البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

تحقيق الحياة الطيبة باتباع الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وتجليها الكامل في عصر ما بعد ظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه)

الباحث :  الدكتورة فاطمة أبو حمزة
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  33
السنة :  شتاء 2025م / 1446هـ
تاريخ إضافة البحث :  January / 26 / 2025
عدد زيارات البحث :  40
تحميل  ( 401.801 KB )
الملخّص
الحياة الطيبة مصطلحٌ قرآنيّ ووعدٌ إلهيّ، يحظى بها كلّ إنسانٍ يؤمن بالله ورسوله، ويعمل عملاً صالحاً.
لقد أرسل الله الأنبياء وأوصياءهم (عليهم الصلاة والسلام) على مر التاريخ لهداية البشرية إلى السعادة الأبدية والحياة الطيبة؛ ولذلك لا سبيل لتحقيق السعادة والحياة الطيبة إلّا باتباع الأنبياء وأوصيائهم الإلهيين. وهدایة الناس في عهد خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يعتمد على اتّباع تعليمات النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأوصيائه الذين اختارهم الله لهذه المهمة.
سنعرض في هذا المقال أسباباً مع مراجع حديثية مفادها أنّ اتباع أوامر الإمام المعصوم ووصي نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) هو ضمان لسعادة الإنسان وتحقيق الحياة الطیبة، ومن ثم، فمن خلال دراسة العصر الذي يلي ظهور المهدي الموعود(عليه السلام)، سيتحقق المثل الأعلى للبشرية في الحياة الطیبة، وتتجلّى المدینة الفاضلة كاملة.

الكلمات المفتاحية : الحياة الطيبة، الأئمة(عليهم السلام)، المهدي(عليه السلام)، الظهور.

المقدّمة
الحياة الطيبة مصطلحٌ قرآنيٌّ، إذ يقول الله تعالى عن الحياة الطيّبة في الآية السابعة والتسعين من سورة النحل:
(مَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). وقد حاولت بعض تفاسير القرآن تقديم توضيحٍ لهذا المصطلح، فقد ورد في کتاب تفسیر الجامع عن سبب نزول هذه الآية وتفسيرها ما يأتي:« وكان سبب نزول الآية أنّ جماعةً من اليهود والمشركين والمسیحیین كانوا يتفاخرون ويقولون: نحن أعلی وأفضل منكم. فنزلت الآية ردًّا على كلامهم. وقد ذكر المفسّرون للحياة الطيّبة عدة معانٍ؛ عن ابن عباس عن النبيّ الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: المراد بالحياة الطیبة هي الرزق الحلال الذي رزقه الله ليعيش في الدنيا في راحةٍ وطمأنينةٍ من ضيق الدنيا، وفراغًا في الآخرة من عقوبتها، وفي روايةٍ أخرى قالوا: معنى الحياة الطيبة عيش الآخرة والجنة الأبدية. وقال بعض الصحابة أنّه قال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) معنى الحياة الطيبة الرضا بما آتاه الله والتحلّي بالزهد، وقال آخرون هي حياة الطاعة لأوامر الله، سواء كان غنيًا أو فقيرًا»[1].

وقد فسّرها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) على نحوٍ مُرْضٍ وسعيدٍ في أقوالٍ قصیرةٍ من نهج البلاغة رقم (229)
وقد وعد الله عباده أنّهم إذا آمنوا بالله وعملوا الصالحات، فسوف يرزقهم حياةً طيبة .وممّا لا شك فيه أنّه قد ورد في جميع الأديان السماوية أنّ الحياة التي تؤدّي إلى سعادة الإنسان تعتمد على اتّباع الأوامر الإلهية، ومن أجل إرشاد الناس، من الضروري أنْ يكون من الناس رسل من الله يحملون أوامره للبشرية، وبحسب النصوص الدينية، فإنّ هؤلاء الناس هم الأنبياء وأولياؤهم. جعل الله أوصياء الدين قادةً بعد النبيّ - بناءً على حكمته - يرشدون الناس إلى الحياة الطيّبة والخلاص الأبدي.

الأئمة الطاهرن (عليهم السلام) هداة الإنسان إلى الحياة الطيبة
في دين الإسلام، النبيّ والأئمّة الاثنا عشر (عليهم السلام) أوصیاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حقًّا، أولهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وآخرهم الإمام المهدي صاحب الزمان. (عجّل اللهُ فَرَجَه الشریف)، فإنّهم أوصياء نبيّ الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخلفاء الله وحجج الله في الأرض، والهداة إلى الحياة الطیّبة.

ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث المنزلة الذي یرویه السنّة والشيعة: «أنتَ مِنّي بِمَنزلةِ هارونَ مِنْ مُوسی إِلّا أنـّه لا نَبيّ بَعدي». کما ذكر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديث أخرى مقارنة مكانته ومكانة أمير المؤمنين (عليه السلام)[2].
إنّ حلال وحرام الدين الإلهي والشريعة المحمدية هما الضامنان لحصول الإنسان على الحياة الطیبة؛ ولهذا السبب عيّن الله الحكيم بعد خاتم أنبيائه (صلّى الله عليه وآله سلم) اثني عشر إمامًا ووصیًّا للناس لبيان الحقّ والباطل، والحلال والحرام.
وفي كتاب الكافي، بَابُ (أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّة) وردت أحاديث كثيرةٌ في أنّه «مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا وَلِلَّهِ فِيهَا الْحُجَّةُ، يُعَرِّفُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ». في حديثٍ آخر، قال الإمام الصادق (عليه السلام): لا تخلو الأرض من إمام، فإذا زاد في دين الله زیادة أو نقص نقصان، صحّحه، إذ روى عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ وَسَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ؛ كَيْمَا إِنْ زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئًا رَدَّهُمْ، وَإِنْ نَقَصُوا شَيْئًا أَتَمَّهُ لَهُمْ»[3].
وبهذا الحديث نفهم أنّ الشريعة الإلهية هي خطّةٌ لسعادة المؤمنين بها، لا يُقبل فيها أيّ عيب، وأنّ الإمام هو السبيل السوي والهادي للحياة الطیبة، وتحصيل سعادة الدنيا والآخرة.

وفي الباب الثالث والخمسين بعد المئة من كتاب علل الشرائع أحاديث أيضًا تنصّ على أنّ الله ما ترك الأرض منذ قبض آدم إلّا، وفیها إمامٌ یُهتدی به إلی الله (عزَّ وجلَّ،) وهو حجّة الله علی العباد، من تركه هلك، ومن لزمه نجا.
وفي حديثٍ قال الإمام الصادق (عليه السلام): الأرض لا تخلو من أنْ یکون فیها من یعلم الزیادة والنقصان، فإذا جاء المسلمون بزیادةٍ طرحها، وإذا جاءوا بالنقصان أکمله لهم، ولولا ذلك لاختلط علی المسلمین أمورهم. عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ‏: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَدَعُ‏ الْأَرْضَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ يَعْلَمُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ فَإِذَا زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئًا رَدَّهُمْ، وَإِذَا نَقَصُوا أَكْمَلَهُ لَهُمْ، فَقَالَ خُذُوهُ كَامِلًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَالْتَبَسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَمْرُهُمْ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِل»[4].

وفي حديثٍ آخر ذكر الإمام الصادق (عليه السلام) ضرورة وجود الإمام في الأرض لبيان حرام وحلال الشریعة: عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ قَالَ‏: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): تَبْقَى الْأَرْضُ بِلَا عَالِمٍ حَيٍّ ظَاهِرٍ يَفْزَعُ إِلَيْهِ النَّاسُ فِي حَلَالِهِمْ وَحَرَامِهِمْ؟ فَقَالَ لِي: «إِذًا لَا يُعْبَدَ اللَّهُ يَا أَبَا يُوسُفَ‏» [5].
وبحسب الأحاديث الواردة في كتب الشيعة الأصیلة، فإنّه لا سبيل لتحقيق الحياة الطيبة والسعادة إلّا باتّباع أوامر وتعليمات أوصیاء النبيّ (عليهم السلام). بالطبع، بما أنّهم المتحدّثون بالقرآن، فإنّ اتّباعهم هو اتّباعٌ لأوامر الله والقرآن. ولا شك في أنّ الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) هم أفضل المفسّرين للقرآن.
إنّ صفات الأئمّة الاثني عشر وخلفاء نبيّ الإسلام (عليهم السلام) الذين هم حجج الله في الأرض والمسؤولون عن إرشاد الناس إلى الحياة الطيبة والنجاة، موجودةٌ في حديثٍ طويلٍ رواه طارق بن شهاب عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام). تلك الصفات التي تنصّ على أنه في سبيل تحقيق الحياة الفاضلة ينبغي قبول ولاية الأئمة الطاهرين (عليهم السلام). وقال الإمام (عليه السلام): «يَا طَارِقُ الْإِمَامُ كَلِمَةُ اللَّهِ، وَحُجَّةُ اللَّهِ، وَوَجْهُ اللَّهِ، وَنُورُ اللَّهِ، وَحِجَابُ اللَّهِ، وَآيَةُ اللَّهِ، يَخْتَارُهُ اللَّهُ وَيَجْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ، وَيُوجِبُ لَهُ بِذَلِكَ الطَّاعَةَ وَالْوَلَايَةَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، فَهُوَ وَلِيُّهُ فِي سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ، أَخَذَ لَهُ بِذَلِكَ الْعَهْدَ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ، فَمَنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ، فَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَإِذَا شَاءَ اللَّهُ شَاءَ، وَيُكْتَبُ عَلَى عَضُدِهِ‏ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا، فَهُوَ الصِّدْقُ وَالْعَدْلُ، وَيُنْصَبُ لَهُ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ يَرَى فِيهِ أَعْمَالَ الْعِبَادِ، وَيُلْبَسُ الْهَيْبَةَ وَعِلْمَ الضَّمِيرِ، وَيَطَّلِعُ عَلَى الْغَيْبِ،‏ وَيَرَى مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ؛ فَلَا يَخْفَى‏ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ مِنْ عَالَمِ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ...» [6].

وفي تكملة الحديث نفسه أنّ مكانة الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) وفضائلهم من اختصاصاتهم في هداية أمة خاتم أنبياء الله، وقيادتها إلى الحياة الدنيا الطيّبة، والسعادة والثواب في الآخرة؛ فقد جاء في تكملة الحديث المتقدّم:
«جَلَّ مَقَامُ آلِ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله وسلم) عَنْ وَصْفِ الْوَاصِفِينَ وَنَعْتِ النَّاعِتِينَ، وَأَنْ يُقَاسَ بِهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ كَيْفَ؟ وَهُمُ الْكَلِمَةُ الْعَلْيَاءُ، وَالتَّسْمِيَةُ الْبَيْضَاءُ، وَالْوَحْدَانِيَّةُ الْكُبْرَى الَّتِي أَعْرَضَ عَنْهَا (مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى)‏ وَحِجَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْأَعْلَى ... وَالْإِمَامُ يَا طَارِقُ بَشَرٌ مَلَكِيٌّ، وَجَسَدٌ سَمَاوِيٌّ، وَأَمْرٌ إِلَهِيٌّ، وَرُوحٌ قُدْسِيٌّ، وَمَقَامٌ عَلِيٌّ، وَنُورٌ جَلِيٌّ، وَسِرٌّ خَفِيٌّ فَهُوَ مَلَكُ الذَّاتِ، إِلَهِيُّ الصِّفَاتِ، زَائِدُ الْحَسَنَاتِ، عَالِمