البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

التأسيس النبويّ للمرجعيّة الفقهيّة للأئمة(عليهم السلام)

الباحث :  الشيخ سامر عجمي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  30
السنة :  ربيع 2024م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 11 / 2024
عدد زيارات البحث :  386
تحميل  ( 1.361 MB )
الملخّص
خلق الله تعالى الناس بفضل حكمته لمعرفته وعبادته، وأرسل لهم الأنبياء لتعليمهم وتزكيتهم وهدايتهم، إلى أن خُتِمت الرسالات بمحمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الّذي أدّى ما حُمّل في تبليغ الوحيّ، وتعليم الكتاب والحكمة، وتزكية النفوس وتطهيرها، والشهادة على الأعمال، وصيانة الدين عن التحريف، ومواجهة الانحرافات السلوكيّة والشبهات العقائديّة، وتطبيق الشريعة، وقيادة الدولة وإدارة شؤون الحكم... وما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل، سيقتل أو يموت، وكان أمامه (صلى الله عليه وآله وسلم) للحفاظ على تراث النبوّة واستمرار حضور وظائفها ومنع انقلاب الأمّة على أعقابها، ثلاثة خيارات: إهمال أمر الأمّة، أو تربية الأمّة على مبدأ اختيار الإمام، أو تعيين الإمام الذي يقوم مقامه في وظائفه الرساليّة ما عدا تلقّي الوحيّ. والفرضيتان الأولى والثانية لا تنسجمان مع مقاصد بعثة النبيّ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخاتميّة الرسالة، وما تقتضيه من عصمة المرجعيّة ومعارفها المضمونة الحقانيّة، فلا يبقى إلّا أن تكون الإمامة العامّة اصطفاءً إلهيًّا؛ لأنّه أعلم حيث يجعل رسالته، وليست خيارًا للأمّة لتحصل بالبيعة أو الشورى أو القهر والغلبة.

وقد حرص النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على استثمار كلّ مناسبة لتثبيت المرجعيّة الدينيّة لأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ليقوموا مقامه في وظائفه والتصدّي للمرجعيّة العامة، ورغم ما مارسته الحكومات المتعاقبة من إخفاء فضائل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ومحاربتهم ، وصل إلينا عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مئات الأحاديث العامة ــ كحديث الثقلين والسفينة ــ والأحاديث الخاصّة التي تعيّن الإمام بالاسم أو اللقب أو الكنية، التي وصلت إلى حدّ التواتر الإجماليّ أو المعنويّ مع ما احتفّ بها من القرائن الكثيرة المُشخِّصة للأئمة (عليهم السلام).
فقد أفادت الأحاديث النبويّة أنّ الإسلام اثنا عشريّ، وأنّ الإمامة العامّة ممتدةٌ في حياة الأمة إلى يوم القيامة، وأنّها تبدأ بعليّ (عليه السلام)، ومن بعده ولديه الحسن والحسين، ثم في تسعةٍ من ولد الحسين إلى أنْ تنتهي بالمهدي f، وأنّ هؤلاء الأئمّة راشدون، مهتدون، معصومون، أبرار، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه، وأنّ الله أعطاهم علم رسول الله، وحكمه، وفهمه، وفقهه، فهم أعلم الأمة، وأئمة الحقّ، والحجّة على الخلق، وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأولي الأمر الّذين تجب طاعتهم، منصور من نصرهم، مخذول من خذلهم.

الكلمات المفتاحية: النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وظائف النبوّة، الإمامة، أهل البيت (عليهم السلام)، النصّ، التواتر الإجماليّ والمعنويّ، المرجعية الفقهيّة.


Abstracts
Allah Almighty created people with the grace of His wisdom for His recognition and worship. He sent prophets to teach, purify, and guide them until the chain of revelations was concluded with Muhammad ibn Abdullah (peace be upon him and his family), who fulfilled his duty in conveying the revelation, teaching the scripture and wisdom, purifying souls, witnessing deeds, preserving the religion from distortion, confronting behavioral deviations and ideological doubts, implementing Sharia law, leading the state, and managing governance affairs. Muhammad was but a messenger, preceded by other messengers, destined to be killed or die. To preserve the heritage of prophecy and ensure the continuity of its functions, preventing the nation from regressing, he had three options: neglect the affairs of the nation, educate the nation on the principle of choosing the Imam, or appoint an Imam to succeed him in his prophetic duties except for receiving revelation. The first two hypotheses do not align with the purposes of Prophet Muhammad’s (peace be upon him and his family) mission, the finality of the message, and the infallibility required of the authority and its guaranteed truthful knowledge. Thus, the only remaining option is that the general Imamate is a divine selection, for He knows best where to place His message, and it is not a choice for the nation to be made through allegiance, consultation, or force and dominance.
The Prophet (peace be upon him and his family) took every opportunity to establish the religious authority of the Imams of the Household (peace be upon them) to succeed him in his duties and assume the general authority. Despite the successive governments’ attempts to conceal the virtues of the Imams of the Household (peace be upon them) and fight against them, hundreds of general narrations—such as the Hadith of Thaqalayn and the Ark—and specific narrations that identify the Imam by name, title, or epithet have reached us. These narrations have achieved collective or conceptual recurrence, supported by numerous indicators that identify the Imams (peace be upon them).

The prophetic narrations indicate that Islam is Twelver, and the general Imamate extends throughout the life of the nation until the Day of Judgment. It begins with Ali (peace be upon him), followed by his sons Hasan and Husayn, and then in nine descendants of Husayn until it concludes with the Mahdi (peace be upon him). These Imams are rightly guided, enlightened, infallible, virtuous, with the Quran and the Quran with them, never parting from it, nor it from them. God granted them the knowledge, judgment, understanding, and jurisprudence of the Messenger of God. They are the most knowledgeable of the nation, the leaders of truth, the argument against creation, more entitled to the believers than themselves, and the authorities whose obedience is obligatory, victorious if supported, and forsaken if abandoned.


Keywords: Prophet Muhammad (peace be upon him and his family), Prophetic Duties, Imamate, Household of the Prophet (peace be upon them), Text, Collective and Conceptual Recurrence, Jurisprudential Authority.


مقدّمة
الإمامة بين القيادة السياسيّة والمرجعيّة الدينيّة العامّة
ثمّة إجماعٌ عند الباحثين في التاريخ الإسلامي على أنّ أوّل انشقاقٍ محوريّ وقع في الأمّة الإسلاميّة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يدور حول مسألة الإمامة والخلافة والولاية والوصايا؛ فانقسمت الأمة إلى فرقتين رئيستين: الأولى: تشايع عليَّا (عليه السلام) بالإمامة، والثانية: اتّبعت غيره من الصحابة[1].

وتعتقد الإمامية أنّ إمامة عليٍّ (عليه السلام) لم تكن خيارًا للأقليّة من الأمّة مقابل خيار الأكثريّة؛ لأنّ خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليست خيارًا للأمّة أصلًا، فلا تحصل بالبيعة أو الشورى أو القهر والغلبة، أو أيّ آليةٍ أخرى، بل تعيّن بالنصّ النبوي المنطوق عن الوحي؛ لأنّ خلافة الرسول لا تُختزَل في القيام مقامه في الرئاسة والقيادة السياسية للأمة؛ لأنّ هذا البعد يمثّل دورًا واحدًا من أدوار ووظائف المرجعية العامة للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

كما أنّه لا يمكن القول: على فرض النصّ على إمامة عليٍّ (عليه السلام)، إنّ ذلك كان إجراءً إداريًّا وتدبيرًا سياسيًّا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من موقعه القيادي للأمّة الإسلامية ليقوم عليٌّ (عليه السلام) مقام النبي بعد وفاته في تنظيم شؤون الدولة، بنحوٍ إذا تخلّفت الأمّة عن طاعة هذا التدبير الولائي تكون قد عصت الرسول في قرار حكوميّ كقائدٍ سياسي.

فجوهر الإمامة والولاية والخلافة عند الإمامية يتقوَّم بالمرجعية العامّة، بمعنى أنّ يقوم الإمام والخليفة مقام النبيّ فيما له من وظائف عامّة إلّا النبوة وتلقي الوحي، ولا يُختزَل في السلطة الظاهرية السياسية والإدارية. وعليه، يكون لخلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دائرتان:

الأولى: القيادة السياسية، بما تعنيه من تنظيم شؤون الأمة وإدارة الدولة سياسيًّا، وعسكريًّا، واقتصاديًّا، بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الثانية: المرجعية العامة والقيادة الدينية الشاملة، في الميادين المختلفة عقيدةً وفقهًا وأخلاقًا وتفسيرًا، والتي من لوازمها القهريّة الدائرة الأولى.

وإنّ افترض بعضهم أنّ البحث عن الإمامة والخلافة في الوقت المعاصر لا ثمرة فيه، بل له أثرٌ سلبيّ بلحاظ أنّه ينبش قضايا تاريخيةً من قبورها فيصدّع الوحدة ويعمِّق الشرخ ويثير الفتنة بين المسلمين، والله تعالى يأمرنا (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[2]، فهذا الافتراض يمكن طرحه فيما لو اقتصرت الإمامة على القيادة السياسية حصرًا، فتكون القضية تاريخيةٌ ينتهى أمدها بانصرام زمانها، أمّا بناءً على كون الإمام هو المرجعية الدينية والدنيوية العامّة للأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيبقى باب البحث حول النقطة الثانية مفتوحًا على مصراعيه؛ لأنّ المرجعية الدينية العامّة لها عموم أفرادي وأزماني وأحوالي، فلا تنحصر بالإمام بقيد كونه حيًّا، فتنتهي بموته. فالقضية في هذا البعد من أصول العقيدة وثوابتها التي يمتدّ حضورها في عمود الزمان باستمرار البشرية إلى يوم القيامة. وتكون ثمرة البحث مرتبطة بجهتين: الأولى: معرفة الحقيقة، بمعنى الاعتقاد بالواقع على ما هو عليه. والثاني: الحُجيّة، بمعنى أخذ الإنسان معالم دينه وتكوين معارفه الدينية من مرجعية يكون الاعتماد عليها مُعذِّرًا له يوم القيامة أمام المولى (عزّ وجلّ) عند المساءلة والمحاسبة.

وتبقى نقطةٌ جديرةٌ بالدراية، وهي أنّه حتى لو افترضنا الإمامة بمعنى القيادة السياسية حصرًّا، نستبعد تركها لخيارات الأمة، بلحاظين:
الأول: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يؤصّل لهذا الخيار، ولم يبيّن ضوابطه وشروطه، ولو كان أمر الإمامة موكولًا إلى ولاية الأمّة على نفسها لَظهر وبَان، ولسنّ النبيّ التشريعات والقوانين التي تنظّم علاقة الأمة بالحاكم من حيث كيفية انتخابه أو تعيينه، ولما تركه كرة في منطقة فراغ تتقاذفها الاجتهادات الشخصية والانطباعات الخاصة التي أدّت إلى تمزّق الأمة وتصارعها، وخير شاهدٍ على ذلك تجربة الخلفاء الأوائل -حسب تصنيف العامّة- فضلًا عن غيرهم فخلافة أبي بكر تمّت ببيعة عمر ابتداءً، وخلافة عمر بتعيين أبي بكر، وخلافة عثمان باختيار عمر الشورى في ستة، وخلافة علي ببيعة الناس، وخلافة الحسن بن علي كذلك، وخلافة معاوية بالملك والقهر والغلبة.

والثاني: العرف العام للقادة والحكّام السائد في زمانه (صلى الله عليه وآله وسلم)، من تعيين الحاكم من يقوم مقامه في إدارة الدولة من بَعْدِه، أملًا في الحفاظ على مكتسباتها، وخوفًا من وقوع التنازع، ممّا يؤدّي إلى تمزّق الدولة وتفكّكها، وضعفها وانهيارها.

وهذا العرف كان مرتكزًا في الذهنية العربية، ومن النماذج المؤيّدة لذلك:
النموذج الأول: أنّه «لما أحسّ –عمر بن الخطاب- بالموت قال لابنه: اذهب إلى عائشة، وأقرئها منّي السّلام، واستأذنها أنْ أُقبَر في بيتها مع رسول الله ومع أبي بكر.
فأتاها عبد الله بن عمر، فأعلمها. فقالت: نعم، وكرامة. ثم قالت: يا بُني، أبلغ عمر سلامي، وقل له: لا تَدَعْ أمةَ محمدٍ بلا راعٍ، استخلفْ عليهم، ولا تدعهم بعدك هَمَلًا[3]، فإنّي أخشى عليهم الفتنة»[4].
النموذج الثاني: قول عبد الله بن عمر لأبيه: «إنّي سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أنْ أقولها لك، وزعموا أنّك غير مستخلف، وأنّه لو كان لك راعي إبلٍ أو غنمٍ، ثمّ جاءك وتركها، لرأيت أنْ قد ضيَّع، فرعاية الناس أشدّ»[5].
والنموذج الثالث: قول معاوية بن أبي سفيان عند أخذه البيعة لابنه يزيد: «إنّي كرهت أنْ أدعَ أمّة محمّدٍ بعدي كالضَّأن لا راعي لها»[6].
فما عشت أراك الدهر عجبًا! وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ، فهل هم أشدّ حرصًا على أمّة محمدٍ من محمدٍ نفسه في تركها هَمَلًا بلا راعٍ، والله تعالى يقول: (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)[7]؟!! وكان (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذا خرج عن المدينة لمدّةٍ وجيزةٍ يستخلف فيها من يقوم مقامه لإدارة شؤون المسلمين، فمن هذا شأنه وديدنه كيف يُنسب إليه إهمال أمّته؟!! أضف إلى ذلك بصيرة النبيّ ورؤيته الثاقبة وحدّة ذكائه (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أنا... )[8]، وإحاطته بخصائص أفراد أمّته النفسية والاجتماعية، كوقوعها تحت تأثير العقلية القبلية في العلاقات والتحالفات، واختلاف الآراء بين الأصحاب إلى حدّ التباغض والتحاسد، وتغلغل ظاهرة النفاق والمنافقين داخل جسم الأمة، وكثرة الكذّابة عليه في زمانه، وأنّ الدولة التي سعى جاهدًا لبنائها مُحاصرةٌ من الشمال والغرب بإمبراطوريتين قويتين: البيزنطية -الرومانية والساسانية - الفارسية[9]، فهل يُعقَل ألّا يستشرف المستقبل بعد موته (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الإشارة القرآنية إلى ذلك (أفإنْ ماتَ أو قُتِل انقلبتم على أعقابكم)[10]؟!! وهل من الممكن أنْ يتّخذ موقف الحياد تجاه مستقبل أمّته ويتركها لخياراتها المتناقضة في تحديد مصيرها، والتي ستؤول إلى الحروب والانشقاقات؟!!

أم تقتضي هذه المعطيات -خصوصًا مع معرفته بدنو رحيله، إذ قال: « أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ»[11]، «وإنّي لأظن أنّي يوشك أن أُدعَى فأُجيب»[12]- مبادرة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم إلى اتخاذ موقف إيجابي، يوصي من بعده إلى شخص يقود الأمة ويحفظ هويتها ووحدتها وحركتها نحو الهدف المطلوب؟!!

