البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

نبذة عن تاريخ الوهابية والرد على بعض مسائلهم

الباحث :  الكاتب والباحث الإسلامى محمد عبد الرحمن الشاغول
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  14
السنة :  السنة الرابعة - شهر ربيع الأول 1439هـ / 2017م
تاريخ إضافة البحث :  January / 11 / 2018
عدد زيارات البحث :  1452
تحميل  ( 469.702 KB )
المسألة الأولى:

لا يشك المطَّلع على عقائد الوهابية السعودية وأفكارهم وتاريخهم وسياساتهم أنها هي منبع الإرهاب ومصدره ومرجعيته وأيديولوجيته، وما يسمى بالسلفية، وباقي المسميات للجماعات في العالم الإسلامي كله، ممن اتبعوا هذا الفكر وتلك العقيدة، وهذه فتنةٌ عظيمة ابتلى بها المسلمون.

وإنّ (الفتنة) شرعاً: هي (ما يُتَبيَّن به حال الإنسان من الخير والشر).

قلت: وعلى رأس هذه الفتن فتنة هذا الضال المضل المبتدع ابن عبد الوهاب وحليفه محمد بن سعود مؤسس دولة بنى سعود الأولى، وفى الفتنة يتبيَّن حال الناس أيهم يروج عليه الضلال وتغيير الدين، وأيهم يثبت على الحق، وعلى الإسلام كما جاءنا من النبي (ص). ويقال: فتنت الذهب بالنار: إذا أحرقته بها لتعلم أنه خالصٌ أو مشوبٌ، ومنه: الفتَّانة: وهو الحجر الذى يجرَّب به الذهب من الفضة. انتهى([1]).

أما عن صاحب هذه الفتنة، ومن هو؟ وما هي فتنته؟ فقد أورد الآتي عنه شيخ الإسلام العلامة الإمام الشيخ زيني دحلان في كتابه(الدُّرر السَّنيَّية في الرد على الوهابية)([2])، فقال:

(وكان محمد بن عبد الوهاب في مبتدأ أمره يطلب العلم بالمدينة، وأصله من بنى تميم، وكان من طلبة العلم بالمدينة، يتردد بينها وبين مكة، فأخذ عن كثيرٍ من علماء المدينة، منهم: الشيخ محمد بن سليمان الكردي الشافعي، والشيخ محمد حياة السِّندي الحنفي، وكان الشيخان المذكوران، وغيرهما من أشياخه: يتفرَّسون فيه الإلحاد والضلال، ويقولون: سيَضِلُّ هذا، ويُضِلُّ الله به مَن أبعده الله وأشقاه. فكان الأمر كذلك، وما أخطأت فراستهم فيه. وكان والده من العلماء الصالحين، فكان أيضاً يتفرَّس في ولده المذكور الإلحاد ـ قلت: أي الميل عن صحيح الدين، والتغيير فيه وطلب الطريق المنافي للحق المُشْبَع بالضلال والإضلال.. ـ ، ويذُمُّه كثيراً، ويحذِّر منه، وكذا أخوه سليمان بن عبد الوهاب، فكان ينكر ما أحدثه من البدع والضلال والعقائد الزَّائفة، وتقدَّم أنه ألَّف كتاباً في الرد عليه. وكانت ولادة محمد بن عبد الوهاب سنة(1111)هـ ـ  ألفٍ ومائةٍ وأحد عشر، وعاش عمراً طويلاً حتى بلغ عمره اثنتين وتسعين سنةً، فإنه توفي سنة(1206)هـ ـ  ألفٍ ومائتين وستة. ولمَّا أراد إظهار ما زيَّنه له الشيطانُ من البدعة والضلالة انتقل من المدينة ـ  قلت: وهذا لأن المدينة كما ورد في الحديث الشريف: (إن المدينة تنفى خَبَثَها) فتلك علامة لمن اهتدى وتأمل ـ  ورحل إلى الشرق ـ  قلت: وهذه علامةٌ أخرى؛ ففي الحديث: أنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم دعا للمدينة ولمكة وللشام، ثم قيل له صلى الله عليه [وآله] وسلم: ادعُ لنجدٍ يا رسول الله. وكرروها ثلاثاً. فسكت، وأخبر بما هو قضاء الله وقدره السابق، وقال: الفتنة ها هنا. الفتنة ها هنا الفتنة ها هنا ـ وأشار قِبَلَ المشرق ـ وقال: منها يخرج قرن الشيطان، فتأمل يرحمك الله ـ  ثم قال العلامة الشيخ أحمد زيني دحلان: وصار يدعو الناس إلى التوحيد!، وترك الشرك! ويزخرِف لهم القول، ويفهمهم أن ما عليه الناس كله شرك وضلال، ويظهر لهم عقيدته شيئاً فشيئاً، فتبعه كثيرٌ من غوغاء الناس ـ  قلت: الغوغاء: الكثير المختلِطون، وعوامُّ البوادي ـ  قلت: تصديقاً لقوله تعالى: ـ  وكان ابتداء ظهوره في الشرق سنة (1143)هـ ـ  ألفٍ ومائةٍ وثلاثةٍ وأربعين ـ  واشتهر أمره بعد الخمسين وألفٍ ومائة بنجدٍ وقُراها، فتبعه وقام بنصرته أمير الدَّرعية محمد بن سعود، وجعل ذلك وسيلةً إلى اتساع ملكه ونفاذ أمره؛ فحمل أهل الدرعية على متابعة محمد بن عبد الوهاب فيما يقول، فتبعه أهل الدَّرعية وما حولها، وما زال يطيعه على ذلك كثيرٌ من أحياء العرب حىٌّ بعد حيٍّ، وقبيلة بعد قبيلة ـ  قلت: والكثرة الضالة لا تغني عن الحق شيئاً لقوله عز وجل: حتى قوى أمره ـ قلت: كما قال تعالى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ (الزخرف:54)، وقال: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ (يوسف:103)  ـ  وكان يقول للبدو: إنما أدعوكم إلى التوحيد! وترك الشرك بالله!، ويزين لهم القول، وهم بوادي في غاية الجهل، لا يعرفون شيئاً من أمور الدين ـ  قلت: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ (التوبة:97). على أن هناك صنفاً آخر صالحاً عالماً عاقلاً من الأعراب قال عنه الله عز وجل: ﴿فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ (التوبة:99)؛ فتنبّه  ـ  قال: فاستحسنوا ما جاءهم به، وكان يقول لهم: إني أدعوكم إلى الدين! وجميع ما هو تحت السبع الطِّباق مشركٌ على الإطلاق! ـ قلت: وهى شبيهة بمقولة الكاتب سيد قطب فيما بعد في كتابه (معالم في الطريق، ص5، طبعة دار المعارف السعودية في السبعينيات): ولا وجود للمسلمين منذ قرون عدّة على وجه الأرض..! فتشابهت قلوبهم وأقوالهم!

 قال ابن عبد الوهاب: ومن قتل مشركاً فله الجنة؛ فتابعوه وصارت نفوسهم بهذا القول مطمئنة، فكان محمد بن عبد الوهاب بينهم كالنبي في أمته! لا يتركون شيئاً مما يقول ولا يفعلون شيئاً إلا بأمره، ويعظمونه غاية التعظيم! وإذا قتلوا إنساناً أخذوا ماله وأعطوا الأمير محمد بن سعود منه الخمس! واقتسموا الباقي.

 قلت: وهم لم يُنزلوا هؤلاء المسلمين المقتولين كمشركين حتى منزلة المسلم المقتول بواسطة مسلمٍ آخر على أقل تقديرٍ مثلاً. أو كما فعل سيدنا على بن أبى طالبٍ رضي الله عنه ـ  مع الفارق العظيم ـ وذلك عندما أمر ألا يذفَّف على قتيلٍ من الخوارج، ولا يُتبعَ الفارُّ منهم، ولا تسبى نساؤهم. لا. بل قتلوا العلماء وغير العلماء على أنهم مشركون، فحسبنا الله ونعم الوكيل، فهذا هو أصل كل الجماعات المتطرفة والتكفيرية والإرهابية شيخهم وكبيرهم الفاسق الفاجر التكفيري المتجبِّر محمد بن عبد الوهاب، حتى وصلنا للقاعدة والنصرة والمتمسلفة ومئات الجماعات التي لا تخفى على أحدٍ اليوم، كلها سارت على نهج هذا المبتدع النجدي الفاسق تمام السير.

قال الشيخ أحمد زيني دحلان: وكانوا يمشون معه حيثما مشى، ويأتمرون له بما شاء، والأمير محمد بن سعود ينفِّذ كل ما يقول؛ حتى اتسع له الملك، وكانوا قبل اتساع ملكهم، وتطاير شررهم أرادوا الحج في دولة الشريف مسعود بن سعيد بن سعد بن زيد، وكانت ولاية الشريف مسعود إمارة مكة سنة(1146)هـ ـ  سنة ستٍ وأربعين ومائةٍ وألفٍ، ووفاته سنة(1165)هـ ـ ستين ومائة وألف، فأرسلوا يستأذنونه في الحج؛ وغاية مرادهم إظهار عقيدتهم، وحمل أهل الحرمين عليها، فأرسلوا قبل ذلك ثلاثين من علمائهم، ظنًّا منهم أنهم يفسدون عقائد أهل الحرمين، ويدخلون عليهم الكذب والمَيْن، وطلبوا الإذن في الحج، ولو بشيءٍ مقررٍ عليهم كل عامٍ يدفعونه، وكان أهل الحرمين قد سمعوا بظهورهم في نَجْد، وإفسادهم عقائد البوادي، ولم يعرفوا حقيقة ذلك. فلما وصل علماؤهم مكة أمر الشريف مسعود أن يناظر علماءُ الحرمين العلماءَ ـ إن تجوزنا في اللفظ ـ  الذين بعثهم ابن عبد الوهاب، فناظروهم؛ فوجدوهم ضُحَكةً ومسخرةً كحُمُرٍ مستنفرةٍ فرَّت من قَسْوَرةٍ ـ  أي: فرت من أسدٍ ـ  ونظروا إلى عقائدهم؛ فإذا هي مشتملةٌ على كثيرٍ من المُكفِّرات، فبعد أن أقاموا عليهم الحجة والبرهان أمر الشريف مسعود قاضي الشرع أن يكتب حُجَّةً بكفرهم الظاهر ليعلم به الأول والآخر، وأمر بسجن أولئك الملحدة ـ أي: الحائدين عن صحيح الدين المائلين عنه ميلاً عظيماً ـ  الأنذال، ووضعهم في السلاسل والأغلال، فقيَّض منهم جماعةً وسجنهم.

 قلت: لأنهم يشقون عصا الجماعة على المسلمين ويكفرونهم ويستبيحون دماءهم، وقد قال النبي (ص): (من أتاكم وأمركم جميعٌ يريد أن يشقَّ عليكم عصا الجماعة فاقتلوه كائناً من كان)؛ ويكون هذا بحكم قضاة العدل وعلماء الأمة بما هو مقرر في كتب العلم وبشروطه.

