البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

التوحيد في القرآن الكريم والسنة الشريفة

الباحث :  الشيخ أحمد عسّاف
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  28
السنة :  صيف 2023م / 1445هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 5 / 2023
عدد زيارات البحث :  1562
تحميل  ( 1.595 MB )
الملخّص
ما من حقيقةٍ أجلى من التوحيد، وعلى الرغم من ذلك حارت بتلك الحقيقة العقول ، وظفرت بها القلوب ، وتاهت بها الأوهام ، وجرت بها الأقلام، واشتهرت بها الأعلام، وزلّت في كنهها الأقدام ، ولكن لا محيصَ عن الإقدام ؛ لأنّ التوحيد أصل الدين وأسّه المتين.
التوحيد لغةً من أوحدَ أو وحّد، أي انفرد عن الأغيار في ذاته وصفاته وأفعاله؛ فهو الواحد بالوحدة المفهوميّة حيث كان ولم يكن معه أحد، والأحد بالوحدة القهّاريّة حيث انفرد في ذاته فلا قسيم لها.

يقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام بحسب تتبع الموضوع في الكتاب العزيز والروايات الشريفة:
1- التوحيد من حيث الوجود في نفس الموحِّد، ويتفرع إلى التوحيد الذهني العلمي، والتوحيد العملي القلبي، فالأول مقدّمةٌ للثاني؛ إذ يُعدّ التوحيدَ القلبي كمالَ التوحيد العلمي.
2- التوحيد من حيث الورود في نفس الموحِّد، ويتفرّع إلى التوحيد الحضوري الفطري الذي يولد مع الخَلْق ولا يمكن انتزاعه، والتوحيد الحصولي الذي ينمو بالعلم والتجارب.
3- التوحيد من حيث الظهور للخَلْق، ويتفرّع إلى ثلاثة أقسام:
التوحيد الذاتي حيث يُظهر الله تعالى نفسَه للخَلْق من خلال التوحيد الواحدي والأحدي، فذاته تعالى لا مثيلَ لها ولا قسيم.
التوحيد الصفاتي حيث يُظهر الله تعالى نفسَه للخَلْق من خلال صفاته، وهي بدورها تنقسم إلى قسمين:
صفات ذاتيّة أزليّة كالحياة والعلم والقدرة، التي لا يمكن سلبها عن الذات الإلهية المقدّسة.
صفات فعليّة حادثة كالتكلّم والتكبّر والتجبّر، وهذه يمكن سلبها عن الذات الإلهية المقدّسة، وهي تتفرّع إلى صفاتٍ جماليّةٍ كالرحمة والسلام، وصفاتٍ جلاليّة كالجبروت والتكبّر.

التوحيد الأفعالي حيث يُظهر الله تعالى نفسَه للخَلْق من خلال أفعاله المقدّسة كالألوهيّة والربوبيّة التكوينيّة والتشريعيّة.
وقد لخّص الله تعالى التوحيد بجميع أقسامه في البسملة، فقد احتوت على التوحيد الذاتي الواحدي والأحدي، والتوحيد الصفاتي الذاتي، والفعلي، والتوحيد الأفعالي التكويني والتدبيري؛ ولذا وجبت البسملة في العبادات المفروضة والمندوبة، واستُحبّت في التوصليّات، وعُدَّ الجهرَ بها من علامات المؤمن، كيف لا تكون كذلك؟! وهي أعظم آيةٍ في القرآن الكريم كما ورد في الأثر.

الكلمات المفتاحية: التوحيد الفطري والحصولي، التوحيد العلمي والقلبي، التوحيد الذاتي الواحدي والأحدي، التوحيد الصفاتي الأزلي والفعلي، التوحيد الأفعالي، الألوهيّة المألوهيّة (المعبوديّة) والإلهيّة (العباديّة)، والربوبيّة التكوينيّة والتشريعيّة.


Abstracts
There is no truth more beautiful than Towhead, and yet the minds fought by and won by hearts and lost illusions and dragged by pens and famous by the media and still in the feet and it are inevitable to take action because monotheism is the origin of religion and its solid foundation. Towhead is the language of one or one unique from the Gentiles in himself and his qualities and actions are the one conceptual unity where he was and was not with him and alone compulsive unity where he is unique in himself and there is no partner for it.
Towhead is divided into three sections according to the tracing of the subject in the Holy Book and the noble narrations
Towhead in terms of existence in the same unified and branches to scientific mental unification and practical heart Towhead, the first is an introduction to the second, where heart unification is considered the perfection of scientific Towhead. Towhead in terms of receipt is the same unified and branches into the innate presence Towhead that is born with creation and cannot be taken away and the achievement Towhead that grows with science and experiments. Towhead in terms of appearance to creation is divided into three sections:
Self- Towhead where Allah Almighty shows himself to creation through Towhead, as himself Almighty is unparalleled and unparalleled.
Attributive Towhead where Allah Almighty shows Himself to creation through His attributes, which in turn are divided into two parts:
keywords: Innate and Hassouli- Towhead, scientific and heart Towhead, the Towhead of Towhead and Towhead, eternal and actual attributive Towhead, verbal Towhead, divinity (deity) and divine (worship), formative and legislative deism.

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ الأحدِ بلا قسيم، والواحدِ بلا شريك، والفردِ بلا مثيل، والصمدِ بلا والد ولا وليد؛ فهو الأوّل قبل كلّ شيء، والآخِر بعد كلّ شيء، والسميع بغير جارحة، والبصير بغير آلة [1]؛ فسبحانه عن الأضداد، وتعالى عن الأنداد، وله المثل الأعلى [2]، فلا يعلم ما هو إلا هو[3]، إذ ليس كمثله شيء [4]، كذلك الله ربي، والصلاة على سيّد الموحّدين في العالمين محمّد وعلى آله المعصومين، لا سيّما بقية الله الأعظم (عليه السلام).
خلق الله تعالى الخلائق في منظومةٍ أساسها التوحيد، وأركانها النبوّة والإمامة والمعاد، وفروعها الأحكام التشريعيّة، وثمارها التخلّق بأخلاق الله تعالى؛ فأساس الدين التوحيد، وعليه فطرت النفوس، وبه قامت الممكنات، وشهد الله تعالى به لذاته، وكفى بالله شهيدًا كما في قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [5].
فمن عرف الله بالله اهتدى ونجا، ومن عرف الله بغيره ضلّ وهوى، فعن عَلِيّ بْن مُحَمَّدٍ عَمَّنْ ذَكَرَه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام): «قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام): اعْرِفُوا اللَّه بِاللَّه، والرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ، وأُولِي الأَمْرِ بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والْعَدْلِ والإِحْسَانِ»[6].

شرعت في اقتطاف الآيات القرآنيّة وروايات أهل العصمة (عليهم الصلاة والسلام) كمصدرين حصريين في تبيان التوحيد، ولمّا كنّا مأمورين بسؤال أهل الذكر لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[7]، ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾[8]؛ فلا نجاوز الذكر وأهله في معرفة الله تعالى، وقد أكّدت ذلك رواياتٌ عديدةٌ؛ فعن سَهْل عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ الرَّبِيعِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَفْصٍ أَخِي مُرَازِمٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) عَنْ شَيْءٍ مِنَ الصِّفَةِ، فَقَالَ: «لَا تَجَاوَزْ مَا فِي الْقُرْآنِ»[9]. فأهل الذكر هم الناطقون عن الله تعالى؛ فعن عَلِيّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ عَتِيكٍ الْقَصِيرِ قَالَ: كَتَبْتُ عَلَى يَدَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) أَنَّ قَوْمًا بِالْعِرَاقِ يَصِفُونَ اللَّهَ بِالصُّورَةِ وبِالتَّخْطِيطِ، فَإِنْ رَأَيْتَ ـــ جَعَلَنِيَ اللَّه فِدَاكَ ـــ أَنْ تَكْتُبَ إِلَيَّ بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ مِنَ التَّوْحِيدِ فَكَتَبَ إِلَيَّ: «سَأَلْتَ ـــ رَحِمَكَ اللَّه ـــ عَنِ التَّوْحِيدِ ومَا ذَهَبَ إِلَيْه مَنْ قِبَلَكَ، فَتَعَالَى اللَّه الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ، وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، تَعَالَى عَمَّا يَصِفُه الْوَاصِفُونَ الْمُشَبِّهُونَ اللَّه بِخَلْقِه، الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللَّه. فَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّه أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ فِي التَّوْحِيدِ مَا نَزَلَ بِه الْقُرْآنُ مِنْ صِفَاتِ اللَّه ـــ جَلَّ وعَزَّـــ فَانْفِ عَنِ اللَّه تَعَالَى الْبُطْلَانَ والتَّشْبِيه، فَلَا نَفْيَ ولَا تَشْبِيه، هُوَ اللَّه الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ تَعَالَى اللَّه عَمَّا يَصِفُه الْوَاصِفُونَ ولَا تَعْدُوا الْقُرْآنَ؛ فَتَضِلُّوا بَعْدَ الْبَيَانِ» [10].