لذا، يقول ابن سينا: «والاستخلاف بالنصّ أصوب، فإنّ ذلك لا يؤدّي إلى التشعّب والتشاغب والاختلاف»[13].
ويؤكّد ذلك، السياق الذي رويت فيه هذه المقالة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، من تصدّرها حديث غدير غمّ وحديث الثقلين:
روى الطبراني بإسناده عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: لما صدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع... ثم قام فقال: «يا أيّها الناس ... إنّي لأظنّ أنّي يوشك أنْ أُدعى فأجيب، وإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنّك قد بلغت وجاهدت ونصحت فجزاك الله خيرًا ... ثم قال: أيّها الناس إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه (يعني عليًّا)، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه. ثم قال يا أيّها الناس إنّي فرطكم وإنّكم واردون عَلَيَّ الحوض ... وإنّي سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين؛ فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله (عزّ وجلّ) سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيدكم؛ فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي فإنّه نبأني اللطيف الخبير أنّهما لن ينقضيا حتى يردا علي الحوض»[14].
وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن يزيد بن حيان سمعه من زيد بن أرقم: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»[15].

أوّلًا: ضرورة النصّ على الإمامة الدينيّة في ضوء أدوار النبيّ وهدف الخلقة
انطلاقًا ممّا تقدّم، يمكن القول إنّ أوّل انشقاق في الأمة تجاوز الصراع على الإمامة ذاتها، وحفر عميقًا - كما سيتضح - في التعامل مع أوامر النبيّ ومواقفه (صلى الله عليه وآله وسلم)، منها ما رواه البخاري بإسناده عن عبد الله بن عبّاس، قال: «لمّا اشتدّ بالنّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعه [الذي مات فيه] قال: ائْتُونِي بكتاب أكتب لكم كتابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ. قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللهِ حَسْبُنَا. فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَط، قَالَ: «فَقُومُوا عَنِّي، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ». فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ) وَبَيْنَ كِتَابِهِ»[16]. واعطف هذا الخبر على حديث الثقلين ليتّضح ما كان سيحتويه نص الكتاب بقرينة: (لا تضلّوا بعده)، والواردة في حديث الثقلين بعينها كما تقدّم وسيأتي.

والحقّ أنّ موضوعية البحث حول خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لكونها القيام مقامه، تقتضي الانطلاق من دراسة وظائف النبي وأدواره (صلى الله عليه وآله وسلم)، لمعرفة في أيّها يقوم الخليفة مقام النبي؟ وما الذي تقتضيه الخلافة من خصائص ومؤهّلات؟
والذي يظهر بالتتبع والاستقراء في ضوء النصوص القرآنية والروائية والوقائع التاريخية والقرائن العقلية أنّه يمكن تلخيص أهداف البعثة النبويّة ووظائفها في الآتي:

1- تلقي الوحي وتبليغه إلى الناس:
قال تعالى: (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)[17]، (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)[18].

2- التعليم والتزكية والهداية:
أ_ تعليم الناس الكتاب (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) وتفسيره وبيانه، (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)[19].
ب_ تعليم الناس الحكمة (وَيُعَلِّمُهُمُ ... الْحِكْمَةَ) والمعارف الحقيقية والعقائد الحقّة. ومكافحة العقائد الباطلة. ودفع الشبهات التي يطرحها الوثنيون والدهريون والنصارى واليهود والصابئة وغيرهم.
ت_ تزكية نفوس الناس وتطهير أخلاقهم (وَيُزَكِّيهِمْ).
ث_الهداية الباطنية[20] بمعنى التصرف التكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال ونقلها من موقف معنوي إلى موقفٍ آخر بحسب استعداداتهم وقابلياتهم (إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[21].

ج_ الشهادة على الأعمال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)[22]، (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[23].

3- التشريع وتأسيس القوانين:
أ_ تبليغ الناس التشريعات والقوانين التي تنظّم عباداتهم ومعاملاتهم: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[24].
ب- مواجهة التشريعات والقوانين والأعراف والعادات الجاهلية الجائرة.
ت_تطبيق الشريعة.
ث_ صيانة الشريعة من التحريف والتزوير.

4- القيادة والحكم:
أ_ قيادة الدولة سياسيًّا وعسكريًّا وأمنيًّا وماليًّا واقتصاديًّا.
ب_ القضاء والحكم في المشاجرات والخصومات.
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[25].

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيمًا)[26].
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[27].

إذا اتّضحت وظائف النبي وأدواره، فنكون بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام ثلاث فرضياتٍ نظرية:
الأولى: الإهمال، وهذه الفرضية لا تنسجم مع منطق العقل والنقل (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى)[28]، (أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَٰكُم عَبَثًا)[29].
الثانية: أنْ يكون النبي عالمًا بأنّه ثمّة أشخاص في الأمة وصلوا إلى مرحلة من النضج المعرفي والفكري والكمال الروحي والاستقامة السلوكية... إلخ بنحوٍ يكونون مؤهّلين لقيادة الأمة دينيًّا وعلميًّا وفكريًّا وفقهيًّا، وسدّ الثغرة ومنطقة الفراغ التي يتركها رحيل النبي في الأهداف والوظائف والأدوار، وحتى لو عددنا هذه الفرضية ممكنة نظريًّا، لكنها وقوعًا لا تتناسب مع الوقائع التاريخية[30]. ونماذج المعاصرين للرسول ممّن يقال إنّهم أصحابه، والتي تشير إلى أنّ الأمّة لم تبلغ تلك المرحلة التي تجعل البيئة العامة حاضنةً للحركة العلمية والفكرية والروحية المُنتجة للاكتفاء الذاتي، واستقلال الأمّة في قيادة ذاتها نحو تلك الأهداف والوظائف. والأهمّ من ذلك، أنّها لا تنسجم مع أهداف المشروع الإلهي وأدوار ووظائف النبوّة في حقانيّة مضمون المعارف المُبيِّنة للكتاب والسنة، وتزكية النفوس وهدايتها الباطنية، والشهادة على الأعمال. التي تقتضي وجود شخصٍ يتصل علمه بعلم الله تعالى، مطّلعٍ على غيب النفوس، مسلّطٍ عليها، معصوم عن الذنوب، للقيام بتلك الأدوار والحفاظ على الأهداف الإلهية، بعيدًا عن الاجتهادات والآراء البشرية، المستلزمة لتحريف الدين -عمدًا أو سهوًا- عقيدة وشريعة وأخلاقًا ومفاهيمًا وتفسيرًا.

والقرآن الكريم بمفرده – تحت شعار: «حسبنا كتاب الله»[31]- لا يشكِّل تلك الضمانة، لكونه كتابًا صامتًا، عرضةً باستنطاقه للاجتهادات المفتوحة على احتمالاتٍ كثيرةٍ في فهمه وتفسيره[32]، فيحتاج إلى «كتاب ناطق»[33].
عن منصور ابن حازم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «... إنّ من عرف أنّ له ربًّا، فقد ينبغي له أنْ يعرف أنّ لذلك الرب رضًا وسخطًا، وأنّه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فينبغي له أنْ يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنّهم الحجة وأنّ لهم الطاعة المفترضة.

فقلت – أي منصور بن حازم- للناس: أليس تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان هو الحجة من الله على خلقه؟
قالوا: بلى.
قلت: فحين مضى (صلى الله عليه وآله وسلم) من كان الحجة؟
قالوا: القرآن.
فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجي والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أنّ القرآن لا يكون حجةً إلّا بقيَّم، فما قال فيه من شيء كان حقًّا.

فقلت لهم: من قيِّم القرآن؟
قالوا: ابن مسعود قد كان يعلم، وعمر يعلم، وحذيفة يعلم.
قلت: كله؟
قالوا: لا.
فلم أجد أحدًا يقال إنّه يعلم القرآن كلّه إلا عليًّا (صلوات الله عليه)، وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا: لا أدري وقال هذا: لا أدري، وقال هذا لا أدري، وقال هذا: أنا أدري، فأشهد أنّ عليًّا (عليه السلام) كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضةً وكان الحجة على الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ ما قال في القرآن فهو حق.

فقال (عليه السلام) : «رحمك الله ... »[34].
والفرضية الثالثة: أنْ يُكلِّف الله تعالى النبيّ بأنْ يتعاهد شخصًا يحتضنه ويرعاه ويربّيه ويؤهّله ليقوم مقامه بعد وفاته في إكمال مسيرة النبوّة في امتداد وظائفها وأدوارها كما يوحي بذلك نزول آية التبليغ[35] (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ)[36]، وآية إكمال الدين[37] في الولاية والإمامة يوم الغدير (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا)[38].
وبعد بطلان الاحتمالين الأوّلين، لمعارضتهما العقل والنقل والشواهد التاريخية، تتعيّن الفرضية الثالثة، بضرورة وجود إنسانٍ يتمتّع بمواصفات النبيّ ومؤهلاته وخصائصه، من حيث المعرفة الحقّة المصيبة للواقع، والعصمة من الذنوب. فيثبت له كلّ ما كان ثابتًا للنبيّ إلّا النبوّة نفسها استثناء من العموم.

يقول الشيخ محمد حسن المظفر في حديث المنزلة: «لا ريب أنّ الاستثناء دليل العموم، فتثبت لعليّ (عليه السلام) جميع منازل هارون الثابتة له في الآية سوى النبوّة. ومن منازل هارون: الإمامة؛ لأنّ المراد بالأمر في قوله تعالى: (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)[39]. هو الأعمّ من النبوّة - التي هي التبليغ عن الله تعالى- ومن الإمامة، التي هي الرئاسة العامّة، فإنّهما أمران مختلفان؛ ولذا جعل الله سبحانه إبراهيم نبيًّا وإمامًا بجعلين مستقلين، وكان كثيرٌ من الأنبياء غير أئمّة... ويشهد للحاظ الإمامة وإرادتها من الأمر في الآية، الأخبار... بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا فقال: «اللهم إنّي أسألك بما سألك أخي موسى، أنْ تشرح لي صدري، وأنْ تيسّر لي أمري، وتحلّ عقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرًا من أهلي، عليّا أخي اشدد به أزري، وأشركه في أمري»[40]. فإنّ المراد هنا بالإشراك في أمره هو الإشراك بالإمامة، لا الإشراك بالنبوّة كما هو ظاهر»[41].
وهذا الخليفة القائم مقام النبيّ في وظائفه وأدواره، يثبت تعيينه بالنصّ، لأنّ الصفات المذكورة لا تُعرَف إلّا بكشف الوحي عنها، وقد صرّح النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، ففي حديث مناشدة علي (عليه السلام) للناس أيام عثمان بحديث الغدير بعد ذكره الآية السابقة «قام زيد ابن أرقم والبراء بن عازب وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار بن ياسر رضي الله عنهم فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو قائم على المنبر، وأنت إلى جنبه، وهو يقول: «أيّها الناس إنّ الله أمرني أنْ أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي... وإنّي أشهدكم أنّها لهذا خاصة - ووضع يده على كتف علي بن أبي طالب-، ثم لابنيه من بعده، ثم للأوصياء من بعدهم من ولدهم لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتى يردوا علي حوضي، أيها الناس قد بينت لكم مفزعكم بعدي، وإمامكم ودليلكم وهاديكم، وهو أخي علي ابن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم؛ فقلّدوه دينكم، وأطيعوه في جميع أموركم... »»[42].
وثمّة شواهد نقلية وقرائن تاريخية كثيرة في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) تؤكّد أنّ الإمامة جَعْلٌ إلهيٌّ (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) [43]، (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) [44]، منها: أنّه لما دعا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عامر إلى الإسلام، وقد جاءوا في موسم الحج إلى مكّة، قال رئيسهم: أرأيت إنّ نحن بايعناك على أمرك، ثمّ أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟

فأجابه: «الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء»[45]. وفيه إشارةٌ إلى قوله تعالى: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) [46].
وهذا المنطق قد أوضحه أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، فعن الصدوق عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: «أترون الأمر إلينا نضعه حيث نشاء، كلّا والله، إنّه لعهدٌ معهودٌ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رجلٍ، فرجل، حتّى ينتهي إلى صاحبه»[47]. هذا العهد أشار إليه القرآن تذييّلًا للآية الأسبق: (قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، فلا ينال العهد من ذرية إبراهيم إلّا من كان غير ظالمٍ مطلقًا، والتي استُدِل بها على عصمة الإمام[48].

ونِعمَ ما ورد في مناظرة هشام بن الحكم، روى الكليني بإسناده عن يونس بن يعقوب قال: «كان عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان، وهشام ابن سالم، والطيار، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد الله عليه السلام: «يا هشام، ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟»
فذكر هشام ما دار بينه وبين عمرو بن عبيد في مسجد البصرة، وكان مما دار بينهما:
قلت له -أي هشام-: ألك عين؟
قال -عمرو بن عبيد-: نعم.
قلت: فما تصنع بها؟
قال: أرى بها الألوان والأشخاص.
قلت: ألك أنف؟
قال: نعم.
قلت: فما تصنع به؟
قال: أشم به الرائحة.
قلت: ألك أذن؟
قال: نعم.
قلت: فما تصنع بها؟
قال: أسمع بها الأصوات.
قلت: ألك يدان؟
قال: نعم.
قلت: فما تصنع بهما؟
قال: أبطش بهما، وأعرف بهما اللّيّن من الخشن.
قلت: ألك فم؟
قال: نعم.
قال: قلت: فما تصنع به؟
قال: أعرف به المطاعم والمشارب على اختلافها.
قلت: ألك قلب؟
قال: نعم.
قلت: فما تصنع به؟
قال: أميّز به كلما ورد على هذه الجوارح.
قلت: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟
قال: لا.
قلت: وكيف ذاك وهي صحيحةٌ سليمة؟
قال: يا بني، إنّ الجوارح إذا شكّت في شيءٍ شمّته أو رأته أو ذاقته، ردّته إلى القلب، فتيقن بها اليقين، وأبطل الشكّ.
فقلت: فإنّما أقام الله (عزّ وجلّ) القلب لشكّ الجوارح؟
قال: نعم.
قلت: لا بدّ من القلب وإلاّ لم يستيقن الجوارح.
قال: نعم.
قلت: يا أبا مروان، إنّ الله تبارك وتعالى لم يترك جوارحكم حتى جعل لها إمامًا، يصحّح لها الصحيح، وينفي ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كلّه في حيرتهم، وشكّهم، واختلافهم، لا يقيم لهم إمامًا يردّون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إمامًا لجوارحك، تردّ إليه حيرتك وشكك؟!

قال: فسكت، ولم يقل لي شيئًا»[49].
وفي هذا السياق، نلاحظ التشديد في منطق أهل البيت على ضرورة وجود الإمام في كلّ زمانٍ بالمعنى السابق، فعن الإمام علي (عليه السلام): «اللهمّ بلى لا تخلو الأرض من قائمٍ لله بحجّة، إمّا ظاهرًا مشهورًا، وإمّا خائفًا مغمورًا، لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته»[50]. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام، كيما إنْ زاد المؤمنون شيئًا ردَّهم، وإذا نقصوا شيئًا أتمّه لهم»[51].

