البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

حديث الغدير والدلالة على الإمامة (القسم الثاني)

الباحث :  أ.د. الشيخ محمّد شقير
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  27
السنة :  صيف 2023م / 1444هـ
تاريخ إضافة البحث :  June / 24 / 2023
عدد زيارات البحث :  615
تحميل  ( 1.373 MB )
الملخّص
عملنا في هذا القسم الثاني والأخير من بحثنا المعنون بـ (حديث الغدير والدلالة على الإمامة: بحثٌ تحليليّ لغويّ تاريخيّ فلسفيّ سياسيّ) إلى تبصّر دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة، من خلال عرض وتحليل بقيّة تلك القرائن الخارجيّة ذات الصّلة بهذا النصّ، والتي تُعين على فهمه، وتُبيّن مراده، وتوضّح مجمل سياقاته التي تتداخل مع دلالته.
هذا وقد عرضنا من تلك القرائن الخارجيّة ذات الصلة بدلالته الموضوعات التالية: القرائن المتأتيّة من كيفيّة تلقي الصّحابة ـ خصوصًا الذين كانوا في غدير خمّ ـ لحديث الغدير، وكيفيّة تعبيرهم عنه وبيانهم له؛ وأيضًا تلك القرائن التّاريخيّة والفلسفة الدينيّة والسّياسيّة وغيرها، ممّا يتّصل بالدّين وفلسفته، والتّاريخ وسياقاته، ومجمل ما يرتبط به، حيث عمدنا إلى بحث الموضوعات الآتية: أوّلًا، الظّرف التّاريخي لواقعة الغدير، من جهة إسهامه في بيان الهدف من خطبتها والمراد من بيانها. ثانيًا: فلسفة الدّين، حيث اعتمدنا منهجيّة فهم الدّين بطبيعته، وذلك بهدف الاستعانة بهذا الفهم من أجل تشخيص دلالة حديث الغدير وتعيين المراد منه. ثالثًا: سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القيادة وإدارة الشّأن العام، إذ نستطيع من خلال هذه السّيرة تشكيل قرينةٍ على تبيّن مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)من حديث الغدير وتحديد ما الذي كان يهدف إليه في تلك الواقعة. رابعًا: تاريخ السّلطة والإمامة في الاجتماع السّياسي والدّيني الإسلامي، فإنّ من يتبصّر هذا التّاريخ، ومآلاته، لن يرتضي فرضيّة أنْ يكون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أهمل قضيّة الخلافة، مع ما يمكن أنْ يؤدّي إليه هذا الإهمال من كثيرِ احترابٍ وفتنٍ، ونزاعاتٍ وتصدّعاتٍ في جسد الأمة الإسلاميّة وكيانها. خامسًا: واقعة الغدير: الظروف والإجراءات والمراسم، حيث عرضنا لتلك الظروف المحيطة بواقعة الغدير بشكل مباشر، ولجملةٍ من تلك الإجراءات والمراسم في تلك الواقعة. سادسًا: البيعة والتهنئة، حيث يمكن القول إنَّ هذا التّقليد السياسي ـ والذي أفردناه بعنوانٍ خاصٍّ لأهميّته ـ يسهم بفاعليّة في تشخيص دلالة حديث الغدير، وتعيين المراد منه.

الكلمات المفتاحية
{ الإمام علي(عليه السلام)، الإمامة، حديث الغدير ، الخلافة ، القرائن الخارجيّة، القرائن الداخليّة، واقعة الغدير }


Abstracts
‎ In this second and final section of our research entitled (The Hadith of Al-Ghadir and the Indication of the Imamate: An Analytical, Linguistic, Historical, Philosophical, Political Research), we worked to gain insight into the significance of the hadith of Al-Ghadir on the Imamate and the Caliphate, by presenting and analyzing the rest of those external clues related to this text, which help to understand it, show its intention, and clarify its overall contexts that overlap with its significance. From these external clues related to its significance, we have presented the following topics: the clues resulting from how the Companions, especially those who were in Ghadir Khum, received the hadith of al-Ghadir, and how they expressed it and explained it, as well as those historical evidence, religious, political and other evidence, which are related to religion and its philosophy, history and its contexts, and all that is related to it, where we discussed the following topics: First, the historical circumstance of the incident of Al-Ghadir, in terms of its contribution to the statement of the purpose of its sermon and the intention of its statement.

Second: The philosophy of religion, where we adopted the methodology of understanding religion by nature, with the aim of using this understanding in order to diagnose the significance of the hadith of Al-Ghadir and determine what is meant by it. Third: The biography of the Prophet (may Allah bless him and his family) in leadership and management of public affairs, as we can through this biography form a presumption to identify the intention of the Prophet (may Allah bless him and his family) from the hadith of Al-Ghadir and determine what he aimed at in that incident. Fourth: The history of power and the Imamate in the Islamic political and religious meeting, whoever sees this history, and its consequences, will not accept the hypothesis that the Prophet (may Allah bless him and his family) has neglected the issue of the caliphate, with what this neglect can lead to from many wars, strife, disputes and cracks in the body and entity of the Islamic nation. Fifth: Al-Ghadeer incident: circumstances, procedures and ceremonies, where we presented those circumstances surrounding the incident of Al-Ghadeer directly and a number of those procedures and ceremonies in that incident. Sixth: Allegiance and congratulations, as it can be said that this political tradition, which we have singled out with a special title for its importance, contributes effectively to diagnosing the significance of the hadith of Al-Ghadir, and determining what is meant by it.


keywords: : Imam Ali (peace be upon him) - Imamate - Hadith of Al-Ghadir - Caliphate - External clues - Internal clues - The incident of Al-Ghadir.


بعد أنْ تطرّقنا في القسم الأوّل من هذا البحث إلى مجمل القرائن الداخليّة لحديث الغدير، وإلى بعضٍ من تلك القرائن الخارجيّة؛ نكمل في هذا القسم الثّاني، والأخير، بقيّة القرائن الخارجيّة الّتي تدلّ على الإمامة والخلافة.

رابعًا:[1] كيفيّة تلقّي الصّحابة، وخصوصًا الّذين كانوا في غدير خمّ لحديث الغدير، وتعبيرهم عنه، وبيانهم له.
إنّ نقل الحديث بالمعنى كان يحصل بشكلٍ أو آخر من قبل الرّواة أو جملتهم، مِمّا يتيح للرّاوي أنْ يبدي فهمه للحديث في نقله لِما سمعه من لفظه، وهو ما يتيح لنا أكثر أنْ نتعقّب كيفيّة فهم أولئك الصّحابة، الّذين سمعوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خمّ، لِما جاء في خطبته يومها. مع الإلفات إلى أنّه ليس مطلوبًا في هكذا حال أنْ يكون كلّ الّذين رووا حديث الغدير قد فعلوا ذلك بطريقةٍ أبدوا فيها كيفيّة تلقّيهم وفهمهم له؛ وإنّما يكفي أنْ يكون بعضٌ منهم قد فعل ذلك، وإنْ كان مجملهم قد رواه بلفظه، بمعزلٍ عن أيّ اختلافٍ في النّقل بين راوٍ وآخر.

