الباحث : د. محمد كاظم الفتلاوي
اسم المجلة : العقيدة
العدد : 34
السنة : ربيع 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث : April / 30 / 2025
عدد زيارات البحث : 172
الملخّص
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى الله على محمدٍ وآلهِ الطاهرين
المنظومة الإسلاميّة في بُعدها العقدي والتشريعي متكاملةٌ في تغطية شؤون الإنسان الفرد والمجتمع، وإنّ الأمة اليوم بحاجةٍ ماسةٍ الى التذكير بهذه المنظومة الشاملة، فكان محتوى هذا البحث ناظرًا إلى أنّ العودة إلى الخالق سبحانه هو السبيل الأوحد لخلاص شباب الأُمّة من الضياع والضلال، ومحاولةً ليكون عامل صدٍّ أمام الهجمات الشرسة للتيارات الفكريّة المنحرفة والصيحات الماديّة في عالمنا اليوم، فلا يصلح حال هذه الأمة اليوم إلّا ما كان عليه صلاحها في أوّلها، وهو العودة بها إلى الله (عزَّ وجلَّ) ودينه القويم، وقرآنه المجيد، وسُنّة المعصوم (عليه السلام)، فكان هذا البحث من مقدمةٍ ومطلبين، المطلب الأوّل عن أساليب الدعوة إلى الله سبحانه، والمطلب الثاني عن النتائج التي تتحقّق من خلال العقيدة على مستوى الفرد والمجتمع، وبيان الآثار الروحيّة (الإيمانيّة) والسلوكيّة، مستعينًا بآراء العلماء في تقريب المعنى في فهم العقيدة، ثم اتبعتهما بخاتمةٍ وقائمةٍ بالمصادر.
الكلمات المفتاحية: (الدعوة، الأساليب، النتائج).
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّدٍ وآلهِ الطاهرين
أما بعد..
إنّ الدعوة إلى الله سبحانه من مهام الأنبياء والرسل (عليه السلام)، وهي الوسيلة التي ارتضاها الله (عزّ وجلّ) لهداية خلقه، ولو شاء لجعل الإيمان بالدين فرضًا في فطرة الناس، ولكن بهذا الفرض يبطل الثواب والعقاب، ولانعدم الانتفاع من العقل، ولما صحّ الابتلاء، ولا كان رفع للدرجات والمقام، فكان الأنبياء والرسل هم رسل السماء المكلّفون بدعوة الناس الى توحيده والعمل بشرعه المقدّس، وبهذه المهام والوسيلة تكون الحجّة على العقل البشري ويتحقّق اللطف الإلهيّ بالخلق.
ولهذه الدعوة أساليب متنوعةٌ لا تقف عند حدٍّ معيّن، وقلَّما تكون منفصلةً عن بعضها، وإنّما مناطها ما يبلغ تأثيره في الشخص المدعو، ومراعاة حالته النفسيّة والعقلية، ولهذه الأساليب ثمارٌ تتحقّق في نفس المدعو وسلوكه، ويبلغ أثرها في الدنيا والآخرة.
سبب اختيار موضوع البحث: الفقر الروحي للفرد، والانحراف السلوكي للمجتمع يفرض على الباحث الإسهام في التذكير بهذا الموضوع الخطر، والعودة بالفرد والمجتمع إلى الأصل الشافي، والينبوع الصافي المنسجم مع الفطرة السليمة، وعودة الخَلْق إلى الخالق، فهذا البحث خطوةٌ من خطوات التكليف الشرعي اتّجاه الدين الحنيف، والسبب الآخر كذلك أنّ ما طالعه الباحث من موضوعاتٍ بحثيةٍ ذات صلةٍ لم تكن ملمةً بالقدر المرجو من حيث الأساليب والنتائج (الثمار)، إذ كانت معنيةً بالجانب الفقهي، وعليه كان حافزًا للعزم – بعد التوكل على الله سبحانه - بمشروع هذا البحث إبراءً للذمة ومعذرةً إلى الله سبحانه، إذ لم تنتشر المنكرات في مجتمعنا في يوم وليلة؛ ولكن انتشرت لأنّ واحدًا فعل، وآخر سكت، وهما شريكان في الإثم، ولا ينجو إلّا من نهى عن المنكر، وأمر بالمعروف.
أهميّة البحث: تكمن أهمية البحث في:
الدعوة إلى الله سبحانه برؤيةٍ قرآنيةٍ على وفق منهجيّةٍ أكاديميّة.
أنّ معرفة أساليب الدعوة ونتائجها تجعل دعوة الداعي (الخطباء والمبلغين) تسير بثباتٍ وثقة.
حاجة الناس إلى تبسيط الخطاب الدعويّ التبليغيّ في عصر التكنولوجيا.
أنّ التأكيد على الأصل الأصيل (الكتاب العزيز وسُنّة المعصوم (عليه السلام)) في الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ) يسهم بشكلٍ كبيرٍ في الحدّ من كثرة الغلو والتطرّف والشطط.
أهداف البحث: للبحث أهدافٌ عديدةٌ تكمن أهمها في:
إثبات أنّ القرآن الكريم أصلٌ لا يمكن أنْ يتخطّاه الداعي (المبلغ أو الخطيب) في رسالته الدعويّة.
بيان أنّ الحكمة في الدعوة إلى الله (عزَّ وجلَّ) أمرٌ في غاية الأهميّة، وأنّ كلّ مسلمٍ معنيٌّ في تبليغ رسالة الإسلام إلى الناس.
أثبات أنّ الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ) أمرٌ ميسورٌ لكلّ مسلمٍ، ولا تحدّد مهامها بأفرادٍ دون غيرهم، وهي متاحة لكلّ إنسانٍ مسلمٍ، ولكن بحسب قدره المعرفيّ والوجدانيّ الإيماني.
توطئة
وقبل الولوج إلى مطلبي البحث نرى من الضرورة بمكان تعريف الدعوة والأساليب والثمار في الاصطلاح وعلى النحو الآتي:
أولًا: تعريف الدعوة: ولها عدّة تعريفات نذكر منها: هي «برنامجٌ كاملٌ يضمّ في أضوائه جميع المعارف التي يحتاج إليها الناس ليبصروا الغاية من محياهم، وليستكشفوا معالم الطريق التي تجمعهم راشدين»[1]، وعُرّفت بأنّها: «العلم الذي تُعرف به كافة المحاولات الفنيّة المتعدّدة الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام ممّا حوى عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا»[2]، إذن مدار التعريف الاصطلاحي للدعوة يدور حول دعوة الناس بالقول والعمل إلى دين الإسلام، والتزام منهجه، وإعتناق عقيدته، وتطبيق شريعته.
ثانيًا: تعريف أساليب الدعوة، فقد عُرفت بأنّها: «الطرق التي يسلكها الداعي في دعوته»[3]، ونستطيع القول: إنّها الكيفيّات التطبيقيّة لمناهج الدعوة الإسلاميّة التي يتمثّلها الداعي (الخطيب أو المبلغ) في أدائه الرسالي.
ثالثًا: تعريف نتائج (ثمار) الإيمان: هي «تحقيق مصالح العباد، ودرء المفاسد والأضرار عنهم في العاجل والآجل، وبهذا كلّه تتحقّق لهم السعادة الحقّة في حياتهم هنا، وحياتهم هناك»[4]، فهي بهذا المعنى غاياتٌ أرادها الدين الحنيف ناجمة عن الالتزام العَقَديّ القلبي، المتمظهرة في سلوك المسلم بأنْ تكون أقواله وأفعاله منبثقةً من إرشادها وهديها، في كلّ جزئيات حياته اليومية ومعاملاته الاجتماعيّة.
المطلب الأول: أساليب الدعوة إلى الله سبحانه
لغرض لفت الأنظار إلى هذه العقيدة والدعوة للحوار والمقارنة مع العقائد الأخرى فإنّه من الطبيعي أنْ تكون الدعوة إلى العقيدة واجبًا شرعيًّا وتكليفيًّا؛ وذلك أنّ الدعوة «حياة كلّ فردٍ وجماعة، وعماد كلّ أمةٍ، ولازمة من لوازمها، ولو كان الحق يقوم بذاته، والأمم تنشأ من تلقاء أنفسها، والمذاهب والنحل تنتصر لمجرد الأماني والأحلام، لما فُرِضت علينا الدعوة إلى الحق، ولما كان هناك من حاجةٍ إلى الأنبياء والمرسلين في كلّ أمة، وقد كان ذلك من رحمة الله بهم»[5].
فدلّ على ذلك القرآن الكريم إذ قال سبحانه:(وَإِنْ مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) [6]، وقال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أدْعُو إلَى الله عَلَى بَصِيرَة أنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)[7]، وقال تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا) [8]، وقال تعالى:(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [9]، وقال تعالى: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [10].
وفي الآية الكريمة الأخيرة إشارةٌ واضحةٌ إلى التزام طريق الدعوة إلى الله (عزَّ وجلَّ) مهما كانت الصعوبات التي تواجه الداعي فيه، فبهذا «الأسلوب يأمر الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يقف راسخ القدم عند نزول الآيات ولا يتردّد في الأمر، وأنْ يزيل الموانع من قارعة الطريق مهما بلغت، ولَيَسرْ نحو هدفه مطمئنًا، فإنّ الله حاميه ومعه أبدا»[11].
ولا غرو «أنّ المقررات الشرعيّة في الدلالات القرآنيّة أنّ كلّ مسلمٍ مُكلّفٌ بالإعلام عن دينه، ومسؤولٌ عن تبليغ رسالته، كما أنّ روح الحقّ في قلب المؤمن لا تستقرّ حتى تتجلّى في الفكر والقول والإيمان الذي يصدّقه العمل، وهي لا تقنع حتى تؤدّي رسالتها إلى كلّ نفسٍ إنسانيّة»[12]، ولما كانت الأساليب متوافقةً مع الهدف فإنّ للدعوة إلى العقيدة أساليب خاصّة نوجزها في الآتي:
1- أسلوب الموعظة: ينبغي تنمية العقيدة وترسيخها بالموعظة والتذكرة، امتثالًا لقوله تعالى: (وَذَكِّرْ فَإنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ)[13]، ثم قال تعالى موضّحًا أهميّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّة اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ) [14]، وقوله تعالى:(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى)[15]، فالإنسان المؤمن برسالة السماء يدعو إلى الله (عزَّ وجلَّ) حين تتوفّر الشروط والظروف المناسبة لتحقيق الغاية العظمى من أصل الوجود الإنساني في الأرض، ومن ذلك أنّ الله سبحانه وعد نبيّه الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) بـ«إقراء الوحي بحيث لا ينسى، وتيسيره لليسرى، وهي الشرائط الضروريّة التي يتوقف عليها نجاح الدعوة الدينية»[16] لتصل إلى أقصى مدياتها، وتأسيس لغيره من الدعاة والمبلّغين على مرِّ الأجيال والعصور.
وللموعظة أثرها المهمّ في تربية العقيدة في نفس المسلم أيضًا، وذلك من خلال موعظة الآباء لأبنائهم، والمعلّمين لطلابهم، وموعظة علماء الدين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وكلّ المربّين في مواقعهم التربوية لمن يربّون، سواء كانت الموعظة للمسلمين من أجل التمسك بعقيدتهم وترسيخها لديهم، أم كانت دعوةً لغير المسلمين لمعرفة هذه العقيدة على حقيقتها والأخذ بها، على «أنّ الأهم من هذا كلّه أنْ يكون الواعظ متّعظًا بما يقول عاملًا به، فأقبح العظات عظة الواعظ غير المتّعظ»[17].
