البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

السلفية في الجزائر ماضي حاضر ومستقبل

الباحث :  السيد محمد الفاضل حمادوش
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  6
السنة :  السنة الثانية - ذو الحجة 1436هـ / 2015م
تاريخ إضافة البحث :  October / 11 / 2015
عدد زيارات البحث :  109772
تحميل  ( 223.773 KB )
السلفية في الجزائر
ماضي حاضر ومستقبل

بقلم : السيد محمد الفاضل حمادوش

إن موضوع السلفية، بوصفها حالة ذهنية ونمطاً سلوكياً متشعب جداً، جداً، والتحكم فيه، وضبط مكوناته، وظروف نشأته وأوضاعها، أكثر من صعب على المستوى الواقعي والميداني، وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي، في صورته الأكثر مادية، والأكثر زمنية، فيما هو يومي ووقتي، محايث ومباشر، فما بالك بالمسك بالرؤى، العقدية والفقهية، واسلوب التعاطي معها، وطريقة استهلاكها، وكيفيات تصريفها، ورعاية انتشارها كتكليف شرعي، وواجب ديني، والتشبث والإلحاح لاستحصال النتائج وحمايتها أو برؤى وتوجيهات وتوجهات تسوغها وتشرعنها أو بتعبير المحدثين، (رؤى العالم)، وهي من الاتساع، والثراء، والتنوع، والاختلاف، أو التعارض، بما لايستطاع الإحاطة به، وحصره وتصنيفه، فضلاً عن الذهاب عُمقياً، فيما يؤسسها وينشؤها، من خلفيات ومُسْبَقَات وفيما يقف وراءها، من منظومات، سياسية، وشبكات اجتماعية وهواجس وعناصر ثقافية ودينية ومذهبية، وتغلب سلطاني براقماتي يهزؤ بالدين، ويستخف بمبادئه ويحتكره استغلالاً واستثماراً، لتجييره لصالحه، أو لشرعنة سلطته، هذا قديماً، وحديثاً، مزاج سلطوي، جبتي وطاغوتي، عائلي وفئوي، ريعي وبدوي، شُفوني التقوي بالأجنبي، لا لشيءٍ، إلا لتأبيد العرش، وتأمين العائلة، والعشيرة، من الطوارئ، والطوارق، وصيانة الحاشية، من الانفضاض والتبدد، ومن الانتفاض والتمرد، والحال أن رؤى العالم، في كل مجتمع، أو في كل مدنية، وحضارة، تتباين وتتباعد، قليلاً أو كثيراً، حسب الفئات، والشرائح الاجتماعية، وقد تكون قبائل، وعشائر، وطوائف، وأديان، ومذاهب، كما هو حالنا، في العالم العربي، والإسلامي، ولا تسأل عن الحضور العرقي والثقافي، في المسألة، وقد تكون أحزاباً، أو منظمات المجتمع المدني بصفة عامة، وطبقات، ومجاميع علمية، ومراكز بحث، كما هو حال، المجتمع الحديث المهيكل، فمن السذاجة بمكان، أن نتصور، رؤى العالم عند كانط، وهيجل، أو عند مدرسة فرنكفورت، أو مدرسة ما بعد الحداثة، أو عند يوغان هبرماس، حصراً، صاحب نقد العقل التواصلي، أو صاحب اطروحة، العقل الانبثاقي، الاستطلاعي الصاعد، على ما بينهم من اختلاف، وبين أيضاً، التكنوقراطيين، وأصحاب المصالح الاقتصادية المتنفذين، مالكي الشركات العملاقة، المتعدية الجنسية، العابرة للحدود، كرؤى العالم، عند الأمريكي، أو الياباني، أو الأوروبي العادي، كتمثيل لأغلب الكتل الجماهرية، الذي يتحكم فيه، (الحس العملي)، برأي وتعبير، عالم الاجتماع الفرنسي، بيار برديو، والذي يرى الحياة، هكذا كما باشرها، وخبرها، وعرفها الفرد أو الجماعة، انحدرت اليه عبر الآباء والأجداد، والأجيال، ورضعها أو رضعوها مع حليب امهاتهم، ولا يستسلم لوجع الرأس، فيكابر ويتعسف، أو يماحك ويتمحل في ربط الواقع أو ايجاد سند له، في الفكر اللاهوتي، أو الفكر الفلسفي، أو في حقل العلوم الاجتماعية، أو الإنسانية، اخترنا المنهجية التراجعية في مقاربة موضوعة السلفية، أو اطار التفكير اللاهوتي والفقهي للوهابية بوصفها نسخة جديدة ومعاصرة طبخت بعناية وركبت وصنعت من عوامل وعناصر داخلية وخارجية محلية وعالمية ركزت ورسخت في تربة البداوة وفضائها، واخرجت من التواريخ بما فيه تاريخ القبيلة والعشيرة، وافرغت من تجارب وخبرات وتراكمهما كأصل لتشكل الثقافات، وجذر لنشاط التاريخ في الاتجاه الإجابي وكتأهيل للعقل وللفكر وللمشاعر، وكجدارة واستحقاق لتقلد الأمانة وحمل المسؤولية، أو ك(شهادة) بتعبير القرآن الكريم.
