البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

التفكّر والمعرفة الحقّة قلب الإيمان وعقله

الباحث :  الشيخ حسن الهادي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  36
السنة :  خريف 2025م / 1447هـ
تاريخ إضافة البحث :  October / 22 / 2025
عدد زيارات البحث :  175
تحميل  ( 576.628 KB )
الملخّص
التفكّر مفتاح خزائن المعرفة الإنسانيّة، وإذا لم يتفكّر الإنسان، فلن يعرف الحقائق الوجوديّة، وسيغفل عن هويّته الحقيقيّة، وبالتالي لن ينال الكمال الإنسانيّ المطلوب. وإنّ السرّ في عدّ التفكّر عبادة، وفي مدحه والثناء عليه في القرآن والسنّة، يكمن في كونه مفتاح المعرفة الحقّة، بوصفه المدخل إلى الإيمان بالله وصفاته وأفعاله، والإيمان بالآخرة.
يعالج هذا البحث بالاستناد إلى الآيات والروايات والعقل، قضيّة التفكّر والمعرفة في الفكر الإسلاميّ بوصفهما الطريق الذي لا بدّ من سلوكه لتحقيق الإيمان بالله تعالى بكلّ مراتبه، وكلّ ما يترتّب عليه في حياة الإنسان؛ إذ من وظيفة الإنسان التوفيق بين إيمانه ومعتقداته وبين وظيفته العمليّة كمكلّف، ولكن قبل هذه الوظيفة التوفيقيّة لا بدّ من تحقيق المعرفة القائمة على التفكّر والعلم والمعرفة. مع ملاحظة دور الفطرة الإلهيّة التي فطر الناس عليها في هذه العمليّة، كون الفطرة هي أصل الخلقة والهيأة التي خُلق عليها الإنسان، والصبغة التي صبغه الله بها منذ أوجده في هذا العالم.
وهذا ما يتطلّب معالجة العديد من القضايا في سبيل بيان الصورة الحقّة للعلاقة بين المعرفة والإيمان والتفكّر كمدخلٍ إلزاميّ إليهما، ومن هذه القضايا التي لا بدّ من بحثها والاستدلال عليها: التفكّر في صفات الله وأفعاله، والتفكّر في نِعم الله، والتفكّر في النفس الإنسانيّة، والتفكّر في هدفيّة الخلق. وهو ماسيوصلنا بالبحث إلى بيان حقيقة علاقة الإيمان بالمعرفة، وكيفية تحقّق الإيمان بالله تعالى، وعلاقة الإيمان بالعمل الصالح، ليكون الجامع بينها في نهاية المطاف قضيّة الدين الحقّ وأثره في الإيمان، والتمييز بين الدين والتديّن والإيمان.

كلمات مفتاحيّة: الإيمان، الدين، التفكّر، المعرفة، الغفلة، صفات الله، نِعم الله، التديّن، العمل الصالح.

مقدّمة
التفكّر هو التدبّر والتأمّل في الأمور التي لها دورٌ أساسٌ فاعلٌ في سعادة الإنسان وتكامله. ومن المتوقّع أن يولِّد التفكّر ارتباطًا خاصًّا بالله تعالى، وبالتالي استحضار وجوده على الدوام. فالتفكّر بالله وصفاته وأفعاله ونعمه وآياته يحول دون غفلة الإنسان عن الله، وهو عاملٌ مهمٌّ وأساسٌ في زيادة توجّهه واندفاعه نحو عبادة الله سبحانه وتعالى.

وإنّ الإيمان بالله والآخرة وصفات الله وأفعاله ليست من المعارف البديهيّة التي يحصل عليها الإنسان بنحوٍ تلقائيّ، ومن دون جهدٍ أو كسب، بل هي نوعٌ من المعارف النظريّة التي نحتاج في تحصيلها إلى السعي والتفكير والتحقيق. والتفكير في الاصطلاح المنطقيّ ليس سوى ترتيب مبادئ معلومةٍ للحصول على تصوّراتٍ وتصديقاتٍ مجهولة. من هنا، من الطبيعيّ أن نتّجه نحو التفكّر لبلوغ معرفة الله وسائر المعارف الضروريّة لنيل الكمال الإنسانيّ، وهو الأمر الذي جرى التأكيد عليه كثيرًا في القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾[1]، ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[2]. وتكاثرت الروايات الشريفة في الحثّ عليه، روي عن الإمام عليّ (عليه السلام): «التفكّر في آلاء الله نِعْمَ العبادة»[3]. وعن الإمام الحسن (عليه السلام): «التفكّر حياة قلب البصير»[4]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان أكثر عبادة أبي ذرّ - رحمه الله - التفكّر والاعتبار»[5].

وبسبب هذا التأثير المهمّ والمصيريّ للتفكّر في حياة الإنسان، عدّت الروايات الإسلاميّة أنَّ «تفكّر ساعة أفضل من عبادة سنة»[6]. كما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، فتفكّر ساعة ربّما يغيّر مصير حياة الإنسان بشكل تامّ، ولن يكون لعبادة سنة تأثيرٌ يُذكر في تكامل الإنسان إذا لم تكن معمّقةً ومقرونةً بالمعرفة والتعقّل والتدبّر الفكريّ. فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «يا عليّ، إذا تقرّب العباد إلى خالقهم بالبرّ، فتقرّب إليه بالعقل تسبقهم»[7]. فالتفكّر العقليّ في حقيقة النّفس وتوجّهاتها، وبالفطرة الإنسانيّة، من المتوقّع أن يشرّع لنا أبواب معرفة الله (عزّ وجلّ)، ومعرفة الهدف والغاية من وجودنا في هذا العالم. عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ التفكّر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور، يحسن التخلّص، ويقلّ التربّص»[8].

وبناءً عليه، وحتى لا يقع الإنسان في الغفلة، يجب عليه بالدرجة الأولى معرفة أسبابها لكي يتمكّن من تجنّبها، ثمّ يقوم من بعدها بتنظيم برامجه للانتفاع بعناصر التوجّه في حياته، والعمل في ضوئها. ومن الطبيعيّ أنّ المعرفة مقدّمة التوجّه، فما دمنا لا نعرف الشيء ونجهله؛ فمن الطبيعيّ ألّا نتوجّه له، كما قال الإمام عليّ (عليه السلام): «الناس أعداء ما جهلوا»[9]. والعلّة في أنّ الانسان عدوّ ما يجهله – كما يقول ابن أبي الحديد- أنّه يخاف من تقريعه بالنقص وبعد العلم بذلك الشيء، خصوصًا إذا ضمّه نادٍ أو جمعٌ من الناس، فإنّه تتصاغر نفسه عنده إذا خاضوا في ما لا يعرفه وينقص في أعين الحاضرين، وكلّ شيء آذاك ونال منك فهو عدوّك[10]. وكما قال الشاعر: جهلت أمرًا فأبديت النكير له * والجاهلون لأهل العلم أعداء.

وقيل لأفلاطون: لِمَ يبغضُ الجاهلُ العالمَ، ولا يبغضُ العالمُ الجاهل؟
فقال: لأنّ الجاهل يستشعر النقص في نفسه، ويظنّ أنّ العالم يحتقره، ويزدريه فيبغضه، والعالم لا نقص عنده ولا يظنّ أنّ الجاهل يحتقره، فليس عنده سبب لبغض الجاهل[11].

أوّلًا: الفطرة بداية طريق المعرفة
إنّ السير والتأمّل العقليّ في حقيقة النفس الإنسانيّة وتركيبتها يهدينا إلى معرفة الغاية التي خلقنا الله لأجلها. فالله سبحانه قد كتب في أعماق كلّ مخلوقٍ كلمات الحقيقة، وليس على الإنسان إلّا أن يفتح كتاب خلقته ويطالع صفحاته لكي يصل إلى المطلوب، وكتاب الخلقة هذا ليس سوى الفطرة الإلهيّة، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي‏ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [12]. فالفطرة هي أصل الخلقة والهيأة التي خُلق عليها الإنسان، والصبغة التي صبغه الله بها منذ أوجده في هذا العالم ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ﴾ [13].

وللفطرة الإنسانية ميزاتٌ عديدةٌ ومتنوّعة، من أهمّها أنّها مشتركةٌ بين جميع الناس على مرّ العصور واختلاف الأمكنة، وهي لا تتأثّر ولا تتبدّل رغم كلّ الاختلافات والتناقضات في العادات والتقاليد والمناخات والجغرافيا، والأنظمة السياسيّة والفكريّة، والتيّارات الثقافيّة، والمذاهب الدينيّة، وأنّها لا تعرف حدًّا أبدًا، فرغبات الفطرة الإنسانيّة لا تقف عند حدّ، بل تطلب دائمًا ما هو أفضل وأكمل، وهي في حالة طلبٍ دائم، وميولها لا تعرف الشبع أبدًا. وهو ما ينبغي أن يقودنا إلى الغاية الحقيقيّة، رُوي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «يا هشام، إنّ لله على الناس حجّتين، حجّة ظاهرة وحجّة باطنة، فأمَّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة(عليهم السلام)، وأما البَّاطنة فالعقول»[14]؛ ولهذا عندما نتّبع وجهة هذه الميول بوساطة العقل سننتهي إلى الغاية؛ لأنّ الله تعالى لا يعقل أن يجعل فينا ميولًا وتوجّهاتٍ نحو أشياء لا ينبغي أنْ نسعى نحوها، إنّ مثل هذا الظن تَوَهُّمٌ فاسد، واتِّهامٌ للخالق سبحانه؛ لأنّ الحكيم المتعال لا يترك أيّ عملٍ فيه حكمة، ومن ورائه حكمة، وحكمته المطلقة تعني لزوم صدور جميع الأفعال الحكيمة عنه، والحكمة تعني أنّ فعل الحكيم ينبغي أن يتَّصف بالغائيّة والهدفيّة، وأن يكون الهدف من فعله جليلًا وساميًا.

إذًا وجود الميول الفطريّة فينا دليلٌ قويٌّ على وجوب تلبيتها، فإذا لحقنا هذه الميول في توجّهاتها ورغباتها سننتهي إلى الغاية التي خلقنا الله من أجلها، ولا سيّما «أنّ في الإنسان حبًّا فطريًّا للكمال المطلق وللوصول إلى الكمال المطلق الذي يستحيل أن يتكرّر أو يتثنّى. فالكمال المطلق هو الحق (جلّ وعلا)، والجميع يبحثون عنه، وإليه تهفو قلوبهم ولا يعلمون، فهم محجوبون بحجب الظلام والنور؛ لهذا فهم يتوهّمون أنّهم يطلبون شيئًا آخر غيره؛ ولذا تراهم لا يقنعون بتحقيق أيّ مرتبةٍ من الكمال، ولا بالحصول على أيّ جمالٍ أو قدرةٍ أو مكانة. فهم يشعرون أنّهم لا يجدون في كلّ ذلك ضالّتهم المنشودة... ولو أُعطي الساعون إلى القدرة والسلطة التصرّف في كلّ العالم المادّيّ من الأرضين والمنظومات الشمسيّة والمجرّات، بل وكلّ ما فوقها، ثّم قيل لهم: إنّ هناك قدرة فوق القدرة التي تملكونها أو أنّ هناك عالمًا أو عوالم أخرى فوق هذا العالم، فهل تريدون الوصول إليها؟ فإنّهم من المستحيل أن لا يتمنّوا ذلك، بل إنّه من المحتّم أن يقولوا بلسان الفطرة: ليتنا بلغنا ذلك أيضًا»[15].

وعليه، فإنّ وجود هذه الرغبات والميول نحو الكمال الذي لا حدّ له، لهو دليلٌ واضح على أنّ الكمال اللامتناهي هو الغاية التي ينبغي أن نسعى إليها، وقد خلقنا الله تعالى لذلك. وبهذا يتجلّى حضور الله في حياتنا، ونسلك طريق لقاء الله تعالى. وكلامنا الآن يتمحور حول لقاء الله في الدنيا قبل الآخرة، وليس المقصود بلقاء الحقّ تعالى اللقاء الحسّيّ ورؤيته تعالى بالبصر المادّيّ؛ لأنّ الله تعالى ليس بجسمٍ، ولا يحدّه مكان، ولا يُرى بالعين، فإنّه ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبيرُ﴾[16]. بل المراد به اللقاء المعنويّ، بمعنى حضوره تعالى الدائم في حياتنا، وعدم الغفلة عنه أبدًا، والتوجّه إليه باستمرار، ومشاهدة آياته وآثار قدرته تعالى في كلّ شيءٍ. فلا نعبد غيره، ولا ندعو سواه، ولا نطلب حوائجنا إلّا منه. فالإنسان عندما يدرك أنّ الله تعالى خالقه، ومالك كلّ شيء، وبيده الأمر كلّه، وهو في السماء إله،ٌ وفي الأرض إله، وهو ربّ العالمين، فمن الطبيعيّ أن يتوجّه إليه بالعبوديّة له والتسليم. والوصول إلى هذه المنزلة الإنسانية الرّفيعة، من لقاء الحقّ والحضور في محضره عندما يصبح الله تعالى حاضرًا دائمًا في حياة الإنسان، فيرى الإنسان خالقه حاضرًا وموجودًا في جميع شؤون حياته، ويشاهد نفسه دائمًا في مشهد الله العظيم وفي ساحة حسابه يوم القيامة، وكيف لا يكون ذلك وهو تعالى معه أينما ولّى وجهه ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ﴾[17].

وبناءً على هذا الفهم لحضور الله ولقائه تتبلور نظرة الإنسان إلى الحياة والكون ومفاهيمه في شتّى المجالات، التي تسهم في بنائه الفكريّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ والتربويّ، وتكون التربية العقائديّة المستمدَّة من الوحي هي التي تبني الإنسان الصالح وتحصّنه، وهي التي توازن بين طاقة الروح وطاقة العقل وحاجات الجسد، وتوازن بين معنويّات الإنسان ومادّيّاته، وبين ضروريّات الإنسان وكمالّياته، وبين واقعه وما ينشده من كمال، وبين نزعاته الفرديّة ونزعاته الجماعيّة، وبين إيمانه بعالم الغيب وعالم الشهادة.

ثانيًا: بماذا نتفكّر؟
تقتضي الإجابة عن هذا السؤال إجراء عمليّة تتبّع للعديد من الآيات والروايات ذات الصلة بقضية التفكّر وآثارها المعرفيّة والإيمانيّة، ولكن انسجامًا مع ما يحقّق هدف هذا البحث نكتفي بالأمور الأربعة الآتية:

1. التفكّر في صفات الله وأفعاله:
لقد أمرت بعض الآيات القرآنيّة بالتفكّر في صفات الله وأفعاله؛ لأنّ التفكّر في صفات الله وأفعاله، والمعرفة الدقيقة بها، يعصم الإنسان من الخلط بين الله وبين سائر المخلوقات، فلا ينسب إلى المخلوقات صفاتٍ وشؤونًا خاصّة بالله؛ وذلك لأنّ الإنسان - وإنْ كان موحّدًا وعارفًا بالله بفطرته - لكنّه ربّما يخطئ أحيانًا فيضع المخلوقات الأخرى موضع الله. والقرآن يصرّح بأنّ مشركي مكّة والجزيرة العربيّة الذين كانوا يعبدون الأصنام، لم يكونوا ينكرون الله، بل إنّ مشكلتهم كانت في تحديد الصفات والأفعال الخاصّة بالله، ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[18]. فكثيرٌ منهم كانوا يعتقدون بوجوب عبادة هذه الأصنام للتقرّب إلى الله، ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[19].

لقد كان خطؤهم في أنّهم كانوا يجهلون أنّ أصنامًا بهذه المواصفات لا يمكن أن تُعبد وتكون سببًا في قرب الإنسان من الله، ولو أنّهم كانوا يعرفون صفات الله جيّدًا، لعرفوا أنّ الله لا يأمر إطلاقًا بعبادة الصنم والسجود له. بناءً على هذا، يجب التفكّر في صفات الله كي نتجنّب الوقوعَ في الخطأ عند تحديد المصداق الصحيح. روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أفضل العبادة إدمان التفكّر في الله وفي قدرته»[20].

2. التفكّر في نِعم الله:
تضافرت الآيات القرآنيّة والروايات الشريفة التي أمرت بالتفكّر والتدبّر في نِعم الله وآلائه، وثمّة آياتٌ كثيرةٌ في القرآن الكريم تحدّثت عن التفكّر في آلاء الله، نشير هنا إلى نماذج منها: قوله تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[21]. فلو قُدِّر لهذه الأرض أن تبقى هامدة على الدوام، ولم يُنزل الله الماء والمطر، فهل ستنمو الأشجار والنباتات على سطحها؟ وماذا سيحصل؟ فهل فكَّرنا جيّدًا في عواقب عدم وجود هذه النعمة البسيطة؟

ومنها أيضًا قوله عزّ وجلّ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾[22]. فما الذي بمقدور الإنسان فعله لو كانت المياه التي على وجه الأرض مُرّة أو مالحة؟ هل فكّر الإنسان في هذا الأمر لمرّة واحدة؟
وقال عزّ اسمه أيضًا في آيةٍ ثالثة: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[23]. فأيَّ بدائع أوجدها الله في هذا المخلوق الصغير! حقًّا كيف يمكن لحشرة صغيرة أن تقوم بإنتاج العسل بأسلوبٍ مذهل، وعن طريق امتصاص رحيق الأزهار والنباتات؟! هذا العسل الذي يكمن فيه العلاج والشفاء لكثيرٍ من الأمراض.

والتفكّر في نِعم الله يُحفّز أكثر على عبادته وشكره على النعم التي أسبغها علينا. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «التفكّر في آلاء الله نعم العبادة»[24]. وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديثه لمفضّل، وحثّه على التفكّر في النعم الكثيرة: «فَكِّرْ يَا مُفَضَّلُ فِي هَذِهِ الْمَعَادِنِ وَمَا يُخْرَجُ مِنْهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُخْتَلِفَةِ، مِثْلِ الْجِصِّ، وَالْكِلْس،ِ وَالْجِبْسِ، وَالزَّرَانِيخِ، وَالْمَرْتَكِ، وَالقونيا (التُّوتِيَاء)، وَالزِّئْبَقِ، وَالنُّحَاسِ، وَالرَّصَاصِ، وَالْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَالْيَاقُوتِ، وَالزُّمُرُّد،ِ وَضُرُوبِ، الْحِجَارَةِ، وَكَذَلِكَ مَا يُخْرَجُ مِنْهَا مِنَ الْقَارِ، وَالْمُومِيَا، وَالْكِبْرِيتِ، وَالنِّفْطِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَعْمِلُهُ النَّاسُ فِي مَآرِبِهِمْ، فَهَلْ يَخْفَى عَلَى ذِي عَقْلٍ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا ذَخَائِرُ ذُخِرَتْ لِلْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ لِيَسْتَخْرِجَهَا فَيَسْتَعْمِلَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا.. »[25].

وخلاصة الأمر هي أنّ نعم الله سبحانه وتعالى تملأ حياة الإنسان بأسرها، وحسبُ الإنسان أن يفتح عينيه قليلًا ليرى المئات، بل الآلاف من النعم التي تحيط به ويتمتّع بها. والتفكّر في هذه النِعم يُعرِّف الإنسان إلى المبدع والمُوجد لكلّ هذه الروائع والنعم، ويسير به نحو العبادة الصحيحة له. قال الله تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[26]، إشارة إلى كثرة النعم الإِلهية كثرةً خارجةً عن حيطة الإِحصاء، وبالحقيقة ما من شيءٍ إلّا وهو نعمة إذا قيس إلى النظام الكلّيّ، وإن كان ربما وجد بينها ما ليس بنعمة إذا قيس إلى بعض آخر. وقد علّل سبحانه ذلك بقوله: ﴿إنّ الله لغفور رحيم﴾ وهو من ألطف التعليل وأدقّه، فأفاد سبحانه أنّ خروج النعمة عن حدّ الإِحصاء إنّما هو من بركات اّتصافه تعالى بصفتي المغفرة والرحمة، فإنّه بمغفرته - والمغفرة هي الستر - يستر ما في الأشياء من وبال النقص وشوهة القصور، وبرحمته - والرحمة إتمام النقص ورفع الحاجة - يظهر فيها الخير والكمال ويحلّيها بالجمال، فببسط المغفرة والرحمة على الأشياء يكون كلّ شيء نافعًا في غيره خيرًا مطلوبًا عنده، فيصير نعمة بالنسبة إليه، فالأشياء بعضها نعمة لبعض، فللنعمة الإِلهيّة من السعة والعرض ما لمغفرته ورحمته من ذلك: فإنْ تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، فافهم ذلك[27].

3. التفكّر في النفس الإنسانيّة:
وردت في القرآن الكريم طائفةٌ من الآيات التي تدعو الإنسان إلى التفكّر، وموضوع التفكّر هو الإنسان: كيف يولد، وكيف ينمو ويترعرع، وكيف ينقذه الله من الشدائد والمصاعب، ويوصله إلى حيث الطمأنينة والاستقرار، وإلى ما هنالك من أمور مرتبطة بتكوين الإنسان وخلقته الوجوديّة. وهنا نستقرئ نماذج من هذه الآيات: ﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ Q فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾[28]. في هذه الآيات، إلى جانب تذكيره تعالى بكيفيّة خلقه بيد قدرته لمخلوق معقّد كالإنسان، من نطفة من ماء مهين، يدعو الله الناس بصورة غير مباشرة إلى أن يتفكّروا في هذه القضيّة، وعبارة ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ تدلّ على أنّ الإنسان لو تمعّن فقط بقضيّة خلقه وإيجاده، لا يبقى أمامه أيُّ مجال للإنكار والتكذيب.

ولم تخلُ الروايات والأحاديث الشريفة من ذكر خلق الإنسان، وكيفيّة بدء الخلق، ومراحل تطوّر الإنسان ونموّه في الأرحام، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) في كتابه الذي أملاه إلى مفضّل: «نَبْدَأُ يَا مُفَضَّلُ بِذِكْرِ خَلْقِ‏ الْإِنْسَانِ،‏ فَاعْتَبِرْ بِهِ، فَأَوَّلُ ذَلِكَ مَا يُدَبَّرُ بِهِ الْجَنِينُ فِي الرَّحِمِ، وَهُوَ مَحْجُوبٌ‏ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ‏: ظُلْمَةِ الْبَطْنِ، وَظُلْمَةِ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةِ الْمَشِيمَةِ، حَيْثُ لَا حِيلَةَ عِنْدَهُ فِي طَلَبِ غِذَاءٍ، وَلَا دَفْعِ أَذًى، وَلَا اسْتِجْلَابِ مَنْفَعَةٍ، وَلَا دَفْعِ مَضَرَّةٍ. فَإِنَّهُ يَجْرِي إِلَيْهِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ مَا يَغْذُوهُ الْمَاءُ وَالنَّبَاتُ، فَلَا يَزَالُ ذَلِكَ غِذَاؤُه»[29].