ولذا، الإمامة عند الإمامية من أصول الدين وثوابت العقيدة الأساسية، وليست من الفروع كلاميًّا أو فقهيًّا، يقول المحقق اللاهيجي: «إنّ جمهور الإمامية اعتقدوا بأنّ الإمامة من أصول الدين؛ لأنّهم علموا أنّ بقاء الدين والشريعة موقوفٌ على وجود الإمام كما أنّ حدوث الشريعة موقوفٌ على وجود النبيّ فحاجة الدين إلى الامام بمنزلة حاجته إلى النبيّ»[52]. ويقول محمّد مهدي النراقي: «إنّ رتبة الإمامة قريبٌ برتبة النبوة، إلّا أنّ النبيّ مؤسس للتكاليف الشرعية بمعنى أنّه جاء بالشريعة والأحكام والأوامر والنواهي من جانبه تعالى ابتداءً، والإمام يحفظها ويبقيها بعنوان النيابة عن النبيّ -صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله-»[53].
وممّا تقدّم يتبيّن أنّ هناك تباينًا جوهريًّا بين مفهوم الإمامة في التراث السني ومفهوم الإمامة عند الإمامية، لا يقتصر على شرطٍ هنا أو هناك، فثمّة تعريفان متباينان كليًّا بين المدرستين في تحديد ماهية الإمامة؛ ولذا يكون عقد المقارنة بين الرؤيتين في غير موضعه. يقول الشيخ مرتضى مطهري: «إنّه خطأ كبيرٌ ذلك الذي وقع به المتكلّمون المسلمون منذ القديم، وهم يطرحون الإمامة في صيغة السؤال التالي: ما هي شرائط الإمامة؟ فهذه الصيغة في الطرح تستبطن فرضية فحواها أنّ أهل السُنّة يقبلون الإمامة كما نقبلها نحن الشيعة، وغاية ما هنالك أنّنا نختلف معهم في شرائطها، إذ نقول نحن بالعصمة والنص شرطين في الإمام، ولا يعتقد الطرف الثاني بهما. وواقع الحال، أنّ الإمامة التي نعتقد بها نحن الشيعة لا يعتقد بها السُنّة أساسًا، وما يعتقد به أهل السنة باسم الإمامة هو تعبيرٌ عن الشأن الدنيوي في الإمامة، الذي يعدّ أحد شؤونها... ما يذهب إليه أهل السنة أنّ الإمامة تعني الحكومة... أمّا الإمامة عند الشيعة فهي تأتي تالي تلو النبوّة، بل هي أرفع من بعض درجات النبوّة... ما يجب أنْ نحذر منه هو خلط مسألة الإمامة بمسألة الحكومة... نخلص ممّا مرّ في الفارق بين الشيعة والسنة، إلى أننا نعتقد بالإمامة، والسُنّة لا يقولون بها من الأساس، وليس الأمر أنّهم يعتقدون بها ويختلفون معنا في شروط الإمام»[54].

والخلاصة أنّ الإمامة عند العامّة تدور في حدود الحكومة السياسية والخلافة الظاهرية؛ ولذلك لم يشترطوا في الإمام العلم الواقعي، بل اكتفوا بالاجتهاد في مستحقّها، ولم يجعلوا العصمة شرطًا بل بعضهم لم يشترط فيها العدالة مصرّحًا أنّ الخلافة تنعقد لمن تصدّى لها بالقهر والغلبة من دون بيعة الأمة وإنْ كان فاسقًا.
أما الإمام عند الإمامية فهو الإنسان الكامل، الذي يمثِّل امتدادًا لحركة النبوة في أدوارها ووظائفها فهي الخلافة الكلية بجَعْلٍ إلهيّ مباشر. يقول المحقّق اللاهيجي: «لا بدّ أن يكون الإمام في غاية التفرّد في استجماع أنواع الكمالات والفضائل حتّى تطيع وتنقاد له جميع الطبقات من الشرفاء والعلماء، بحيث ليس لأحدٍ منهم عار في الاتباع عنه والانقياد له»[55].

ولعل أفضل بيان لماهية الإمامة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ما رواه الكليني بإسناده عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في حديثٍ طويل: «إنّ الله (عزّ وجلّ) لم يقبض نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء، بيّن فيه الحلال والحرام، والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس ... وأنزل في حجة الوداع، وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الاسلامَ دينًا). وأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمضِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتىّ بيّن لأمته معالم دينهم... وأقام لهم عليًّا (عليه السلام) علمًا وإمامًا، وما ترك [لهم] شيئًا يحتاج إليه الأمة إلّا بيّنه، فمن زعم أنّ الله (عزّ وجلّ) لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله ...

إنّ الإمامة خصّ الله (عزّ وجلّ) بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوّة والخلّة، مرتبة ثالثة، وفضيلة شرّفه بها، وأشاد بها ذكره فقال: (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمامًا)[56] فقال الخليل سرورًا بها: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) قال الله تبارك وتعالى: (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). فأبطلت هذه الآيةُ إمامةَ كلّ ظالمٍ إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة.

ثم أكرمه الله تعالى بأنّ جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال: (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ)[57]، فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنًا فقرنًا حتى ورثها الله تعالى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال جلّ وتعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)[58]، فكانت له خاصة فقلّدها (صلى الله عليه وآله وسلم)، عليًّا (عليه السلام) بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ، فصارت في ذريته الأصفياء الّذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى: (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ)[59]، فهي في ولد عليّ (عليه السلام) خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبيّ بعد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟!

إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة خلافة الله، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وميراث الحسن والحسين C إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين، إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله... الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله، الإمام المطهّر من الذنوب، والمبرّأ عن العيوب، المخصوص بالعلم... الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهّاب فمن ذا الّذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره هيهات هيهات، ضلت العقول وتاهت الحلوم، وحارت الألباب...
فكيف لهم باختيار الإمام؟ والإمام عالم لا يجهل... مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة... إنّ الأنبياء والأئمة يوفقهم الله، ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمة ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان ... فهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصّه الله بذلك، ليكون حجته (البالغة) على عباده، وشاهده على خلقه... فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه؟ أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه... »[60].

ثانيًا: هل النصّ على إمامة الأئمّة (عليهم السلام) بتواتر الأخبار أم بالنظر والاعتبار؟
بعد الفراغ من ضرورة النصّ على خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعيين المؤهّل للقيام مقام النبيّ في وظائفه وأدواره لتحقيق أهداف البعثة، يقع النقاش حول أنّ النصوص على إمامة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هل هي متواترة بالآثار والأخبار[61] أم أنّها بالنظر والاعتبار؟

يجيب الطبرسي: «المُعوَّل في تصحيح إمامة أكثر أئمتنا (عليهم السلام) النظر[62] والاعتبار دون تواتر الأخبار؛ لأنّهم (عليهم السلام)، كانوا في زمان الخوف وشدة التقية والاضطرار، ولم يتمكَّن شيعتهم من ذكر فضائلهم التي تقتضي إمامتهم، فضلًا عن ذكر ما يوجب فرض طاعتهم ويبين عن تقدّمهم على جميع الخلائق ورئاستهم»[63].
وفي المقابل، صنّف بعض المعاصرين كالشيخ الصافي الكلبايكاني والشيخ محمد صنقور البحراني ما يفيد تواتر الأخبار على إمامة الأئمّة (عليهم السلام)، يقول الأخير: «وقد صنّفتُ ما استعرضت من الروايات التي نصّت على إمامة الأئمة الاثني عشر من طريق أهل البيت (عليهم السلام) إلى طوائف خمس تبلغ كلُّ طائفةٍ باستقلالها حدّ التواتر وقد تفوق»[64].

والذي يدقّق في تاريخ التشيّع، يلاحظ أنّ هذا الترديد (إمّا بتواتر الأخبار وإمّا بالنظر والاعتبار)، ليس على نحو القضية الحقيقية المنفصلة أو مانعة الجمع، بل ثمّة محطاتٌ تاريخيةٌ كان التواتر فيها ظاهرًا بيّنًا لأصحاب الأئمة (عليهم السلام)، وتارةً كانوا يحصّلون المعرفة بوساطة النظر والاعتبار، ولكن الذي يدقّق في تواتر النصوص بمعناه الاصطلاحي يراه أمرًا حاصلًا بالفعل ثبوتًا وإنْ لم يكن كذلك في بعض الأزمنة إثباتًا، وستتضح هذه النقطة في خلال البحث، وفي هذا المجال ثمة نقاطٌ عدّة لا بدّ من إثارتها:
النقطة الأولى: هل المطلوب في النصّ على الإمام تحصيل اليقين الوجداني أم يكفي اليقين التعبّدي؟ وهذه نقطة تبحث في ضوء الاستفادة من دراسات علم أصول الفقه، والذي نتبنّاه أنّه لا يشترط في تشخيص المصداق - أي خبر تعيين الإمام - أنْ يصل إلى حدّ اليقين الوجداني، بل يكفي اليقين التعبّدي أي مطلق الحجة التي قام على اعتبارها دليل قطعي، فالمحورية في تفاصيل الإمامة «للحجة المُعتبرة» أعمّ من أنْ تكون يقينية وجدانًا كما في الخبر المتواتر، أو مفيدة للظن المعتبر، أو اليقين التعبدي، كأخبار الآحاد المستفيضة مثلًا. ولو تجاوزنا ذلك، فالتواتر ليس هو الطريق الحصري لإفادة اليقين الوجداني؛ لأنّ خبر الواحد المحفوف بالقرائن قد يرتقي إلى درجة إفادة اليقين الوجداني، وهذا القدر متحقّقٌ في موضوع النصّ على إمامة الأئمة (عليهم السلام). فما يطلبه بعضهم من الأحاديث المتواترة عن النبيّ بالنص على أحد الأئمّة (عليه السلام) بالاسم، بسبب إرادة تحصيل اليقين، فالجواب عنه أنّ تحصيل اليقين على إمامة أحد الأئمة(عليهم السلام) ليس حكرًا على التواتر، بل ثمّة طريقٌ آخر، وهو القائم على أساس تجميع القيم الاحتمالية حول مركزٍ واحدٍ بحيث تصل إلى مرحلة إفادة العلم بالنتيجة، كما فيما سيأتي من عطف بعض الأحاديث النبوية على بعضها الآخر -كمنهج عرفي في الفهم- للخروج بالنتيجة المطلوبة بنحو اليقين.
النقطة الثانية: أنّه إذا كان مقصود نفاة التواتر هو اللفظي منه بما للنصوص من مدلولٍ مطابقيّ مشتركٍ فقد ينفتح باب النقاش، ولكن إذا كان المراد نفي التواتر مطلقًا بأقسامه بما يشمل المعنوي والإجمالي فهو ليس في محلّه، مع التنبيه إلى أنّ أكثر القضايا العقائدية والفقهية والتاريخية والتفسيرية... إنّما يُستدل عليها بالتواتر المعنوي أو الإجمالي دون اللفظي الذي يكاد يكون نادرًا جدًّا. فمثلًا قضية (علي بن أبي طالب أعلم الصحابة على الإطلاق)، قضيةٌ حمليةٌ يحتاج إثبات محمولها لموضوعها إلى توسّط الدليل، وإذا فحصنا في الأدلة النقلية والتاريخية على إثبات مضمون هذه القضية نعثر على أحاديث كثيرةٍ جدًّا تفيد هذا المعنى مثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألّا إنّهم أعلم منكم فلا تعلِّموهم»[65]، وإنْ لم يكن كلّ واحدٍ منها منقولًا بالتواتر اللفظي، فإثبات هذه القضية يستند إلى تجميع شواهد وقرائن متعدّدة تكون نتيجتها إمّا خبرًا واحدًا محفوفًا بالقرائن القطعية المفيدة لليقين، وإمّا تعاضد الروايات بنحوٍ تشترك في المضمون، فتحقّق التواتر المضموني بضم بعض الأخبار إلى بعضها إلى بعض.

أما بالنسبة للأحاديث المنقولة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، منها:
عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي عليه السلام: «أنت وارث علمي وأنت الإمام والخليفة بعدي تعلِّم الناس بعدي ما لا يعلمون... »[66].
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابنته فاطمة: «إنّي زوجتك أقدمهم سلمًا وأكثرهم علمًا»[67].
«أنا مدينة العلم وعلي بابها»[68].
«أنا دار الحكمة وعلي بابها»[69].
«ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربًا ونهلته نهلًا»[70].
«العلم خمسة أجزاء، أُعطي علي بن أبي طالب من ذلك أربعة أجزاء، وأعطي سائر الناس جزءًا واحدًا، والذي بعثني بالحقّ بشيرًا ونذيرًا، لعلي بجزء الناس أعلم من الناس بجزئهم»[71].
«قُسّمت الحكمة عشرةَ أجزاء، فأعطي علي تسعةَ أجزاء، والناس جزءًا واحدًا»[72].

ون الإمام علي (عليه السلام): «ما نزلتْ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آيةٌ من القرآن إلّا أقرأْنِيها وأملاها عليّ، فكتبتها بخطّي، وعلمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، ودعا الله أنْ يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيتُ آيةً من كتاب الله، ولا علمًا أملاه عليّ وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئًا علمّه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنسَ حرفًا واحدًا. ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أنْ يملأ قلبي علمًا وفهمًا، وحكمًا ونورًا. فقلت: يا نبيَّ الله، بأبي أنت وأمي، منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنسَ شيئًا، ولم يفتني شيءٌ لم أكتبه، أفتتخوف عليَّ النسيان فيما بعد؟ فقال: لا، لست أتخوف عليك النسيان والجهل»[73].

ومن شهادات الصحابة والتابعين:
عن الحسن بن علي بي أبي طالب بحقّ أبيه (عليهم السلام): «أفقه من تفقه من المسلمين»[74].
عن سلمان الفارسي: «فوالله الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لا يخبركم بسرّ نبيّكم أحدٌ غيره، وإنّه لعالم الأرض وزرها[75]، وإليه تسكن، ولو فقدتموه لفقدتم العلم، وأنكرتم الناس»[76].
وعن عبد الله بن عباس: «... وما علمي وعلم أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في علم علي (عليه السلام)، إلا كقطرةٍ في سبعة أبحر»[77].
وعن ابن عباس أيضًا: «قُسِّم علم الناس خمسة أجزاء، فكان لعلَيّ منها أربعة أجزاء، ولسائر الناس جزءٌ شاركهم علي فيه فكان أعلمهم به»[78].
وعنه: «أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وإنّه لأعلمهم بالعشر الباقي»[79].
عمر بن الخطاب - رواه الخطيب في الأربعين - قال عمر: «العلم ستة أسداس، لعلي من ذلك خمسة أسداس، وللناس سدس، ولقد شاركنا في السدس، حتى لهو أعلم به منا»[80].
وعن عمر: « لا يفتين أحد في المسجد وعلى حاضر»[81].
وعن عائشة: «أعلم الناس بالسُنّة علي بن أبي طالب»[82]، وعنها: «علي أعلم أصحاب محمّدٍ بما أُنزل على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)»[83].
وعن كعب الأخبار: «إنّي لأعلم أنّ أعلم هذه الأمة علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد نبيّها؛ لأنّي لم أسأله عن شيءٍ إلّا وجدت عنده علمًا تصدقه به التوراة وجميع كتب الأنبياء»[84].
يحيى بن معين بإسناده عن عطاء بن أبي رياح «أنّه سئل هل تعلم أحدًا بعد رسول الله أعلم من علي؟ فقال: لا والله ما أعلمه»[85].

