البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

مظاهر التوحيد والنبوّة في خطبة السيّدة الزهراء (عليها السلام)

الباحث :  أ.د. محمد كاظم حسين الفتلاوي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  27
السنة :  صيف 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 24 / 2023
عدد زيارات البحث :  891
تحميل  ( 2.149 MB )
الملخّص
في كلام السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) معانٍ ساميةٌ وجديرةٌ بالبحث والدراسة، وقد ضمت معارف إسلاميّةً عظيمةً لها مساسها الواقعي بحياة الفرد والأُمّة، ومنها أصول العقيدة لا سيّما أصل التوحيد وأصل النبوّة، وهما ما أردنا بيانه في هذا البحث من غير تعقيدٍ مصطلحي، وإنّما بما تمّ توظيفه من آيات القرآن الكريم في خطبة السيّدة الجليلة (عليها السلام) ، وبما انتفع الباحث به من آراء المفسِّرين في إيضاح النصّ المقدّس مع الإشارة إلى الجانب التربوي الكامن في كلام السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، فكان البحث من مطلبين: المطلب الأوّل عن أصل التوحيد، والمطلب الثاني عن أصل النبوّة. وجرت دراسة المطلبين بمقاربةٍ قرآنيّةٍ تفسيريّةٍ، متلوّة بخاتمةٍ وقائمةٍ بالمصادر.


‏الكلمات المفتاحية
{ تفسيريّة ،التوحيد، الزهراء، قرآنيّة، مظاهر، النبوّة}


Abstract
In the words of Sayyida Fatima Zahra meanings sublime and worthy of research and study, has included great Islamic knowledge have a realistic impact on the life of the individual and the nation, including the origins of faith, especially the origin of monotheism and the origin of prophecy, which are what we wanted to explain in this research without complication terminology, but what was employed from the verses of the Holy Qur'an in the sermon of Sayyida Al Jalila, and what the researcher benefited from the views of the commentators in clarifying the sacred text with reference to the educational aspect inherent in the words of Sayyida Fatima Zahra, the search was of two requirements: the first requirement about the origin of monotheism, and the second requirement about the origin of prophecy. The two demands were studied with an interpretive Qur'anic approach, followed by a conclusion and a list of references.

Keywords: manifestations, monotheism, prophecy, Zahra, Quranic, exegetical


بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ على محمدٍ وآلهِ الطاهرين

أمّا بعد:
الكلام مفتاح شخصيّة المتكلّم، والمُعبِّر عن سماته وأفكاره، فهو الكاشف عنها، وهو المرآة العاكسة لثقافة الخطيب الفكريّة، وبراعته الحواريّة وقابليّته التصويريّة، بوصف الأخير وسيلةَ الخطيب في تمثيل العواطف والأفكار التي تختلج في الصدور.
والقرآن الكريم حمل في آياته كلّ المعاني السامية المعبّرة عن المقاصد الكريمة التي خاطبت الوجدان الإنساني، والعقل البشري؛ لتنظيم الحياة في منهجٍ جمع كلّ أساليب الوصول إلى الحقّ سبحانه، وخير مَن تمثّلت فيهم هذه المقاصد هم الذين آمنوا، ومعلوم أنّ سادات المؤمنين ورأسهم هم العترة الطاهرة %، فكان البحث ها هنا في خطبة السيّدة الزهراء(عليها السلام)؛ فهي ربيبة القرآن والحلقة الموصولة بين النبوّة والإمامة، وهي كما ورد عن مولانا صاحب العصر والزمان الإمام المهدي (عليه السلام)، في قوله: « وفِي ابْنَةِ رَسُولِ‌ اللهِ‌ (صلى الله عليه وآله وسلم) لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» [1].

ولهذا السبب كان اختيار عنوان البحث: (مظاهر التوحيد والنبوّة في خطبة السيّدة الزهراء (عليها السلام) في ضوء آيات القرآن الكريم) للوقوف على معاني التوحيد والنبوّة من خلال الخطبة الفدكيّة، والتوظيفات القرآنيّة، وبما أوضحته أقوال المفسِّرين في فهم النصّ القرآني لمعاني (التوحيد والنبوّة).
أهميّة البحث: يرى الباحث أنّ كثيرًا من الباحثين قد تناول أصول الدِّين على وفق نظريّات علم الكلام وقواعده، وآراء الرجال وأصولهم، والمدارس العقديّة وضوابطها، وقد داخل الأمر شيءٌ من التعقيد والغموض، إلّا إنّ الرجوع إلى المنبع الأصيل، واللفظ الصريح المتمثّل في القرآن الكريم وسُنة المعصوم (عليه السلام) في بيان التوحيد والنبوّة له ذوقه الخاص، ونفعه المثمر على المتلقّي من حيث مخاطبة الجانب النفسي الوجداني، وهذا بطبيعة الحال لا يقلل من شأن البحوث والدراسات التخصّصيّة، ولكن بحثنا ـ كما نبّهنا سابقًا ـ قصر القول على خطبة السيد الزهراء (عليها السلام)، والنص القرآني، وأقوال المفسِّرين.

هدف البحث: للبحث أهدافٌ عدّة، من أهمّها التأكيد والتذكير بالحقّ العظيم لأصل التوحيد وأصل النبوّة، وبيان مكامن الجانب التربوي في كلام السيّدة الزهراء (عليها السلام) من خلال خطبتها الفدكيّة.
منهج البحث: كان المنهج الوصفي التحليلي الذي «يعتمد على تجميع الحقائق والمعلومات، ثم مقارنتها وتحليلها وتفسيرها للوصول إلى تعميماتٍ مقبولة»[2]، معوّلاً عليه في هذا البحث.

أمّا خطة البحث: فقد كانت من مقدمةٍ ومطلبين، المطلب الأوّل عن التوحيد في كلام السيّدة الزهراء(عليها السلام)، والمطلب الثاني عن النبوّة في كلام السيّدة الزهراء(عليها السلام)، متلوةً بخاتمةٍ وقائمةٍ بالمصادر.
وأخيرًا أسأل الله سبحانه القبول، ومن صاحبة الذكرى الرضا، وأنْ يكون كلّ ما كتبناه محتسبًا شافعًا بقدر ما نرجو لا بقدر ما قدّمنا، فبلوغ الكمال بالعلم بقدر جهدنا لا بقدر حجم العلم وسعته، فالتقصير أمرٌ ملازمٌ لبني البشر، والرجاء حافزُ البقاء. والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

المطلب الأول: مظاهر التوحيد في خطبة السيّدة الزهراء (عليها السلام) في ضوء آيات القرآن الكريم
معلوم أنّ التوحيد أوّل أصلٍ من أصول الدِّين الحنيف، وبه كانت بعثة الأنبياء %، فكان محور الرسالات السماويّة، والدعوة إلى عبادة الواحد الأحد وطاعته.