2- الفصاحة والبيان: إذ إنّ عَيَّ الفصاحة، وتلعثم البيان (الفهاهة) يمثّلان عائقًا تواصليًّا كبيرًا، ومن لا يُبين يصعب أنْ يُفهِم خطابُ ربّ العالمين إلى الآخرين، ومن ذلك نلحظ أنّ القرآن الكريم يقصّ علينا حال النبيّ موسى (عليه السلام) وكيف استعان بأخيه النبيّ هارون (عليه السلام) لما رأى ما فيه من الفصاحة في الكلمة والإبانة للمعنى، فقال (عليه السلام): (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) [18]، فكانت الكلمة سلطانًا وحجةً قويّةً على الخَلق، ومن كان مبينًا قد يكسب المعارك ولو كان ظالمًا، فكيف إذا اجتمع قصد العدل والخير والجمال مع فصاحة اللسان، حينئذٍ تكون القضيةُ عادلةً، والمحامي أمينًا.
ومن ذلك ما نلحظه فيما قصّه القرآن الكريم أيضًا عن فصاحة ابنة النبيّ شعيب (عليه السلام)، حين قالت: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) [19]، فاستعملت المؤكّد ونسبت الدعوة إلى أبيها، وبيّنت مقصد الرسالة وسرّها، وذلك في كلماتٍ قليلةٍ توحي ببراعة الإيجاز، وعليه أنْ يكون الداعي إلى الله تعالى متمثّلًا بأسلوبٍ بليغٍ ولسانٍ مُفْهِمٍ وطريقة عرضٍ تنسجم مع حال المتلقّي، ومتفقة مع عظمة الداعي إليه (عزَّ وجلَّ).
3- أسلوب القدوة الحسنة:
وهو أسلوبٌ فعّالٌ؛ إذ يُقدم أنموذجًا حيًّا واقعيًّا عن النظرية المُراد إعمامها على واقع الناس؛ ولذلك قدم لنا الله سبحانه ــ مع هَدْي القرآن الكريم وتعاليمه ــ أنموذجًا تطبيقيًّا تمثّل بالنبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان أنْ حثَّ سبحانه على الاقتداء به (صلى الله عليه وآله وسلم) بوصفه القدوة الحسنة، فقال (عزّ وجلّ): (لَـقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو الله وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيرًا ) [20]، فقد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) القدوة الحسنة في التمسّك بعقيدته، والدعوة إليها والدفاع عنها.
وقد حذّر سبحانه من أنْ يأمر الإنسان بما لا يعمل، حتى لا يكون كاذبًا ومنافقًا، ومن ثم يكون قدوةً سيئة، إذ قال سبحانه: (كَـبُـرَ مَـقْتًا عِنْدَ اللّهِ أنْ تَـقُولُوا مَا لا تَـفْعَلُونَ) [21]، وتوضيح ذلك أنّ الإنسان الذي يقول شيئًا لم يقرر إنجازه منذ البداية هو على شعبة من النفاق، أمّا إذا قرّر القيام بعمل ما، ولكنّه ندم فيما بعد فهذا دليلٌ ضعف الإرادة[22].
ونقرأ في رسالة الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر أنّه قال: «وإيّاك والمنَّ على رعيتك بإحسانك، أو التزيّد فيما كان من فعلك، أو أنْ تَعِدهم، فتتبع موعدَك بخلفك؛ فإنّ المنَّ يُبطل الإحسان، والتزيّد يذهب بنور الحقّ، والخلف يوجب المقت عند الله والناس» [23].
وفي موضوعٍ متّصلٍ قال تعالى: (ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ) [24]، فلا شك في أنّه يستفاد من هذه الآية الكريمة أنّ هذه الأمور الثلاثة: الحكمة والموعظة والمجادلة هي من طرق التكليم والمفاوضة، فقد أمر الله سبحانه بالدعوة بأحد هذه الأمور فهي من انحاء الدعوة وطرقها الموصلة إلى الباري (عزّ وجلّ)، وإنْ كان التأمّل في مصطلح (الجدال) لا يعدّ دعوةً بمعناها الأخص.
وقد فسّرت الحكمة بأصالة الحقّ بالعلم والعقل[25]، وأمّا الموعظة بأنّها التذكير بالخير فيما يرقُّ له قلب المتلقّي من حيث الزجر المقرون بالتخويف[26]، والجدال هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة[27].
والتأمّل في هذه المعاني يعطي أنّ المراد بالحكمة ــ والله أعلم ــ الحجة التي تنتج الحقّ الذي لا مرية فيه ولا وهن ولا إبهام، والموعظة هو البيان الذي تلين به النفس ويرقّ له القلب لما فيه من صلاح حال السامع من العبر وجميل الثناء، ومحمود الأثر ونحو ذلك.
والجدال هو الحجة التي تستعمل لفتل الخصم عمّا يصرّ عليه وينازع فيه من غير أنْ يريد به ظهور الحقّ بالمؤاخذة عليه من طريق ما يتسلمه هو والناس، أو يتسلمه هو وحده في قوله أو حجته[28].
ويبدو للباحث إنّما تفاوتت طرق الدعوة في الآية الكريمة بهذه المعاني (الحكمة، الموعظة، المجادلة) لتفاوت مراتب الناس واختلاف وعيهم، فمنهم خواصّ وهم أصحاب نفوسٍ قوية الاستعداد لإدراك المعاني، وقوية الانجذاب إلى المبادئ السامية، ومائلةٍ إلى تحصيل اليقين. وهؤلاء يُدعون بأسلوب الحكمة بالمعنى السابق.
ومن الناس العوام: وهم أصحاب نفوسٍ ضعيفة الاستعداد لتلقّي الحكمة، شديدة الأُلفة بالمحسوسات والعادات، قاصرة عن درجة بلوغ البرهان، لكن لا عناد عندهم. وهؤلاء يدعون بأسلوب الموعظة الحسنة لما فيه من فاعلية وجدانيّة بالمعنى المتقدّم.
ومن الناس فئةٌ همهم العناد والجدال بالباطل ليدحضوا به الحقّ؛ لما غلب على كلّ واحدٍ منهم «تقليد الأسلاف، ورسخ فيه من العقائد الباطلة، فصار بحيث لا تنفعه المواعظ والعبر؛ بل لا بدّ من إلقامه الحجر بأحسن طرق الجدل؛ لتلين عريكته، وتزول شكيمته. وهؤلاء الذين أُمِرَ (صلى الله عليه وآله وسلم) بجدالهم بالتي هي أحسن»[29]، إذ عبّر عنه النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «أمرنا أنْ نكلّم الناس على قدر عقولهم» [30].
لذا على الداعي (الخطيب والمبلغ) أنْ يجتهد في أنْ يجعل من سلوكه قدوةً للمدعوين والسامعين، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «كونوا دعاة الناس بأعمالكم، ولا تكونوا دعاةً بألسنتكم» [31]، وغالبًا ما ينتهي هذا الأسلوب بالممارسة العملية للحياة، والدروس العملية للفضيلة والقيم النبيلة والأحكام الشرعية، فيعتمد فيما بعد المتلقين على أنفسهم، ويستفيدون من تجاربهم.
ويمكن القول: إنّ إسلوب الدعوة بالقدوة أبلغ تأثيرًا وأكثر ترسيخًا للقيم السماوية من الدعوة بالمقال، فلسان الحال في الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ) أبلغ من لسان المقال.
4- أسلوب الممارسة العمليّة:
يقوم الإنسان بنفسه أو مع من يربّيهم بنشاطٍ عمليّ يتابع من خلاله – مثلًا – نمو نباتاتٍ متنوعةٍ مزروعةٍ في حفرةٍ واحدةٍ حتى تثمر ثمارها المختلفة، ويتذكر قول الحقّ تبارك وتعالى: (أأنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [32]، أو يتابع دورة حياة مجموعةٍ من الكائنات الحيّة، ويتدبّر قول الخالق سبحانه:(أأنْتُمْ تَخْلُـقُونَهُ أمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ) [33]، فيجد الجواب من خلال المشاهد العملية في قوله تعالى: (إنَّ رَبَّكَ هُوَ الخَلاقُ العَلِيمُ) [34]، وليستنتج من ذلك كلّه ما يؤكّد عقيدته واعتقاده في عظيم الخالق ووحدانيته في هذا الكون العظيم.
ولذلك فإنّ أقوى دليلٍ على وجود الإله هو هذا الكون، وما علمناه من حقائق هذا الكون يدعونا إلى الإيمان بأنّ له إلهًا واحًاد، وهذا النظام العجيب الذي اشتمل عليه بأسراره الدقيقة لا يمكن تفسيره إلّا بأنّه قد خلقه إلهٌ واحدٌ، لا حدود له وجودًا وصفاتٍ، وليس قوّة عمياء، وفي هذا الكون تنظيماتٌ لا نهاية لها تدلّ على وجود الخالق، ووجود الإنسان على ظهر الأرض، والمظاهر الفاخرة لذكائه إنّما هو جزءٌ من برنامج ينفذه مبدع الكون[35].
يقول الدكتور (مارين ستالني كو نجدن) (ت: 2006م)، وهو عضو الجمعية الأمريكية الطبيعية: «إنّ جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه ويدلّ على قدرته وعظمته، وعندما نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر هذا الكون ودراستها باستخدام الطريقة الاستدلالية فإنّنا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار آيات الله وعظمته»[36].
5- أسلوب الترغيب والترهيب أو الثواب والعقاب:
الترغيب: وعدٌ يصاحبه تحبيب الإنسان وتشويقه لإنجاز عمل ما، يجني من ورائه مصلحةً وخيرًا. أمّا الترهيب: فهو وعيد الإنسان بالعقوبة، وتحذيره من الأعمال المحظورة.
ومن خلال هذا الأسلوب يُحصن الإنسان من الوقوع في كلّ ما فيه إشراكٌ بالله تعالى، وعن كلّ ما يضعف العقيدة، كالسحر والشعوذة وما شابه ذلك، وما أكثر الآيات التي تقول بذلك، كقوله تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ فَإمَّا يَأتِيَـنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أعْمَى) [37].
وقد ربط الإسلام الترغيب والترهيب كأسلوبٍ مزدوجٍ مع هدفه الدعوي السامي وهو إيجاد الإنسان الصالح المصلح بما يحقّق رضا الله (عزَّ وجلَّ)، وآيات القرآن الكريم حافلةٌ بهذا الأسلوب منه قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [38]، فنلحظ المنهج الدعوي القرآني يُبين في هاتين الآيتين حقيقة الثواب والعقاب في نفس المؤمن، أمام أيّ تشريعٍ يريد تنفيذه، أو أيّ مفهومٍ يريد تأكيده؛ لأنّ الإحساس بالجزاء على العمل، ثوابًا أو عقابًا، يعمّق الانضباط في خطّ العمل الدعوي، وتعديل السلوك والاتجاه نحو الله (عزّ وجلّ).
ونظرًا لأهمية هذا الأسلوب في الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ)، فقد أُفردت له مؤلفات كثيرة تشرح بيان الترغيب والترهيب وأثره في الدعوة إلى العقيدة[39].
