البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

شبهات ديفيد هيوم وإيمانوئيل كانط حول براهين إثبات وجود واجب الوجود

الباحث :  د. حميد رضا
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  34
السنة :  ربيع 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  April / 30 / 2025
عدد زيارات البحث :  183
تحميل  ( 474.986 KB )
الملخّص
يبحث الهدف من تدوين هذه المقالة هو بيان أوجه الاستدلال في برهان الصدّيقين الذي طرحه الفيلسوف المسلم صدر الدين الشيرازي المعروف بالملّا صدرا وصدر المتألّهين، وذلك في رحاب دراسةٍ نقديةٍ حول براهين إثبات وجود واجب الوجود - الله تعالى - والشبهات التي طُرحت على هذا الصعيد في العالم الغربي من قبل الفيلسوفين ديفيد هيوم وإيمانوئيل كانط، كما سنعرّج شيئًا ما على بعض آراء القديس أنسيلم ورينيه ديكارت وفيلهيلم لايبنتز حينما يقتضي البحث ذلك.
سوف نثبت في تفاصيل البحث أنّ النقد الممنهج الذي ساقه هذان الفيلسوفان الغربيان حول مختلف براهين علم اللاهوت وتفريعاتها، لا يصمد أمام برهان الصدّيقين الصدرائي الذي هو في غاية الدقّة والإتقان، حيث نثبت ذلك في إطار دراسةٍ نقديّةٍ لتفنيد مختلف الشبهات التي طرحت في هذا الصدد.

الكلمات المفتاحية:
برهان الصديقين، واجب الوجود، الوجود، صدر المتألهين، كانظ، هيوم.

أوجه الاستدلال في برهان الصدّيقين
البرهان الذي طرحه صدر المتألّهين تحت عنوان (برهان الصدّيقين) محوره إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، حيث تطرّق هذا الفيلسوف المسلم إلى شرح حقيقة الوجود وتحليلها لإثبات ضرورة وجود واجب الوجود - الله سبحانه وتعالى - وذلك من خلال الاستدلال بذات الحقيقة لإثبات وجودها، ومن هذا المنطلق توصّل إلى الهدف المنشود.

البراهين الأخرى التي طرحها الفلاسفة لإثبات وجود البارئ تبارك وتعالى ترتكز عادةً على غير واجب الوجود لإثبات ضرورة وجوده، كالاستدلال بما هو ممكن الوجود أو بالحادث لإثبات المبدأ القديم، أو الاستدلال بالحركة لإثبات وجود المحرّك المنزّه منها؛ في حين أنّ برهان الصدّيقين لا يوجد حدٌّ وسطٌ فيه سوى الحقّ بذاته[1].
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الحكيم ابن سينا يعدّ أوّل من أطلق على هذا النمط من البرهان عنوان (برهان الصدّيقين)، فقد جاء في نهاية النمط الرابع من كتابه (الإشارات والتنبيهات) ما يأتي: «تنبيهٌ: تأمّل كيف لم يحتج بياننا لثبوت الأوّل ووحدانيّته وبرائته عن الصمات إلى تأمّلٍ لغير نفس الوجود، ولم يحتج إلى اعتبارٍ من خلقه وفعله وإنْ كان ذلك دليلًا عليه، لكنّ هذا الباب أوثق وأشرف؛ أي إذا اعتبرنا حال الوجود فشهد به الوجود من حيث هو وجود، وهو يشهد بعد ذلك على سائر ما بعده في الواجب. وعلى مثل هذا أُشير في الكتاب الإلهي: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾[2]. أقول: إنّ هذا حكمٌ لقومٍ. ثم يقول: أو لم يكف المتكلّمون يستدلّون بحدوث الأجسام والأعراض على وجود الخالق وبالنظر في أحوال الخليقة على صفاته واحدةً فواحدةً، والحكماء الطبيعيون أيضًا يستدلّون بوجود الحركة على محرّكٍ وبامتناع اتّصال المحرّكات لا إلى نهايةٍ على وجود محرّكٍ أوّلٍ غير متحرّكٍ، ثمّ يستدلّون من ذلك على وجود مبدأ أوّل؟!

وأمّا الإلهيّون فيستدلّون بالنظر في الوجود وأنّه واجبٌ أو ممكنٌ على إثبات واجبٍ، ثمّ بالنظر فيما يلزم الوجوب والإمكان على صفاته، ثمّ يستدلّون بصفاته على كيفية صدور أفعاله عنه واحدًا بعد واحد. فذكر الشيخ ترجيح هذه الطريقة على الطريقة الأولى بأنّه أوثق وأشرف؛ وذلك لأنّ أولى البراهين بإعطاء اليقين هو الاستدلال بالعلّة على المعلول، وأمّا عكسه الذي هو الاستدلال بالمعلول على العلّة فربّما لا يعطي اليقين، وهو إذا كان للمطلوب علّةً لم يُعرف إلّا بها - كما تبيّن في علم البرهان - ثمّ جعل المرتبتين المذكورتين في قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، أعني مرتبة الاستدلال بآيات الآفاق والأنفس على وجود الحقّ ومرتبة الاستشهاد بالحقّ على كلّ شيءٍ بإزاء الطريقين، ولمّا كان طريقة قومه أصدق الوجهين، وَسَمهم بالصدِّيقين، فإنّ الصدِّيق هو ملازم الصدق؛ يريد بالصنع إيجاد الشيء مسبوقًا بالعدم على ما فسّره في الفصل الأوّل من هذا النمط، وبالإبداع ما يقابله؛ وهو إيجاد شيءٍ غير مسبوقٍ بالعدم ...»[3].

وعلى أساس أسلوب الاستدلال في هذا البرهان، فقد أدرجه معظم الفلاسفة ضمن البراهين (الإنّــية)؛ وهو حقًّا كذلك، إذ يعدّ من سنخ البراهين الإنّــية التي يُساق فيها الاستدلال على أحد المتلازمين من ملازمه، إلا أنّ بعض الفلاسفة عدّوه من سنخ البراهين (اللمّـية)؛ وذلك لأنّه يستدلّ بالعلّة لإثبات وجود المعلول، ولكنّ هذا الرأي ليس صائبًا من حيث عدم جواز الاستدلال بالبراهين اللمّـيّة في المواضيع الفلسفيّة الدينيّة[4].

❁ برهان الصدّيقين بتقرير صدر المتألّهين
بعد عهد الشيخ الرئيس ابن سينا، ظهر برهان الصدّيقين بحلّةٍ جديدةٍ بتقرير الحكيم صدر المتألّهين، وقد عدّه أكثر وثاقةً وشرفًا وسدادًا من سائر براهين علم الوجود، حيث ساقه في ضوء الأصول العقليّة الفلسفيّة التي كان يتبنّاها؛ لذلك سوف نتطرّق إلى بيانه في بادئ الأمر عبر ذكر هذه الأصول بشكلٍ موجزٍ دون الخوض في عمليّة الاستدلال العقليّ بإسهابٍ وتفصيلٍ، ومن ثمّ نقوم بشرحه وتحليله بأسلوبٍ أكثر تفصيلًا.

أوّلًا: معنى الوجود اصطلاحًا
الوجود عبارةٌ عن مفهومٍ ذي دلالةٍ خاصّةٍ في الذهن وله حقيقةٌ يتجلّى على أساسها في عالم الخارج، ومحور البحث حوله في برهان الصدّيقين يرتكز على طبيعته الذاتيّة التي تميّزه عن كلّ ما سواه.
حقيقة الوجود واضحةٌ غاية الوضوح لأصحاب الكشف والشهود، وأمّا ذاته فهي في غاية الخفاء؛ فعلى الرغم من أنّها عين كينونته في الخارج لكنّها غير قابلةٍ للإدراك من دون تأمّلٍ واستدلالٍ[5]، لذا لا بدّ من البحث عن كُنهها لكونها غير حاضرةٍ في الذهن.
مفهوم الوجود الذي يُعدّ مختلفًا عن حقيقته الذاتيّة، هو في غاية البداهة، وبالطبع لا يمكن إدراكه إلّا من خلال ذاته وليس عن طريق شيءٍ آخر؛ فهو ذات المفهوم الذي يعرض على الماهيّة والوجود الذهني.

ثانيًا: مبدأ أصالة الوجود
لا شكّ في أنّ حقيقة الوجود هي التي تنعكس في الخارج لا ماهيته، فالذهن ينتزع الماهيّة من حدود الوجودات الخارجيّة، أي ليست هناك ماهيّاتٌ في عالم الخارج ينتزع الذهن منها مفهوم الوجود.
إذًا، الشيء الموجود بحقيقته في الخارج ليس شجرةً على سبيل المثال، بل هو عبارةٌ عن وجودٍ ذي حدودٍ ينتزع الذهن منها شيئًا اسمه (شجرة)؛ وهذا الأمر يدلّ على عظمة الوجود؛ لذا أمست أصالة الوجود أهمّ مبدأ في برهان الصدّيقين.

ثالثًا: الوجود حقيقةٌ مشكّكةٌ
حقيقة الوجود في جميع الكائنات واحدةٌ لا ثاني لها، ولكنّ هذه الكائنات متكثّرةٌ في عين وحدة هذه الحقيقة، على هذا الأساس فإنّ حقيقة الوجود واحدةٌ في عين كثرتها، ومتكثّرةٌ في عين وحدتها؛ وهذا الوجود هو الذي يؤدّي إلى تمايز الكائنات واختلافها عن بعضها.
حسب نظريّة أصالة الوجود، ليس هناك أمرٌ متحقّقٌ في هذا الكون سوى الوجود، مـمّا يعني أنّه وجه التمايز والاختلاف الوحيد بين الكائنات إلى جانب كونه الوجه الوحيد في اشتراكها؛ ونتيجة هذا الكلام بطبيعة الحال هي أنّ وجه اختلافها هو وجه اشتراكها نفسخ، والعكس صحيحٌ، وهذا ما يطلق عليه الفلاسفة عنوان (التشكيك). إذًا، وجه الاختلاف بين الكائنات يكمن في شدّة وجودها وضعفه وتقدّمه وتأخّره.

رابعًا: العلاقة بين العلّة والمعلول في ضوء نظريّة أصالة الوجود
استنادًا إلى مبدأ العلّيّة التامّة، فالعلّة هي التي تفيض الوجود على المعلول، وهذا الكلام يعني تلازم وجوده مع وجودها بنحو يستحيل تحقّقه في زمنٍ متأخّرٍ عنها.
وقد وقع البعض في خطأ بعد أنْ خلطوا بين العلّة المـُعِدّة التي هي في حقيقتها شرطٌ وليست علّةً، وبين العلّة الحقيقية التامّة؛ ولكن حسب نظريّة أصالة الوجود، لا يمكننا افتراض ذات المعلول كوجودٍ أوّلٍ عندما نقرّ بوجود العلاقة العلّيّة في الكون - والأمر كذلك حقًّا - لذا فإنّ ما يتلقّاه المعلول من علّته هو مرحلةٌ ثانيةٌ، في حين أنّ تأثير العلّة على المعلول يعدّ المرحلة الثالثة في قانون العلّية.

إذًا، الوجود والموجود والإيجاد هي أمورٌ واحدةٌ في فلك المعلومات، وهذا يعني أنّ هويّة الموجود هي عين هويّة الوجود والإيجاد، وبناءً على هذا الاستنتاج نقول إنّ هويّة المعلول تعني افتقاره إلى علّته وعدم انفكاكه عنها، ولذا فإنّ الازدواجيّة المتصوّرة في الأمرين هي مجرّد تصوّرٍ يصوغه الذهن، إذ ليست هناك أيّة ثنائيّةٍ حقيقيّةٍ، بل من المحال بمكانٍ أنْ تتحقّق في عالم الخارج. من المؤكّد أنّ ذهن الإنسان من خلال أُنسه بالماهية، لا بدّ أنْ يبادر إلى إضفاء مفهومٍ مستقلٍّ لكلّ ماهيةٍ على حدةٍ، وعلى هذا الأساس ينتزع للعلّة والمعلول ماهيتين متمايزتين عن بعضهما ومن ثمّ يحاول إيجاد ارتباطٍ عقليٍّ بينهما.
نظريّة أصالة الوجود تؤكّد على أنّ المعلول ليس بشيءٍ سوى الافتقار والتبعيّة لعلّته، وبعبارةٍ أخرى، فالمعلول يُعدّ شأنًا من شؤون علّته وهو عين الافتقار لها، وارتباطه به إنّما يكون من سنخ الارتباط الإشراقي، أي أنّه من جانبٍ واحدٍ لكونه يستفيض وجوده منها؛ لذا لا يمكن ادّعاء أنّ ارتباطه بها - ذو طرفين - ثنائي. إذًا، كلّ معلولٍ حسب هذا الكلام يعدّ مرتبةً ضعيفةً من علّته الموجدة له، وهي بالنسبة إليه كمالٌ تامٌّ ليس موجودًا فيه؛ لأنّ حاجته الذاتية إليها جعلته متأخّرًا عنها مرتبةً.
نستنتج مـمّا ذكر أنّ ماهية المعلول التعلّقية والتي هي عين افتقاره إلى علّته، قد جعلته عرضةً للعدم والفناء لمجرّد زوال إضافته إليها، حيث لا يبقى ذكرٌ لها بتاتًا لأنّه ليس بشيءٍ يُذكر دون هذه الإضافة؛ وهذه الحقيقة جعلت المعلوليّة متلازمةً مع المحدوديّة، وأسفرت عن استقرار المعلول في مرتبةٍ أدنى من مرتبة علّته. لا شكّ في أنّ وجود المعلول وعلقته بعلّته يُعدّان أمرين مندرجين ضمن صفةٍ واحدةٍ، ونظرًا لكونه تابعًا وليس مستقلًا فهو لا بدّ أن يكون محدودًا وأضيق نطاقًا من علّته، وعلى هذا الأساس فهو يمتلك حدودًا وجوديةً، وهذه الحدود في الحقيقة هي التي تشخّص ماهيته.