والمتمعّن في التوحيد يلحظ أنّه من وجوه الرحمة الإلهيّة ؛ إذ لولاه لدب الفساد في الكون لتعدد الإلهة، قال تعالى:Pلَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلا الله لَفَسَدَتاO [3]، فكان التوحيد النعمة الأكبر على هذا الكون وما فيه، وهذا بطبيعة الحال يستوجب تنوع الطاعة بتنوع النعم وكيفيتها، وفي هذا المطلب سيكون منطلق بحثنا الموارد التي أشارت إليها السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشريفة، من غير توغّلٍ فيما يبعدنا عن هدف البحث، وقيد عنوانه. وعلى النحو الآتي:

أوّلًا: في شكر النعم قالت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام): «.. الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاءٍ أسداها، وإحسان مننٍ والاها.. » [4]، في مطلع الخطبة الشريفة نلحظ الاستهلال الإيقاعي الفنيّ، فتدور «معاني مفردات فواصل وقفها على ذات المحمود المشكور المنعم الملهم المقدِّم...، وقد اعتمد هذا الاستهلال على ركنين أساسين هما الإيقاع والدلالة، وبهما يُستجلب ذهن المخاطَب نحو استقبال النصّ»[5]، والذي يعنينا من نص الزهراء (عليها السلام) هنا هو الأثر القرآني في مضمونه، فكلّ معاني مفردات أنعم، وألهم، وقدّم، ابتدأها، وأسداها، ووالاها..، هي معانٌ نابعةٌ من مضامين قرآنيّة.

فشكر الله وحمده على ما أنعم من المعاني القرآنيّة التي فاضت بها آيات الكتاب العزيز، وهذا الأمر أيضًا من أدب الأنبياء %، وسلوكهم الرباني فهذا خليل الله ابراهيم (عليه السلام) يصفه القرآن بأنّه كان:(شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [6]، فهو (عليه السلام)، بهذا الشكر قد انماز عن غيره من الذين يجحدون أنعم الله عليهم، ناكرين إيّاها بالقول والعمل؛ لأنّ شكره لله تعالى كان «بالقول والعمل، لا كهؤلاء المشركين الذين يجحدون نعمة الله قولًا، ويكفرونها عملًا»[7]، وكذلك ما ذكره القرآن الكريم عن نبيّ الله نوح (عليه السلام)، الذي كان شاكرًا لله سبحانه، ويذكر الله شكره بصيغة المبالغة بمعنى كثير الشكر؛ قال تعالى: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [8]، والظاهر أنّ السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) لها بُعد آخر غير ما تقدّم من الاستهلال في خطبتها؛ فهي (عليها السلام) أرادت من القوم تذكيرهم بشكر الله، وذكر إحسانه، وما علّمهم الله عليه من أداء شكر أنعمه، كما خاطبت هذه الآية «بني إسرائيل بأنّهم أولاد مَن كان مع نوحٍ، وعليهم أنْ يقتدوا ببرنامج أسلافهم وآبائهم في الشكر لأنعم الله»[9].

ومن المعلوم أنّ الله سبحانه قد دعا عباده إلى شكر نعمه، ولكن ليس من باب الحاجة إلى ذلك، بل ليكتسب العباد من خلال الشكر لياقةً أكبر ودرجة أعلى، لتشملهم نعمٌ أوفر.
وفي المضمون ذاته نلحظ الأثر القرآني في كلامها (عليها السلام)، إذ قالت: «.. جمّ عن الإحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنّى بالنَّدب إلى أمثالها» [10]، وهذه المعاني واضحةٌ في الآيات القرآنيّة، فنعم الله تعالى ممّا لا تُعدّ بأرقام، أو تحدّد بجوانب دون أخرى، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [11]، فهذه الآية الكريمة تنبّه على أنّ «ما آتاهم الله كثيرٌ منه معلومٌ، وكثيرٌ منه لا يحيطون بعلمه، أو لا يتذكّرونه عند إرادة تعداد النعم»[12].

فالشكر للنعم التي لا تحصى هو تربية للإنسان اتّجاه المُنعِم عليه سبحانه، وفي هذا الشكر نلحظ فوائد أخرى، منها دفع العذاب وزيادة النِعم علينا، قال تعالى: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ) [13]، وقال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [14]، والحثّ على زيادة النعم بالشكر المذكور في الآية المتقدّمة نلحظه في قول الصديقة (عليها السلام): «وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها»، فيتجلّى لنا أهمية الشكر، وأثر المضمون القرآني الذي عنته السيدة الزهراء (عليها السلام) في مستهلّ خطبتها.
ثانيًا: الإخلاص تأويل توحيد الله تعالى: من تجلّيات الألوهيّة لله تعالى توحيده، وعدم الإشراك به، وهذه هي دعوة الأنبياء وفحوى رسالاتهم، وقد وضّحت ذلك نصوص آي الذكر الحكيم، قال تعالى:(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [15]، وقال تعالى: (لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [16].

وهذه العبادة التي أرادها الله من عباده هي عدم الإشراك به، وعدم الإشراك هو التوحيد المبني على الإخلاص، فيكون الإخلاص أساس دعوة الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [17]، وقال تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [18]، فالقرآن الكريم كأنّما حصر أوامر الله لعباده في الإخلاصِ له؛ لأنّه الأساس والركن والركين، وهذا المضمون نلحظه في خطبة السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، إذ قالت: «وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شريك له، كلمةٌ جَعل الإخلاصَ تأويلَها، وضمَّن القلوبَ موصولَها، وأنارَ في التفكير معقولَها، الممتنعُ من الأبصارِ رؤيتُه، ومن الألسنِ صفتُه، ومن الأوهامِ كيفيّتُه» [19]، ويوضّح الشيخ المجلسي(ت:1111هـ) معنى الإخلاص هنا، فيقول: «المراد بالإخلاص جعل الأعمال كلّها خالصةً لله تعالى، وعدم شوب الرياء والأغراض الفاسدة، وعدم التوسّل بغير الله تعالى في شيءٍ من الأمور، فهذا تأويل كلمة التوحيد؛ لأنّ من أيقن بأنّه الخالق والمدبّر، وبأنّه لا شريك له في الإلهيّة، فحقّ له ألّا يُشرك في العبادة غيره، ولا يتوجّه في شيءٍ من الأمور إلى غيره»[20].