ثم قال الشيخ زيني دحلان: وفرَّ الباقون، ووصلوا إلى الدرعية، وأخبروا بما شاهدوا، فعتى أميرهم ـ يعنى: محمد بن سعود ـ  واستكبر، ونأى عن هذا المقصد، وتأخر إلى أن مضت دولة الشريف مسعود وتوفى سنة(1165)هـ ـ  خمسٍ وستين ومائة وألفٍ، وولى إمارة مكة أخوه الشريف مساعد بن سعيد، فأرسلوا أيضاً يستأذنونه في الحج فأبى، وتوفى سنة (1184)هـ ـ  أربعٍ وثمانين ومائةٍ وألفٍ، وولى إمارة مكة أخوه الشريف أحمد بن سعيد، وأرسل أمير الدرعية جماعة من علمائهم، فأمر العلماء أن يختبروهم فاختبروهم، فوجدوهم لا يتدينون إلا بدين الزنادقة ـ يعنى: لما يفعلونه من تكفير وتشريك للمسلمين المعصومي الدم، وهدمهم أضرحة الصحابة والأولياء، وسبي المسلمين والمسلمات، ونكاحهم حتى بغير انقضاء عدتهن كما ورد من كلام الشيخ أحمد دحلان سابقاً، والمروق من الدين كما ورد في الحديث في شأن الخوارج الذين هؤلاء منهم: (يمرقون من الدين مروق السهم من الرَّميَّة، ثم لا يعودون فيه إلا كما يعود السهم إلى فُوقِه)، وسأورد الحديث من طرقٍ عدّة أثناء شرح القصيدة  ـ  قال الشيخ أحمد زيني دحلان: فأبى أن يأذن لهم في الحج، ثم انتزع إمارة مكة منه ابن أخيه الشريف سرور بن مساعد سنة (1186)هـ ـ  ستٍ وثمانين ومائة وألفٍ، فأرسلوا في مدة الشريف سرور يستأذنون في الحج أيضاً، ولما توفى الشريف غالب أرسلوا أيضاً يستأذنون في الحج، فمنعهم، وتهدَّدهم بالركوب عليهم، وجهَّز عليهم جيشاً في سنة (1205) ـ  ألفٍ ومائتين وخمسة، وتتابع بينه وبينهم القتال والحرب من سنة (1205) ـ  ألفٍ ومائتين وخمسة إلى سنة (1220) ـ ألفٍ ومائتين وعشرين، حتى دخلوا مكة بعد أن عجز عن دفعهم، ووقع بينه وبينهم وقعات كثيرة قبل دخولهم مكة، يطول الكلام بذكرها.

وكانوا في هذه المدة اتسع ملكهم، وتطاير شررهم، فملكوا جزيرة العرب، فملكوا أولاً المشرق، ثم إقليم الإحساء، والبحرين، وعمان، ومسْكت، وقرب ملكهم من بغداد والبصرة، وملكوا بحرار بأسرها، ثم الخيوف ذوات النخل، ثم الحربية والفرع وجهينة، ثم  ملكوا العرب الذين بين الشام وحلب، وبغداد التي حوله.

 ولما ملكوا الطائف في ذى القعدة سنة (1217)هـ ـ  ألفٍ ومائتين وسبعة عشر ـ  قتلوا الكبير والصغير، والمأمور والآمر، ولم ينجُ منهم إلا من طال عمره، وكانوا يذبحون الصغير على صدر أمِّه.

 قلت: مثلما يفعل عملاء الصهيونية وأمريكا والغرب من قيادات داعش اليوم ومن يتبعونهم من كلاب أهل النار الخوارج؛ لإرهاب البلاد وقهرها على الحكم المخطط له سلفاً، ولتنفير الناس من الإسلام، وتشويه صورة الإسلام النضرة البيضاء أمام مواطنيهم، وأمام العالم.. ومثلما فعلت الصهيونية في فلسطين عام 1948م عندما كانت تدخل القرى فتقتل المئات؛ فيفر الباقون، ويتركوا أراضيهم وبيوتهم؛ فتحتله الصهاينة. فاعتبروا يا أولي الأبصار.

 ثم قال: ونهبوا الأموال، وسبوا النساء ـ  قلت: والذى كان يمدهم بالسلاح والمال والعتاد والرجال إنجلترا كما ذكر ذلك (مستر هَمْفر) رجل وزارة المستعمرات الإنجليزية بالشرق الأوسط في مذكراته المنشورة، وقد نقل منها الكاتب سامي أمين محمود المليجي في كتابه (الوهابية) المطبوع بمكتبة مدبولي بالقاهرة، والمذكرات موجودة على المواقع الإليكترونية ـ  قال: وفعلوا أشياء يطول الكلام بذكرها، ثم قصدوا مكة في المحرم من سنة (1218)هـ ـ  ألفٍ ومائتين وثمانية عشر، ولم يكن للشريف طاقة لقتالهم، فترك لهم مكة ونزل إلى جدة، فخرج ناسٌ من أهل مكة إليهم قبل دخولهم بمرحلتين ـ  أي: حوالى (90) كيلو متراً أو يزيد. للخلاف في قدر  المرحلة ـ  وأخذوا منهم الأمان لأهل مكة، فدخلوها بأمانٍ، ثم توجهوا إلى جدة لقتال الشريف غالب، فقاتلهم، وأطلق عليهم المدافع، فلم يستطيعوا دخول جدة؛ فارتحلوا إلى ديارهم في شهر صفر من سنة (1218)هـ ـ  ألفٍ ومائتين وثمانية عشر ـ  وأبقَوْا بمكة من يقوم بحفظها من جماعتهم، وفى شهر ربيعٍ الأول من السنة المذكورة رجع الشريف غالب من جدة، ومعه الباشا صاحب جدة، وكثير من العساكر، وأخرج من كان بمكة من جماعتهم، واستولى على مكة كما كان.

 ثم تتابعت بينه وبينهم الحرب والغزوات إلى سنة (1220)هـ ـ  عشرين ومائتين وألفٍ، فتغلبوا وملكوا جميع الأطراف، وحاصروا مكة، حتى اشتد البلاء وعم الغلاء، وأكل الناس الكلاب والجيف ـ قلت: وقدوتهم في ذلك وسَلَفهم يزيد بن معاوية الذى ضرب جيشه الكعبة بالمنجنيق، واستباحها ثلاثة أيامٍ، وهتك جيشه أعراض ألف عذراء.. إلى آخر ما كان منهم، فعداء هذه الجماعات عداءٌ شيطانىٌّ دنيوىٌّ مقيتٌ لآل البيت عليهم السلام، وللمسلمين عموماً.

ثم قال الشيخ: ثم عقد الشريف غالب معهم الصلح؛ فدخلوا مكة بالصلح، واستمر ملكهم بها إلى سنة سبعٍ وعشرين ومائتين وألفٍ. فأمر مولانا السلطان محمود: الوزير المعظم والمشير المفخم بمصر محمد على باشا؛ فجهز عليهم الجيوش بنفسه حتى استأصلهم، وقطع دابرهم ـ قلت: وكان أرسل طوسون باشا ابنه، ثم أرسل بعده إبراهيم باشا الذى انتصر في معاركه جميعها بفضل الله، وتمثاله مشهور بمصر اليوم، وهو ممتطٍ فرسه ومشيرٌ بإصبعه بميدان الأوبرا بالعتبة، فرحمهم الله رحمةً واسعة أعنى: محمد على وإبراهيم باشا وطوسون باشا ابنيه ومن قاتل معهم هؤلاء الوهابية الخوارج كلاب أهل النار ـ  وأرَّخ بعض العلماء تاريخ خروجهم من مكة بقوله: (قُطِع دابر الخوارج) سنة 1227هـ ـ قلت: يعنى: إذا وضعت الأرقام المساوية لهذه الحروف في علم الجُمَّل ستجد حاصل جمعها يساوي سنة قطع دابر الوهابية.

قال الشيخ أحمد زيني دحلان رحمه الله عز وجل: والكلام على وقائعهم وما فعلوه بالمسلمين يطول، فلا حاجة لذكره.

 قال: وكان الأمير الأول محمد بن سعود، فلما مات قام اولاده بعده بما قام به.

قال الشيخ: ولما مات محمد بن عبد الوهاب قام أولاده أيضاً بما قام به.

 قلت: وهم الآن المسمَّون آل الشيخ! ولا زالوا هم اليد اليمنى لهذا النظام الإرهابي الخارجي، وهم أصحاب أعلى المناصب الدينية هناك لبني سعود استكمالاً لهذا التسلسل الاستعماري المرعى ببريطانيا ومن بعدها أمريكا والصهيونية، وللمُلك العضود الجبري لبني سعود.

قال الشيخ: وكان الأمير محمد بن سعود وأولاده إذا ملكوا قبيلةً سلطوها على من دنا واقترب منها، ويسلط الأخرى على ما بعدها، حتى ملك جميع القبائل، وإذا أراد أن يغزو بلدةً من البلدان كتب لكل قبيلةٍ يريد مسيرها معه كتاباً بقدر الخنصر، يطلب منهم الحضور، فيأتون إليه ومعهم ما يحتاجون إليه من زادٍ وغيره، ولا يكلفونه بشيء، وليس له عسكر ولا جند، ولا ديوان يحصيهم، وإذا انتهبوا شيئاً يأخذون الأربعة الأخماس، ويعطونه الخمس، ويسيرون معه أينما يسير ألوفاً مؤلفة، لا يحصيهم إلا الله تعالى، ولا يستطيعون مخالفته في نقيرٍ ولا قطمير. وهذه بلية ابتلى الله بها عباده، وهى فتنةٌ عظيمةٌ من أعظم الفتن التي ظهرت في الإسلام، طاشت من بلاياها العقول، وحار فيها أرباب العقول. لبَّسوا فيها على الأغبياء ببعض الأشياء التي توهمهم أنهم قائمون بأمر الدين، وذلل مثل أمرهم البوادي بإقامة الصلوات، والمحافظة على الجمعة والجماعات، ومنعهم من الفواحش الظاهرة كالزنا واللواط وقطع الطريق، فأمَّنوا الطرقات، وصاروا يدعون الناس إلى التوحيد! فصار الأغبياء الجاهلون يستحسنون حالهم، ويغفلون ويذهلون عن تكفيرهم المسلمين. فإنهم كانوا يحكمون على الناس بالكفر من منذ ستمائة سنةٍ.