6- أسلوب الحوار والمناقشة:
يجب على الإنسان أنْ يتحاور مع أهل الذكر والعلم والمعرفة ويناقشهم في المسائل العَقَدية، بما يقوي عقيدته، امتثالًا لقوله تعالى: (وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلا رِجَالا نُوحِي إلَيْهِمْ فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) [40]، أو يحاور الإنسان غيره ويعلمهم متى كان أهلًا لذلك، ممّا يرسخ عقائدهم ويقويها، ولا يكتم ذلك عنهم، لقوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أنزَلْنَا مِنْ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَـيَّـنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ اُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ) [41]، وهذا الأسلوب يُستفاد منه عند تناول الأدلّة العقليّة على وحدانيّة الخالق، والأدلّة العقليّة على صدق الرسالة المحمديّة، وغيره ممّا ورد من أدلةٍ عقليّةٍ على بقية أركان العقيدة[42]، فالحوار طريقٌ للفكر والعقيدة والعمل.
7- أسلوب التأمّل الفكري:
ينبغي أنْ يتأمّل الإنسان ويتدبّر في كتاب الله المقروء (القرآن الكريم)، وفي كتابه المفتوح (الكون)، ليقوّي إيمانه بالله سبحانه، وتترسخ لديه العقيدة الصحيحة، إذ كلّ أمور العقيدة بها حاجة إلى التدبّر والتفكير ليصل صاحبها إلى درجة اليقين.
وما أكثر ما طالب المولى سبحانه وتعالى بالتدبّر في كتابه المقروء فقال: (أفَلا يَتَدَبَّـرُونَ القُرْآنَ أمْ عَلَى قُلُوب أقْفَالُهَا) [43]، وطالب بالسير في أرضه والتدبّر في كتابه المفتوح في كونه الفسيح، فقال سبحانه: (قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ ثُمَّ اللّهُ يُـنشِئُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ إنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)[44]، ولا غرو أنّ نلتمس التأمّل الفكري بين كلا الكتابين (القرآن – الكون)، وعليه نلحظ أنّ كلّ مَنْ يحاول أنْ يصطنع معركةً بين الإسلام وبين العقل هو واهمٌ من دون شكّ، وأنّه يعيش بعقلية قرون التخلّف، وعهود الانحطاط حيث استخدم العقل بمعنى سلبيّ مضادِّ للدين، فقد ظنّ هؤلاء المدّعون أنّ العقل يمثل النواحي التاريخيّة والعلميّة في مواجهة الألوهية[45].
نعم؛ فالقرآن الكريم معينٌ لا ينضب، ومرشدٌ لا يضل، وهادٍ لا يزيغ، وإنّ «لكلّ عصرٍ حصة من المعاني المتعدّدة المخبوءة في النصّ القرآني الثابت في ألفاظه ومبانيه، المتعدّد في مضامينه ومعانيه، ما زال قد صمم بالأصل لإرشاد جميع البشر مهما اختلفت بيئاتهم وعقلياتهم وحضارتهم وتقنياتهم ونوع مشكلاتهم الفردية والاجتماعية، العقلية والتجريبية»[46]، ولعل مثالنا في كتاب الكون هو قوله تعالى: (إنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أنْ تَزُولا) [47]، الذي قد يفهم منه قانون الجاذبية، وسرّ هذا القانون عجيبٌ ومحيّرٌ وغير مفهوم، ويدعو إلى التأمّل والتفكّر، فهذا (نيوتن) يقول لنفسه: «إنّه لأمرٌ غير مفهومٍ أنْ نجد مادةً لا حياة فيها ولا إحساس، وهي تشدّ ــ أي تجذب ــ مادةً أُخرى دون أيّ رباطٍ بينهما»[48].
8- أسلوب الفائدة من تجارب الأمم:
في قصص القرآن الكريم تجارب الأولين أفرادًا وأممًا التي ترشد إلى سُنن الله سبحانه في معاملة خلقه الصالحين والمفسدين، ففي قصص الأنبياء والصالحين مؤازرة المولى لهم ونصرته لهم وتزيين للإيمان في القلوب ودعوة لمحبته، وفي قصص العُصاة والمشركين كفرعون وقومه، وقوم صالح، وقوم عاد وثمود، وقوم لوط، عبرة لمن يعتبر بالنتائج، فتجارب الأمم تعطي للمبلغ والخطيب الداعية «خبرة وتجربة من تاريخ السابقين وحوادث الأولين، حتى تكون عنده حصانة ومنعه، فلا تجؤه شاردة، أو خاطرة، أو مذهب، أو نحلة شيطانية أو إنسانية»[49]، وقد قال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألْبَابِ.. ) [50]، نعم؛ فلا «نظنّ بأنّ أحدًا لا يريد التطلّع الى تجارب الآخرين، فالفائدة متحقّقة، وما على العاقل إلّا أنْ يعتبر ويتزوّد في رحلته الى الله (عزّ وجلّ)، ويزيده القصص ثباتًا في طريقه ودعوته»[51] الى الله (عزَّ وجلَّ).
وقال سبحانه حاثًا على قصّ قصص الأولين لعل السامعين يعتبرون: (فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[52]، فهذا أمرٌ إلهيّ قرآنيّ بأن تكون الدعوة إلى الله (عزَّ وجلَّ) بذكر قدرته وجبروته في الأمم الخالية، ففي ذلك عبرةٌ للناس وردعٌ عن التكذيب بوجود الخالق سبحانه، أو مخالفة سننه[53].
والمتأمّل في القصص التي أوردها القرآن الكريم إنّما يراها جاءت للدعوة إلى العقيدة الصحيحة، وتصحيح العقائد الفاسدة، والتحذير منها. ولا يخفى ما للأدلّة النقليّة المبيّنة للعقيدة وركائزها من أثر.
9- أسلوب الاعتبار بالأمثلة:
لقد ساق القرآن الكريم كثيرًا من الأمثلة التي يمكن لكلّ متدبرٍ في آيات الله سبحانه وفسيح كونه أنْ يراها ويستشهد بها مدلّلًا وحاثًّا على تصحيح العقيدة وتنميتها، وقد كانت محلّ رعاية المعصوم (عليه السلام) في أعماله كأسلوب إلى الدعوة إلى الله (عزَّ وجلَّ)، فنطالع على سبيل المثال قول الإمام محمد الباقر (عليه السلام) لأخيه زيد بن علي: «هل تعرف يا أخي من نفسك شيئًا ممّا نسبتها إليه فتجيء عليه بشاهدٍ من كتاب الله، أو حجةٍ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو تضرب به مثلًا، فإنّ الله (عزَّ وجلَّ) أحلَّ حلالًا وحرّم حرامًا، وفرض فرائض وضرب أمثالًا وسنَّ سننًا» [54].
ونظرًا لأهمية أسلوب المثل في الدعوة إلى الله (عزَّ وجلَّ) كان محلّ اهتمام القرآن الكريم في آياته الكريمة، فقد كانت أقسامه الثلاثة حاضرةً فيه وهي الأمثال الصريحة، والأمثال الكامنة، والأمثال المرسلة[55].
إذ أكّد القرآن الكريم على أنّ الغاية من ذكر الأمثال التذكير وترسيخ الدعوة إليه، قال سبحانه: (وَلَـقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَل لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[56]، إذ «تم فيه شرح قصص الطغاة والمتمردين الرهيبة، وعواقب الذنوب الوخيمة، ونصائح ومواعظ، وأسرار الخلق ونظامه، وأحكام وقوانين متينة»[57]، كلها تذكّر بعظمة الله (عزَّ وجلَّ)، وتدعو الإنسان إلى توحيده وعبادته.
ومن هذه الأمثلة التي تحدّى بها الله سبحانه المشركين وفاسدي العقيدة كانت في قوله تعالى: (يَا أيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إنَّ اللّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [58]، والمعنى أنّه لو «فرض أنّ آلهتهم شاؤوا أنْ يخلقوا ذبابًا، وهو أضعف الحيوانات عندهم لم يقدروا عليه أبدًا، وإنْ يسلبهم الذباب شيئًا ممّا عليهم لا يستنقذوه بالانتزاع منه. فهذا الوصف يمثّل حال آلهتهم من دون الله في قدرتهم على الايجاد وعلى تدبير الأمر حيث لا يقدرون على خلق ذباب، وعلى تدبير أهون الأمور وهو استرداد ما أخذه الذباب منهم وأضرهم بذلك، وكيف يستحقّ الدعوة والعبادة من كان هذا شأنه؟»[59].
10- أسلوب تفسير الأحداث ضمن منظورٍ عقَدِي:
لقد نزل القرآن الكريم منجّمًا بحسب المواقف والأحداث التي اتّخذ منها نقطة الانطلاق في الدعوة بحسب مجريات الحياة ونبراسًا للمسلمين على مدى الزمان، فعلى الداعية الحاذق أنْ يستغل الأحداث الجارية – اليومية والموسمية- كتعاقب الليل والنهار، والشمس والقمر، والصيف والشتاء، ويربط هذا التعاقب بالحكمة من وجوده في الحياة، ثم يستثير الفطرة النظيفة، والعقل السليم لدى المدعو، للوصول به إلى العقيدة الصحيحة في قدرة الخالق وتفرده بصنعته وعلمه بما يصلح للحياة: (ألا يَـعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) [60]، كما يستغل الداعية ما يراه من سهامٍ موجّهةٍ ضد الإسلام والمسلمين، وما يراه أو يسمعه من سبٍّ للدين في الشوارع والأسواق، أو سبٍّ للزمن أو الدهر، (القضاء والقدر)، والله سبحانه يقول في حديثه القدسي: «يؤذيني ابن آدم بسبّ الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار» [61].
ويتضح هنا أنّ الدهر لفظ ليس إلّا، فإنّ الله سبحانه هو مدبّر هذا العالم ومديره، فإنّكم إنْ أسأتم القول بحق مدبّر هذا العالم ومديره، فقد أسأتم بحقّ الله (عزَّ وجلَّ) من حيث لا تشعرون.
وهكذا تكون الاعتداءات الباطلة عبر وسائل الإعلام الغربية ضدّ العقيدة الإسلاميّة من غير الالتفات إلى هذه المعاني.
ومنه أنّ الدعوة إلى الله سبحانه باستثمار الأحداث الكونية وبيان رجوعها وتسخيرها من لدن الباري (عزَّ وجلَّ)، فعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تسبوا الرياح فإنّها مأمورة، ولا تسبّوا الجبال ولا الساعات ولا الأيام ولا الليالي؛ فتأثموا وترجع عليكم» [62].
وفي شرح هذا الحديث الشريف وما فيه من معاني الدعوة إلى الله (عزَّ وجلَّ) يقول العلاّمة المجلسي (ت:1111هـ): «الغرض النهي عن سبّ الرياح والبقاع والجبال والأيام والساعات؛ فإنّها مقهورةٌ تحت قدرة الله سبحانه، مسخرّةٌ له تعالى، لا يملكون تأخّرًا عمّا قدّمهم إليه، ولا تقدّمًا إلى ما أخّرهم عنه، فسبّهم سبٌّ لمن لا يستحقّه، ولعنُ من لا يستحقّ اللعن يوجب رجوع اللعنة على اللاعن، بل هو مظنّة الكفر والشرك لولا غفلتهم عمّا يؤول إليه، كما ورد في الخبر: لا تسبّوا الدهر فإنّه هو الله، أي فاعل الأفعال التي تنسبونها إلى الدهر وتسبّونه بسببها هو الله تعالى»[63].