فمعرفة التوحيد أشرف المعارف؛ لأشرفيّة موضوعها، وهو الذات المقدّسة لله تعالى، وفضلها على المعارف كفضل الشمس على الكواكب، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) في فضل معرفة الله تعالى: «لو يعلم الناسُ ما في فضل معرفة الله ـ عَزَّ وجلّ ـ ما مدّوا أعينَهم إلى ما متّع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقلّ عندهم ممّا يطؤونه بأرجلهم، ولنعموا بمعرفة الله  ـ جلَّ وعزَّ ـ وتلذّذوا بها تلذّذ من لم يزلْ في روضات الجِنان مع أولياء الله إنّ معرفة الله ـ عَزَّ وجلّ ـ أنسٌ من كلّ وحشةٍ، وصاحبٌ من كلّ وحدة، ونورٌ من كلّ ظلمة، وقوّةٌ من كلّ ضعف، وشفاءٌ من كلّ سُقم» [11].

﴿ربِّ اشرحْ لي صدري ويسّرْ لي أمري واحللْ عقدةً من لساني يفقهوا قولي﴾ [12].
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [13]، وفي موردٍ آخر يقول عزّ من قائل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [14]. تشير الآيتان إلى ضرورة فهم اللغة العربيّة لتعقّل مفاهيم القرآن الكريم التي يتضمّنها، وأهمّها التوحيد كما جاء في قوله تعالى:﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [15]، فأوّل ما علمه الرسول J، وقام بتبليغه هو التوحيد؛ من هنا لا بدّ من طرق باب اللغة لفهم معنى التوحيد لغةً.

تعريف التوحيد في اللغة
التوحيد مصدر تفعيل من وحدَ أو أوحدَ بمعنى فرد أو أفرد [16]، وأحد أصلها أوحَدَ [17]، أو وحَدَ [18] في لغة هذيل، حيث تقول: للوقاء إقاء، وللوعاء إعاء، وللوضاء إضاء... ويقال وحّدْ ربّك وأحَّدْ ربّك [19]، وكلّها يرجع إلى معنى الانفراد من حيث العدد أو الجنس أو النوع أو التركيب.

والواحد اسم فاعلٍ لفعل وحدَ أي المنفرد، مثله قال:
يـا واحـد العـرب الـذي 
مـا في الأنـام لـه نظيـر [20].

 وهو الذي لا ينقسم في وهمٍ ولا وجود، ويُطلق الواحد على العاقل وغيره، بينما الأحد وهو اسم فاعلٍ لفعل أوحَدَ لا يُطلق إلّا على العاقل، والمتوحِّد هو البليغ في الوحدانيّة كما المتكبّر هو البليغ في التكبّر، وقال الدريدي: ما اسْتَأحَدتُ بهذا الأمر أي ما انفردت به [21].

ذُكرت فروقٌ كثيرةٌ بين الواحد والأحد، وقد اقتصرتُ فيها على ما يكشف التداخل بينها، من تلك الفروق أنّ الواحد: الفرد الذي لم يزلْ وحْده، ولم يكن معه آخر. والأحد: الفرد الذي لا يتجزّأ، ولا يقبل الانقسام فالواحد: هو المتفرّد بالذات في عدم المثل، والأحد: المتفرّد بالمعنى [22]. فقد جاء في الأثر: «أنّ الله تعالى أحٌد توحّد بالتوحيد في توحيده» [23].  وهذا من لطيف كلامهم (صلوات الله عليهم)، قد ذكر الاسم وهو الأحد، والفعل وهو توحّد، والمصدر وهو التوحيد فيصير المعنى هو المنفرد الذي لا يتجزّأ، تفرّد بتوحيده فلا شريك له بتفرّده عن الأنداد الوجوديّة الخارجيّة، وفي تفرده بذاته أي أنّ ذاته بسيطة لا تتجزّأ، قد انفرد بها عن التركيب والتمثيل.

أقسام التوحيد من حيث الوجود
يقسّم التوحيد من حيث الوجود لدى الموحِّد إلى ذهنيّ وهو ما يُعبّر عنه بالتوحيد العلمي، وإلى قلبيّ وهو ما يُعبّر عنه بالتوحيد العملي، ويُعدّ التوحيد العلمي مقدّمةً لحصول التوحيد القلبي الذي هو توحيدٌ عملي يحصل بالتأمّل والتذكّر والارتياض القلبي؛ فكم من عالمٍ  صرف العمر في التوحيد العلمي وأهدر الوقت بالمطالعة والبحث والتعليم والتعلّم، ولكنّه لم يذق حلاوة التوحيد، وضيّع على نفسه فرصة التوحيد العملي، وقد وردت كثيرٌ من الآيات والروايات تذمّ من خالف عملُه علمَه، وقد عاتب الله تعالى هؤلاء بقوله:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ  ❁كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [24] .
وقد أشار القرآن الكريم في مواضع عدّة إلى التوحيد العلمي، من ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّه ُأَحَدٌ  ❁اللَّه ُ الصَّمَدُ  ❁لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ❁ وَلَمْ يَكُنْ لَه ُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [25]. فعن أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ اليهود سألوا رسولَ الله J فقالوا: انسبْ لنا ربَّك، فلبثَ ثلاثًا لا يُجيبُهم، ثم نزلَ قل هو الله أحد إلى آخرها» [26].  فالرواية تدلّ على المقام العلمي للتوحيد كما يظهر من مناسبة النزول، وذلك أنّ اليهود سألوا عن الربّ الذي يعبده النبيُّ J، ولم يسـألوا عن الربّ الذي يعبدونه. وهذا ما نجده واضحًا في رواية عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) حينما سُئل عن التوحيد؛ فعن عبد العزيز بن المهتدي قال: سألتُ الرضا (عليه السلام) عن التوحيد فقال: «كلُّ من قرأَ (قلْ هو اللهُ أحد) وآمن بها فقد عرفَ التوحيد»، قلتُ: كيف يقرؤها؟ قال: «كما يقرؤها الناسُ. وزادَ فيه: كذلك اللهُ ربّي» [27]. فالإمام (عليه السلام) في الرواية فرّق بين عمل الذهن وهو القراءة، وعمل القلب هو الإيمان، وبعبارةٍ اصطلاحيّة: فرّق بين التوحيد النظريّ الذي موقعه الذهن، والتوحيد العملي الذي موقعه القلب.

أمّا التوحيد العملي فقد أشار إليه أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) مستشهدًا بآية التسليم حيث رُويَ عن عدّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله الكاهلي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لو أن قومًا عبدوا اللهَ وحدَهُ لا شريكَ له، وأقاموا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ، وحجّوا البيتَ، وصاموا شهرَ رمضان، ثم قالوا لشيءٍ صنعَهُ اللهُ أو صنعَهُ رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ألا صنعَ خلافَ الذي صنعَ؟ أو وجدوا ذلك في قلوبِهم، لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا هذه الآيةَ: ﴿فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسِهم حرجًا مما قضيتُ ويسلّموا تسليمًا﴾ [28]. ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): عليكم بالتسليم» [29].

أقسام التوحيد من حيث الورود
يمكن تقسيم التوحيد من حيث الورود على الموحِّد إلى توحيدٍ فطريّ حضوريّ يُولد به الانسان، وإلى توحيدٍ حصوليّ يكتسبه من الرُسُل والأنبياء والأولياء (صلوات الله عليهم).

التوحيد الفطري
هو التوحيد التكوينيّ الذي يستوطن النفس بشكلٍ حضوريّ لا يُحتاج معه إلى تعلّمٍ أو تعليم، بنحوٍ يظهر في حالات الشدّة، وقد استعرض القرآن الكريم ذلك في آياتٍ كثيرةٍ منها: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [30].  فالآية تقابل الإخلاص بالشرك؛ ممّا يدلّ على أنّ الإخلاص وهو التوحيد الذي يظهر في أفق النفس عند الشدّة، ثمّ إذا ما زالت يرجع الناس إلى الشرك. فكلّ ما هو فطريّ لا يمكن سلبه عن النفس فلا تبديل لخلق الله. ويؤيّد ذلك كثيرٌ من الروايات التي دار محورها حول فطرة الله التي فطر الناس عليها. وهاك جملةً من الروايات يمكن الاستئناس بها في المقام:

الرواية الأولى
عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلَّ: ﴿فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها﴾ [31]. قال: «فطرَهم جميعًا على التوحيد» [32].

يبيّن الإمام (عليه السلام) تلك الحقيقة الثابتة والراسخة بشكلٍ واضحٍ لا لبسَ فيه، وهي التوحيد المفطور عليه الناس على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ومشاربهم؛ لذا تجد ذلك التوحيد متأصّلًا في أنفسهم وإنْ غابَ عنهم بسببٍ أو علّةٍ ما.