خامسًا: حقيقة الوجود
الوجود عبارةٌ عن حقيقةٍ لا تقبل التلبّس بالعدم مطلقًا، والموجود بما هو موجود ليس من شأنه الانعدام بتاتًا، كما أنّ المعدوم بما هو معدوم لا يمكنه أنْ يظهر في وعاء الوجود أبدًا. وأمّا انعدام الكائنات فهو يعني حدوث تغييرٍ في حدود وجودها الخاصّ، فهو لا يعني الفناء والعدم المطلق على نحو الاضمحلال والتلاشي التامّ.
حينما نتساءل قائلين: هل هناك وجودٌ؟ فهذا التساؤل في واقع الحال يعني: هل أنّ الوجود موجودٌ؟ وكما هو واضحٌ فهو تساؤلٌ عبثيٌّ لا طائل منه، فمن البديهي أنّ الوجود موجودٌ، ولكن الاختلاف إنّما يكون في كيفيته وليس في ذاته وواقعه.
كما ذكرنا آنفًا، فالوجود ذو مراتب تشكيكيّة تتراوح بين الضعف والشدّة، ومن المؤكّد أنّ ضعفها ناشئٌ من معلوليتها، وبطبيعة الحال فالمعلول من حيث هو معلول ومتعلّق لا بدّ أنْ يكون أضعف من علّته التي يكون وجودها أشدّ وأقوى من وجوده.

الجدير بالذكر هنا أنّ هذه الأفضليّة تعدّ من ميزات العلّة بالنسبة إلى معلولها، لذا فالعلّة التي تكون معلولةً لعلّةٍ أخرى يكون وجودها أضعف من وجود علّتها، وهكذا تتوالى هذه القاعدة في جميع العلل والمعلولات. إذًا، حقيقة الوجود بما هو وجود - هو هو - بغضّ النظر عن سائر الحيثيثات والتعلّقات، تعني أنّه كمالٌ وإطلاقٌ وغنىً وفعليّةٌ وعظمةٌ وجلالٌ ونورانيّةٌ وانعدامٌ للحدود؛ في حين أنّ النقص والتقيّد والافتقار والضعف والإمكان والمحدوديّة والتعيّن، تعدّ أمورًا طارئةً عليه من منطلق قاعدة تأخّر المعلول رتبةً عن علّته، أي أنّ هذه الأمور من لوازم المعلولية وليس الوجود بحدّ ذاته، فهناك مراتب من الوجود تتّصف بها نظرًا لكونها محدودةً ومتعلّقةً بعلّتها المتقدّمة عليها. بناءً على ما ذكر، فالنواقص التي أُشير إليها لا يمكن أنْ تُتصوّر بتاتًا في الوجود الأوّلي المحض؛ لأنّ المعلوليّة هي السبب في كلّ نقصٍ وضعفٍ ومحدوديةٍ، لذا فالوجود المعلول لا مناص له من أنْ يكون متأخّرًا رتبةً عن علّته، وفي هذه الحالة يجب أنْ يندرج ضمن مرتبةٍ من النقص والضعف والمحدودية من منطلق كونه عين التعلّق بالعلّة والإضافة إليها، وبالتالي فهو غير مؤهّلٍ مطلقًا لأنْ يبلغ مرتبتها. إذًا، المعلوليّة والقابليّة لكسب الفيض هما عين تأخّر المعلول عن العلّة، وذات النقص والضعف والمحدوديّة التي تجعل وجوده محفوفًا بالعدم[6].

نستنتج مـمّا ذكر أنّ الموجود يعكس حقيقة الوجود، وهذا يعني أنّه عين الوجود بحيث يستحيل طروء العدم عليه؛ ومن ناحيةٍ أخرى فإنّ حقيقة الوجود في الذات والواقع - في الموجودية - ليست مشروطةً بأيّ شرطٍ وغير مقيّدةٍ بأيّ قيدٍ، فالوجود موجودٌ بما هو وجود وليس هناك معيارٌ أو افتراضٌ آخر لوجوده؛ لذا فهو في حدّ ذاته مساوقٌ للاستغناء عن الغير وليس مشروطًا بشيءٍ آخر مـمّا يعني أنّه عين الوجوب الذاتي الأزلي، وبالتالي فإنّ حقيقته موجودةٌ في ذاته بغضّ النظر عن أيّ تعيّنٍ يلحق به في عالم الخارج، لذا فهو مساوقٍ لذات الحقّ الأزلية.

لا ريب في أنّ عقلنا هو الدليل الذي يرشدنا مباشرةً إلى معرفة ذات الحقّ لا إلى شيءٍ آخر، لذا لا بدّ من البحث عمّا هو ليس بحقٍّ اعتمادًا على دليلٍ آخر، ومن المؤكّد أنّ كلّ ما خلا الحقّ إنّما هو أفعاله وآثاره وظهوراته؛ وقد قرّر صدر المتألّهين هذا البرهان كما يلي: « ... ثمّ بالنظر في ما يلزم الوجوب أو الامكان يصلون إلى توحيد ذاته وصفاته، ومن صفاته إلى كيفيّة أفعاله وآثاره؛ وهذه طريقه الأنبياء كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ﴾[7]، وتقريره أنّ الوجود - كما مرّ - حقيقةٌ عينيةٌ واحدةٌ بسيطةٌ لا اختلاف بين أفرادها لذاتها إلّا بالكمال والنقص، والشدّة والضعف، أو بأمورٍ زائدةٍ كما في أفراد مهيّةٍ نوعيّةٍ، وغاية كمالها ما لا أتمّ منه وهو الذي لا يكون متعلّقًا بغيره ولا يُتصوّر ما هو أتمّ منه، إذ كلّ ناقصٍ متعلّقٌ بغيره مفتقرٌ إلى تمامه؛ وقد تبيّن فيما سبق أنّ التمام قبل النقص والفعل قبل القوّة والوجود قبل العدم، وبين أيضًا أنّ تمام الشيء هو الشيء وما يفضل عليه؛ فإذًا الوجود إمّا مستغنٍ عن غيره وإمّا مفتقرٌ لذاته إلى غيره؛ والأوّل هو واجب الوجود، وهو صرف الوجود الذي لا أتمّ منه ولا يشوبه عدمٌ ولا نقصٌ. والثاني هو ما سواه من أفعاله وآثاره، ولا قوام لما سواه إلّا به لما مرّ أنّ حقيقة الوجود لا نقص لها وإنّما يلحقه النقص لأجل المعلوليّة، وذلك لأنّ المعلول لا يمكن أنْ يكون في فضيلة الوجود مساويًا لعلّته، فلو لم يكن الوجود مجعولًا ذا قاهر يوجده ويحصّله كما يقتضيه، لا يُتصور أنْ يكون له نحوٌ من القصور؛ لأنّ حقيقة الوجود - كما علمت - بسيطةٌ لا حدّ لها ولا تعيّن إلّا محض الفعليّة والحصول، وإلّا لكان فيه تركيبٌ أو له مهيّةٌ غير الموجوديّة.

وقد مرّ أيضًا أنّ الوجود إذا كان معلولًا كان مجعولًا بنفسه جعلًا بسيطًا وكان ذاته بذاته مفتقرًا إلى جاعلٍ وهو متعلّق الجوهر والذات بجاعله؛ فإذًا قد ثبت واتّضح أنّ الوجود إمّا تامّ الحقيقة واجب الهوية، وإمّا مفتقر الذات إليه متعلق الجوهرية، وعلى أيّ القسمين يثبت ويتبيّن أنّ وجود واجب الوجود غنيّ الهوية عمّا سواه، وهذا هو ما أردناه»[8].

وأمّا بالنسبة إلى اختلاف الضرورة الأزليّة - التي هي الضرورة الذاتية الفلسفية نفسه - عن الضرورة الذاتية المنطقية، فنقول: حينما يقال في علم المنطق إنّ المحمول في قضيّة (المثلث ذو ثلاثة أضلاعٍ) هو (ثلاثة أضلاعٍ)، والموضوع هو (المثّلث)، فهذا يعني أنّ امتلاك المثّلث ثلاثة أضلاعٍ يُعدّ ضرورةً ذاتيةً له، أي من الضروري بمكانٍ أنْ يكون كلّ مثلّثٍ ثلاثي الأضلاع، وهذه الضرورة بطبيعة الحال غير مقيّدةٍ بزمانٍ أو مكانٍ، كما أنّها ليست مشروطةً بأيّ شرطٍ، ولا تتوقّف على ميزةٍ أخرى لكي تتحقّق؛ ومن هذا المنطلق لا يمكن القول إنّ الأضلاع الثلاثة تكون ضروريةً للمثلّث في زمنٍ أو مكانٍ معيّنين، وليس من الجائز بمكانٍ ادّعاء أنّها مشروطةٌ بشرطٍ ما، أو متوقّفةٌ على إحدى الميزات الخاصّة. لكنّ هذه الضرورة من الناحية الفلسفيّة مشروطةٌ بشرطٍ خاصٍّ، وهو اشتراط بقاء المثلّث مثلّثًا، وهذا يعني اشتراط احتفاظه بثلاثية أضلاعه، أي أنّه إذا احتفظ بهذه الميزة سوف تكون الأضلاع الثلاثة ضروريةً له لكونه متوقّفًا عليها.

بناءً على ما ذكر، لو أخذنا إحدى الضرورات بنظر الاعتبار بحيث لا تتضمّن قيد بقاء الموضوع واتّصافه بالمحمول بشكلٍ مطلقٍ، فهي ستكون من سنخ الضرورات الذاتيّة الفلسفيّة؛ لذا يقال في وصفها إنّها عبارةٌ عن موجودٍ يكون وجوده على نحو الضرورة ولا يفتقر إلى أيّة علّةٍ خارجيةٍ؛ أي أنّها عبارةٌ عن موجودٍ مستقلٍّ قائمٍ بذاته. إذًا، الضرورة المشار إليها حسب هذا الاستنتاج تكون أزليةً أبديةً، وهذا هو السبب في إطلاق بعض العلماء عليها عنوان (الضرورة الأزليّة)[9].

❁ براهين إثبات وجود الله تعالى في بوتقة النقد والتحليل
طرح الفلاسفة الغربيّون العديد من البراهين لإثبات وجود الله (عزّ وجلّ) على مرّ التأريخ، وقد بادر إيمانوئيل كانط إلى تصنيفها في ثلاثة أقسامٍ كما يلي:

1 ) براهين وجوديّة.
2 ) براهين علم الكون.
3 ) براهين إتقان الصنع.

كما قام هذا الفيلسوف بطرح آراءٍ نقديةٍ دقيقةٍ لتفنيد البراهين التي ساقها أسلافه في إثبات وجود الله سبحانه وتعالى، حيث رام من ذلك هداية البشرية نحو الاعتقاد به جلّ شأنه عن طريق الأخلاق وعلى أساس مبدأ الإيمان، وفي هذا المضمار أيضًا أكّد على عقم العقل النظري في إدراك هذه الحقيقة الغيبيّة العظيمة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ النقد الذي طرح من قبل كانط على براهين علم اللاهوت يعدّ نقدًا ممنهجًا يتناغم مع ما طرحه سلفه ديفيد هيوم في تعاليم الفلسفة الغربيّة، كما أنّه متأصّلٌ بين علماء تلك الديار بحيث أصبح دعامةً أساسيةً للتعامل مع جميع هذا النمط من البراهين مهما كانت أوجه الاستدلال فيها؛ لذا يمكن عدّه مصفاةً فلسفيّةً غربيّةً لا بدّ أن يغربل فيها كلّ ما يطرح في هذا الصدد، فهذه السنّة الفلسفيّة الغربيّة قد ترسّخت بعد عهد كانط وشاعت في جميع المراحل التي طواها علم الفلسفة هناك، وبطبيعة الحال وكما هو متعارفٌ في الاستدلالات العلميّة فقد سيق النقد في أُطرٍ عديدةٍ الأمر الذي جعل منها مادّةً دسمةً للمتصيّدين في الماء العكر من ملحدين ومعاندين لأجل التصدّي لعقيدة الإيمان بالله تبارك وتعالى.

بما أنّ دراستنا الراهنة لا تتمحور حول تقييم واقع الفلسفة الغربيّة أو الخوض في غمار صحّة أو سقم النقد التي طرح في رحابها على براهين علم اللاهوت وسائر براهين إثبات وجود الله (عزّ وجلّ) قبل عهد إيمانوئيل كانط لكون هذا الأمر بحدّ ذاته يقتضي تدوين كتابٍ مستقلٍّ؛ لذا سوف نتطرّق إلى الحديث بشكلٍ مجملٍ عن تلك البراهين التي طرحت في العالم الغربي قبل عهد هذا الفيلسوف، ومن ثمّ نذكر النقد الذي طرحه الفلاسفة الذين سبقوه وعلى رأسهم ديفيد هيوم لكي نطّلع بنحوٍ ما على التوجّهات النقديّة المتعارفة في الفلسفة الغربيّة على صعيد براهين علم اللاهوت، وحتّى نثبت أنّها ذات ارتباطٍ ببرهان الصدّيقين والسنن الفلسفيّة السالفة.

إذًا، بما أنّ برهان الصدّيقين ينسجم مع الاستدلالات التي ساقها الفلاسفة في البراهين الوجودية وبراهين علم الكون؛ لذلك سوف نشير إلى أوجه الشبه بينها ونذكر نقد هيوم وكانط عليها.

❁ البرهان الوجودي بأطروحة القدّيس أنسيلم
خلاصة تقرير البرهان الوجودي الذي طرحه عالم اللاهوت والقدّيس الغربي أنسيلم كما يلي[10]:

1 ) يمكن تعريف الله تعالى بأنّه وجودٌ عظيمٌ لا يمكن تصوّر وجودٍ آخر أعظم منه. (هذا التعريف مقبولٌ من قبل المعتقدين بوجود الله (عزّ وجلّ)، وكذلك من قبل منكريه).
2 ) الشيء الذي يكون موجودًا في الذهن فقط فهو واحدٌ لا ثاني له، وبالتالي فهو يختلف عن ذلك الشيء الذي يكون موجودًا في الذهن وفي الخارج أيضًا. مثلًا: الصورة التي ترتسم في ذهن الرسّام فقط، تختلف عن ذلك الشيء الذي يكون مرتسمًا في ذهنه ومنقوشًا على لوحةٍ.
3 ) الشيء الذي يكون موجودًا في الذهن وفي الخارج أيضًا، أكبر من ذلك الشيء الذي يكون موجودًا في الذهن فقط.
4 ) استنادًا إلى النقاط الثلاثة أعلاه، فإنّ الله تعالى لا بدّ أن يكون موجودًا في الذهن وفي الخارج - عالم الواقع - أيضًا، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لتمكّنا من تصوّر ما هو أعظم منه؛ لكن حسب الاستدلال المذكور في النقطة الأولى فهو أعظم من كلّ شيءٍ يمكن تصوّره. إذًا، لا مناص من الإقرار بوجود الله (عزّ وجلّ).

تقرير برهان أنسيلم بصيغةٍ أخرى[11]:
1 ) الضرورة المنطقيّة تقتضي التصديق بكلّ شيءٍ يُنسب إلى مفهوم واجب الوجود.
2 ) الوجود الحقيقي لمفهوم واجب الوجود يعدّ ضرورةً منطقيّةً.
3 ) استنادًا إلى ما ذكر، فالضرورة المنطقيّة تفرض علينا التصديق بوجود واجب الوجود.

كذلك بإمكاننا تقرير الاستدلال بأسلوب النفي، حيث نقول:

1 ) ليس من الممكن منطقيًا إنكار ما يكون ضروريًّا لمفهوم واجب الوجود. (السبب في عدم إمكانيّة هذا الأمر هو الوقوع في تناقضٍ فحواه أنّ الضروري في عين ضرورته يكون غير ضروريٍّ).
2 ) الوجود الحقيقي يعدّ ضرورةً منطقيةً لواجب الوجود.
3 ) استنادًا إلى ما ذكر، فليس من الممكن منطقيًا إنكار الوجود الحقيقي لواجب الوجود.

❁ الصورة الأولى لتقرير البرهان الوجودي الذي طرحه رينيه ديكارت[12]:
فيما يلي نذكر الصورة الأولى لأطروحة الفيلسوف رينيه ديكارت في البرهان الوجودي:

1 ) الأمر الذي ندركه بالنسبة إلى أحد الأشياء بشكلٍ واضحٍ ومتباينٍ عن غيره، يعدّ حقيقيًا. (من المؤكّد أنّ وضوح الشيء وتباينه عن غيره يعدّان ضمانًا لعدم طروء الخطأ عليه).
2 ) نحن ندرك بشكلٍ واضحٍ أنّ وجود الكامل المطلق يستلزم وجوده قطعًا، وذلك لما يلي:

أ - من المستحيل تصوّر أنّ هذا الكامل المطلق فاقدٌ لأيّ أمرٍ كماليٍّ.
ب - لو لم يكن هناك موجودٌ كاملٌ مطلقٌ، فهو بطبيعة الحال فاقدٌ للوجود.
ج - إذًا، يتّضح لنا بالقطع واليقين أنّ الكامل المطلق يقتضي الوجود.

3 ) الكامل المطلق استنادًا إلى ما ذكر، لا يمكن أنْ يفتقد الوجود، وهذا يعني أنّه لا بدّ أن يكون موجودًا.
وفيما يلي نذكر الصورة الثانية لتقرير البرهان المذكور وفق أطروحة رينيه ديكارت:[13]
1 ) الضرورة المنطقيّة تقتضي التصديق بكلّ ذاتيٍّ من ذاتيات أحد المفاهيم. (مثلًا، يجب التصديق منطقيًّا بكون المثلّث ذا ثلاثة أضلاعٍ).
2 ) مفهوم واجب الوجود هو أحد الضرورات المنطقيّة. (وفي غير هذه الحالة لا يمكن عدّه وجوده واجبًا).
3 ) استنادًا إلى ما ذكر، الضرورة المنطقيّة تقتضي الإذعان إلى وجود واجب الوجود. (خلاصة ذلك أنّ الله سبحانه وتعالى ليس من شأنه ألّا يكون موجودًا؛ لذا لا بدّ من وجوده بالحتم واليقين؛ إذ إنّ الوجود الذي هو ليس من الممكنات لا يمكن أنْ يكون غير موجودٍ؛ وعلى هذا الأساس فمن الضروري بمكانٍ تصوّره بصفته موجودًا).

❁ نقد ديفيد هيوم للبرهان الوجودي[14]:
يمكن تلخيص الاعتراضات والمؤاخذات التي ذكرها ديفيد هيوم على برهان الوجود بما يأتي:
1 ) لا يمكن عقلًا إثبات وجود أيّ شيءٍ إلّا إذا كان وجود عكسه يستلزم حدوث تناقضٍ. (لو كان هناك مجالٌ لطرح سائر الاحتمالات سوف لا تبقى ضرورةٌ لتحقّق هذا الشيء).
2 ) كلّ شيءٍ يمكن تصوّره بشكلٍ متباينٍ عن غيره، فهو لا يتضمّن تناقضًا. (من المؤكّد أنّه لو تضمّن تناقضًا، فليس من الممكن تصوّره بشكلٍ متباينٍ عن غيره؛ وإن كان غير ممكنٍ فليس من شأنه أنْ يتّصف بالإمكان).
3 ) كلّ شيءٍ نتصوّره بوصفه موجودًا، بإمكاننا تصوّره أيضًا بوصفه غير موجودٍ. (ليس من الممكن بمكانٍ تجريد الذهن عن اتّصاف الأشياء بالوجود أو اللاوجود).
4 ) استنادًا إلى ما ذكر، ليس هناك موجودٌ يتّصف عدم وجوده بالتناقض.
5 ) نتيجة هذا الاستدلال فحواها ما يأتي: ليس هناك موجودٌ يمكن إثبات وجوده عقلًا.

❁ نقد إيمانوئيل كانط للبرهان الوجودي[15]:
الفيلسوف إيمانوئيل كانط هو الآخر تطرّق إلى نقد البرهان الوجودي وتفنيده، وذلك حسب المعايير التالية:

1 ) رغم أنّ كانط يعارض رأي من قال بعدم وجود أيّ مفهومٍ إيجابيٍّ عن واجب الوجود، إلا أنّه عرّف الله تعالى كما يلي: (هو أمرٌ لا يمكن أنْ يكون غير موجودٍ).
2 ) لا فائدة من القول بضرورة الوجود، وإنّما يعتمد عليه كأساسٍ في القضايا النظرية فقط؛ فالضرورة قيدٌ منطقيٌّ وليس وجوديًا، إذ ليست هناك أيّة قضيةٍ ضروريةٍ، فكلّ ما يتلبّس بثوب المعرفة عن طريق التجربة من شأنه أن يتجلّى بهيأةٍ أخرى. (التجربة هي الطريق الوحيد لمعرفة الموجودات).
3 ) لا يمكن عدّ كلّ شيءٍ ممكنٍ من الناحية المنطقية، ممكنًا من الناحية الوجودية بالضرورة، إذ قد لا تكون هناك ضرورةٌ لأيّ تناقضٍ منطقيٍّ في الوجود، ولكن قد يكون هذا السنخ من الوجود غير ممكنٍ من الناحية العمليّة.
4 ) لو أنّنا نفينا مفهوم واجب الوجود وأنكرنا وجوده، سوف لا نقع في أيّ تناقضٍ، وهذا الأمر يناظر إنكار المثلّث وزواياه الثلاثة؛ أي ليس هناك تناقضٌ بين إنكار وجود المثلّث ووجود زواياه الثلاثة، إذ إنّ التناقض يحدث حينما نُنكر إحدى الميزتين المتلازمتين دون الأخرى.
5 ) الوجود لا يمكن أنْ يكون محمولًا، فهو مثل الكمال أو الصفة، حيث بإمكاننا التصديق بهما على صعيد أحد الأشياء أو المواضيع. (الوجود ليس كمالًا يطرح حول الماهيّة، بل هو وضعٌ لذلك الكمال).

- أهمّ الصيغ التي طرحت لتقرير برهان علم الكون وأكثرها رواجًا بين العلماء[16]:
❁ برهان علم الكون بتقرير جوتفريد فيلهيلم لايبنتز:
يمكن تلخيص تقرير الفيلسوف الغربي فيلهيلم لايبنتز لبرهان علم الكون في النقاط التالية:

1 ) الكون بأسره - الكون المشهود لنا - يطوي مراحل تغييريّة متواصلة.
2 ) كلّ شيءٍ يطرأ عليه التغيير فهو مفتقرٌ لسببٍ ذاتيٍّ في وجوده.
3 ) لا بدّ من وجود علّةٍ كافيةٍ لوجود كلّ شيءٍ، وهذه العلّة إمّا أنْ تكون في ذاته وإمّا في ما ورائه.
4 ) استنادًا إلى ما ذكر، يجب أنْ توجد علّةٌ في ما وراء هذا الكون لتبرير وجوده.
5 ) هذه العلّة إمّا أن تكون كافيةً بذاتها وإمّا أنّها متقوّمةٌ بعلّةٍ أخرى.
6 ) من المستحيل تسلسل العلل الكافية إلى ما لا نهاية. (لأنّ عدم بلوغ درجةٍ من الوضوح لا يعدّ بحدّ ذاته بيانًا؛ لذا لا بدّ من وجود علّةٍ).

7 ) استنادًا إلى ما ذكر، لا بدّ من وجود علّةٍ أولى نشأ الكون بقدرتها، أي أنّها علّةٌ أولى لا علّة في ما ورائها، فهي بحدّ ذاتها علّةٌ كافيةٌ. (أي أنّها علّةٌ كافيةٌ في حدود نفسها، ولكنّها ليست كذلك في ما ورائها).

❁ نقد ديفيد هيوم لبرهان علم الكون[17]:

وأمّا المؤاخذات والإشكالات التي ذكرت على برهان علم الكون من قبل ديفيد هيوم فيمكن تقريرها على النحو الآتي:
1 ) المعلول المتناهي يدلّ على وجود علّةٍ متناهيةٍ، إذ لا بدّ وجود سنخيةٍ بين العلّة والمعلول.
إذًا، بما أنّ المعلول - الكون - متناهٍ، لذا يجب على الإنسان ألّا يأخذ بنظر الاعتبار إلّا تلك العلّة التي تتناسب بشكلٍ كافٍ مع معلولها لأجل أنْ تكون توضيحًا له؛ ومن هذا المنطلق فما يتمّ استنتاجه من برهان علم الكون في أفضل الأحوال هو وجود إلهٍ متناهٍ، وليس مطلقًا.
2 ) من الناحية المنطقية لا توجد قضيةٌ ضروريةٌ حول الوجود، فضدّ كلّ قضيةٍ تثبت من خلال التجربة يعدّ من الممكنات حسب أصول علم المنطق؛ ولكن إنْ اقتضت هذه الأصول كون كلّ ما يُعلم عن طريق التجربة قابلًا للاتّصاف بشكلٍ آخر، ففي هذه الحالة لا يوجد إلزامٌ في بقائه على حاله كما هو.

إذًا، نستنتج من هذا الكلام أنّه لا يمكن - من الناحية المنطقيّة - إثبات وجود أيّ شيءٍ معلومٍ لنا بالتجربة.
3 ) كلمتا (واجب) و (وجود) في عبارة (واجب الوجود) ليستا منسجمتين من حيث المعنى والدلالة، فتصوّر كلّ شيءٍ - وبما في ذلك الله تعالى - بأنّه غير موجودٍ يعدّ أمرًا ممكنًا وليس مستحيلًا، ومن المؤكّد أنّ كلّ شيءٍ يكون عدم وجوده محتملًا فلا ضرورة للقول بحتمية وجوده، وهذا الكلام يعني بأنّ عدم الشيء حينما يكون ممكنًا ففي هذه الحالة لا يكون وجوده ضروريًا.

إذًا، لا صحّة لأنْ نسوق الكلام لطرح فكرة وجود شيءٍ ضروريٍّ من الناحية المنطقية.

4 ) لو أنّ مفهوم (واجب الوجود) يدلّ فقط على ذلك الأمر الذي لا يمكن أنْ يطرأ الفناء عليه، ففي هذه الحالة يمكن وصف الكون بأنّه واجب الوجود؛ إذ لو لم يكن بهذا المعنى فنتيجته أنّ الله تعالى أيضًا لا يمكن أنْ يتّصف بوجوب الوجود، أي من الممكن طروء الفناء عليه.

إذًا، الكون إمّا أنْ يكون واجب الوجود، وإمّا أنّ الله تعالى لا يتّصف بعدم الفناء.

5 ) التسلسل اللامتناهي ليس أمرًا مستحيلًا، فالسلسلة الأزلية لا علّة لها لكون العلّة لا بدّ أنْ تكون متقدّمةً على معلولها زمانًا؛ في حين أنّه من المحال بمكانٍ تقدّم أيّ شيءٍ على هذه السلسلة زمانيًّا، وعلى هذا الأساس يتحقّق التسلسل اللامتناهي ويُدحض رأي من ادّعى استحالة تحقّقه.

6 ) الكون بصفته كلًّا واحدًا ليس مفتقرًا إلى علّةٍ، ولكنّ أجزاءه بانفرادها بحاجةٍ إليها. هذا الكلام يعني أنّ الكون ككلٍّ لا يقتضي علّةً وجوديةً لتحقّقه، في حين أنّ أجزاءه ليست كذلك، فالعلّة الكافية لا تنطبق إلّا على الأجزاء التي يتألّف منها الكون ولا تعمّه بصفته كلًّا واحدًا؛ لذا فالأجزاء ممكنةٌ والكلّ - الكون - واجبٌ.

7 ) براهين علم الكون لا تقنع إلّا من يتبنّى النزعة الإطلاقية، أي أنّها تتناغم مع المتبنّيات الفكريّة لأولئك الذين يعتقدون بالأسرار الماورائيّة؛ ومن المؤكّد أنّ غالبية الناس لا يرجّحون الولوج في هذه العمليّة الاستدلاليّة العقلية حول الوجود المطلق، حيث إنّهم قد يقتنعون بتلك البراهين التي تساق من منطلق التجربة.