عن الشعبي قال: «ما كان أحدٌ من هذه الأمّة أعلم بما بين اللوحين وبما أُنزل على محمّدٍ من علي»[86].
فالأحاديث النبوية السابقة - وما يحتف بها من قرائن كثيرة مثل شهادات الصحابة والتابعين والوقائع التاريخية في اللجوء إلى أبي الحسن في أيّ معضلةٍ تحتاج إلى موقفٍ فقهي وفتوائي- وإنْ لم تشترك في لفظٍ واحدٍ إلّا أنّه يمكن تصيّد مدلول مشترك منها تتمحور حوله وهو أعلميّة علي (عليه السلام) مطلقًا، وفيما يرتبط بعلم الفقه تحديدًا، ولذا، يقول ابن أبي الحديد: «... ومن العلوم علم الفقه، وهو (الإمام علي عليه السلام) أصله وأساسه، وكلّ فقيه في الإسلام فهو عيالٌ عليه، ومستفيدٌ من فقهه... فقد عرف بهذا الوجه أيضًا انتهاء الفقه إليه...»[87].
2- النقطة الثالثة: ذكر علماء المنطق وأصول الفقه أنّ القضية المتواترة إنّما توجب حصول اليقين بمضمونها عند من ثبت لديه التواتر؛ ولذلك لا تكون القضية متواترةً عند من لم يصل إليه الخبر أصلًا، أو وصل إليه عبر ناقلين آحاد، وبالتالي عدم يقينية قضيةٍ ما إثباتًا عند شخصٍ أو أشخاص لعدم المعطيات أو ندرتها عندهم نتيجة ظروف معيّنة لا يعني أنّها ليست متواترةً ثبوتًا، وهكذا في القضايا اليقينية أو البديهية الأخرى، فعدم إدراك شخصٍ ما لمضمون قضيةٍ لا يعني أنّها ليست بديهيةً أو يقينية، فإنّما يقينية أو بديهية قضيةٍ إنّما تكون بلحاظ وجود معطياتها في مظانّها بنحوٍ لو اطّلع عليها إنسانٌ لحكم بيقينيتها أو بداهتها، كما في وجود الشمس في كبد السماء في النهار، فإنّ من يجلس في كهفٍ أو سجنٍ مظلمٍ لو اطّلع عليها لتيقّن وجودها، وبهذا يتّضح ضعف بل بطلان القول بأنّه لو كان النصّ على إمامة الأئمة متواترًا لما خفي على الشيعة في زمان الأئمّة رغم قرب عهدهم من النصوص؛ وذلك لأنّ خفاء النصّ على الإمامة على هؤلاء الأصحاب إثباتًا لا ينفي تواتره عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) من بعده ثبوتًا؛ لأنّه لا يوجد أي تلازمٍ منطقيّ بين تواتر الصدور وكثرته من جهة، وبين تواتر الوصول إلى فرد أو فئة خاصة، وبعبارةٍ أخرى قد يصدر نصٌّ ما بكثرةٍ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلّا أنّ وصوله إلى بعض الأفراد بوساطة قلّة الناقلين - لسببٍ أو آخر- لا يجعله متواترًا عنده، وإنّما يكون كذلك عند من وصله بوساطة عددٍ كثيرٍ من الناقلين فيحصل عنده اليقين بصدق مضمونه، وإنّما يمكن أنْ يحصل للأوّل اليقين عن طريق التواتر بالبحث والفحص والتحرّي.

وأفضل نموذج يمكن أنْ يطرح على ذلك واقعةٍ تحيّر هشام بن سالم وصاحب الطاق وهما من هما في شخص الإمام بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام)[88]، مع أنّ الطفل الشيعي الصغير اليوم يعرف أنّ الإمام السابع بعد الصادق هو ابنه الكاظم (عليه السلام).
وفي المحصّلة، قد تكون النصوص غير متواترةٍ وصولًا في عالم الإثبات في زمنٍ خاصّ - كما ذكر الطبرسي سابقًا: «في زمان الخوف وشدة التقية والاضطرار»- وبالنسبة إلى جماعة أو أفراد بلحاظ الظروف والملابسات التي كانت تحيط بهم، ولكن هذا لا يلازمه عدم كثرة صدروها عن النبي ثبوتًا، وخير شاهدٍ على ذلك، أنّ فضائل الإمام علي (عليه السلام) - فضلًا عن صلاته - كانت فوق حدّ التواتر عند كثيرٍ من المسلمين المعاصرين له، في حين أنّه وتحت تأثير قوة إعلام المملكة الأموية بقيادة معاوية بن أبي سفيان في كيّ الوعي وقصف العقول وتدجينها، كان بعض أهل الشام يحارب عليًّا (عليه السلام)؛ لأنّه كان لا يصلي، قائلًا: «إنّي أقاتلكم؛ لأنّ صاحبكم لا يصلي»[89]، وكذلك ما فعله الشامي عندما رأى الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) راكبًا فجعل يلعنه[90].

فعدم علم هؤلاء بصلاة علي وأحاديث النبيّ في حبّ الحسن (عليهم السلام) لا ينفي كونها فوق حدّ التواتر ثبوتًا، فخفاء النصّ على بعضٍ ليس لعدم صدوره، بل لأسبابٍ كثيرة، أهمّها: منع تدوين الحديث، والكذب الإعلامي، وسياسة كمّ الأفواه، والوضع والتحريف، وممارسات السلطة في التعتيم، وحجب فضائل أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، وصعوبة الاتصال والتواصل، والتقية والتكتّم، والبعد عن عصر صدور النص... إلخ من العوامل المُسبِّبة.

والنتيجة أنّه في بعض الأزمنة يصعب تحصيل التواتر، وفي أزمنةٍ أخرى يمكن تحقّق التواتر عند بذل الجهد في تجميع الأحاديث والقرائن من مظانها، كما هو حاصل في زماننا، حيث إنّ ادّعاء تواتر النصوص مضمونيًّا على إمامة أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) ومرجعيتهم العلمية والفقهية في محلّه.

ثالثًا: النصوص النبويّة على إمامة الأئمّة (عليهم السلام) بين الاستدلال المباشر وغير المباشر
إذا تتبّعنا الأخبار النبويّة بنحوٍ خاصّ - بغض النظر عن الروايات الصادرة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) التي نتجاوزها؛ لأنّها ليست موضع البحث - لوجدنا أنّها على قسمين:

القسم الأول: الأحاديث النبويّة العامّة في الإمامة.
القسم الثاني: الأحاديث النبويّة التي نصّت مباشرة على إمامة عليٍّ وأحد عشر من أولاده (عليهم السلام) بالاسم أو اللقب أو الكنية.
أمّا بالنسبة إلى القسم الأول: الأحاديث العامّة، فمنها:
الأحاديث التي بلغت حدّ التواتر من أنّ الأئمة بعد النبي اثنا عشر إمامًا[91].
وبمعونة القرائن الداخلية - لنصوص الحديث المختلفة والتي تراجع في مظانّها - والخارجية، يمكن استظهار أمورٍ عدّة من الحديث السابق:

أوّلًا: أنّ الإسلام اثنا عشريّ.
ثانيًّا: استمرار الإمامة وامتدادها في حياة الأمة إلى آخر الزمان، بقرينة قوله في بعض ألفاظ الحديث: «آخرهم المهدي»، وهي بذلك تشابه مفاد روايات «لا تخلو الأرض من حجة... ».
ثالثًا: تُشعِر بعض أخبار هذه الطائفة التي تضمّنت: (كعدة نقباء بني إسرائيل)، كون الخلافة بالنصّ؛ وذلك لقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا)[92].
رابعًا: حصر الإمامة الدينية العامة الشرعيّة - لا خصوص الحاكمية والقيادة السياسية أو ما يمكن التعبير عنه بالسلطة الظاهريّة - في اثني عشر من قريش-، مع كون الوقائع التاريخية تؤكّد تسلّم غير القرشيين للسلطة الظاهرية في كثيرٍ من الأوقات، ممّا يُشعِر بحصر الخلفاء الشرعيين في اثني عشر إلى يوم القيامة.
وقد احتار علماء السُنّة في المراد من هذا الحديث[93]، فذهب ابن هبيرة إلى أنّ المراد أن قوانين المملكة باثني عشر، مثل الوزير والقاضي ونحو ذلك. وقيل إنّ معناه أنّهم يكونون في عصرٍ واحدٍ يتبع كلّ واحدٍ منهم طائفة. وقيل يحتمل أنّ المراد من يعزّ الإسلام في زمنه ويجتمع المسلمون عليه، ونقل ابن الجوزي عن أبي الحسين بن المنادي أنّ هؤلاء الاثني عشر خليفة يأتون بعد موت المهدي الذي يخرج في أواخر الزمان، وقيل المراد مستحقّو الخلافة العادلون العاملون بالصواب مدة الخلافة إلى يوم القيامة، وإنْ تخلّل بينهم رجالُ جورٍ، وقيل غير ذلك، وهو كما ترى تحميلاتٌ وإسقاطاتٌ لا يفيدها مدلول النص في ذاته، ولعلّه لهذا السبب من التحيّر قال بعض علمائهم: «والله سبحانه أعلم بمراد نبيه»[94]، ويقول ابن الجوزي: هذا الحديث قد أطلت البحث عنه، وطلبت مظانّه، وسألت عنه، فما رأيت أحدًا وقع على المقصود به... وبقيتُ مدّة لا يقع لي فيه شيء...»[95]، ثم ذكر وجوهًا.

أما معنى الحديث عند الإمامية فهو واضحٌ لا تكلّف فيه، ويعرف المراد منه بشكلٍ أوضح بضميمة الأحاديث الأخرى.
ومنها: الأحاديث الدالة على أنّ الإمامة تبدأ من علي (عليه السلام) وتستمر في أحد عشر إمامًا من ولده.
ومنها: الأحاديث الدالة على أنّ الأئمة من أولاد فاطمة.
ومنها: الأحاديث الدالّة على أنّ الإمامة بعد الحسين في تسعة من عقبه آخرهم القائم.
ومنها: الأحاديث العامة المُلاحَظ فيها عنوان العترة أو أهل البيت أو غيرها من العناوين، بحيث تشمل كلّ الأئمة (عليهم السلام)؛ لأنّ المقصود بأهل البيت أو العترة في النصوص لا ينطبق إلّا على أئمة الإمامية (عليهم السلام) كما سيتضح لاحقًا.
يقول السيد عبد الحسين شرف الدين: «المراد بأهل بيته هنا مجموعهم من حيث المجموع باعتبار أئمتهم، وليس المراد جميعهم على سبيل الاستغراق؛ لأنّ هذه المنزلة ليست إلّا لحجج اللّه والقوّامين بأمره خاصة، بحكم العقل والنقل»[96]. فهذه الأحاديث والتي بعطف بعضها على بعض، وتفسير بعضها بعضًا، لا يكون لها مصداقٌ تاريخيّ تنطبق عليه معاييرها وشروطها إلّا الأئمّة الاثنا عشر الذين تعتقد الإمامية بإمامتهم وخلافتهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ونكتفي نعرض نموذجين من الأحاديث العامة، ثم نعطف البحث على الأحاديث الخاصة:

الأول: حديث الثقلين
وهو متواتر معنىً عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومضمون الحديث: «يا أيّها الناس إنّي تركت فيكم ما إنْ أخذتم به أو تمسّكتم بهما لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي»[97]. ويمكن استفادة قضايا عدّة من الحديث[98]، منها:
عصمة أهل البيت (عليه السلام)، بقرينة نفي الضلالة مطلقًا، والاقتران بالكتاب المضمون الحقانية قطعًا.
استمرار حضور الإمامة من العترة الطاهرة في حياة الأمة، وأنّ الأرض لن تخلو بعده من إمامٍ منهم، هو عدل الكتاب، بقرينة: (إنّهما لن ينقضيا أو لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).

حصر الخلافة في أئمّة العترة الطاهرة.
المرجعية الدينية العامة في الأصول والفروع معًا، ووجه الاستدلال على المرجعية الفقهية أنّهم (عليهم السلام) شأنهم شأن القرآن الكريم، فكما أنّه يعدّ مصدرًا للتشريع وأخذ الأحكام الفقهية ويتضمّن التشريعات والقوانين، كذلك العترة الطاهرة (عليهم السلام)، هم مصدر للتشريع وأخذ الأحكام الشرعية (أخذتم به)، (تمسّكتم به)، بنحوٍ لا يضلّ الإنسان إذا اتّبع العترة الطاهرة وتمسّك بهم في أخذ أحكام عباداته ومعاملاته على حدّ التمسّك بالكتاب.
يقول السيد عبد الحسين شرف الدين في حديث الثقلين: « وإنّما فعل ذلك لتعلم الأمة أنْ لا مرجع بعد نبيّها إلّا إليهما، ولا معول لها من بعده إلّا عليهما، وحسبك في وجوب اتباع الأئمّة من العترة الطاهرة اقترانهم بكتاب الله (عز وجل) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكما لا يجوز الرجوع إلى كتاب يخالف في حكمه كتاب الله سبحانه وتعالى، لا يجوز الرجوع إلى إمامٍ يخالف فيحكمه أئمة العترة»[99].

أنّهم الأعلم في الأمة، ويؤيّده ما في رواية الطبراني لحديث الثقلين من إضافة: «ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم»[100].
وسنلاحظ عند عرض أحاديث القسم الثاني أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عطف مضمون حديث الثقلين على نصّه على أسماء بعض الأئمة (عليهم السلام)، وهذا يؤكّد كون المقصود بأهل البيت أو العترة هم الأئمة الاثنا عشر كما تقدّم. منها: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «سبطاي خير الأسباط، الحسن والحسين سبطا هذه الأمة، وإنّ الأسباط كانوا من ولد يعقوب، وكانوا اثني عشر رجلًا، وإنّ الأئمة بعدي اثنا عشر رجلًا من أهل بيتي، علي أولهم، وأوسطهم محمد، وآخرهم محمد، وهو مهدي هذه الأمة الذي يصلي عيسى خلفه، ألا إنّ من تمسّك بهم بعدي فقد تمسّك بحبل الله، ومن تخلّى منهم فقد تخلّى من حبل الله»[101].

ويعضد هذه الأحاديث احتجاج أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بحديث الثقلين على إمامتهم وأعلميتهم،في موارد عدّة، منها:
عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي (عليه السلام)، قال: «سُئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي. من العترة؟ فقال (عليه السلام): أنا والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم، حتى يردوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حوضه»[102].

وعن الحسن المجتبى (عليه السلام) في الاستشهاد على إمامته: «نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسوله الأقربون، وأهل بيته الطيّبون الطاهرون، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته، والثاني كتاب الله فيه تفصيل كلّ شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعوّل علينا في تفسيره، لا نتظنأ تأويله بل نتيقّن حقائقه... »[103].

... إلخ من الروايات المشابهة.

النص الثاني: حديث السفينة
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرقٍ صحيحةٍ عند الفريقين: «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق». وفي بعض الألفاظ: «من تخلّف عنها هلك».

والظاهر العرفي من تشبيههم (عليهم السلام) بسفينة نوح، الاشتراك في المضمون مع حديث الثقلين من حيث الأخذ عنهم والتمسّك بهم واللجوء إليهم بوصفهم مرجعيةً علميةً في أصول الدين وفروعه، والأحكام الشرعية[104].
وهذا ما يمكن استفادته مما روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «معاشر أصحابي، إنّ مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، وباب حطّة في بني إسرائيل؛ فتمسّكوا بأهل بيتي بعدي والأئمة الراشدين من ذريتي؛ فإنّكم لن تضلوا أبدًا». فقيل: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: «اثنا عشر من أهل بيتي، أو قال: من عترتي»[105].