الرواية الثانية
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة عن زُرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾؟[33] قال: «الحنيفيّة من الفطرة التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها، لا تبديلَ لخلق الله، قال: فطرَهم على المعرفة به». قال زرارة: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾[34]؟ قال: «أخرجَ من ظهر آدم ذريّته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذَّر فعرفهم وأراهم نفسَه، ولولا ذلك لم يعرفْ أحدٌ ربَّه». وقال: «قال رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) :كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة، يعني المعرفة بأنّ الله عزَّ وجلَّ خالقُهُ، كذلك قوله:﴿ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله﴾[35]»[36]. القدر المتيقّن من الرواية هو فطريّة التوحيد مقابل الشرك المكتسب من البيئة التي يعيش فيها الإنسان بعد ولادته.

التوحيد الحصولي
يقصد به التوحيد المُكتسب عبر الرسُل والأنبياء والأولياء، وهو بمنزلة تفعيل التوحيد الفطري بعد تراكم الرين على قلوب المشركين، إذ يقول الله في محكم كتابه: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [37]. فالآية تحثّ الرسلَ والأنبياء والأولياء على المجاهدة لإيصال التوحيد إلى كلّ فرد ولو كره المشركون؛ فالتوحيد حقٌّ طبيعي للخلق من أجل وصوله إلى كماله المنشود، ويعدّ الشرك عائقًا أمام هذا الحقّ الطبيعي؛ لذلك يجب إزالته ولو كره المشرك نفسه، ولعلّ كلام العلّامة الطباطبائي (رحمه الله) في ميزانه يشير إلى ذلك بقوله: «ومن هناك يستشعر الفطن اللبيب: إنّه ينبغي أنْ يكون للإسلام حكم دفاعي في تطهير الأرض من لوث مطلق الشرك، وإخلاص الإيمان لله سبحانه وتعالى.... والقرآن وإنْ لم يشتمل من هذا الحكم على أمرٍ صريحٍ، لكنه يبوح بالوعد بيومٍ للمؤمنين على أعدائهم لا يتمّ أمره إلّا بإنجاز الأمر بهذه المرتبة، من القتال وهو القتال لإقامة الإخلاص في التوحيد، قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾[38]»[39].

كما أنّ الآية تدلّ على ظهور التوحيد على جميع ديانات الأرض، ولمّا كان الإسلام لم يظهر في حياة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على جميع ديانات الأرض؛ فهذه الآية المباركة من المبشّرات بظهور التوحيد في آخر الزمان على يد أولياء الله تعالى؛ وذلك مستفادٌ من بعض الروايات التي فسّر فيها الإمام (عليه السلام) تلك الآية حينما سئل عنها وهي: «حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكّل (رضي الله عنه) قال: حدّثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) في قول الله (عز وجل): ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾[40] ، فقال: «والله ما نزلَ تأويلُها بعد، ولا ينزلُ تأويلُها حتّى يخرجَ القائمُ (عليه السلام)، فإذا خرجَ القائمُ (عليه السلام) لم يبقَ كافرٌ بالله العظيم ولا مشركٌ بالإمام إلّا كره خروجَه حتّى أن لو كان كافرٌ أو مشركٌ في بطن صخرةٍ لقالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله» [41].

أقسام التوحيد من حيث الظهور
يقسّم التوحيد من حيث ظهور الذات الإلهيّة للخلق إلى ثلاثة أقسام: توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال؛ وذلك مستفادٌ من روايات عدّة أهمّها: رواية إبراهيم بن عمر: عن علي بن محمد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي ابن أبي حمزة، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ اسْمًا بِالْحُرُوفِ غَيْرَ مُتَصَوَّتٍ، وَبِاللَّفْظِ غَيْرَ مُنْطَقٍ، وَبِالشَّخْصِ غَيْرَ مُجَسَّدٍ، وَبِالتَّشْبِيهِ غَيْرَ مَوْصُوفٍ، وَبِاللَّوْنِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ، مَنْفِيٌّ عَنْهُ الأقْطَارُ، مُبَعَّدٌ عَنْهُ الْحُدُودُ، مَحْجُوبٌ عَنْهُ حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّمٍ، مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ، فَجَعَلَهُ كَلِمَةً تَامَّةً عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ مَعًا؛ لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ قَبْلَ الآخَرِ، فَأَظْهَرَ مِنْهَا ثَلاثَةَ أَسْمَاءٍ؛ لِفَاقَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهَا، وَحَجَبَ مِنْهَا وَاحِدًا وَهُوَ الاسْمُ الْمَكْنُونُ الْمَخْزُونُ، فَهَذِهِ الأسْمَاءُ الَّتِي ظَهَرَتْ، فَالظَّاهِرُ هُوَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَسَخَّرَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الأسْمَاءِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ؛ فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ رُكْنًا، ثُمَّ خَلَقَ لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا ثَلاثِينَ اسْمًا فِعْلًا مَنْسُوبًا إِلَيْهَا فَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ... » [42].

موضع الشاهد في الرواية: (فهذه الأسماء التي ظهرت). بل يمكن استفادة التقسيم من البسملة بالتقريب الآتي:
أوّلًا: لفظ الجلالة (الله) عبارةٌ عن اسم علمٍ ـ على أصحّ الأقوال ـ [43] للذات الإلهيّة وهو المعنى المحمول على الذات (والله) اسمٌ للذات الإلهيّة بلحاظ جامعيّته للنعوت الكماليّة كلّها [44]، فلو تتبّعنا ذلك في القرآن الكريم [45] والروايات[46] نجد الوحدة والأحديّة ملازمتين لاسم الجلالة (الله)، وهذا التلازم لا ينفكّ عن الذات الإلهيّة، المعبر عنها بأشهر أسمائها وهو (الله)؛ وبذلك يمكن القول بأنّ اسم (الله) يعبّر عن التوحيد الذاتي بخلاف باقي الأسماء.
ثانيًا: لفظ الرحمن اسمٌ لله مشتقٌّ من صفة الرحمة على وزن فعلان بمعنى الكثرة والعموم، وكانت العرب تنفرد بتسمية الله تعالى بالرحمن « أنّه يقال للرجل: رحيم القلب، ولا يقال: الرحمن...»[47]. وبذلك ينطبق عليه ضابط صفات الذات التي استفيد من بعض الروايات منها: عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَوْ قُلْتُ لَه: جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ نَعْبُدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ الْوَاحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ؟ قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمُسَمَّى بِالأَسْمَاءِ أَشْرَكَ وكَفَرَ وجَحَدَ، ولَمْ يَعْبُدْ شَيْئًا، بَلِ اعْبُدِ اللَّه الْوَاحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ الْمُسَمَّى بِهَذِه الأَسْمَاءِ دُونَ الأَسْمَاءِ؛ إِنَّ الأَسْمَاءَ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَه» [48].  موضع الشاهد فيها هو (إِنَّ الأَسْمَاءَ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَه). فصفة الرحمة الواسعة اللامتناهيّة ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾[49]، حُملت على الذات المقدّسة لله تعالى التي لا يحدّها حدٌّ، وهي التي تشير مع تعدّدها إلى كمال الذات فسمّي بالرحمن؛ ولذلك هي صفة ذاتٍ لا صفة فعلٍ، وهذا ما ذهب إليه بعض الأفاضل بقوله: «فالمحصول ممّا قدمناه للحدّ: أنّ (الرحمن) تارةً يطلق ويكون علمًا مسلوبًا عنه الوصفيّة، كقوله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾[50]، وأخرى يطلق ويراد منه المعنى الوصفي، كقوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾[51]، ولمكان كثرة إطلاقه على الذات حتى صار علمًا لها لا يتّصل بالمرحوم، ولا يؤنس منه ذلك»[52].