11- أسلوب الترويح:
يمكن للداعية (الخطيب والمبلغ) أنْ يستخدم أكثر من أسلوبٍ من الأساليب السابقة في الدعوة إلى الله سبحانه، في المواقف والأنشطة الترويحية، كأن يتحين الفرص، ويستثمر المواقف والأحداث التي ينمي بها العقيدة في أثناء القيام برحلةٍ ترفيهيّة، أو تخيّر الجمل والعبارات التي تعالج بها المواقف العَقَديّة في مسرحيّةٍ مدرسيّةٍ مثلًا، أو يعلّق على الأحداث والمواقف المقدّمة في المسرحيّات والمسلسلات والبرامج التلفزيونيّة، بما فيه التوجيه والإرشاد – ولا سيّما مع الصغار – لضمان سلامة العقيدة وحمايتها، أو القيام بنشاطٍ تربويّ موجّهٍ تتم به الدعوة إلى التمسّك بالعقيدة الصحيحة والدفاع عنها، إذ «لا معنى لاستقلال الثقافة والآداب والفن عن العقيدة، فالعقيدة الإسلامية في المنطلق، وهي التي تحدّد للمثقف والفنان والأديب أهدافهم المراد تحقيقها من الإنسان الخليفة»[64].
ولعلّ مثالنا القرآني ما نلحظه في موقف النبيّ يوسف (عليه السلام) حين استغل طلب رفاق سجنه في تأويل أحلامهم فقال لهم: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)[65]، فهنا النبيّ يوسف (عليه السلام) يعطيهم محاضرةً عقَدِيّةً مفادها الدعوة إلى الله (عزَّ وجلَّ)، ويوضح لهما بطريقةٍ مقارنةٍ بسيطةٍ فيما يملكه هؤلاء الأرباب الذين تعبدونهم من الله من الصفات التي لا بدّ أنْ يتميّز الإله بها، ليستحقّ العبادة من خلقه، من قدرة على الخلق وإعطائهم لنعمة الحياة، ومنحهم لما ييسر لهم سبل الحياة، ويمهد لهم سبل الرحمة فيها؟!
المطلب الثاني: آثار (ثمار) الإيمان بالله (عزَّ وجلَّ)
مَثَل الإيمان في القلب كمَثَل شجرةٍ طيبةٍ كّلما رسخت جذورها وتفرّعت أغصانها آتت ثمراتها الطيبة اليانعة النافعة، وبطبيعة الحال فهذه الثمار ليست على مستوى واحدٍ وكمية واحدةٍ عند كلّ الأفراد، وإنّما تختلف من فردٍ إلى آخر، فالناس ليس كلّهم على مستوى واحدٍ في الفهم، وفي ذلك قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «إنّ هذه القلوب أوعيةٌ، فخيرها أوعاها» [66].
وعليه تختلف مستويات ما تتركه فيهم الحالة الإيمانية بالله (عزَّ وجلَّ) من آثارٍ وثمار، وفي ذلك يقول الشيخ مهدي شمس الدين: «يتفاوت الناس فيما تتركه فيهم عقائدهم من آثار، وتتفاوت نظراتهم إلى الحياة والأحياء بتفاوت ما تتركه فيهم تلك الآثار من الانطباعات والأفكار»[67].
نعم؛ إنّ المُسلّم به «أنّ العقيدة مهما كان خطّها الفكري – ماديًّا أو روحيًّا - تترك آثارها على الفرد والمجتمع، أو تخلق أجواء معينةً تؤثّر على سلوكيةّ الفرد، وسلوكيّة المجتمع كذلك»[68].
إنّ أهمّ وأبلغ مقصدٍ لثمار الإيمان بالله (عزَّ وجلَّ) هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهذا مقصد وقفنا عليه في المفهوم، وفي قوله تعالى كذلك: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)[69]، فلا حياة في الظلمات، ولا حياة في العماية والضلالات والجهالات؛ ولذلك كانت الدعوة وسيلة هذا المقصد العظيم؛ وما أشرف الوسم الذي وسم به المولى سبحانه نبيّه الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) والدالّ على هذا المقصد العظيم، إذ قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [70]؛ والسراج مضيء للظلمة، منير لما حوله، وهو تعبيرٌ مجازيّ عن التحوّل الكبير الذي يحصل للمدعو بعد أنْ تُخالط قلبَه بشاشةُ الإيمان.
ولمّا كانت العقيدة الإسلامية تعنى بالجانب المادي كعنايتها بالجانب الروحي[71]، عند كلٍّ من الفرد والمجتمع؛ لذا نبيّن بحسب المستطاع مقصد العقيدة في كلا الجانبين (الفرد والمجتمع)، وعلى النحو الآتي:
أولًا- نتائج تبنّي العقيدة على الفرد:
للعقيدة الإيمانية على مستوى الفرد نتائج (ثمار) عديدة لا سيّما على الجانب النفسي (المعنوي)، والذي تظهر آثاره في سلوك الفرد المؤمن، ومن أهم نتائج العقيدة الإيمانية ما نلحظه في:
1- تحرير الإنسان من العبودية لغير الله سبحانه أو الخضوع لسواه، إذ «إنّ عقيدة التوحيد تطبع معتنقيها على حبّ الحريّة والاستقلال»[72]، وذلك أنّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) في التصوُّرِ الإيمانيِّ هو القوَّة الكبيرة المطلقة التي تسبِّب الأسبابَ، وتقدِّرُ القوانين، وتقر السنن الكونيّة؛ لذلك فإنَّ مفهوم (العبوديَّة للهِ) أقربُ إلى العقلِ من الدعوة العبثيَّة في الوجود أو طريق إلى الإفلاتِ من كلِّ القيودِ، إذ من المستحيل أنْ يفلت الإنسانُ مهما تعالت قدراته من شروطِ الوجودِ والاسباب التي لم يكن له دورٌ في خلقِها وتقديرِها، والقرآن الكريم يؤكّد هذا المعنى في قوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) [73]، فالله (عزَّ وجلَّ) هو «المتقدر المستعلي على عباده الذين هو فوقهم» لا يعجزه أحدٌ منهم[74].
فالامتثال لهكذا عقيدة عظيمة وارتباط بربٍّ عظيمٍ مطلقٍ في كلّ شيءٍ حقيقٌ أنْ يكون العبد بطاعته حرًّا من كلّ تجاذبات الدنيا ومادياتها، ومنفكًا من ربقة هوى النفس وشهواتها، وهذا هو الواضح في قول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «من قام بشرائط العبودية أهلٌ للعتق، من قصّر عن أحكام الحريّة أُعيد إلى الرق» [75].
2- بعث الطمأنينة والسكينة والثقة في النفس، ورفع الروح المعنويّة للإنسان، ودفع اليأس والقنوط عنه، والخلوص من الوساوس، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ ألا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ)[76]، يقول الشيخ الطبرسي (ت:548هـ): «هذا حثٌّ للعباد على تسكين القلب إلى ما وعد الله به من النعيم والثواب والطمأنينة إليه، فإنّ وعده سبحانه صادق، ولا شيء تطمئن النفس إليه أبلغ من الوعد الصادق»[77].
3- يقظة الضمير ومراقبة الله (عزّ وجلّ) في كلّ ما يعمله أو يقوله أو يفكر به؛ لأنّه يعلم أنّ الله لا يخفى عنه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وأنّه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، قال سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)[78]، أي: «ما يختلج في سره وقلبه وضميره، وفي هذا زجرٌ عن المعاصي التي يستخفي بها»[79]، وفي هذا المعنى يقول الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام): «عَميتْ عينٌ لا تراك، ولا تَزال عليها رقيبًا» [80]، فهذه الثمرة العقائدية لا يقف أثرها عند الشعور القلبيّ وحسب؛ وإنّما يستشعر الإنسان وجود الله سبحانه في حاضره وخلواته وإنْ لم تلحظه عيون الناس، فهو يعلم أنّ الله سبحانه شاهد عليه، وحينذاك يكون ضميره هو الرقيب المحاسب لسلوكه القولي والعملي.
4- الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، فلا يتعلّق قلب المؤمن بالدنيا من مالٍ أو ولد، ونحو ذلك، وإنّ الإيمان بالله سبحانه يجعل الفرد المسلم غير مكترثٍ بما يملك وبما هو بحاجة إليه، فيسهم بدافعٍ من إيمانه أنْ يقدّمه لأخيه المسلم الآخر، وقد وثّق القرآن الكريم هذه الثمار الإيمانية وآثارها في المجتمع المدني المتمثّل بموقف الأنصار العقائدي مع أخوانهم المهاجرين المؤمنين فقال سبحانه: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [81]، وهنا نلحظ صفات المؤمنين الذين أشربوا في نفوسهم الإيمان الحق، وغدا أثره واضحًا في أقوالهم وسلوكهم، ومنه الزهد في هذه الدنيا قبال نصرة العقيدة، فهم بـ«هذه السمات الثلاث: المحبة، وعدم الطمع، والإيثار، كانت تتشكل خصوصيّة الأنصار المتميزة»[82] بالإيمان والعقيدة الراسخة.
إنّ علامة الزهد ألّا يفرح بالموجود ولا يحزن للمفقود، وهو ما رسّخته العقيدة في نفوس معتنقيها، فقال سبحانه في تربيتهم: (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) [83].
5- الأمانة والصدق والعدل ومجانبة الخيانة والكذب والظلم، فهذه من أمهات الأخلاق التي تظهر على سلوك الفرد نتيجة التصاقه بالإيمان المطلق بالله (عزّ وجلّ)، فهذه السلوكيات هي أوامر إلهيّة لا مناص من المؤمن أنْ يتحلّى بها في يومياته، وقد أرشدت آيات القرآن الكريم إلى هذه الصفات الحميدة في مواطن عديدة منها قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) [84]، وعلّق المفسّر القرطبي على هذه الآية الكريمة بقوله: «هذه الآية من أمهات الأحكام تضمّنت جميع الدين والشرع»[85]، وفي هذا المقصد الأخلاقي نلحظ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤكّد على صلة الأمانة بالإيمان فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا إيمان لمن لا أمانة له» [86].
وفي صفة الصدق التي من ثمار الإيمان ما نلحظ التأكيد عليها في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[87]، أي «الذين يصدقون في أخبارهم، ولا يكذبون، ومعناه: كونوا على مذهبٍ من يستعمل الصدق في أقواله وأفعاله، وصاحبوهم ورافقوهم، كقولك أنا مع فلانٍ في هذه المسألة أي: أقتدي به فيها»[88].
وفي سُنّة المعصوم (عليه السلام) كان التأكيد على هذه الثمرة (الصدق) تأكيدًا فريدًا في نوعه، فكان مقدّمًا على الكلام، إذ إنّ قيمة الكلام تكمن في صدقه، وبه تكون قيمة الشخص واحترام شخصيته، فنلحظ هذا في قول الإمام محمد الباقر (عليه السلام) إذ قال: «تعلموا الصدق قبل الحديث» [89].
وفي مقصد العدل في أخلاق المؤمن بالله (عزّ وجلّ) نطالع الأمر الإلهي في قوله تعالى: (وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [90]، فهذا أمرٌ لا يقف عند حدٍّ معيّن، وإنّما هو صفةٌ شاملةٌ لجميع جزئيات حياة الإنسان، نعم؛ فالخطاب إلى النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليُعلم الناس المؤمنين بالله (عزّ وجلّ) أنْ يكون الحكم بينهم بالعدل، ويكون الانتصاف للمظلوم من الظالم، ويقتصون للضعيف من القوي، وإنْ كلّ إنسانٍ هو المسؤول عن عمله أمام الباري سبحانه، وبهذا النهج القويم والمنطلق السليم تقام الحجّة على الناس جميعًا، ولا تبقى علة لمتعللٍ في إنْ يتكاسل عن هذا الخُلق العظيم الذي لا يثمر إلّا عند من كان مؤمنًا حقا[91].