ألم تكن (الشهادة) بالمعنى الرسالي الكبير، وبالمعنى الريادي الأعظم كمبادئ وكحقائق، يجب نقل الإنسانية الى آفاقها، والفراغ من هذا التكليف الذي ينصبُ له الأنبياء والرسل وحوارييهم واممهم مهما تطلب من جهد، واحتاج من عناء، بعد استفراغ الطاقة واستفاد الوسائل.
والحال أن القرآن الكريم بذل جهداً متطاولاً، في عرض صور الأنبياء والرسل مع أقوامهم واممهم وينبه ويعلم كيف جرت الأمور في المكان وفي الزمان، ولا يمر أو يقفز من دون التذكير، بل التأكيد بشكل ملحاح، على الظروف، والحيثيات والملابسات ـ أكثر من ذلك وأبعد ـ واسنادها وتعزيزها بالوضعيات الثقافية، والحضارية، وموضوعتها أو موقعتها في سلم التاريخ، وفي الشأن الاجتماعي في جانبه العلائقي والتنظيمي ومستواه المدني والحضاري، وتحدياته ورهانته، والشأن النفسي كسوية وكشذوذ، كطفولة ومراهقة، وكنضج ورشد، لو لم تكن التجارب والخبرات وتراكمهم لها كبير أهمية، والمفعول الحاسم في التثقيف والتعقيل، وفي الهدي والتذكير، وفي التماسك والتوازن، لم يجازف القرآن الكريم بسردها هكذا سدى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْـحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ(1) احتفاءً وتقديراً وتقييماً للتجربة، كعقل ثاني أو كعقل سند، أكيد هي في المحصلة عقل كبير جداً عقل أقوام وجماعات، وعقل مدنيات وحضارات، عقل تفاعلي احتكاكي اندماجي، ومركب من أحقاب جيولوجية، وطبقات اركولوجية، وأنماط تفكير يتداخل فيها الميتافيزيقي بالابستيمولوجي أو (المعرفي)، ويتقابل فيها، النسبي بالمطلق، والعقلي الخالص، أو المحض، بالواقعي الحسي أو الوضعي، إن معطى التجربة كان أساساً في تشكل التاريخ كعلم بالمعنيين، المعنى الكرونلوجي التسلسلي، كقص وحكاية للأحداث والوقائع، عبر الملوك والأسر، والمعنى العلائقي التحولي، والارتباطي السببي أو التعليلي، بمعنى أن تنظر الى العلاقات الكائنة بين ممارسة (كل مؤلف) أو (كل فيلسوف) أو (كل أديب) أو (كل متكلم) أو (كل اصولي أو فقيه) وبين مجمل العلوم والمعارف التي قد يعرفها أو لا يعرفها والتي كانت سائدة في عصره، ذلك لأن اقتصار المؤلف على علمه فقط وانغلاقه داخل مجالهم يحد من معرفته، كما أن دراسة كل وضعية اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية، أو ثقافية بمعزل عن اطارها المادي، والثقافي، وتشابكها وتداخلها مع سائر الوضعيات الأخرى، اصولاً وفصولاً، يوقعنا في مهاوي الخطأ والضلال، ويبعدنا عن تتبع مدياتها، الطويلة، والمتوسطة، والقصيرة، أين نقبض على منبتها، ومنشئها، ونحيط بجوها ومناخها، وعوامل كونها ونموها وتطورها بوصفها ظاهرة، لها حظّها من التأثير والنفوذ، وتداعياتها الإجابية أو السلبية، وقد تنزاح وتتملص الظاهرة من أرضية العلوم والمعارف، ومن لا مبالاة المجتمع وصمته، أوقد تفرخ وتتكاثر في شقوق التوترات التي تحصل بين السلطة والمعارضة، أو في الفراغات التي تخلقها الفتنة أو قد تصطنعها السلطة للتغطية على لاشرعيتها وانحرافها وفي نفس الوقت لملء الفراغ الإديولوجي والسياسي، لصرف الهم عن الجد وقتل ارادة التغيير.