فهذه الطوائف من الأحاديث - التي حاول بعض العلماء إثبات كون كلّ طائفةٍ منها بالاستقلال تبلغ من الكثرة حدّ التواتر- بضميمة بعضها إلى بعض بعين الاعتبار ترفع القيم الاحتماليّة لصدق الروايات التي نصّت مباشرةً على إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، فتفيد اليقين بكون أئمة الشيعة الاثني عشرية (عليهم السلام) هم المرجعية العلمية والفقهية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهم من أهل البيت، ومن عترة الرسول، ومن أولاد علي، ومن أولاد فاطمة، ومن أولاد الحسين، فصدق هذه الطوائف من الروايات عليهم - مع ما سنذكره أيضًا من قرائن ومواصفات أخرى- عليهم واضح، وعلى غيرهم ملتبس؛ ممّا يسهم في دعم الروايات من القسم الثاني التي نصّت على إمامتهم بالمباشرة[106].

أما بالنسبة إلى القرائن والشواهد[107] التي تعضد هذه الأحاديث فهي كثيرة جدًّا:
منها: الصفات التي وردت في بعض الأحاديث في وصفهم «من بعدي اثنا عشر نقيبًا نجيبًا مُحدَّثون مفهَّمون، آخرهم القائم بالحقّ يملأها عدلًا كما ملئت جورًا»[108]، و«يطفئ الله بهم الظلم، ويحيي بهم الحقّ، ويميت بهم الباطل»، «والأئمة الراشدون»، «وأنصار ديني»، «المهتدون المعصومون»، ««مطهّرون معصومون»، «هداة مهديون»، «أركان الدين ودعائم الإسلام»، «أئمة أبرار»، «أمناء معصومون»، «بهم يحفظ الله عزّ وجلّ دينه»، «الوسيلة إلى الله عزّ وجلّ»، «قوّامون بالقسط».

فمن هذه صفاتهم هم من قال عنهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّهم: «هؤلاء أوصيائي وخلفائي وأئمةالمسلمين وموالي المؤمنين»[109].
ومنها: الأخبار الكثيرة - التي تتجاوز حدّ التواتر - الدالّة على تصدّيهم للإمامة، وادّعائها لأنفسهم، وادّعاء أنّهم وارثو علم رسول الله، وأنّ جدّهم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نصّ على إمامتهم، مع كونهم معروفين بالصدق متحرّجين عن الكذب، مشهودًا لهم من قبل كلّ من عاصرهم بأنّهم في أعلى درجات الموثوقية والأمانة والورع والتقوى والزهد والصلاح.

ومنها: الأخبار الكثيرة التي دلّت على تميُّزهم بالعلم المقترِن بدعوى الإحاطة الكاملة بتفاصيل ما في الكتاب والسُنّة، وهذه الدعوى لا يتجاسر على ادّعائها عاقلٌ يخشى الفضيحة إلّا أنْ يكون قاصر العقل، وقد عرف القاصي والداني أنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) لم يكونوا كذلك، فهم المعروفون حتى عند المناوئين لهم بكمال العقل، والضبط، والتروي، والتثبّت[110].
ومنها: الأخبار المتصدّية لذكر ما كان يصدر عنهم من المعجزات[111] والكرامات، كالإخبار عن بعض المغيّبات، والاستجابة الفورية لدعائهم، بلحاظ أنّ مثل هذه الكرامات قد صدرت مقترنةً بدعوى الإمامة، وهي لا تصدر إلّا ممّن اصطفاه الله تعالى لدينه وجعله حجةً على عباده، وإلّا كان منه (عزّ وجلّ) تغريرًا بالناس وإضلالًا لهم، تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.

ومنها: أنّ الخلافة المعاصرة للأئمّة (عليهم السلام) كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطرٍ كبيرٍ على كيانها ومقدّراتها، وعلى هذا الأساس بذلت كلّ جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة، ووضعتهم أمام تحدياتٍ عمليةٍ ومناظراتٍ لم يسجل فيها إلّا كون الأئمّة في موقع المعلِّم والآخرين في موضع التلمذة على يديهم (عليهم السلام).
ومنها: أنّ بعضهم (عليهم السلام) كان إمامًا بكلّ ما في الإمامة من محتوىً فكري وروحي في وقتٍ مبكرٍ جدًا من حياته الشريفة، كالإمام الجواد وهو في الثامنة من عمره، والهادي وهو في التاسعة من عمره، والمهدي (عج) وهو في السادسة من عمره، وهؤلاء الأئمّة كانوا على احتكاكٍ مع الناس والقواعد الشعبية، ولم يكونوا معزولين عن واقع حياة الأمة إلاّ أنْ تحجبهم السلطة الحاكمة بسجنٍ أو اعتقالٍ أو إقامةٍ جبرية، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدّثين عن كلّ واحدٍ من الأئمّة الأحد عشر.

ومع أخذ هذه النقطة والتي سبقتها بعين الاعتبار، لا بدّ من أن يكون الإمام «على قدرٍ واضحٍ وملحوظ، بل وكبير من العلم والمعرفة، وسعة الأفق، والتمكّن من الفقه والتفسير والعقائد؛ لأنّه لو لم يكن كذلك لما أمكن أنْ تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته... وإذا افترضنا أنّ القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يُتح لها أنْ تكتشف واقع الأمر، فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبيّ صبيًّا في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من أسلوبٍ أن تقدّم هذا الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته، وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحيّة والفكرية. فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدرٍ كبيرٍ من ثقافة عصره لتسلّم الإمامة، فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبيٍّ اعتياديّ مهما كان ذكيًّا وفطنًا للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقّدة وأساليب القمع، والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذ. إنّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة، هو أنّها أدركت أنّ الإمامة المبكّرة ظاهرةٌ حقيقيّةٌ وليست شيئًا مصطنعًا»[112].

رابعًا: الأحاديث النبويّة التي تنصّ على الأئمّة الاثني عشر بالاسم
ذكرنا أنّ القسم الثاني هو الأحاديث التي تتعلّق بتشخيص المصداق من حيث التصريح بالأسماء. وبعد تطبيق الكبرى على الصغرى، يصدق على كلّ إمامٍ إمام ما ثبت في الأحاديث العامة، بمعنى أنّه لو ثبت في الكبرى أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم الراسخون في العلم، فيكون الباقر راسخًا في العلم بتشكيل قياسٍ منطقي.

وهذه الأحاديث على قسمين:
الأولى: تشير إلى اسم إمامٍ واحدٍ أو أكثر، دون الأئمة كلّهم.
والثانية: تشير إلى أسماء الأئمّة الاثني عشر جميعهم.

ومن نماذج القسم الأول:
ما مضمونه أنّ أوّلهم علي وأوصياؤه وآخرهم المهدي:
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها»[113].
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «الأئمّة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمتي بعدي، المقرّ بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر»[114].
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا علي الأئمة الراشدون المهتدون المعصومون من ولدك أحد عشر إمامًا، وأنت أولهم، وآخرهم اسمه على اسمي... »[115].

ما مضمونه أنّ أوّلهم علي ومن بعده الحسن والحسين وتسعة من أولاد الحسين (عليهم السلام):
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مرشدًا عبد الرحمن بن سمرة: «يا ابن سمرة، إذا اختلف الأهواء وتفرقت الآراء فعليك بعلي بن أبي طالب؛ فإنّه إمام أمتي وخليفتي عليهم من بعدي... وإنّ منه إمامَيْ أمتي وسيدَيْ شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائم أمتي، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا»[116]
فهذه الأحاديث تفسّر المقصود بعموم الحديث النبوي: «الأئمة من بعدي اثنا عشر»، في الحدّ الأدنى بالأربعة الأول هم: علي بن أبي طالب، والحسن بن علي، والحسين بن علي، وعلي بن الحسين، والأئمة الثلاثة الأولى بالتصريح.
فهذه الروايات بقرينة الأحاديث العامة التي تقدّمت تخرج كلّ بطون قريش وبني هاشم عن دائرة الإمامة (كلهم من قريش)، مع عدا الخطّ الممتد في صلب الإمام علي بن أبي طالب $؛ وذلك لأنّها حصرت الأئمة الاثني عشر بعد الرسول في علي والتسعة من ولد الحسين. فكلّ أولاد علي (عليه السلام) من غير فاطمة كمحمد بن الحنفية خارجون عن الإمامة، وكذلك أولاد الإمام الحسن (عليه السلام)، وتثبت الإمامة للسجاد عليه السلام - حتى لو تجاوزنا النص الخاص على إمامته بالاسم - بقرينة انحصار ولد الحسين في السجاد (عليه السلام) بعد استشهاد سواه من أخوته، فبالحصر العقلي تختصّ بالسجاد؛ لأنّه لم يبقَ بعد العاشر من محرم سنة 61 للهجرة إلّا علي بن الحسين من أبناء الحسين بن علي (عليهم السلام). ومن شواهد ذلك:

قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): «لست أتخوف عليك نسيانًا ولا جهلًا وقد أخبرني ربي جل جلاله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.

فقلت: يا رسول الله ومن شركائي من بعدي؟
قال: الذين قرنهم الله (عزَّ وجلَّ) بنفسه وبي، فقال: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)[117].
فقلت: يا رسول الله ومن هم؟
قال: الأوصياء مني إلى أنْ يردوا علَيّ الحوض كلّهم هادٍ مهتدٍ، لا يضرّهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر أمتي، وبهم يمطرون، وبهم يدفع عنهم البلاء ويستجاب دعاؤهم.

قلت: يا رسول الله سَمِّهم لي.
فقال: ابني هذاووضع يده على رأس الحسنثم ابني هذاووضع يده على رأس الحسين C ــ ثم ابن له يقال له علي، وسيولد في حياتك، فأقرئه مني السلام، ثم تكملة اثني عشر.
فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله سِمِّهم لي (رجلًا فرجلًا) فسَمّاهم رجلًا رجلًا... »[118].
وكذلك ندخل فيها: (أوسطهم محمد)، أي الباقر (عليه السلام):
عن زيد بن علي (عليه السلام) قال: «كنت عند أبي علي بن الحسين (عليه السلام) إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فبينما هو يُحدّثه إذ خرج أخي محمد من بعض الحجر... (إلى أنْ قال): فأقبل يحدث أبي ويقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي يومًا: «يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرؤه مني السلام، فإنّه سَميي وأشبه الناس بي، علمه علمي وحكمه حكمي، وسبعة من ولده أمناء معصومون أئمة أبرار، والسابع مهديهم، الذي يملأ الدنيا قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا» ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (وجعلناهم أئمةً يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)[119]»[120].

فمن السجاد تنتقل إلى ابنه الباقر، وهكذا وصولًا إلى المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، الذي هو التاسع من ولد الحسين (عليهم السلام):
عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر C، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: «دخلت على مولاتي فاطمة $، وقدامها لوح يكاد ضوؤه يغشي الأبصار، فيه اثنا عشر اسمًا ثلاثة في ظاهره، وثلاثة في باطنه، وثلاثة أسماء في آخره، وثلاثة أسماء في طرفه، فعددتها فإذا هي اثنا عشر اسمًا، فقلت: أسماء من هؤلاء؟

قالت: «هذه أسماء الأوصياء، أولّهم ابن عمي وأحد عشر من ولدي، آخرهم القائم (صلوات الله عليهم أجمعين)» قال جابر، فرأيت فيها محمدًا، محمدًا، محمدًا في ثلاثة مواضع، وعليًّا، وعليًّا، وعليًّا، وعليًّا في أربعة مواضع»[121].

أمّا الأحاديث النبوية التي تتضمن أسماء الأئمة كلهم (عليهم السلام)، فمنها:
_ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أخبرني جبرئيل (عليه السلام) لما أثبت الله تبارك وتعالى اسم محمد في ساق العرش قلت: يا ربِّ هذا الاسم المكتوب في سرادق العرش أرى أعزّ خلقك عليك، قال: فأراه الله اثني عشر أشباحًا أبدانًا بلا أرواح بين السماء والأرض، فقال: يا رب بحقّهم عليك إلّا أخبرتني من هم؟ فقال: هذا نور علي بن أبي طالب، وهذا نور الحسن، وهذا نور الحسين، وهذا نور علي بن الحسين، وهذا نور محمد بن علي، وهذا نور جعفر بن محمد، وهذا نور موسى بن جعفر، وهذا نور علي بن موسى، وهذا نور محمد بن علي، وهذا نور علي بن محمد، وهذا نور الحسن بن علي، وهذا نور الحجة القائم المنتظر... »[122].
_ عن الحسن (عليه السلام) قال: «خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومًا: فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه: معاشر الناس كأنّي أُدعى فأجيب، وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما أن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، فتعلّموا منهم ولا تعلّموهم؛ فإنّهم أعلم منكم، لا تخلو الأرض منهم، ولو خلت إذًا لساخت بأهلها. ثم قال (عليه السلام): اللهم إنّي أعلم أنّ العلم لا يبيد ولا ينقطع، وأنّك لا تخلي أرضك من حجةٍ لك على خلقك ظاهرٍ ليس بالمطاع أو خائفٍ مغمورٍ؛ لكيلا تبطل حجتك ولا تضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، أولئك الأقلون عددًا الأعظمون قدرًا عند الله. فلما نزل عن منبره قلت: يا رسول الله، أما أنت الحجة على الخلق كلهم؟ قال: يا حسن إنّ الله يقول (إنّما أنت منذرٌ ولكلّ قوم هادٍ)[123] فأنا المنذر، وعلي الهادي. قلت: يا رسول الله، فقولك إنّ الأرض لا تخلو من حجة؟قال: نعم علي هو الإمام والحجة بعدي، وأنت الحجة والإمام بعده، والحسين الإمام والحجة بعدك. ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسين غلامٌ يقال له: علي، سميّ جده علِيّ، فإذا مضى الحسين أقام بالأمر بعده علي ابنه، وهو الحجة والإمام. ويُخرج الله من صلبه ولدًا سميّ وأشبه الناس بي، علمه علمي، وحكمه حكمي، هو الإمام والحجة بعد أبيه. ويُخرج الله تعالى من صلبه مولودًا يقال له جعفر أصدق الناس قولًا وعملًا، هو الإمام والحجة بعد أبيه. ويُخرج الله تعالى من صلب جعفر مولودًا [يقال له موسى] سميّ موسى بن عمران (عليه السلام) أشد الناس تعبّدًا، فهو الإمام والحجة بعد أبيه. ويُخرج الله تعالى من صلب موسى ولدًا يقال له: علي، معدن علم الله وموضع حكمه، فهو الإمام والحجة بعد أبيه. ويُخرج الله من صلب علي مولودًا يقال له محمد، فهو الإمام والحجة بعد أبيه. ويُخرج الله تعالى من صلب محمد مولودًا يقال له علي، فهو الحجة والإمام بعد أبيه. ويُخرج الله تعالى من صلب علي مولودًا يقال له الحسن، فهو الإمام والحجة بعد أبيه. ويُخرج الله تعالى من صلب الحسن الحجة القائم، إمام شيعته ومنقذ أوليائه...، فلا تخلو الأرض منكم، أعطاكم الله علمي وفهمي ولقد دعوت الله تبارك وتعالى أنْ يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي، ومزرعي وزرع زرعي»[124].

_ عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي (عليه السلام): أنت وارث علمي ومعدن حكمي والإمام بعدي، فإذا استشهدت فابنك الحسن، فإذا استشهد الحسن فابنك الحسين، فإذا استشهد الحسين فابنه علي، يتلوه تسعةٌ من صلب الحسين أئمّة أطهار، فقلت: يا رسول الله فما أسماؤهم؟ قال: علي، ومحمد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمد، وعلي، والحسن، والمهدي، من صلب الحسين، يملأ الله تعالى به الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا»[125].
_ عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: «لما أنزل الله (عزّ وجل) على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)[126] قلت: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أولو الامر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟

_ فقال (عليه السلام): «هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين (من) بعدي أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى ابن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه، وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها... »[127].
_ وفي حديث اليهودي الذي قدم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: «صدقت يا محمد فأخبرني عن وصيك من هو؟ فما من نبيّ إلّا وله وصي، وإنّ نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون، فقال: نعم إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار، قال: يا محمد فسمِّهم لي: قال: نعم إذا مضى الحسين، فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا مضى محمد فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن، فبعده ابنه الحجة بن الحسن بن علي، فهذه اثنا عشر إمامًا على عدد نقباء بني إسرائيل». قال: فأين مكانهم في الجنة؟ قال: «معي في درجتي»»[128].

_ عن عبد الله بن عباس - في حديث - قلت: «يا رسول الله فكم الأئمّة بعدك؟ قال: «بعدد حواري عيسى وأسباط موسى ونقباء بني إسرائيل».

قلت: يا رسول الله فكم كانوا؟
قال: «كانوا اثني عشر، والأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه جعفر، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى موسى فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه الحسن، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجة»[129].

_ وعن سلمان في حديث: «... إنّهم الأوصياء والخلفاء بعدي، أئمّة أبرار، عدد أسباط يعقوب، وحواري عيسى» قلت: فسمهم لي يا رسول الله، قال: «أولهم وسيدهم علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي، وبعدهما علي بن الحسين زين العابدين، وبعده محمد بن علي باقر علم النبيين، والصادق جعفر بن محمد، وابنه الكاظم سمي موسى بن عمران، والذي يقتل بأرض الغربة، علي ابنه، ثم ابنه محمد، والصادقان علي والحسن، والحجة القائم المنتظر في غيبته، فإنهم عترتي من لحمي ودمي، علمهم علمي، وحكمهم حكمي، من آذاني فيهم لا أناله الله شفاعتي»[130].

_ عن سهل بن سعد الأنصاري قال: سألت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الأئمة فقالت: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي (عليه السلام): يا علي أنت الامام والخليفة بعدي وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فالحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسين فابنه علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى موسى فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمد فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فالقائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها، فهم أئمّة الحقّ وألسنة الصدق، منصور من نصرهم، مخذول من خذلهم »[131].

فهذه الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خصوصًا - وبغض النظر عن الأحاديث المتواترة الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) - تفيد أمورًا:

1_ أوًّلًا: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو من قام بتعيين الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) بأسمائهم وألقابهم وأوصافهم التي تحدّد المصداق، وتشخّص الفرد المنطبقة عليه قطعًا، بنحوٍ لا تحتمل أيّ تأويلٍ أو احتمالٍ آخر.
2_ ثانيًا: أنّ هذا التبليغ النبوي كان بالوحي الإلهي.
3_ ثالثًا: أنّ كون الأئمّة الاثني عشر هم من تعتقد بهم الشيعة ليس أمرًا حاصلًا منذ زمن النبيّ، بل من أزل التاريخ حيث كانوا في عالم الأنوار أو الأشباح.
4_رابعًا: أنّ التبليغ النبوي بأسمائهم لم يكن في حدود دائرة خاصّة من أصحابه، بل كان أمام معاشر الناس، ممّا يعني أنّه كان يهيّأ الأرضية الحاضنة للاعتقاد بكون الإسلام اثني عشريًّا، واتباع أئمة أهل البيت(عليهم السلام).
5_ خامسًا: أنّ هذه الأحاديث النبوية تتضمت بيان فلسفة تعيين الأئمة الاثني عشر بالأسماء، التي تنطلق من الحكمة الإلهية بأنّ الأرض وحياة البشر لا تخلو من الإمام والخليفة الذي يكون لله به الحجة البالغة على البشر في هدايتهم.
6_ سادسًا: أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بيّن أنّهم معصومون عن الخطأ، وأمر بطاعتهم ونصرتهم، وأنّ الله تعالى أعطاهم علم النبي وفهمه وحكمته. ونتوقف عند هذه النقطة بشيء من البيان والتفصيل.

خامسًا: أعلمية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث مستفيضة في الحدّ الأدنى تدلّ على أعلميتهم (عليهم السلام)، منها ما يدلّ على ذلك بالمباشرة، ومنها ما يدلّ بطريق التضمن أو الالتزام، ونكتفي منها بما يدلّ على ذلك بالمطابقة:
_ وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «... معاشر الناس من أراد أن يتولّ الله ورسوله فليقتدِ بعلي بن أبي طالب بعدي والأئمة من ذريتي فإنّهم خزّان علمي». فقام جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله وما عدّة الأئمة؟ فقال: «يا جابر، ... عدّتهم عدة الشهور، وهي عند الله اثنا عشر شهرًا... فالأئمة يا جابر اثنا عشر إمامًا، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم المهدي صلوات الله عليهم»[132].
_ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الأئمة بعدي اثنا عشر، ثم قال: كلُّهم من قريش، ثم يخرج قائمنا فيشفي صدور قوم مؤمنين، ألّا إنّهم أعلم منكم فلا تعلِّموهم، ألا إنّهم عترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم؟!! لا أنالهم الله شفاعتي»[133].

_ عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله: «إن هذا الامر يملكه بعدي اثنا عشر إمامًا، تسعة من صلب الحسين أعطاهم الله علمي وفهمي، ما لقوم يؤذونني فيهم؟ لا أنالهم الله شفاعتي»[134].
_ وعنه صلى الله عليه وآله في حديث: «... الأئمة من بعدي من عترتي عدد نقباء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين أعطاهم الله علمي وفهمي؛ فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، واتبعوهم؛ فإنّهم أعلم منكم، واتبعوهم؛ فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم (عليهم السلام) »[135].
_ وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم)(صلى الله عليه وآله وسلم): «الأئمة اثنا عشر من أهل بيتي، أعطاهم لله تعالى فهمي وعلمي وحكمي، وخلقهم من طينتي، فويل للمتكبرين عليهم بعدي، القاطعين فيهم صلتي، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي»[136].
_ وعن الحسن بن علي (صلوات الله عليهما): «سألت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الأئمة بعده؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): الأئمة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل اثنا عشر، أعطاهم الله علمي وفهمي، وأنت منهم يا حسن. قلت يا رسول الله: فمتى يخرج قائمنا أهل البيت؟ قال: إنما مثله كمثل الساعة ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة»[137].

_ وعن الحسن (عليه السلام) قال: «خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومًا فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه: معاشر الناس كأني أُدعى فأجيب، وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلوا، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لا يخلو الأرض منهم، ولو خلت إذا لساخت بأهلها»[138].
_ وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بحقّ الأئمة الاثني عشر مُخاطِبًا ابنه الحسن (عليه السلام): «أعطاكم الله علمي وفهمي، ولقد دعوت الله تبارك وتعالى أنْ يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي، ومزرعي وزرع زرعي»[139].

فمن الواضح أنّ هذه الأحاديث النبوية تفيد أنّ أئمة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) يتميّزون بالعلم والفقه والحكمة والفهم و... بل هم أعلم الأمة على الإطلاق «ألّا إنّهم أعلم منكم فلا تعلِّموهم»، وأنّ هذه الخصائص معطاةٌ لهم من قبل الله تعالى «أعطاهم الله علمي وفهمي»، وأنّهم يشاركون النبيّ فيها، بقرينة نسبة علمهم وفهمهم إلى علمه وفهمه (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في قوله: «علمي وفهمي»، و«خزّان علمي»، ومن هنا ينبغي أخذ العلم عنهم (عليهم السلام): «فتعلموا منهم»، ويكون الاقتداء بهم وتوليّهم هو اقتداء برسول الله وتوليًّا له (صلى الله عليه وآله وسلم)، واتّباعهم هو اتّباع للحق «واتبعوهم فإنّهم أعلم منكم واتبعوهم فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم».

خاتمة: كلام السيد البروجردي في مقدمة (جامع أحاديث الشيعة)
تعرّضت موسوعة جامع أحاديث الشيعة في المقدمة إلى مجموعةٍ من الأحاديث المتعلّقة بأهل البيت (عليهم السلام)، والعترة الطاهرة، وقد كتب السيد البروجردي معلّقًا عليها ما نصّه:

يظهر من هذه الأحاديث أمور:
الأول: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك الأمة بعده سدىً مهملةً بلا إمامٍ هادٍ وبيانٍ شافٍ، بل عيّن لهم أئمةً هداةً دعاةً سادةً قادةً حفّاظًا، وبيّن لهم المعارف الإلهية، والفرائض الدينية، والسنن والآداب، والحلال والحرام، والحكم والآثار، وجميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة، حتى أرش الخدش، ولم يأذن (صلى الله عليه وآله وسلم) لأحدٍ أنْ يحكم أو يفتى بالرأي والنظر والقياس؛ لعدم كون موضوعٍ من الموضوعات أو أمرٍ من الأمور خاليًا عن الحكم الثابت له من قبل الله الحكيم العليم بل أملى (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع الشرائع والأحكام على الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمره بكتابته وحفظه، ورده إلى الأئمة من ولده (عليهم السلام)، فكتبه (عليه السلام) بخطّه وأداه إلى أهله.
والثاني: أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أملى هذا العلم على علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقط، ولم يطلع عليه في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) أحدًا غيره، وأوصى إليه أنْ يكون هذا الكتاب بعده عند الأئمة الأحد عشر، فيجب على الأمة كلهم أنْ يأخذوا علم الحلال والحرام، وجميع ما يحتاجون إليه في أمر دينهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، من علي بن أبي طالب والأئمة من ولده (عليهم السلام)؛ فإنّهم موضع سرّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخزّان علمه، وحفّاظ دينه.
والثالث: أنّ الكتاب كان موجودًا عند الأئمة (عليهم السلام)، وأراه الإمامان أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وابنه أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهم السلام) جماعةً من أصحابهما الإمامية، وغيرهم من الجمهور؛ لحصول الاطمئنان أو الاحتجاج على ما كانا يتفردان به من الفتاوى عن سائر الفقهاء، ويقسمان بالله إنّه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخطّ علي بن أبي طالب (عليه السلام).

والرابع: كون الكتاب معروفًا عند الخاصّة والعامة في عهد الإمامين C؛ لأنهما كثيرًا ما يقولان في جواب استفتاءات الجمهور، كغياث بن إبراهيم، وطلحة بن زيد، والسكوني، وسفيان بن عيينة، والحكم بن عتيبة، ويحيى بن سعيد، وأمثالهم أنّ في كتاب علي (عليه السلام) كذا وكذا، في جواب مسائل الأصحاب كزرارة، ومحمد بن مسلم، وعبد الله بن سنان، وأبي حمزة، وابن بكير، وعنبسة بن بجاد العابد، ونظائرهم.
والخامس: أنّ ما عند الأئمّة (عليهم السلام) من علم الحلال والحرام، والشرائع والأحكام نزل به جبرئيل (عليه السلام)، وأخذوه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتحرم على الأمة مخالفتهم في الحكم والفتوى اعتمادًا على الرأي القياس والاجتهاد، ويجب عليهم الأخذ بأحاديثهم وفتاويهم، ورد ما يرد عن مخالفيهم؛ لأنّ ما عندهم أوثق ممّا عند غيرهم، ومعلوم أنّ ما ورد في كون أحاديث الأئمة الاثني عشر وعلومهم (عليهم السلام) عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من طرق العامة والخاصة، قد تجاوزت حد التواتر، بل لا يسعها المجلدات الضخام، ولسنا بصدد استقصائها في هذا الكتاب، وإنّما نذكر أيضًا بعضها في المقام للتنبيه والتذكار، وإلا فإثباته لا يحتاج إلى الذكر والبيان»[140].

وعلى كلّ حال، هذا غيضٌ من فيض ما يمكن الاستدلال به على كون الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرتحلْ عن الدنيا حتى عيّن لأمته المرجعية الدينية العامة بما تتضمن من إمامةٍ فقهية، ليستمروا بأداء وظائف النبوّة وأدواره لتحقيق الأهداف الإلهية على الأرض في هداية الناس، وإيصالهم إلى كمالهم اللائق بحالهم، وعلى الناس جميًعا التمسّك بهم، وأخذ معالم دينهم عنهم، وطاعتهم، كي يصلوا إلى السعادة في الدنيا، ويعذروا أمام الله عزّ وجلّ في الآخرة.