ويؤيّد ذلك استعمال القرآن الكريم الرحمة في موارد النور، وليس في موارد التفضل والإنعام فقط المقابلين للمنع والحرمان: كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ...﴾ [53]. وفي آيةٍ أخرى يقول الله تعالى: ﴿وَلَمَّا سَكتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾[54]. من خلال مقابلة الآيتين نجد أنّ النور عبر عنه بالرحمة، والعكس صحيح. وبما أن ذات الله تعالى نور لا ظلمة فيها كما جاء عن أهل العصمة %: «...والنعوت نعوتُ الذات لا تليقُ إلّا باللهِ تبارك وتعالى، والله نورٌ لا ظلامَ فيه...» [55]. كما يستفاد من بعض الروايات أنّ من مصاديق الرحمة العلم؛ فعن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن حمّاد بن عثمان عن أبي عُبيدة الحَذّاء عن أبي جعفر (عليه السلام) حديث طويل يقول (عليه السلام) فيه: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [56] يقول: «علم الإمام، ووسع علمه الذي هو من علمه كلّ شيءٍ هم شيعتنا، ثم قال: (فسأكتبها للذين يتّقون) يعني ولاية غير الإمام وطاعته»[57]. تحصّل ممّا سبق أنّ لفظ الرحمن صفة ذاتٍ، وبذلك يصبح عنوانًا للتوحيد الصفاتي.
ثالثًا: لفظ الرحيم اسم لله تعالى مشتقٌّ من صفة الرحمة على وزن فعيل بمعنى ثبوت النعمة والتفضّل لمتعلّقها؛ ولذلك ذكر القرآن الكريم متعلّق الرحيم كما في قوله تعالى: ﴿... وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [58]. بخلاف الرحمن كما في قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [59]، وبذلك تكون الرحمة في لفظ الرحيم من صفات الفعل لا من صفات الذات؛ فيصبح لفظ الرحيم عنوانًا للتوحيد الأفعالي.
من خلال ما تقدّم تحصّل لدينا بأنّ البسملة عبارةٌ عن التوحيد الذاتي المعبَّر عنه بلفظ الجلالة (الله)، والتوحيد الصفاتي المعبَّر عنه في لفظ (الرحمن)، والتوحيد الأفعالي المعبَّر عنه في لفظ (الرحيم) من هنا تفهم عناية القرآن الكريم الشديدة بها، وتصدّرها أوائل السور ما عدا سورة براءة؛ إذ علل ذلك كون البسملة فيها رحمة عامة، والسورة داعية إلى قتل المشركين. فقد ورد في الأثر أنّ البسملة أعظم آيةٍ في كتاب الله: عن خالد بن مختار قال: سمعت جعفر بن محمد (عليه السلام)يقول: «ما لهم قاتلهم الله؟! عمدوا إلى أعظم آيةٍ في كتاب الله، فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها، وهي بسم الله الرحمن الرحيم» [60]. وفي بعض ما جاء في الروايات بأنّ كلّ أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ بالبسملة فهو أبتر. كيف لا؟! والبسملة عنوان التوحيد الأتم، ولم ينزل كتاب من السماء إلّا افتتح بالبسملة منها: عن الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) في تفسيره (المنسوب إليه): عن آبائه عن علي (عليه السلام) - في حديث - أنّ رجلًا قال له: إنْ رأيت أنْ تعرّفني ذنبي الذي امتحنت به في هذا المجلس، فقال: «تركك حين جلست أنْ تقول: بسم الله الرحمن الرحيم إنّ رسول الله J حدّثني عن الله (عَزَّ وجلَّ) أنّه قال: كلّ أمرٍ ذي بالٍ لا يُذكر بسم الله فيه فهو أبتر»[61].

ونختم بمؤيِّدٍ لِما سقناه، بروايةٍ جليلةٍ عن أبي عبد الله (عليه السلام) اقتبستُ منها موضع الحاجة وإنْ كانت الرواية تستحقّ بحثًا بحدّ ذاتها: «هُوَ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى .... فَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ...... وهَذِه الأَسْمَاءُ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ وحَجَبَ الِاسْمَ الْوَاحِدَ الْمَكْنُونَ الْمَخْزُونَ بِهَذِه الأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ وذَلِكَ قَوْلُه تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَه الأَسْماءُ الْحُسْنى﴾ [62]» [63]. فقد استفاد الإمام (عليه السلام)تلك الأسماء الثلاثة من الآية المباركة؛ فيتحصّل بأنّ تلك الأسماء الثلاثة هي الله والرحمن المذكورين بنصٍّ صريحٍ في الآية المباركة، والرحيم على رأس تلك الأسماء الحسنى كما في الرواية حيث ذكر الإمام (عليه السلام) الأسماء التي ظهرت بالتتابع.

بعد الاستدلال على منهجيّة التقسيم نأتي على ذكر كلّ قسمٍ من التوحيد:
التوحيد في الذات
يقصد به أنّ ذات الله تعالى واحدةٌ بالوحدة الحقيقيّة الحقّة القاهرة للوحدة العدديّة وكثرتها؛ لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ [64]. وقد فُسِّر الحقُّ بالتوحيد كما أورده الشيخ الطوسي (رحمه الله): « أخبر الله تعالى بأنّ له (عَزّ وجلَّ) دعوةَ الحقّ. وقيل في معناه ثلاثة أقوال: أحدها قال ابن عبّاس وقتادة وابن زيد: إنّها شهادة أنْ لا إله على إخلاص التوحيد»[65]. وهذا ما يميل إليه العلّامة الطباطبائي (رحمه الله) في ميزانه بقوله: «فأنّه تعالى حقّ بحقيقة معنى الكلمة مستقلًّا بذلك لا حقّ غيره إلّا ما حقّقه هو، وأنّ ما يدعون من دونه ـ وهي الأصنام بل كلّ ما يُركن إليه ويُدعى للحاجة من دون الله ـ هو الباطل لا غيره؛ إذ مصداق غيره هو الله سبحانه فافهم ذلك»[66].

كما يستفاد من قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ [67] الوحدة الذاتيّة. وردًّا لفكرة التثليث قال تعالى: ﴿لقد كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [68]. فالله تعالى أحديّ الذات لا ينقسم في وجودٍ، ولا في وهمٍ، ولا في عقلٍ؛ لقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [69].

من خلال ما تقدّم يمكن تقسيم التوحيد في الذات إلى التوحيد الواحدي والتوحيد الأحدي:

التوحيد الواحدي
يقصد به التوحيد بالوحدة الحقّة لا بالوحدة العدديّة كما تقدّم، وقد زخرت آيات القرآن الكريم بواحدنيّة الله تعالى؛ حيث جاءت عبارة ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ من خلال تتبعي نحو خمسة عشر موردًا في القرآن الكريم[70]،  فضلًا عن عباراتٍ مختلفةٍ تفيد معنى التوحيد الواحدي؛ فالضمير المنفصل هو ضمير الشأن على أرجح الأقوال[71] بمعنى أنّ ذات الله تنفرد في احتجابها عن الإدراك، وبذلك يدلّ (هو) مع الحصر على الوحدة الحقّة الذاتيّة، وقد اُستدلّ عليها بالعديد من الآيات منها قوله تعالى: ﴿َلقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾[72]

لذلك ردّ الله تعالى القول بالتثليث، ولكي نفهم الوحدة الذاتيّة لا بدّ من فهم التثليث وهو أنّ القائلين به يعتقدون بوحدانيّة الله تعالى بالوحدة العدديّة، ولكنّهم لا ينفون عنه الكثرة الذاتيّة، وهذا ما فصّله العلّامة الطباطبائي بقوله: «ردًّا منه تعالى لقولهم: (إنّ الله ثالثُ ثلاثةٍ) بأنّ الله سبحانه لا يقبل بذاته المتعالية الكثرة بوجهٍ من الوجوه؛ فهو تعالى في ذاته واحد، وإذا اتّصف بصفاته الكريمة وأسمائه الحسنى لم يزد ذلك على ذاته الواحدة شيئًا، ولا الصفة إذا أضيفت إلى الصفة أورث ذلك كثرةً وتعدّدًا؛ فهو تعالى أحديّ الذات لا ينقسم لا في خارجٍ، ولا في وهمٍ، ولا في عقل؛ فالمعنى: ليس في الوجود شيءٌ من جنس الإله أصلًا إلّا إله واحد نوعًا من الوحدة لا يقبل التعدّد أصلًا، لا تعدّد الذات ولا تعدّد الصفات، لا خارجًا ولا فرضًا، ولو قيل: وما من إلهٍ إلّا الله الواحد لم يدفع به قول النصارى: ﴿إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾؛ فإنّهم لا ينكرون الوحدة فيه تعالى، وإنّما يقولون: إنّه ذات واحدة لها تعيّن بصفاتها الثلاث، وهى واحدةٌ في عين أنّها كثيرة حقيقة»[73].

ويصف القرآن الكريم تلك الوحدة بالقهّارية في المواضع الآتية:

﴿...قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [74].
﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [75].
﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [76].
﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [77].
يشير القرآن الكريم إلى الوحدة القهّارية التي تقهر العدد والجنس والنوع والتركيب وكلّ ما ينتزعه الذهن، وهي الوحدة الحقّة وما دونها الباطل، فهذه الآيات تصرّح بأجمعها بأنّ وحدته تعالى وحدةٌ قاهرةٌ لا مقهورة بالوحدة العدديّة ولا النوعيّة؛ فالقرآن الكريم يثبت تلك الوحدة المطلقة التي لا يمكن فرض أيّ تمايزٍ عنها لا في الذات ولا في الصفات؛ فذاته عين صفاته، وكلّ صفةٍ مفروضة له عين الأخرى؛ لعدم وجود حدٍّ يحدّها لا في الذهن ولا في الخارج، وذلك مستفاد من مجموع التفاسير لتلك الآيات.
وقد ظهرت تلك الوحدة القهّارية الموجودة في الأذهان على الألسن رغم الحجب الغليظة كما جاء في رواية: عَلِيّ بْن مُحَمَّدٍ ومُحَمَّدُ بْن الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ومُحَمَّدُ بْن يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى جَمِيعًا عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الثَّانِيَ (عليه السلام) مَا مَعْنَى الْوَاحِدِ، فَقَالَ: «إِجْمَاعُ الأَلْسُنِ عَلَيْه بِالْوَحْدَانِيَّةِ كَقَوْلِه تَعَالَى: ﴿ولَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾[78]» [79].