وسنذكر هنا جملةً من النّماذج، الّتي عبّر فيها بعض الصّحابة عن كيفيّة تلقّيهم وفهمهم لحديث الغدير، سواءً كان هذا التّعبير بالموقف أم بالنّقل والرّواية.

النّموذج الأوّل: وهو ما رواه ابن شهر آشوب بسنده، أنّ بلال بن رباح الحبشي لم يبايع أبا بكر، وأنّ عمر جاء حتّى أخذ بتلابيبه، فقال: « يا بلال، هذا جزاء أبي بكر منك؟ إنّه أعتقك، فلا تجيء تبايعه؟!... فقال بلال: ... ولقد علمتَ يا عمر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عقد لابن عمّه عليّ (عليه السلام) عقدًا هو في أعناقنا إلى يوم القيامة، وجعله مولانا من بعده يوم الدّوحات [أي يوم غدير خمّ]، فأيّنا يستطيع أن يبايع على مولاه؟ فقال له عمر: فإنْ كنت غير فاعلٍ، فلا تقم معنا، لا أمَّ لك»[2].
فهنا سوّغ بلال عدم مبايعته لأبي بكر بِما سمعه من النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خمّ، وبِما فهمه من حديث الغدير يومها، إذ إنّ هذا الفهم الّذي استند إليه بلال في رفضه بيعة أبي بكر لا يمكن القول بأنّه لا ينطوي على الإمامة والخلافة لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)؛ لإنّ أيّ فهمٍ آخر لحديث الغدير ــــ بما فيه المحبّة ــــ لا يصحّ أن يشكّل مستندًا يَعتمد عليه بلال لرفض بيعة أبي بكر؛ فإنّ محبّة عليّ (عليه السلام) ــــ مثلًا ـــــ لو كانت هي المرادة من حديث الغدير لَما كان هناك من تنافٍ بينها وبين بيعة أبي بكر؛ وإنّما الّذي يتنافى مع بيعة أبي بكر هو إمامة عليّ (عليه السلام) وخلافته للنّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، وكون هذه الإمامة هي المرادة من حديث النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغدير.

النّموذج الثّاني: وهو ما أُثِرَ عن حسّان بن ثابت بن المنذر، من الأبيات المعروفة الّتي استأذن النّبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ ينشدها بعد واقعة الغدير مباشرةً، التي كان منها قوله الّذي حكى فيه قول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

فقال له :قم يــا عليّ فــــإنّني رضيتك من بعدي إمامًا وهاديًا[3].

ويتضّح من قول حسّان (إمامًا) أنّه فهم دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة، وخصوصًا أنّه لم يُؤثَر أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اعترض على هذا الفهم، أو بيّن أنّه فهمٌ خاطئ، بل المأثور عكس ذلك، إذ تنقل بعض المصادر أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أثنى على حسّان، وقال له: «لا تزال يا حسّان مؤيّدًا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك»[4].

النّموذج الثّالث: وهو ما رُويَ من أنّ رجلًا قال لزيد بن أرقم: «إنّ النّاس قد أكثروا في هذين الرّجلين (عليّ وعثمان)، فأخبرني عنهما. قال[أي زيد بن أرقم]: لا أحدّثك إلّا بِما شَهدّتُه، ووعاهُ قلبي؛ خرج النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)... فقال: «منْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه»»[5].
فالظّاهر هنا أنّ ما أكثر النّاس الحديث فيه فيما يرتبط بعليّ (عليه السلام) وعثمان، هو قضيّة الخلافة والمشروعيّة السّياسيّة، أنّها تكون لأيٍّ منهما؛ فعندما يجيب زيد بن أرقم السّائل بحديث الغدير، في مقام جوابه على قضيّة الخلافة والمشروعيّة السّياسيّة، والخلاف فيها أنّها لعليّ(عليه السلام) أو عثمان؛ فهذا يعني أنّ فَهْم زيد بن أرقم لحديث الغدير أنّه يدلّ على الخلافة، ويفيد الإمامة.

النّموذج الرّابع: رواية نفيع بن الحارث، فعن أبي داوود نفيع، قال: «قلتُ لابن عمر: ألا أحدّثك بحديثٍ حَدَّثَنِيه زيدُ بن أرقم؟ قال: بلى، قلتُ [أي نفيع]: أخبرَني زيد أنّه سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم الغدير: «مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه»... قال [ابن عمر]: أنا رأيتُ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أخذَ بيد عليّ (عليه السلام)، حتّى رأيت بياض إبطيهما، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول: «مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ مَنْ والاه، وعادِ مَنْ عاداه». قال: [أي نفيع]: قلت [لابن عمر]: أسَمِعَ ذلك أبو بكر وعمر؟ قال: إي والله، لقد سمعا»[6].
فهنا قد يُستَقرَب هذا الفهم، وهو أنّ نفيع قد فهم من الحديث الخلافةَ لعليّ (عليه السلام)؛ ولذلك سأل ابنُ عمر مستغربًا، إنْ كان أبو بكر وعمر قد سمعا الحديث؛ إذ كيف يمكن أنْ يسمعا حديث الغدير، وهو يدلّ على خلافة عليّ(عليه السلام)، ومع ذلك يذهبان إلى السّقيفة، ويبادران إلى تدشين مشروعيّةٍ سياسيّةٍ مغايرة؟

النّموذج الخامس: عن الإمام الصّادق (عليه السلام)، أنّ زيد بن صوحان لمّا أُصيبَ يوم الجّمل، جاءه عليّ (عليه السلام)، وجلس عند رأسه وترحّم عليه، فقال زيد: «...والله ما قاتلتُ معك على جهالةٍ، ولكنّي سمعتُ أُمَّ سلمةٍ زوجَ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ مَنْ والاهُ، وعادِ مَنْ عاداه، وانصرْ مَنْ نصرَه، واخذلْ مَنْ خذلَه»؛ فكرهتُ ــــ واللهِ ــــ أنْ أخذلَكَ، فيخذلني اللهُ»[7].
ومن الواضح أنّ زيد بن صوحان قد ربط بين القتال مع عليّ (عليه السلام) ونصرته، وما بين حديث الغدير، فلو لم يكن قد فهم زيدٌ من هذا الحديث المشروعيّة السّياسيّة الدّينيّة لعليّ (عليه السلام) ــــ أي خلافته ــــ بعد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لَمَا وقف إلى جانب عليّ (عليه السلام) في تلك الحرب، وقاتل معه عن علمٍ ومعرفةٍ، إذ إنّ خوض هذا الغمار (الحرب والقتال) يحتاج من زيدٍ إلى أنْ يكون مستندًا إلى علمٍ راسخٍ بالمشروعيّة الدّينيّة والسّياسيّة لمن يُقاتل معه وتحت رايته، وهو ما وفّره حديث الغدير لزيد بن صوحان، حتّى جوّز لنفسه أنْ يبذلها في القتال مع عليّ (عليه السلام) يوم الجمل.