لائحة المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، ط2، 1967م.
ابن أثير الجزري، المبارك بن محمد، معجم جامع الأصول في أحاديث الرسول، تحقيق محمد الفقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط4، 1404هـ.
ابن الأثير، علي بن أبي الكرم محمد، الكامل في التاريخ، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1385هـ-1965م.
ابن البطريق، يحي بن الحسن الأسدي، العمدة (عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1407ه.
ابن حبان، محمد بن حبان، الثقات، مراقبة محمد بعد المعيد خان، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد- الهند، ط1، 1973م.
ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت.
ابن حنبل، أحمد بن محمد، فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله محمد عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1403هـ-1983م.
ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، كشف المشكل من حديث الصحيحين، دار الوطن، الرياض.
ابن سينا، الحسين بن عبد الله، الشفاء، الإلهيات، راجعه إبراهيم مدكور، تحقيق الأب قنواتي، وسعيد رايد، منشورات مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404هـ.
ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تصحيح لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية في النجف.
ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت، ط1، 1417هـ.
ابن كثير، إسماعيل، البداية والنهاية، تحقيق علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1988م.
ابن كثير، إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، تقديم يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت، 1412هـ-1992م.
ابن قتيبة الدينوري، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة، تحقيق طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع.
ابن مزاحم المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر، ط2، 1382هـ.
ابن هشام الحميري، محمد بن إسحاق، السيرة النبوية، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة، 1963هـ.
أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، مطبعة السعادة، بجوار محافظة مصر، 1974م.
أبو نعيم الأصفهاني، أحمد بن عبد الله، معرفة الصحابة، تحقيق مسعد السعدني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2002م.
الآبي، محمد بن خليفة الوشتاني، صحيح مسلم مع شرحه المسمى إكمال إكمال المعلّم وشرحه المسمى مكمّل إكمال الإكمال، للسنوسي، محمد بن محمد بن يوسف، ضبطه وصححه محمد سالم هاشم، دار الكتب العلمية، بيروت.
الآلوسيّ، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1415هـ.
الأميني، عبد الحسين، الغدير في الكتاب والسّنة والأدب، دار الكتاب العربي، بيروت، ط4، 1397هـ-1977م.
البخاري، محمد بن إسماعيل، تحقيق د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، دار اليمامة، دمشق، ط5، 1414هـ-1993م.
البخاري، إسماعيل بن إبراهيم، التاريخ الكبير، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد.
البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، المطبعة العلمية، قم، 1399هـ.
الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت،ـ ط1، 1411هـ.
الحسكاني، عبيد الله بن أحمد، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، ط1، 1411هـ.
الحلبي، علي بن إبراهيم، السيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1427هـ.
الحموي الجويني، إبراهيم بن محمد، فرائد السمطين، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر، ط1.
الخرازي، محسن، بداية المعارف الإلهية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، ط10، 1423هـ.
الخزاز القمي، علي بن محمد، كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، تحقيق السيد عبد اللطيف الكوه كمري، انتشارات بيدار.
السبحاني، جعفر، محاضرات في الإلهيات، تلخيص علي الرباني الكلبايكاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدّسة، ط8، 1421هـ.
السّيوطي، عبد الرّحمن بن أبي بكر، الدّر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة للطباعة والنّشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.
الشريف الرضي، نهج البلاغة، بشرح محمد عبده، دار المعرفة، بيروت.
الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني، بيروت، دار المعرفة.
الصدر، محمد باقر، بحث حول المهدي، دار التعارف للمطبوعات، بيروت،1397هـ-1977م.
الصدر، محمد باقر، بحث حول المهدي، تحقيق عبد الجبار شرارة، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، قم، ط1، 1417هـ.
الصدوق، محمد بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1405هـ.
الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا عليه السلام، تصحيح وتقيدم الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية- مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1417هـ.
الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، ط2، 1404هـ.
صنقور علي، محمد، تواتر النص على الأئمة (عليهم السلام)، حوزة الهدى للدراسات الإسلامية، ط1، 1438-2017م.
الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، ط2، 1404هـ.
الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج، تعليق، السيد محمد باقر الخرسان، مطابع النعمان النجف الأشرف، 1966هـ.
الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم المشرفة، ط1، 1417هـ.
الطبري، محمد بن جرير، تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة.
الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك المعروف بتاريخ الطبري، صححه وضبطه نخبة من العلماء الأجلاء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
القمي، محمد بن أحمد، مئة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده من طرق العامة، مدرسة الإمام المهدي، قم المقدسة، ط1، 1407هـ.
القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة لذوي القربى، تحقيق سيد علي جمال أشرف الحسيني، دار الأسوة، 1416هـ.
الكلبايكاني، لطف الله الصافي، منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط2، 1403هـ-1983م.
الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تعليق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط3، 1388هـ.
الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي، تحقيق محمد الكاظم، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزراة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، ط1، 1410هـ.
الماحوزي، سليمان بن عبد الله، الأربعين حديثًا في إثبات إمامة أمير المؤمنين، تحقيق السيد مهدي الرجائي، مطبعة أمير، ط1، 1417هـ.
المبرد، محمد بن يزيد، الكامل في اللغة والأدب، دار الفكر العربي، القاهرة، ط3، 1417هـ-1997م.
المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي‏، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، دار إحياء التراث العربي، بيروت‏، ط2، 1403هـ.
مطهري، مرتضى، الإمامة، ترجمة جواد علي كسار، مؤسسة أم القرى- دار الحوراء.
المظفر، محمد حسن، دلائل الصدق، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، ط1.
المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، دار المفيد، بيروت، ط2، 1414هـ.
المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الأمالي، تحقيق الحسين أستاد ولي وعلي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة، 1403هـ.ق.
المقريزي، أحمد بن علي، إمتاع الأسماع بما للنبيّ من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، تحقيق وتعليق محمد عبد الحميد النميسي، ط1، بيروت، منشورات محمد علي بيضون-دار الكتب العلمية، 1420هـ-1999م.
الميلاني، علي الحسيني، حديث الثقلين، مركز الأبحاث العقائدية، ط1، 1421هـ.
النعماني، محمد بن إبراهيم، الغيبة، تحقيق فارس حسون، أنوار الهدى، قم، ط1، 1422هـ.
النووي، يحيى بن شرف، صحيح مسلم بشرح النووي، ضبط وتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الكتب العلمية، بيروت.
النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1374هـ-1955م.
الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية، بيروت.