فثمرة العدل ثمرة بها تُقام الحياة ويدفع بها الظلم، وهي أساس صالح ومصلح لكلّ شيء، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله: «العدل أساس به قوام العالم» [92].
6- حُسن الخُلق في الصفح والعفو، هناك آياتٌ عديدةٌ أشارت بوضوح إلى هذا المقصد الأخلاقي الحسن عند المؤمنين، وما كانت تكون لهذه المقصد ثمار وآثار لتظهر على سلوكهم لولا وجود عقيدة الإيمان بالله (عزَّ وجلَّ)، فمن الصعب أنْ يخالف الإنسان هواه في حبّ الانتقام، ويكبت نفسه عن شهوة الغضب لولا أنّ الإيمان يضبط إيقاع نفسه، ومن الآيات التي أمرت بهذه الأخلاق الحسنة ما نلحظه في قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[93]، فبعد أنْ مكّن الله سبحانه لنبيّه الكريم على اليهود والمنحرفين لم يأمره بالانتقام، وإنّما كان التوجيه للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يعفو عنهم ويصفح ويصبر، إحسانًا منه لهم، كأسلوبٍ من أساليب احتواء الساحة بالمحبّة من أجل أنْ تتحرّك القوّة من موقع القلب المفتوح، والرحمة الواسعة، وذلك في نطاق المرحلة التي تستوجب عدم بثّ روح الشحناء والعداء بين الناس، وهذا التزامٌ أخلاقيٌّ لا يمكن أنْ يؤثّر في سلوك الفرد ما لم يكن الدافع من محض الإيمان بالله (عزّ وجلّ).
وقد أكدت سُنّة المعصوم (عليه السلام) على مقصد مكارم الأخلاق في القول والسلوك، فقال النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن حُسن الخُلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم» [94]، والمؤمن من منطلق إيمانه القلبي الراسخ تكون ظاهر أعماله خيرةً منسجمةً مع ما تكنّه نفسه من ذلك الإيمان.
7- الشجاعة والإقدام وبذل المال والنفس في سبيل الله (عزّ وجلّ)، وهذا مقصدٌ له آثار لا يُمكن أن تظهر بصورة عملية ما لم يكن الإيمان بالله (عزّ وجلّ) هو الدافع الأصيل فيها، فقد وصف القرآن الكريم المؤمنين بقوله تعالى: (إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَـنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَـرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [95]، أجل، «إنّ أول علامة للإيمان هي عدم التردّد في مسير الإسلام، والعلّامة الثانية الجهاد بالأموال، والعلّامة الثالثة التي هي أهمّ من الجميع الجهاد بالنفس. وهكذا فإنّ الإسلام يستهدف في الإنسان أجلى العلائم: ثبات القدم، وعدم الشك والتردد من جهة، والإيثار بالمال والنفس من جهة أخرى»[96].
فكيف لا يثمر الإيمان في القلب والمؤمن لا يقصر جهده عن بذل المال والروح في سبيل المحبوب؟! وعليه كان ختام الآية الكريمة بالتأكيد على أنّ: (أولئك هم الصادقون).
فثمرة الشجاعة صفةٌ لصيقةٌ بالمؤمنين بالله (عزّ وجلّ)، ولا ينالها إلّا المخلصون في إيمانهم، قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «إنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنة، فتحه الله تعالى لخاصّة أوليائه» [97].
وعليه فإنّ المعيار الذي حدّده القرآن الكريم وسُنّة المعصوم (عليه السلام) لمعرفة المؤمنين الحقيقيين وتمييزهم عن الكاذبين المدّعين الإسلام تظاهرًا هو أنْ يكون للإيمان بالله (عزّ وجلّ) أثرٌ واضحٌ جليٌّ في سلوكهم وقولهم، وأوضح ترجمة لهذا الإيمان هو أنْ تكون ثمرته ناضجةً في خلق الشجاعة والجهاد في سبيل الله (عزّ وجلّ)، فالداعية (المبلغ والخطيب وكل مسلم) أولى بالثبات والشجاعة عندما يصيبه أذى وابتلاء في مسيرته التبليغية، وعليه أنْ «يتقبله بالصبر لا بالجزع، وبالثبات لا بالفرار»[98].
8- تربية النفس وتزكيتها ثمرةٌ نافعةٌ في الدارين، لقد كان لعقيدة الإيمان الأثر الأكبر في تربية المؤمنين الأولين «فهي التي زكّت النفوس وطهّرتها من الحسد والحقد والكبر والعجب والفسق والفحش والظلم والجور والقسوة والغلظة والأثرة والأنانية»[99]، وهي ثمرةٌ فائدتها الكبرى عائدةٌ للإنسان نفسه، قال سبحانه: ﴿وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾[100]، فهذه الآية الكريمة تشير بوضوح إلى «أنّ كلّ ضرر ذلك وكلّ نفعه يعود عليكم، فأنتم الذين تسلكون مراقي الكمال في ظلّ الأعمال الصالحة، وتحلقون إلى سماء قرب الله عز وجل، كما أنكم أنتم الذين تهوون إلى الحضيض نتيجة ارتكابكم الآثام والمعاصي، فتبتعدون عن الله (عزّ وجلّ)، وتستحقون بذلك اللعنة الأبديّة»[101].
فتزكية النفس وصفائها من العلل الأخلاقية وتنظيفها من القبائح النفسية من نتائج الإيمان في نفس المؤمن، وهو بهذا يكون مجتنبًا أنْ يكون ظاهره خيرًا من باطنه، وإنّما هو يجاهد على أنْ يكون باطنه خيرًا من ظاهره، وأمّا الإنسان الفارغ من الإيمان يكون ظاهره جميلًا وباطنه سيئًا، وفي ذلك قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «ما أقبح بالإنسان باطنًا عليلًا وظاهرًا جميلًا! » [102].
9- العمل الصالح: العقيدة الإيمانية تغمر القلب والجوارح فتثمر الطاعة والفضائل وحُسن المعاملة، فالإيمان باعثٌ للمؤمن على الإكثار من الطاعة حبًا لله (عزّ وجلّ) وتقرّبًا منه، ولذلك اقترن الإيمان بالعمل الصالح في القرآن الكريم كثيرًا، ومنه ما نلحظه في قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَار ُ) [103]، فالإيمان بالله (عزّ وجلّ) دافعٌ رئيسٌ لرفع همة المؤمن في نيل القرب من الله (عزّ وجلّ) والحصول على البشرى ودخول الجنة واجتناب النار، فكان العمل الصالح قرين لا ينفكّ عن الإيمان بالله سبحانه، وبه تنال المطالب العُلا والدرجات الرفيعة[104].
وفي التأكيد على أنّ العمل الصالح من نتائج الإيمان بالله (عزّ وجلّ)، وممّا شجعت عليه العقيدة الحقّة ما نلحظه في قول الإمام محمد الباقر (عليه السلام): «إنّ العمل الصالح يذهب إلى الجنة، فيمهّد لصاحبه كما يبعث الرجل غلامه فيفرش له، ثم قرأ: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [105]» [106].
10- الثبات على الحقّ، فالمؤمن لا يخشى إلّا الله (عزّ وجلّ)، فلا يخاف وعيدًا ولا تهديدًا من المخالفين لعقيدته الحقّة، ومن هنا يأتي ثباته على الحقّ ثمرةً من ثمرات هذا الإيمان، وعدم مساومته عليه، ولو قُذف في النار، وهذا الثبات عبّر عنه القرآن الكريم في مواطن عديدةٍ في آياته منه ما نلحظه في قوله تعالى: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيمانًا وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [107]، وفي هذا الثبات الذي هو أثر من آثار الإيمان يقول العلاّمة محمد حسين الطباطبائي: «وذلك لما في طبع الانسان أنّه إذا نُهيَ عمّا يريده ويعزم عليه، فإنْ لم يحسن الظنّ بمن ينهاه كان ذلك إغراءً، فأوجب انتباه قواه واشتدت بذلك عزيمته، وكلّما أصرّ عليه بالمنع أصرّ على المضي على ما يريده ويقصده وهذا إذا كان الممنوع يرى نفسه محقًّا معذورًا في فعاله أشدّ تأثيرًا من غيره؛ ولذا كان المؤمنون كلّما لامهم في أمر الله لائمٌ أو منعهم مانعٌ زادوا قوةً في إيمانهم وشدةً في عزمهم وبأسهم. ويمكن أنْ يكون زيادة إيمانهم لتأييد أمثال هذه الأخبار ما عندهم من خبر الوحي أنّهم سيؤذون في جنب الله حتى يتم أمرهم بإذن الله، وقد وعدهم النصر، ولا يكون نصر إلّا في نزالٍ وقتال»[108].
11- حُب الله (عزّ وجلّ) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، والحُبّ في الله سبحانه في كلّ الأحوال: فالإنسان المؤمن شديد الحُبّ لله (عزّ وجلّ)، وما كان هذا الحُبّ أنْ يكون لولا الإيمان الراسخ في قلب المؤمن، وفي ذلك قال سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ) [109]، فهذا الحُبّ عند المؤمنين «لأنّهم لا يشركون أحدًا في طاعته، والثقة به، والتوكّل عليه، أمّا غير المؤمنين فيثقون بالعديد من الأنداد، ويشركونهم مع الله في الطاعة، وطلب الخير، ودفع الشر»[110]، وهذه الصفات الأخيرة من المحال أنْ تكون في قلب المؤمن، وعليه كانت ثمرة الإيمان بالله (عزّ وجلّ) الحبَّ له سبحانه خالصًا.
وفي سُنة المعصوم (عليه السلام) أنّ حُبّ النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) من شروط الإيمان، إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من نفسه، وأهلي أحبَّ إليه من أهله، وعترتي أحبَّ إليه من عترته، وذريتي أحبَّ إليه من ذريته» [111].
ثانيًا: نتائج العقيدة على مستوى المجتمع:
وعلى مستوى الجانب الاجتماعي نلاحظ أنّ هناك جملةً من نتائج (ثمار) الإيمان بالله (عزّ وجلّ) ظاهرة الآثار على السلوك العملي في الواقع الاجتماعي، والتي منها على سبيل المثال:
1- الوحدة والإخاء والحبّ: عقيدة التوحيد ذات الدور الأكبر في توحيد المؤمنين (إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ) [112]، فوحدة الربّ المعبود، ووحدة العقيدة تنمي مشاعر القربى بين المؤمنين فيستشعرون أخاءً عظيمًا يجمعهم، وعليه وحدة العقيدة تعني وحدة المجتمع في الشكل والجوهر[113].
وفي سُنّة المعصوم (عليه السلام) نطالع جملةً من أحاديثهم الشريفة في هذا المضمون، ونقتصر القول فيها على ما ورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في قوله: «المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشُّه، ولا يَعِده عدةً فيخلفه» [114]، فهذه الصفات السلوكية هي في حقيقتها نتائج الإيمان، تظهر في سلوكٍ عمليّ عند التعامل بين المؤمنين، والمتأمّل لهذه السلوكيات الاجتماعية يجدها ترسم لوحةً جميلةً لمجتمعٍ إيمانيّ نظيفٍ من مكدرات العيش وقلق التعامل، وآمنٍ من خطورة الخداع والغش، وكلّ ما يمت إلى رذائل الأخلاق.