كما فسر الإمام (عليه السلام) تلك الوحدة وأبان الفرق بين الوحدة الإلهيّة والوحدة المألوهيّة بقوله: «فَالإِنْسَانُ وَاحِدٌ فِي الِاسْمِ، ولَا وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى، واللَّه جَلَّ جَلَالُه هُوَ وَاحِدٌ لَا وَاحِدَ غَيْرُه، لَا اخْتِلَافَ فِيه، ولَا تَفَاوُتَ، ولَا زِيَادَةَ ولَا نُقْصَانَ، فَأَمَّا الإِنْسَانُ الْمَخْلُوقُ الْمَصْنُوعُ، الْمُؤَلَّفُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وجَوَاهِرَ شَتَّى غَيْرَ أَنَّه بِالاجْتِمَاعِ شَيْءٌ وَاحِدٌ.. »[80].فالله تعالى واحدٌ محضٌ لا يقبل التعدّد، والتكثّر، والتركّب، أو غيرها.
وفي سياق نفي الكثرة الذاتيّة فسّر الإمام (عليه السلام) قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾[81]، بإثبات الوحدة الذاتيّة. عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ ﴾[82] فقال: «هو واحدٌ وأَحَديُّ الذات، بائنٌ من خلقه، وبذاك وصف نفسه: ﴿وهو بكلّ شيء محيط ﴾ [83] بالإشراف والإحاطة والقدرة، ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ﴾[84] بالإحاطة والعلم لا بالذات؛ لأنّ الأماكن محدودة تحويها حدود أربعة فإذا كان بالذات لزمها الحواية» [85].
يشير الإمام (عليه السلام) إلى الإشكال الذي قد يرد في ذهن السائل حول وحدانيّة الله تعالى، فيستفاد من جواب الإمام (عليه السلام) أنّ ذات الله واحدةٌ قاهرةٌ لوحدة العدد وتكثّره، كما هو أحديُّ الذات بائنٌ عن الممكنات، محيطٌ بها بقدرته وعلمه لا بذاته، وإلّا كانت محدودة بمعلومه ومقدوره، وهذا ما أوضحه  أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك الأعرابي حينما سأله: «حدّثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله تعالى عنه) قال: حدّثنا محمّد بن سعيد بن يحيى البزوري، قال: حدّثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، قال: حدّثنا أبي، عن المعافى بن عمران، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه قال: إنّ أعرابيًّا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أتقول: إنّ الله واحد؟ قال: فحمل الناس عليه، وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسّم القلب؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «دَعُوه؛ فإنّ الذي يريده الأعرابي هو الذي

نريده من القوم، ثم قال: يا أعرابي إنّ القول في أنّ الله واحدٌ على أربعة أقسام، فوجهان منها لا يجوزان على الله (عزَّ وجلّ)، ووجهان يثبتان فيه، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: (واحد)، يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز؛ لأنّ ما لا ثانيَ له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنّه كفر من قال: (إنه ثالث ثلاثة)؟ وقول القائل: (هو واحدٌ من الناس) يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز؛ لأنّه تشبيه، وجلَّ ربُّنا وتعالى عن ذلك... »»[86].

التوحيد الأحدي
يقصد به بأنّ ذات الله تعالى لا تقبل الانقسام، لا في وجود، ولا في عقل، ولا في وهم، كما ورد في بعض الروايات: «وقول القائل: إنّه عزَّ وجلَّ أحديّ المعنى، يعني به أنّه لا ينقسم في وجودٍ ولا عقلٍ ولا وهمٍ، كذلك ربّنا عزَّ وجلَّ»[87].  وقد عُبّر عن ذلك بأنّه تعالى (صمدي الذات)؛ وذلك مستفاد من الرواية التالية: عن محمد بن أبي عمير، عن هارون بن عبد الملك، قال: سُئل أبو عبد الله A عن التوحيد، فقال: «هو عزَّ وجلَّ مثبت موجود، لا مبطل ولا معدود، ولا في شيءٍ من صفة المخلوقين، وله عزَّ وجلَّ نعوت وصفات، فالصفات له، وأسماؤها جارية على المخلوقين مثل السميع والبصير والرؤوف والرحيم وأشباه ذلك، والنعوت نعوت الذات لا تليق إلّا بالله تبارك وتعالى، والله نورٌ لا ظلامَ فيه، وحيُّ لا موتَ له، وعالمٌ لا جهلَ فيه، وصمدٌ لا مدخلَ فيه، ربّنا نوريُّ الذات حيُّ الذات، عالمُ الذات، صمديُّ الذات» [88].

ومن الآيات التي تم الاستدلال بها على التوحيد الأحدي قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ❁اللَّهُ الصَّمَدُ❁لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ❁وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [89]. تثبت السورة التوحيدَ الأحديّ بنفي التركيب عنه سبحانه وتعالى وإثبات بساطته؛ فالآية الأولى تفيد نفي التركيب، والآية الأخيرة تنفي التعدّد، وبذلك تكون السورة قد نفت عن ذات الله تعالى التركيب والتعدّد، وإلا يلزم التكرار وهو محال في كلام الله تعالى. وهو ما أشار إليه العلّامة الطباطبائي في تفسيره للسورة: «وأحد وصفٌ مأخوذٌ من الوحدة كالواحد، غير أنّ الأحد إنّما يطلق على ما لا يقبل الكثرة لا خارجًا ولا ذهنًا؛ ولذلك لا يقبل العدّ، ولا يدخل في العدد، بخلاف الواحد؛ فإنّ كلّ واحدٍ له ثانٍ وثالث إمّا خارجًا وإمّا ذهنًا بتوهم أو بفرض العقل فيصير بانضمامه كثيرًا، وأمّا الأحد فكلّ ما فرض له ثانيًا كان هو هو لم يزد عليه شيء»[90].
وقد ورد في شرح السورة عن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن تفسيرها بأنّ الله تعالى أحد بالنسبة لخلقه بمعنى أنّ الحوادث لا تجري عليه كما تجري على المخلوقين من التركيب والتكثير والانفعال والتفاعل: «وإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَسْتَفِزُّه شَيْءٌ فَيُغَيِّرَه» [91]. فذاته أحديّة ليس كمثله شيءٌ، صمديّة لا يحتاج لقيمومته أحدًا، لم يلد فيورث بالألوهيّة، ولم يولد فيشارك بالربوبيّة، ولم يكن له مثيل فيقاسم بالعبوديّة، كما جاء عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن حمّاد بن عمرو النصيبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألت أبا عبد الله عن قل هو الله أحد فقال: «نِسْبَةُ الله إِلَى خَلْقِهِ، أَحَدًا صَمَدًا أَزَلِيًّا صَمَدِيًّا، لا ظِلَّ لَهُ يُمْسِكُهُ، وَهُوَ يُمْسِكُ الأشْيَاءَ بِأَظِلَّتِهَا، عَارِفٌ بِالْمَجْهُولِ، مَعْرُوفٌ عِنْدَ كُلِّ جَاهِلٍ، فَرْدَانِيًّا لا خَلْقُهُ فِيهِ وَلا هُوَ فِي خَلْقِهِ، غَيْرُ مَحْسُوسٍ وَلا مَجْسُوسٍ، لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ، عَلا فَقَرُبَ، وَدَنَا فَبَعُدَ، وَعُصِيَ فَغَفَرَ، وَأُطِيعَ فَشَكَرَ، لا تَحْوِيهِ أَرْضُهُ وَلا تُقِلُّهُ سَمَاوَاتُهُ، حَامِلُ الأشْيَاءِ بِقُدْرَتِهِ، دَيْمُومِيٌّ أَزَلِيٌّ، لا يَنْسَى وَلا يَلْهُو، وَلا يَغْلَطُ وَلا يَلْعَبُ، وَلا لإرَادَتِهِ فَصْلٌ، وَفَصْلُهُ جَزَاءٌ، وَأَمْرُهُ وَاقِعٌ، لَمْ يَلِدْ فَيُورَثَ، وَلَمْ يُولَدْ فَيُشَارَكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» [92].