قال الشيخ: وغفلوا أيضاً عن استباحتهم أموال الناس ودماءهم، وانتهاكهم حرمة النبي (ص) بارتكابهم أنواع التحقير له ولمن أحبه ـ  قلت: ومن ذلك قول بعض أتباع ابن عبد الوهاب لأحد المسلمين: إن عصاي هذه خيرٌ من محمدٍ، فأنا أهش بها وأفعل بها كذا وكذا. ومحمد قد مات لا ينفع ولا يضر. لعن الله قائل هذا والمصدق به منهم والآمر به. أرادوا بذلك منع الناس من التوسل به (ص) إلى الله خلافاً لما عليه علماء الأمة وأولياؤها، وسأورد إن شاء الله الأدلة في الرد على ذلك من الكتاب والحديث الشريف..، فيما بعدُ من المقالات ـ  إن شاء الله.

قال الشيخ: وغير ذلك من مقابحهم التي ابتدعوها، وكفَّروا الأمة بها، وكانوا إذا أراد أحد أن يتبعهم على دينهم طوعاً أو كرهاً يأمرونه بالإتيان بالشهادتين أولاً، ثم يقولون له: اشهد على نفسك أنك كنت كافراً! واشهد على والديك أنهما ماتا كافرين! واشهد على فلانٍ وفلانٍ أنه كان كافراً! ويسمون له جماعةً من أكابر العلماء الماضين. فإن شهدوا بذلك قبِلوهم، وإلا أمروا بقتلهم.

قال الشيخ: وكانوا يصرحون بتكفير الأمة من مذ ستمائة سنةٍ، وأول من صرح بذلك محمد بن عبد الوهاب، فتبعوه على ذلك.

قال الشيخ: وإذ دخل إنسانٌ في دينهم، وكان قد حجَّ حجة الإسلام قبل ذلك يقولون له: حُجَّ ثانياً، فإن حجتك الأولى فعلتها وأنت مشركٌ؛ فلا تسقط عنك الحج!

ويسمُّون من اتبعهم من الخوارج: المهاجرين! ومن كان من أهل بلدتهم يسمونهم: الأنصار!.

قال الشيخ: والظاهر من حال محمد بن بن عبد الوهاب أنه ادعى النبوة إلا أنه ما قدر على إظهار التصريح بذلك. وكان في أول أمره مولعاً بمطالعة أخبار من ادعى النبوة كاذباً كمسيلمة الكذَّاب، وسَجَاح، والأسود العنسي، وطليحة الأسدي، وأضرابهم.

قال: فكأنه كان يضمر في نفسه دعوى النبوة، ولو أمكنه إظهار هذه الدعوة لأظهرها.

قلت: وأنا لا أرى ما يراه سيدى الشيخ العلامة أحمد زيني دحلان، فالخوارج اليوم في سوريا والعراق وليبيا ومصر كلهم على نفس الشاكلة، ولا يدعون النبوة، ولكنهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، ويقيمون الدين. ناهيك عما ارتبط بذلك من تمويلات أجنبية وخطط مخابراتية مستترة تديرهم طوعاً وكرهاً وتفيض عليهم الأموال وغيرها.. .

قال: وكان يقول لأتباعه: إني أتيتكم بدينٍ جديدٍ، ويظهر ذلك من أقواله وأفعاله؛ ولهذا كان يطعن في مذاهب الأئمة وأقوال العلماء، ولم يقبل من دين نبينا صلى الله عليه [وآله] وسلم إلا القرآن، ويؤوِّله على حسب مراده. مع أنه إنما قبله ظاهراً فقط؛ لئلا يعلم الناس حقيقة أمره، فينكشفوا عنه. بدليل أنه هو وأتباعه إنما يؤولونه على حسب ما يوافق أهواءهم، لا بحسب ما فسره به النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم؛ فإنه كان لا يقول بذلك، ولا يقول بما عدا القرآن من أحاديث النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وأقاويل الصحابة والتابعين، والأئمة المجتهدين، ولا بما استنبطه الأئمة من القرآن والحديث، ولا يأخذ بالإجماع، ولا بالقياس الصحيح.

قال الشيخ: وكان يدعى الانتساب إلى مذهب أحمد رضي الله عنه كذباً وتستُّراً وزوراً. وأحمد بن حنبل بريءٌ منه. ولذلك انتُدب كثيرٌ من علماء الحنابلة المعاصرين له للرد عليه، وألفوا في الرد عليه رسائل كثيرة، حتى أخوه الشيخ سليمان ابن عبد الوهاب ألف رسالة في الرد عليه كما تقدم.

قال الشيخ أحمد زيني دحلان: وتمسَّك في تكفير المسلمين بآياتٍ نزلت في المشركين، فحملها على الموحدين. وقد ورد في الخبر عن عبد الله بن عمر في وصف الخوارج: (أنهم انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار، فجعلوها في المؤمنين)!. وفى روايةٍ أخرى عن ابن عمر عند غير البخارى: أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: (أخوف ما أخاف على أمتى رجلٌ متأوِّل للقرآن يضعه في غير موضعه). فهذا وما قبله صادقٌ على محمد بن عبد الوهاب، ومن تبعه.

وأعجب من ذلك كله أنه كان يكتب إلى عمَّاله الذين هم من أجهل الجاهلين: اجتهدوا بحسب فهمكم! وانظروا واحكموا بما ترونه مناسباً لهذا الدين! ولا تلتفتوا لهذه الكتب، فإن فيها الحق والباطل !

قال الشيخ: وقتل كثيراً من العلماء، والصالحين، وعوام المسلمين؛ لكونهم لم يوافقوه على ما ابتدعه!. وكان يقسم الزكاة على ما يأمره به شيطانه وهواه، وكان أصحابه لا يتخذون مذهباً من المذاهب، بل يجتهدون كما أمرهم! ويتسترون ظاهراً بمذهب أحمد بن حنبل، ويلبِّسون بذلك على العامَّة.

قال الشيخ: وكان ينهى عن الدعاء بعد الصلاة ويقول: إنّ ذلك بدعة، وإنكم تطلبون بذلك أجراً!.

قال الشيخ: وقد اعتنى كثيرٌ من العلماء من أهل المذاهب الأربعة بالرد عليه في كتب مبسوطةٍ؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه  وآله وسلم: (إذا ظهرت البدع، وسكت العالم؛ فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين)، وبقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: (ما ظهر أهل بدعةٍ إلا أظهر الله فيهم حُجَّته على لسان من شاء من خلقه)؛ فلذلك انتُدِب للرد عليه علماء المشرق والمغرب من جميع المذاهب، والتزم بعضهم في الرد عليه بأقوال أحمد بن حنبل، وأهل مذهبه، وسألوه عن مسائل يعرفها أقل طلبة العلم، فلم يقدر على الجواب عنها؛ لأنه لم يكن له تمكُّن في العلوم، وإنما عرف هذه النَّزغات التي زيَّنها له الشيطان.

 فممن ألف في الرد عليه وسأله عن بعض المسائل فعجز: العلامة الشيخ محمد بن الرحمن بن عمالق؛ فإنه ألف كتاباً جليلاً سمَّاه: (تهكُّم المقلّدن بمن ادَّعى تجديد الدين) رد عليه في كل مسألةٍ من المسائل التي ابتدعها بأبلغ الرد. ثم سأله عن أشياء تتعلق بالعلوم الشرعية والأدبية بسؤالات أجنبية عن الرسالة. كتبها وأرسلها له؛ فعجز عن الجواب عن أقلِّها فضلاً عن أجلِّها.

قال الشيخ: فمن جملة ما سأله عنه قوله: أسألك عن قوله تعالى: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾ (العاديات:1). إلى آخر السورة التي هي من قصار  المفصَّل. كم فيها من حقيقةٍ شرعية، وحقيقة لغوية، وحقيقة عرفية، وكم فيها من مجاز مرسل، ومجاز مركب، واستعارة حقيقية، واستعارة وفاقية، واستعارة تبعية، واستعارة مطلقة، واستعارة مجرَّدة، واستعارة مرشحة، وأين الوضع والترشيح والتجريد والاستعارة بالكناية، والاستعارة التخييلية.. إلخ ما سأله عنه في السورة الكريمة... فلم يقدر محمد بن عبد الوهاب على الجواب عن شيء مما سأله عنه.

 قلت: وهكذا حال الجاهلين الخوارج في زماننا هذا يظنون في ابن عبد الوهاب أنه شيخ للإسلام كما ادعى لنفسه؟، ويكفيهم تكفير وتشريك الناس في كتيب ابن عبد الوهاب (القواعد الأربعة)! ويعملون بما فيه؛ لكى يشعروا أنه هم المسلمون وسواهم كافر، وهم بذلك يتسلطون على الناس، ويسوِّل لهم الشيطان لعنه الله ومن اتبعه منهم أنهم هم الأعلون لإيمانهم وكفر الناس!. انتهى نقلي عن العلامة الشيخ أحمد زيني دحلان في بيان بعض أوصاف هذه الفتنة، مع تعليقٍ وشرحٍ واختصارٍ يسير منى  لكلامه.

وإلى القارئ الكريم مسائل ثلاثة من مجموع مائة مسألةٍ أضل بها ابن عبد الوهاب والوهابية وأدعياء السلفية والجماعات المعاصرة، كفروا بها المسلمين، ورموهم بالشرك لأجلها؛ أوردها بالرد من الكتاب والحديث وأقوال علماء الأمة ـ  إن شاء الله عز وجل.

أولاً: تحريم الصلاة في المساجد ذات الأضرحة، والتصريح بوجوب هدمها. وقد فعلوا ذلك، وتفعله أتباعهم إلى الآن.

الرد من الكتاب والحديث الشريف: قال الله عز وجل في القرآن الكريم: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ (الكهف:21).

قال أهل العلم: ووجه الاستدلال بالآية: أنها أشارت إلى قصة أصحاب الكهف، حينما عثر عليهم الناس، فقال بعضهم: نبني عليهم بنياناً، وقال آخرون: لنتخذنَّ  ـ  بنون التوكيد المباشرة  ـ  عليهم مسجداً.

والسياق يدلّ على أنّ الأول: قول المشركين، والثاني: قول الموحِّدين. والآية طرحت القولين دون استنكارٍ، ولو كان فيهما شيءٌ من الباطل لكان من المناسب أن تشير إليه، وتدل على بطلانه بقرينةٍ ما، وتقريرها للقولين يدل على إمضاء الشريعة لهما. بل إنها طرحت قول الموحدّين بسياقٍ يفيد المدح؛ وذلك بدليل المقابلة بينه وبين قول المشركين المحفوف بالتشكيك.

 بينما جاء قول الموحِّدين قاطعاً: (لنتَّخِذنَّ) نابعاً من رؤيةٍ إيمانية ـ قلت: يعنى رؤية وجوب إكرامهم بدفنهم في محل وجودهم، وبناء مسجد عليه ليكون تشريفاً لهم، وحفظاً لأطهارٍ مباركين في بقعةٍ مباركةٍ ـ  قالوا: فليس المطلوب عندهم مجرد البناء، وإنما المطلوب هو المسجد. وهذا القول  يدل على أن أولئك الأقوام كانوا عارفين بالعبادة والصلاة.