❁ نقد إيمانوئيل كانط لبرهان علم الكون[18]:
إيمانوئيل كانط هو الآخر لم يخالف السنّة الفلسفيّة الغربيّة على صعيد نقد براهين علم الكون، لذلك بادر إلى ذلك حسب متبنّياته الفكرية الخاصّة، وفيما يأتي نشير إلى جملةٍ من استدلالاته النقديّة:

1 ) برهان علم الكون متقوّمٌ على أحد البراهين الوجوديّة غير المعتبرة، فإذا أردنا التوصّل إلى نتيجةٍ مطلقةٍ بالضرورة فإنّ برهان علم الكون لا بدّ أن يتجرّد عن نطاقه التجريبي الذي انطلق منه، وبالتالي فهو لا بدّ أن يتجرّد عن مفهوم واجب الوجود الذي اقتبسه من البراهين الأخرى.
من المؤكّد أنّ هذه الطفرة الارتجاعية من نقطة النهاية إلى نقطة البداية تُعقم برهان علم الكون، وتحول دون إثبات ما أُريد إثباته منه، فهي ضروريّةٌ لكنّها عديمة الفائدة؛ وبالطبع ليس هناك سبيلٌ لإثبات أنّ وجود واجب الوجود ضروريٌّ على نحو الضرورة المنطقيّة، فالأصول المنطقيّة لا تقتضي ذلك بتاتًا إلّا إذ تخلّينا عن التجربة وانخرطنا في غمار العالم النظري البحت.
2 ) العبارات الوجوديّة لا يمكن أنْ تطرح في وعاء الضرورة البحتة، في حين أنّ النتيجة المتحصّلة من برهان علم الكون تؤكّد على أنّ هذه العبارات سنخٌ من الضرورات، ولكنّ الحقيقة هي عدّ الضرورة ميزةً من ميزات الفكر وليس الوجود، إذ إنّ القضايا فقط تتّصف بهذه الصفة خلافًا للأشياء والموجودات.

إذًا، الضرورة الوحيدة هي تلك التي تطرح في النطاق المنطقي وليس الوجودي.
3 ) العلّة المرتبطة بعالم الوجود الخارجي لا يمكنها أنْ تثمر عن معلولٍ مرتبطٍ بعالم الذهن، في حين أنّ برهان علم الكون يفترض بشكلٍ غير استدلاليٍّ أنّ الإنسان له القدرة على معرفة العلّة الواقعة في نطاق الحقيقة الخارجيّة بالاعتماد على نطاق عالم الذهن.

ويؤكّد إيمانوئيل كانط على أنّ الشيء ليس نفسه بحدّ ذاته، إذ لا أحد يعرف الحقيقة، فغاية ما هو معلوم وجود ذلك الشيء الموجود، فالعلّة ليست سوى مقولةٍ من المقولات الذهنية التي أضيفت على نحو الإلزام إلى عالم الواقع؛ لذا فهي ليست أمرًا يصوغ الحقيقة.

من المؤكّد أنّ كلّ ضرورةٍ لها ارتباطٌ علّيٌّ فهي من صياغة الذهن ولا صلة لها بعالم الواقع.
4 ) الأمر الذي يعدّ ضرورةً من الضرورات المنطقيّة لا يعدّ كذلك من الناحية الوجوديّة، وعلى أساس النقد المطروح في النقطة الثالثة، يمكن طرح نقدٍ آخر مرتبطٍ به وفحواه الآتي: الأمر الذي لا يمكن إنكاره من الناحية العقلية لا يمكن عدّه واقعيًا على نحو الضرورة، إذ قد يكون وجوده ضروريًا لخصوصيةٍ ما، إلا أنّه قد لا يكون كذلك في واقع الحال؛ لذا حتّى وإنْ اعتبرنا أحد الأشياء من سنخ الضرورات التي لا محيص منها، فهذا لا يدلّ على أنّه موجودٌ بالضرورة.

5 ) النتائج المتحصّلة من براهين علم الكون تؤدّي إلى حدوث تناقضاتٍ ميتافيزيقيةٍ؛ لذا إنْ افترضنا أنّ المقولات الإدراكية يمكن أنْ تسري إلى الأمور الواقعية بحيث يمكن الاعتماد عليها كأساسٍ في استدلالات براهين علم الكونيات، ففي هذه الحالة سوف نقع في تناقضاتٍ عديدةٍ، ومن جملتها ما يلي: لا بدّ من وجود علّةٍ أولى، وكذلك ليس من الممكن أنْ تكون هذه العلّة موجودةً. (كلا شقّي هذه الجملة منشؤهما المنطقي هي العلّة الكافية).
6 ) مفهوم (واجب الوجود) بحدّ ذاته ليس واضحًا كما ينبغي، فيا ترى ما المقصود منه من الناحية العمليّة والتطبيقيّة؟ فهذا المفهوم لا يدلّ على المعنى المستبطن فيه، ولكنّنا إنْ اعتبرناه غير مشترطٍ بأيّ شرطٍ لكي يكون موجودًا، سوف يتسنّى لنا تصوّره في هذه الحالة؛ ونتيجة ذلك فالسبيل الوحيد الذي يجعله يتّصف بمعنًى بيّنٍ هو ذلك التعريف الذين طرح له في برهان علم الكون والذي أدّى إلى حذفه منه.

7 ) التسلسل غير المتناهي يعدّ أمرًا ممكنًا من الناحية المنطقية، إذ ليس هناك أيّ تناقضٍ في حدوث هذا الأمر بالنسبة إلى العلل، والحقيقة أنّ العلّة الكافية تقتضي ذلك؛ لأنّها تؤكّد على ضرورة وجود سببٍ لكلّ شيءٍ.
إذًا، لو كان الأمر كذلك فسوف لا يبقى أيّ سببٍ لترك السؤال عن الأسباب حينما نصل إلى علّةٍ مفترضةٍ في سلسلة العلل، إذ إنّ العقل يقتضي المبادرة إلى الاستفسار عن السبب بشكلٍ لا متناهٍ.
من المؤكّد أنّ العقل يقتضي أيضًا استكشاف علّةٍ أولى بصفتها الدعامة الأساسية لسائر العلل، ولكنّ هذا الكلام يتضمّن تناقضًا صريحًا؛ وذلك لأنّ الذهن الإنساني حينما يبادر إلى تسرية الدلالات الماورائيّة للمفاهيم إلى عالم الحقيقة والواقع، فهو لا بدّ أن يقع في تناقضٍ.
استنادًا إلى ما ذكر، من الممكن أنْ يتحقّق التسلسل اللامتناهي في جميع القضايا المتعلّقة بالشؤون المنطقيّة.

❁ دراسةٌ تحليليّةٌ حول الشبهات التي طرحت على البراهين الوجوديّة
سنتطرّق في هذا المبحث إلى دراسة الشبهات وتحليل النقد الذي طرح من قبل الفيلسوفين الغربيين ديفيد هيوم وإيمانوئيل كانط في مجال البراهين الوجوديّة وبراهين علم الكون في رحاب الأصول الفلسفيّة التي يرتكز عليها برهان الصدّيقين، وسوف نشير ضمن طيّات البحث بشكلٍ إجماليٍّ إلى تفاصيل الموضوع، ولا سيّما ما ذكر حول تفنيد ضرورة وجود واجب الوجود:
الشبهة الأولى: ليس للضرورة فائدةٌ عمليةٌ على صعيد الوجود بما هو وجود، إذ لا يُعتمد عليها إلّا في القضايا النظريّة.
لا شكّ في أنّ الضرورة تعدّ قيدًا منطقيًّا وليس وجوديًّا، وهذا الاستدلال يدحض ما ذهب إليه إيمانوئيل كانط، كما هناك استدلالٌ آخر يؤازره ومفاده: لو أنّنا فنّدنا مفهوم واجب الوجود، وأنكرنا وجوده أيضًا في القضية القائلة بأنّ (واجب الوجود موجودٌ)، فسوف لا نواجه أيّ تناقضٍ هنا.
ذكر كانط هذا الاعتراض على البراهين الوجوديّة التي طرحها سلفه القدّيس أنسيلم والفيلسوف رينيه ديكارت، حيث رام من ذلك في بادئ الأمر إثبات أنّ الإقرار بوجوده لا يعدّ من الشؤون الضروريّة كما زعم هذان الفليسوفان في براهين علم الكون التي طرحاها؛ حيث قال في هذا الصدد: «لو أنّنا دحضنا المحمول على أساس حكمٍ ذاتيٍّ، وأبقينا الموضوع على حاله، سوف يحدث تناقضٌ وعلى أساسه نقول إنّ الأوّل - المحمول - يكون متعلّقًا بالثاني - الموضوع - على نحو الضرورة؛ ولكن إنْ بادرنا إلى تفنيد كلٍّ من الموضوع والمحمول فسوف لا يحدث أيّ تناقضٍ حيث لا يوجد عندئذٍ شيءٌ لكي يدّعى حدوث التناقض فيه. فافتراض وجود مثلّثٍ وفي الحين ذاته تجريده من أضلاعه الثلاثة يعتبر تناقضًا صريحًا؛ ولكنّنا إنْ أنكرنا الأمرين معًا، أي أنكرنا وجود مثلّثٍ وكذلك أنكرنا أضلاعه الثلاثة، سوف لا يكون هناك أيّ تناقضٍ يُذكر. هذه القضية تصدق بحذافيرها بشأن الموجود الذي يتّصف بالضرورة المطلقة، فإذا أنكرناه فهذا يعني استئصاله من الوجود مع جميع محمولاته، وبالتالي لا مجال للقول بوجود تناقضٍ في هذا المضمار، إذ ليس هناك أمرٌ في عالم الخارج يسفر عن حدوث تناقضٍ؛ لأنّه لا يتّصف بمعنًى ضروريٍّ في واقع الحال؛ وفي هذه الحالة أيضًا ليس هناك أمرٌ في عالم الباطن يمكن تصوّر التناقض بشأنه، إذ إنّ نفي وجود الشيءٍ يترتّب عليه نفي جميع مستلزماته الباطنيّة.

إذا قيل: (الله قادرٌ مطلقٌ)، فهذا الكلام في الحقيقة يعدّ حكمًا ضروريًا، لأنّنا إنْ اعتقدنا بالألوهيّة التي تعني وجود شيءٍ غير متناهٍ، لا بدّ من أنْ تكون النتيجة حينئذٍ عدم إمكانية تجريده عن ميزة القدرة المطلقة التي يجب أنْ يتّصف بها هذا الشيء، ولكن إنْ قيل: (ليس هناك إلهٌ في الكون)، فهذا الكلام بطبيعة الحال لا يدلّ على وجود أيّة قدرةٍ مطلقةٍ لهذا الإله الذي لم يثبت وجوده من الأساس، كما لا يمكن حمل أيّ أمرٍ آخر عليه، لأنّ جميع محمولاته قد جرّد عنها بعد انتفاء موضوعه؛ وبطبيعة الحال ليس هناك أيّ تناقضٍ في هذه العقيدة»[19].
الهدف الذي رام إيمانوئيل كانط تحقيقه من هذا الكلام هو أنّ قضيّة (موجود) الحقيقيّة تختلف عن مفهوم (وجود)، فالمفهوم ليست له القابلية على إثبات الوجود الحقيقي. كما سلّط الضوء بشكلٍ أساسيٍّ على مفهوم (الضرورة) في رحاب دلالتها المنطقيّة، وهذه الدقّة في الواقع ذات أهميّةٍ بالغةٍ في مجال تقييد دلالة المفهوم المشار إليه ضمن القضايا التي تتّصف بضرورةٍ منطقيةٍ؛ فالمحمول في هذه القضايا لا يثبت على نحو الضرورة للموضوع إلّا إذا كان واحدًا من مكوّناته الأساسية، وفي غير هذه الحالة سوف يتجرّد عن الضرورة. هذه القضية يطلق عليها في مبادئ الحكمة المتعالية عنوان (الضرورة الذاتيّة المنطقيّة)، وصدر المتألّهين بدوره قد نحا منحى إيمانوئيل كانط نفسه في هذا الصدد، حيث عدّ القضايا المنطقية مشروطةً بشرطٍ أساسيٍّ لا ينفكّ عنها من الناحية الفلسفيّة، وهذا الشرط يتمثّل ببقاء الموضوع؛ ومثال ذلك ما يلي: المثلّث لا يمكن أنْ يحتفظ بصفته الأساسيّة التي هي التثليث إلّا إذا كان متكوّنًا من ثلاثة أضلاعٍ لا تنفكّ عنه بتاتًا، أي أنّها مرتبطةٌ به على نحو الضرورة؛ وهذا الأمر قد تطرّق إليه كانط حينما قال: «قضية أنّ المثلّث ثلاثي الأضلاع لا تعني أنّ امتلاكه لهذه الأضلاع الثلاثة يعدّ من الضرورات المطلقة، بل المراد منها ضرورة افتراض امتلاكه لها لأجل تحقّق شرط وجوده كمثلّثٍ»[20].

إذًا، حسب مبادئ الحكمة المتعالية هناك اختلافٍ بين الضرورة الذاتيّة المنطقيّة المطروحة في القضايا التحليلية وبين الضرورة الذاتيّة الفلسفية، ومن ثمّ فقضيّة (واجب الوجود قادرٌ مطلقٌ) تعدّ من سنخ القضايا التي تتّصف بالضرورة الذاتيّة المنطقيّة وفق هذه المدرسة الفكريّة، وعلى هذا الأساس فهي مقيّدةٌ بشرط وجود ذلك الشيء الذي من شأنه الاتّصاف بأنّه واجب الوجود؛ وثمرة هذا الاستدلال عدم حدوث أيّ تناقضٍ لدى نفي الموضوع في القضية المشار إليها؛ ولكنّ القضايا التي لا يتحقّق فيها هذا الشرط هي في الواقع ليست من سنخ القضايا التي تندرج ضمن الضرورات المنطقيّة.
استنادًا إلى ما ذكر، فالقضيّة التي لا يمكن تقييدها بكون موضوعها موجودًا، لا يمكن أنْ تندرج ضمن القضايا الوجوديّة التي يكون وجودها ضروريًّا، وفي هذه الحالة لا تبقى أيّة فائدةٍ من التقييد المذكور مـمّا يعني أنّ القضية التي لا يعدّ محمولها جزءًا من الوجود فهذا المحمول يكون ضروريًّا بالنسبة إلى الموضوع في جميع الأحوال بحيث لا يمكن تصوّر عدم ضرورته؛ وهذه القضيّة من وجهة نظر مبادئ الحكمة المتعالية تندرج ضمن الضرورات الذاتيّة الفلسفيّة التي يتلازم موضوعها مع الدوام والأزليّة، وبالتالي يكون المحمول فيها ضروريًّا بالنسبة إلى الموضوع؛ وعلى هذا الأساس يطلق عليها ضرورةً دائمةً وأزليةً.