النّموذج السّادس: روى البلاذري أنّ سعد بن أبي وقّاص قال لمعاوية: « قَاتلتَ عليًّا(عليه السلام)، وقد علِمتَ أنّه أحقُّ بالأمرِ منك. فقال معاوية: ولِمَ ذاك؟ قال: لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «مَنْ كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه... »»[8].

الاستنتاج هنا واضح؛ لأنّ سعد بن أبي وقّاص يربطُ بين أحقّيّة عليّ (عليه السلام) بالخلافة (أحقّ بالأمر) وبين حديث الغدير، وهذا يعني أنّ فهم سعد بن أبي وقّاص لحديث الغدير هو فهمٌ سياسيٌّ دينيّ، يدلّ على خلافة عليّ (عليه السلام) ، ومشروعيّته السّياسيّة والدّينيّة في تولّي الأمر بعد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
النّموذج السّابع: رواية زادان عن ذاك الأعرابي الّذي لم يتمكّن من حضور حجّة الوداع لمرضه، أنّه قال للنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «...فإنّ حجيج قومي مِمّن شهدَ ذلك، أخبرونا أنّك قمت بعليّ (عليه السلام) بعد قفولك من الحجّ، ووقفته بالشّجرات من خمّ، فافترضتْ على المسلمين أكتعين محبّته وطاعته، وأوجبت عليهم جميعًا ولايته...»[9].

فهنا يتحدّث هذا الأعرابي عن الطّاعة لعليّ (عليه السلام)، ولا تكون طاعةٌ إلّا إذا كانت هناك إمرةٌ وقيادةٌ في شؤون الدِّين والدّنيا؛ لأنّه يومها لم يكن من فصلٍ بين شؤون الدّين والدّنيا. وعليه فإنّ هذا الأعرابي ينقل فهم حجيج قومه ــ أو فهمه هو أيضًا ــ لحديث الغدير، رابطًا بينه وبين الطّاعة، وما يستلزمه هذا الوصل من دلالة على الإمامة؛ ما يعني أنّ ما فهمه حجيج قومه الّذين سمعوا كلام النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خمّ ــ أو فهمه هو، أو معهم أيضًا ــ من قول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عليّ(عليه السلام) هو الخلافة والإمامة.
النّموذج الثّامن: ما رواه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، أنّ ابن عبّاس قال لمعاوية: «... ونبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نصب لأمّته أفضل النّاس، وأولاهم، وخيرهم بغدير خمّ، وفي غير موطنٍ، واحتجّ عليهم به، وأمرهم بطاعته، وأخبرهم أنّه منه بمنزلة هارون من موسى، وأنّه وليُّ كلّ مؤمنٍ بعده، وأنّ كلّ من كان هو وليّه فعليّ (عليه السلام) وليّه، ومن كان هو أولى به من نفسه فعليّ (عليه السلام) أولى به من نفسه، وأنّه خليفته فيهم ووصيّه، وأنّ من أطاعه أطاع الله، ومن عصاه عصى الله...»[10].

إنّ هذه الرّواية مشبّعة بالقرآئن الّتي تفيد أنّ فهم ابن عبّاس من حديث الغدير قد كان الخلافة والإمامة؛ فإنّ ابن عبّاس عندما يقول إنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خمّ قد أمر أمّته بطاعة عليّ (عليه السلام)، فهو يدلُّ أنّ ابن عباس قد استفاد الأمر بالطّاعة من خلال ما سمعه من كلام النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خمّ، الّذي فهم منه الإمامة والخلافة لعليّ (عليه السلام)؛ لأنّ مقام الإمامة والخلافة يستلزم الطّاعة للإمام؛ أو أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نصّ على الطّاعة أيضًا، فتكون من هذه الجّهة قرينةً على كون مُراد النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من حديث الغدير هو الإمامة والخلافة.
وفي قول ابن عبّاس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنّ عليًّا(عليه السلام): «وليّ كلّ مؤمنٍ بعده [أي بعد النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)]»؛ ما قد يفيد فهم ابن عبّاس الإمامة والخلافة بقرينة قوله (بعده)، لأنّ هذه البعديّة في الولاية قرينةٌ على الخلافة؛ لأنّها - أي الخلافة - الفرضية الّتي تستقيم مع كون هذه الولاية لعليّ(عليه السلام) بعد النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، في حين أنّ باقي الفرضيات ـ كالمحبّة مثلًا ـ لا تتلاءم مع هذه البَعديّة في الولاية.
وكذلك في قول ابن عبّاس: «من كان هو [أي النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)] أولى به من نفسه، فعليّ أولى به من نفسه» ما يدلّ على المعنى نفسه، حيث إنّ الأولوية هنا تفيد الإمامة والخلافة، لأنّ معنى أن يكون عليّ(عليه السلام) أولى بالتّصرف في أنفسهم ومجمل أمورهم، أنّه الخليفة والإمام عليهم؛ وهو ما قد يكون أيضًا تعبيرًا عن فهم ابن عبّاس لِما جاء في كلام النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغدير.

هذه جملةٌ من النّماذج ـ وقد يكون هناك نماذج غيرها أيضًا، لأنّنا لا ندّعي استقصاء جميع النّصوص في بحثنا هذا ـ الّتي تفيدنا كيفيّة تلقّي جملة من الصّحابة وفهمهم ـ لاسيّما من كان منهم في غدير خمّ ـ لحديث الغدير، إذ تفيدنا النّصوص الّتي عرضنا لها أنّ جملة أولئك الصّحابة ـ بمعزلٍ عن أيّ نقاشٍ في دلالة نصٍّ أو آخر ـ أنّهم قد فهموا من حديث الغدير الإمامة والخلافة؛ وهو ما يشكّل قرينةً ذات دلالةٍ في المقام، وخصوصًا مع عدم وجود أيّة قرينةٍ مغايرةٍ تُعِين على بقية الفرضيّات الّتي طُرحت في المقام؛ لأنّه يكفينا هنا أنْ تفيد بعض النّصوص أنّ بعض من سمع من النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله ذاك في عليّ(عليه السلام)، قد فهم من ذاك القول معنى الإمامة والخلافة، من دون أنْ يكون هناك ما يدلُّ على معارضة هذا الفهم، ليشكّل ذلك قرينةً ذات دلالةٍ في هذا المورد. وهي قرينةٌ يمكن الاعتماد عليها لإثبات فرضيّة الإمامة والخلافة، وإبطال بقيّة الفرضيّات الأخرى.