--------------------------------------
[1] انظر: الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، ص24. والسبحاني، محاضرات في الإلهيات، ص499.
[2] سورة آل عمران، الآية: 103.
[3] الهَمَلُ: المُهْمَلُ المتروكُ المُسيّب بلا راع ورعاية وعناية.
[4] ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة، ج1، ص28.
[5] المقريزي، إمتاع الأسماع بما للنبيّ من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، ج14، ص468.
[6] ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة، ج1، ص159.
[7] سورة التوبة، الآية: 128
[8] سورة يوسف، الآية: 108.
[9] من شواهد تهديد الإمبراطورية الفارسية: كتب كسرى إلى عامله باليمن بعد أنْ وصلته رسالة النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وقام بتمزيقها: «ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز، رجلين من عندك، جلدين، فليأتياني به». ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج2، ص213. وابن كثير، البداية والنهاية، ج4، ص307.
ومن شواهد تهديد الإمبراطورية الرومانية: اشتباكات السنة الثامنة للهجرة، وسرية مؤتة التي= =قتل فيها قادة الجيش: جعفر بن أبي طالب، وزيد ابن حارثة، وعبد الله بن رواحة، ورجع منهزمًا، ممّا استدعى تحرّك النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بشخصه في السنة التاسعة للهجرة إلى تبوك، بل كان (صلى الله عليه وآله وسلم) في أيام مرضه ووفاته يعيش هاجس تجهيز جيش لمواجهة الروم، بقيادة أسامة بن زيد.
[10] سورة آل عمران، الآية: 144.
[11] النيسابوري، صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب، ج4، ص373، ح2408.
[12] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص180، ح3052. والحلبي، السيرة الحلبية، ج3، ص336.
[13] الشفاء، الإلهيات، المقالة العاشرة، الفصل الخامس: ص564.
[14] الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص66. ورواه: الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9، ص164.
[15] النيسابوري، صحيح مسلم، ج4، ص373.
[16] رواه البخاري في صحيحه بإسناده عن ابن عباس مع اختلاف في اللفظ، في مواضع عدة: كتاب العلم، باب كتابة العلم، ج1، ص34. وكتاب المغازي، باب مرض النبي ووفاته، ج6، ص9. وكتاب المرضى، باب قول المريض قوموا عني، ج7، ص120.
[17] سورة النحل، الآية: 82.
[18] سورة الجمعة، الآية: 2.
[19] سورة النحل، الآية: 44.
[20] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج14، ص333.
[21] سورة الشورى، الآية: 52.
[22] سورة الأحزاب، الآية: 45-46.
[23] سورة البقرة، الآية: 143.
[24] سورة الحشر، الآية: 7.
[25] سورة النساء، الآية: 59.
[26] سورة النساء، الآية: 105.
[27] سورة الأحزاب، الآية: 36.
[28] سورة القيامة، الآية: 36.
[29] سورة المؤمنون، الآية: 115.
[30] يقول عبد الكريم الشهرستاني في كتاب الملل والنحل: « ... الخلاف الثالث: في موته (عليه الصلاة والسلام):
قال عمر بن الخطاب: من قال إن محمدًا قد مات قتلته بسيفي هذا، وإنّما رفع إلى السماء كما رفع عيسى (عليه السلام).
وقال أبو بكر بن أبي قحافة : من كان يعبد محمدًا فإنّ محمدًا قد مات. ومن كان يعبد إله محمد فإنّ إله محمد حيّ لم يمت ولن يموت، وقرأ قول الله سبحانه وتعالى: }وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ{ سورة آل عمران، الآية: 144، فرجع القوم إلى قوله، وقال عمر: «كأني ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر».
والخلاف الرابع: في موضع دفنه (عليه الصلاة والسلام):
أراد أهل مكة من المهاجرين رده إلى مكة؛ لأنّها مسقط رأسه، ومأنَس نفسه.
وأراد أهل المدينة من الأنصار دفنه بالمدينة؛ لأنّها دار هجرته، ومدار نصرته.
وأرادت جماعة نقله إلى بيت المقدس؛ لأنه موضع دفن الأنبياء، ومنه معراجه إلى السماء.
الخلاف الخامس: في الإمامة، وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان. وقد سهل الله تعالى في الصدر الأوّل، فاختلف المهاجرون والأنصار فيها:
فقالت الأنصار منّا أمير ومنكم أمير، واتفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الأنصاري.
فاستدركه أبو بكر وعمر في الحال بأنْ حضرا سقيفة بني ساعدة، وقال عمر: كنت أزوّر في نفسي كلامًا في الطريق، فلمّا وصلنا إلى السقيفة أردت أنْ أتكلّم، فقال أبو بكر: مه يا عمر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ما كنت أقدّره في نفسي كأنّه يخبر عن غيب، فقبل أنْ يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي إليه فبايعته وبايعه الناس وسكنت الفتنة، إلّا أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتةً وقى الله المسلمين شرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، فأيّما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فإنّهما تغرّة يجب أنْ يقتلا. وإنّما سكتت الأنصار عن دعواهم لرواية أبي بكر عن النبي (عليه الصلاة والسلام): «الأئمّة من قريش». وهذه البيعة هي التي جرت في السقيفة، ثم لمّا عاد إلى المسجد انثال الناس عليه وبايعوه .
سوى جماعة من بني هاشم، وأبي سفيان من بني أميّة، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان مشغولًا بما أمره النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم) من تجهيزه ودفنه وملازمة قبره من غير منازعة ولا مدافعة.
الخلاف السادس: في أمر فدك والتوارث عن النبي (عليه الصلاة والسلام)، ودعوى فاطمة $ وراثة تارة، وتمليكا أخرى حتى دفعت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبي (عليه الصلاة والسلام): «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة».
الخلاف السابع: في قتال مانعي الزكاة، فقال القوم: لا نقاتلهم قتال الكفرة.
الخلاف الثامن: في تنصيص أبي بكر على عمر بالخلافة وقت الوفاة: فمن الناس من قال: قد وليت علينا فظًّا غليظًا، وارتفع الخلاف بقول أبي بكر: لو سألني ربي يوم القيامة، لقلت: وليت عليهم خيرهم لهم. وقد وقع في زمانه اختلافاتٌ كثيرةٌ في مسائل ميراث الجد، والإخوة،= =والكلالة وفي عقل الأصابع، وديات الأسنان، وحدود بعض الجرائم التي لم يرد فيها نصّ.
الخلاف التاسع: في أمر الشورى واختلاف الآراء فيها.
الخلاف العاشر: في زمان أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بعد الاتفاق عليه وعقد البيعة له. فأوله: خروج طلحة والزبير إلى مكة، ثم حمل عائشة إلى البصرة، ثم نصب القتال معه، ويعرف ذلك بحرب الجمل... والخلاف بينه وبين معاوية، وحرب صفين، ومخالفة الخوارج، وحمله على التحكيم.
وانقسمت الاختلافات بعده إلى قسمين: أحدهما الاختلاف في الإمامة، والثاني: الاختلاف في الأصول.
والاختلاف في الإمامة على وجهين:
أحدهما: القول بأنّ الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار.
والثاني: القول بأنّ الإمامة تثبت بالنص والتعيين.
فمن قال: إنّ الإمامة تثبت بالاتفاق والاختيار، قال بإمامة كلّ من اتفقت عليه الأمة، أو جماعة معتبرة من الأمة: إمّا مطلقا، وإمّا بشرط أنْ يكون قرشيًا؛ على مذهب قوم، وبشرط أنْ يكون هاشميًا، على مذهب قوم، إلى شرائط أخرى كما سيأتي.
ومن قال بالأوّل، قال بإمامة معاوية وأولاده، وبعدهم بخلافة مروان وأولاده.
والخوارج اجتمعوا في كلذ زمان على واحدٍ منهم بشرط أنْ يبقى على مقتضى اعتقادهم، ويجري على سنن العدل في معاملاتهم، وإلّا خذلوه وخلعوه، وربما قتلوه.
ومن قالوا إنّ الإمامة تثبت بالنص، اختلفوا بعد عليّ (عليه السلام)...». الشهرستاني، الملل والنحل (مصدر سابق)، ج1، ص24 وما بعد.
[31] انظر: ما رواه البخاري في صحيحه بإسناده عن ابن عباس، قال: « لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «هلموا اكتب لكم كتابًا لا تضلّوا بعده». فقال بعضهم: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتابًا لا تضلّوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك؛ فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «قوموا».قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس: «إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين أنْ يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم». البخاري، ج5، ص137-138، ح5669.
[32] من الشواهد على تعدّد الاجتهادات والآراء في تفسير القرآن منذ العهد الأول، ما رواه الكليني بإسناده عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه‌ السلام: إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ سَلْمَانَ وَالْمِقْدَادِ وَأَبِي ذَرٍّ شَيْئاً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، وَأَحَادِيثَ عَنْ نَبِيِّ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) غَيْرَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْكَ تَصْدِيقَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ، وَرَأَيْتُ فِي أَيْدِي النَّاسِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ‌ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ نَبِيِّ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، أَنْتُمْ تُخَالِفُونَهُمْ فِيهَا، وَتَزْعُمُونَ أَنَّ ذلِكَ كُلَّهُ بَاطِلٌ، أَفَتَرَى النَّاسَ يَكْذِبُونَ عَلى رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مُتَعَمِّدِينَ، وَيُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ؟ ...». الكليني، الكافي، ج1، ص62.
[33] عن الإمام علي (عليه السلام) في أحاديث في هذا السياق: ... الأشعث بن قيس لما شاهد ما فعله أهل الشام من حيلة عمرو بن العاص قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): «إنْ لم تحكم قتلناك بهذه السيوف التي قتلنا بها عثمان»؛ فقال حينئذ: «لا رأي لمن لا يطاع، وقال لأصحابه: هذه كلمة حقٍّ يُراد بها باطل، وهذا كتاب الله الصامت وأنا المُعبِّر عنه، فخذوا بكتاب الله الناطق، وذروا الحكم بكتاب الله الصامت إذ لا مُعبِّر عنه غيري». ابن البطريق، العمدة (عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار)، ص330. لما أراد أه الشام أن يجعلوا القرآن حكمًا بصفّين، قال عليه السلام: «أنا القرآن الناطق». القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربى، ج1، ص214. وثمة أحاديث عنه (عليه السلام) منها: «أنا كلام الله الناطق»، «أنا لسان الله الناطق». المجلسي، بحار الأنوار، ج27، ص34.
[34] الكليني، الكافي، ج1، ص188-189.
[35] قال السّيوطيّ: «وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدريّ، قال: نزلت هذه الآية }يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغ مَآ أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ{ على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خمّ، في عليّ بن أبي طالب». السّيوطي، الدّر المنثور في التفسير بالمأثور، ج2، ص298.= =وقال العلّامة الآلوسيّ: «وعن ابن عبّاس، قال: نزلت هذه الآية في عليّ (عليه السلام)، حيث أَمَرَ سبحانه وتعالى أنْ يُخبِر النّاس بولايته، فتخوَّف رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يقولوا: حابى ابنَ عمِّه، وأنْ يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى اللّه تعالى إليه هذه الآية، فقام بولايته يوم غدير خمّ، وأخذ بيده، فقال (عليه السلام): «مَنْ كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاهُ، اللّهمَّ وَالِ مَن وَالاهُ، وَعَادِ مَن عَاداهُ»» الآلوسي، روح المعاني، ج6، ص193.
[36] سورة المائدة، الآية: 67.
[37] ذكر ابن كثير والطّبري وغيرهما رّوايات في أنّها نزلت يوم الغدير، ينقل ابن كثير: « قد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العيدي، عن أبي سعيد الخدري: أنّها أنزلت على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلّم) يوم غدير خم حين قال لعلي: «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه». ثم رواه عن أبي هريرة « ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج4، ص353.
وعن أبي سعيد الخدريّ، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نزلت [عليه] هذه الآية قال: «الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي». ثم قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ منْ والاهُ وعادِ من عاداه وانصرْ من نصره واخذلْ من خذله». الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت، ج1، ص201. وانظر: الأميني، الغدير في الكتاب والسُّنة والأدب، ج1، ص43.
[38] سورة المائدة، الآية: 3.
[39] سورة طه، الآية: 32.
[40] انظر: ابن حنبل، فضائل الصحابة، ج2، ص843، ح1158. والحسكاني، شواهد التنزيل، ج1، ص368.
[41] المظفر، محمد حسن، دلائل الصدق، ج6، ص83-84.
[42] الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص305. والنعماني، الغيبة، ج1، ص74. والحموي الجويني، فرائد السمطين، ج1، ص315. والطبرسي، الاحتجاج، ج1، ص214. والماحوزي، الأربعين حديثًا في إثبات إمامة أمير المؤمنين، ص442.
[43] سورة البقرة، جزء الآية: 124.
[44] سورة الأنبياء، الآية: 73.
[45] ابن هشام الحميري، السيرة النبوية، ج2، ص289. وابن كثير، البداية والنهاية، ج3، ص171. وابن حبان، الثقات، ج1، ص90.
[46] سورة الأنعام، جزء الآية: 124.
[47] الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص250.
[48] انظر: الطباطبائي، تفسير الميزان، ج1، ص (270-275)، يقول في خلاصة بحثه: « إنّ المراد بالظالمين (في الآية) مطلق من صدر عنه ظلم ما، من شرك أو معصية، وإنْ كان منه في برهةٍ من عمره، ثم تاب وصلح. وقد سئل بعض أساتيذنا رحمة الله عليه [قيل: السيد أحمد الكربلائي. وقيل: السيد علي القاضي]: عن تقريب دلالة على عصمة الامام؟ فأجاب: «أنّ الناس بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام: من كان ظالمًا في جميع عمره، ومن لم يكن ظالمًا في جميع عمره، ومن هو ظالمٌ في أول عمره دون آخره، ومن هو بالعكس. هذا، وإبراهيم (عليه السلام) أجلّ شأنًا من أن يسأل الإمامة للقسم الأول والرابع من ذريته، فبقي قسمان وقد نفى الله أحدهما، وهو الذي يكون ظالمًا في أول عمره دون آخره، فبقي الآخر، وهو الذي يكون غير= =ظالم في جميع عمره». انتهى.
وقد ظهر ممّا تقدم من البيان أمور:
الأول: أنّ الإمامة لمجعولة.
الثاني: أنّ الامام يجب أنْ يكون معصومًا بعصمة إلهية.
الثالث: أنّ الأرض وفيه الناس، لا تخلو عن إمامٍ حق.
الرابع: أنّ الامام يجب أن يكون مؤيَّدًا من عند الله تعالى.
الخامس: أنّ أعمال العباد غير محجوبةٍ عن علم الإمام.
السادس: أنّه يجب أنْ يكون عالمًا بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور معاشهم ومعادهم.
السابع: أنّه يستحيل أنْ يوجد فيهم من يفوقه في فضائل النفس.
فهذه سبعة مسائل هي أمهات مسائل الإمامة، تعطيها الآية الشريفة بما ينضم إليها من الآيات والله الهادي».
[49] الكليني، الكافي، ج1، ص 170. والصدوق، الأمالي، ص687. والطبرسي، الاحتجاج، ج2، ص128.
[50] الشريف الرضي، نهج البلاغة، ج4، ص37.
[51] الكليني، الكافي، ج1، ص178.
[52] گوهر مراد (فارسي)، ص333. نقلًا عن: الخرازي، محسن، بداية المعارف الإلهية، ج2، ص18.
[53] النراقي، أنيس الموحّدين (فارسي)، ص127. نقلًا عن: الخرازي، المصدر السابق، ص44.
[54] مطهري، الإمامة، ص 186-187.
[55] سرمايه ايمان (فارسي)، ص115. نقلًا عن الخرازي، المصدر الأسبق.
[56] سورة البقرة، الآية: 124.
[57] سورة الأنبياء، الآيتان: 72-73.
[58] سورة آل عمران، الآية: 68.
[59] سورة الروم، الآية: 56.
[60] الكليني، الكافي، ج1، ص199-200.
[61] التواتر هو إخبار جماعةٍ كثيرةٍ يمتنع عادةً اتفاق أفرادها على الكذب بحيث يورِث إخبارهم العلم بصدق الواقعة أو الخبر.
[62] مثل النظر العقلي المفيد لضرورة كون الإمام معصومًا، وفي التطبيق الخارجي تنحصر في الإمام علي أو غيره من الأئمة (عليهم السلام).
[63] الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ج1، ص482.
[64] صنقور علي، تواتر النص على الأئمة (عليهم السلام)، ص5. وانظر: الكلبايكاني، لطف الله الصافي، منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر.
[65] الطبراني، المعجم الكبير، ج5، ص166، ح4971.
[66] الخزاز القمي، كفاية الأثر، ص132.
[67] المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج1، ص36.
[68] أبو نعيم الأصفهاني، معرفة الصحابة، ج1، ص106. والحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص137-138.
[69] الطبري، تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار (مسند علي)، ص104. وابن أثير الجزري، معجم جامع الأصول في أحاديث الرسول، ج7، ص437، ح6489.
[70] أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، ج1، ص65. والسيوطي، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ج4، 468
[71] القمي، مئة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده من طرق العامة، ج1، ص146.
[72] ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، ج42، ص384. والأصفهاني، حلية الأولياء، ج1،= =ص65. وابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص360.
[73] الكليني، الكافي، ج1، ص64.
[74] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج14، ص11.
[75] زرها: أي قوامها وأصله من زر القلب وهو عظم صغير يكون قوام القلب به.
[76] المفيد، الأمالي، ص 139.
[77] بحار الأنوار، ج40، ص147.
[78] المصدر نفسه.
[79] المصدر نفسه.
[80] المصدر نفسه.
[81] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص18.
[82] البخاري، التاريخ الكبير، ج3، ص228. ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج42، ص408.
[83] الحسكاني، شواهد التنزيل، ج1، ص47.
[84] الكوفي، تفسير فرات الكوفي، ص184.
[85] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص311.
[86] شواهد التنزيل، ج1، ص48.
[87] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص18.
[88] الكافي، ج1، ص352. عن هشام بن سالم، قال: «كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) أنا ومحمد بن النعمان صاحب الطاق، والناس مجتمعون عند عبد الله بن جعفر أنّه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه والناس عنده، فسألناه عن الزكاة: في كم تجب؟ قال: في مائتين درهم خمسة دراهم، فقلنا: ففي مائة درهم، قال: درهمان ونصف، قلنا: والله ما تقول المرجئة هذا! فقال: والله ما أدري ما تقول المرجئة. قال فخرجنا ضلّالًا ما ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول؛ فقعدنا في بعض أزقة المدينة ناكسينلا ندري أين نتوجه وإلى من نقصد نقول إلى المرجئة أم إلى القدرية أم إلى المعتزلة أم إلى الزيدية، فنحن كذلك إذ رأيت رجلًا شيخًا لا أعرفه يومئ إلي بيده؛ فخفت أنْ يكون عينًا من عيون أبي جعفر المنصور، وذلك أنّه كان له بالمدينة جواسيس على من تجتمع بعد جعفر الناس إليه، فيؤخذ ويضرب عنقه؛ فخفت أنْ يكون ذلك منهم، فقلت: للأحول تنحَّ فإنّي خائفٌ على نفسي وعليك، وإنّما يريدني ليس يريدك؛ فتنحَّ عنّي لا تهلك فتعين على نفسك، فتنحّى بعيدًا وتبعت الشيخ؛ وذلك أنّي ظننت أنّي لا أقدر على التخلّص منه، فما زلت أتبعه، وقد عزمت على الموت، حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى(عليه السلام)، ثم خلّاني ومضى، فإذا خادم بالباب قال لي: ادخل رحمك الله. فدخلت فإذا أبو الحسن موسى (عليه السلام)، فقال لي ابتداءً منه: إلي إلي، لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الزيدية، ولا إلى الخوارج. قلت: جُعلتُ فداك مضى أبوك؟ قال: نعم. قلتُ: مضى موتًا. قال: نعم. قلتُ: فمن لنا من بعده؟ قال: إنْ شاء الله تعالى أنْ يهديك هداك. قلتُ: جُعلتُ فداك إنّ عبد الله أخاك يزعم أنّه الإمام بعد أبيه؟! فقال: عبد الله يريد ألّا يُعبد الله. قلتُ: جُعلتُ فداك فمن لنا بعده قال: إنّ شاء الله أنْ يهديك هداك. قلتُ:جُعلتُ فداك أنت هو؟ قال: لا أقول ذلك. قال: فقلتُ في نفسي لم أُصبْ طريق المسألة.= =ثم قلتُ له: جعُلتُ فداك عليك إمام؟ قال: لا فدخلني شيءٌ لا يعلمه إلّا الله إعظامًا له وهيبةً. ثم قلتُ له: جُعلتُ فداك أسألك كما كنت أسأل أباك؟ قال: اسأل تُخبر ولا تذع؛ فإنْ أذعتَ فهو الذبح. فسألته فإذا هو بحرٌ لا ينزف، فقلت: جُعلتُ فداك شيعة أبيك ضلّال فألقي إليهم هذا الأمر وأدعوهم إليك، فقد أخذت علي الكتمان؟ قال: من آنست منهم رشدًا فألقِ إليه وخذْ عليه الكتمان فإنْ أذاع فهو الذبح وأشار بيده إلى حلقه...».
[89] ابن مزاحم المنقري، وقعة صفين، ص354. والطبري، تاريخ الأمم والملوك (المعروف بتاريخ الطبري)، ج4، ص30. وابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج8، ص36.
[90] ابن شهر آشوب، المناقب، ج3، ص184. والمبرد، الكامل في اللغة والأدب، ج1، ص325.
[91] ويقول الشهيد الصدر: «... ليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحتها، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمّة أو الخلفاء أو الأمراء بعده، وأنهم اثنا عشر إمامًا أو خليفةً أو أميرًاعلى اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفةقد أحصى بعض المؤلّفين رواياته فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسُنّة، بما في ذلك البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبو داود، ومسند أحمد، ومستدرك الحاكم على الصحيحين، ويلاحظ هنا أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصرًا للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكري، وفي ذلك مغزىً كبير؛ لأنه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سجّل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أنْ يتحقّق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمّة الاثني عشر فعلاً، وهذا يعني أنّه لا يوجد أيّ مجالٍ للشكّ في أنْ يكون نقل الحديث= =متأثرًا بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاسات أو تبريرات لواقع متأخرٍ زمنيًا لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكل انعكاسًا له، فما دمنا قد ملكنا= =الدليل المادي على أنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمّة الاثني عشر، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أنْ نتأكد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاسًا لواقع، وإنّما هو تعبيرٌ عن حقيقةٍ ربانيةٍ نطق بها من لا ينطق عن هوى، فقال: «إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر»، وجاء الواقع الإمامي الاثنا عشري ابتداءً من الإمام عليٍّ وانتهاءً بالمهدي؛ ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف». الصدر، محمد باقر، بحث حول المهدي، ج1، ص90.
[92] سورة المائدة، الآية: 12.
[93] ينقل الشيخ سليمان البلخي القندوزي في ينابيع المودة، ج3، ص292: عن بعض المحقّقين، قال: «إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده اثني عشر، قد اشتهرت من طرقٍ= =كثيرة، ولا يمكن أنْ يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من الصحابة، لقلّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أنْ يحمل على الملوك الأُمويّين لزيادتهم على الاثني عشر ولظلمهم = =الفاحش إلّا عمر بن عبد العزيز... ولا يمكن أنْ يحمل على الملوك العباسيّين لزيادتهم على العدد المذكور ولقلّة رعايتهم قوله سبحانه: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) سورة الشورى، الآية: 23».
انظر حول الأقوال: النووي، صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الإمارة، باب 1، ج11، ص168 وما بعد. ابن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين، ج1، ص450-455. وابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج13، ص181 وما بعد.
[94] الآبي، محمد بن خليفة الوشتاني، صحيح مسلم مع شرحه المسمى إكمال إكمال المعلّم وشرحه المسمى مكمّل إكمال الإكمال، للسنوسي، محمد بن محمد بن يوسف، ج6، ص494.
[95] ابن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين، ج1، ص450-451.
[96] شرف الدين، عبد الحسين، المراجعات، ص79.
[97] انظر: الميلاني، علي الحسيني، حديث الثقلين، مركز الأبحاث العقائدية، ط1، 1421هـ.
[98] شرف الدين، عبد الحسين، المراجعات، ص289-290.
[99] المراجعات، المصدر نفسه.
[100] الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، ج3، ص66، ح 2681.
[101] الخزاز القمي، كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، ص80.
[102] الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص60.
[103] الطوسي، الأمالي، ص691.
[104] شرف الدين، المراجعات، ج1، ص80.
[105] الخزاز القمي، كفاية الأثر، ص34.
[106] صنقور علي، محمد، تواتر النصّ على الأئمّة، ص52-53.
[107] نقصد بالقرائن والشواهد أحاديث وإخبارات أخرى ذات موضوعاتٍ ودلالاتٍ أخرى مختلفةٍ عن موضوع ومدلول النصّ عليهم مباشرةً أو بالوساطة، ولكنّها تقرِّب بنظر العرف والعقلاء من احتمال صدق مثل تلك الأحاديث، وتسهم إلى حدٍّ كبيرٍ في سرعة الوصول إلى التواتر، وتقليل الحاجة إلى العدد الذي به يحصل التواتر للخبر بالقياس إلى الخبر الذي يكون فاقدًا لمثل هذه القرائن.
[108] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص258.
[109] الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص241.
[110] صنقور علي، تواتر النصّ على الأئمّة عليهم السلام، ص53-54.
[111] يقول الميرزا القمّي: «إنّ الإمام إذا ادّعى الإمامة، وأقام على طبقها المعجزة دلّ ذلك على حقّيته كما مرّ في النبوّة» اصول دين (فارسي)، ص37. نقلًا عن: الخرازي، بداية المعارف الإلهية، ج2، ص18.
[112] الصدر، بحث حول المهدي، ص55-59.
[113] الصدوق، الأمالي، ص173.
[114] الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص180.
[115] النعماني، الغيبة، ج1، ص92.
[116] الصدوق، الأمالي، ص78. والصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص285.
[117] سورة النساء، الآية: 59.
[118] الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص313.
[119] سورة الأنبياء، الآية: 73.
[120] الخزاز القمي، كفاية الأثر، ص40.
[121] الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص311.
[122] المصدر نفسه، ص23.
[123] سورة الرعد، الآية: 7.
[124] الخزاز القمي، كفاية الأثر، ص165.
[125] المصدر نفسه، ص22.
[126] سورة النساء، الآية: 59.
[127] الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص281.
[128] الخزاز القمي، كفاية الأثر، ص3.
[129] المصدر نفسه، ص17.
[130] المصدر نفسه، ص42.
[131] المصدر نفسه، ص26.
[132] القمي، مئة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ولده من طرق العامة، ص72.
[133] الخزاز القمي، كفاية الأثر، ص44.
[134] المصدر نفسه، ص166.
[135] المصدر نفسه، ص14.
[136] الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص309.
[137] الخزاز القمي، كفاية الأثر، ص178.
[138] المصدر نفسه، ص163.
[139] المصدر نفسه، ص165.
[140] البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج1، ص11-12.