التوحيد في الصفات
يقصد به أنّ صفاته تعالى الأزليّة عين ذاته، لا كما نُسب إلى الأشاعرة [93] الذين قالوا بأنّ صفاته تعالى الأزليّة زائدةٌ على الذات. ولولا روايات أهل البيت % لخفي علينا ذلك، وأبرز دليلٍ على المدعى هو الاختلاف بين علماء الكلام والفلاسفة في التفريق بين صفات الذات وصفات الفعل، ويُعدّ محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) من الأوائل[94] الذين فصّلوا في هذا المضمار اعتمادًا منه على روايات أهل البيت %، إذ استنبط منها الضابط المائز بين صفات الذات وصفات الفعل، بكون صفات الذات تنفي عنه تعالى بكلّ صفةٍ ضدها، وصفات الفعل وضدها ثابتة له تعالى وجودًا حيث يقول: «إنّ كلّ شيئين وصفت الله بهما، وكانا جميعًا في الوجود فذلك صفة فعل، وتفسير هذه الجملة: أنّك تثبت في الوجود ما يريد وما لا يريد، وما يرضاه وما يسخطه، وما يحب وما يبغض، فلو كانت الإرادة من صفات الذات مثل العلم والقدرة كان ما لا يريد ناقضًا لتلك الصفة، ولو كان ما يحب من صفات الذات كان ما يبغض ناقضًا لتلك الصفة، ألا ترى أنّا لا نجد في الوجود ما لا يعلم وما لا يقدر عليه، وكذلك صفات ذاته الأزلي لسنا نصفه بقدرةٍ وعجزٍ [ وعلمٍ وجهلٍ وسفهٍ وحكمةٍ وخطاءٍ وعزٍّ ] وذلةٍ»[95].

بينما نجد الفلاسفة يقومون بالتمييز بينها على أساس انتزاع صفة الذات من فرض الذات فقط، أمّا صفات الفعل فهي ما تحتاج في تحقّقها إلى فرض تحقّق الغير مسبقًا كالخالقيّة والرازقيّة؛ فلا يمكن انتزاعهما ما لم يكن هناك ما يخلقه ويرزقه، وهذا ما يستفاد من كلام العلّامة الطباطبائي (رحمه الله): «تنقسم الصفات إلى صفات الذات، وهي التي يكفي في انتزاعها فرض الذات فحسب، وصفات الفعل وهي التي يتوقف انتزاعها على فرض الغير، وإذ لا موجود غيره (تعالى) إلّا فعله؛ فالصفات الفعليّة هي المنتزعة من مقام الفعل»[96].
تبين ممّا سبق الفرق بين الصفات الذاتيّة والصفات الفعليّة، وهو أنّ الصفات الذاتيّة قديمةٌ أزليّةٌ غير متناهية؛ لأنّها عين الذات كالعلم والقدرة، أما الصفات الفعليّة فهي حادثةٌ بحدوث الفعل وزائدةٌ على الذات كالتكلّم والمشيئة. وقد اُستدل على عينيّة الصفات الذاتيّة الأزليّة وغيريّة الصفات الفعليّة الحادثة برواياتٍ أهمها:
الرواية الأولى: عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) يَقُولُ: «لَمْ يَزَلِ اللَّه عَزَّ وجَلَّ رَبَّنَا والْعِلْمُ ذَاتُه ولَا مَعْلُومَ، والسَّمْعُ ذَاتُه ولَا مَسْمُوعَ، والْبَصَرُ ذَاتُه ولَا مُبْصَرَ، والْقُدْرَةُ ذَاتُه ولَا مَقْدُورَ، فَلَمَّا أَحْدَثَ الأَشْيَاءَ، وكَانَ الْمَعْلُومُ وَقَعَ الْعِلْمُ مِنْه عَلَى الْمَعْلُومِ، والسَّمْعُ عَلَى الْمَسْمُوعِ، والْبَصَرُ عَلَى الْمُبْصَرِ، والْقُدْرَةُ عَلَى الْمَقْدُور«. قَالَ: قُلْتُ: فَلَمْ يَزَلِ اللَّه مُتَحَرِّكًا؟ قَالَ: فَقَالَ: «تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ؛ إِنَّ الْحَرَكَةَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ بِالْفِعْلِ« قَالَ: قُلْتُ: فَلَمْ يَزَلِ اللَّه مُتَكَلِّمًا؟ قَالَ: فَقَالَ «إِنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ لَيْسَتْ بِأَزَلِيَّةٍ كَانَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ ولَا مُتَكَلِّمَ» [97]. نجد أنّ الرواية قسّمت الصفات الإلهيّة إلى أزليّة لا تنفك عن ذاته المقدّسة، وإلى حادثة كالتكلّم والإرادة التي تكون الصفة مشتقّة من الفعل المُحدَث من الله تعالى.

الرواية الثانية: مُحَمَّد بْن يَحْيَى الْعَطَّارُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الأَشْعَرِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ الأَهْوَازِيِّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) قَالَ: قُلْتُ: لَمْ يَزَلِ اللَّه مُرِيدًا؟ قَالَ: «إِنَّ الْمُرِيدَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمُرَادٍ مَعَه، لَمْ يَزَلِ اللَّه عَالِمًا قَادِرًا ثُمَّ أَرَادَ» [98]. تدلّ الرواية بنصٍّ صريحٍ على أنّ الإرادة من الصفات الفعليّة الحادثة بخلاف مشهور الفلاسفة [99].

خلاصة الكلام: الصفات على قسمين: منها صفات أزلّية تُحمل على الذات وتكون عينها كالعلم والقدرة والحياة، ومنها صفات فعليّة حادثة تصدق على الذات صدقًا حقيقيًّا مضافة إلى غيره كإرادة الخلق والرزق بغض النظر عن وجود المخلوق والمرزوق.

التوحيد الأفعالي
هو العلم بأنّ ما من فعلٍ في هذا الوجود يخرج عن إرادة الله تعالى سواء كان تكوينيًّا أم اختياريًّا، علّةً كان أم معلولًا، مجردًا كان أم ماديًّا، مدرَكًا كان أم غير مدرَك. وقد عرّف بعض الأفاضل التوحيد الأفعالي بقوله: «والمراد به هو المعرفة بأنّ كلّ ما يقع في العالم من العلل والمعلولات، والأساليب والمسبّبات، والنظامات العاديّة وما فوقها، يقع بإرادته في حدوثه وبقائه وتأثيره، فكلّ شيء قائم به، وهو القيّوم المطلق، ولا حول ولا قوّة ولا تأثير إلّا به وبإذنه»[100].

لم يؤمن المشركون بالتوحيد الأفعالي بمرتبة التوحيد في الألوهيّة والربوبيّة لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا﴾[101]. ولكنّهم كانوا يعتقدون بالتوحيد في الخالقيّة لقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[102]. فأسندوا إلى آلهتهم الألوهيّة والربوبيّة بمعنى العبادة والتدبير كما في قوله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[103].

بينما أشرك اليهود والنصارى في التوحيد الذاتي كما في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[104]. ووقعت الأشاعرة في شركٍ خفّي إذ قالت بأنّ صفاته تعالى الأزليّة زائدة على الذات، ومن ثَمّ أشركت من حيث وحدّت؛ فعبدت الصفة لا الموصوف.
يعدّ التوحيد الأفعالي مظهرًا للتوحيد الصفاتي الذي بدوره يكون مظهرًا للتوحيد الذاتي، فلا يكفي الاعتقاد بالتوحيد الذاتي من دون الصفاتي والأفعالي، وبعبارة أخرى لا يكتمل إيمان من فكّك في الاعتقاد بين التوحيد الذاتي والصفاتي والأفعالي. ويتفرّع عن التوحيد الأفعالي مراتب مثل التوحيد في الألوهيّة والخالقيّة والربوبيّة والتشريع: ويُقصد به انحصار العبادة والخلق والتدبير والتشريع بالله تعالى، فلا يشاركه فيها أحدٌ لقوله تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [105].  فهذه الآية المباركة شملت التوحيد في الذات (لا إله إلا هو)، والتوحيد في الربوبيّة (ربّكم)، والتوحيد في الخالقيّة (خالق كلّ شيء)، والتوحيد في الألوهيّة (فاعبدوه)، والتوحيد في الحاكميّة، والتدبير، والتشريع (وهو على كلّ شيءٍ وكيل)، أي هو القائم على كلّ شيء، المدبّر لأمره، الناظم لوجوده وحياته تكوينًا وتشريعًا، ويستحيل وجود تلك الصفات في غيره؛ لأنّه تعالى رحمن وسعت رحمته كلّ شيء، ورحيم بخلقه تكوينًا وتشريعًا كما في قوله تعالى: ﴿وإلهُكُم إلهٌ واحدٌ لا إله إلاّ هُوَ الرحمنُ الرحيم﴾ [106]. هذا في الإجمال، أمّا في التفصيل فيقال:

التوحيد في الألوهيّة
يقصد به خلوص العبادة لله تعالى لا يشاركه فيها أحدٌ؛ لقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ...﴾ [107]. فلفظ الجلالة الله  مشتقٌّ من الإله، وهو المستحقّ للعبادة على قول، ولا تحقّ العبادة إلّا له، فقد ورد في معنى الله تعالى عن: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن أسماء الله واشتقاقها: الله ممّا هو مشتقّ؟ قال: فقال لي: «يا هشام الله مشتق من إله والإله يقتضي مألوهًا، والاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئًا، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام؟». قال: فقلت: زدني قال: «إنّ لله تسعة وتسعين اسمًا فلو كان الاسم هو المسمّى لكان كلّ اسمٍ منها إلهًا، ولكن الله معنى يدلّ عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره» [108]. موضع الشاهد قول الإمام (عليه السلام): (فمن عبد الاسم) يدلّ على كون معنى الله تعالى هو المعبود، كما تدلّ الرواية على وحدة الألوهيّة في ذات الله تعالى وإنْ تعدّدت أسماؤه (جلّ وعلا)، وذلك لتفصيل الإمام (عليه السلام) بأنّ لله تسعة وتسعين اسمًا كلّها ترجع بمعانيها إلى الله تعالى وكلّها غيره.