القسم الثّاني[11]: قرائن تاريخيّة وفلسفة دينيّة وسياسيّة وغيرها:
هي قرائن تتّصل بالدّين وفلسفته، والتّاريخ وظروفه، ومجمل أحداثه وسياقاته ذات الصِّلة بالسّلطة والإمامة، وصولًا إلى واقعة الغدير وظروفها، وجملة ما حدث فيها من إجراءاتٍ ومراسم، وبالأخصّ ما حصل من مراسم بيعة وتهنئة للإمام عليّ (عليه السلام)، لنختم في قراءةٍ عامّةٍ وتاريخيّةٍ لموقعيّة حديث الغدير في التّاريخ الدّيني والسّياسي، وما أحاط به من حساسيّات ومخاوف وغيرها، وأثر جميع ما تقدّم على فهم الحديث (الغدير) ودلالته.

أوّلًا: الظّرف التّاريخي: إنّ حديث الغدير قد جاء في ظرفٍ تاريخيٍّ دقيق جدًّا وخطير، يتمثّل في قرب وفاة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وما سوف تُحدثه هذه الوفاة من فراغٍ قياديٍّ كبير، وما قد يترتّب عليه من تنازعٍ، وفتنٍ، واختلافٍ، وغيابٍ لمن يقود المشروع الحضاري الإسلامي بنقائه وصفائه، وهو ما يتطلّب أنْ يعمد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى استباقه، واستباق تداعياته؛ فجاء حديث الغدير، ليبيّن فيه النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من يجب أنْ يخلفه في القيادة والهداية، ومن يمثّل المرجعيّة الدّينيّة والسّياسيّة بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم).
إنّ ما ينبغي قوله، هو أنّ النّموذج الإسلامي الّذي قدّمه النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن مجرّد حالة دعويّة، بل كان نموذجًا حضاريًّا مختلفًا في الدّين والدّولة، والدّنيا والآخرة؛ ولذا كان النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يمثّل أيضًا - بالإضافة إلى نبوّته ورسالته - القائد ورئيس الدّولة، ومن يدير ذلك النّموذج الدّيني والسّياسي والاجتماعي والقيمي، بل الحضاري بجميع أبعاده.

ومن المعروف تاريخيًّا أنّ أخطر ما يواجه المشاريع الحضاريّة العملاقة بذاك المستوى وتلك الأبعاد؛ هو التّحدي النّاجم عن الفراغ الشّامل الّذي يحدث نتيجةً لوفاة القائد المؤسّس لذلك النّموذج الحضاري، وما يمكن أنْ يؤدّي إليه ذلك من انحرافٍ وانتكاسٍ، لاسيّما إذا كان ذلك النّموذج نموذجًا دينيًّا، له أبعادٌ قيميّة، وما ورائيّة، وجذريّةٌ، ومغايرةٌ، وإصلاحيّةٌ. ولا يمكن الاستجابة لذلك التّحدي بالشّكل الصحيح والمطلوب، إلّا إذا توفّر من يكون أقرب في مجمل مواصفاته الشّخصيّة والعلميّة والقيميّة وغيرها إلى القائد المؤسّس ومجمل مواصفاته، وكانت خلافته له استمرارًا له ولمشروعه؛ ومن هنا نفهم إصرار النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على قوله في عليّ (عليه السلام): «عليّ منّي وأنا منه»، وغيره من أقواله ذات الصِّلة، فإنّ ما يُمكِن أن يُفهَم من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عليّ منّي»، أنّ عليًّا(عليه السلام) في أخلاقه وقيمه وعلمه ونهجه ومشروعه، هو من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وأنا من عليّ»، هو أنّ مشروع النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الحضاري بصفائه ونقائه إنّما يستمرّ في عليّ (عليه السلام)، وسلوكه، ونهجه، وعلمه، وبيانه للدّين.

من هنا، وفي هذا السّياق يمكن أنْ نفهم بأنّ حديث الغدير - بل خطبة الغدير- جاء لتعيين القيادة الأمينة والقادرة على الاستمرار بقيادة ذلك المشروع، بما يعبّر عن قيمه الأصليّة ومقاصده الّتي أتى من أجلها، وبِما يضمن استمراره من دون انحرافٍ أو اعوجاجٍ أو ارتكاسٍ على نفسه، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى بِما يعالج مسألة الخلافة، وما تعنيه من سلطةٍ في اجتماعٍ سياسيّ تُعدّ فيه قضيّة الرّئاسة العامّة أمرًا في غاية الأهمّية، ويعاني من تصدّعاتٍ قبليّةٍ وغير قبليّة، قد تتحوّل إلى فوالق صراعيّة تبدأ على السّلطة السّياسيّة ولا تنتهي عندها؛ وجاء حديث الغدير ليعالج ذلك الفراغ، ويستجيب لتلك الحاجة، ولينفي أيّة حجّةٍ أخرى، وليفعل ما يقتضيه الدّين والمنطق والعقل والحكمة، بمعزلٍ عن مدى استجابة الأمّة وطاعتها.

ثانيًا: فلسفة الدّين: إنّ من يقرأ حقيقة الدّين وطبيعته، يجد أنّه قد اعتنى بمجمل الأمور من صغيرها إلى كبيرها، سواءً كانت من شؤون الدّين أم الدّنيا، ومن شؤون الفرد أم الأمّة؛ فكيف إذا كنّا أمام قضيّةٍ خطيرةٍ جدًّا، ترتبط بالإمامة الدّينيّة والدّنيويّة، وهداية الأمّة ومستقبلها، ومختلف شؤونها في الدّين والدّنيا، صغيرها وكبيرها؛ فهل يصحّ - والحال هذه - أنْ يُهمل البيان الدّيني قضيّةً على هذا النحو من الأهميّة؟ وهل تساعد قراءتنا لحقيقة الدّين وطبيعته على استنتاج أنّ الدِّين لم يُعِر أيّة أهمّيةٍ لقضيّة خلافة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومجمل تداعياتها على الأمّة ومستقبلها ومجمل شؤونها؟ أم أنّ قراءتنا لطبيعة الدّين، وعنايته بالصّغيرة والكبيرة، فضلًا عمّا يرتبط بشؤون الهداية والإمامة، وعظيم خطرها، وجسيم أثرها؛ كلّ ذلك لا يُبقي من فسحةٍ لأيّ شكٍّ أو ريبٍ في أنّ المُراد من حديث الغدير، لم يكن إلّا بيان الموقف من قضيّة خلافة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقضيّة المرجعية الدّينيّة والسّياسيّة بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنّ أثرها يعمّ كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، ويشمل كلّ شأنٍ من شؤون الدّين والدّنيا؟
أي إنّ السؤال الّذي ينبغي طرحه: كيف لهذا الدّين الّذي يُعنى بأصغر الأمور، وأقلّها أهمّية وخطورة؛ أن يهمل قضيّة بذاك المستوى من الخطورة والأهمّية، وهي قضيّة الخلافة؟ وهو ما يشكّل قرينة على أنّ المُراد من حديث الغدير هو الإمامة والخلافة، وليس أيّ أمرٍ آخر.