نستنتج من هذا الرأي أنّ الضرورة الأزلية تدلّ على موجودٍ يتّصف بالوجود على نحو الضرورة التي هي في واقع الحال غير معلولةٍ لأيّة علّةٍ خارجيةٍ، أي أنّها ذات وجودٍ مستقلٍّ وقائمٍ بذاته.
البحث والتحليل لإثبات الضرورة المنطقيّة الوجوديّة بالنسبة إلى واجب الوجود لا يندرج ضمن مباحث فلسفة صدر المتألّهين؛ لذا لا يرد الإشكال الذي طرحه إيمانوئيل كانط في هذا الصدد؛ لأنّ أساس الموضوع هنا هو الاستدلال لإثبات اتّصاف واجب الوجود بالضرورة الأزليّة.
لو نسبنا الوجود إلى الحقيقة الوجوديّة المطلقة في ضوء القول بأصالة واجب الوجود، فالضرورة في هذه الحالة لا تندرج ضمن الضرورات الذاتيّة المنطقيّة التي تنسب إلى الماهيّة التي هي بطبيعة الحال لا بدّ أنْ تكون متّصفةً بذاتٍ ماهويةٍ؛ بل هي في الواقع ضرورةٌ ذاتيةٌ فلسفيةٌ لا يمكن تقييدها بشرط وجود ذات الموضوع.

إذًا، المؤاخذة الأساسيّة التي طرحها إيمانوئيل كانط ناشئةٌ من عدم التفاته إلى هذا الاختلاف وتصوّره بأنّ جميع الضرورات هي من سنخ الضرورات المنطقيّة.
وبعد ذلك قال كانط: «لو أنّني في آنٍ واحدٍ أنكرت المحمول والموضوع لأحد الأحكام، فهذا لا يعني حدوث أيّ تناقضٍ ذاتيٍّ مهما كان سنخ المحمول؛ لذا لا مناص لكم من الإقرار بوجود مواضيعٍ لا يمكن أنْ ترتفع أبدًا بحيث يكون بقاؤها لازمًا.
إذًا، هناك موضوعات تتّصف بالضرورة المطلقة، وهذا الكلام هو عين الفرضيّة التي طرحتها سابقًا التي شككت في مدى صوابها، وأنتم تحاولون إقناعي بإمكان تحقّقها، في حين أنّني لا أتمكّن من صياغة أبسط مفهومٍ لأحد الأشياء فيما لو تسبّب في حدوث تناقضٍ إثر ارتفاعه مع جميع محمولاته دفعةً واحدةً؛ فضلًا عن ذلك لو لم يكن هناك تناقضٌ ففي هذه الحالة ليست لديّ أيّة قرينةٍ على الامتناع إذا ما اعتمدت على المفاهيم البحتة التي لها التقدّم»[21]. ثمّ واصل كلامه قائلًا بأنّ البعض قد يعدّون المفهوم أكثر الأمور واقعيةً في الدلالة على الموجود المفهومي الخاصّ بحيث يؤدّي ارتفاعه إلى حدوث تناقضٍ، وهذا الإشكال في الحقيقة هو أحد صيغ البرهان الوجودي الذي طرحه فيلهيلم لايبنتز، وخلاصته على النحو الآتي[22]:

1 ) لو أمكن وجود الكامل المطلق فمن الضروري حينئذٍ أنْ يكون موجودًا، وذلك لما يلي:
أ - استنادًا إلى تعريف الكامل المطلق، فهو ليس من شأنه أنْ يكون مفتقرًا إلى أيّ شيءٍ.
ب - لو لم يكن الكامل المطلق موجودًا فهو بطبيعة الحال يكون فاقدًا للوجود.
ج - استنادًا إلى ما ذكر، فالكامل المطلق لا يمكنه أنْ يفتقد الوجود.

2 ) الكامل المطلق يمكنه أنْ يتّصف بالوجود. (لعدم وجود تناقضٍ في ذلك).
3 ) إذًا، وجود الكامل المطلق يعدّ ضروريًّا.

وقد استدلّ فيلهيلم لايبنتز دعمًا لصغرى القياس في استدلاله بالنحو الآتي:

1 ) الكمال هو عبارةٌ عن كيفيةٍ بسيطةٍ ليس للنقص مكانٌ فيها، كما لا تحدّها حدودٌ ذاتيةٌ.
2 ) كلّ شيءٍ بسيطٍ لا يمكن أنْ يتعارض مع الكيفيّة البسيطة التي لا يطرأ عليها التجزّؤ. (وذلك لأنّ الأمور البسيطة مختلفةٌ مع بعضها من حيث النوع).
3 ) كلّ شيءٍ يختلف مع شيءٍ آخر من حيث النوع، فهو لا يمكن أنْ يكون متناقضًا معه.
4 ) استنادًا إلى ما ذكر، يمكن لأحد الوجودات أن يتّصف بجميع الكمالات، كوجود (الله).
وردّ إيمانوئيل كانط على هذا الاستدلال قائلًا: «أسألكم السؤال التالي: هل أنّ قضية ( كذا شيءٌ موجودٌ ) هي من سنخ القضايا التحليليّة أو التركيبيّة؟ لو كانت من القضايا التحليلية فهذا يعني أنّكم لم تضيفوا أيّ شيءٍ إلى مفهومها، كما أنّكم لم تثبتوا شيئًا على أساسها، بل إنّ مدّعاكم مجرّد طوطولوجيا - تكرارٍ لا طائل منه - فإذا كانت القضية تركيبيةً، كيف يمكنكم ادّعاء طروء التناقض عليها؟! من المؤكّد أنّ التناقض ليس من شأنه أنْ يحدث إلّا في القضايا التحليليّة التي يُحمل محمولها على الموضوع ضرورةً».

بناءً على ما ذكر، نتطرّق فيما يأتي إلى ذكر بعض الملاحظات في ضوء مبادئ الحكمة الصدرائيّة المتعالية:

1 ) الضرورة والوجوب لا يستنبطان في بادئ الأمر قضايا منطقيّة تحليليّة بحسب تعبير إيمانوئيل كانط، وعلى هذا الأساس فلا شبهة في طرحهما بنحوٍ عمليٍّ ضمن نظريّات علم الفلسفة وعالم الواقع؛ ووفق مبادئ الحكمة المتعالية فالإنسان يتعرّف في بادئ الأمر على المفهوم البديهي والبسيط للضرورة في ضوء الواقع وعلم الفلسفة، وهذا الأمر يتحقّق في الضرورة العلّيّة الموجودة بين إرادة الفاعل وأفعاله، ومن ثمّ يجدها تتناسب مع قواعد علم المنطق الذي يعدّ مضمارًا للذهن والمفاهيم الذهنية.
لا شكّ في بداهة مفاهيم الضرورة والإمكان والامتناع، وهذه البداهة تبلغ درجةً بحيث يصعب طرح تعريفٍ حقيقيٍّ لها، ناهيك عن أنّها تدلّ على ذات المعنى في علمي الفلسفة والمنطق. وأمّا رأي إيمانوئيل كانط الذي أكّد فيه على أنّ مفهوم الضرورة يندرج ضمن نطاق القضايا التحليلية، فهو لا يدلّ على كون القضايا التحليلية هي المنشأ لانتزاع المفاهيم المشار إليها؛ وعلى هذا الأساس نجد مفهوم الوجوب في الوجود قد اتّسع نطاقه كما يتناسب مع شأنه في رحاب الحكمة المتعالية، كما أنّه سيق ضمن ثلاثة عشر نوعًا مختلفًا في علم المنطق.

بناءً على ما ذكر، فالضرورة والوجوب عبارةٌ عن مفهومين بديهيين قامت الفلسفة أوّلًا بإثبات وجودهما في عالم الواقع ومن ثمّ اقتبس علم المنطق منها تلك النتائج الفلسفية التي تمّ التوصّل إليها بصفتها أُصولًا موضوعيةً، وقام ببيان أقسامهما في نطاق المفاهيم ومختلف القضايا المنطقية[23].
2 ) حسب التعاليم التي طرحت في بعض البراهين الوجوديّة فإنّ ضرورة الوجود ميزةٌ لا تنطبق إلّا على واجب الوجود (الله سبحانه وتعالى)، في حين أنّ نظرية أصالة الوجود التي طرحها صدر الدين الشيرازي تؤكّد على كون الوجود واجبًا لكلّ ما هو موجود بالفعل[24].
إذًا، على الرغم من أنّ مفهوم الوجود بالنسبة إلى الماهيات الممكنة من شأنه أنْ يتّصف ذهنيًا بالوجوب أو الإمكان، لكنّه واجبٌ لكلّ موجودٍ كائنٍ بالفعل، وهذا الوجوب ليس من سنخ الضرورات المنطقيّة لكي يقول البعض بأنّه وجوبٌ عينيٌّ.
ما يطرح في مباحث الحكمة المتعالية حول الكائنات - باستثناء الله (عزّ وجلّ) - هو أنّ وجوب وجودها متقوّمٌ بالغير، في حين أنّ البارئ تبارك وتعالى يكون واجب الوجود بالذات.
إذًا، نستنتج مـمّا ذكر أنّ مبادئ الحكمة الصدرائية تؤكّد على أنّ وجوب الوجود يمكن أن ينسب إلى كلّ كائنٍ في الكون، وليس إلى الله تعالى فحسب.

3 ) افتراض أنّ القضايا التحليلية التي طرحها إيمانوئيل كانط تناظر المحمول بالضميمة - حسب تعبير صدر المتألّهين - لا صواب له لكون هذا السنخ من القضايا في الحكمة المتعالية يعدّ أخصّ من المحمول بالضميمة.
بعض المحمولات، من قبيل الوجود والوحدة والتشخّص، هي في واقع الحال ليست من سنخ تلك المحمولات التي تندرج في الإطار التحليليّ المطروح في فلسفة إيمانوئيل كانط، لكنّها مشتقّةٌ من حقائق الأشياء؛ وقد أدرك هذا الفيلسوف إلى حدٍّ ما بأنّ استناد الوجود إلى أحد الأشياء في القضيّة الواقعة ضمن جواب هل البسيطة، يختلف عن سائر المحمولات بنحو لا يمكن عدّه تركيبًا من مفهومين أو إشارةً إلى وجود شيءٍ له الأسبقيّة في الوجود - وهذا ما سنتطرّق إلى بيانه في المباحث اللاحقة - ولكن كيفيّة استناده إلى شيءٍ ما حسب مبادئ الحكمة المتعالية التي يُعبّر عنها بـ (خارج المحمول أو المحمول بالضميمة)، لم تنل اهتمامًا من قبل كانط.

استنادًا إلى ما ذكر، ليس من الممكن الإعراض عن جميع القضايا الوجودية، ومن ثَمّ عدم القيام بشرحها وتحليلها في رحاب القضايا التركيبية والتحليلية، والإشكال السابق في الحقيقة ناظرٌ إلى هذه المسألة.
من خلال الردّ على الإشكال المطروح أعلاه سوف يتّضح لنا بطلان بعض المؤاخذات التي طرحها كلٌّ من ديفيد هيوم، وإيمانوئيل كانط.

من جملة الآراء التي طرحها كانط على هذا الصعيد، ما يلي: «ليست هناك ضرورةٌ لوجود القضيّة التي تتّصف بالضرورة من الناحية المنطقيّة». مرّةً أخرى نلاحظ أنّ هذا الفيلسوف قد وقع في خطأ، حيث عدّ المنطق هو المنشأ لإدراك الضرورة، ومن هذا المنطلق قام بتسرية القاعدة المذكورة ضمن نطاق البحث، في حين أنّ صدر الدين الشيرازي يعدّ الضرورة والإمكان من المفاهيم البديهيّة المنبثقة من علم الفلسفة، وأنّ المنطق قد اقتبسهما من هذا العلم، وبالتالي فإنّ الضرورة المطروحة في المباحث الفلسفية ولا سيّما في برهان الصدّيقين، لا تعني ضرورة استناد الوجود إلى الله (عزّ وجلّ) منطقيًّا، بل تعني ضرورته فلسفيًّا.
بناءً على ما ذكر، لا يبقى مجالٌ لطرح الإشكال الذي ساقه كانط، الذي فحواه أنّ المفاهيم الوجوديّة ليست ضروريةً، كما أنّ إشكال هيوم الذي فحواه عدم وجود قضيةٍ تتّصف بالضرورة المنطقيّة، لا يطرح إلّا إذا قيّدنا برهان الصدّيقين في إثبات الضرورة المنطقيّة لواجب الوجود، بينما هذا البرهان يروم إثبات الضرورة الفلسفيّة، أي الضرورة الأزليّة لواجب الوجود.

الشبهة الثانية: لا يمكن عدّ الوجود من سنخ المحمولات الحقيقيّة.
يؤكّد إيمانوئيل كانط أنّ الوجود يختلف عن سائر الكمالات، في حين أنّ أصول البرهان الوجودي الذي طرحه رينيه ديكارت تؤكّد وجود وحدةٍ بين الأمرين.

وفيما يأتي نقرّر الشبهة ضمن النقاط التالية:
1 ) كلّ أمرٍ لا يمتلك القابلية على إضافة شيءٍ ما إلى مفهوم إحدى الماهيّات، فهو ليس جزءًا منها.
2 ) الوجود لا يضيف شيئًا إلى مفهوم الماهية. (أي أنّ الماهية بلحاظ حقيقتها، فليس من شأنها إضافة أيّة خصوصيةٍ إلى غيرها من الماهيات الاعتبارية الأخرى والتي لا تتّصف بالواقعية؛ فالدولار الحقيقي على سبيل المثال لا يضفي أيّة خصوصيةٍ إلى الدولار الاعتباري الفاقد للحقيقة).
3 ) الوجود استنادًا إلى ما ذكر، لا يمكن عدّه جزءًا من الماهيّة. (أي أنّه ليس سنخًا من ذلك الكمال الذي له القابلية على أنْ يكون محمولًا لأحد الأشياء).
هذه الشبهة التي طرحها كانط ينجم عنها تفنيد الصورة الأولى للبرهان الوجودي الذي طرحه الفيلسوف أنسيلم، فهو يعدّ نظريّة أنسيلم الوجوديّة يتمخّض عمّا يلي:

1 ) جميع الكمالات التي يمكن تحقّقها لا بدّ أن تُحمل على الكامل المطلق.
2 ) الوجود هو عبارةٌ عن كمالٍ ممكنٍ له القابلية لأنْ يُحمل على الكامل المطلق.
3 ) استنادًا إلى ما ذكر، يجب حمل الوجود على الكامل المطلق.
من المؤكّد أنّ صغرى القضية على أساس الشبهة التي طرحها إيمانوئيل كانط تُعدّ باطلةً، فالوجود عبارةٌ عن كمالٍ ليس من شأنه أنْ يُحمل على كلّ شيءٍ كان، لأنّه ليس خصوصيةً من الخصائص، بل هو أنموذجٌ مستوحى من إحدى الخصائص أو الأشياء؛ فالماهيّة تمنحنا تعريف الشيء، في حين أنّ الوجود يهيّئ لنا أنموذجًا ومثالًا لذلك الأمر الذي عرّفته الماهية، كما أنّها تُضفى إلى الشيء لأجل تصوّر أمرٍ ما، بينما الوجود لا يهب هذا التصوّر أيّ شيءٍ، بل له القدرة على تنزيله إلى نطاق العينية.
إذًا، الوجود لا يمكنه أنْ يضفي شيئًا إلى مفهوم الكامل المطلق، كما ليس من شأنه أنْ يسلب منه شيئًا؛ وهذا في الحقيقة هو أحد الإشكالات التي طرحت على البرهان الوجودي منذ عهد إيمانوئيل كانط، وهو ما زال يطرح من قبل بعض الفلاسفة حتّى يومنا هذا.