4. التفكّر في هدفيّة الخلق:
ذكر الله تعالى في أواخر سورة آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا﴾[30]. يتّضح من مفهوم الآية أنَّ أولي الألباب هم الذين يدركون، من خلال التدبّر والتفكّر في خلق السماوات الأرض، أنَّ الخالق تبارك وتعالى قد وضع هدفًا وغاية من الخلق. وقال (عزّ وجلّ) في آيةٍ آخرى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ﴾[31]. يصرّح تعالى في هذه الآية بأنّه لم يخلق السماء والأرض بدافع اللهو أو اللعب، بل رسم هدفًا وغايةً من الخلق. من هنا كانت الدعوة الإلهيّة للإنسان إلى التفكّر في هدفيّة الخلق، فقد قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾[32].

وتضافرت الروايات التي دعت إلى التفكّر في هدفيّة الخلق. فمن وصايا الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام): «اتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَتَفَكَّرُوا وَاعْمَلُوا لِمَا خُلِقْتُمْ لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى، قَدْ عَرَّفَكُمْ نَفْسَهُ، وَبَعَثَ إِلَيْكُمْ رَسُولَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابَهُ، فِيهِ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ وَحُجَجُهُ وَأَمْثَالُهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ، فَقَدِ احْتَجَّ عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ فَقَالَ:‏ ﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾[33]، فَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ،‏ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ،‏ فَإِنَّهُ‏ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ،‏ وَلَا تُكْلَانَ إِلَّا عَلَيْهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَآلِهِ»[34]. وقَالَ (عليه السلام): «يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ وَمَحَلَّ الْكِتْمَانِ، تَفَكَّرُوا وَتَذَكَّرُوا عِنْدَ غَفلَةِ السَّاهِينَ»[35].

ثالثًا: الإيمان وعلاقته بالمعرفة
كيفية تحقّق الإيمان بالله تعالى:
الإيمان بالله يحصل في النفس من خلال التصديق المنطقيّ والاستدلاليّ، إلى جانب الإدراك والإحساس الفطريّ الذي يحصل بإرشاد الأنبياء الإلهيّين، وشرط تحققّه هو عدم وجود الموانع، ولو بنحوٍ نسبيّ. وإنّ التوجّه إلى الله والمعاد والنبوّة منوط بمعرفتها. والتوجّه إلى الله، بالدرجة الأولى، يؤدّي دورًا مركزيًّا من بين هذه الأصول الثلاثة. فما دمنا لا نعرف الله، فلن يكون هنالك معنًى للتوجّه إليه، وبالتالي لن يتحقّق التوجّه إلى المعاد، والطريق ما بين المبدأ والمعاد. وقد أوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا ذرّ (رض)، حيث قال له: «يا أبا ذرّ، إنّك منّا أهل البيت، وإنّي موصيك بوصيّة فاحفظها، فإنّها جامعةٌ لطرقِ الخير وسُبلِه، فإنّك إنْ حفظتها كان لك بها كفلان. يا أبا ذرّ، اعبد الله كأنّك تراه، فإنْ كنت لا تراه فإنّه يراك، واعلم أنّ أوّل عبادة الله المعرِفةُ به»[36].

من هنا يتبادر السؤال الآتي: ما هو طريق بلوغ معرفة الله وصفاته وأفعاله التي تنتهي إلى معرفة المعاد والنبوّة؟ وإذا عمل الإنسان بلوازم الإيمان، التي هي تنفيذ القوانين الإلهيّة، وبذل تمام قدرته بإخلاص في تنفيذ هذه القوانين في حياته الفرديّة والاجتماعيّة، فسيحصل على مرتبةٍ أعلى، إلى أن يصل إلى اليقين، كما يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «إنّ الإيمان يبدو لُمظة بيضاء في القلب، فكلّما ازداد الإيمان عظمًا ازداد البياض، فإذا استُكمل الإيمانُ ابيضَّ القلب كلّه»[37].
هذا والإيمان أمرٌ اختياريّ، يجب أن يتحقّق باختيار الإنسان نفسه. والشاهد على اختياريّة الإيمان هو أنّ الله تعالى يأمرنا به: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ﴾[38]، ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا﴾[39]. فإذا كان الإيمان أمرًا جبريًّا وخارجًا عن إرادتنا، فلا معنى لأمرنا به.

إنّ الإيمان بشيءٍ يتبلور في القلب عندما نقرّر ونتعهّد بالالتزام والعمل بلوازمه، بعد إدراكنا لحقيقته. أمّا إذا علمنا بشيءٍ، ولكن لم نعزم على الالتزام بلوازمه، فهنا يكون لدينا علم فقط، ولا يتحقّق الإيمان بكلّ مداليله ولوازمه. وهو ما نفهمه من الروايات الشريفة، حيث جاء في أمالي الطوسي... عن أبي الحسن الثالث عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سألت النبيّ J عن الإيمان فقال: «تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان»[40]، ومثله عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الإيمان إقرارٌ باللسان، ومعرفة بالقلب، وعملٌ بالجوارح»[41].

ما هو متعلّق الإيمان؟
من الأسئلة المهمّة التي يجدر طرحها فيما يخصّ الإيمان هي مسألة متعلّق الإيمان، بأيِّ شيء علينا أن نؤمن؟ وفي الجواب نقول: إنَّ الله تعالى بيَّن متعلّق الإيمان في العديد من آياته الكريمة، منها قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾[42].

الوارد في هذه الآية أنَّ متعلّق الإيمان هو الإيمان بالله ويوم القيامة والملائكة والكتاب السماويّ والأنبياء (عليهم السلام). والإيمان بسائر الأمور التي تقدّم ذكرها هو في الواقع من لوازم الإيمان بالله وآثاره، وإذا ما آمنا بالله، فيجب أن نؤمن بصفاته أيضًا. ومن صفات الله الحكمة، ومقتضى حكمة الله بعث الأنبياء. وعليه، فإنَّ الإيمان بالله يثمر الإيمان بالأنبياء، والإيمان بالأنبياء يورث الإيمان بالكتب السماويّة التي يأتي بها الأنبياء من عند الله، كما أنّ لازم الإيمان بالأنبياء القبول بالملائكة والإيمان بوجودهم؛ لأنّهم واسطة الوحي الإلهيّ، ومن لوازم الإيمان بالله والأنبياء والكتب السماويّة الإيمانُ بالمعاد ويوم القيامة. ومن الموارد القرآنيَّة الأخرى حول متعلّق الإيمان قوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾[43]. وقوله تعالى:﴿مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾[44]. وقوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾[45].وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾[46]. وقوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا﴾[47]. وقوله تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾[48].

هذه النماذج القرآنيّة يعضدها كثيرٌ من الروايات الشريفة، منها قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أربع لم يجد رجلٌ طعم الإيمان حتّى يؤمن بهنّ: أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله بعثني بالحقّ، وأنّه ميّت، ثمّ مبعوث من بعد الموت، ويؤمن بالقدر كلّه»[49].

مراتب الإيمان ودرجاته
للإيمان مراتب ودرجات متعدّدة، وليس المؤمنون على حدٍّ سواء في إيمانهم بالله. ويمكننا الاستدلال على هذه الحقيقة من خلال الآيات القرآنيّة والروايات والأحاديث الشريفة، ومن الآيات القرآنيّة قوله تعالى:

- ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾[50].
- ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾[51].
-﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾[52].
- ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾[53].

استنادًا إلى مثل هذه الآيات، فإنَّ أصل القول بأنَّ الإيمان على درجات وهو خاضعٌ للزيادة والنقصان، أمرٌ يقينيّ ولا مجال للشكّ فيه، ولكن ما هي مراتب الإيمان؟
لقد أشارت الروايات الشريفة إلى تفصيل ذلك الأصل، وذكرت درجات الإيمان المتعدّدة بنحوٍ عامّ. فثمّة رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول فيها: «إنّ الإيمان عشر درجات، وإنَّ سلمان في العاشرة، وأبو ذرّ في التاسعة، والمقداد في الثامنة»[54]. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الإيمان عشر درجات بمنزلة السلّم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولنّ صاحب الاثنين لصاحب الواحد لستَ على شيء، حتّى ينتهي إلى العاشر، فلا تُسقِط مَن هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة، فارفعه إليك برفق، ولا تحملنّ عليه ما لا يطيق فتكسره، فإنَّ من كسر مؤمنًا فعليه جبره»[55].

ومن الواضح أنّ مثل هذه الروايات في مقام بيان الأقسام والمراتب العامّة للإيمان، ولا تتعرّض للمراتب والتقسيمات التفصيليّة له. فالإيمان يمكن تقسيمه إلى ما لا نهاية، كما ينقسم جزءٌ من خطّ إلى أجزاء أصغر، ثمَّ إلى ما لا نهاية.
من هنا، ليس مبالغةً إذا ما قيل إنّ مراتب الإيمان من الكثرة بحيث تميل إلى مراتب كثيرة جدًّا، فتلك الرواية - مثلًا - التي تقول إنّ الإيمان عشر درجات، يمكن افتراض كثيرٍ من المراتب الجزئيّة ما بين كلٍّ من هذه المراتب العشر المذكورة فيها.

علاقة الإيمان بالعمل الصالح
يلاحظ في آيات القرآن الكريم التي تتحدّث عن الإيمان نوعٌ من الاقتران، بل التلازم الدائم بين الإيمان والعمل الصالح، كما ورد في القرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿...إِلّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ...﴾[56]. ﴿إِلّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ...M[57]، Nوَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى...﴾[58]. ﴿... إِلّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا...﴾[59]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾[60].

القاعدة المستفادة من هذه الآيات وغيرها هي: عدم وجود إيمانٍ بلا عمل، والعمل يجب أن يكون صالحًا بمعنى كونه متوافقًا مع الشريعة المقدّسة. وكلّ عملٍ من شأنه أن يهدي الناس أو يرفع من مستواهم العلميّ أو العمليّ أو الثقافيّ، هو عمل صالح، والعمل الصالح هو الجانب العمليّ للإيمان «الإيمان عمل كلّه». وإنّ هذا الاقتران ليس من قبيل الاثنينيّة المميّزة لأحدهما عن الآخر، بل من قبيل التكامل الماهويّ والتلازم السببيّ، بحيث لا يكتمل أحدهما من دون الثاني، وهو ما تؤكّده الروايات، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) «ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكن الإيمان ما خلص في القلوب وصدّقته الأعمال» [61] وعن سلام الجعفي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الإيمان فقال: «الإيمان أن يُطاع الله فلا يُعصى»[62].
وخلاصة القول: إنّ الإيمان كلٌّ لا يتجزّأ، ويرتكز على ثلاثة مقومات: الاعتقاد، والإقرار، والعمل، عن أبي الصلت الهرويّ، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الإيمان، فقال (عليه السلام): «الإيمان عقدٌ بالقلب، ولفظٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح، ولا يكون الإيمان إلّا هكذا»[63].

وبهذا عندما يدرك الإنسان أنّه في محضر الله تقدّست ذاته، وأنّه مطّلعٌ على جميع حركاته وسكناته، فلن يقوم بالأعمال التي لا ترضي الله، ولن يعصيه أبدًا، بل سيسعى دائمًا لأن يجعل كلّ أعماله موافقةً مع إرادته تعالى وخالصةً لوجهه سبحانه. فالله تعالى يرى ويشاهد أعمال الإنسان، وليس هو وحده وإنّما رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة المعصومون (عليهم السلام) شاهدون على أفعالنا أيضًا: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى‏ عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[64]. وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «تُعرَض الأعمال على رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعمالُ العبادِ كلّ صباح، أبرارها وفجّارها فاحذروها، وهو قول الله تعالى: ﴿اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُه﴾، وسكت»[65]. فإذا أدرك الإنسان هذه الحقيقة، وهي أنّ كلّ أعماله مشهودةٌ عند الله وملائكته الذين يكتبون كلّ شيء، ومعروضةٌ على رسول الله والأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، عندها سوف يسعى لاجتناب المعاصي وفعل الصّالحات. أمّا إذا لم يطّلع الإنسان على أصل أنّ (الله معه دائمًا)، وظنّ أنّه غائبٌ عنه، فإنّه سوف يغرق بالغفلة، وسوف يتهاون في أداء الأعمال الواجبة عليه، ولن يهتمّ باجتناب المحرّمات. بخلاف ما إذا أدرك أنّ الله تعالى محيطٌ به، ووجد نفسه دائمًا في مشهده ومحضره، فإنّه يسعى لأداء كلّ الأعمال طبق الإرادة الإلهيّة. وهذه الأعمال التي تؤدّى وفق إرادة الله هي أعمالٌ مقرّبةٌ إلى الله، كالصلاة مثلًا التي هي «قربان كلّ تقي»[66]، كما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام). وإذا وصل الإنسان إلى هذا الحدّ فاعتقد أنّ الله ناظرٌ إلى أعماله، راعى الخلوص أيضًا في كلّ أعماله. فهو من جهةٍ يؤدّي الأعمال بحسب أوامر الله، ومن ناحيةٍ ثانية يكون مخلصًا في القيام بأعمال البرّ والخير. وهذه منزلةٌ رفيعةٌ يصل إليها الإنسان وهي متيسّرة للجميع، فما أشدّ خسارة الذين يبيعون أنفسهم للدنيا وهم مدعوّون للوصول إلى هذا المقام الرفيع.

وورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) أنّه قَالَ: «إِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ صَالِحِينَ حَتّى‏ تَعْرِفُوا، وَلَا تَعْرِفُوا حَتّى‏ تُصَدِّقُوا، وَلَا تُصَدِّقُوا حَتّى‏ تُسَلِّمُوا أَبْوَابًا أَرْبَعَةً لَا يَصْلُحُ أَوَّلُهَا إِلَّا بِآخِرِهَا، ضَلَّ أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ، وَتَاهُوا تَيْهًا بَعِيدًا، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى‏ لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْعَمَلَ‏ الصَّالِحَ‏، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ وَالْعُهُودِ، فَمَنْ وَفى‏ لِلَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) بِشَرْطِه، واسْتَعْمَلَ مَا وَصَفَ فِي عَهْدِه، نَالَ مَا عِنْدَه، واسْتَكْمَلَ مَا وَعَدَه. إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى أَخْبَرَ الْعِبَادَ بِطُرُقِ الْهُدَى، وشَرَعَ لَهُمْ فِيهَا الْمَنَارَ، وأَخْبَرَهُمْ كَيْفَ يَسْلُكُونَ، فَقَالَ: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾[67]»[68].

ويُطلَق العمل الصالح في المصطلح القرآنيّ على العمل الطيّب والصالح في نفسه، الذي يقوم به الفرد بنيّة التقرّب إلى الله ونيل رضاه، فمثل هذا العمل هو الذي يرتقي بالإنسان، ويتسلّق به سُلَّم الكمال، ويسمّى هذا العمل في الثقافة الإسلاميّة والقرآنيّة (عبادة).

رابعًا: علاقة الإيمان بمعرفة الله
للوهلة الأولى يتبادر إلى الذهن أنّ الإيمان بالله يعني أن نعلم بأنّ الله موجود، ولكن من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم يتّضح خطأ هذه النظريّة. فالقرآن لا يرى التماثل بين المعرفة والإيمان، بل يستفاد من القرآن أنّ المعرفة أوسع مدًى من الإيمان، فلا يُستنتَج من القرآن الكريم والروايات الشريفة أنّ كلّ مَن علم بوجود الله آمن به، أو إذا ما تبيّنت له نبوّة نبيٍّ من الأنبياء، فذلك يعني إيمانه بذلك النبيّ، بل على العكس، القرآن الكريم يُشير إلى موارد متعدّدة حيث علم بعض الناس، بل أيقنوا بالنبوّة ووجود الله، لكنّهم أصرّوا على كفره وجحوده. يقول تعالى عن آل فرعون: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾[69]، فهذه الآية صريحة بأنَّ أولئك كانوا يعلمون تمام العلم أنّ الله موجود، وأنّ موسى(عليه السلام) نبيّ ذلك الإله، لكنّهم، ونظرًا لروح التعالي والظلم التي كانوا عليها، كانوا ينكرون هذه القضيّة. وفي آيةٍ أخرى يخاطب موسى(عليه السلام) فرعون قائلًا: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾[70]. وتدلّ أداتا التأكيد (اللّام، وقد) في الآية الكريمة على أنّ فرعون كان يعلم أنّ هذه المعجزات التي تحقّقت على يدي موسى(عليه السلام) لم تنزل إلّا من عند الله مالك الملك وربّ السماوات والأرض.

إذًا، هذه الآية تصرِّح بأنّ فرعون كان متيقّنًا بوجود الله ونبوّة موسى(عليه السلام)، ولكن هل كان مؤمنًا؟ والجواب أنَّه ليس منكرًا ولم يؤمن فقط، بل ظلَّ مصرًّا على كفره، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾[71]. ثم إنّه، ولغرض خداع الناس، أمر وزيره هامان بأن يبني له برجًا كي يبحث مِن أعلاه عن الله (عزّ وجلّ) في السماء، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾[72].

ومن الحوادث التاريخيّة الدالّة على عدم الملازمة بين المعرفة والإيمان، واقعة المباهلة التي حدثت في عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث جاءت مجموعةٌ من النصارى الذين كانوا يعيشون في منطقة (نجران) لمحاورة النبيّ ومناظرته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان لهؤلاء في نجران قوّة وجاه ومركز اجتماعيّ وعلميّ ذائع الصيت، وكان يعيش بينهم كبار علماء النصارى، فأغراهم هذا الرصيد العلميّ، وظنّوا أنّهم قادرون على التغلّب على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في البحث والمناظرة، وظنوا أنَّهم قادرون على أن يثبتوا له (صلى الله عليه وآله وسلم) حقّانيّة المسيحيّة ووجوب اتّباعها. وافق النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على المناظرة، وعلى العكس ممّا كانوا يتصوّرون في البداية، فإنَّهم غُلبوا وعجزوا أمام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في المحاورة، ولم يكن لديهم ما يقولون، لكنّهم، رغم ذلك، رفضوا اعتناق الإسلام، فبان كذِب دعواهم، ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾[73].

بناءً على هذا، ليس من الضرورة أن يكون هنالك إيمانٌ إذا ما وُجدت المعرفة، ولكن في المقابل لا بدّ من وجود نوعٍ من العلم والمعرفة كي يحصل الإيمان، فالإنسان يعجز عن الإيمان بشيءٍ وهو جاهل به جهلًا تامًّا. فمجرّد علم الإنسان - مثلًا - بأنّ الله موجود، أو اتّضاح حقّانيّة وصدق دعوة نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنسبة إليه، لا يُعدُّ كافيًا لإسعاده، بل بالإضافة إلى العلم، عليه أن يؤمن بقلبه أيضًا، ويعمد إلى العمل بلوازم هذا العلم، ولهذا السبب يتعذّر الإيمان دون عمل.

ولهذا تؤكّد الروايات على المعرفة الكاملة والتامّة لله تعالى، وليست هي إلّا المعرفة الموصلة إلى الإيمان والعمل، روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لو عَرَفتُمُ اللهَ (عزّ وجلّ) حقَّ مَعرِفَتِهِ لَمَشَيتُم عَلَى البُحورِ، ولَزالَت بِدُعائِكُمُ الجِبالُ. ولَو خِفتُمُ اللهَ حَقَّ خَوفِهِ لَعَلِمتُمُ العِلمَ الَّذي لَيسَ مَعَهُ جَهلٌ، ولكن لم يبلغ ذلِكَ أَحَدٌ... »[74]. وسُئِل أمير المؤمنين (عليه السلام): «بما عرفت ربّك؟ فقال: بما عرّفني نفسه، قيل كيف عرّفك نفسه؟ فقال: لا تشبهه صورة ولا يحسّ بالحواسّ ولا يقاس بالناس قريب في بعده، بعيد في قربه...»[75].
تنوّعت الأدلّة الفطريّة والنقليّة والعقليّة وغيرها، للبحث عن معرفة الله تعالى وعلاقته بالإيمان، وقد أرشدت نصوص أهل البيت (عليهم السلام) إلى طريقة مهمّة لمعرفة الله، وهي معرفة الله بالله تعالى. وورد في الدعاء عن الإمام السجّاد (عليه السلام) قوله: «بك عرفتك، وأنت دللتني عليك، ودعوتني إليك، ولولا أنت لم أدرِ ما أنت»[76].

فكلّما ازداد علم المرء بأسرار الحياة، ونواميس الكون وعظمة الخالق، زاد خشوعه نتيجة معرفته هذه، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : «من كان بالله أعرف، كان من الله أخوف»[77]. وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «أعلم الناسِ بالله سبحانه، أخوفهم منه»[78]. وعن الإمام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة: «اللّهُمَّ اجْعَلْنى أخشاك كَأنّي أراك، وَأسْعِدْني بِتَقواكَ، وَلا تُشْقِني بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لي في قَضائِكَ، وَبارِكْ لي في قَدَرِكَ، حَتّى لا أُحِبَّ تَعْجيلَ ما أخّرت وَلا تَأخيرَ ما عَجَّلْتَ، اَللّهُمَّ اجْعَلْ غناي في نفسي، وَالْيَقينَ في قلبي، والإخلاص في عملي، وَالنُّورَ في بصري، وَالْبَصيرَةَ في ديني»[79].

خامسًا: الدين الحقّ وأثره في الإيمان
كيفيّة الوصول إلى الدين:
الدين حاجة طبيعيّة للإنسان، ويميل الإنسان فطريًّا إلى الدين، غير أنّه لأجل الوصول إلى الدين الحقّ في بعده النّظريّ والعمليّ، لا بدّ أن يقوم بالبحث عن الغاية التي خُلق لأجلها؛ نظرًا لما لهذا البحث من أهمّيّةٍ وتأثيرٍ في إيمان الإنسان وسلوكه ونظرته للعالم. ولأنّ من آمن بحكمة الله وقدرته اللامتناهية يعلم يقينًا أنّ الباري الحكيم إذا خلق شيئًا يجعل له هدفًا، قال تعالى: ﴿رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ﴾[80]. و﴿قالَ رَبُّنَا الَّذي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏﴾[81]. فالحكمة العظيمة في أفعال الربّ تعني ضرورة وجود هدفٍ وغايةٍ لوجود الإنسان في هذه الحياة. والطريق لمعرفة الغاية التي نتحدّث عنها هي غاية الإنسان التي خُلق من أجل الوصول إليها، بمعنى آخر هي غاية النفس الإنسانيّة؛ ولهذا إذا أردنا أن نتعرّف إلى هذه الغاية، فعلينا أن ننطلق من معرفة هذه النفس الإنسانيّة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من عرفَ نفسَه فقد عرفَ ربَّه»[82].

بين الدين والتديّن والإيمان
بناءً على ما تقدّم لا بدّ من تجنّب الخلط بين الدين والتّديّن، والدين والإيمان، والحال أنّ الإيمان والتديّن يختلفان عن الدين؛ لأنّ الإيمان والتّديّن وصفٌ للإنسان، أمّا الدين فهو حقيقةٌ رساليّةٌ أتاحها الله تعالى للإنسان. فالدين «مجموعة عقائد وقوانين ومقرّرات ناظرة إلى الأصول النظريّة والعمليّة للبشر، كما أنّها تشتمل على الأخلاق وتغطّي جميع شؤون حياة البشر. وبعبارةٍ أخرى، الدين مجموعة عقائد وأخلاق وقوانين ومقرّرات أنزلت لإدارة الفرد والمجتمع وتربية الإنسان عن طريق الوحي والعقل».

علمًا بأنّ الكثيرين يخلطون بين الدين والتديّن؛ ولذا حمّلوا الدين كثيرًا من المغالطات والأخطاء الناشئة من التديُّن بما هو عمليّة ينتهجها الفرد المنتمي شكلًا إلى الدين، ويُصنّف كلّ ما يصدر من المنتمين إلى الدين من سوء إليه، بل لا شيء من الممكن أن يلحق ضررًا بالدين كالتديُّن السيّئ والمشوَّه، كما هو الحال مع الحركات التكفيريّة في عصرنا الراهن، وهذا التديُّن المشوّه لا يمكن مواجهته إلّا بتديّنٍ سليمٍ، وإذا استطاع هؤلاء أن يقدّموا تجربةً عمليّةً مشوّهة عن الإسلام، فإنّ من الأولى أن يقدّم المسلمون بالمقابل تجربةً عمليّة حضاريّةً متكاملةً وشاملة عن الإسلام، ذلك أنّ الإدانات الكلاميّة والخطابيّة، والإحالة على النصوص الدينيّة، لا يكفي لمواجهة الفكر التكفيريّ ودحضه.
وهذا ما يتطلّب جهدًا علميًّا تحقيقيًّا واسعًا على مستوى تحقيق التراث وتنقيته من الأفكار والمناهج التي تقدّم الدين بلباس الباطل؛ لأنّ مجموعة العقائد والأوصاف الأخلاقيّة والأحكام الفقهيّة والحقوقيّة؛ إمّا أن تكون حقًّا، وإمّا باطلًا، وإمّا مزيجًا من الحقّ والباطل. فالدين الحقّ، هو مجموعة العقائد والأخلاق والمقرّرات الحقّة، وعلى العكس يكون باطلًا، سواء أكان باطلًا محضًا أم ممزوجًا بالحقّ؛ إذ إنّ الجامع بين الحقّ والباطل يلحق بالباطل دون الحقّ. ويصف القرآن الكريم تعاليم الأنبياء(عليهم السلام) بالحق؛ لأنّ العقائد والمقرّرات والأخلاق منزّلة من الله سبحانه فهو حقّ. وإنّ الله تعالى يقول لنبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾[83]، وفي آيةٍ أخرى: ﴿وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ﴾[84]. والإسلام هو الدين الحقّ كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾[85] ، والذي لا يقبل الله من أحدٍ إلّا انتخابه والاعتقاد به، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾[86] . وأمّا الدين الباطل فهو ما جاء به الطواغيت بلا فرق بين استنادهم إلى فكرٍ فلسفيٍّ معيّنٍ أو الاستناد إلى أفكارٍ ومعتقداتٍ خاصّةٍ أخرى.

وإنّ التدبّر في آيات القرآن الكريم يكشف حقيقةً ناصعةً للإيمان، وهي أنّ الإيمان ليس مجرّد العلم بالشيء والجزم بكونه حقًّا؛ لأنَّ الذين تبيّن لهم الهدى لم يردعهم ذلك عن الارتداد على أدبارهم، ولم يمنعهم من الكفر والصدّ عن سبيل الله ومشاققة الرسول؛ كما في قوله تعالى: ﴿إنَّ الَّذين ارتَدُّوا على أدبارهم مِنْ بَعدِ ما تَبينَ لهَمُ الهُدى... إنَّ الَّذينَ كَفَرُوا وصَدَّوا عَن سَبِيلِ اللهِ وشَاقُّوا الرسُولَ مِن بَعدِ ما تَبيَنَ لهُم الهُدى﴾[87] . فالعلم -إذًا- لا يكفي وحده في المقام؛ ما لم يكن هناك نوع التزام بمقتضاه، وعقد القلب على مؤدّاه؛ بحيث تترتّب عليه آثاره ولو في الجملة.

ومن هنا يظهر بطلان ما قيل: إنّ الإيمان هو العمل؛ وذلك لأنّ العمل يجامع النفاق، فالمنافق له عمل، وربما كان ممّن ظهر له الحقّ ظهورًا علميًّا، ولا إيمان له على أيّ حال. وفي هذا الصدد، وردت أحاديث كثيرة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) ترى أنّ الإيمان هو: عقد بالقلب، وقول باللِّسان، وعمل بالأركان، حيث يؤكّد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) على قاعدة التلازم بين القول والعمل في تحقّق مفهوم الإيمان. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، في معرض تفريقه بين الإسلام والإيمان: «الإيمان إقرار وعمل، والإسلام إقرار بلا عمل»[88]. كما يؤكّد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، على قاعدة التلازم بين القول والعمل، في تحقّق مفهوم الإيمان، فيقول: «ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكنّ الإيمان ما خلص في القلوب وصدّقته الأعمال»[89]. وعن سلام الجعفيّ قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الإيمان فقال: «الإيمان أن يطاع الله فلا يُعصى»[90].
ويتّضح من خلال تلك الأحاديث ونظائرها، أنّ أهل البيت (عليهم السلام)، قد رفضوا كون الإيمان مجرّد إقرار باللسان، أو اعتقاد بالقلب، أو بهما معًا؛ إنّ إيمانًا كهذا، لا روح فيه، ولا حياة، ما لم يقترن بالطاعة المطلقة لله، وتنفيذ ما أمر، والنهي عمّا زجر، كلّ ذلك في دائرة الوعي والسلوك والعمل.


الخاتمة
إنّ المدخل الصحيح الذي يوصلنا إلى حقيقة الإيمان بكلّ تجلّياته وآثاره، يبدأ من التفكّر في صفات الله وأفعاله، والتفكّر في نِعم الله، والتفكّر في النفس الإنسانيّة، والتفكّر في هدفيّة الخلق.
إنّ الإيمان كلّ لا يتجزّأ، ويرتكز على ثلاثة مقوّمات: الاعتقاد، والإقرار، والعمل.
تؤكّد الروايات أنّ الإيمان عقدٌ بالقلب، ولفظٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح، ولا يكون الإيمان إلّا هكذا.

وعليه فالإيمان:
مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ: المراد بالمعرفة هنا الاعتقاد الجازم واليقينيّ.
وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ: أي لا بدَّ من إظهار الإيمان لكي يعرف المؤمن ويعامل بما له من الحقّ.
وعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ: أي يجب أن يتجسّد الإيمان بالعمل المحسوس، كالجهاد والصوم والصلاة والحجّ والزكاة.
- نعتقد أنّ الإيمان هو الاعتقاد الثابت الجازم بأحوال المبدأ والمعاد، وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء به رسوله.
- الإيمان بالله هو مفتاح السعادة الحقيقيّة للإنسان؛ لأنّ سعادة الإنسان الحقيقيّة تتحدّد بمقدار سعة إيمانه، وأدائه الأعمال الصالحة.
- اقتران الإيمان بالعمل الصالح: إنّ الإيمان والعمل الصالح هما الملاك الأساس لسعادة الإنسان. فالقرآن الكريم قرن بين الإيمان بالعمل الصالح، وقد وردت كلمة ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ عشرات المرّات مقرونةً بالإيمان.
- إنّ السعادة الحقيقيّة للإنسان تبتني على الإيمان بالله تعالى، وإنّ الأعمال الصالحة يجب أن تكون ناشئةً من الإيمان، ومن دون هذا الإيمان، لا أثر للأعمال في الآخرة على الإطلاق، وإنْ كان لها أثر في الدنيا. فالعمل متقوّم بالإيمان والكفر ماحقٌ له.
- إنّ الإيمان هو التصديق القلبيّ والعمل ليس جزءًا منه. وصحيح أنّ العمل ليس جزءًا من الإيمان، ولكنّه مصدّقٌ، ومبيّنٌ، ومظهرٌ له، وموجبٌ لكماله. ومن دون العمل يكون الإيمان في خطر.
- الإيمان منظومةٌ متكاملةٌ وشبكةٌ دقيقةٌ من العلاقات، وله روابط متعدّدة منها علاقته مع القلوب، ومع اليقين، ومع الصبر، ومع القرآن.

