البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

ثلاث دلالات : التسمية ، المصاهرة ، الثناء

الباحث :  السيد محمد أبوالحسن
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  1
السنة :  السنة الاولى - شعبان 1435هـ / 2014م
تاريخ إضافة البحث :  April / 10 / 2017
عدد زيارات البحث :  722
تحميل  ( 422.467 KB )
ـ أولاً ـ
دلالة التسمية
قيل:
إنّ سيدنا علي (عليه السلام) من فرط محبته للخلفاء الثلاثة قبله سمّى بعض أولاده بأسمائهم وهم:
1 ـ أبو بكر بن علي بن أبي طالب: شهيد كربلاء مع أخيه الحسين (عليه السلام).
2 ـ عمر بن علي بن أبي طالب: شهيد كربلاء مع أخيه الحسين (عليه السلام).
3 ـ عثمان بن علي بن أبي طالب: شهيد كربلاء مع أخيه الحسين (عليه السلام).
وهذه مسألة هامة لابد من دراستها والاهتمام بها، لأنّ فيها دلالات كبيرة جداً، وفيها الرد على الأساطير والأوهام والقصص الخيالية، وفيها مخاطبة للنفس والعاطفة، وفيها اقناع للعقلاء ولايمكن ردها ولا تأويلها(1).
***

أقول:
يـلاحظ (أولاً): إنّه لم يثبت وجود ولد للإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) يسمى بـ(أبي بكر) وإن ذكر ذلك بعض مؤرّخي الجمهور(2) ، بل المذكور في مصادر الامامية أنّ (أبا بكر) كان كنية لولده محمد الأصغر (3)، وليس هناك ما يثبت أنّ الامام (عليه السلام) هو الذي كنّاه بذلك.
ويلاحظ (ثانياً): إنّ (عمر) و(عثمان) كانا من الأسماء المتداولة الشائعة جداَ في ذلك العصر، ففي الصحابة وحدهم عشرون رجلاً أو يزيدون ممّن كان يسمّى بـ(عمر) ، ومثل ذلك كان يسمّى بـ(عثمان) ، كما يظهـر بمراجعـة (أسد الغابة)(4) وغيره.
وبالجملة لم يكن (عمر) و (عثمان) من الأسماء المختصّة أو شبه المختصّة بالخليفتين ليقال أنّ التسمية باسميهما تدلّ على (فرط محبته لهما).
ويلاحظ (ثالثاً): يحتمل أن تكون تسمية الامام (عليه السلام) بعض أبنائه بـ(عمر) أو بـ(عثمان) اعتزازاً منه ببعض آخر ممّن يسمّى بالإسمين من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أصحابه (عليه السلام)، وهذا الاحتمال بمجرده كافٍ في ابطال الاستدلال المذكور، كيف ويوجد في كتب التاريخ ما يشير إليه، فقد روي عن الامام (عليه السلام) أنّه سمى ولده (عثمان) بهذا الإسم لكونه اسماَ لـ(عثمان بن مظعون)، حكى ذلك أبو الفرج الأصفهاني عنه (عليه السلام) من انّه قال: (سميته باسم أخي عثمان بن مظعون)(5).
ولعلّه سمى ولده الآخر بـ(عمر) اعتزازاَ بـ(عمر بن أبي سلمة) فانّه كان من أعزّ أصحابه، ولاّه على فارس والبحرين، وقد شهد معه الجمل وطلبه لأن يشهد معه المسير الى ظلمة أهل الشام مخاطباً إياه بقوله: (إنّك ممن أستظهر به على جهاد العدو وإقامة عمود الدين)(6).
ويلاحظ (رابعاً): إنّه يحتمل أيضاً أنّ التسمية بـ(عمر) أو بـ(عثمان) لم تكن من الامام (عليه السلام) بل سبقه غيره بذلك، ولم يشأ أن يغيّر الإسم مداراة للقوم ومراعاة للمصالح العليا للإسلام، وهذا الاحتمال يكفي ـ بمجرده ـ أيضاً لإبطال الاستدلال، مع انّه يوجد في بعض المصادر ما يدلّ على أنّ الخليفة عمر هو الذي سمّى ولد الامام(عليه السلام) بهذ الاسم.