وفيما يأتي نذكر كلام إيمانوئيل كانط في هذا الصدد: «الوجود لا يدلّ بوضوحٍ على محمولٍ واقعيٍّ، كما أنّه ليس مفهومًا من شأنه إضفاء معنىً لأمرٍ آخر؛ فهو مجرّد وضعٍ لشيءٍ ما، أو أنّه تعيّنٌ في ذاته، ومعناه في المنطق يقتصر على كونه رابطًا لأحد الأحكام.
قضية (الله قادرٌ مطلقٌ) فيها مفهومان، وكلّ واحدٍ منهما له دلالته الخاصّة به، فهي تعني (الله)، و(القدرة المطلقة). إذًا، كلمة (موجود) ليست محمولًا إضافيًّا، بل نستوحي منها أنّ المحمول مرتبطٌ بالموضوع؛ لذا إنْ أخذنا الموضوع - الله - بنظر الاعتبار مع جميع محمولاته وبما فيها القدرة المطلقة، وقلنا (الله موجود)، أو (إلهٌ موجودٌ) فهذا الكلام لا يدلّ على إضافة أيّ محمولٍ جديدٍ على مفهوم (الله) وإنّما المقصود منه ذات الموضوع مع كلّ ما يحمل عليه حسب الدلالة المفهومية له.
الموضوع والمحمول لا بدّ أنْ يشيرا إلى معنىً واحدٍ، وعلى هذا الأساس لا يمكننا إضافة أيّ شيءٍ إلى المفهوم الذي لا يدلّ سوى على الإمكان، والسبب في ذلك يرجع إلى متعلّقه، فهذا المتعلّق يعدّ في الذهن مجرّد إضافةٍ عبر اعتقادنا بأنّه موجود؛ وبالتالي فالأمر الحقيقي لا يمكن أنْ يتضمّن دلالةً أكثر من الممكنات البحتة. مثلًا، المئة دولار لا يمكنها أنْ تتضمّن أكثر من مئة دولارٍ؛ لأنّ هذا المبلغ قد يدلّ على مفهومٍ خاصٍّ في حين أنّ المبلغ الحقيقي يكون في حدّ ذاته وضعًا لأمرٍ ما، لذا بما أنّ المتعلّق يعدّ أمرًا إضافيًا بالنسبة إلى المفهوم الحقيقي، فليس من شأنه أنْ يكون انعكاسًا لذات المفهوم الذي أُضيف إليه ... »[25].

بناءً على ما ذكر، نقارن في ما يأتي آراء إيمانوئيل كانط مع المبادئ الفلسفيّة للحكيم صدر الدين الشيرازي:
1 ) يقول كانط: (الوجود ليس من سنخ المحمولات الواقعيّة)، وهذا الرأي ينسجم مع ما ذهب إليه صدر المتألّهين، حيث لا يعدّ الوجود محمولًا كسائر المحمولات؛ إلا أنّه لا يتّفق معه في انعدام المحمول. على سبيل المثال لو أنّ أحدًا لم يشاهد أحد الأنواع من الحيوانات - كالفيل - وسأل قائلًا: (هل الفيل موجود؟) ثمّ أجبناه: (نعم، الفيل موجود)، فهذه الإجابة عبارةٌ عن قضيةٍّ حقيقيةٍ، واعتبارها قضيةٍ يعدّ أمرًا بديهيًا؛ لأنّها يمكن أنْ تتّصف بالصدق أو الكذب. ولكنّ هذه القضية حسب رأي صدر المتألّهين تختلف عن سائر القضايا التي تتمّ فيها نسبة شيءٍ إلى شيءٍ آخر، لذلك قسّم القضايا إلى قسمين، هما:

أ - قضايا ثنائيّة (قضايا محمولها الوجود).
ب - قضايا ثلاثيّة (قضايا محمولها شيءٌ غير الوجود).
القسم الأوّل هو عبارةٌ عن قضايا واقعةٍ في جواب (هل البسيطة)، وأمّا القسم فهو يمثّل قضايا واقعةً في جواب (هل المركّبة) التي يكون الحمل فيها بالضميمة، وبالتالي فإنّ صدقها وصدق استناد المحمول إلى الموضوع فيها يعدّان افتراضًا لمصداقية المحمول الذي هو ليس مصداقًا للموضوع، وفي الحين ذاته يراد من هذه القضايا بيان اتّحادها مع الموضوع.
في عبارة (عليٌّ عالمٌ) فإنّ عليًّا يعدّ مصداقًا لذاته كما، أنّ عالمًا هو مصداقٌ لذاته أيضًا، والمقصود من هذه العبارة بيان الاتّحاد الموجود بين (علي) و (عالم) في الخارج؛ أي أنّ هذا الرجل له مصداقٌ مختصٌّ به، وفي الحين ذاته له مصداقٌ آخر يتمثّل بالعلم، ولكن في القضايا التي تقع في جواب (هل البسيطة) لا يمكن افتراض مصداقٍ للمحمول يختلف عن ذات الموضوع، وبالتالي فإنّ إثبات كلا المصداقين يقتضي تحقّق حقيقتين مستقلّتين عن بعضهما بحيث تنضمّ إحداهما إلى الأخرى، وقد أُطلق على هذا النوع من المحمول عنوان (خارج المحمول أو محمولٌ خارجٌ بالضميمة)[26].

من المؤكّد أنّ هذا التفصيل الدقيق والاختلاف الظريف ليسا موجودين إلّا في رحاب مبادئ الحكمة المتعالية التي لم يُدرك ذهن إيمانوئيل كانط كُنهها.
2 ) يقول كانط إنّ الوجود مجرّد رابطٍ لأحد الأحكام، وكذلك يرى أنّ قضيّة (الله قادر مطلق) تتضمّن مفهومين لكلّ واحدٍ منهما دلالته الخاصّة به، وهما (الله)، و (القدرة المطلقة)؛ ولكن حسب نظريّة أصالة الوجود، فإنّ كلّ واحدٍ من المفهومين المشار إليهما له دلالته الخاصّة به، إلّا أنّ هذه الدلالة تعدّ وجودًا حقيقيًّا يشمل الواقع الموجود في خارج الذهن، وهذا الوجود ليس رابطًا، بل هو حقيقةٌ لا تعني تحقيق ارتباطٍ بين جزئي إحدى القضايا، أي أنّ كلّ جزءٍ منهما يتّصف بالوجود على نحو الحقيقة والواقع.

يرى صدر المتألّهين[27] أنّ الوجود يمكن أنْ يتحقّق في صورتين، فهناك وجودٌ مستقلٌّ ووجودٌ آخر رابطٌ من قبيل ارتباط المحمول بالموضوع، والمعلول هنا يجسّد هذا السنخ من الربط إثر ارتباطه بعلّته الموجدة له؛ لذا فقد نحا منحىً آخر يختلف عن الرؤية الماهويّة التي طرح كانط نظريّاته على أساسها بعد أنْ غفل عن هذا التقسيم، حيث تصوّر هذا الفيلسوف الغربي أنّ الوجود مجرّد رابطٍ لا أكثر.
إذًا، صدر المتألّهين حلّ المشكلة من خلال اعتقاده بكون الوجود على نوعين - مستقل ورابط - وعلى هذا الأساس استنبط مبادئ نظريته الفلسفيّة (أصالة الوجود).

3 ) يعتقد كانط بأنّ الوجود ليس أمرًا إضافيًّا إلى المفهوم، وهذا الرأي ينسجم في إحدى جهاته مع ما ذهب إليه صدر المتألّهين، حيث يَعدّ وجود أحد جوانب الماهية اعتباريًّا، ولكن في الحين ذاته يعتقد بأصالته؛ فما يكون موجودًا في الخارج لا يُعدّ وجودًا بالمعنى الاصطلاحي، كما أنّ مفهوم الماهية يصاغ من محدوديّة الوجودات الخاصّة، وبالتالي تكون جميع خصائصها عبارةً عن معانٍ ماهويّةٍ تختلف مع حقيقة الوجود.
أضف إلى ذلك فإنّ صدر المتألّهين يعدّ الوجود الذهني عارضًا على الماهية، ومن ثمّ فهو في إطاره الذهني يكون زائدًا عليها، أي أنّه أمرٌ مغايرٌ لأصالة الوجود واعتباريّة الماهية.

4 ) يقول كانط إنّ المئة دولار الحقيقية - في عالم الخارج - لا تدلّ على أكثر من مئة دولارٍ ذهنيٍّ، ومن ثمّ يستنتج أنّ هذا التصوّر الذهني لا يضفي إلى المبلغ الموجود في الخارج شيئًا[28]، ومن جملة ما ذكره في هذا الصدد ما يلي: « ... إذًا، لو أردت أن أُفكّر بشيءٍ من أيّ نوعٍ أو محمولٍ كان - حتّى بتعيّناته التامّة - فسوف لا أكون قادرًا على إضافة أدنى أمرٍ له حينما أقول إنّه موجودٌ، إذ في هذه الحالة سوف لا يتحقّق ما فكّرت به، بل الأمر الذي سيتحقّق هو شيءٌ مضافٌ إلى ذلك المفهوم الذهني، وعلى هذا الأساس لا يمكنني ادّعاء أنّه جزءٌ منه». هذا الرأي في الحقيقة يتناسب مع ما اعتبره صدر المتألّهين في الماهيّة، فقد أكّد على أنّها ماهيةٌ من جهة كونها متّحدةً في الذهن والخارج، حيث تتلبّس أحيانًا بوعاء الوجود الخارجي، وأحيانًا أخرى تتلبّس بالوجود الذهني، ومن هذا المنطلق لا يؤدّي وجودها الخارجي إلى اختلافها عن الصورة الذهنيّة لها أو صيرورتها أكبر منها.
الجدير بالذكر هنا أنّ الشبهتين اللتين تمحور بحثنا الآنف حولهما تندرجان ضمن أهمّ الإشكالات الفلسفيّة التي طرحها بعض الفلاسفة الغربيين على البراهين الوجوديّة وبراهين علم الكون؛ لذلك تطرّقنا إلى تفصيلهما أكثر من سواهما، وفيما يأتي نواصل دراسة سائر الشبهات المذكورة وتحليلها على هذا الصعيد:

الشبهة الثالثة: كلمتا (واجب) و(وجود) في عبارة (واجب الوجود) غير منسجمتين مع بعضهما، أي ليس هناك أمرٌ يوجب تلازم الوجود مع الوجوب.
الفيلسوف الغربي ديفيد هيوم هو أوّل من طرح هذه الشبهة، ولو أردنا معرفة منشئها فيجب علينا تتبّع استدلالاته الفلسفية في هذا المضمار، ويمكن تلخيصها بالآتي: من الممكن بمكانٍ تصوّر عدم وجود كلّ شيءٍ في الكون، وبما في ذلك الله سبحانه وتعالى، وبطبيعة الحال فإنّ كلّ شيءٍ يمكن تصوّر عدمه لا تبقى ضرورةٌ لوجوده على نحو الوجوب والإلزام؛ أي أنّ كلّ ما أمكن عدم وجوده فليس من الضروري أن يكون موجودًا، فالقواعد المنطقية لا تسوّغ لنا الاعتقاد بوجود شيءٍ على نحو الضرورة والوجوب؛ لذا لا صواب للقول بوجود واجب الوجود على نحو الضرورة والإلزام.

تفنيد هذه الشبهة التي طرحها ديفيد هيوم قد اتّضح سابقًا حينما فنّدنا الشبهة الأولى، ومع ذلك نقول:
1) ليس الهدف من طرح برهان الصدّيقين هو إثبات وجود واجب الوجود من منطلق اقتضاء الضرورة المنطقية كما قال ديفيد هيوم؛ أي ليس الهدف منه إثبات الوجود العينيّ لواجب الوجود.
2) السبب الذي دعا ديفيد هيوم لطرح هذه الشبهة هو عدم تمييزه بين نوعين من الحمل وردا في بعض تقريرات البرهان الوجودي، ولكنّ صدر المتألّهين تعامل مع الموضوع بدقّةٍ فائقةٍ حينما أكّد على وجود حملين في القضية، أحدهما حملٌ أوّليٌّ ذاتيٌّ والآخر شائعٌ صناعيٌّ؛ فهو يعتقد باستحالة سلب مفهوم الوجود عن واجب الوجود، ولكنّه يعدّ تحقّق هذه الاستحالة على أساس الحمل الأوّلي الذاتي بمعنى أنّ مفهوم الوجود لا يمكن أنْ ينفكّ عن مفهوم واجب الوجود في الذهن، ولكنّ هذا التلازم لا يعني حدوث تناقضٍ فيما لو سلبنا مصداق الوجود من مفهوم واجب الوجود.

سلب الوجود عن واجب الوجود على أساس الحمل الشائع الصناعي لا يسفر عن حدوث تناقضٍ، فواجب الوجود يتّصف بهذا الوجوب وفق الحمل الأوّلي الذاتي، لذا فهو ليس سوى أمرٍ ذهنيٍّ في ضوء الحمل الشائع الصناعي، حيث تحصّل للذهن في وعاء الوعي والإدراك بوصفه حقيقةً إمكانيةً يمكن أن تنعدم.
إذًا، مفهوم واجب الوجود بناءً على ما ذكر هو ممكن الوجود بالحمل الشائع الصناعي، لذا لم يصوّر برهان الصدّيقين ذاتيّة حقيقة الوجود لهذا المفهوم، بل تمحورت مباحثه الإثباتية حول مبدأ الضرورة الأزليّة.