قال الرازي في تفسير ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾: نعبد الله فيه، ونستبقى آثار أصحاب الكهف بسبب ذلك المسجد.

وقال الشوكاني: ذِكر اتخاذ المسجد يُشعر بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون. وقيل: هم أهل السلطان والملوك من القوم المذكورين، فإنهم الذين يغلبون على امر من عداهم، والأول أولى.

قال أهل العلم: وهم بذلك يخالفون إجماع المسلمين، ويستفزون مشاعرهم. فالصلاة بالمسجد الذى به ضريح أحد الأنبياء عليهم السلام أو الصالحين: صحيحة، ومشروعة، وقد تصل إلى درجة الاستحباب.

قلت: أما الاعتراض على ما سبق بحديث: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) ـ  قال الراوي: (يحذِّر ما صنعوا). فالمراد: أنهم اتخذوا هذه القبور مسجوداً لمن بداخلها. فهناك فارقٌ بين السجود لمن في القبر، وبين السجود في مكانٍ فيه قبرٌ غير مرادٍ العبادة ـ  والعياذ بالله ـ  لمن بداخله، ومن المحال أن يعبدوا الأنبياء والأولياء من دون الله كما ادعاه ابن عبد الوهاب، وجماعات التكفير والتنفير... .

قلت: فمساجد: مصدر ميمى، يصلح للدلالة على المكان: مكان السجود. أو الزمان: زمان السجود. أو الحَدَث: فِعل السجود نفسه. والمراد في الحديث الشريف ـ كما عليه فطاحل علماء الأمة الإسلامية ـ : مكان السجود؛ فاتخذوا القبر نفسه مكاناً ومحلًّا للسجود، ووضع الجبهة عليه ـ  كما في كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان، لدرجة أن الرُّخَامَة قد تآكلت من كثرة هذا السجود ـ  كما أخبر به بعض العلماء ممن شاهد هذا بعينه.

قلت: أما السجود حول القبر في أي بقعةٍ من المسجد؛ فهو جائز. وورد عن علماء الأمة الصلاة في هذه المساجد المباركة.

قلت: وما بين حِجر إسماعيل والمقام دُفن سبعون نبيًّا. ونحن نصلي بالليل والنهار في الحرم المكي الشريف. فهل أشركت الأمة الإسلامية؟! ـ  كلا والله. ولكنَّ الذين ظلموا بآيات الله يجحدون.

والدليل من الحديث الشريف: حديث أبى بصيرٍ الذى رواه الزُّهري في مشاهير مرويَّاته: (إن أبا بصيرٍ انفلت من المشركين بعد صلح الحديبية، وذهب إلى سِيْفِ البحر ـ أي: شاطئه ـ  ولحق به أبو جندل بن سهيل بن عمروٍ، انفلت من المشركين أيضاً، ولحق بهم أناسٌ من المسلمين حتى بلغوا ثلاثمائةٍ، وكان يصلي بهم أبو بصيرٍ، وكان يقول: (الله العلىُّ الأكبرْ  من يَنْصُر الله يُنْصَرْ). فلما لحق به أبو جندل كان يؤمُّهم، وكان لا يمر بهم عِيرٌ لقريشٍ إلا أخذوها، وقتلوا أصحابها ـ  قلت: لأن قريش كانت قد استولت على أموالهم واستلبتها قبل ذلك ـ  فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تناشده اللهَ والرحمَ إلا أرسل إليهم، فمن أتاك منهم فهو آمن ـ  يعني: لأنهم كانوا اتفقوا أن يعود من آمن إليهم ويرد لهم؛ وكان أبو بصير ومن معه اتخذه هذا الموضع حتى لا يدخلوا المدينة؛ فيعيدهم رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى قريش كما نص الاتفاق عليه ـ .

وبرواية الزهري: كتب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى أبي جندل وأبي بصيرٍ رضي الله عنهما ليقدما عليه ومن معهم من المسلمين، وأن يلحقوا ببلادهم وأهليهم، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم على أبى جندل حينما كان أبو بصيرٍ يموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بيده يقرأه، فدفنه أبو جندل مكانه، وبنى على قبره مسجداً). قلت: وهذا المكان في (جُدَّة البحر): أي: جَدَّة اليوم.

قلت: وعمل المسلمين عبر القرون وصلاتهم في هذه المساجد المباركة يشهد بصحة ذلك، بل باستحبابه؛ فإن أمة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لا تجتمع على ضلالة. وعن سيدنا عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه وأرضاه: (ما رآه المسلمون حسناً؛ فهو عند الله حسنٌ). وفى الحديث الشريف: (عليكم بالسَّواد الأعظم، ومن شذَّ شذَّ في النار).

أما فعل الصحابة رضوان الله عليهم يتضح في موقف دفن سيدنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، واختلافهم فيه. وهو ما حكاه الإمام مالك رضي الله عنه عندما ذكر اختلاف الصحابة في مكان دفن الحبيب صلى الله عليه [وآله] وسلم، فقال ناسٌ: (يدفن عند المنبر)، وقال آخرون: (يدفن بالبقيع)، فجاء أبو بكر الصديق فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول: (ما من نبىٍّ يدفن إلا في مكانه الذى توفى فيه)؛ فحفر له فيه.

قال العلماء: ووجه الاستدلال أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم اقترحوا أن يدفن صلى الله عليه [وآله] وسلم عند المنبر، وهو داخل المسجد قطعاً، ولم ينكر أحد على هذا الاقتراح. بل إنّ أبا بكرٍ رضي الله عنه اعترض على هذا الاقتراح –ليس لحرمة دفنه في المسجد ـ  وإنما تطبيقاً لأمره صلى الله عليه [وآله] وسلم بأن يدفن في مكان قبض روحه الشريف (ص).

قال: وبعد ان قرر الصحابة رضوان الله عليهم دفن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في حجرة السيدة عائشة، فنجد ان هذه الحجرة كانت متصلةً بالمسجد الذى يصلى فيه المسلمون. فكان المسلمون يصلون في المسجد الذى ألحق به حجرةٌ تشتمل على قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم. ولما مات أبو بكرٍ رضي الله عنه دفن بجوار النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، فأصبح المسجد ملحقاً به حجرةٌ تشتمل على قبرين. ولما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه دفن بجوارهما، فأصبحت الحجرة الملحقة بالمسجد بها ثلاثة قبور.

وظل المسلمون يصلون في المسجد على هذه الحالة، ولم ينكر أحد؛ فكان ذلك إجماعاً عمليًّا منهم ـ  قلت: يعنى: مستدل به من عمل المسلمين أجمعين، وليس رأياً فقهيًّا نظريًّا اتفق عليه العلماء، وإن ترتب عليه عملٌ للأمة الإسلامية ـ  على عدم حرمة الصلاة في مسجدٍ يتصل به حجرةٌ تشتمل على قبور للنبى صلى الله عليه [وآله] وسلم أو لصاحبيه.

قلت: ومما تقرر في القواعد الفقهية: (أن حريم المسجد كالمسجد). أضف إلى ذلك أن الحجرة الشريفة كان لها بابٌ للمسجد مفتوحًا إليه، فلم تكن منفصلةً تماماً عُرفاً. والله أعلم.

وهناك من يعترض على هذا الكلام ويقول: إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

والرد عليه: أن الخصوصية في الأحكام بالنبي تحتاج إلى دليلٍ، والأصل: ان الحكم عامٌّ ما لم يرِد دليلٌ يثبت الخصوصية. ولا دليل هنا؛ فبطلت الخصوصية المزعومة في هذا الموطن. ونزولاً على قول الخصم من أن هذه خصوصية للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ  وهو باطلٌ كما بيَّنا ـ  فالجواب: أن هذه الحجرة دفن فيها سيدنا أبو بكرٍ رضي الله عنه وسيدنا عمر رضي الله عنه، والحجرة متصلة بالمسجد. فهل الخصوصية انسحبت إلى أبى بكرٍ وعمر رضي الله عنهما أم ماذا؟!

والصحابة يصلون في المسجد المتصل بهذه الحجرة التي بها ثلاثة قبورٍ، والسيدة عائشة رضي الله عنها تعيش في هذه الحجرة، وتصلى فيها صلواتها المفروضة والمندوبة. ألا يعدُّ فعل الصحابة هذا إجماعاً عمليًّا على ذلك الحكم؟!.

قيل: وفى ولاية عمر بن عبد العزيز للمدينة أدخلت القبور الثلاثة المسجدَ، وقد وافق فقهاء المدينة السبعة على ذلك، ولم يعترض منهم إلا سعيد بن المسيِّب رضي الله عنه، ولم يكن اعتراضه لأنه يرى حرمة الصلاة في المساجد التي بها قبور، وإنما اعترض لأنّه يريد ان تبقى حجرات النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم كما هي يطلع عليها المسلمون؛ حتى يزهدوا في الدنيا، ويعلموا كيف كان يعيش نبيهم صلى الله عليه [وآله] وسلم.

وعلى هذه السنة أنشأ المسلمون مساجدهم، ولم يجدوا نكيراً في إلحاق المسجد بضريح أحدٍ من آل البيت الكرام او الصالحين. وكان ذلك إجماعاً من المسلمين سلفاً وخلفاً وشرقاً وغرباً.

إذاً ما الذى حدث، وما سبب تحريم من يدَّعون التمسك بالدين الصلاة في هذه المساجد، والتصريح بهدم المساجد او الأضرحة؟!

و السبب في ذلك: أن هؤلاء بحثوا في كتب السنة، واستخرجوا حديثًا ظنوا أنه ينطبق على هذه الصورة التي ارتضاها المسلمون. هذا الحديث هو:(لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وفى روايةٍ لمسلمٍ زاد: (قبور أنبيائهم وصالحيهم). والحقيقة: أن اتخاذ القبر مسجداً الذى ورد فيه النهى ليس هو ما ذكرنا من بناء المسجد ملحقاً به أحد أضرحة الصالحين.

فإن علماء الأمة لم يفهموا من هذا الحديث النهى عن اتصال المسجد بضريح نبىٍّ أو صالحٍ، وإنما فسروا اتخاذ القبر مسجداً: أن يجعل القبر نفسه مكاناً للسجود، ويسجد عليه الساجد لمن في القبر حيث قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (التوبة:31).

فهذا هو معنى السجود الذى استوجب اللعن، أو جعْل القبر قِبْلَةً دون القِبلة المشروعة، كما يفعل أهل الكتاب؛ حيث يتوجهون بالصلاة إلى قبور أحبارهم ورهبانهم، فتلك الصور هي التي فهمها علماء الأمة من النهى عن اتخاذ القبور مساجد.

وقد اتضح ذلك في شروحهم لهذه الأحاديث، فها هو الشيخ السِّندي يقول بشأن هذا الحديث: (ومراده بذلك أن يحذر أمته ان يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم، من اتخاذهم تلك القبور مساجد: إما بالسجود إليها تعظيماً. أو بجعلها قِبلةَ يتوجهون في الصلاة نحوها. قيل: ومجرد اتخاذ مسجدٍ في جوار صالحٍ تبرُّكاً غير ممنوعٍ)([3]). وقد نقل العلامة ابن حجر العسقلاني وغيره من شرَّاح السنن([4])، قول البيضاوي؛ حيث قال: (قال البيضاوي: لما  كانت اليهود يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم، ويجعلونها قبلةً، ويتوجهون في الصلاة نحوها، فاتخذوها أوثاناً ـ  لعنهم الله ـ  ومُنِع المسلمون عن مثل ذلك، ونهاهم عنه. أما من اتخذ مسجداً بجوار صالحٍ أو صلى في مقبرته، وقصد به الاستظهار بروحه، ووصول أثرٍ من آثار عبادته إليه ـ  قلت: أي: عبادة الولي الصالح المدفون ـ  لا التعظيم له، والتوجه؛ فلا حرج عليه. ألا ترى أن مدفن إسماعيل في المسجد الحرام ثَمَّ الحطيم. ثم إنّ ذلك المسجد أفضل مكانٍ يتحرى المصلِّى بصلاته، والنهي عن الصلاة في المقابر مختصٌّ بالمنبوشة لما فيها من النجاسة. انتهى).

وقد نقل كذلك المباركفوري في شرحه لجامع الإمام الترمذي قول التوربشتي، فقال: (قال التوربشتي: هو مُخرَّج على الوجهين: أحدهما: كانوا يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لهم، وبقصد العبادة في ذلك. وثانيهما: أنهم كانوا يتحرون الصلاة في مدافن الأنبياء. والتوجه إلى قبورهم في حالة الصلاة والعبادة لله؛ نظراً منهم ان ذلك الصنيع أعظم موقعاً عند الله لاشتماله على الأمرين)([5]). فكأنّما ينبغي على هؤلاء المتشددين أن يعرفوا الصورة المنهى عنها، لا أن ينظروا إلى ما فعله المسلمون في مساجدهم ثم يقولون: إن الحديث ورد في المسلمين! فهذا فعل الخوارج ـ  والعياذ بالله ـ  قال ابن عمر رضي الله عنهما: (ذهبوا إلى آياتٍ نزلت في المشركين؛ فجعلوها في المسلمين). فليست هناك كنيسة للنصارى، ولا معبد لليهود، على هيئة مساجد المسلمين التي بها أضرحة، والتي يصر بعضهم أن الحديث جاء في هذه الصورة!.

وأخيراً فمما سبق فبيان حكم الصلاة بالمسجد الذى به ضريحٌ يكون إذا كان القبر في مكانٍ منعزلٍ عن المسجد، أي: لا يُصلَّى فيه؛ فالصلاة في المسجد الذى يجاوره صحيحة، ولا حرمة ولا كراهية فيها. أما إذا كان القبر في داخل المسجد؛ فإن الصلاة باطلة ومحرمة على مذهب أحمد بن حنبل. جائزةٌ وصحيحةٌ عند الأئمة الثلاثة. غاية الأمر أنهم قالوا: يكره أن يكون القبر أمام المصلى، لما فيه من التشبُّه بالصلاة إليه. والله تعالى أعلى وأعلم. انتهى([6]).

المسألة الثانية:

ومن المسائل التي كفروا بها المسلمين واستحلوا بها دماءهم وأعراضهم وأموالهم؛ بما يتفق مع أغراض المستعمرين، وبما عرف من تنسيقٍ بينهم في الظاهر والباطن: (تحريم شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وقبور الأولياء الصالحين، بل وصفهم بالقبوريين والمشركين).

الرد من الكتاب والحديث الشريف: قلت:

سبق الإشارة إلى آية سورة الكهف، وسبق بيان معنى الآية الكريمة.  

وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (النساء:64). قلت: ومجيئه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يكون في حياته، وبعد انتقاله سواء؛ فإنّ النبي (ص) حيٌّ في قبره، بل كل الأنبياء والمرسلين أحياءٌ في قبورهم؛ لقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: (الأنبياء أحياءٌ في قبورهم)، وقد مر سيدنا محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم على قبر سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مر عليه في رحلة الإسراء وهو قائم يصلى في قبره كما في الحديث الصحيح. وقد صلى بسائر الأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى إماماً بهم صلى الله عليه [وآله] وسلم. وقال العلماء: إنه صلى بهم بجسدهم العُنصري وليس بأرواحهم فقط. ومن ذلك وغيره من الأدلة الكثيرة يتبيّن كونه حيًّا في قبره صلى الله عليه [وآله] وسلم، وقد أخبرنا أيضاً بقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: (تُعرض علىَّ أعمالكم، فما وجدت فيها من خيرٍ حمدت الله، وما كان فيها من شرٍّ استغفرت لكم)، وهناك حديث: من سلَّم علىَّ في قبري، فإن الله يرد علىَّ روحي فأرد عليه السلام)؛ فدل هذا كله بلا أدنى شكٍّ إلا عند من ران الله على قلبه: أن مجيئه صلى الله حيًّا وطلب الاستغفار منه كمجيئه وهو في الرفيق الأعلى وعند قبره لطلب الاستغفار؛ فيسمعه ويدعو الله له بذلك، والله فضله واسع.

الدليل من الإجماع: قد أجمعت الأمة سلفاً وخلفاً على مشروعية زيارة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، فذهب جمهور العلماء من أهل الفتوى في المذاهب إلى أنها سنةٌ مستحبةٌ. وقالت طائفةٌ من المحققين: هي سنةٌ موكَّدةٌ تقرب من درجة الواجبات. وهو المفتي به عند طائفةٍ من الحنفية. وذهب الفقيه المالكي أبو عمران موسى بن عيسى الفاسي إلى أنها واجبةٌ. اهـ([7]).

قلت: وقد ورد من طرقٍ عدة في الحديث: (من حجَّ فلم يزرني فقد جفاني)، وطرق أحاديث الزيارة ورواياتها يقوِّى بعضها بعضاً. ولو لم يكن هناك إجماع للعلماء ولو لم يكن هناك أحاديث ترغِّب في زيارته صلى الله عليه [وآله] وسلم؛ فيكفى المسلم حب رسول الله الكامن في باطنه الذى يدعوه ويجذبه، ويستحثه ويشوِّقه لزيارته المباركة.

أمّا ابن عبد الوهاب ومن اتبعه في عصره وفى هذا الزمان فلهم شأن آخر، وقائدهم الشيطان. فقد أورد العلامة شيخ الحرم وشيخ الإسلام أحمد زيني دحلان عن هذا الرجل أنه(من منكراته تكفيره الأمة من ستمائة سنةٍ، وحرق الكتب الكثيرة، وقتله كثيراً من العلماء، وخواص الناس، وعوامِّهم، واستباحة دمائهم وأموالهم، وإظهار التجسيم للباري تبارك وتعالى، وعقده الدروس لذلك، وتنقيصه النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وسائر الأنبياء والمرسلين، والأولياء، ونبش قبورهم، وأمر في الأحساء ان تجعل بعض قبور الأولياء محلًّا لقضاء الحاجة، ومنع الناس من قراءة دلائل الخيرات في الصلاة على سيد السادات، ومنعهم من الرواتب والأذكار، ومن قراءة مولد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في المنائر بعد الأذان، وقتل من فعل ذلك، وكان يعرِّض لبعض الغوغاء الطَّغَام – يعنى: أوغاد الناس والحمقى ـ  يعرِّض بدعواه النبوة، ويُفهِمهم ذلك من فحوى كلامه، ومنع الدعاء بعد الصلاة، وكان يقسم الزكاة على هواه، وكان يعتقد أن الإسلام منحصرٌ فيه وفيمن تبعه، وأن الخلق كلهم مشركون، وكان يصرح في مجالسه وخطبه بتكفير المتوسِّل بالانبياء والملائكة والأولياء، ويزعم أن من قال لأحدٍ: مولانا أو سيدنا، فهو كافر! ولا يلتفت إلى قول الله في سيدنا يحيى عليه السلام: (وسيِّداً)، ولا إلى قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم للأنصار: (قوموا لسيدكم) ـ  يعنى: سعد بن معاذ رضي الله عنه، ويمنع من زيارة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ويجعله كغيره من الأموات، وينكر علم النحو واللغة والفقه، والتدريس بهذه العلوم، ويقول: إن ذلك بدعة). قلت: وسوف يرى القارئ الكريم الرد على كل هذه المسائل والضلالات واحدةً بإذن الله تتلوها أخرى، فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم قال الشيخ أحمد زيني دحلان: (ثم قال السيد علوى الحداد في كتابه المتقدم ذكره ـ عنى: كتاب: جلاء الظلام في الرد على النجدي الذى أضل العوام ـ  قال: والحاصل: ان المحقق عندنا من أقواله وأفعاله ما يوجب خروجه عن القواعد الإسلامية؛ لاستحلاله أموالاً مجمعاً على تحريمها معلومة من الدين بالضرورة، بلا تأويل سائغ، مع تنقيصه الأنبياء والمرسلين، والأولياء والصالحين، وتنقيصهم تعمُّداً كفرٌ بإجماع الأئمة الأربعة. اهـ)([8]).

فأقول ـ عوداً للرد على زيارة قبره الشريف ـ : فكان من شأن العلماء التبرك بما مسته يده الشريفة مثل المنبر، فقد ورد عن التابعي إبراهيم بن عبد الرحمن: أنه نظر إلى ابن عمر رضي الله عنهما، وهو يضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من المنبر، ثم يضعها على وجهه.

أما زيارة القبور عموماً فهي مشروعة باتفاق الأمة؛ فهي مستحبة للرجال باتفاق كافة العلماء، وكذلك مستحبة للنساء عند الأحناف، وجائزة عند الجمهور ولكن مع الكراهة، وذلك لرقة قلوبهن، وعد قدرتهن على الصبر.

ودليل الاستحباب قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنه تذكر الآخرة)أخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد في المسند، وغيرهما. قال: ويستثنى من كراهة زيارة القبور للنساء عند الجمهور زيارة قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، فإنه يندب لهن زيارته، وكذا قبور الأنبياء غيره عليهم الصلاة والسلام؛ لعموم الأدلة في طلب زيارته صلى الله عليه [وآله] وسلم([9]).

قلت: ويلحق بزيارة النساء لقبور الأنبياء والمرسلين وأولهم سيدنا محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، أن يندب لهم زيارة قبور الأولياء والصالحين؛ فإن علة عدم قدرتهن على الصبر ورقة قلوبهن تتأكد في حق زيارتهن قبور أقربائهن حال الدفن، فإن الحزن وقتها يكون آكد وأشد، اما بعد ذلك بفتراتٍ طويلةٍ أو في حال زيارتهن الأولياء والصالحين؛ فأرى أن العلة تنتفى، والأحكام المعللة تدور مع علتها وجوداً وعدماً حيث دارت؛ فإذا وجدت وجد الحكم، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، وهن يعرف ذلك من أنفسهن قبل زيارة أقاربهن. والله أعلم.

أما مسألة شد الرحال التي منع بها ابن تيمية وابن عبد الوهاب هذا ومن مشى وراءهم، والغرض منها هو تنقيص الشأن العظيم للنبي (ص)؛ فيقول العلامة المفتي السابق ـ  حفظه الله ـ :

وشد الرحال كناية عن السفر والانتقال، والسفر في نفسه ليس عبادةً، ولا عملاً مقصوداً لذاته في أداء العبادات، ويلزم القائل بأن شد الرحال لزيارة القبور، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لا يجوز، أن يكون حكم استحباب زيارة القبور وزيارة قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم خاصًّا بأهل البلد الذى فيه القبر؛ فيكون أهل المدينة وحدهم هم الذين يجوز لهم الخروج من بيتهم يقصدون زيارة قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وأن أي إنسانٍ آخر يحتاج إلى السفر ليفعل الفعل نفسه يكون آثماً. وهذا بعيدٌ جدًّا، بل هو غلطٌ ووهم.

فإن علماء الأصول اتفقوا على أن الوسائل لها حكم المقاصد. فإذا كان الحج واجباً، فشد الرحال للحج واجب، وإن كانت زيارة قبر  النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم والصالحين، والأقارب، وعموم المسلمين مستحبة؛ فيتعين أن يكون شد الرحال لزيارتهم مستحبة، وإلا كيف يستحب الفعل وتحْرُم وسيلته؟!

وقد ذهب العلماء إلى أنه يجوز شد الرحال لزيارة القبور؛ لعموم الأدلة، وخصوصاً قبور الأنبياء والصالحين.

أما قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى) خاصٌّ بالمساجد، فلا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة منها. بدليل جواز شد الرحال لطلب العلم والتجارة([10]).

قلت: ومعنى الحديث كما أورده الإمام النووي في (شرح صحيح مسلم)، وعلى ما تقتضيه اللغة العربية: أنه بلغت المنزلة درجةً كبيرةً وعظيمة في شأن هذه المساجد؛ بحيث إنها أولى المساجد والأماكن بشد الرحال إليها لو أردنا أن نشد الرحال في زيارة المساجد، فهذا على رأسها وأولها وأولاها منزلةً. قلت: كما يقال: لا يزار في مصر إلا فلان. فليس المقصود النهي عن زيارة غيره، ولكن التأكيد على منزلته، والترغيب الشديد في زيارته، دونما نهىٍ عن زيارة غيره، أو ادعاء عدم وجود منفعة أو بركة في زيارة المساجد الأخرى التي دفن بها أنبياء أو أولياء. فتنبَّه زادني الله وإيّاك فهماً وعلماً ونوراً. اهـ.

وقد اتفق العلماء في هذا الفهم، وننقل قول الشيخ سليمان بن منصور المشهور بـ(الجمل): (لا تشد الرحال)؛ أي: للصلاة فيها، فلا ينافى شد الرحال لغيرها...إلى ان قال: قال النووي: ومعناه لا فضيلة في شد الرحال إلى المسجد غير هذه الثلاثة، ونقله عنه الجمهور. وقال العراقي: من أحسن محامل الحديث: أن المراد منه حكم المساجد فقط؛ فإنه لا تشد الرحال إلى مسجدٍ من المساجد غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد من الرحلة لطلب العلم، وزيارة الصالحين، والإخوان والتجارة، والتنزُّه، ونحو ذلك، فليس داخلاً فيه([11]).

قلت: وقد ورد من فعل الأئمة أمثال الإمام الشافعي رضي الله عنه: أنه كان يزور قبر نبي الله هارون عليه السلام، ويقول: إن في زيارته نفحاتٌ وبركة. او قريب من هذا المعنى. ولو جمعنا الزيارات والمساجد والمشاهد والأضرحة التي زارها علماء الأمة وأولياؤها لامتلأت بها المجلدات. اهـ. تعليقي.

قال الشيخ الجمل رحمه الله: وقد ورد ذلك مصرحاً به في رواية الإمام أحمد، وابن أبي شثيبة، بسندٍ حسنٍ عن أبى سعيدٍ الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: (لا ينبغي للمصلى أن يشد رحاله إلى مسجدٍ يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)، وفى روايةٍ: (لا ينبغي للمُطَيّ أن تشد رحالها...) إلخ.

قال العلامة السبكي رحمه الله: وليس في الأرض بقعةٌ فيها فضلٌ لذاتها حتى تشد الرحال إليها لذلك الفضل غير البلاد الثلاثة.

ومرادي بالفضل ما شهد الشرع باعتباره، ورتب عليه حكماً شرعيًّا، أمّا غيرها من البلاد فلا تشد إليها لذاتها، بل لزيارةٍ، او علمٍ، أو نحو ذلك من المندوبات، أو المباحات. وقد التبس ذلك على بعضهم، فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة لمن في غير الثلاثة كسيدي أحمدي البدوي، ونحوه، داخلٌ في المنع، وهو خطأ؛ لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه. فمعنى الحديث: لا تشد الرحال إلى مسجدٍ من المساجد، أو إلى مكانٍ من الأمكنة؛ لأجل ذلك المكان، إلا إلى الثلاثة المذكورة، وشد الرحال لزيارةٍ أو طلب علمٍ ليس إلى المكان، بل لمن في المكان، فليُفهم. برماوي ـ  أي: نقله الشيخ الجمل عن الشيخ البرماوي)([12]).

قال العلامة الشيخ على جمعة المفتي السابق: وعليه فإن شد الرحال لزيارة قبره صلى الله عليه [وآله] وسلم مستحبٌّ؛ لأنه الوسيلة الوحيدة لتحصيل المستحب، وهو الزيارة، وكذلك شد الرحال لزيارة قبور الصالحين والأقارب مستحبٌّ؛ لأنه وسيلته، وشد الرحال للأمور المباحة مباحٌ، والله تعالى اعلى وأعلم). انتهى النقل من (البيان لما يشغل الأذهان).

المسألة الثالثة:

*ومما رموا به المسلمين تكفيراً وتشريكاً: (تحريمهم التوسل بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وعدُّه شركاً بالله).

والرد على ذلك من الكتاب والحديث الشريف وأقوال العلماء كالآتي:

قال العلامة المفتي الشيخ الدكتور على جمعة ـ  حفظه الله ـ : (من طامات هذا التيار المتشدد: أنه يحرم التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في الدعاء إلى الله، ويتهمون من يفعل ذلك بالشرك، على الرغم من أن التوسل بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم مسألة اتفقت عليها الفقهاء ومذاهبهم، وقد اتفقت المذاهب الأربعة على جواز التوسّل بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، بل استحباب ذلك، وعدم التفريق بين حياته صلى الله عليه [وآله] وسلم وانتقاله الشريف صلى الله عليه عليه [وآله] وسلم). اهـ. قلت: فإن الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون. اهـ. المؤلف.

ثم قال الشيخ: (ولم يشذ إلا ابن تيمية حيث فرَّق بين التوسل بالنبي في حياته وبعد انتقاله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ولا عبرة بشذوذه).

قلت: (والأولى عدم الالتفات لكلامه هنا، وفى غيره في كثيرٍ من المواضع؛ فهو الذى قسَّم التوحيد توحيدين! توصلاً لتكفير أهل لا إله إلا الله، وقالوا لابد من توحيدين، مع أن الله سماه توحيداً، ولم يطالب من قال لا إله إلا الله بغير ذلك حتى يكون معصوم الدم والعرض والمال في الدنيا، على ما كان منه، وإن زنا وإن سرق رغم أنف أبى ذر، كما في الحديث، وابن تيمية هو الذى قدح في السيدين الجليلين سيدنا الحسن والحسين، وقال في كتابه (الرد على ابن المطهر الرافضي)، والمشهور عند المتسلفة بـ(منهاج السنة)! قال: وهما وإن كانا سيدي شباب أهل الجنة، إلا أنهما لم يكونا زاهدين، ولم يكونا أفضل أهل زمانهما!! وإن أبا بكر سيدا كهول أهل الجنة..)([13]).

وقد رد عليه الشيخ د. أحمد كريمة بأن الجنة ليس فيها كهول. قلت: فمتى ثبت صحة الخبر فهذا باعتبار كونهما استشهدا يعنى سيدينا أبي بكر وعمر وهما كهلين أو شيخين لا باعتبار حاليهما في الجنة.

 ولا شك في انّ من كانا سيدي شباب أهل الجنة، والجنة كلها شباب، فإن فضلهما لا يدرك بمثل كلام ابن تيمية ليرد به على أحد الرافضة، فيسيء لأهل السيادة والولاية والإمامة، والبضعة النبوية الشريفة، ولا عجب في ذلك، فابن تيمية معروف بقدحه في آل البيت، وكلامه يدل على أنه ناصب آل البيت العداء.

فقد قال عن إمام المتقين، وباب مدينة العلم سيدنا عليّ عليه رضوان الله الآتي:

(إن ولاية عثمان كان فيها من المصالح والخيرات ما لا يعلمه إلا الله، وما حصل فيها من الأمور التي كرهوها إلا كتأمير بعض بنى أمية، وإعطائهم بعض المال ونحو ذلك، فقد حصل من ولاية من بعده ـ  قصد سيدنا عليٍّ  ـ  ما هو أعظم من ذلك من الفساد، ولم  يحصل فيها من الصلاح ما حصل في خلافة عثمان...قال: ولم يزدهر في خلافته دين الإسلام ـ عنى سيدنا عليّ! ـ .. قال: وأما عليّ فلم يتفق المسلمون على مبايعته! بل وقعت الفتنة تلك المدة، وكان السيف في تلك المدة مكفوفاً عن الكفار، مسلولاً على أهل الإسلام... ثم قال: لم يتمكن في خلافته من غزو الكفار، ولا فتح مدينةٍ، ولا قتل كافرٍ.. ثم قال: فإن كثيراً من الصحابة والتابعين يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه).اهـ .([14]) فحسبنا الله ونعم الوكيل.

أما سيدنا عليّ فيكفيه قول سيدنا رسول الله له:(والله لا يبغضك إلا منافق، ولا يحبك إلا مؤمن)، وقوله له:(والله لتقاتِلنَّ على تأويله كما قاتلتَ على تنزيله)، وقوله له:(لأعطين الراية لرجلٍ يفتح الله على يديه. يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله).

هذا وقد ألف الإمام النسائي إمام المحدثين كتبه(فضائل علىٍّ)، وألف الإمام الحافظ أحمد بن حنبل كتابه (فضائل الصحابة)؛ فكان ثلثا الكتاب في فضائل سيدنا علىٍّ رضي الله عنه.

هذا وقد ألف الشريف الدكتور محمود السيد صبيح كتابا كبيراً من قرابة الستمائة صفحة سماه (أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله) توزيع دار الركن والمقام بمصر. فمن أراد الاستزادة، فليراجع هذه الكتب؛ ليعلم خطورة ابن تيمية هذا على الإسلام والمسلمين.

وإن العلماء إذا ذكروا كلامه في مثل هذه الطامات والشذوذات وغيرها؛ فإنما يذكر للرد عليه، ورفع الشبهة لدى القارئين. أما هو فليس شيخاً للإسلام كما يدعون، بل هو بلوى ومصيبة رزئ الإسلام بها.

أعود لاستكمال كلام العلامة الشيخ على جمعة ـ حفظه الله ـ حيث يقول:

(قال العلامة تقي الدين السبكي في (شفاء السقام): اعلم أنه يجوز ، ويحسن التوسل والاستعانة، والتشفُّع بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى ربه سبحانه وتعالى، وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دينٍ، والمعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف والصالحين، والعلماء، والعوام من المسلمين، ولم ينكر ذلك أحدٌ من أهل الأديان، ولا سُمِع به في زمنٍ من الأزمان حتى جاء ابن تيمية، فتكلم في ذلك بكلامٍ يلبِّس فيه على الضعفاء والأغمار، وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار). انتهى كلام الإمام تقى الدين السبكي).

ثم قال: (فندعو الأمة إلى التمسك بما اتفق عليه أئمتها الأعلام، وفيما يأتي بيان أدلة المسألة من القرآن والسنة، والنقل من الكتب المعتمدة في مذاهب الفقهاء.

قال:

أولاً أدلة القرآن الكريم:

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (المائدة:35).

وقال سبحانه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ (الإسراء: 57).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (النساء: 64).

فالآية الأولى: تأمر المؤمنين أن يتقربوا إلى الله بشتى أنواع القربات، والتوسل إلى الله بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في الدعاء من القربات التي ستثبت تفصيلاً في استعراض أدلة السنة، وليس هناك ما يخصص وسيلةً عن وسيلةٍ؛ فالأمر عامٌّ بكل أنواع الوسائل التي يرضى الله بها، والدعاء عبادة، ويُقبل طالما أنه لم يكن بقطيعة رحمٍ او إثمٍ او احتوى على ألفاظٍ تتعارض مع أصول العقيدة ومبادئ الإسلام.

والآية الثانية: يثنى الله عز وجل على هؤلاء المؤمنين الذين استجابوا لله، وتقربوا إليه بالوسيلة في الدعاء، كما سنبين كيف يتوسل المسلم إلى الله في دعائه من السنة.

والآية الثالثة: آية مطلقة ليس لها مقيِّدٌ نصىٌّ ولا عقليٌّ؛ فليس هناك ما يقيد معناها بحياة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم الدنيوية؛ فهي باقية إلى يوم القيامة، فالعبرة في القرآن دائماً بعموم اللفظ وليست بخصوص السبب، ومن زعم تخصيص الآية بحياته صلى الله عليه [وآله] وسلم او تخصيصها به؛ فعليه ان يأتي بالدليل، فالإطلاق لا يحتاج إلى دليلٍ؛ لأنه الأصل. والتقييد هو الذى يحتاج إلى دليلٍ.

قال: هذا ما فهمه المفسرون، بل أكثر المفسرين التزاماً بالأثر كالحافظ ابن كثير رحمه الله، قد ذكر الآية وعقَّب عليها بقوله: (وقد ذكر جماعةٌ منهم الشيخ أبو نصر الصباغ في كتابه(الشامل) هذه القصة المشهورة عن العتبىِّ قال: كنت جالساً عند روضة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، فجاء أعرابىٌّ فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: (ولو انهم إّ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)؛ وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربى، ثم أخذ يقول:

يا خيرَ من دُفنت بالقاع أعظمُه           فطابَ من طِيبهِنَّ القاعُ والأَكَمُ

نفسى الفـداءُ لقبرٍ أنت ساكنُـه           فيـه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ

ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في النوم فقال: يا عُتبىُّ الْحقْ الأعرابيَّ، فبشِّره بأنّ الله قد غفر له)([15]). قال: وقد استدل بتلك الآية أغلب الفقهاء على استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، كما استحبوا قراءتها أثناء زيارة روضته الشريفة صلى الله عليه [وآله] وسلم.

فذهب الحنفية إلى استحباب قراءة الآية عند قبره الشريف، ففى (الفتاوى الهندية) في آداب زيارة قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ما نصه: (ثم يقف عند رأسه صلى الله عليه [وآله] وسلم كالأول ويقول: اللهم إنك قلتَ  ـ  وقولك الحق ـ : ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ﴾ (النساء: 64).

ومن المالكية: يقول ابن الحاجِّ العبدري: (فالتوسل به عليه الصلاة والسلام هو محلّ حط أحمال الأوزار، وأثقال الذنوب والخطايا؛ لأن بركة شفاعته عليه الصلاة والسلام، وعظمها عند ربه، لا يتعاظمها ذنبٌ؛ إذ إنها أعظم من الجميع؛ فليستبشر من زاره، ويلجأ إلى الله تعالى بشفاعة نبيه عليه الصلاة والسلام من لم يزره. اللهم لا تحرمنا من شفاعته بحرمته عندك آمين يا رب العالمين.

ومن اعتقد خلاف هذا فهو المحروم؛ ألم يسمع قول الله عز وجل: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾ (النساء:64). فمن جاءه ووقف ببابه وتوسل به؛ وجد الله تواباً رحيماً؛ لأن الله عز وجل منزَّهٌ عن خُلْف الميعاد، وقد وعد سبحانه وتعالى بالتوبة لمن جاءه ووقف ببابه، وسأله واستغفر ربه. فهذا لا يشك فيه ولا يرتاب إلا جاحدٌ معاندٌ لله ولرسوله صلى الله عليه [وآله] وسلم  ـ  نعوذ بالله من الحرمان)([16]). قلت: (ومن هؤلاء الشاكين المرتابين الجاحدين المعاندين لله ولرسوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: ابن عبد الوهاب الضال المارق، وإمامه ابن تيمية، ومن حذا حذوهما من شياطين الإنس التكفيريين).

وقال إمام الشافعية الإمام النووي في بيانه لآداب زيارة النبي (ص): (ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ويتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى، ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي، والقاضي أبو الطيب، وسائر  أصحابنا عن العُتبي مستحسنين له قال: (كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾ (النساء: 64)، وقد جئتك مستغفراً من ذنبى، مستشفعاً بك إلى ربي...)، ثم ذكر القصة التي أوردها ابن كثير. اهـ. ([17]).

وفى مذهب الحنابلة: يرشد الإمام ابن قدامة إلى تلاوة تلك الآية، ومخاطبة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بها، وطلب الاستغفار منه صلى اله عليه وسلم في آداب زيارة قبره الشريف، فبعد أن ذكر السلام عليه والدعاء له، والصلاة عليه قال: (...اللهم إنك قلت ـ وقولك الحق ـ : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما).(النساء:64)، وقد أتيتك مستغفراً من ذنوبي، مستشفعاً بك إلى ربى؛ فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين، وأنجح السائلين، وأكرم الآخرين والأولين، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم يدعو لوالديه وللمسلمين أجمعين). اهـ.([18]).

ثانياً: أدلة الحديث الشريف:

أولاً: حديث الأعمى: عن عثمان بن حَنيفٍ أن رجلاً ضرير البصر اتى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال: ادعُ الله أن يعافيني. قال: (إن شئت دعوتُ، وإن شئت صبرتَ؛ فهو خير لك). قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضأ، فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربى في حاجتي هذه لتُقضَى لي، اللهم فشفِّعه في)([19]). قال الشيخ: وهذا الحديث دليل على استحباب هذه الصيغة من الأدعية حيث علَّمها النبي لأحد أصحابه، وأظهر الله معجزة نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم، حيث استجاب لدعاء الضرير في المجلس نفسه.

فإذا علَّم رسول الله أحداً من أصحابه صيغةً للدعاء، ونقلت إلينا بالسند الصحيح؛ فدل ذلك على استحباب الدعاء بها في كل الأوقات حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وليس هناك مخصِّص لهذا الدعاء لذلك الصحابي وحده، ولا مقيِّد لذلك بحياته صلى الله عليه [وآله] وسلم؛ فالأصل في الأحكام والتشريعات أنها مطلقة وعامة إلا أن يثبت المخصص او المقيد.

ثانياً: قصة الحديث السابق: وهى القصة التي كانت سبباً في رواية عثمان بن حَنيفٍ هذا الحديث، وهى: أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهما في حاجةٍ له، فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر إليه في حاجته، فلقي عثمان بن حَنيفٍ، فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيفٍ: ائت المِيضَأة، فتوضأ ثم أئت المسجد، فصلِّ ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمدٍ صلى اله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمدُ إني أتوجه إلى ربى؛ فتُقضَى لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورحْ إلىَّ حتّى أروح معك. فانطلق الرجل، فصنع ما قاله له، ثم أتى باب عثمان بن عفان، فجاء البواب، حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان، وأجلسه معه على الطِّنْفِسَة، وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجةٍ فأتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده، فلقى عثمان بن حنيفٍ، فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلمته، فقال عثمان بن حَنيفٍ: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، وأتاه رجلٌ ضريرٌ.. ثمّ ذكر الحديث.([20]) قال الشيخ: والقصة تدل على ما يدل عليه الحديث مع إغلاق الباب على من حاول أن يزعم أن الحديث خاصٌّ بحياة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

قلت: (وقد ورد في الخبر: خطابي للواحد منكم خطابي للجماعة)؛ بيعني: إلا ما ثبت فيه التخصيص كجعله شهادة أحد الصحابة تعدل شهادة رجلين، وكقوله: في أضحيةٍ جَذْعةٍ لم تتجاوز السِّن: تجزئك، ولا تجزئ غيرك، وكوقائع العَيْن التي لا يقاس عليها غيرها. فالأصل في الخطاب العموم ما لم يخصَّص، ولا تخصيص إلا بدليلٍ؛ فتنبه حتى لا يوردونك موارد الضلال).

ثالثاً: حديث الخروج إلى المسجد للصلاة: عن أبى سعيدٍ الخدري عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: (من قال حين يخرج إلى الصلاة: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي؛ فإني لم أخرج أَشَرًا ولا بَطَرًا، ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سُخْطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وان تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وكَّلَ الله به سبعين ألفِ مَلَكٍ يستغفرون له، وأقبل عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته)([21]).

قال: وهذا حديثٌ صحيح صححه كلٌّ من: الحافظ ابن حجر العسقلاني، والحافظ العراقي، وأبو الحسن المقدسي شيخ المنذري، والحافظ الدمياطي، والحافظ البوصيري.

قال: والحديث يدل على جواز التوسل إلى الله في الدعاء بالعمل الصالح، وهو سير المتوضئ إلى الصلاة، وبحق السائلين لله.

رابعاً: قصة الاستسقاء بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم عند قبره في زمن عمر: (فعن مالك الدار ـ وكان خازن عمر رضي الله عنه ـ  قال: (أصاب الناس قحطٌ في زمان عمر؛ فجاء رجلٌ إلى قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك، فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في المنام فقال: ائت عمر، فاقرئه مني السلام، وأخبره أنهم يُسْقَوْنَ، وقل له: الكَيْسَ الكَيْسَ، فأتى الرجل عمر، فأخبر عمر، فقال: يا ربِّ ما آلو غلا ما عجزتُ).([22]) قال: وهو حديث صحيح صححه الحافظ ابن حجر العسقلاني حيث قال ما نصه: وروى ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ من رواية أبي صالحٍ السمان عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحطٌ في زمن عمر، فجاء رجلٌ إلى قبر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم... الحديث).

قال الشيخ: وقد روى سيفٌ في (الفتوح): إنّ الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المُزَني أحد الصحابة رضوان الله عليهم، وقد ذكر الرواية كذلك الحافظ ابن كثير وقال: هذا إسنادٌ صحيحٌ.

قال: والحديث قد صححه كبار الحفاظ؛ فيصلح ان يكون دليلاً على جواز الطلب من النبي بالاستسقاء، والدعاء بعد انتقاله الشريف صلى الله عليه [وآله] وسلم.

قلت: (لأنه صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: تعرض علىَّ أعمالكم، فما وجدت فيها من خير حمدت الله، وما وجدت من شرٍّ استغفرت لكم ـ او كما قال ـ  فإنه يدعو لنا عندما يرانا نريد الاستسقاء به إلى الله؛ فيدعو الله في حياته البرزخية التي يطَّلع فيها على أعمالنا باطلاع الله له، ويطَّلع فيه على زائريه، والمستشفعين به، والمستسقين به إلى الله؛ فيدعو الله رحمةً منه، فهو رحمة فأي الدنيا قبل الانتقال، ورحمة في البرزخ بعده، ورحمة في الآخرة.. ولا محجِّر على الله، فإنه يستجيب لدعائه إن شاء، وإلا فهو بركةٌ تحلُّ بنا لمعرفتنا بقدره الشريف، لو فرض أن الله ادَّخر لنا الدعاء للآخرة، فنعطى عليه ما لا نتصوره من العطاء، والله أعلى وأعلم).

خامساً: قصة الخليفة المنصور مع الإمام مالك رحمه الله، وهى: أن مالكاً رضي الله عنه لما سأله أبو جعفر المنصور العباسي ـ  ثاني خلفاء بني العباس ـ  يا أبا عبد الله: أأستقبل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأدعو أم أستقبل القبلة وأدعو؟ فقال له مالك: ولِمَ تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك، ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله عز وجل يوم القيامة؟! بل استقبله، واستشفع به؛ فيشفِّعه الله)([23]). وأخيراً قال: ولكل هذه الأدلة الصريحة الصحيحة من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه [وآله] وسلم أجمع علماء الأمة من المذاهب الأربعة، وغيرها، على جواز، واستحباب التوسل بالنبي صلى اله عليه وسلم في حياته وبعد انتقاله، واتفقوا على أن ذلك لا يحرم قطعاً.

قال: وهو ما نراه: ان التوسل بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم مستحبٌّ، وأحد صيغ الدعاء إلى الله عز وجل المندوب إليها، ولا عبرة لمن شذَّ عن إجماع العلماء كابن تيمية، ومن ردد كلامه بعده ـ  قلت: عنى ابن عبد الوهاب وأتباعه الضالين غلى عصرنا هذا ـ  والله أعلى واعلم) اهـ.([24])                                                                                                       

(*) الكاتب بالموسوعة العربية لأعلام علماء وأدباء العرب والمسلمين  بمنظمة (ALECSO)  جمهورية مصر العربية.

*  هوامش البحث  *

([1]) (التعريفات) للعلامة السيد الشريف على الجرجاني الحسيني الحنفي. مع زيادة توضيحٍ.

([2]) زيني دحلان: شيخ الإسلام في زمانه، ومفتى الشافعية بمكة المكرمة.  هو الشيخ العلامة الفقيه المؤرخ أبو العباس أحمد بن السيد طار ذكره في الأقطار، واشتهر فضله في الأمصار، ولد سنة1232هـ ـ 1817م، وأخذ العلوم الشرعية عن أفاضل وأكابر من مكيين ومصريين ويمنيين ودمشقيين ، وخلقٍ كثير؛ حتى ولى إفتاء الشافعية بمكة، وكان ملازماً لتدريس الحديث الشريف خاصة، وكان رحمه الله لطيف المعاشرة، حسن المسايرة، سار في منهج العلم والأدب من صغره، يحبه العام والخاص، والأهالي والحكام، حتى بلغ أنه صار رئيس علماء الحجاز، ومقدَّمهم في الحقيقة والمجاز. له كتابات حسنة، وتأليفات مستحسنة، نذكر منها:  ـ السيرة النبوية ـ طبعت مراراً. تاريخ طبقات العلماء. مرتباً بترتيبٍ عجيبٍ، جمع الشافعية على حدتهم، والأحناف، وهكذا. الجداول المرضية في تاريخ الدولة الإسلامية. شرح ألفية ابن مالك في النحو. الدرر السنية في الرد على الوهابية.أسنى المطالب في نجاة أبى طالب. الأنوار السنية بفضائل ذرية خير البرية. شرح متن البهجة وأبى شجاع في الفقه وشرح عقود الجمان. وفتح الجواد المنان بشرح فيض الرحمن. ورسالة في البسملة. ورسالة في فضل الجمعة. وشرح رسالة الشكر للغزالي. ورسالة في البعث والنشور. وإرشاد العباد في فضائل الجهاد. وتقريرات على تفسير البيضاوي. وتقريرات على الأشموني والصبان. وتقريرات على السعد التفتازاني. وتقريرات على حاشية البناني. وتاريخ الأندلس. ومنهل العطشان على فتح الرحمن. وفضائل العلم. وبيان المقدمات وكيفية السلوك. والنصائح الإيمانية للأمة المحمدية. وتلخيص منهاج العابدين للإمام الغزالي. وتلخيص أسد الغابة في معرفة الصحابة. وتلخيص الإصابة في معرفة الصحابة. وشرح على متن الشاطبية في القراءات. وخلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام. وقد أنشئت أول مطبعة بمكة في عصره، فطبع فيها بعض كتبه القيمة، وقد أفرد ترجمته بالتأليف تلميذه السيد أبو بكر شطا الدمياطي ثم المكي برسالة مطبوعة سماها: نفحة الرحمن في مناقب سيدى أحمد دحلان. توفى سنة 1304هـ ـ  1886م ـ  انظر ترجمته فى: الأعلام لخير الدين الزركلى:ج1 ـ ص130، معجم المؤلفات الإسلامية في الرد على الفرقة الوهابية ص241، والذريعة إلى تصانيف الشيعة للطهراني أغا بزرك: ج4 ـ ص78، والشيخ عبد القادر الكيلاني: رؤى تاريخية معاصرة: د. جمال  الدين فالح الكيلاني ـ  مؤسسة مصر بغداد ـ  سنة 2011م، وحلية البشر: ص181:ص183، وفهرس الفهارس: ص390:ص392. 

([3]) حاشية السندي ـ  ج2 ـ ص41.

([4]) فتح الباري ج1 ـ ص524، شرح الزرقاني ـ ج4ص290، فيض القدير ـ ج4ص466.

([5]) تحفة الأحوذي للمباركفوري ـ  ج2 ـ ص226.

([6]) (المتشددون ـ  منهجهم.. ومناقشة أهم قضاياهم) ـ  المفتي السابق، وعضو هيئة كبار العلماء العلامة الشيخ أ.د: على جمعة ـ  حفظه الله ـ  ص81:ص87 ـ  طبعة دار المقطم ـ  مصر.

([7]) (البيان لما يشغل الأذهان) ـ ص192 ـ  ط الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ  سنة 2006م.

([8]) (الدرر السنية في الرد على الوهابية) لشيخ الحرم المكي الشيخ أحمد زيني دحلان ـ  ص35:ص36. مخطوط.

([9]) (البيان لما يشغل الأذهان) ـ ص191:ص192.

([10]) (البيان لما يشغل الأذهان) ـ ص194.

([11]) المصدر السابق نفسه.

([12]) فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب المعروف بحاشية الجمل ـ  ج2 ـ ص361.

([13]) (منهاج السنة لابن تيمية ـ ج4 ـ ص41).

([14]) (منهاج السنة!! لابن تيمية الناصبي المبتدع الضال ج4 ـ ص105، ج6 ص157، ج4 ص117، ج4ص161،ج7ص137).

([15]) وروى القصة كذلك البيهقي في (شعب الإيمان ـ ج3 ـ ص496.

([16]) (المدخل لابن الحاج العبدري ـ ج1 ـ ص260).

([17]) (المجموع للنووي ـ ج8 ـ ص256).

([18]) (المغني لابن قدامة ـ ج3 ـ ص298).

([19]) أخرجه أحمد في المسند، والترمذي في سننه وقال: هذا حديث حسن صحيح، والحاكم في المستدرك، والنسائي في السن الكبرى، وغيرهم.

([20]) رواه الطبراني في المعجم الصغير، والبيهقي في دلائل النبوة، والمنذري في الترغيب والترهيب.

([21]) أخرجه أحمد في المسند، وابن ماجه في سننه، وابن خزيمة في صحيحه، وابن السنى في عمل اليوم والليلة، والبيهقي في الدعوات الكبير، وابن أبي شيبة في المصنَّف، والطبراني في معجمه الكبير، وغيرهم.

([22]) أخرجه ابن أبى شيبة في مصنّفه، وابن عبد البر في الاستيعاب في معرفة الأصحاب.

([23]) أخرجه القاضي عياض في (الشفا في التعريف بحقوق سيدنا المصطفى) من طريقه عن شيوخس عدَّةٍ من ثقات مشايخه.، والسمهودي في (وفاء الوفا)، والقسطلاني في (المواهب اللدنية). وقال العلامة الزرقاني: إن ابن فهدٍ ذكر هذا بسندٍ حسنٍ، وذكره القاضي عياض بسندٍ صحيحٍ.

([24]) (المتشددون) أ.د: علي جمعة ـ  ص70:ص80. مع زيادة شرح وبيانٍ، وتعليقٍ بما يناسب المقام.