إن نمط التفكير هذا الذي تمليه طريقة في التعاطي مع العقيدة وصياغة معينة لها حسب قراءة انتقائية للنصوص المقدسة، في حالة النص القرآني يكتشف الإنسان غرابة وطرافة أو حتى لا معقولية محتوى وفحوى معاني الآيات والسور خاصة في الإطار العقائدي الذي له تعلق بالأحكام في مضمار الدماء، والتكفير، والتفسيق أما قراءتهم لمجاميع الأحاديث النبوية الشريفة، فحدّث ولا حرج بصرف النظر عن نسبة الصحة التي تعطى لكتبٍ معينة ولأسانيد رجال معينين ولوضعيات وحالات ووقائع معينة يرتفع بصحتها الى مستوى أن تجعل بعد القرآن مباشرة، ويتم تحكيم وضبط الآيات القرآنية بها، ويبلغ تحكمهم مداه لما يتم حصر ألفاظ القرآن في دلالات مخصوصة لحاجة في نفس يعقوب وارغامها على النطق بها، في حالات كثيرة تكون مرجوحة، أما أبعادها فتطمس طمساً، أو تربط ربطاً بسلوكات وتصرفات وتحديات ورهانات وظروف وملابسات وحيثيات فردية وجماعية ضيقة جداً ما أنزل الله بها من سلطان، وكيف يتأتى لهذا القرآن الذي يستوعب الأزمنة والأمكنة والواقع في سيلانه أن يشد ويلصق بزمان مخصوص وبمكان محدد مقيد وبواقع جامد متكلس لايحول ولا يزول.
وعليه فإن شأن هذه الحركة الضيقة الأفق القريبة الإدراك الحرفية التكرارية، الاجترارية، التي لا تظهر وتخرج الا من تصدعات الواقع والتأزم الثقافي، وشقوق الخلافات الفكرية، وتباين وجهات النظر فيها ان على مستوى التفسير والتأويل، وان على مستوى الإبداع والتخريج والتنزيل، وهي حالات قصوى، وظروف استثنائية، ومخانق ومحابس قد تكون وقتية سرعان ما تتجاوز، وقد تكون عميقة ومعقدة تحتاج الى زمنية أطول والى امكانيات اضعف، واكتشاف طريق ومنهج وعدة يساعد أو يسهل على القفزة والطفرة أو بتعبير المحدثين على القطيعة والانفصال، وهذا ليس على المستوى الثقافي والحضاري بل على مستوى المصطلحات والمفاهيم والمناهج وتغيير جهة النظر وذلك لأن الصواب والصح هو في المحصلة نتيجة الأخطاء والسقطات والتعثرات، لقد ألمحنا في ما سلف من القول الى التجارب والخبرات ودورها في تقوية العقل وتعزيز قدراته وكيف أنها العاصم في التماسك الاجتماعي والتلاحم العقائدي والحارس الأمين للسوية الإنسانية من الانفلات، والتسيب، وركزنا وأكدنا على أن هذا الصنف من التجمع الذي يسمى السلفية (الوهابية) يدير ظهره للتجارب والخبرات أو يهزأ بها ويستنكف من ايلاء العقل أهميته ولا يلتفت بالمرة الى اشتغاله وما تؤدي اليه وظائفه.
اذا كانت الآن أجزاء كبيرة من الوطن العربي والإسلامي تتعرض للتدمير والسلخ والسحق والسحل، بفعل أمواج هذه الغيلان الأسطورية التي لها قابلية التحريش، والتحريض وخاصية التوظيف فإن وطننا الجزائر ابتلي بهذه الظاهرة المتوحشة، أذاقتنا الأمرين، وجرعتنا الغصص، وطال تهديدها الدولة بعد المجتمع ولم يزل لها ذيول ومخلفات ولم تزل مصدر قلق وخوف، وهي نمط تفكير، ونمط ممارسة في فهم الدين وتطبيقه، وفي التعامل مع الواقع وارادة تغيره، لم يعهدهما الشعب الجزائري ولا قبل له بهما، وهو أي: الشعب الجزائري كان مؤطراً ولفترات طويلة، تحسب بالقرون بالمذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية وتصوف الجنيد السالك، والمنشط والمربي والمعلم هم الطرق الصوفية والزوايا، وبالمناسبة فإن هذه الطرق الصوفية ورجالها في الفترات العصية من تاريخ الجزائر كفترة الاستعمار هم الذين حموا تدين الشعب الجزائري بالدين الإسلامي، وحرسوا هويته، واستبقوا ذاكرته، وهم الذين تصدوا لمحاربة الاستعمار فالأمير عبد القادر وهو أشهر من نار على علم نسباً وعلماً وشرفاً وسؤدداً، ينتهي نسبه الى الإمام الحسن المجتبى بن الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وهو من الطريقة القادرية، لم ينتظر، فبادر لدفع العدو وصده فور دخوله، واستغرقت حربه معه أي مع العدو سبعة عشر سنة، فلم يحالفه النجاح ولم يوفق لظروف قاهرة وأسباب قاسية، ووقع معاهدة توقيف القتال ونفي مع عائلته وأنصاره الى فرنسا ثم هجر الى الشام، ومن بعده جدد المقاومة الشيخ بالحداد وهو شيخ زاوية ينتسب الى الطريقة الرحمانية وينتهي نسبه أيضاً الى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) وتوفي بسجن قسنطينة ومن بعده ثار الشيخ المقراني وهو تلميذه ومريده (الشيخ الحداد) ومن نفس طريقته، وغيرها من الانتفاضات التي قادها رجال التصوف والزوايا كانتفاضة الشيخ بوعمامة، وانتفاضة اولاد سيدي الشيخ وانتفاضة فاطمة نسومر، ما نود أن نقوله ونصرح به كشهادة حق يمليها علينا واجب الدين، وواجب التاريخ، وواجب الأمة، أن الإطار الذي كان يجمع الأمة ويشكل وحدتها ويمثل مرجعيتها هم رجال التصوف والزوايا الذين تم ذكر مكاسبهم وانجازاتهم أهمها وليس فروعها وتفصيلاتها كإطعام الفقراء ورعاية الأيتام وإيوائهم وتعليمهم وأهمّ وأفيد ما يلزم الالتفات اليه باكتراث ومبالاة وبهم وتركيز أن آثار هذه المرجعية على الشعب الجزائري كانت واضحة وصريحة وكانت من التغلغل والرسوخ بمكان، مما سمح بنشوء ذهنية أو عقلية نقدر أن نسميها ذهنية الانفتاح والدمج داخل الدائرة الإسلامية ككل. كان المسلم في تصور هذا الشعب مسلماً وانتهى، سألت شيوخاً كثراً من هؤلاء هل الإمامي، أو الشيعي، أو الرافضي كما يحلو للخصوم أن يقولوا ويكرروا القول مسلم مثلنا؟ فانتفضوا وردوا علي رداً قاسياً نعم مسلم وهذا ما تلقيناه من علمائنا ومشايخنا، وتنطوي عليه عقيدتنا، الأكثر من هذا والأبعد منه تصوراً وفكراً شكلاً ومضموناً، أن هذا الشعب كان محباً لآل البيت (ع) عاشقاً لهم الى حد الهيمان وكان يحفظ تواريخهم وسيرهم ويرددها خاصة في المناسبات، كثير الاستشهاد بأقوالهم مدمناً على التوسل بهم وله أناشيد وأغاني تشيد بهم وتعدد محاسنهم وصفاتهم وجملة كراماتهم، وفي أواخر الخمسينات وبحر الستينات، وأوائل السبعينات كانت تلقى هذه الأناشيد والأغاني في الساحات العامة وترفق بكلمات تذكر بوقائعهم وآلامهم وما لحق بهم من أذى وإساءة يقع هذا في جموع غفيرة وحشود محتشدة، بالرغم من أن محاربة هذه الحالة وهذه العلاقة وهذا الاعتقاد تأبطتها شلة من السلفية شرعت في نشاطها في سنة 1930 ميلادي 1348 هجري قادمة من السعودية بعد أن تشبعت بدعوتها الوهابية وتشربت روحها زاعمة أن اسلام الزوايا اسلام وثني شركي وأوهموا الناس أن الرسول (ص) بعث في لحظتهم، وأنهم (أي الناس المؤمنون المسلمون أباً عن جد) حديثو عهد بالإسلام، لكنهم لم يؤثروا شروى نقير في عامة الناس، ولم يزحزحوهم قيد انملة عن اعتقاداتهم، وفقههم، وما عرفوه وتعودوا عليه، فهذا الشيخ العربي التباني من كبار علماء الجزائر كان يدرس في الحرم المكي وله تآليف، كتب كتباً في نقدهم باسم مستعار بلغنا أن له علاقات وارتباطات بعلماء الشيعة، في السعودية، وأنهم كانوا يودونه ويحترمونه ويقدرونه، وهذا الشيخ علي البوديلمي يقول عنهم ما يقول : في كلام طويل يخص قضايا شائكة ومعقدة تتصل بجميع أطراف الثقافة الإسلامية، المجمع عليها، بين المسلمين كافة، ولقد اخترنا جملة من الأقوال أنكر على البشير الإبراهيمي فيها أشد النكير.
ولا ننسى أن نحيل الى كتابات مالك بن نبي (رحمه الله) خاصة مذكراته (الطفل)، (الطالب)، و (العفن) قدم لهم نقداً يشطب على دورهم في السياسة ويشكك في دورهم الاجتماعي ويثلم دورهم الدعوي وهو من هو، التزاماً تعبدياً، والتزاماً فكرياً، وصدقاً إيمانياً واسلامياً، ومعرفة دقيقة ومعمقة بنشوء الحضارات وازدهارها، وبمرضها وتداعيها، له معرفة علمية بالاستعمار وأساليبه، ويكفي قراءة كتاب (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة).
نكير الشيخ علي البوديلمي (رحمه الله) على البشير الإبراهيمي :
1) _ لماذا لَم تحضر جماعة المسلمين ولا جُمعَتهم، وتَحكم عليها بالبطلان.
2) _ حكمك على أبوي النّبي (ص) بالنّار.
3) _ إنكاركَ لرسالة آدم بدعوى أنّه لَم يوجد نصّ من القرآن يدلّ على رسالته.
4) _ حكمك على الحسين بأنّه قتل بسيف جدّه.
5) _ إباحة مسّ المصحف للجُنُب لعدم وجود الدّليل من الكتاب والسنة.
6) _ حكمك على الـميِّت إذا مات انقطع عمله بدون استثناء، وأن لا تلحقه صدقة ولا غيرها.
7) _ تشريك الـمتوسِّلِين بالأنبياء والأولياء والصالحين.
8) _ إنكارك لشفاعة الأنبياء عامة وخاصة.
9) _ تكفيرك للزّائرين القبور بدعوى أنّهم يعبدون من دون الله.
10) _ إنكارك لمشروعيّة الباقيات الصالحات بعد الصلوات.
11) _ إنكارك لمشروعيّة الدّعاء.
12) _ تضليلكَ المذاهب الأربعة بدعوى أنّهم فرَّقوا الأمّة ودين الله واحدٌ.
13) _ خوضكَ في واقعة صفّين وتصويبكَ لرأي معاوية وتخطِئة علي كرّم الله وجهه.
14) _ تحليلك القليل من الرّبا.
15) _ تحليلكَ المكوس.
16) _ تفسيقكَ لمن اعترفَ بولاية سيدي أبي مدين الغوث رضي الله عنه.
17) _ إنكاركَ لكرامة الأولياء ومعجزات الأنبياء.
19) _ إنكارك تفضيل النّبي صلى الله عليه (آله) وسلّم على غيره من الأنبياء.
20) _ إنكاركَ لحياة النّبي صلى الله عليه (وآله) وسلّم في قبره.