فقد روي عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب أنّه قيل له: كيف سمّى جدّك علي عمر؟ قال: سألت عن ذلك أبي فأخبرني عن أبيه عن عمر ابن علي عن علي بن أبي طالب قال: ولد لي غلام يوم قام عمر ـ أي استخلف ـ فغدوت عليه فقلت له: ولد لي غلام هذه الليلة فقال: ممن؟ فقلت: من الثعلبية، فقال: فهب لي اسمه، قلت : نعم، فقال: فقد سمّيته باسمي ونحلته غلاماً موركاً وكان نوبياً(7).
وإذا كان الامام (عليه السلام) قد اضطر الى تزويج كريمته ـ أم كلثوم ـ من الخليفة فكيف له أن يخالفه في طلبه تسمية ابنه باسمه ؟!
وبما تقدّم يتضح أنّ تسمية ولدي الامام (عليه السلام) بـ(عمر) و (عثمان) لا تدلّ بوجه على (محبته للخليفتين).
***

ـ ثانياً ـ
دلالة المصاهرة
قيل : إنّ عمر بن الخطاب تزوّج أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، زوّجها إياه علي (عليه السلام)، فهل تقولون ـ أيتها الشيعة الامامية ـ بأنّ علياً زوّج ابنته خوفاً من عمر؟ أين شجاعته؟ وأين حبه لابنته؟ أيضع ابنته عند الظالم؟ أين غيرته على دين الله؟ أسئلة كثيرة لا تنتهي، أم تقولون بأنّ علياً زوّج ابنته لعمر رغبة بعمر وقناعته به كما يقول أهل السنة .
لقد خاطبت بعض الشيوخ من علماء الشيعة المعاصرين عن هذا الزواج، ولم يتعرّض الشيخ لقضية البحث، وهي دلالة المصاهرة على الترابط الأسري وأنّها لاتكون الّا عن قناعة، وفيها دلالة على المحبة والأخوة والتآلف بين الأصهار(8).
أقول:
لقد نفى عدد من علماء الامامية زواج أم كلثوم من الخليفة وشكّك بعضهم في ذلك، وحشدوا شواهد على وقوع هذا الزواج، ومن المشككين الشيخ المفيد والشيخ سليمان الماحوزي، ومن النافين السيد ناصر حسين الموسوي اللكنهوي والشيخ محمد جواد البلاغي.
هذا على الرغم من ورود عدد من الروايات من طرق أئمة أهل البيت عليهم السلام على تحقّق هذا الزواج حتى أن الشيخ الكليني عقد له باباً في الكافي، وأورد فيه حديثين معتبرين سنداً مرويين عن الامام الصادق(عليه السلام) بشأن ملابسات وقوعه (9).
كما أورد في أبواب عدّة المتوفّى عنها زوجها حديثين آخرين عن الامام الصادق(عليه السلام) انّه قال : إنّ علياً (عليه السلام) لمّا توفي عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها الى بيته(10).
وأورد الشيخ الطوسي في (تهذيب الأحكام) باسناده عن الباقر (عليه السلام) قال: مـاتت أم كلثوم بنت علي (عليه السلام) وابنها زيد بن عمـر بن الخطـاب في ساعـة واحـدة ، لا يُدرى أيّهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما من الآخر وصُلّي عليهما معاً(11).
ولكن يمكن أن يقال:إنّ صحة أسانيد جملة من الروايات الدّالة على زواج أم كلثوم من عمر لا يقتضي الاعتماد عليها إذا تّمت الشواهد التي استعرضها المحقّقون على استبعاد ذلك.
وكم من رواية تامة السند إلّا انّها غير معتمدة لمخالفتها للشواهد والقرائن، ومنها على سبيل المثال ما رواه الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) من أنّ يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج وجرت محاورة بينه وبين الامام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام) مع أنّ المسلّم تأريخياً أنّ يزيد لم يدخل المدينة المنوّرة، بعد تقمّصه الخلافة(12).
ومهما يكن فإن ثبت زواج أم كلثوم من عمر فلا ينبغي الشك في أنّ هذا الزواج لم يقع وفق الموازين الطبيعية:
(أوّلاً) لعدم التوافق بينهما في العمر، فإّن أم كلثوم كانت آنذاك ـ أي السنة السابعة من الهجرة ـ صبية لم تبلغ العاشرة وكان الخليفة في أواخر العقد السادس من عمره !!
هذا مع أنّها كانت مرصودة لأحد أبناء عمّها الشهيد جعفر بن أبي طالب كما صرّح به الامام (عليه السلام) عندما خطبها الخليفة(13).