التوحيد في الربوبيّة
يراد منه أنّ للكون مدبّرًا ومتصرفًا واحدًا لا يشاركه في التدبير شيءٌ، فهو سبحانه المدبّر للعالم، وأنّ تدبير الملائكة وسائر الأسباب إنّما هو بأمره سبحانه، وهذا على خلاف ما ذهب إليه أكثر المشركين؛ إذ كانوا يعتقدون بأنّ ما يرتبط بالله سبحانه وتعالى هو الخلق والإيجاد والإبداع، وأمّا تدبير الأنواع والكائنات الأرضيّة فقد فوّض إلى الأجرام السماويّة والملائكة والجن وسائر الموجودات الروحيّة وغير ذلك ممّا تحكي عنه الأصنام المعبودة، وليس لله سبحانه أيّ سلطةٍ في أمر تدبير الكون وإدارته وتصريف شؤونه، وقد نصّ القرآن الكريم صراحةً على ربوبيّة الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾[109]. فالآية تشمل التوحيد في الألوهيّة (الله)، والربوبيّة (ربّكم)، والخالقيّة (خلق)، ومتعلّق الربوبيّة التدبير ومتعلّق الألوهيّة العبادة، وبذلك تمت الدلالة.

كذلك في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ [110]. تشير الآية إلى نظم الله تعالى لخلقه من حيث المكان كرفع السماء بغير عمدٍ نراها، ثم الاستواء على العرش لاستقرارها أي بمعنى أنّ الله يدبّر أمر السماء حدوثًا وبقاءً، ثم يسخّر الشمس والقمر لنظم الزمان بعد نظم المكان، ثم يدبّر الأمر بينهما من التشريعات والقوانين التي تحفظ الغرض من الخلق، ويفصّل الآيات لهداية خلقه إلى كمالهم المنشود تبارك الله أحسن الخالقين.

الخاتمة 
يجب على المكلّف معرفة الله تعالى [111]، بمعنى توحيده تعالى ذاتًا وصفاتٍ وأفعالًا [112]، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنّه واحدٌ في ذاته ووجوب وجوده، كذلك يجب توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأنّ صفاته عين ذاته وبالاعتقاد بأنّه لا شبه له في صفاته الذاتيّة، فهو في العلم والقدرة لا نظير له، وفي الخلق والرزق لا شريك له، وفي كلّ كمالٍ لا ندَّ له ويكون مستقلًّا في أفعاله وذاته بخلاف غيره تعالى.
كما أنّ نفي النظير والشبيه لا يختصّ بذاته وصفاته الذاتيّة، بل لا نظير له في صفاته الفعليّة كالخلق والرزق، فإنّ كلّ ما في الوجود منه تعالى وليس لغيره شيء إلّا بإذنه، فلا خالق ولا رازق بالاستقلال إلّا هو كما نصّ عليه بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [113]، ﴿بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ [114]. ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ [115]، ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [116].

ولا ينافيه إسناد تدبير الأمر إلى غيره في قوله تعالى: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ [117]؛ لأنّ تدبيرها بإذنه وإرادته وينتهي إليه، فالنظام في عين كونه مبنيًّا على الأسباب والمسبّبات يقوم به تعالى في وجوده وفاعليته، فالملائكة مثلًا لا يفعلون شيئًا إلّا بأمره وإرادته، ويكونون رسلًا منه كما أشار إليه في قوله: ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [118]
يجب توحيده تعالى في العبادة، فلا تجوز عبادة غيره بوجهٍ من الوجوه، وكذا لا يجوز إشراكه في العبادة في أيّ نوعٍ من أنواع العبادة واجبةً كانت أم مستحبّة، في الصلاة وغيرها من العبادات. ومن أشرك في العبادة غيره دون اعتقاده بالتوحيد الذاتي فهو مشركٌ، وأمّا من أشرك في العبادة مع الاعتقاد بالتوحيد الذاتي فهو بمنزلة المشرك كمن يرائي في عبادته ويتقرّب إلى غير الله تعالى، فهو بمنزلة الكافر كما ورد في الأثر [119]. وعدّ الفقهاء ذلك من الشرك الخفي المحبط لعمل صاحبه [120]، ولا يوجب خروج معتقده عن زمرة أهل التوحيد، والمعتقد به لا يعلم أنّه ينافي التوحيد الأفعالي، وهو أمرٌ يبتلى به أكثر المؤمنين كما أشار إليه في كتابه الكريم بقوله: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [121].
كما يجب على المكلَّف الاجتناب عن سائر صنوف الشرك الخفي كإطاعة هوى النفس في فجورها، والطاغوت، والشيطان ممّا يشير إليه قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾[122]، ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ...﴾ [123]، ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ [124].

فالموحّد الحقيقي هو الذي خصّ الله تعالى بالعبادة ولم يشرك به شيئًا، ويجتنب الطاغوت بكافة أشكاله؛ فليراقب المؤمن نفسه كمال المراقبة في الشرك الخفي فإنّ الابتلاء به كثير، وتمييزه دقيق؛ فقد ورد عن رسول الله J: «الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أنْ يحب على شيءٍ من الجور ويبغض على شيءٍ من العدل، وهل الدين إلّا الحبّ والبغض في الله، قال الله تعالى: ﴿قل إنْ كنتم تحبّون اللهَ فاتّبعوني يُحببكم الله﴾[125]» [126]. وقد ورد مثله عن أبي محمد الحسن العسكري (عليه السلام): عن سعد بن عبد الله عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا محمّد (عليه السلام) يقول: «من الذنوب التي لا تُغفر قولُ الرجل ليتني لا أُؤاخذ إلّا بهذا». فقلت في نفسي: إنّ هذا لهو الدقيق، ينبغي للرجل أنْ يتفقد من أمره ومن نفسه كل شيء، فأقبل علي أبو محمد (عليه السلام) فقال: «يا أبا هاشم صدقتَ، فالزمْ ما حدّثتَ به نفسَك فإنّ الإشراك في الناس أخفى من دبيب الذَّر على الصفا في الليلة الظلماء ومن دبيب الذَّر على المسح[127] الأسود»[128].

المصادر والمراجع
القرآن الكريم كتاب الله العزير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، قم، إيران، 1404هـ.
الأنباري، محمد بن القاسم، الزاهر في معاني كلمات الناس، تحقيق يحي مراد، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1424هـ.
الحُرّ العاملي، محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة إلى الشريعة، الطبعة الخامسة، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1402هـ.
الحِلّي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، الطبعة الرابعة، مطبعة إسماعيليان، قم، إيران، 1373ش.
الخميني، روح الله بن مصطفى، تحرير الوسيلة، الطبعة الثانية، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، العراق، 1390ش.
الخميني، مصطفى بن روح الله، تفسير القرآن الكريم، الطبعة الأولى، مطبعة مؤسّسة العروج، دار مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، إيران، 1418هـ.
الزبيدي، محمّد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: علي شيري، مطبعة دار الفكر، بيروت، لبنان، 1414هـ.
السكّيت الأهوازي، يعقوب بن إسحاق، الكنز اللغوي، تحقيق: أوغست هفنر، الطبعة الأولى، مطبعة الكاثولكية للآباء اليسوعيين، بيروت، لبنان، 1903م.
الشيرازي، صدر الدين محمد بن إبراهيم، أسرار الآيات، تصحيح: محمد جواجوي، مطبعة وزارة التعليم العالي، طهران، إيران، 1402هـ.
الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، التوحيد، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، إيران، 1405هـ.
الصدوق، محمّد بن علي، الخصال، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، إيران،1403هـ.
الصدوق، محمّد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، إيران،1405هـ.
الطباطبائي، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، طبعة محقّقة من قبل جماعة المدرّسين بقم، إيران.
الطباطبائي، محمّد حسين، نهاية الحكمة، مؤسسة النشر الإسلامي، ط14منقّحة، قم، إيران، 1417هـ.
الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبعة الأولى، مطبعة مؤسّسة الأعلمي، بيروت، لبنان، 1415هـ.
الطبرسي، حسين النوري، مستدرك الوسائل، تحقيق مؤسّسة أهل البيت  لإحياء التراث، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 1408هـ.
الطوسي، محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق أحمد قصير، الطبعة الأولى، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1209هـ.
الطوسي، محمّد بن الحسن، الرسائل العشر، تصحيح: محمد علي الروضاتي، مكتبة أصبهان، مؤسّسة النشر اللاسامي، قم، إيران، 948هـ.
الطوسي، محمّد بن الحسن، الغيبة، تحقيق عباد الله الطهراني وعلي أحمد ناصح، الطبعة الأولى، مطبعة بهمن، قم، إيران، 1411هـ.
العسكري، أبو هلال، الفروق اللغويّة، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، قم، إيران، 1412هـ.
الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية، مطبعة مؤسّسة دار الهجرة، قم، إيران، 1409هـ.
الكليني، محمّد بن يعقوب، الكافي، الطبعة الخامسة، مطبعة الحيدري، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، إيران، 1405هـ.
المظفّر، محمد رضا، بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة، الطبعة الخامسة، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، قم، إيران،1418هـ.