ومن جميل ما نطالع في هذا المعنى وسمو المضمون قول الشيخ محمد رضا المظفر إذ قال - رحمه الله تعالى -: «إنّ قانون المحبّة لو ساد بين البشر ــ كما يريده الدين بتعاليم الأخوة ــ لانمحت من قاموس لغاتنا كلمة (العدل)، بمعنى إنّا لم نعد نحتاج إلى العدل وقوانينه حتى نحتاج إلى استعمال كلمته، بل كفانا قانون الحبّ لنشر الخير والسلام، والسعادة والهناء؛ لأنّ الانسان لا يحتاج إلى استعمال العدل، ولا يطلبه القانون منه إلّا إذا فقد الحبّ فيمن يجب أنْ يعدل معه، أمّا فيمن يبادله الحبّ كالولد والأخ إنّما يحسن إليه ويتنازل له عن جملةٍ من رغباته، فبدافعٍ من الحبّ والرغبة عن طيب خاطر، لا بدافع العدل والمصلحة»[115].
2- موالاة المؤمنين: فأخوة الإيمان تدعو المؤمنين إلى شدة موالاة المؤمنين، وإلى التجرد من العلائق الأخرى، فنشأة هذه الأخوة عن إرادةٍ حرّةٍ تستتبع اعتناء المرء بها، واتخاذه منها منهجًا يعبر عنها بالموالاة الفعليّة للمؤمنين، فينشط للعمل معهم ومن أجلهم، قال تعالى: (وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أوْلِيَاءُ بَعْض) [116].
وفي سُنّة المعصوم (عليه السلام) تأكيداتٌ كثيرةٌ على هذا المقصد الإيماني المعبّر عن حقيقة الإيمان الحركي على الساحة الواقعية، منه قول النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم): «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى»[117]، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا»[118]، وهذه الموالاة بطبيعة الحال مانعةٌ عن غيرها من الموالاة من العقائد الأخرى، وما ذلك إلّا تأكيدًا على أنْ لا رابط إلا رباط الإيمان الحقّ النابع من العقيدة الإسلامية، وفي هذا نهى القرآن الكريم عن موالاة غير المؤمنين من أتباع دين الإسلام، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [119].
وعليه فإنّ المجتمع الإسلامي وإنْ كان لا ينكر أنّ هناك روابط كثيرةً تربط أبناء مجتمعه، إلّا أنّ ما يميّزه عن غيره من المجتمعات الأخرى في مجال الروابط الاجتماعية أنّه «جعل الرابطة العظمى والعروة الوثقى هي العقيدة وما يفيض عنها من تشريعاتٍ وهدايات؛ لأنّها المرجعية الأولى والعليا لأبناء المجتمع الإسلامي في كلّ ما يصدر عنهم من سلوكٍ وتصرفاتٍ فكان للإيمان بالله تعالى دور ظاهر في إيجاد روابط اجتماعية، وفي تهذيب روابط أخرى كان قد أقرّها العرف من قبل»[120].
3- المساواة: الناس سواسية في مبدأ إنسانيتهم؛ لأنّهم يصدرون في الخلق من أصلٍ واحد، وهم سواسية في كونهم مخلوقين لله تعالى، فلا فضل لأحد منهم على أحدٍ من حيث جوهر وجودهم، قال تعالى: (يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً) [121]، فهذا الأدب القرآني للإنسان المؤمن في أنْ يكون تعامله مع الناس جميعًا على قدرٍ واحدٍ من المساواة الاجتماعية، وهذا السلوك هو من نتائج الإيمان بالله (عزّ وجلّ) المعبّر عنها بالتقوى، إذ «إنّ الآية تدعو إلى التقوى باعتبارها أساسًا لأي برنامجٍ إصلاحي للمجتمع، فأداء الحقوق والتقسيم العادل للثروة، وحماية الأيتام، ورعاية الحقوق العائلية، وما شابه ذلك كلّها من الأمور التي لا تتحقّق بدون التقوى»[122] التي هي نتاج الإيمان بالله سبحانه.
وفي التأكيد على المساواة الاجتماعية عند المؤمنين يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «الناس كلهم كأسنان المشط»[123]، وذلك أنّ روح التكافؤ والاستواء بين المؤمنين تظلّ مركوزةً في وجدانهم مستصحبةً في معاملاتهم سائدة في حياتهم؛ بل إنّ معايير الترجيح بين الأفراد لتقدير درجة الفضل يكون لها أثرٌ طيّبٌ في إشاعة المساواة والوئام؛ لأنّها ترمز إلى مجالات التنافس المعتبرة في المجتمع المؤمن، فإذا توجّه المؤمنون إلى التسابق فيها عظّموا قدر العلم والصلاح والتقوى، وزهدوا في المنافسات الشرسة على المال والجاه وسائر متاع الدنيا، الذي يفرّق بين الناس، ويوغر صدورهم بالحقد، ويخرّب حياتهم بالشقاق.
4- العزة: بينما يستشعر المؤمنون المساواة فيما بينهم على أصل الإيمان يرون في أنفسهم عزة إيمانية جعلتهم شريعة السماء بمقام فوق سائر الناس من لا يدينون بدين الإسلام، قال تعالى: (وَللّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لا يَـعْلَمُون َ) [124]، فلأن المؤمنين بواقع حالهم وشريعتهم يردون البشر إلى عنصرٍ واحدٍ ويسقطون تباين الأجناس والطباع واللون والأوضاع العرفية والاجتماعية فإنّهم يرون القيمة الحقيقية بمواقفهم من خيار الإيمان والكفر، فأهل الإيمان عندهم خير على الإطلاق من أهل الكفر وهذا يُورِثُ المؤمنين عزّةً واستقلالًا فلا يوالون غير المؤمنين قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ) [125] .
فالمؤمن بالله (عزّ وجلّ) ملتزمٌ بالطاعة للباري متذللٌ له وحده، وبهذا التذلل يمنع نفسه من أنْ تكون ذليلةً لغيره من البشر والمخلوقات، فإذا دخل الإيمان قلب المؤمن اعتزّ بذاته لما احتوته من الطاعة والتذلل لله (عزّ وجلّ)، وبهذا السلوك العملي الاجتماعي يُحرّم أنْ يكون المؤمن ذليلًا، قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «إنّ الله فوّض إلى المؤمن أموره كلّها، ولم يفوّض إليه أنْ يكون ذليلًا» [126]، وبحسب تتبع الباحث لا توجد عقيدةٌ تُحصّن الإنسان بهذا القدر من الهيبة والوقار وتحفظ النفس من السقوط في هاوية المهانة والتذلل، كما هو الحال في عقيدة الإيمان بالله (عزّ وجلّ) في دين الإسلام التي تُعزّ المؤمن، وتُحرّم عليه الذلة في كلّ صورها ومواقفها الاجتماعية.
ومقصد العزة والكرامة نتيجةٌ عظيمةٌ من نتائج العقيدة التي لم تجعل للمؤمن مخرجًا في أنْ يضع نفسه في مواقف الهوان والذل لأي سببٍ كان من شؤون الدنيا؛ وذلك لارتباطه بالمطلق سبحانه العزيز المتعال، والتصاقه بالكرامة الإيمانية التي شرّفه بها الله سبحانه، كما أنّ عقيدة الإسلام حرّمت على المؤمن طلب العزّة من غير مظانّها أو ما وجهت إليه فيما يُعزّ دين الله (عزّ وجلّ)، وإنّ أيّ عزٍّ وكرامةٍ من غير وجود للعقيدة الحقّة هو في حقيقته ذلٌّ باطنٌ وزوالٌ عاجل، قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «العزيز بغير الله ذليل» [127].
نعم؛ فحين يبتعد الفرد والمجتمع عن العقيدة الحقّة، وتضعف الصلة بين الإنسان والدين وتنحرف البوصلة عن رشد الثقلين (الكتاب العزيز والعترة الطاهرة)، حينذاك تتمظهر عزّةٌ وهميّةٌ غير حقيقية تكمن في العشيرة والمال والقومية والمنصب والتراث المادي وغيرها إذ «كثيرًا ما تمنع العزة غير الحقيقية أصحابها من قبول الحقّ سواء كانوا من الكفار أم من المنافقين أم من عصاة المسلمين.. فإذا دُعي الواحد منهم إلى الإيمان والتقوى أخذته هذه العزّة الوهميّة إلى خُلق العناد أثمًا وعدوانًا وتكبرًا، فيرفض الانصياع للحقّ، واستكبر عن قبول النصح»[128]، وبهذا تُجر الويلات على الجامعة الإسلامية «حتى ضعف الدين بمرور الأيام، فتلاشت قوته. ووصل إلى ما عليه اليوم، فعاد غريبًا. وأصبح المسلمون أو ما يسمون أنفسهم بالمسلمين، وما لهم من دون الله أولياء ثم لا ينصرون حتى على أضعف أعدائهم وأرذل المجترئين عليم، كاليهود الأذلاء، فضلًا عن الصليبيين الأقوياء»[129].
5- الرقي والازدهار: إنّ التمكين لهذه العقيدة هو الذي يُهذّب الحياة ويُرقّيها ويصل بها إلى المدنية الحقّة، ويبلغها ما تنشده من الخير والتقدم، وما تستهدفه من الحقّ والعدل، فينعم الفرد، وتُسعد الجماعة، وتحيا الحياة الطيبة[130]، والقرآن الكريم وعدّ المؤمنين بالله سبحانه بهذه الحياة الحضارية الهانئة فقال (عزّ وجلّ): (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أوْ اُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَـنُحْيِيَـنَّهُ حَيَاةً طَيِّـبَةً) [131].
نعم؛ في ظلال العقيدة الإسلاميّة تتوافر عناصر الارتقاء المادي والروحي، ويجد الإنسان من عناية الله (عزّ وجلّ) وولايته وكرامته ما يبلغه ذروة الكمال الذي أراده الله سبحانه له، قال تعالى: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ) [132].
يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين في هذا الأثر: «وما من عقيدةٍ دينيةٍ منزّلةٍ إلّا ورعيت فيها طبيعة الأقوام الذين قدر لهم أنْ تنشأ فيهم وتنتشر بينهم، مع ما تستتبعه هذه الطبيعة من نظم السياسة والاجتماع، وليس هذا بدعًا في العقائد والأديان، فإذا لم تراع هذه الأمور وغيرها، لم يكن من المستطاع إصلاح الفاسد، وتقويم المعوج، وبعث الحياة...»[133]، وعليه فإنّ العقيدة الدينية بهذه المراعاة لشأن الفرد والمجتمع كانت باعثًا للارتقاء الحضاري، فكان الدين بهذا معيارًا للمصلحة والمفسدة، فما «شهد له الإسلام بالصلاح فهو المصلحة وما شهد له بالفساد فهو المفسدة، والخروج عن هذا المعيار معناه اتباع الهوى، والهوى باطلٌ لا يصلح لتمييز الصلاح من الفساد»[134].