أي إنّ هذه النّتيجة الّتي توصّلنا إليها ترتكز على أمرين: الأوّل، وهو فهمنا لطبيعة الدّين والقضايا الّتي يعتني بها، والثّاني، وهو منطق الأولويّة، ليكون الاستدلال مرتكزًا على هذه المقاربة، وهي أنّ دينًا يقوم على العقل والحكمة، ويعتني بتلك القضايا الدّينيّة والدّنيوية، السّياسيّة والعباديّة، من صغيرها إلى كبيرها، من محدودة الأثر إلى واسعته؛ هل يُعقَل أنْ يُهمل قضيّةً دينيّةً ودنيويّةً، سياسيّةً وعباديّةً، لها آثارٌ جليلةٌ وعامّةٌ على مجمل الأمور من صغيرها إلى كبيرها، وعلى مدى التّاريخ وتحوّلاته وأحداثه؟

ثالثًا: سيرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القيادة وإدارة الشّأن العامّ: يمكن أن نستنج من سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سواء ما يرتبط منها بإدارته لعامّة الأمور وكيفيّة تعامله معها، أم قضيّة القيادة والإمامة خاصة، بنحوٍ واضحٍ لا لبس فيه، أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتعامل مع الأمّة بكلّ حكمةٍ، وبحسن إدارةٍ، وبمنتهى الرّحمة، وأبلغ الحرص على مجمل شؤونها ومستقبلها.

وهنا لا بدّ أن نسأل: هل من الحكمة ترك قضيّة الخلافة ــــ مع ما يمكن أن تشكّله من عاملٍ لتفجير النّزاعات والخلافات داخل الأمّة، وعلى مدى تاريخها ومستقبلها ــــ من دون أيّ بيانٍ وافٍ وشافٍ فيها، فضلًا عن حسم أمرها قبل وفاة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
وهل من يعرف النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في رحمته، وحكمته، وحسن إدارته، وحرصه على الأمّة، وطريقة إدارته لشؤونها، وشديد اهتمامه بمستقبلها وهدايتها، يمكن أن يتقبّل فكرة أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أهمل قضيّةً خطيرةً (قضيّة الخلافة) مع ما لها من مجمل تلك التّداعيات والنّتائج على الأمّة، ومستقبلها، ومجمل شؤونها؟

إنّ من يعاين سيرة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في القيادة، وإدارة شؤون الأمّة، والدّولة وعاصمتها (المدينة)، والجّيوش، وماشابه ذلك؛ يدرك بوضوح أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان يترك فراغًا في القيادة، ولم يكن يهمل شأن الرّئاسة، بل كان يعيره كلّ الاهتمامٍ، ويحسَب له أكثر من حساب، ويعطيه حقّه من حسن الإدارة، كما في سيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما كان يغادر المدينة، فيعيّن عليها من يخلفه فيها، واهتمامه بنصب الولاة على الأمصار والبلدان، واختيار من يقود السّرايا والجّيوش، بل عنايته الشّديدة بعدم حصول فراغ في قيادة تلك الجّيوش، كما في غزوة (مؤتة)، حيث كان قرار النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ فلانًا على الجّيش، فإنْ قُتل ففلان، فإنْ قُتل ففلان؛ مِمّا يُثبِت أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عارفًا بأهمّيّة القيادة، ومتنبّهًا لخطورة الفراغ فيها، مبادرًا إلى اتّخاذ جميع التّدابير والقرارات الّلازمة والحكيمة لمنع حصول ذلك، والحؤول دون مفاسده وما يترتّب عليه؛ فهل يُعقَل، والحال هذه، أنْ يفارق النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سيرته هذه في أواخر حياته، وفي قضيّة تعدّ الأخطر على الإطلاق، وهي قضيّة الخلافة والرّئاسة العامّة، وفي وقت لا يكون النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) موجودًا، حتّى يستطيع أنْ يعالج جميع تلك المفاسد والتّداعيات السّلبيّة النّاجمة عن فراغ السّلطة (الخلافة)، وعدم حسم أمرها، وبيان الحكم فيها؟

ألّا يشكّل هذا الأمر قرينةً على أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أراد من حديث الغدير إلّا الخلافة والإمامة، تعبيرًا عن حرصه على تلك الأمّة، وحكمته في إدارة أخطر شؤونها، وعنايته بمستقبلها، واهتمامه بهداية مساراتها؟
رابعًا: تاريخ السلطة والإمامة: إنّ من يراجع تاريخ الخلافة والإمامة بعد وفاة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، سوف يدرك أنّ الإسلام والنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سيكونان في موقفٍ يصعب جدًّا تبريره، إنْ ذهبنا إلى الرّأي القائل إنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أهمل قضيّة الخلافة بعده، وأنّ الإسلام لم يهتمّ بمستقبل السّلطة في الأمّة.

إنّ حجم الصّراعات الّتي نشبت بسبب الخلافة والرّئاسة العامّة منذ وفاة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتّصدّعات البنيويّة الّتي ترتّبت على قضيّة الإمامة والصّراع عليها؛ كلّ ذلك سوف يجعل من الصعوبة بمكان قبول فكرة أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ترك الخلافة من دون أي تدبيرٍ مسبقٍ بشأنها، وأنّ الإسلام لم يعتنِ بقضيّة الإمامة، رغم خطورتها، وما يترتّب عليها.

إنّ ما حدث في التّاريخ الإسلامي بعد وفاة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من صراعاتٍ داميةٍ على السّلطة، ومن تصدّعات بنيويّةٍ بسببٍ من الإمامة؛ يدفعنا إلى مزيدٍ من اليقين بأنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أراد من حديث الغدير إلّا بيان موقف الدّين والنّبوّة من قضيّة الخلافة، وتشخيص الأمر في موضوع الإمامة، وتحديد الموقف من مستقبل السّلطة والرّئاسة العامّة؛ حتّى لا يبقى من حجّةٍ لأحدٍ أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ والعياذ بالله ـ قد أهمل، وأنّ الدّين قد أغفل، وأنّ أخطر قضيّة في التّاريخ الإسلامي (قضيّة الخلافة والإمامة) لم يُعتنَ بها، وأنّها تُركت تفعل فعلها في الأمّة وطوائفها؛ تنازعًا وصراعًا وفتنًا وتقاتلًا واحترابًا، من دون أي بيانٍ للإسلام فيها، أو تحديدٍ للحكم في مسائلها؛ إذ سيكون الجواب حينئذٍ أنّ الإسلام لم يُغفل عن هذه القضيّة، وأنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يدَعها هَملًا، وإنّما قد جرى البيان فيها، وتمّت النِّعمة بها، وقد بلّغ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أنزل الله تعالى في شأنها.

وإلّا فإنّ الذّهاب إلى الفرضيّة الأخرى التي تقول إنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أهمل هذه القضيّة، سوف يفضي إلى أحد أمرين:

الأوّل: أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن على علمٍ ودرايةٍ بما سوف تؤول إليه الأمور لاحقًا؛ ولذلك لم يبادر إلى اتّخاذ ما يلزم من إجراء في قضيّة الخلافة، وما يترتّب عليها. ويُناقَش هذا بجوابين: الجواب الأوّل: إنّ هذا القول يؤدّي إلى نسبة النّقص إلى النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في علمه ودرايته في شأنٍ يجب أنْ يكون على علمٍ ودرايةٍ به ـ حتّى يبادر إلى استباقه بِما يلزم ـ إمّا من جهة الوحي الّذي كان ينبّئه بكثيرٍ من الأمور المستقبليّة، بعضها على قدرٍ أقلّ من الأهمّية والخطر، فما بالك بما سوف يؤول إليه أمر أمّته ومجمل أحوالها، ومستقبل مشروعه الحضاري والدّيني وغيره، فمن بابٍ أولى أنْ يكون موضوعًا لإنباء الوحي له وعنايته. وإمّا من جهة علم النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بسنن التّاريخ وحركته، وأحوال الاجتماع العام وتقلّباته وتغيّره، وسيكون عندها أمرًا منطقيًّا أن يمارس النّبي أكثر من استشرافٍ سياسيّ ودينيّ واجتماعيّ، بل وحضاريّ، لواقع أمّته ومستقبلها، وما قد تؤول إليه الأمور لديها، وهو في موقعه قائدٌ لمسيرتها، وحاكمٌ لدولتها، الّذي يقتضي أن يكون الأعرف بمجمل شؤونها، وانقساماتها، وتحدّياتها، واختلافاتها، والتّباينات القائمة بين رؤى ومشاريع وتطلّعات مختلف طوائفها وأحزابها؛ وهو ما يسمح له بممارسة هذا الاستشراف لمستقبل أمّته وأحواله. والجّواب الثّاني: أنّ ما يُستَفاد من مجمل كلام النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الّذي كان يتحدّث فيه عن مستقبل أمّته، والفتن المقبلة عليها، والانقسامات الّتي سوف تعاني منها، أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان على علمٍ ودرايةٍ بمستقبل الأمّة هذا، وما سوف يجري عليها.

الأمر الثّاني: أن النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان علمٍ بما سوف يؤول إليه أمر أمّته، من فتنٍ واحترابٍ واختلافٍ وقتلٍ وقتالٍ، بسبب من الإمامة والخلافة، لكنّه أهمل هذا الموضوع، ولم يبادر إلى استباقه واتّخاذ ما يلزم من قرار بشأنه؛ وهو ما يترتّب عليه لوازمٌ غير مقبولةٍ على الإطلاق بحقّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا تنسجم مع شخصيته، ولا مع وصف الوحي له؛ لأنّ نبيًّا حكيمًا، رحيمًا، حريصًا على أمّته، عارفًا بأحوالها ومالاتها، لا يمكن إلّا أنْ يبادر إلى استباق تلك المآلات، واتّخاذ التدابير المطلوبة بشأنها، ومعالجتها قبل انفجارها وتسبّبها بتصدّعاتٍ لا تُبقي ولا تذر، بمعزلٍ عمّا سوف تقوم به قريش في هذا الشّأن.
وعليه يمكن القول إنّ ما حصل في تاريخ الأمّة، فيما يرتبط بقضيّة الإمامة، والخلافة، والاحتراب عليها؛ يشكّل قرينةً على أنّ النّبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُرد في غدير خمّ إلّا بيان موقف الدِّين والوحي من موضوع الخلافة، وما أنزله الله تعالى في الإمامة.

خامسًا: واقعة الغدير: الظروف والإجراءات والمراسم: إنّ من يتأمّل في مجمل تلك الإجراءات والمراسم الّتي رافقت واقعة الغدير؛ يستنتج أنّها تعبّر عن قضيّةٍ في غاية الأهمية، وتفصح عن أمرٍ في غاية الخطورة، سواءٌ من جهة الجّمع الّذي كان في غدير خمّ، وشموله لمجمل المسلمين وحواضرهم وأمصارهم، وكونه بذاك العدد الكبير جدًّا -عشرات الآلاف أو أكثر- وكونه آخر جمع بذاك المستوى يلتقي بالنّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل وفاته، وقبل تفرّق كلّ وفدٍ من الحجيج إلى بلده ومصره، أم من جهة الزّمان والتّوقيت، أي بعد الحجّ وحجّة الوداع، في آخر حياة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومسيرته، وقبل وفاته بأشهرٍ قليلة، وفي يومٍ شديد الحرّ والقيظ، في وسط النّهار، أم من جهة السّعي إلى إسماع خطبة الغدير لجميع المسلمين ووفودهم، وذلك من خلال انتظار من لم يصل منهم، واستبقاء من وصل، وإرجاع من كان قد مضى من الوفود إلى بلده ومصره، أم من حيث بناء ذلك المنبر، ودعوة الجميع إلى الاحتشاد حول النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للاستماع للخطبة، وإصعاد عليّ (عليه السلام) على المنبر ليقف إلى جانب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإمساك النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد عليّ (عليه السلام) ورفعه لها، حتّى بان بياض آباطهما، في مشهدٍ يراد منه إظهار أهمّية الحدث، وتشخيص من هو المقصود بتلك الخطبة، ومن ثمّ إلباس النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عمامته المعروفة بالسّحاب للإمام عليّ (عليه السلام)، بما ترمز إليه العمامة عند العرب والاجتماع الإسلامي العربي من دلالةٍ على السلطة والرّئاسة، كما هو واضح لمن يتابع الدّلالة الأنثروبولوجيّة للعِمَّة عندهم، أم من حيث مراسم البيعة والتهنئة للإمام عليّ (عليه السلام) بولايته وإمامته.