3) مسألة الإمكان والوجوب التي تتناغم مع براهين علم الكون ليست هي المحور الأساسي في برهان الصدّيقن، فمرتكز البحث في هذا البرهان هو حقيقة الوجود البحتة وليس وجوب الوجود الملازم للممكنات، فالبحث عن الإمكان والوجوب غالبًا ما يطرح في برهان الإمكان والوجوب.
استنادًا إلى ما ذكر، يتّضح لنا بطلان الإشكال الذي طرحه ديفيد هيوم والذي فحواه عدم وجود أيّ كائنٍ يمكن إثباته وفق الاستنتاجات العقلية، وقد ذكرنا رأي هذا الفيلسوف ضمن الإشارة إلى الإشكال الذي طرحه على البرهان الوجودي، وخلاصة كلامه هي عدم وجود انسجامٍ بين كلمتي الواجب والوجود؛ وقد طرح إيمانوئيل كانط الموضوع بهذا الشكل: «يتحدّث الناس في جميع الأزمنة عن ذلك الشيء الذي يتّصف بضرورة الوجود على نحو الإطلاق، ولكنّهم لم يتأمّلوا مع أنفسهم حول إمكانية تصوّر هكذا شيء ولم يتساءلوا كيف يتمّ ذلك، بل نجدهم غالبًا ما يحاولون يحاولون إثبات وجوده. من المؤكّد أنّ التعريف اللفظي لهذا المفهوم ليس صعبًا بمكانٍ، حيث نستطيع أن نقول: (واجب الوجود عبارةٌ عن شيءٍ يستحيل انعدامه)، ولكنّنا من خلال هذا التعريف لا نتمكّن من تحصيل معرفةٍ أكثر بالنسبة إلى الإلزامات التي تجعله أمرًا ضروريًّا، وبالتالي ليس بإمكاننا في واقع الحال البتّ في عدم إمكانية تصوّره على نحو الإطلاق؛ وهذه الإلزامات هي الأشياء ذاتها التي نحن في صدد التعرّف عليها، أي هل أنّنا في الحقيقة نفكّر بشيءٍ موجودٍ حقًّا حينما نتصوّر هذا المفهوم؟ فنحن من خلال مفهوم عدم الإلزام بإمكاننا التخلّي عن جميع الإلزامات التي يجب تحقّقها في الذهن لأجل لحاظ ذلك الشيء الذي يكون وجوده ضروريًّا، وهذا الاستعمال اللّفظي الذي يدّعى فيه ضرورة وجود شيءٍ اسمه واجب الوجود بحيث يكون عاريًا من كلّ الإلزامات الذهنية، لا يثبت لي وجود أيّ وجود شيءٍ مطلقًا؛ فهل يا ترى نحن نفكّر حقًّا حول هذا الشيء أو أنّنا لا نفكّر به من الأساس؟!»[29].

هذه الشبهة التي طرحها إيمانوئيل كانط قد طرحت أيضًا في نظريات بعض أصحاب الفلسفة التحليليّة من أمثال برتراند راسل[30]، وجون هوسبرز[31]، وجون ليسلي ماكي[32]، وهي ناظرةٌ بشكلٍ عامٍّ إلى البراهين الوجودية التي ترتكز في أساسها على مفهوم واجب الوجود؛ لكنّها لا يمكن أنْ تطرح بشكلٍ جادٍّ على برهان الصدّيقين الذي يتقوّم في الأساس على هذا المفهوم وحقيقة الوجود البحتة.
وفي مقابل ذلك فقد وضّح الملّا محمّد جعفر اللاهيجي رأي صدر الدين الشيرازي حول مسألة فهم حقيقة الوجود التي هي حقيقةٌ بحتةٌ، كما يلي: «إنّه يعتبر مفهوم الوجود أكثر المفاهيم بداهةً بحيث يمكن إدراكه بحدّ ذاته، فهو ظاهرٌ بنفسه ومظهرٌ لغيره، لكنّ كُنه الوجود يعدّ في غاية الخفاء والاستتار؛ وكُنه واقعيته يكمن في خارجيته، ولو أنّ هذه الواقعية تجلّت في الذهن بصفتها أمرًا خارجيًّا فهي بذاتها تنفي واقعيتها. وقد قال الملّا صدرا في بداية كتابه المشاعر: (إنّـية الوجود أجلى الأشياء حضورًا وكشفًا، وماهيته أخفاها تصوّرًا واكتناهًا، ومفهومه أغنى الأشياء عن التعريف ظهورًا ووضوحًا وأعمّها شمولًا، وهويّته أخصّ الخواصّ تعيّنًا وتشخّصًا؛ إذ به يتشخّص كلّ متشخّصٍ، ويتحصّل كلّ متحصّلٍ، ويتعيّن كلّ متعيّنٍ ومتخصّصٍ، وهو متشخّصٌ بذاته ومتعيّنٌ بنفسه)»[33].

إذًا، إدراك حقيقة الوجود إنّما يتحصّل للإنسان عن طريق التأمّل فيها، وعلى أساس الاعتقاد بمبدأ أصالة الوجود، وليس من خلال إنكار بعض الدلالات كما زعم إيمانوئيل كانط؛ وهذا الشهود بطبيعة الحال يتطلّب دقّةً فلسفيةً فائقةً في عين ظهوره ووضوحه؛ لذلك قيل إنّ نجاح برهان الصدّيقين في إثبات المطلوب مرهونٌ بامتلاك تصوّرٍ دقيقٍ للمسائل المدرجة في طيّات استدلالاته، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ صعوبة إدراك هذه الاستدلالات تتجلّى بشكلٍ صريحٍ في مرحلة التصوّر، وعلى هذا الأساس لو تحصّل هذا التصوّر بأفضل وجهٍ سوف لا تبقى هناك أيّة مشكلةٍ تصديقيةٍ، بل إنّ التصديق يتزامن في آنٍ واحدٍ مع حدوث التصوّر، وقد أُشير إلى هذا الأمر في إحدى فقرات (دعاء عرفة)، وهي: «إلهي تَرَدُّدي فِي الآثارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزارِ، فَاجْمَعْني عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُني إلَيْكَ؛ كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ اِلَيْكَ؟! أيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ؟! مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ إلى دَليلٍ يَدُلُّ عَليْكَ؟! وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الآثارُ هِيَ الَّتي تُوصِلُ إلَيْكَ؟! عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيبًا، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيبًا؛ إلهي أمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إلَى الآثارِ فَاَرْجِعْني إلَيْكَ بِكِسْوَةِ الأَنْوارِ، وَهِدايَةِ الاسْتِبصارِ، حَتّى أَرْجَعَ إلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إلَيْكَ مِنْها، مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إلَيْها، وَمَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ الاعْتِمادِ عَلَيْها»[34].

الشبهة الرابعة: عدم استحالة التسلسل اللامتناهي
إحدى الشبهات الأخرى التي عدّها كلٌّ من ديفيد هيوم وإيمانوئيل كانط إشكالًا جليًّا على براهين علم الكون، تتمثّل في عدم استحالة التسلسل اللامتناهي للعلل أو المحرّكات؛ فالعديد من هذه البراهين قد ارتكزت بنحوٍ أساس على مقولة استحالة هذا الأمر.
هذه الشبهة مطروحةٌ بنحوٍ رئيسٍ على الاستدلالات الأوّلية التي اعتمد عليها الفلاسفة في براهين علم الكون، وهذا التسلسل من وجهة نظر صدر الدين الشيرازي لا يعدّ مستحيلًا على صعيد العلل المعدّة، وعلى هذا الأساس تصحّ الشبهة المطروحة من قبل هيوم وكانط، إلّا أنّه مستحيلٌ في شأن العلل الموجدة التي تجعل جميع الممكنات متقوّمةً في وجودها على واجب الوجود.

حسب المبادئ الفلسفية التي تبنّاها الحكيم صدر الدين الشيرازي ولا سيّما مبدأ أصالة الوجود، لا يساق البحث إلى مسألة الإمكان الماهوي، بل يتمحور بشكلٍ أساسيٍّ حول الافتقار في الوجود - الامكان الافتقاري - وذلك لأنّ التسلسل اللامتناهي لا معنى له في ضوء الفقر الذاتي الوجودي المتحقّق بشأن كلّ كائنٍ سوى الله (عزّ وجلّ)؛ ومن هذا المنطلق لا يبقى مجال لطرح الإشكال المذكور في برهان الإمكان الافتقاري.
نستنتج مـمّا ذكر أنّ برهان الصدّيقين الذي طرحه صدر المتألّهين له الأرجحيّة على برهان الإمكان والوجوب على صعيد شرح وتحليل استحالة التسلسل اللامتناهي؛ إذ إنّ أطروحاته لا تبقى بحاجةٍ إلى إقامة الدليل لإبطال الدور والتسلسل، وهذا الاستغناء قد عدّه صدر المتألّهين متحقّقًا في البرهان حينما طُرح قبله من قبل بعض الحكماء وعلى رأسهم الحكيم ابن سينا.
قال صدر المتألّهين في خاتمة استدلالاته ضمن برهان الصدّيقين ما يلي: « ... ويثبت أيضًا قيّومية وجوده؛ لأنّ الوجود الشديد فيّاضٌ فعّال ما دونه، فهو العليم القدير المريد الحيّ القيّوم الدرّاك الفعّال، ولكونه مستتبعًا للمراتب التي تليه الأشدّ فالأشدّ والأشرف فالأشرف؛ ثبت صنعه وإبداعه وأمره وخلقه وملكوته وملكه، فهذا المنهج الذي سلكناه أسدّ المناهج وأشرفها وأبسطها؛ حيث لا يحتاج السالك إيّاه في معرفه ذاته تعالى وصفاته وأفعاله إلى توسّط شيءٍ من غيره، ولا إلى الاستعانة بإبطال الدور والتسلسل، فبذاته تعالى يُعرف ذاته ووحدانيّته؛ ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾[35]، ويعرف غيره؛ ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[36]»[37] .

الشبهة الخامسة: علم الكون مرتكزٌ في أساسه على برهانٍ وجوديٍّ غير معتبرٍ.
هذه الشبهة التي طرحها إيمانوئيل كانط على براهين علم الكون والبراهين الوجودية لا ترد على برهان الصدّيقين؛ لكونه لا يبتدئ من الحقائق الإمكانيّة، وكذلك لا يؤكّد على أنّ مفهوم واجب الوجود دليلٌ على وجود مصداقه الواقعي.
الشبهة السادسة: إذا قيّدنا دلالة واجب الوجود بذلك الشيء الذي لا يمكن أنْ يطرأ عليه الفناء، ففي هذه الحالة من شأن الكون أيضًا أنْ يتّصف بهذا المعنى.
هذه الشبهة في واقع الحال لا تطرح على برهان علم الكون إلّا في ظلّ نظريّات فيلهيلم لايبنتز، ونظرًا لكون برهان الصدّيقين لم يتطرّق إلى إثبات أنّ واجب الوجود يدلّ على عدم الفناء؛ لذا لا مجال لطرح هذه الشبهة عليه.
مفهوم عدم فناء الله سبحانه وتعالى يمكن أنْ يعدّ واحدًا من صفاته تبارك شأنه، وهذه النتيجة يمكن تحصيلها بعد تحقّق الهدف المنشود من البرهان، وعلى هذا الأساس لم يُشر إليه في مقدّماته.

الشبهة السابعة: نستدلّ من المعلولات المتناهية وجود علّةٍ متناهيةٍ.
فحوى هذه الشبهة التي طرحها ديفيد هيوم أنّ برهان علم الكون يثبت وجود إلهٍ متناهٍ، وهي ترجع في أساسها إلى القول بسنخيّة العلّة والمعلول، حيث أكّد هذا الفيلسوف بأنّ هذه السنخيّة تتحقّق بينهما من جميع الجهات بشكلٍ متساوٍ؛ ولكنّ هذا الكلام ليس صائبًا؛ لأنّ السنخيّة بين الأمرين تختلف عن تساويهما في جميع الجهات.
الواجب والممكن يعدّان من سنخٍ واحدٍ من حيث الوجود، ولكنّ هذه السنخية لا تدلّ بتاتًا على تساويهما في الوجود قوّةً وضعفًا بالتمام والكمال، وقد أشار صدر المتألّهين في مقدّمة برهان الصدّيقين إلى مسألة الاشتراك المعنوي في الوجود، وأكّد أنّ الوجود متّحد المعنى في كلٍّ من الواجب والممكن، ولكنّه أكّد بعد ذلك أنّ الاشتراك في الوجود بينها يعدّ بحدّ ذاته اختلافًا بينهما؛ وعلى أساس هذا الرأي استنتج أنّ الوجود أمرٌ مشكّكٌ وليس متواطئًا.
إذًا، حينما يكون وجه الاشتراك في الوجود عين الاختلاف، فهذا يعني أنّ التمايز بينهما هو عين الانسجام؛ وفي هذه الحالة يكون الاختلاف بين الكائنات ناشئًا من شدّة وجودها أو ضعفه أو تقدّمه أو تأخّره، وهذا الأمر هو الذي يطلق عليه العلماء مصطلح (التشكيك)، وبالتالي يجب الإذعان إلى أنّ الوجود أمرٌ مشكّكٌ.

استنادًا إلى ما ذكر، نقول إنّه لا مجال لادّعاء ضرورة كون المعلول المتناهي يجب أنْ ينشأ من علّةٍ متناهيةٍ، بل إذا كان المعلول من سنخ الوجود فعلّته أيضًا لا بدّ أن تكون من هذا السنخ، وبالتالي فإنّ الوجود فيهما يدلّ على معنىً واحدٍ؛ وهذا الاستنتاج متحقّقٌ في برهاني الفقر الوجودي والصدّيقين.