والسلفية الآن في الجزائر يعتبرون أن هؤلاء سلفهم وأساس بنائهم وذاكرتهم، حتى لايتهمون بأنهم طارؤون، وأنهم غرباء معزولون لاعلاقة لهم بتاريخ هذا البلد وتراثه، ولا أكتمكم سراً أنهم أطاحوا بالمالكية، والأشعرية، والطرق الصوفية، وادخلوهم في عزلة أبدية، ولم يعد لهم حضور لا علمي ولا أدبي ولا دعوي وهم الآن ينتشرون كالنمل في طول البلاد وعرضها، لا يرون إلا خصماً واحداً بل عدوٌ أوحد يتحفزون ويتنمرون للقضاء عليه قبل أن ينبت ويشتد عوده، ولكن هيهات هيهات ... وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(2).
... وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3).
قال رسول الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم) : «حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَيَحْيَي بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ الله، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ (وآله) وَسَلم: "هَلَكَ الْـمُتَنَطِّعُونَ، قَالَـهَا ثَلَاثاً"»(4).
وقال (ص) : «لا تشدّدوا فيشدّد الله عليكم»(5).
وقال (صلى الله عليه (وآله) وسلم) : «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهراً أبقي»(6).
عن مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ عَليِّ بْنِ إِبْراهِيمَ، عَنْ أبيه، عَنِ النَّوْفَلي، عَن السَّكُوني، عَنْ أبي عَبدالله (ص) قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ (ص): «مَنِ كانَ في قَلْبه حَبَّةٌ مِنْ خَرْدلٍ مِنْ عَصَبَيَّةٍ، بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ أَعْرابِ الجَاهِليَّةِ»(7).
نسيت أن أنبه الى أمرٍ قد يغيب عن كثيرٍ لأني فيما قرأت وسمعت وناقشت وتساءلت، واستفهمت، في كل اتصالاتي واجتماعاتي وعلاقاتي لم أجد له تعرضاً، أو حتى اشارة أو تلميحاً، ألا وهو مكونات الثقافة الدينية الجزائرية، ان ثقافة آل البيت (ع) أو عنصر التشيع مكون أساسي من هذه المكونات وتجلياته في الاجتماع الجزائري لا تخطؤها العين، ولا الأذن ويطول بنا الأمر لو نلجأ الى الاستشهاد بالثقافة الشفوية الشعبية، ولا غرابة في ذلك لأن الفاطميين (العبيديين) نشروا دعوتهم في ربوع هذه البلاد وأقاموا دولتهم فيها، ولأن الأدارسة هاجروا اليها واستوطنوها وأقاموا فيها صروحاً علمية، وساسوا قومها وناسها بالرفق واللين، فكان لهم أثر ونفوذ معنوي ورمزي لم يرتفع الى الآن ولم تعف آثاره السنون وان كانت عقيدتهم أشعرية ويتعبدون بالمذهب المالكي، فإن هويتهم شيعية، وفهمهم للتاريخ الإسلامي فهماً وتعقلاً شيعياً، عرفت عائلات منهم حاورت أبناءهم، وشيوخهم، وذهبت معهم بعيداً في الحوار، فما إن اطمأنوا لي، وتوطدت الصداقة ومتنت عراها، وحصلت الثقة، حتى بادروني بالمكاشفة وصدموني بالمصارحة التي لم أعهدها في أصحاب المذاهب وتعصبهم، بحيث فاجؤوني بتحفظات وتصويبات واستدراكات على علمائهم ومراجعهم في ما يخص نقاط حساسة في العقيدة وفي المذهب الفقهي، وفي التاريخ وفي كتب الحديث هؤلاء لم يقرؤوا كتباً شيعية، ولم يستمعوا الى محاضرات أو خطب تتكلم على هذه الحقائق وتقررها، وهذا قبل الثورة الإعلامية وانتشار الفضائيات والانترنت.
-----------------------------------------
(1) الآية 16 من سورة الحديد.
(2) الآية 21 من سورة يوسف.
(3) الآية 3 من سورة الطلاق.
(4) صحيح مسلم.
(5) سنن أبي داوود.
(6) أخرجه البيهقي وأدرجه الألباني في الجامع الصحيح.
(7) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب العصبية، ح3.