ولهذا المعنى ذهب الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، فقال: «الإخلاص روح التوحيد، وتطهير الروح من دَنس الشرك بالله، ومنح القلب كرهينةٍ لحبّه، والخضوع والخنوع لأمره»[21]، فالإخلاصُ الذي أشارت إليه السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هو الإخلاص ذاته الذي عنته آيات القرآن الكريم، في كونه تصفية القلب من الشوائب التي تكدر النيّة، وتعكّر صفاء القلب، والإخلاص تطهيرٌ للقلب من التعلّقِ بغير الله (عزّ وجل)، وبه تسمو النفوس، وترتفع عن نظرات الناس وإعجابهم، فالمخلِص لله سبحانه وتعالى لا ينتظر من الناس حمدًا ولا شُكورًا، ولا ينتظر مدحًا ولا ثناءً؛ لأنّ نفسه لا تتوق إلّا إلى مرضاة الله جلّ وعلا، والوصول إلى مغفرته وعفوه.
نعم؛ إنّ التوحيد فضلًا عن كونه أصلاً من أصول الدِين التي لا يمكن للمسلم أنْ يتغافل عنها، فهو كذلك أوّل حقوق الله تعالى على عباده التي يجب عليهم مراعاتها حقّ رعايتها، فقد أشار الإمام السجاد (عليه السلام) إلى هذا الحقّ في قوله: «فأمّا حقّ الله الأكبر فإنّك تعبده لا تُشرك به شيئًا، فإذا فعلت ذلك بإخلاصٍ جعل لك في نفسه أنْ يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تُحبّ منها»[22].
ولهذا المعنى كانت إشارة السيّدة الزهراء (عليها السلام)، وبه نبّهت إلى حقّ الخالق على المخلوق، وهي في محل تقريع الخصوم الذين تناسوا جرّاء غفلتهم عن عظمة الله سبحانه، حقّها، فأقدموا على ظلمها، وتجرّؤوا على مقامها.

ثالثًا: ابتداع الخلق لحكمة لا يليق بمن (توحد بالعز والبقاء)[23] أنْ يخلقنا عبثًا من دون هدف؟ وهل يليق به أنْ يخلق سماواتٍ وأرضين، ومجرّاتٍ وكواكب، وشمسًا، وقمرًا، ونجومًا، وليلًا ونهارًا، ثم تكون حياتنا قصيرةً لا تزيد عن ستين سنةً، يمضي نصفها في الإعداد لها إلى أنْ يستطيع الإنسان الزواج والسكنى في بيتٍ مستقلٍّ وتأمين حاجاته في الثلاثينيّات أو في الأربعينيّات من عمره، ثم لمّا أصبح في الخامسة والخمسين ربما تحصل له أزمة قلبيّة، أيعقل أن يكون هذا الكون كلّه لأجل سنواتٍ معدودةٍ؟ أيقبل ذلك عاقل؟ لماذا خلقنا الله عزّ وجلّ؟ لابدّ من هدفٍ يتناسب مع كماله، ولابدّ من هدفٍ يتناسب مع جلاله، ولابدّ من هدفٍ يتناسب مع قوّته؛ ولذلك ربّنا (عزّ وجل) أجاب عن هذا السؤال في آيتين واضحتين، وفي آيات كثيرة أقلّ وضوحًا، قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾[24].

فالآية تخبر البشريّة أنّ لها موعدًا عظيمًا يمرّ بسلسلةٍ من العقبات فـ»تحسّركم عند معاينة الموت، ثم اللبث في القبور، ثم البعث، فالحساب والجزاء، فهل تظنون إنّما خلقناكم عبثًا تحيون وتموتون من غير غايةٍ باقيةٍ في خلقكم، وأنّكم إلينا لا ترجعون؟»[25].
بل إنّ خلق الخليقة جميعًا من موجوداتٍ ناطقةٍ وصامتةٍ له حكمةٌ وغايةٌ لا تخفى على لبيبٍ مؤمنٍ بالله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾[26]، وهنا نلحظ صيغة الاستنكار والتوكيد و»التسفيه لظنّ الكفار بأنّ الله قد خلق السماء والأرض وما بينهما باطلًا واطمئنانهم به، واندفاعهم بتأثيره وراء الفساد والفجور، ثم معنى التوكيد على مصيرهم الرهيب يوم القيامة»[27].

وهذا الملمح في أصل التوحيد نلحظه في كلمات السيّدة فاطمة (عليها السلام)، إذ قالت: «ابتدع الأشياء لا من شيءٍ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجةٍ منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلّا تثبيتًا لحكمته، وتنبيهًا على طاعته، وإظهارًا لقدرته، تعبُّدًا لبريّته...» [28]، فالزهراء (عليها السلام) ضمّنت خطبتها مفاهيم قرآنيّةً جليلةً تمثّل غاية الموجودات، وفلسفة الإيجاد من العدم، والعودة إلى عالم آخر، وبيان قدرته سبحانه في صنع مخلوقاته، الذي قال:(صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)[29]، وإنّ كلّ شيءٍ ممّا يُرى وممّا لا يُرى يصدر منه جلّ في عُلاه، قال تعالى: (اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)[30].
والمضمون ذاته نلحظه أيضًا في قول الإمام علي (عليه السلام): «الواحد الأحد الصمد الذي لا يُغيّره صروف الأزمان، ولا يتكأّده صنع شيءٍ كان، إنّما قال لما شاء: كن فكان، ابتدع ما خلق بلا مثالٍ سبق، ولا تعبٍ ولا نصب، وكلُّ صانعِ شيءٍ فمن شيءٍ صنع، والله لا من شيءٍ صنعَ ما خلق» [31].

إذًا الحكمة في خلق المخلوقات من لدن الله سبحانه كما لحظناه من نصّ السيّدة فاطمة (عليها السلام) هو للعمل الصالح في الدنيا، ومن ثم العودة إلى الله تعالى للحساب والسؤال عمّا عمله الإنسان في حياته هذه، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [32]، وقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [33]، فجميع المخلوقات من الذرة إلى العرش سُبلٌ متصلةٌ إلى معرفته تعالى، وحججٌ بالغةٌ على أزليّته، والكون جميعه ألسنٌ ناطقةٌ بوحدانيّته، والعالم كلّه كتابٌ يقرأ حروف أشخاصه المتبصّرون على قدر بصائرهم؛ لأنّ المتبصّر يعرف من خلالها وحدانيّة خالقه ومليكه، وكماله سبحانه وتعالى، فيزداد حبّه وتعظيمه وإجلاله له، وتزداد طاعته وانقياده وخضوعه له، وهذه من أعظم ثمرات النظر في المخلوقات وعلّة الوجود.

رابعاً: الثواب والعقاب وهما من شأن الباري سبحانه في خلقه ، ودليلٌ من دلائل قدرته، ووسيلةٌ من وسائل التربية التي يعتمدها القرآن الكريم لصيانة المجتمع من غوائل الانحراف والشذوذ، لتأديب الجاني وللترهيب من الجناية، ولحثّ المؤمن على أنْ يتمسّك بدينه، ودفعه إلى الاستزادة من العمل الصالح رغبةً فيما عند ربّه، ورجاء عفوه ومغفرته، وهذا المعنى نلحظه في كلام الصديقة (عليها السلام) إذ قالت: «ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادةً لعباده عن نقمته، وحياشةً[34] لهم إلى جنّته» [35].
وهذا المعنى متولّدٌ عن الأثر القرآني في الترغيب في الثواب، وهو واضح المعنى في القرآن الكريم ومنه قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [36].