الشبهة الثامنة: الكون بصفته كلًا واحدًا فهو ليس مفتقرًا إلى علّةٍ واجبةٍ، ولكنّ أجزاءه مفتقرةٌ إليها.
هذه الشبهة طرحت من قبل ديفيد هيوم على برهان علم الكون الذي تبنّاه فيلهيلم لايبنتز، إذ أراد الأخير إثبات أنّ الكون باعتباره كلًّا واحدًا فهو بحاجةٍ إلى علّةٍ واجبةٍ لكونه من سنخ الممكنات، وما يدعو للأسف أنّ التوجّه الخاطئ من قبل معارضي برهان علم الكون قد أسفر عن التشكيك في دلالته بنحوٍ جادٍّ منذ عهد لايبنتز.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ برهان علم الكون قد طرح من قبل الفلاسفة المسلمين في إطار برهان الإمكان والوجوب؛ لذا فهو يختلف بالكامل عن نظريّة لايبنتز، فالإمكان يعدّ أمرًا كامنًا في ذات كلّ كائنٍ، أي أنّ الكائنات مفتقرةٌ من حيث الوجود، وهذا الافتقار في واقع الحال يختلف عن الحاجة إلى العلل المعدّة التي توفّرها سائر الكائنات.
يعتقد لايبنتز أنّ حاجة الكائنات في هذا العالم تلبّيها كائناتٌ أخرى - علل معدّة - وعلى هذا الأساس لا بدّ من تسرية الافتقار إلى الكون بأسره، في حين أنّ هذا الافتقار في رحاب برهان الإمكان والوجوب، ولا سيّما حسب نظريّة الحكيم ابن سينا، يسري إلى جميع أجزاء الكون من منطلق حاجتها إلى الوجود، وبالتالي لا يمكن تلبيته عن طريق العلل المعدّة.
استنادًا إلى ما ذكر نستنتج أنّ برهان الصدّيقين لم يُدّعى فيه ما ذكر في برهان لايبنتز، وبالتالي لا مجال لطرح الشبهة التي ساقها ديفيد هيوم في هذا المضمار.

الشبهة التاسعة: لا يمكننا استنتاج وجود علّةٍ ذاتيةٍ (نومينية) من معلولٍ ظاهرٍ (فينوميني).
هذه الشبهة طرحها إيمانوئيل كانط وفقًا لمتبنّياته الفلسفيّة، إذ يؤكّد على أنّنا لا ندرك من العالم المحيط بنا سوى الظواهر[38]، أي أنّ الخارج لا يفيدنا غيرها. فحوى هذا الكلام يشابه رأي صدر المتألّهين من إحدى جهاته، حيث قال إنّ الذهن يصوغ ماهيّاتٍ من حدود الوجود، وعلى هذا الأساس فهي اعتباريّةٌ؛ لكنّ الحكيم صدر المتألّهين لم يستدلّ في هذا الكلام على إنكار وجود العلل الذاتيّة أو الجواهر، وهذا الأمر عبارةٌ عن موضوعٍ لا بدّ أنْ يطرح للبحث والنقاش في محلّه، إذ لا مجال لتفصيله هنا.

ذهب إيمانوئيل كانط إلى القول بأنّ برهان علم الكون يفترض - دون دليلٍ - بأنّ المعلول الواقع في عالم الظواهر والخارج (الفينوميني) بإمكانه إدراك علّةٍ ذاتيةٍ (نومينية) - غير محسوسةٍ - في عالم الذوات والواقع، ومن هذا المنطلق استنتج بطلان إثبات الله تعالى في ضوء هذا البرهان رغم عدم البتّ بصواب تقسيم الأشياء إلى ذاتيّة وظواهريّة في علم الفلسفة، وعدم بيان الصورة الصحيحة لإدراكنا لها؛ ناهيك عن وجود شكٍّ وترديدٍ في نسبة هذا الاستدلال إلى برهان علم الكون.
ومن جملة ما قاله هذا الفيلسوف حول الأمور الذاتية، ما يلي: «لا أحد يعرف الحقيقة المكنونة، فغاية ما نعرفه هو تلك الأشياء الموجودة». هذا الكلام في الحقيقة يعادل المقدّمة الأولى التي انطلق منها برهان الصدّيقين، إذ إنّ الاستدلال فيه لم يبدأ من بيان ماهيّة الحقيقة التي هي محور شبهة كانط، بل بدأ من وجودها، وهو ما أيّده هذا الفيلسوف الغربي.
ومن الجدير بالذكر هنا أنّ نقطة القوّة في مبدأ أصالة الوجود تكمن في تأكيده على أصالة وجود العالم الخارجي لا ماهيّته، وبناءً على هذا لا مجال لطرح شبهة كانط على برهان الصدّيقين.

الشبهة العاشرة: الاستدلالات المطروحة في براهين علم الكون لا تقنع إلّا أولئك الذين يتبنّون النزعة الإطلاقيّة.
هذه الشبهة تؤكّد على أنّ الاستدلالات التي ساقها الفلاسفة في براهين علم الكون لا تقنع إلا أصحاب النزعة الإطلاقية، وبالتالي لا يمكن عدّها مستندًا لإثبات المدّعى، ولكنّنا نقول إنّ من طرحها قد وقع في خطأ واضح لكونها لا ترد على البراهين بحدّ ذاتها، بل غاية ما يستفاد منها أنّها تمسّ الأصول الفكريّة لمن يعتقد ببراهين علم الكون؛ ولكن مع ذلك لا نرى ضيرًا في مقارنتها مع رؤية الحكيم صدر الدين الشيرازي.

من المؤكّد أنّ عملية الإقناع بحدّ ذاتها ليست داخلةً ضمن الحسابات التي يجري الاستدلال الفلسفي على أساسها في عملية البرهنة، كما أنّها لا تمتّ بصلةٍ للأدلّة العقلية، فيا ترى هل هناك من يدّعي أنّ البراهين التي تساق لإثبات وجود الله (عزّ وجلّ) تخاطب عامّة الناس؟ أليس المراد من عملية البرهنة العقليّة بأسرها طرح الفكرة المتبنّاة إلى البشريّة قاطبةً ومحاكاة الأصول العقليّة الصائبة بغضّ النظر عمّن لا يدرك صوابها؟ وتجدر الإشارة هنا إلى وجود بعض البراهين القويّة – في أيّ موضوعٍ كان – لكنّها لا تقنع أتباع بعض المذاهب الفكريّة بالتحديد، ولا سيّما أهل الجدل، لكونهم يرفضون نتائجها مسبقًا وقبل البرهنة على صوابها لأسباب شتّى قد تكون فكريّةً أو غير فكريّةٍ، فلربّما تمسّ مصالحهم الفئويّة أو المادّيّة. وفي مقابل ذلك هناك من يقتنع ببعض البراهين البسيطة ويبني عليها معتقداته ومتبنّياته الفكرية، ومن ثمّ يسلك السبيل الصائب وفق المبادئ الأصوليّة الحقّة.

استنادًا إلى ما ذكر فقد بادر الفلاسفة المسلمون إلى البرهنة على إثبات وجود واجب الوجود عبر طرح استدلالاتٍ متنوّعةٍ متوازيةٍ مع أصل الموضوع، في حين أنّ الفلاسفة الغربيين تطرّقوا إلى ذلك بالاعتماد على استدلالاتٍ متعارضةٍ مع أصل الموضوع؛ ونتيجة ذلك أنّ الفلسفة الإسلامية ساقت براهينها بشكلٍ يتلائم مع كيفيّة إقناع المخاطب في مختلف المستويات، حيث طرحت بعض البراهين لإقناع عامّة الناس اعتمادًا على محاكاة العقل العامّ مثل برهانَي النظم والفطرة، ففي هذين البرهانين بلغت عملية الاستدلال العقلي البحت أدنى مستوياتها وتمّ تسليط الضوء فيهما على الظواهر الكونية والآيات القرآنية؛ وعلى مرّ العصور اقتنع الكثير من الناس بهذه الأطروحات وبنوا معتقداتهم الدينيّة على أساسها؛ بينما هناك براهين عقليةٌ دقيقةٌ ذات مستوى أعلى لكونها تخاطب أهل الفكر والتخصّص ولا سيّما رجال العلوم العقلية والفلسفية؛ لذا نجد عملية البرهنة فيها تبلغ الذروة ونطاقها العلمي بطبيعة الحال أكثر اتّساعًا وتفاصيلًا ودقّةً من سواها، وبالتالي تكون نتائجها أكثر حبكةً وأقوم استدلالًا؛ ولا ريب في أنّ برهان الصدّيقين يندرج ضمنها.
على الرغم من أنّ الحكيم صدر الدين الشيرازي نوّه على أنّ برهان الصدّيقين يعدّ «أنور وأشرف وأحكم وأشدّ البراهين وأوثقها»، لكنّه في الحين ذاته أكّد على عدم امتلاك جميع الناس القابليات العقليّة الكافية لإدراك كُنه دلالاته؛ لذلك تطرّق بعد ذلك إلى طرح براهين أخرى لإثبات أنّ واجب الوجود ضرورةٌ لا محيص منها.
ومـمّا قاله في خاتمة برهان الصدّيقين ما يلي: « فهذا المسلك كافٍ لأهل الكمال في طلب الحقّ وآياته وأفعاله، لكن ليس لكلّ أحدٍ قوّة استنباط الأحكام الكثيرة من أصلٍ واحدٍ، فلا بدّ في التعليم من بيان سائر الطرق الموصلة إلى الحقّ وإنْ لم يكن[39] بهذه المثابة من الإيصال»[40].

مصادر البحث
القرآن الكريم.
ابن سينا، أبو علي الحسين بن عبد الله، الإشارات والتنبيهات، مؤسّسه نصر، طهران، 1379 هـ.
الآملي، عبد الله جوادي، شرح حكمت متعاليه اسفار اربعه (باللغة الفارسية)، منشورات الزهراء، طهران، 1989 م.
السبزواري، الملّا هادي، شرح منطق منظومه (باللغة الفارسية).
الشيرازي، صدر المتألّهين، محمّد بن‌ إبراهيم‌، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة العقليّة، دار إحياء التراث‌ العربي‌، بيروت، الطبعة الثالثة‌، 1981 م‌.
الطباطبائي، محمّد حسين، اصول فلسفه وروش رئاليسم (باللغة الفارسية)، منشورات دار العلم، قم، 1971 م.
ـــــــــــــــ ، نهاية‌ الحكمة‌، منشورات‌ الزهراء، طهران‌، 1988 م.
القمّي، عباس،‌ مفاتيح‌ الجنان‌، دعاء عرفة‌.
اللاهيجي، المـلّا محمّد جعفر، شرح‌ رسالة‌ المشاعر ملا صدرا (باللغة الفارسية)، منشورات مكتب‌ إلاعلام الإسلامي‌، طهران‌، 1964 م‌.
موسوعة العالم الإسلامي (دانشنامه جهان اسلام، دائرة المعارف اسلامي - باللغة الفارسية -)، طهران، 1979 م، مدخل عبارة (برهان الصدّيقين).
نورمان جيسلر، فلسفه‌ دين (باللغة الفارسية),‌ ترجمه إلى الفارسية:‌ حميد رضا آيت‌ اللهي‌، منشورات حكمت‌، طهران‌، 1996 م.
Emmanuel Kant , Critique of Pure Reason. 21
Garden city , 1966. 31
Hospers , John , An Introduction to Philosophical Analysis , London. 41
Kant , Immanuel , Critique of Pure Reason , trans. Max Muller.51 Doubleday
Mackie , J. l. , The Miracle of Theism , New York , 1986. 61
Pojman , Louis , Philisophy of Religion , An Anthology , California. 71


-----------------------------------
[1] صدر الدين‌ الشيرازي‌، محمّد بن‌ إبراهيم‌، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة العقلية:6/ 13.
[2] فُصّلت : 53.
[3] ابن‌ سينا، أبو علي الحسين‌ بن‌ عبد الله، الإشارات‌ والتنبيهات‌، 3/ 66.
[4] للاطّلاع أكثر، راجع: الطباطبائي‌، محمّد حسين‌، نهاية‌ الحكمة‌، 2/275؛ جوادي الآملي، شرح‌ حكمت‌ متعاليه‌ اسفار اربعه، الفصل الأوّل من المجلّد السادس، ص‌ 116 - 117.
[5] اللاهيجي‌، الملا محمّد جعفر، شرح‌ رسالة‌ المشاعر لملا صدرا ،‌ 12 - 13.
[6] للاطّلاع أكثر: الطباطبائي، محمّد حسين، أصول الفلسفة والمذهب الواقعي ، 82 - 83.
[7] يوسف: 108.
[8] صدر الدين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة العقلية، 6/ 14 - 16.
[9] موسوعة العالم الإسلامي (دانشنامه جهان اسلام، دائرة المعارف اسلامي - باللغة الفارسية -)، طهران، 1979 م، مدخل عبارة (برهان الصدّيقين).
[10] نورمان جيسلر، (فلسفة الدين) (باللغة الفارسية)، 187.
[11] نورمان جيسلر، فلسفة الدين ، 189.
[12] المصدر السابق، 195.
[13] نورمان جيسلر، فلسفة الدين ، 194.
[14] نورمان جيسلر، فلسفة الدين ، 204 - 205.
[15] المصدر السابق، 205 - 206.
[16] نورمان جيسلر، فلسفة الدين ، 253.
[17] نورمان جيسلر، فلسفة الدين ، 255 - 275.
[18] نورمان جيسلر، فلسفة الدين ، 257 - 259.
[19] Kant , Immanuel , Critique of Pure Reason , trans. Max Muller Doubleday
Garden city , 1966: p.399.
[20] Ibid , p. 399.
[21] Ibid , p. 399.
[22] نورمان جيسلر، فلسفة الدين (باللغة الفارسية)، 201.
[23] ظ،: صدر الدين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة العقلية، 1/ 83.
[24] للاطّلاع أكثر،: المصدر السابق، 83 - 93
[25] Emmanuel Kant , Critique of Pure Reason , p. 401 - 402.
[26] الملّا هادي السبزواري، شرح منطق المنظومة، 30.
[27] صدر الدين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة العقلية، 1/ 327.
[28] - Ibid , p. 401.
[29] - Ibid , p. 398.
[30] Pojman , Louis , Philisophy of Religion , An Anthology , California , p. 6 - 11.
[31] Hospers , John , An Introduction to Philosophical Analysis , London , pp 293-295.
[32] Mackie , J. l. , The Miracle of Theism , New York , 1986 : pp. 82 – 86.
[33] اللاهيجي‌ الملا محمّد جعفر ، شرح‌ رساله‌ المشاعر ملا صدرا ، 12 - 13.
[34] عباس‌ القمّي، مفاتيح‌ الجنان‌، دعاء عرفة‌.
[35] آل عمران: 18.
[36] فُصّلت: 53.
[37] صدر الدين الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار الأربعة العقلية، 6/ 25 - 26.
[38] phenomen.
[39] هكذا في المصدر، لكن الصحيح (تكن).
[40] المصدر السابق.