وعلى أيّ حال، إنّ كلّ هذه النتائج لا يستطيع العقل أنْ يصل إليها أو أنْ يُدركها وحده[135]، من غير أنْ تأخذ بيده عناية الله سبحانه وأديانه وكتبه، حتى ما يضرّ الإنسان أو ينفعه أو يشقيه أو يساعده هذا وذاك؛ لأنّ إدراك العقل وحده، إدراك بصعوبة شديدة ومعاناة هائلة، وكثيرًا ما يضلّ ويغلب الهوى في الحكم فيرى الخير شرًّا، والشرّ خيرًا، والنافع ضارًا، والضار نافعًا – وكثيرًا ما يكون أجهل من الفراشة التي تحوم حول النور حتى تحترق فيه – وأقرب شاهد على ذلك ما نراه بأمّ أعيننا في عصرنا الحاضر الذي توهّم أهله أنّهم وصلوا إلى أعلى درجات الحضارة والتمدّن – وهاهم يتخبطون في الظلمات، وكلّما حلّوا مشكلةً وقعوا في مشكلات – ولا نحتاج إلى معرفة ما يتخبط به العالم شرقًا وغربًا بأكثر من مطالعة سطور من جريدةٍ يوميةٍ – أو سماع نشرةٍ إخباريةٍ في المذياع أو التلفاز – ولن يزالوا كذلك؛ بل سيزدادون ظلمةً وانتكاسًا ما داموا يعتمدون على عقولهم ونظريات بشر مثلهم حتى يرجعون إلى الله (عزّ وجلّ)، وإلى دينه الحقّ وهو الإسلام[136]، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أنْفُسِهِمْ حَتَّى يَـتَـبَـيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الحَقُّ) [137].
نعم، «إن للاستقرار النفسي ثمنًا لابدّ من تحمل تبعاته ألا وهو الإيمان، فإذا كان لابدّ من الوصول إلى شاطئ السعادة والاستقرار، فلا مندوحة من اعتناق مبادئ السماء التي تشيع في أرجاء النفس هدوءًا ومحبة، وتترع الأعماق راحة وهناءً»[138]، كيف لا، وقد جاءت «قيمه قيمًا أخلاقيةً مركزيةً تربط بين المفصلين: العقدي والقانوني»[139]. ذلك كلّه متمثّلًا في عقيدة الإسلام؛ لأنّ «منشأ الإسلام وأهدافه يقضيان عليه أنْ يعنى بالجانب المادي من حياة الإنسان عنايته بالجانب الروحي على السواء»[140].
وبهذا كان دين الإسلام في عقيدته وشرعه منظومةً متكاملةً شاملةً لشؤون الإنسان (الفرد والمجتمع)، فأوضحت نتائج الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ)، ولم تهمل أساليبها المتنوعة لجني ثمارها اليانعة، والتنعم بآثارها النافعة في الحياة الدنيا الشافعة في اليوم الآخر، محذّرة في الوقت ذاته من تداعيات إهمال أساليب الدعوة عن ما أُريد لها من ثمارٍ وآثارٍ لن تقف عند حدود الحياة الدنيا، حتى يكون الحساب أشدّ وأقسى في اليوم الآخر.
الخاتمة
بعد هذه الرحلة في رحاب أساليب الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ) والنتائج الإيمانية، وجني الثمار على مستوى الفرد والمجتمع، نضع الرحال عند الخاتمة لنسجّل الآتي:
إنّ أوّل ما نُسجله أنّ الدعوة الى الإيمان بالله (عزّ وجلّ) من أشرف المهام وأعظمها، وقد تشرّف بها خير الناس طرًا الأنبياء والمرسلين، وكان سيّدهم وأشرفهم النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي أُختير لهذه المهمة العظمى، وأدّى رسالته التبليغيّة الكبرى.
إنّ الطرق الى الله (عزّ وجلّ) بعدد أنفاس الخلائق، بمعنى أنّ كلّ الوسائل الشريفة متاحةٌ في تبليغ دين سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يمكن أنْ تقف عند عددٍ معيّنٍ، أو أساليب محدّدة، وإنّما هي متطورة مع الزمان والمكان.
إنّ الداعية يتخيّر من الأساليب والوسائل الدعوية ما يتناسب مع الوضع القائم حال دعوته، وقد يستخدم أسلوبًا منفردًا معيّنًا، وقد يأتي بها جميعًا، تبعًا لمقتضى الحال، فالداعية إلى الله سبحانه طبيب القلوب والأرواح، فعليه أنْ يسلك في معالجتها الأسلوب الذي يسلكه طبيب الأبدان الذي يشخّص الداء أولًا، ثم يعين العلاج المناسب ثانيًا، وإذا لم ينجح دواءٌ ما في علاج ذلك المرض، جرّب عليه غيره، وهكذا حتى يصل إلى مقصوده.
إنّ الدلالات القرآنية تقرر شرعًا أنّ الإعلان عن دين الإسلام تكليف كلّ مسلمٍ بالغٍ رشيد، وهو مسؤولٌ عن تبليغ رسالة الإسلام إلى الناس بحسب طاقته مع مراعاة حال المدعوين من الناس، وهذا بطبيعته مقصدٌ أصيلٌ في الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ).
إنّ الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ) هي دعوةٌ الى التخلّي عن رذائل الأخلاق، إذ تضمحل كلّ الأخلاق السافلة والظواهر السيئة من المجتمع المسلم، هذه هي الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ) بمفهومها الواسع الشامل؛ ولذا جاءت آياتٌ كثيرةٌ تُرغّب فيها، وتحثّ عليها؛ لأنّها وظيفة أنبياء الله (عزّ وجلّ)، والصفوة المباركة من العلماء العاملين في كلّ زمان ومكان.
إنّ الدعوة إلى الله تعالى دعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، وحفظ الحقوق، وإقامة العدل بين الناس بإعطاء كلّ ذي حقٍ حقَّه، وبذلك يتحقّق الإخاء والمودة بين المؤمنين، ويستتب الأمن التام والنظام الكامل داخل شريعة الله (عزّ وجلّ)، وهو جوهر ثمار الدعوة إلى الله (عزّ وجلّ).
على المتصدي للدعوة الى الله (عزّ وجلّ)، وتبليغ دين سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، والواعظ بقيم الصلاح ومكارم الأخلاق، عليه أنْ يكون متعظًا بما يقول من بيانات، عاملًا بما يرشد اليه، وإلّا فإنّ النتيجة تكون عكسيةً، فيهجر الناس الدين، وتبور الثمار، فأقبح العظات عظة الواعظ غير المتعظ، فهو معول هدمٍ في بناء العقيدة في نفوس المدعوين.
إنّ كلّ تشريعات المنظومة الإسلامية وإرشاداتها للفرد المسلم في تعامله مع الآخر تكون صعبة التحقّق على أرض الواقع ما لم تكن العقيدة حاضرةً بالشعور الصادق بالأخوة والمحبّة في معاملاته اليومية مع المؤمنين، وبذلك يكون بناء مجتمعٍ إسلاميّ ملتزمٍ آمن.
وأخيرًا.. لا يدّعي الباحث فيما سطره في بحثه أنّه استوفى الموضوع أو أعطاه حقّه، وإنّما هي محاولةٌ على سبيل نجاة، ومساهمة في رفد الشباب المسلم بموعظة رشادٍ في رحاب خدمة دين سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، راجيًا من الله (عزّ وجلّ) القبول ولعباده النفع. والحمد لله رب العالمين.
قائمة المصادر
القرآن الكريم.
الأشقر، عمر سليمان، العقيدة في الله، دار النفائس للنشر والتوزيع، الأردن، ط2، 1999م.
الآلوسي (ت:1270هـ) شهاب الدين، روح المعاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1985م.
إمام، د. إبراهيم، الإعلام الإسلامي، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1980م.
البيانوني، محمد أبو الفتح، المدخل إلى علم الدعوة، مؤسسة الرسالة، لبنان، ط،3، 1955م.
الترابي، د. حسن، الإيمان وأثره في حياة الإنسان، دار القلم، الكويت، 1974م.
ابن أبي الحديد عبد الحميد، شرح نهج البلاغة، دار الأضواء، بيروت، ط2، 2002م.
الحلي، مسلم الحسيني (ت:1981م)، الإسلام دين الوحدة، مجلة رسالة الإسلام، العدد1، السنة1، 1949م.
خضير، د. عبد العليم عبد الرحمن، الطبيعيات والإعجاز العلمي في القرآن الكريم، دار السعودية للنشر والتوزيع، 1986م.
الخطيب، محمد نمر، مرشد الدعاة، دار المعرفة، بيروت، 1981م.
الريشهري، محمد (ت:2022م)، موسوعة العقائد الإسلامية، دار الحديث للطباعة والنشر، قم المقدسة، ط3، 1429هـ.
الريشهري، محمد (ت:2022م)، ميزان الحكمة، دار الإحياء العربي، بيروت، ط3، 2010م.
زاهد، د. عبد الأمير، الاتجاه العلمي في تفسير القرآن الكريم قراءة في المنهج، مجلة المنهاج، العدد19، السنة 5، 2000م.
زيدان، د. عبد الكريم، أصول الدعوة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، 2002م.
الزيدي، د. كاصد ياسر، الطبيعة في القرآن الكريم، المركز العربي للطباعة، بيروت،1980م.
سيد سابق، (ت:1420هـ)، العقائد الإسلامية، دار الكتاب العربي، بيروت.
شحاته، د. عبد الله ، علوم الدين الإسلامي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط3، 1998م.
شمس الدين، محمد مهدي، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، دار الثقافة للطباعة والنشر، قم، إيران، ط3، 1992م.
الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 2005م.
صقر، عطية، الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، مؤسسة الصباح، 1980م.
الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، دار الكتاب العربي، بيروت، 2009م.
الطبرسي (ت:1548هـ)، مجمع البيان في تفسير القرآن، مكتبة دار المجتبى، النجف الاشرف، 2009م.
الطوسي (ت:460هـ)، أبو جعفر محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1423هـ
الغزالي، محمد ، مع الله دراسات في الدعوة والدعاة، دار النهضة، مصر، ط6، 2005م.
غلوش، أحمد أحمد، الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها، دار الكتاب المصري، مصر، ط2، 987م.
الفتلاوي، د. محمد كاظم، أساليب القرآن الكريم – دراسة في النظرية والتطبيق -، مطبعة الرافد، بغداد، 2022م.
________، الفرق الإسلامية الكبرى – الإمامية – المعتزلة – الاشاعرة -، مطبعة الرافد، بغداد، 2016م.
________، المجتمع الإسلامي المعاصر – دراسة في ضوء الكتاب والسنّة -، مطبعة الرافد، بغداد، 2018م.
_______، الأثر القرآني في فكر السيد السيستاني – دراسة في النصائح الشخصية للشباب المؤمن -، مطبعة دار الوارث للطباعة والنشر، العتبة الحسينية المقدسة، 2023م.
________، الإعجاز في القرآن الكريم - دراسة في التفسير العلمي للآيات الكونية -، مطبعة الثقلين، النجف الأشرف، 2015م.
القرطبي (ت:671هـ)، أبو عبد الله، محمد، الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1964م.
قيني، د. حامد صادق، المشاهد في القرآن الكريم، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، 1984م.
الكليني، محمد بن يعقوب (ت:329هـ)، الكافي، تحقيق وتعليق: علي أكبر الغفاري، منشورات فجر، بيروت، ط5، 1363 هـ ش.
المبارك، د. محمد، العقيدة في القرآن، دار الفكر، بيروت، 1976م.
المجلسي، محمد باقر (ت:1111هـ)، بحار الأنوار، دار الوفاء، بيروت، 1983م.
المشكيني، الشيخ علي، مسلكنا في الأخلاق والعقيدة والأعمال، دار الهادي، بيروت، 2001م.