وفي مجال الترهيب يقول سبحانه:( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [37]، وفي هذه الآية الكريمة سُنةٌ إلهيّةٌ دائمة، وهي أنّ الأعمال الصالحة والمؤثّرة لا تضيع نتائجها عند الله سبحانه، مع فارق وهو أنهّ إذا كان الهدف الأصلي منها هو الوصول إلى الحياة الماديّة في هذه الدنيا فإنّ ثمراتها في الدنيا فحسب، وأمّا إذا كان الهدف هو (الله) وكسب رضاه من خلال طاعته فإنّ تأثيرها وثمارها ستكون في الدنيا وفي الآخرة أيضًا حيث تكون النتائج كثيرة المنافع[38].

وفي سورة النبأ نلحظ فيها مقابلة بين ثواب المؤمنين وعقاب الكافرين؛ يقول عزّ وجلّ في العقاب: (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا، لِلطَّاغِينَ مَآَبًا، لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا، لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا، إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا، جَزَاءً وِفَاقًا، إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا، وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا، وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا، فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) [39].
وفي الثواب يقول تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا، حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا، وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا، وَكَأْسًا دِهَاقًا، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا، جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا) [40]

يقول المفسِّر السعدي (ت:1376هـ): “لمّا ذكر حال المجرمين ذكر مآل المتقّين فقال: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) أي: الذين اتّقوا سخط ربهم، بالتمسّك بطاعته، والانكفاف عمّا يكرهه فلهم مفاز ومنجى، وبعد عن النار”[41].

والقرآن الكريم حافلٌ بالآيات الكريمة التي تحمل في ثناياها الثواب والأجر الجزيل، وأخرى تحمل العقاب والتهديد والوعيد لتكون النفوس بين هاتين الوسيلتين تتأرجح إنْ مالت النفس إلى الدعة والخمول والكسل والانحراف عن سواء السبيل قرّعتها آيات العذاب والعقاب، وإنْ أقبلت على خالقها ونشطت في طاعته وعبادته وعمل الخيرات سمعت آيات الوعد والثواب فزادت نشاطًا ورغبةً في ذلك.
والحكمة الإلهيّة في تدبير شؤون الناس عدّت الجزاء على العمل ركنًا من أهم أركان العمليّة التربويّة، ولابدّ أن يشتمل على الثواب والعقاب، والترغيب والترهيب؛ لأنّه عامل مشوّقٌ ودافعٌ إلى التمسّك بمكارم الأخلاق والقيم القرآنيّة، فالإنسان بطبيعته يحب أنْ يرى ثمرة أعماله ونتيجة جهده سواء كانت ماديّة أم معنويّة، وعلى هذا فطرَ اللهُ سبحانه خلقَه.
خامسًا: العدل الإلهي: ونذكر ها هنا أصل العدل وذلك لأن بالعدل يتم التوحيد، ومن دون العدل لا يمكن إثبات النبوة والإمامة والمعاد، قال العلامة الحلي (ت:726هـ): (إعلم أن هذا الأصل (العدل) عظيم تبتني عليه القواعد الإسلامية، بل الأحكام الدينية مطلقاً، وبدونه لا يتم شيء من الأديان)[42].

وقد أشارت السيّدة الزهراء(عليها السلام) لما يتعلّق بالعدل الإلهي وما يجب على الإنسان من الاعتقاد به، وقد كانت تريد بهذه الكلمات التي وردت تجاه القوم الذين غصبوا حقّها أنْ تذكرّهم بذلك الخالق العادل الذي لا يحيف ولا يجور في حكمه أبدًا، حيث قالت وهي تخاطب العاصين بعد أنْ ذكرت لهم أدلةً دامغةً على حقّها في فدك، ومطالبتها بردّها إليها فقالت (عليها السلام): «فدونكها مخطومةً مرحولةً تلقاك يوم حشرك، فنِعمَ الحَكَم الله، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكلّ نبأٍ مستقرّ، وسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه، ويحلّ عليه عذابٌ مقيم» [43].
وهذه المعاني السامية والكلمات المزلزلة من ربيبة الوحي المحمّدي من أعظم المعاني التحذيريّة في التهديد والوعيد والانذار، وأنّه لا ينفع الإنسان إلّا عمله وما قدّمه من خيرٍ، قال تعالى: (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [44]، وفي معناها يقول العلامة الطباطبائي: «تصريحٌ بالتهديد، وإنباءٌ عن الوقوع الحتمي، وقد ظهر ممّا تقدّم وجه صحّة خطاب المشركين بما سيبتلى به الأمّة الإسلاميّة من تفرّق الكلمة، ونزول الشدّة، فإنّ الأعراق تنتهى إليهم، وليس الناس إلاّ أمّة واحدة، يؤخذ آخرهم بما اكتسبه أوّلهم، ويعود إلى أوّلهم ما يظهر في آخرهم، علموا ذلك أو جهلوا، أبصروا من أنفسهم ذلك أو عموا»[45].
فهذه الكلمات التي أوردتها الزهراء (عليها السلام) في خطاب ظالميها فيها من معاني الوعيد ما يذهل عقل اللبيب إنْ أراد أنْ يُعمل عقله ويتفكّر في عواقب أمره حيث غضب الله تعالى وسخطه في قبال متاعٍ دنيويّ قليلٍ زائل.

وعليه من أراد النجاة أنْ يتأمّل عمق هذه الكلمات حتى يكون على بينةٍ تامّةٍ من كلّ سلوكٍ يقوم به تجاه الآخرين، إذ إنّ يوم القيامة يومٌ لا كسائر الأيام حيث يكون الحاكم هو الشاهد، ذلك يوم الفزع الأكبر فلا ينفع فيه الندم، ولا الاعتذار، ولا طلب العفو؛ لذا كانت إرشادات العترة الطاهرة % تحذّر الإنسان من مغبّة الإعمال السيّئة في ذلك اليوم حيث تكون العدالة التامّة التي لا ظلم فيها مطلقًا.

فالعدل في عند السيّدة الزهراء (عليها السلام) عاملٌ مهمٌ في تقويم الإنسان من حيث بنائه النفسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تقوم على أساسه التعاملات في المجتمع فتحفظ من خلاله الحقوق، ويراعى فيه الضعيف فتتألّف القلوب، وهذا الظاهر من معنى كلامها إذ قالت: «وجعل العدل تنسيقًا للقلوب»[46]، فإذا كان العدل بين الناس والتواصي بالحقّ والمعروف والإنصاف، ممّا يؤلّف القلوب ويرسّخ الوئام بينهم، فكيف إذًا بعدل الله تعالى في خلقه وهو الذي لا يُظلم عنده أحد (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) [47].