----------------------------------------
[1] لقول أبي عبد الله (عليه السلام): «هو سميع بصير سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة» الكليني، الكافي، ج1، ص109.
[2] لقوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى...﴾ الروم: 27.
[3] كما ورد في دعاء لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا هو ياهو، يا من لا يعلم ما هو إلّا هو، ولا كيف هو إلّا هو». بحار الأنوار، ج83، ص334.
[4] لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ الشورى:11.
[5] آل عمران: 18.
[6] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص91.
[7] النحل: 43.
[8] آل عمران: 7.
[9] الكافي، ج1، ص103.
[10] الكافي، ج1، ص100.
[11] الكافي، ج8، ص247.
[12] طه: 26-28.
[13] الزخرف: 3.
[14] يوسف: 2.
[15] محمد: 19.
[16] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، ج3، ص280.
[17] العسكري، أبو هلال، الفروق اللغويّة، ص565.
[18] الأنباري، محمد بن القاسم، الزاهر في معاني كلمات الناس، ص498.
[19] الأهوازي، ابن السكّيت، الكنز اللغوي، ص57.
[20] ابن فارس، أحمد، معجم مقاييس اللغة، ج6، ص90.
[21] معجم مقاييس اللغة، ج1، ص76.
[22] العسكري، أبو هلال، الفروق اللغويّة، ص565.
[23] الصدوق، محمد بن علي، التوحيد، ص136.
[24] الصف: 2-3.
[25] الإخلاص: 1-4.
[26] الكافي، ج1، ص91.
[27] الكافي، ج1، ص91.
[28] النساء: 68.
[29] الكافي، ج1، ص390.
[30] العنكبوت: 65.
[31] الروم،30.
[32] الكافي، ج2، ص12.
[33] الحج: 31.
[34] الأعراف: 172.
[35] لقمان: 25.
[36] الكافي، ج2، ص13.
[37] التوبة: 33.
[38] الصف: 9.
[39] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص66.
[40] التوبة: 33.
[41] الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، ص670.
[42] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص112.
[43] الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، ج19، ص6.
[44] الشيرازي، صدر الدين، أسرار الآيات، ص43.
[45] البقرة: 163، البقرة: 255، آل عمران: 2، النساء: 87، الأنعام: 102، التوبة: 129، طه: 8، طه: 14، طه: 98، النمل: 26، القصص:70، غافر: 62، الحشر: 22، = =الحشر: 23،التغابن: 13.
[46] عَلِيّ بْن إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَوْ قُلْتُ لَه: جَعَلَنِي اللَّه فِدَاكَ نَعْبُدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ الْوَاحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ؟ قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ مَنْ عَبَدَ الِاسْمَ دُونَ الْمُسَمَّى بِالأَسْمَاءِ أَشْرَكَ وكَفَرَ وجَحَدَ ولَمْ يَعْبُدْ شَيْئًا، بَلِ اعْبُدِ اللَّه الْوَاحِدَ الأَحَدَ الصَّمَدَ الْمُسَمَّى بِهَذِه الأَسْمَاءِ دُونَ الأَسْمَاءِ؛ إِنَّ الأَسْمَاءَ صِفَاتٌ وَصَفَ بِهَا نَفْسَه». الكليني، الكافي، ج1، ص87.
[47] الصدوق، محمد بن علي، التوحيد، ص203، باب أسماء الله تعالى.
[48] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص87.
[49] الأعراف: 156.
[50] الإسراء:110.
[51] البقرة: 163.
[52] الخميني، مصطفى بن روح الله، تفسير القرآن الكريم، ج1، ص189.
[53] المائدة: 44.
[54] الأعراف: 154.
[55] الصدوق، محمد بن علي، التوحيد، ص140.
[56] الأعراف: 156.
[57] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص429.
[58] البقرة: 143.
[59] الرحمن: 1-2.
[60] الطبرسي، حسين النوري، مستدرك الوسائل، ج4، ص166.
[61] الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة إلى تحصيل الشريعة، ج7، ص170.
[62] الإسراء: 110.
[63] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص112.
[64] الحج: 62.
[65] الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، ج6، ص232.
[66] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج14، ص402.
[67] الصافات: 4.
[68] المائدة: 73.
[69] الإخلاص: 1.
[70] البقرة: 163، البقرة: 255، آل عمران: 2، النساء: 87، الأنعام: 102، التوبة: 129، طه: 8، طه: 14، طه: 98، النمل: 26، القصص: 70. غافر: 62. الحشر: 22، الحشر: 23، التغابن: 13
[71] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص387.
[72] المائدة: 73.
[73] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج6، ص71.
[74] الرعد: 16.
[75] يوسف: 39.
[76] ص: 65.
[77] الزمر: 4.
[78] الزخرف: 87.
[79] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص118.
[80] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص119.
[81] المجادلة: 7.
[82] المجادلة: 7.
[83] ورد في القرآن الكريم: ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ فصلت: 54.
[84] سبأ:3.
[85] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص127.
[86] الصدوق، محمد بن علي، الخصال، ص2.
[87] الصدوق، محمد بن علي، الخصال، ص2.
[88] الصدوق، محمد بن علي، التوحيد، ص140.
[89] الإخلاص: 1-4.
[90] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص393.
[91] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص110.
[92] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص91.
[93] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص393.
[94] بحسب ما وصلنا من كتب المتقدمين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
[95] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص111.
[96] الطباطبائي، محمد حسين، نهاية الحكمة، ص346.
[97] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص107.
[98] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص108.
[99] ورد في نهاية الحكمة للعلامة الطباطبائي قوله: «في الإرادة والكلام عدوهما في المشهور من الصفات الذاتية للواجب (تعالى)». ص371.
[100] المظفر، محمد رضا، بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة، ج1، ص53.
[101] مريم: 81.
[102] الزخرف: 9.
[103] الزمر: 3.
[104] التوبة: 31.
[105] الأنعام: 102.
[106] البقرة: 163.
[107] النساء: 36.
[108] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص87.
[109] يونس: 3.
[110] الرعد: 2.
[111] «معرفة الله واجبةٌ على كلّ مكلف، بدليل أنّه منعم، فتجب معرفته ». الطوسي، الرسائل العشر، ص93.
[112] « إنّ معرفة الله واجبةٌ مطلقًا». العلّامة الحلي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، ص347.
[113] الصافات: 96.
[114] الرعد: 31.
[115] الملك: 21.
[116] الأعراف: 54.
[117] النازعات: 5.
[118] فاطر: 1.
[119] « عن عبد الله بن جعفر عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن عن أبيه، عن آبائه % أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سئل: فيما النجاة غدًا؟ فقال: «إنّما النجاة في ألّا تخادع الله فيخدعكم فإنّه من يخادع الله يخدعه، ويخلع منه الإيمان ونفسه يخدع لو يشعر». قيل له فكيف يخادع الله؟ قال: «يعمل بما أمره الله ثم يريد به غيره، فاتقوا الله في الرياء، فإنّه الشرك بالله، إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك، وبطل أجرك، فلا خلاص لك اليوم، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له». الحر العاملي، الوسائل، ج1، ص69.
[120] «فلو ضم إليها ما ينافيه بطل خصوصًا الرياء، فإنّه إذا دخل في العمل على أيّ نحوٍ أفسده». تحرير الوسيلة، الإمام الخميني، ج1، ص28.
[121] يوسف،106.
[122] الفرقان: 43.
[123] النحل: 36.
[124] يس:60-61.
[125] آل عمران،36.
[126] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص164.
[127] المسح بكسر الميم هو بساط من شعر يجلس عليه.
[128] الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة، ص207.