و(ثانياً) إنّ الخليفة كان رجلاً خشناً غليظاً ولاسيما في تعامله مع النساء، ولذلك رفضته غير واحدة منهنّ:
فقد خطب أم كلثوم بنت أبي بكر بعد وفاته من عائشة فأجابته ولكنّها كرهته قائلة (إنّه خشن العيش شديد على النساء).
وقد أفهمه عمرو بن العاص سبب رفضها له قائلاً: (إنّها حدثة نشأت تحت كنف أم المؤمنين في لين ورفق وفيك غلظة !)(14).
وخطب أيضاً أم أبان بنت عتبة فكرهته وقالت: (يغلق بابه، ويمنع خيره، ويدخل عابساً ويخرج عابساً)(15).
فهل مثله يصلح زوجاً لكريمة الامام (عليه السلام) بنت التاسعة ؟!
و(ثالثاً) إنّ المحكي في عدد من مصادر الجمهور أنّ عقيل بن أبي طالب أخا الامام (عليه السلام) كان يمانع من الاستجابة لطلب عمر في الزواج من ام كلثوم(16).
وكذلك مخالفة الامامين الحسن والحسين (عليهما السلام) لهذا الزواج(17).
فهل ترى أنّ الامام سلام الله عليه تقبّل مخالفتهم جميعاً لأنّه وجد في (عمر) زوجاّ مثالياً لكريمته ؟!!
و(رابعاً) إنّ دور عمر في تعيين أبي بكر خليفة للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) على خلاف نصّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغدير وغيره, ثم تمهيد الخلافة لنفسه من بعده، وكذلك دوره في غصب (فدك) ومنع فاطمة سلام الله عليها حقها والاعتداء عليها وعلى بيتها كان ماثلاً ـ من دون شك- في أذهان أهل بيت النبوة، فكيف يتصوّر ارتضاؤهم عليهم السلام تزويج كريمة (فاطمة الشهيدة) ممن كان سبباً في شهادتها؟!(18).
إذاً لامحيص من الاعتراف بأنّ هذا الزواج لو تم حقاً فإنّما كان تحت طائلة التهديد والوعيد.
وقد روى ذلك بسند معتبر عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: لما خطب اليه قال له أمير المؤمنين:إنّها صبية، قال: فلقى العباس فقال له : مالي أبي بأس ؟ قال: وما ذاك ؟ قال: خطبت إلى ابن أخيك فردّني، أما والله لأعورنّ زمزم، ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، ولأقيمنّ عليه شاهدين بأنّه سرق ولأقطعنّ يمينه، فأتاه العباس فأخبره وسأله أن يجعل الأمر إليه فجعله إليه(19).
قال السيد الشريف المرتضى : وهذا اكراه يحلّ له كلّ محرّم، ويزول معه كل اختيار، وما العجب من أن تبيح التقية والاكراه والخوف من الفتنة في الدين ووقوع الخلاف بين المسلمين لمن هو الامام بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمستخلف على أمته أن يمسك عن هذا الأمر، ويخرج نفسه منه ويظهر البيعة لغيره، ويتصرف بين أمره ونهيه وينفذ عليه أحكامه ويدخل في الشورى التي هي بدعة وضلالة وظلم، ومن أن يستبيح لأجل هذه الأمور المذكورة على من لو ملك اختياره لما عقد عليه.
وانما يتعجب من ذلك من لا يفكر في الأمور ولا يتـأملها ولا يتدبّرها(20).
وهكذا يتضح أنّه ليس في مصاهرة عمر للامام (عليه السلام) دلالة على المحبة والأخوة كما زعم.
***

ـ ثالثاً ـ
دلالة الثناء
قيل:
إنّ الشريف الرضي أورد في نهج البلاغة عن علي (عليه السلام) أنّه قال: (لله بلاء فلان لقد قوّم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلّف البدعة، وذهب نقي الثوب، قليل العبء، أصاب خيرها واتقى شرها، أدّى لله طاعته و اتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي اليها الضال ولايستيقن المهتدي)(21).