لائحة المصادر والمراجع
ابن طاووس، السيّد عليّ بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنّة، تحقيق وتصحيح جواد قيومي الأصفهانيّ، نشر مكتب الإعلام الإسلاميّ‏، إيران - قمّ، 1418هـ‏.
الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيد مهدي رجائي‏، ط2‏، نشر دار الكتاب الإسلاميّ‏، إيران- قمّ، 1410هـ‏.
الآملي، عبد الله، الجوادي، معرفة الدين، تعريب السيّد هاشم الميلاني، ط1، العراق - النجف الأشرف، العتبة العباسية المقدسة، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، 2021م.
الحرّانيّ، ابن شعبة، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ط2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، إيران – قم، 1404ه‏.
الخميني، روح الله، وصايا عرفانية، دار المعارف، بيروت، د.ط.
الرضي، السيد محمد بن حسين، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، ط1، دار الهجرة، إيران – قم، 1414هـ.
الشريف الرضي: نهج البلاغة (الجامع لخطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) ورسائله وحكمه)، شرح وتعليق ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن‌ هبة الله‌، شرح نهج البلاغة، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، بیروت، دار إحیاء الکتب العربیة، 1378 هـ.
الصدوق، ابن بابويه، محمد بن علي، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، د.ط، 1379هـ.ق/ 1338هـ.ش.
الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ط2، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1393هـ.ق.
الطبرسيّ، عليّ، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق مهدي هوشمند، ط1، نشر وطباعة دار الحديث، 1418هـ.
الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، صحّحه وعلّق عليه: عليّ أكبر الغفاري، ط2، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم د.ت.
الكلينيّ، محمّد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، ط5، الناشر دار الكتب الإسلامية – طهران، مطبعة الحيدري، 1363ش.
المتقي الهنديّ، علاء الدين عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير الشيخ بكري حياني - تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقا، مؤسّسة الرسالة، لبنان – بيروت، د.ط، 1409هـ - 1989م.
المجلسيّ، محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، ط2، مؤسّسة الوفاء، بيروت، 1403هـ - 1983م.
المفضّل بن عمر الجعفي، التوحيد، تعليق: كاظم المظفر، ط2، بيروت، مؤسّسة الوفاء، 1404هـ - 1984م.
النوري الطبرسي، ميرزا حسين، مستدرك الوسائل، ط1، بيروت، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، 1408هـ - 1987م.


------------------------------------------------
[1] سورة البقرة، الآية: 219.
[2] سورة الحشر، الآية: 21.
[3] الليثي، عيون الحكم والمواعظ، ص29.
[4] الشيخ الكلينيّ، أصول الكافي، ج1، ص28.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج22، ص431.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج68، ص337.
[7] الطبرسيّ، عليّ، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص439.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج74، ص135.
[9] نهج البلاغة، ص501.
[10] ابن أبي الحديد، عز الدين، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، ج18، ص403.
[11] م.ن، ج20، ص86.
[12] سورة الروم، الآية: 30.
[13] سورة البقرة، الآية: 138.
[14] الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج 1، ص 16،ح 12.
[15] السيد الخميني، وصايا عرفانية، ص20 - 21.
[16] سورة الأنعام، الآية 103.
[17] سورة الحديد، الآية: 4.
[18] سورة العنكبوت، الآية: 61.
[19] سورة الزمر، الآية: 3.
[20] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص153.
[21] سورة الروم، الآية: 24.
[22] سورة الواقعة، الآيات: 68 - 70.
[23] سورة النحل، الآيتان: 68 - 69.
[24] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص158.
[25] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج3، ص28.
[26] سورة النحل، الآية: 18.
[27] الطباطبائيّ، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، تفسير الآية.
[28] سورة المرسلات، الآيات: 20 – 24.
[29] المفضّل بن عمر الجعفي، التوحيد، ص48.
[30] سورة آل عمران، الآيتان 190 – 191.
[31] سورة الأنبياء، الآيتان 16 – 17.
[32] سورة الروم، الآية 8.
[33] سورة البلد، الآيات 8 - 10.
[34] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص131.
[35] م.ن، ج 75، ص258.
[36] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 74، ص76.
[37] الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، ط2، ج5، ص108.
[38] سورة النساء، الآية: 170.
[39] سورة التغابن، الآية: 8.
[40] الطوسي، الأمالي، ج1، ص290.
[41] م.ن، ج1، ص379.
[42] سورة البقرة، الآية: 177.
[43] سورة البقرة، الآية: 285.
[44] سورة المائدة، الآية: 69.
[45] سورة الأعراف، الآية: 158.
[46] سورة الأنعام، الآية: 54.
[47] سورة التغابن، الآية: 8.
[48] سورة التغابن، الآية: 11.
[49] المتقي الهندي، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال ، ج16، ص98.
[50] سورة الأنفال، الآية: 2.
[51] سورة الفتح، الآية: 4.
[52] سورة آل عمران، الآية: 173.
[53] سورة الأحزاب، الآية: 22.
[54] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج99، ص292، ح2.
[55] الشيخ الكلينيّ، أصول الكافي، ج2، ص45.
[56] سورة مريم،الآية: 60.
[57] سورة الفرقان، الآية: 70.
[58] سورة الكهف، الآية: 88.
[59] سورة سبأ،الآية: 37.
[60] سورة مريم، الآية: 96.
[61] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص 370 .
[62] الشيخ الكلينيّ، أصول الكافي ج 2، ص33،كتاب الإيمان والكفر.
[63] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار ، 186 باب الإيمان والإسلام.
[64] سورة التوبة، الآية: 105.
[65] الشيخ الكلينيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 219.
[66] م.ن: ج 3، ص 265.
[67] سورة طه، الآية: 82.
[68] الشيخ الكليني، أصول الكافي، ج1، ص445.
[69] سورة النمل، الآية: 14.
[70] سورة الإسراء، الآية: 102.
[71] سورة القصص، الآية: 38.
[72] سورة غافر، الآيتان: 36 – 37.
[73] سورة آل عمران، الآية: 61.
[74] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ج3، ص144.
[75] الشيخ الكلينيّ، أصول الكافي، مصدر سابق، ج1، ص86.
[76] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار،ج95، ص82.
[77] المصدر نفسه، ج67، ص393.
[78] التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، ص200.
[79] ابن طاووس، السيّد عليّ بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنّة، ج2، ص78.
[80] سورة آل عمران، الآية: 191.
[81] سورة طه، الآية: 50.
[82] المجلسيّ، بحار الأنوار، ج2، ص32، باب استعمال العلم والإخلاص في طلبه، ح 22.
[83] سورة آل عمران، الآية: 60.
[84] سورة التوبة، الآية: 29.
[85] سورة آل عمران، الآية: 19.
[86] سورة آل عمران، الآية: 85.
[87] سورة محمد، الآيات: 25- 32.
[88] ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول J، ص297.
[89] المصدر نفسه، ص 370.
[90] الكليني، أصول الكافي، ج2، ص 33.