المطلب الثاني: مظاهر النبوّة في خطبة السيّدة الزهراء (عليها السلام) في ضوء آيات القرآن الكريم
وفي هذا المطلب من البحث سيكون الكلام عن ملامح أصل النبوّة، وكيف وظّفت السيّدة الزهراء (عليها السلام) هذا الأصل في مضامين عمليّةٍ واقعيّةٍ في خطبتها الشريفة، وهو ما سنحاول بيانه على النحو الآتي:
أولاً: قالت السيّدة الزهراء (عليها السلام): «وأشهد أنّ أبي محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ» [48]، وفي هذا المقطع من كلام السيّدة فاطمة (عليها السلام) تؤكّد وتذكر أنْ سيّد الكونين ونبيّ ربّ العالمين وخاتم المرسلين هو أبوها، وفي هذا كلّ الفخر والشرف والمقام في الدارين، وأنّ لها هذه الخصيصة في الأبوّة الحقيقيّة والشرف دون أحد منكم أيها العرب، وفي هذا ملمحٌ للتقريع بحقّ المخاطبين، وهذا الملحظ أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾[49].
ومعنى الآية الكريمة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن “أبًا لأحدكم على سبيل الحقيقة، ولكنّه كان رسولًا من عند الله تعالى ليخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان، وكان أيضًا خاتم النبيين، بمعنى أنّهم خُتموا به، فلا نبيّ بعده، فهو كالخاتَم والطابَع لهم. ختم الله تعالى به الرسول والأنبياء، فلا رسول ولا نبيّ بعده إلى قيام الساعة”[50].

والإشارة إلى العبوديّة نلحظ مضمونها في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ [51]، والمراد بِعَبْدِهِ هنا خاتم أنبيائه محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإضافة للتشريف والتكريم، وأوثر التعبير بلفظ العبد؛ للدلالة على أنّ مقام العبوديّة لله تعالى هو أشرف صفات المخلوقين وأعظمها وأجلّها؛ إذ لو كان هناك وصفٌ أعظم منه في هذا المقام لعبّر به، وللإشارة أيضًا إلى تقرير هذه العبوديّة لله تعالى وتأكيدها، حتّى لا يلتبس مقام العبوديّة بمقام الألوهيّة، كما التبسا في العقائد المسيحيّة، حيث ألّهوا عيسى (عليه السلام)، وألّهوا أمّه مريم، مع أنّهما بريئان من ذلك[52].

ثانيًا: قالت السيّدة الزهراء (عليها السلام):«فأنار اللهُ بأبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ظُلَمَها، وكشف عن القلوب بُهَمَها[53]، وجلى عن الأبصار غُمَمَها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العَماية، وهداهم إلى الدّين القويم، ودعاهم إلى الصّراط المستقيم» [54]، وهنا تذكر السيّدة الزهراء (عليها السلام) بأنّ بعثة أبيها كانت بأمرٍ إلهيّ، وأنّ مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مقامٌ رسالي؛ وأنّ دعوته للحقّ سبحانه، وأثره على الناس واستجابتهم له كان بعد أنْ أزاح ستار الجهل عن العقول، وشحذ القلوب باليقين، فكانت النتيجة الخروج من الظلمات الاجتماعيّة والدينيّة، والاستضاءة بنور الإسلام وتعاليم القرآن، ومن ثَم السعادة في الدّارين لهم، وهذا المعنى نلحظه جليًّا في القرآن الكريم وفي مواطن عدّة، منها في قوله تعالى: ﴿وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾ [55]، و»الدعاء إلى الله هو تبليغ التوحيد والأخذ به، ومكافحة الكفرة. بإذنه هنا معناه: بأمره إيّاك»[56]، ولازمه الإيمان بدين الله تعالى، وتقييد الدعوة بإذنه سبحانه يجعلها مساوقةً للبعثة التي حَمّل أعبائها العظيمة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فمنحه “استعدادات ذاتيّة: فقد أعطاه جوهرًا ممتازًا، وذكاءً متوقّدًا، وإرادةً حديديّة، وعزمًا راسخًا، وعلمًا وفيرًا وتشخيصًا صائبًا، وإلّا فلن يتمكّن شخصٌ ضعيفٌ من القيام بهذه الرسالة الكبيرة، وسينتفي غرضها”[57].
ولهذا وصف القرآن المجيد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلًا ﴿سِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾، ويعني «كونه بحيث يهتدى به الناس إلى سعادتهم، وينجون من ظلمات الشقاء والضلالة فهو من الاستعارة»[58].
ثالثًا: قالت السيّدة فاطمة (عليها السلام) في وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومهامه الرساليّة: «فبلّغَ الرسالةَ صادعًا بالنذارة، مائلًا عن مدرجة المشركين» [59]، وفيه:
- (فبلّغ الرسالة): أي بلّغ الأمر المُرسَل به من السماء، والتبليغ هنا يشمل كلّ المعارف القرآنيّة والإسلاميّة، ومن أهمّ تلك الأمور هو تبليغ الوصيّة فيمن يستخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد رحيله، وهذا أمرٌ مرجعيّته القرآنيّة واضحةٌ في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [60]، وفي هذه الآية «خطابٌ للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإيجابٌ عليه تبليغ ما أنزل إليه من ربّه، وتهديدٌ له إنْ لم يفعل، وأنّه يجري مجرى إنْ لم يفعل ولم يبلغ رسالته”[61].

والأمر الخطير الذي يرتهن به جميع ما بلّغ به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال ثلاث وعشرين سنةً من عمر الدعوة الشريفة هو استخلاف الإمام علي (عليه السلام)، وتنصيبه وصيًّا من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا الأمر هو ما دفع السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إلى مجابهة القوم في خطبتها محلّ البحث، والاحتجاج عليهم بأرض فدك، و»أنّ النزاع حقيقة في أصل الخلافة»[62].
ويؤكّد أنّ المراد من التبليغ في الآية الكريمة هو استخلاف الإمام علي (عليه السلام)، ما قاله الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في تفسير الآية، إذ قال: «إنّ الله تعالى لمّا أوحى إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يستخلف عليًّا كان يخاف أنْ يشقّ ذلك على جماعةٍ من أصحابه، فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعًا له على القيام بما أمره بأدائه» [63].

- (صادعًا بالنذارة): و(صادعًا) حالٌ من ضمير (بلّغ)، وهو من الصّدع، بمعنى الإظهار، وهذا المضمون مرجعيّته القرآنيّة نلحظها في قوله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾[64]، يقول المفسِّر ابن عاشور: «والصدع الجهر والإعلان، وأصله الانشقاق، ومنه انصداع الإناء، أي انشقاقه. فاستعمل الصدع في لازم الانشقاق وهو ظهور الأمر المحجوب وراء الشيء المنصدع، فالمراد هنا الجهر والإعلان. وما تؤمره هو الدّعوة إلى الإسلام»[65].

و(النذارة): أي التخويف والتحذير من غضب الله ، وهذا جزءٌ من مهام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الرساليّة، وهذه الوظيفة واضحة المعنى في القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [66]، أي إنّك يارسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منذرٌ “لهم، تنذرهم بأسَ الله أن يحلّ بهم على شركهم”[67].