وقد حذف الشريف صاحب النهج لفظ (أبي بكر وعمر) وأثبت بدله (فلان)، ولهذا الابهام اختلف الشراح فقال البعض هو أبو بكر والبعض عمر، ورجّح الأكثر الأول وهو الأظهر، وقد وصفه الامام من الصفات بأعلى مراتبها فناهيك به وناهيك بها، وقد احتار الامامية الاثنا عشرية بمثل هذا النص لأنه من نهج البلاغة وما في النهج عندهم قطعي الثبوت، وغاية ما أجابوا أن هذا المدح كان من الامام لاستجلاب قلوب الناس لاعتقادهم بالخليفة أشد الاعتقاد، ولا يخفى على المنصف أن فيه نسبة الكذب لغرض دنيوي مظنون الحصول، بل كان اليأس منه حاصلاًَ قطعاًَ، وفيه تضييع غرض الدين بالمرة، وأيّة ضرورة تلجئه إلى هذه التأكيدات والمبالغات، وفي هذا المدح العظيم الكامل تضليل الأمة وترويج الباطل(22).
***
أقول:
يلاحظ (أولاً) إنّ اتهام السيد الشريف الرضي رحمه الله بحذف اسم الخليفة وتبديله بلفظ (فلان) اتهام باطل لا أساس له، بل الظاهر أنّه نقل النصّ بحذافيره من المصدر الذي اعتمده في نسبة هذا الكلام إلى الإمام (عليه السلام) من غير زيادة ولا نقيصة.
ويدلّ على ذلك أنّ ابن الأثير أورد في مادة (ع م د) من النهاية ما لفظه: (ومنه حديث علي: لله بلاء فلان فلقد قوّم الأود وداوى العمد)(23). فهل يحتمل في حق ابن الأثير أنّه حذف اسم الخليفة من نص الحديث وأبدله بلفظ (فلان)؟!
ولاحظ(ثانياً) انّ المذكور في عدد من نسخ نهج البلاغة في عنوان الكلام المتقدّم ما لفظه: ( ومن كلام له عليه السلام يريد به بعض أصحابه)(24)، فان ثبت اشتمال نسخة الأصل من النهج على العنوان المذكور لم يصح أن يكون المعني بفلان أحد الصاحبين، فإنّهما لا يعدان من أصحاب الامام (عليه السلام) كما لعلّه واضح.
ومن هنا رجح بعض شراح النهج أن يكون المقصود بفلان هو مالك الأشتر رضوان الله عليه، والأوصاف المذكورة في النص المتقدم تكاد أن تنطبق عليه بحذافيرها. وأمّا ما رجّحه القائل المشار اليه تبعاًً لابن ميثم البحراني من كون المعني بـ(فلان) أبا بكر فضعيف كما يتضح مما سيأتي.
ويلاحظ (ثالثاَ) انّ الكتاب الوحيد الذي هو (قطعي الثبوت) عند الشيعة الإمامية هو ( القرآن الكريم) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأما غيره من الكتب فلا يوجد فيها ما يكون قطعي الثبوت بتمامه، وكتاب (نهج البلاغة) وإن كان عظيم القدر جليل الشأن إلّا أنّه لم يسلم من بعض الأخطاء ممّا تنبّه لها المحقّقون ومنها ما وقع في هذا الموضع منه.
ولتوضيح ذلك لابد من مقارنة ما ذكر في النهج منسوباً إلى الإمام (عليه السلام) بما ورد في المصادر الأخرى بشأن الفقرات التي يشتمل عليها النص المذكور.
وما عثرت عليه في مصادر الجمهور من ذلك هي النصوص الآتية:
1 ـ أخرج ابن عساكر بإسناده عن ابن بحينة قال لما أُصيب عمر قلت: والله لآتين علياًً فلأسمعن مقالته، فخرج من المغتسل فأطم ساعة فقال: (لله نادبة عمر عاتكة وهي تقول: واعمراه مات والله قليل العيب، أقام العوج، وأبرأ العمد، واعمراه ذهب والله بحظّها ونجا من شرها واعمراه ذهب والله بالسنة وأبقى الفتنة، فقال علي: والله ما قالت ولكنها قُوّلت)(25).
2 ـ أخرج الطبري بإسناده عن المغيرة بن شعبة قال: لما مات عمر بكته ابنة أبي حثمة فقالت: واعمراه أقام الأود وأبرأ العمد، امات الفتن واحيا السنن، خرج نقي الثوب بريئاًً من العيب، قال: وقال المغيرة بن شعبة: لما دفن عمر أتيت علياًً وأنا أحب أن أسمع منه في عمر شيئاًَ، فخرج ينفض رأسه ولحيته وقد اغتسل وهو ملتحف بثوب لا يشك أنّ الأمر يصير اليه، فقال: يرحم الله ابن الخطاب لقد صدقت ابنة أبي حثمة (لقد ذهب بخيرها ونجا من شرها) أما والله ما قالت ولكن قُوّلت(26).
3 ـ وروى ابن عساكر بإسناده عن أوفى بن حكيم قال : لما كان اليوم الذي هلك فيه عمر خرج علينا علي مغتسلاً، فأطرق رأسه فقال: لله در باكية عمر قالت: واعمراه قوّم الأود وأبرأ العمد، واعمراه مات نقي الثوب قليل العيب، واعمراه ذهب بالسنة وأبقى الفتنة(27).
4 ـ وروى ابن شبة باسناده عن عبد الله بن مالك بن عنبة الأزدي حليف بني مطلب قال: لما انصرفنا مع علي من جنازة عمر دخل فاغتسل ثم خرج الينا، فصمت ساعة ثم قال: لله بلاء نادبة عمر لقد صدقت ابنة أبي حثمة حين قالت واعمراه أقام الأود وأبرأ العمد، واعمراه ذهب نقي الثوب قليل العيب، واعمراه أقام السنة وخلّف الفتنة، ثم قال: والله ما درت هذا ولكنها قوّلت وصدقت، والله لقد أصاب عمر خيرها وخلّف شرها، ولقد نظر اليه صاحبه فسار على الطريقة ما استقامت، ورحل الركب وتركهم في طرق متشعبة ، لا يدري الضال ولا يستيقن المهتدي(28).
ويلاحظ اتفاق المصادر المتقّدمة على أنّ جملة من المقاطع الواردة في النص المنسوب الى الإمام (عليه السلام) في نهج البلاغة انّما كانت من كلام نادبة عمر، فعدّها من كلام الامام (عليه السلام) خطأ واشتباه. وفيما يلي جدول للمقاطع الواردة في نهج البلاغة مع ما يوافقها أو يقابلها مما ورد في المصادر الأخرى:

نهج البلاغة ابن عساكر الطبري ابن عساكر ابن شبة
1 لله بلاء فلان لله نادبة عمر -- لله در باكية عمر لله بلاء نادبة عمر
2 قوّم الأود أقام العوج أقام الأود قوّم الأود أقام الأود
3 داوى العمد أبرأ العمد أبرأ العمد أبرأ العمد أبرأ العمد
4 أقام السنة وخلّف البدعة ذهب بالسنة وأبقى البدعة أمات الفتن وأحيا السنن ذهب بالسنة وأبقى الفتنة أقام السنة وخلّف الفتنة
5 ذهب نقي الثوب قليل العيب مات قليل العيب خرج نقي الثوب بريئاًَ من العيب مات نقي الثوب قليل العيب ذهب نقي الثوب قليل العيب
6 ذهب بحظها ونجا من شرها ذهب بحظها ونجا من شرها ذهب بخيرها ونجا من شرها -- أصاب خيرهاوخلّف شرها
7 أدّى لله طاعته واتقاه بحقه -- -- -- ولقد نظر له صاحبه فسار على الطريقة ما استقامت
8 رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي اليها الضال ولايستيقن المهتدي -- -- -- ورحل الركب وتركهم في طرق متشعبة لا يدري الضال ولا يستيقن المهتدي
ويتضح بملاحظة الجدول المذكور:
1 ـ إنّ المقطع الأول الوارد في النهج وهو قوله: (لله بلاء فلان) كان في الأصل (لله نادبة عمر) أو ما يقرب منه.
2 ـ وإنّ المقاطع الأربعة التي بعده، أي من المقطع الثاني إلى الخامس، كانت من كلام نادبة عمر.
وتختلف المصادر في أنّ الإمام (عليه السلام) هل ارتضى كلامها وصدّقها فيما قالت أولا، فالمستفاد ممّا ورد في تاريخ ابن عساكر وتاريخ ابن شبة هو الأول، فيما لم يرد في تاريخ الطبري ما يدلّ على ذلك، بل المستفاد منه أنّه(عليه السلام) إنّما صدّقها في المقطع السادس الآتي.
