخشري، جار الله محمود بن عمر، تفسير الكشاف، الكهف، الآية 110.
[51]. الانسان: 20.
[52]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، الانسان، آية 20.
[53]. القاضي عبد الجبار، عماد الدين، تنزيه القرآن عن المطاعن، الانسان، الآية 20.
[54]. فُصّلت: 31.
[55]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، فصلت، الآية 31.
[56]. يونس: 26.
[57]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، يونس، الآية 26.
[58]. فاطر: 30.
[59]. القاضي عبد الجبار، عماد الدين، تنزيه القرآن عن المطاعن، يونس، الآية 26.
[60]. الكهف: 107.
[61]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، الكهف، الآية 107.
[62]. المطففين: 15، 16.
[63]. الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، الكهف، الآية 107.
[64]. القاضي عبد الجبار، عماد الدين، تنزيه القرآن عن المطاعن، الانسان، الكهف، الآية 107.
[65]. القاضي عبد الجبار المعتزلي، الأصول الخمسة، ص19.
[66]. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، ص224.