- (مائلاً عن مدرجة المشركين): أي إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مبتعدًا عن طريق المشركين، ومذهبهم ومسلكهم، مترفعًا بسموّ أخلاقه، وعظيم دينه عن مجاراة أخلاقهم المنحرفة وعاداتهم السيّئة، فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) معرضٌ عنهم، وعن سخريتهم واستهزائهم. وهذا البيان من السيّدة الجليلة (عليها السلام) مرجعيته القرآنيّة واضحةٌ باهرة، قال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [68]، إذ إنّ «الإعراض عن المشركين هنا بمعنى الإهمال»[69].
رابعًا: قالت السيّدة الزهراء (عليها السلام): «داعيًا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة» [70]، وهي في محل بيان صفات النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهده الرسالي في تبليغ تعاليم السماء بسلاح المنطق والدليل والبرهان، وهذا تعبيرٌ واقعيٌّ عن التزام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر السماء في أسلوب الدعوة، وقد مثّل لهذا القدوة الحسنة في الأخلاق العالية، وهذا المعنى واضحٌ في قوله تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾[71].

وهذه الكلمات القرآنيّة التي ذكرتها السيّدة الزهراء (عليها السلام) على قصر حروفها تحمل معاني عميقةً ومهمّةً لابدّ أنْ يتحلّى بها كلّ داعيةٍ إلى الدِين الحقّ، وتمثّل كذلك مكارم الأخلاق الحميدة، لهذا وجدنا من المناسب في هذا المقام الوقوف على بيانها على النحو الآتي[72]:

1- (الحكمة): إصابة الحقّ بالعلم والنقل، فالحكمة من الله تعالى: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان: معرفة الموجودات، وفعل الخيرات[73].
وهي بهذا بمعنى العلم والمنطق والاستدلال، وهي في الأصل بمعنى (المنع)، وقد أطلقت على العلم والمنطق والاستدلال لقدرتها على منع الإنسان من الفساد والانحراف.
فأوّل خطوةٍ على طريق الدعوة إلى الحقّ هي التمكّن من الاستدلال وفق المنطق السليم، أو النفوذ إلى داخل فكر الناس، ومحاولة تحريك عقولهم وإيقاظهم، كخطوةٍ أولى في هذا الطريق.
2 - الموعظة الحسنة: وهي الخطوة الثانية في طريق الدعوة إلى الله، بالاستفادة من عملية تحريك الوجدان الإنساني، وذلك لما للموعظة الحسنة من أثرٍ دقيقٍ وفاعلٍ على عاطفة الإنسان وأحاسيسه، وتوجيه مختلف طبقات الناس نحو الحقّ.
قال الراغب الأصفهاني (ت:425هـ): الوعظ: زجرٌ مقترنٌ بتخويف[74]، وقال الجرجاني: الموعظة هي التي تُليّن القلوب القاسية، وتُدمع العيون الجامدة، وتُصلح الأعمال الفاسدة[75].

وفي الحقيقة فإنّ (الحكمة) تستثمر البُعد العقلي للإنسان، و(الموعظة الحسنة) تتعامل مع البُعد العاطفي له.
إن تقييد (الموعظة) بقيد (الحسنة) لعله إشارةٌ إلى أنّ النصيحة والموعظة إنّما تعمل عملها في الطرف المقابل الموجَّه له إذا خلت من أيّة خشونةٍ أو استعلاءٍ وتحقيرٍ ونحو ذلك ممّا يثير فيه حسّ العناد واللجاجة وما شابه ذلك؛ فكم من موعظةٍ أعطت عكس ما كان يؤمل منها بسبب أسلوب طرحها الذي يُشعر الطرف المقابل بالحقارة والإهانة، كأن تكون الموعظة أمام الآخرين، ومقرونةً بالتحقير، أو يستشم منها رائحة الاستعلاء في الواعظ، فتأخذ الطرف المقابل العزة بالإثم ولا يتجاوب مع تلك الموعظة. لكن يترتب الأثر الإيجابي العميق للموعظة على المتلقّي إذا كانت (حسنة).
خامسًا: وقالت الصديقة الزهراء (عليها السلام): «يكسر الأصنام، وينكث الهام، حتّى انهزم الجمع وولّوا الدبر، حتّى تفرّى[76] الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق[77] الشياطين، وطاح[78] وشيظ النفاق[79]، وانحلّت عقد الكفر والشقاق»[80].

ونلحظ هنا أنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) ما زالت تصف مهام النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) في تبليغ الرسالة السماويّة، ثم نجدها قد انعطفت من حيث أسلوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تبليغ الدعوة؛ فبعد أنْ كان أسلوبه (الحكمة والموعظة الحسنة) تحوّل الى أسلوب الشدّة والحزم ومنه القتال!
وهذا لا يعني وجود تناقضٍ أو تغييرٍ في منهجيّة أسلوب الدعوة بلا حكمةٍ أو سببٍ يلزم هذا التغيير، وذلك أنّ نوع أسلوب الدعوة محكومٌ بالمقام والظرف المتعلّق بالمدعو (الناس)؛ فمتى ما كان منهم الإعراض والعصيان وعدم إعمال العقل والتفاعل مع الحكمة والموعظة الحسنة، ومن ثم التكبر والطغيان لا يكون حينها إلّا المجابهة بالشدّة، وفي الأسلوب أيضًا من الحكمة؛ إذ يكون أسلوب الدعوة متغيّرًا بتغيّر الظرف والمقام، ولا يكون على وتيرةٍ واحدةٍ، فهذا خلاف الحكمة.
كما ان هذا الأسلوب في الدعوة الذي ذكرته السيّدة الزهراء (عليها السلام) له مرجعيّته في آيات القرآن الكريم، فهو مقتبس من نهج القرآن في آليات الدعوة، من ذلك قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [81]، أي‏ «بالغ في جهادهم والغلظة عليهم حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم» [82].‏