ويلاحظ اشتمال المصادر الثلاثة عل تأكيد الامام (عليه السلام) على أنّ ما صدر من النادبة بشأن عمر لم يكن مما قالته بل قُوّلته، والمقصود أنّه قد ألقي على لسانها التكلّم به أي لقّنت إيّاه، قال الزمخشري وغيره: إنّ المعنى أنّ الله قد أجراه على لسانها(29)، ولكن لعلّ الإمام(عليه السلام) استخدم هذا التعبير وأراد به معنى آخر تورية أي أراد أنّ بعض الإنس أو الجن أجراه على لسانها.
ومهما يكن فلا إشكال في أنّ المقاطع الأربعة المذكورة لم تكن للإمام (عليه السلام) فنسبتها اليه ـ كما في نهج البلاغة ـ خطأ محض.
3 ـ وأما المقطع السادس فالمستفاد مّما ورد في تاريخ ابن عساكر وتاريخ الطبري هو أنّه كان من كلام النادبة ، ولكن ظاهر المذكور في تاريخ ابن شبة أنّه كان من كلام الإمام (عليه السلام) عقّب به على كلام النادبة .
4 ـ وامّا لمقطع السابع فلا يوجد إلّا في نهج البلاغة وتاريخ ابن شبة، وبينهما اختلاف تام فيه.
5 ـ وامّا المقطع الثامن فيكاد يتفق ما ورد في نهج البلاغة وما ورد في تاريخ ابن شبة بشأنه، ولا يوجد هذا المقطع في سائر المصادر
وفي ضوء ما تقدم يمكن أن يقال:
إنّ ما لا تختلف فيه المصادر المتقدمة هو أنّ الإمام (عليه السلام) قال في حق عمر، أو صدّق كلام النادبة في حقّه: (ذهب بحظّها ونجا من شرها) أو ما يقرب من هذا المضمون.
وأنّه (عليه السلام) أضاف في حق الخليفة قوله: (رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي اليها الضال ولا يستيقن المهتدي) أو ما يقرب منه .
والملاحظ أنّ كلا المقطعين ليس صريحاًَ في مدح الخليفة، بل يحتملان الذم أيضاًَ بل هما إلى الذم أقرب منه إلى المدح، والظاهر أنّ الإمام (عليه السلام) اختار التورّي بهما.
وكيف يمدح (عليه السلام) من قال عنه بعد سنوات: ( صيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإنّ أسلس لها تقحّم، فمني الناس ـ لعمر الله ـ بخبط وشماس وتلوّن واعتراض، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى اذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّـي أحدهم)(30).

* هوامش البحث *
(1) لاحظ كراس (رحماء بينهم) ص16-17
(2) مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا (مجلة تراثنا م12ص 130)، أنساب العرب ص39.
(3) الإرشاد: ج1 ص355، كشف الغمة ج2 ص66 أعلام الورى ج1 ص396.
(4) أسد الغابة ج3 ص 370 وما بعدها و ج4 ص 51 وما بعدها.
(5) مقاتل الطالبيين ص 55.
(6) نهج البلاغة ج 3: ص68.
(7) لاحظ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 45 ص 304 وتاريخ المدينة المنورة لابن شبة ج2: ص755.
(8) لاحظ كراس (رحماء بينهم) ص25 وما بعدها.
(9) الكافي ج5: ص346.
(10) الكافي ج6: ص115 : ح 2-1.
(11) تهذيب الأحكام ج9: ص369 ح15.
(12) الكافي ج8 ص234.
(13) المستدرك على الصحيحين ج3 ص142.
(14) لاحظ تاريخ الطبري ج5 ص17 ، االمغني لابن قدامه ج7 ص384.
(15) لاحظ تاريخ الطبري ج5 ص17
(16) المعجم الكبير للطبراني ج3 ص44.
(17) كنز العمال ج16 ص531.
(18) لاحظ مآساة الزهراء.
(19) الكافي ج 5 ص346 ج2.
(20) رسائل الشريف المرتضى ج3 ص149-150.
(21) نهج البلاغة ج2 ص222.
(22) تأملات في كتاب نهج البلاغة ص18.
(23) النهاية في غريب الحديث والأثر ج3 ص297.
(24) نهج البلاغة ط مؤسسة الأعلمي ص 473.
(25) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج44 ص457.
(26) تاريخ الطبري ج 3 ص 285.
(27) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 44 ص457.
(28) تاريخ المدينة المنورة ج3 ص 941.
(29) الفائق ج1 ص65.
(30) نهج البلاغة ج1 ص33.