وهنا لا بدّ من طرح هذا السّؤال، وهو: هل إنّ طبيعة هذه الظروف والمراسم والإجراءات تتلاءم مع قضيّة إبداء المحبّة لعليّ(عليه السلام)؟ أم إنّها تتوافق أكثر مع قضيّة الخلافة، ومسألة الإمامة، ومدى أهمّيتها، وخطورة دورها، وعدم صحّة إهمالها وتجاوزها، من دون حسم أمرها، وبيان الموقف منها؟
أعتقد أنّ الجواب ينبغي أنْ يكون على قدرٍ من الوضوح في هذا الشأن، وهو أنّ كلّ ما تقدّم من حيثياتٍ وظروفٍ ومراسم ينسجم أكثر مع فرضيّة الخلافة وقضيّة الإمامة، وليس المحبّة وفرضيتها.
سادسًا: البيعة والتّهنئة: وقد أفردناها من بين مجمل المراسم والإجراءات الّتي حصلت في الغدير؛ لأهمّيتها، ووضوح دلالتها في المقام على الخلافة والإمامة.

ويمكن تصنيف النّصوص الّتي تحدّثت عن طبيعة تلك المراسم إلى قسمين: الأوّل، وهو صريح في البيعة، والمصافحة، والتعهّد، والوفاء بالعهد، والميثاق، وعدم النّكث، والسّلام على عليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، والسّمع والطّاعة[12]؛ وهو ما يدلّ بشكلٍ جليّ على أنّ المُراد من حديث الغدير هو الإمامة وليس المحبّة. الثّاني: ويدلّ على التّهنئة، وهو أيضًا يفيد الدّلالة على الإمامة، وقد وقع فيه النّقاش من قبل بعض المشكّكين، وإنْ كان هذا التّشكيك قاصرًا عن بلوغ غايته في منع القرينيّة على إرادة الإمامة.

وما حصل في ذاك اليوم، هو أنّه بعد خطبة الغدير أمر النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع من كان موجودًا يومها من الصّحابة بتهنئة الإمام عليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين، وقد رويت هذه التّهنئة بتعابير متعدّدةٍ من قبيل: (هنيًا لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولايّ ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنة)، و (بخٍ بخٍ لك يا عليّ، أصبحت مولايّ ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ...). وهنا لا بدّ من القول إنّ هذه التّهنئة أوفق بالإمامة، وإنّها لا تدلّ على فرضيّة المحبّة، وذلك لأمرين:

الأوّل: إنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد بيّن مطلوبيّة محبّة الإمام عليّ (عليه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) في مناسباتٍ شتّى، وبطرقٍ وأساليبَ معبّرةٍ جدًّا وذات دلالةٍ واضحةٍ، وفي ظروفٍ ذات أهمّية، ولم يعهد في جميع تلك المناسبات أن حصل شيءٌ من تلك التّهنئة أو ما يشبهها. وهو ما يفيدنا أنّ الكّلام عن المحبّة لا يتطلّب ولا يستدعي حصول تلك التّهنئة؛ ومن ثَمَّ لا معنى لكلّ تلك التّهنئة في غدير خمّ، لو كان المُراد بكلام النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المحبّة. وهو ما يفيد أنّ تلك التّهنئة تؤشّر إلى أمرٍ آخر غير المحبّة، وتدلّ عليه، وهو الإمامة والخلافة.

الثّاني: هل يستلزم الكلام عن محبّة عليّ (عليه السلام) هذا المستوى من التّهنئة الّتي استمرّت لساعاتٍ طوال، بل لأيامٍ، من قبل ما يقرب من سبعين ألفًا أو مائة ألفٍ من المسلمين، وفي تلك الأيام شديدة الحَرّ، والمسلمون في حالٍ من السّفر والتّعب، ومن ضمن مراسم خاصّة اتُّبعت في ذلك المحفل؟ أم إنّ هذا المستوى من التّهنئة، لذلك الحشد الكبير، في تلك الظروف المناخيّة الحارّة، وفي مراسم خاصّة ومعبّرة إنّما يؤشّر إلى أمرٍ في غاية الأهمّية والخطورة، لا يقلّ عن قضيّة الخلافة، وموضوع الإمامة، ومستقبل السلطة؟

قد يبدو واضحًا أنّ هذه التّهنئة من قبل ذلك العدد الكبير جدًّا من المسلمين، في تلك السياقات والظروف التي أشرنا إليها، وفي تلك الكيفيّة التي حصلت فيها، والمراسم والتّدابير التي اعتمدت لديها؛ تجعلنا أقرب إلى الاعتقاد أنّ هذه التهنئة تتّصل بالإمامة والخلافة، وليس المحبّة، لكون المحبّة لا تستدعي كل تلك المؤونة، وذاك الجهد، والتّدابير والمراسم، للتّعبير عن الفرح والاغتباط بها إلى هذا الحدّ، وذاك المستوى؛ وهو ما يشكّل أيضًا مؤشّرًا إضافيًّا على صوابيّة فرضيّة الإمامة، واستبعاد فرضيّة المحبّة وبطلانها.

الخاتمة:
عملنا في هذا البحث على إثبات دلالة حديث الغدير على الإمامة والخلافة، وذلك من خلال تتبّع القرائن الّتي يمكن أنْ تسهم في تكوين تلك الدّلالة أو الإشارة إليها، سواء كانت تلك القرائن من داخل حديث الغدير، أم كانت من خارجه. وما قمنا به في هذا البحث هو أنّنا توسّعنا في استقصاء القرائن، ودمجنا في ما بينها، فلم نقتصر على تلك المستفادة من داخل الحديث، ولم نذهب فقط إلى تلك المستفادة من خارجه، وإنّما جمعنا بينهما؛ وذلك لأنّه إنْ كان الهدف تشخيص تلك الدّلالة، لا يبقى مهمًّا طبيعة تلك القرينة ومنشئها، بل يضحى المهمّ كلّ ما يساعد على تحقيق ذلك الهدف وتبيّن تلك الدّلالة، وخصوصًا عندما يكون البحث مرتبطًا بكون تلك الدّلالة على الخلافة والإمامة.

من هنا عملنا على تقسيم هذا البحث إلى مطلبين اثنين، فعنونّا المطلب الأوّل بعنوان: القرائن الداخليّة لحديث الغدير، حيث أشرنا بشكلٍ مختصرٍ إلى مجمل تلك القرائن الّتي انطوى عليها حديث الغدير، الّتي يمكن أنْ تساعد على بناء تلك الدّلالة على الإمامة والخلافة. ويعود عدم توسّعنا في هذا المطلب إلى أنّه قد أُشبع بحثًا و تحليلًا، فاقتصرنا فيه على مختصرٍ من البيان، مِمّا يمكن أنْ يكون قد حمل جديدًا في مورد أو آخر منه.
أمّا المطلب الثّاني فعنونّاه بـ(القرائن الخارجيّة لحديث الغدير)، وعمدنا إلى تقسيمه إلى قسمين، فكان القسم الأوّل بعنوان (القرائن المتأتيّة من القرآن والسّنة وفهم الصّحابة)، حيث بحثنا فيه الموضوعات الآتية: أوّلًا؛ القرائن من القرآن الكريم. ثانيًا: القرائن من سيرة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخطابه في الإمام عليّ(عليه السلام). ثالثًا: القرائن ممّا ورد عن أهل البيت (عليهم السّلام) في بيان المراد من حديث الغدير. رابعًا: تلك القرائن المتأتيّة من كيفيّة تلقّي الصّحابة ــــ خصوصًا الّذين كانوا في غدير خمّـ ــــ لحديث الغدير، وكيفيّة تعبيرهم عنه وبيانهم له.
أمّا القسم الثّاني من المطلب الثّاني، فقد تطرّق إلى تلك القرائن التّاريخيّة، والفلسفة الدينيّة، والسّياسيّة وغيرها، ممّا يتّصل بالدّين وفلسفته، والتّاريخ وسياقاته ومجمل ما يرتبط به، حيث عمدنا إلى بحث الموضوعات الآتية: أوّلًا، الظّرف التّاريخي لحديث الغدير، ودلالة تلك الظروف التي أحاطت بواقعة الغدير من جهة إسهامها في بيان الهدف منها، والمراد من خطبتها وبيانها. ثانيًا: فلسفة الدّين، حيث اعتمدنا منهجيّة فهم الدّين بطبيعته وخصائصه العامّة، والاستعانة بهذا الفهم من أجل تبصّر دلالة حديث الغدير ومعرفة المراد منه.

ثالثًا: سيرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في القيادة وإدارة الشّأن العام، فيمكن لهذه السّيرة في مجمل القضايا المشابهة في حياة النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تشكّل نوع قرينة على مراده (صلى الله عليه وآله وسلم) من حديث الغدير، وما الذي كان يهدف إليه في تلك الواقعة.

رابعًا: تاريخ السّلطة والإمامة في الاجتماع السّياسي والدّيني الإسلامي، فإنّ من يعاين هذا التّاريخ، وما آلت إليه الأمور، لن يتقبّل فرضيّة أنْ يكون الإسلام والنّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أهملا قضيّة الإمامة، مع ما يمكن أن يؤدّي إليه هذا الإهمال من صراعاتٍ وفتنٍ وتصدّعاتٍ، وأكثر من احترابٍ ونزاعٍ، إذ إنّ دين الرّحمة والحكمة والعقلانيّة السّياسيّة والاجتماعيّة، لا يمكن أنْ يكون غير مبالٍ تجاه تلك الاحتمالات والتّداعيات المستقبليّة، التي سوف تترتّب على إهمال قضيّة الخلافة، وعدم حسم أمرها، أو البتّ بشأنها من قبل النّبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والوحي.

خامسًا: واقعة الغدير: الظروف والإجراءات والمراسم، وقد عمدنا إلى لحاظ مجمل تلك الظروف المحيطة بواقعة الغدير بنحوٍ مباشر، وتلك الإجراءات والمراسم الّتي تمَّ اعتمادها في تلك الواقعة؛ لأنّها ــــ من دون أدنى شكّ ــــ تسهم في الإضاءة على طبيعة تلك الواقعة ومدياتها وأهدافها والمغزى منها.

سادسًا: البيعة والتّهنئة، يمكن القول إنَّ هذا النّوع من المراسم والتّقاليد، الّذي أفردناه بالعنوان لأهمّيته؛ يسهم بقوّة في تكوين دلالة حديث الغدير وتشخيص المراد منه.

هذا ويصحّ القول إنْ أخذنا بعين الاعتبار مجمل القرائن الّتي ذكرنا، قد يصبح جليًّا أنّ المراد من حيث الغدير هو الخلافة والإمامة، وليس أيّ معنى آخر على الرغم من كلّ الجهود الّتي بذلت على مدار التّاريخ لحرف دلالة هذا الحديث عن معناه الّذي أراده النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكمّ الشّبهات الّذي أثير لتشويه هذه الدّلالة، الّتي يبقى من الممكن الوصول إلى تبصّرها مع إعمال النّظر والفكر، ولحاظ مجمل تلك القرائن والظّروف التي تتّصل بتلك الواقعة وخطبتها ومجمل قضاياها.

قائمة المصادر والمراجع:
الأميني، عبد الحسين، الغدير، دار الكتاب العربي، بيروت، 1983 م، ط 5.
البزّار، أبو بكر أحمد، البحر الزخّار.
البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف.
سليم بن قيس، كتاب سليم، دليل ما، قم، 1422 ه. ق.
الطّبري، محمد بن أبي القاسم، بشارة المصطفى، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1420 هـ.ق.، ط 1.
القاضي النعمان، شرح الأخبار.
القمّي، محمد بن الحسن، العقد النّضيد والدّرّ الفريد، قم، 1423هـ.ق.، دار الحديث، ط 1.
المجلسي، بحار الأنوار، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1983 م، ط 2.
المفيد، الفصول المختارة، دار المفيد، بيروت، 1993 م، ط 2.
يوسف بن حاتم الشامي المشغري، الدرّ النظيم، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي.

------------------------------------
[1] - تقدّم في العدد (26) من مجلة العقيدة ثلاثة مطالب أساسيّة.
[2]- القمّي، محمّد بن الحسن، العقد النّضيد والدّرّ الفريد، قم، 1423هـ. ق، دار الحديث، ط 1، ص 149.
[3]- الأميني، الغدير، دار الكتاب العربي، بيروت، 1983 م، ط 5، ج 2، ص 34-41.
[4]- المفيد، الفصول المختارة، دار المفيد، بيروت، 1993 م، ط 2، ص 49.
[5]- البزّار، أبو بكر أحمد، البحر الزخّار، ج 10، ص 238، ح 4334.
[6]- الطّبري، محمد بن أبي القاسم، بشارة المصطفى، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1420 هـ. ق، ط 1، ص 285.
[7]- المجلسي، بحار الأنوار، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1983 م، ط 2، ج 27، ص 233.
[8]- البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، ج 5، ص 87.
[9]- القاضي النعمان، شرح الأخبار، ج 1، ص 221، ح 207؛ ويوسف بن حاتم الشامي المشغري، الدرّ النظيم، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، ص 322.
[10]- سليم بن قيس، كتاب سليم، دليل ما، قم، 1422 ه. ق.، ط 1، ص 366.
[11] - تقدّم القسم الأوّل في العدد (26) من مجلة العقيدة.
[12]- الأميني، الغدير، م. س.، ج 1، ص 270-271.