نعم؛ فللجهاد صورٌ عديدةٌ، منها الجهاد باليد، والجهاد بالحجّة والبيان، فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد، واللسان والسيف والبيان‏.‏ فمن كان كافرًا محاربًا معاندًا يكون جهاده بالوعظ والإرشاد وبالتهديد والوعيد والقتال، أي إنّ «الجهاد ضد الكفار قد يكون مسلحًا أو غير مسلح»[83]. أمّا من كان ذا منطقٍ وفكرٍ ومذعنًا للإسلام بذمّةٍ أو عهدٍ، فإنه يُجاهد بالدليل والحجّة والبرهان، ويُبين له محاسن تعاليم الإسلام، ومساوئ الشرك والكفر‏[84].‏
وأما مَن كان من المنافقين فإنّ التاريخ الإسلامي لم يحدّثنا أنّ النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قاتل المنافقين لمجرد نفاقهم، بل كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحاول كسبهم وإطفاء فتنتهم بالطرق السلميّة، وهذا نلحظه في قول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقاتل منافقًا قط إنّما كان يتألّفهم»[85]، ويؤكّد هذا المعنى المفسِّر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في قوله: «إنّ المراد من الجهاد ضد المنافقين إنّما هو توبيخهم وإنذارهم وتحذيرهم، بل وتهديدهم وفضحهم، أو تأليف قلوبهم في بعض الأحيان»[86].
ويعرِّف المفسِّرون الموعظة الحسنة بأنّها ما في القرآن الكريم من الزواجر والوقائع بالناس، يذكِّرهم بها؛ ليحذروا بأس الله سبحانه[87]. وقالوا عند تفسير الآية: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾[88]: أي «أراد بالموعظة هاهنا الزاجر؛ أي: جعلنا ما أحللنا بهؤلاء من البأس والنَّكال في مقابلة ما ارتكَبوه من محارم الله، وما تحيَّلوا به من الحيل، فليحذر المتقّون صنيعهم؛ لئلّا يصيبَهم ما أصابهم»[89].
إذًا فالموعظة الحسنة هي نوعٌ من أنواع الجهاد، وتعني التذكير والنصح والتخويف والزجر، فهي بهذا تُرادِف التذكير والنصح والإرشاد، ولها أشكالٌ عديدةٌ كما تقدّم، وينسجم أسلوبها مع المقام والظرف.
ممّا تقدّم من كلام السيّدة الزهراء(عليها السلام) وما تضمّن من ملامح عن أصل النبوة، يستفاد تأكيد أنّ النبوّة أصلٌ من أصول الدِين الإسلامي المقدّس، وعلى المسلمين كافة الالتزام بها وصيانتها ورعايتها، لئلّا تنصدع أركان الرسالة الإسلاميّة، ومن ثَمّ تعود الجاهليّة العمياء إلى ساحة الوجود.

الخاتمة:
وفي نهاية هذا البحث أحط الرحال في خاتمته لأُدوّن فيها ما اعتقده خلاصاتٍ معرفيةً مستمدّةً من كلام السيّدة الزهراء (عليها السلام) في حقّ أصل التوحيد، وأصل النبوّة وعلى النحو الآتي:
إنّ أصل التوحيد لا يمسّ الواقع العقدي القلبي فحسب، بل إنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) أشارت إلى ملازمات التوحيد، وأثره على السلوك والأخلاق.
إنّ مقصد السيّدة الزهراء (عليها السلام) الأعظم من خطبتها، وما فيها من مضامين يكمن في صلاح الفرد والأمّة، وترسيخ القيم، واستنهاض للهمّة حين يصيب جسد الأمة وروحها النكوص والتقهقر.
وضحّت السيّدة الصدّيقة (عليها السلام) مكانتها من الوحي، وسموّ مقامها عند صاحب الرسالة، وبهذه المقدّمات كلّها تكون قد مهّدت إلى دفع الارتياب فيما سوف تقوله لمستمعيها من الصحابة، فلا يكون هناك شكّ في كلامها.
حذّرت السيّدة الزهراء (عليها السلام) الأمّة من مخالفتها لعهودها ومواثيقها مع نبيّها، ولا يختلف ذلك بوجوده (صلى الله عليه وآله وسلم) حيًّا بينهم أو بعد موته، حيث إنّ حياة النبيّ بشريعته هي الحياة إلى يوم القيامة.
الموعظة الحسنة لا تعني فقط الدعوة إلى دِين الله تعالى بأسلوبٍ رقيقٍ وليّن، وإنّما تعني أيضًا الدعوة إلى دِين الله تعالى بالغلظة والحزم حين يكون المعاند متجبّرًا متغطرسًا، وهذا من الموعظة الحسنة.
اتّضح للباحث من خلال البحث أنّ النصّ القرآني وكلام المعصوم (عليه السلام)، وتوضيح المفسِّر لآيات القرآن الكريم، تُرسم خارطة الفهم للقيم العلميّة والعمليّة لسلوك الناس عامّة.

قائمة المصادر والمراجع:
خير ما نبدأ به: القرآن الكريم
ابن عاشور محمّد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير، مؤسّسة التاريخ العربي، بيروت، (د.ت).
ابن كثير (ت:774هـ)، تفسير القرآن العظيم، دار صبح، بيروت، ط4، 2007 م.
الجرجاني علي بن محمد (ت:816هـ)، كتاب التعريفات، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2003م.
حسن القبانچي الحسيني، شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام)، دار الفكر، بيروت، ط2، 1406هـ.
الراغب الأصفهاني (ت:524هـ)، المفردات في غريب القرآن، دار القلم، بيروت، 2004 م.
السعدي عبد الرحمن بن ناصر (ت:1376هـ)، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، دار الحديث، القاهرة، 2005 م.
سيّد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، ط34، 2004م.
الطبري (ت:310 هـ)، جامع البيان عن تأويل القرآن، دار أحياء التراث العربي، بيروت، (د.ت).
الطوسي (ت:460 هـ)، البيان في تفسير القرآن، تحقيق: أحمد طيب العاملي، الأميرة للطباعة والنشر، بيروت، 2010 م.
عبد الرحيم بدر، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات، الكويت، 1984م.
العلامة الحلي (ت:726هـ)، نهج الحقّ وكشف الصدق‌، دار الكتاب اللبناني‌، بيروت، 1982م.
فضل علي القزويني (ت:1367هـ)، حياة الزهراء بعد أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، العتبة الحسينيّة المقدّسة، 2014 م.
القرطبي محمد بن أحمد (ت:671هـ)، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: د. مجدي محمد سرور، دار البيان العربي، القاهرة، 2008 م.
المجلسي (ت:1111هـ) محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسّسة الوفاء، بيروت، ط2، 1983م.
المجلسي (ت:1111هـ) محمد باقر، شرح الخطبة الكبرى للصديقة الكبرى فاطمة الزهراء، إعداد: أسعد السيد كاظم القاضي، باقيات للطباعة والنشر، قم، 2012 م.
محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، دار الكتاب العربي، بغداد، 2009 م.
محمد عزّة دروزة (ت:1984م)، التفسير الحديث ترتيب السور حسب النزول، دار الغرب الإسلامي، ط2، 2000 م.
مهدي صالح سلطان (الدكتور)، خطبة الزهراء (عليها السلام) سيدة النساء - قراءة حديثة وحوار جديد -، قسم الشؤون الفكرية والثقافية، بغداد، 2014 م.
ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، دار احياء التراث العربي، بيروت، ط2، 2005 م.
ناصر مكارم الشيرازي، الزهراء (عليها السلام) خير نساء العالمين، مكتبة الكوثر، بغداد، 2013م.

-----------------------------------------
[1] المجلسي، بحار الأنوار، 53/180.
[2] عبد الرحيم بدر، مناهج البحث العلمي، ص234.
[3] سورة الأنبياء، الآية: 22.
[4] المجلسي، بحار الأنوار، 29/584.
[5] د. مهدي صالح سلطان، خطبة الزهراء(عليها السلام) سيدة النساء قراءةٌ حديثةٌ وحوارٌ جديدٌ، ص43.
[6] سورة النحل، الآية: 120 - 121.
[7] سيد قطب، في ظلال القرآن، 4/2201.
[8] سورة الإسراء، الآية: 3.
[9] ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، 8/295.
[10] المجلسي، بحار الأنوار، 29/584.
[11] سورة إبراهيم، الآية: 34.
[12] ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، 12/259.
[13] سورة النساء، الآية: 47.
[14] سورة إبراهيم، الآية: 7.
[15] سورة الإسراء، الآية: 111.
[16] سورة الأنعام، الآية: 163.
[17] سورة البينة، الآية: 5.
[18] سورة غافر، الآية: 65.
[19] المجلسي، بحار الأنوار، 29/584.
[20] شرح الخطبة الكبرى للصديقة الكبرى فاطمة الزهراء، ص18.
[21] الزهراء خير نساء العالمين، ص100.
[22] شرح رسالة الحقوق، ص٢١.
[23] من دعاء الإمام أمير المؤمنين ع، المجلسي، بحار الأنوار، 84/341.
[24] سورة المؤمنون، الآية: 115.
[25] محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، 15/63.
[26] سورة ص، الآية: 26.
[27] محمد عزة دروزة، التفسير الحديث، 2/313.
[28] المجلسي، بحار الأنوار، 29/238.
[29] سورة النمل، الآية: 88.
[30] سورة الرعد، الآية: 16.
[31] الكليني، الكافي، 1/135.
[32] سورة الذاريات، الآية: 56 - 57.
[33] سورة الملك، الآية: 2.
[34] تقول: حشت الصيد أحوشته، إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة، ولعلّ التعبير بذلك لنفور الناس بطباعهم عمّا يوجب دخول الجنة.
[35] المجلسي، بحار الأنوار، 29/221.
[36] سورة التحريم، الآية: 8.
[37] سورة هود، الآية: 15 - 16.
[38] ظ: ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ٦/٤٩٤.
[39] سورة النبأ، الآية: 21 - 30.
[40] سورة النبأ، الآية: 31 - 36.
[41] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص1006.
[42] نهج الحق وكشف الصدق، ص72.
[43] المجلسي، بحار الأنوار، 29/238.
[44] المجلسي، بحار الأنوار، 29/584.
[45] الميزان في تفسير الميزان، ٧/١٣٩.
[46] المجلسي، بحار الأنوار، 29/238.
[47] سورة فصلت، الآية: 46.
[48] المجلسي، بحار الأنوار، 29/584.
[49] سورة الاحزاب، الآية 40.
[50] د. محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط، 12/324.
[51] سورة الاسراء، الآية 1.
[52] د. محمد طنطاوي، التفسير الوسيط، 7/3326.
[53] البُهَمْ جمع بهمة بالضمّ، وهي مشكلات الأُمور. غممها: الغُمَمُ: جمع الغمّة، يقال: هو في غمّة أي في حيرة ولبس.
[54] المجلسي، بحار الأنوار، 29/584.
[55] سورة الاحزاب، الآية: 46.
[56] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 14/200.
[57] ناصر مكارم الشيرازي، الزهراء (عليها السلام) خير نساء العالمين، ص104.
[58] محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، 16/330.
[59] المجلسي، بحار الأنوار، 29/584.
[60] سورة المائدة، الآية: 67.
[61] الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 3/534.
[62] فاضل علي القزويني (ت:1367هـ)، حياة الزهراء (عليها السلام)B بعد أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ص106، ظ: ناصر مكارم الشيرازي، الزهراء (عليها السلام) خير النساء، ص157.
[63] الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 3/534، المجلسي، بحار الأنوار، ٣٧/٢٥٠.
[64] سورة الحجر، الآية: 94.
[65] تفسير التحرير والتنوير، 13/70.
[66] سورة الرعد، الآية: 7. وفي معنى (الهادي) فإنّ للمفسرين آراء في المقصود منه، إلّا إنّهم أجمعوا عند ذكر هذه الآراء على الرأي الذي يرى أنّ المراد بالهادي هو الإمام علي (عليه السلام)، وقد ذكروا في ذلك تفسير ابن عباس إذ قال: «وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على صدره فقال: «أنا المنذر» ثم أومأ إلى منكب علي رضي الله عنه وقال: «أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي»». ظ: الرازي، تفسير مفاتيح الغيب، 19/12، وابن كثير وإنْ أنكر هذا الحديث، لكنّه ذكر تفسيرًا عن طريق الجنيد (ت:298هـ) يقول الهادي هو علي بن أبي طالب، ظ: تفسير القرآن العظيم، 2/499، وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال: « رسول الله= (صلى الله عليه وآله وسلم) المُنذِر، وعلي الهادي، والله ما ذهبتَ منا وما زالتَ فينا إلى الساعة». المجلسي، بحار الأنوار، 23/4، وعلقّ العلامة محمد حسين الطباطبائي قائلًا: «أقول والرواية تشهد على ما قدّمناه أنّ شمول الآية لعلي (عليه السلام) من الجرى وكذلك يجرى في باقي الأئمّة، وهذا الجرى هو المراد ممّا ورد أنّها نزلت في علي (عليه السلام)». الميزان في تفسير القرآن، 11/328.
[67] الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 16/53.
[68] سورة الحجر، الآية: 94.
[69] ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، 8/118.
[70] المجلسي، بحار الأنوار، 29/584.
[71] سورة النحل، الآية: 125.
[72] ظ: ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، 8/370، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/731.
[73] ظ: الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص126.
[74] ظ: المصدر نفسه، ص527.
[75] ظ: الجرجاني، كتاب التعريفات، ص305.
[76] تفرّى: أي انشق، يقال تفرّى الليل عن صبحه.
[77] الشقاشق: جمع شِقْشِقَة بالكسرـ وهي شيء كالرئة يخرجها البعير من فيه إذا هاج.
[78] طاح: هلك وسقط.
[79] الوشيظ بالمعجمتين: الرذل والسّفلة ... وفي بعض النسخ: الوسيط بالمهملتين: أشرف القوم نسبًا، وأرفعهم محلاً، وهـو أيضًا مناسب.
[80] المجلسي، بحار الأنوار، 29/584.
[81] سورة التحريم، الآية: 9.
[82] ظ: السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص359.
[83] ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ١٨/٤٦٤.
[84] ظ: السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص359.
[85] المجلسي، بحار الأنوار، ١٩/١٦٣.
[86] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ١٨/٤٦٤.
[87] ظ: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/731.
[88] سورة البقرة، الآية: 66.
[89] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/137.