المظفر، الشيخ محمد رضا (ت:1964م)، عقائد الإمامية، الناشر: مكتبة الأمين، النجف الأشرف، 1968م.
مغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف، دار التيار، بيروت، 2013م.
المؤمن، علي، الإسلام والتجديد رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر، دار الروضة، بيروت، 2000م.
نجيب محمد غالب، وأحمد عبد الله إبراهيم سلمان، تأملات في العلم والإيمان، الجمهورية اليمنية، الهيئة العامة للمعاهد العلمية، ط 2، 1989م.
نخبة من العلماء الأمريكيين، الله يتجلّى في عصر العلم، ترجمة: د. الدمرداش عبد الحميد سرحان، راجعه وعلّق عليه: د. محمد جمال الدين الفندي، دار التربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
الهادي موسى، الإسلام طريق المستقبل، دار الفردوس، بيروت، ط2، 1992م.
الواعي، د. توفيق ، الدعوة الى الله، دار اليقين، مصر، ط2، 1995م.
-----------------------------
[1] الغزالي، محمد، مع الله دراسات في الدعوة والدعاة، ص13.
[2] غلوش، أحمد أحمد، الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها، ص10.
[3] البيانوني، محمد أبو الفتح، المدخل إلى علم الدعوة، ص47.
[4] زيدان، د. عبد الكريم ، أصول الدعوة، ص301.
[5] الواعي، د. توفيق ، الدعوة الى الله، ص42.
[6] سورة فاطر، الآية: 24.
[7] سورة يوسف، الآية: 108.
[8] سورة الأحزاب، الآية: 39.
[9] سورة فُصّلت، الآية: 33.
[10] سورة القصص، الآية: 87.
[11] الشيرازي، ناصر مكارم ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ١٢/٣١٧.
[12] د. إبراهيم إمام، الإعلام الإسلامي، ص6.
[13] سورة الذاريات، الآية: 55.
[14] سورة آل عمران، الآية: 110.
[15] سورة الأعلى، الآية: 9.
[16] الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ٢٠/٢٦٨.
[17] الريشهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلامية، 1/37، ظ: شحاته د. عبد الله، علوم الدين الإسلامي، ص287-288.
[18] سورة القصص، الآية: 34.
[19] سورة القصص، الآية: 25.
[20] سورة الأحزاب، الآية: 21.
[21] سورة الصف، الآية: 3.
[22] ظ: الشيرازي، ناصر مكارم ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ١٨/٢٨١.
[23] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ١٧/١١٣.
[24] سورة النحل، الآية: 125.
[25] ظ: الإصفهاني، الراغب، المفردات، ص127.
[26] ظ: المصدر نفسه، ص527.
[27] ظ: المصدر نفسه، ص89.
[28] ظ: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ١٢/٣٧١.
[29] روح المعاني، 7/478.
[30] الكليني، الكافي، 1/23.
[31] المجلسي، بحار الأنوار، ٥/١٩٨.
[32] سورة الواقعة، الآية: 64.
[33] سورة الواقعة، الآية: 59.
[34] سورة الحجر، الآية: 86.
[35] ظ: نجيب محمد غالب وآخر، تأملات في العلم والإيمان، ص21، قيني، د. حامد صادق، المشاهد في القرآن الكريم، ص9.
[36] نخبة من العلماء الأمريكيين، الله يتجلّى في عصر العلم، ص22.
[37] سورة طه، الآية: 123 - 124.
[38] سورة المائدة، الآية: 9 - 10.
[39] ظ: على سبيل المثال: الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، المكتبة الحيدرية، 1384هـ، القمي عباس، منازل الآخرة - حول الموت... وعالم ما بعد الموت، ترجمة: حسين كوراني، الفتلاوي مهدي، التوبة والتائبون، كامل سليمان، الفوز العظيم بعد رحلة الحياة الدنيا.
[40] سورة النحل، الآية: 43.
[41] سورة البقرة، الآية: 159
[42] ظ: سيد سابق، العقائد الإسلامية، ص19، الزيدي، د. كاصد ياسر ، الطبيعة في القرآن الكريم، ص210، الأشقر، عمر سليمان، العقيدة في الله، ص61، المبارك، د. محمد، العقيدة في القرآن، ص31-32.
[43] سورة محمد، الآية: 24.
[44] سورة العنكبوت، الآية: 20.
[45] ظ: الفتلاوي، د. محمد كاظم ، الإعجاز في القرآن الكريم - دراسة في التفسير العلمي للآيات الكونية -، ص16.
[46] زاهد، د. عبد الامير، الاتجاه العلمي في تفسير القرآن الكريم قراءة في المنهج، ص56.
[47] سورة فاطر، الآية: 41.
[48] خضير، د. عبد العليم عبد الرحمن ، الطبيعيات والإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ص228.
[49] الواعي، د. توفيق ، الدعوة الى الله، ص86.
[50] سورة يوسف، الآية: 111.
[51] الفتلاوي، د. محمد كاظم ، اساليب القرآن الكريم – دراسة في النظرية والتطبيق -، ص20.
[52] سورة الأعراف، الآية: 176.
[53] ظ: مغنية، محمد جواد ، التفسير الكاشف، 3/399.
[54] الكافي، الكليني، 5/551.
[55] للتوسعة ظ: الفتلاوي، أساليب القرآن الكريم – دراسة في النظرية والتطبيق -، ص55 -58.
[56] سورة الزمر، الآية: 27.
[57] الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ١٥/٧١.
[58] سورة الحج، الآية: 74.
[59] الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ١٤/٤٠٨.
[60] سورة الملك، الآية: 14.
[61] الطبرسي، مجمع البين في تفسير القرآن، 9/78، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ١٦/١٧١، الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ١٦/٢٢١.
[62] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة (الإسلامية)، ٥/١٦١.
[63] بحار الأنوار، ٥٧/٩.
[64] المؤمن علي، الإسلام والتجديد رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر، ص 128.
[65] سورة يوسف، الآية: 39.
[66] المجلسي، بحار الأنوار، ٧٥/٧٦.
[67] نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ص20.
[68] مالك محمد جواد، العقائد الإسلامية، ص 18.
[69] سورة الانفال، الآية: 24.
[70] سورة الاحزاب، الآية: 45 - 46.
[71] شمس الدين، محمد مهدي ، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ص28.
[72] الحلي، مسلم الحسيني، الإسلام دين الوحدة، ص 419.
[73] سورة الانعام، الآية: 18.
[74] الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 4/158، وتجدر الاشارة إلى أنّ المراد في قوله تعالى: P فَوْقَO لا تعني على أنّه في مكانٍ مرتفعٍ فوقهم وفوق مكانهم؛ لأنّ ذلك لا يجوز عليه، لأنّه صفة للأجسام. ومثله في اللغة أمر فلان فوق أمر فلان، يراد به أنّه أعلى أمرًا، وأنفذ قولًا. ومثله قوله تعالى: Pيَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْO. سورة الفتح، الآية: 10.
[75] الريشهري، ميزان الحكمة، ١/٥٨٤.
[76] سورة الرعد، الآية: 28.
[77] مجمع البيان في تفسير القرآن، ٦/٣٦.
[78] سورة ق، الآية: 16.
[79] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 17/8.
[80] المجلسي، بحار الأنوار، ٦٤/١٤٢.
[81] سورة الحشر، الآية: 9.
[82] الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ١٨/١٩٤.
[83] سورة الحديد، الآية: 23.
[84] سورة النساء، الآية: 58.
[85] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ٥/٢٥٥.
[86] المجلسي، بحار الأنوار، 66/121.
[87] سورة التوبة، الآية: 119.
[88] الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، 5/139.
[89] الكليني، الكافي، ٢/١٠٤.
[90] سورة الشورى، الآية: 15.
[91] ظ: مغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف، 6/500.
[92] الريشهري، ميزان الحكمة، محمد ٣/١٨٣٨.
[93] سورة المائدة، الآية: 13.
[94] الكليني، الكافي، 2/ 103.
[95] سورة الحجرات، الآية: 15.
[96] الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ١٦/٥٧٣.
[97] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ٢/٧٤.
[98] زيدان، د. عبد الكريم ، أصول الدعوة، ص352.
[99] سيد سابق، العقائد الإسلامية، ص378.
[100] سورة فاطر، الآية: 18.
[101] الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ١٦/201.
[102] الريشهري، ميزان الحكمة، 2/١٠١٦.
[103] سورة البقرة، الآية: 25.
[104] ظ: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ١/١٣١.
[105] سورة الروم، الآية: 44.
[106] بحار الانوار، ٧١ / ١٨٥.
[107] سورة آل عمران، الآية: 173.
[108] الميزان في تفسير القرآن، ٤/٦٤.
[109] سورة البقرة، الآية: 165.
[110] مغنية، التفسير الكاشف، 1/251.
[111] المجلسي، بحار الأنوار، 17/14.
[112] سورة الحجرات، الآية: 10.
[113] ظ: الترابي، د. حسن، الإيمان وأثره في حياة الإنسان، ص109- 137.
[114] الكليني، الكافي، ٢/١٦٧.
[115] عقائد الإمامية، ص١٢١.
[116] سورة التوبة، الآية: 71.
[117] المجلسي، بحار الانوار، 20/142 .
[118] المصدر نفسه، 58/150.
[119] سورة المائدة، الآية: 51.
[120] الفتلاوي، د. محمد كاظم، المجتمع الإسلامي المعاصر، ص70.
[121] سورة النساء، الآية: 1.
[122] الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ٣/٧٩.
[123] المجلسي، بحار الأنوار، 58/65.
[124] سورة المنافقون، الآية: 8.
[125] سورة المائدة، الآية: 56.
[126] الكليني، الكافي، ٥/٦٣.
[127] المجلسي، بحار الأنوار، 78/10
[128] الفتلاوي، د. محمد كاظم، الأثر القرآني في فكر السيد السيستاني – دراسة في النصائح الشخصية للشباب المؤمن -، ص197.
[129] المظفر، محمد رضا ، عقائد الإمامية، ص١١٢.
[130] ظ: سيد سابق، عقائد الإسلام، ص277.
[131] سورة النحل، الآية: 97.
[132] سورة البقرة، الآية: 257.
[133] نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ص20.
[134] زيدان، د. عبد الكريم ، أصول الدعوة، ص302.
[135] ليس مقام هذا البحث التفصيل العقائدي لمسألة: (القبح والتحسين العقليين)، وملخّص القول عندنا أنّ الشارع في تحسينه وتقبيحه للأفعال لا يخالف العقل، وهناك تفصيل لرأي الفرق الإسلامية في هذا الموضوع. للتوسعة ظ: د. محمد كاظم الفتلاوي، الفرق الإسلامية الكبرى، ص195.
[136] ظ: الخطيب، محمد نمر، مرشد الدعاة، ص38، صقر عطية، الدعوة الإسلامية دعوة عالمية، ص20.
[137] سورة فصلت، الآية: 53.
[138] الهادي، موسى، الإسلام طريق المستقبل، ص21.
[139] زاهد، د. عبد الأمير، الاتجاه العلمي في تفسير القرآن الكريم قراءة في المنهج، ص52، للتوسعة في ثمار الإيمان: ظ: المشكيني، الشيخ علي، مسلكنا في الأخلاق والعقيدة والأعمال، ص149.
[140] شمس الدين، نظام الحكم والإدارة في الإسلام، ص 28.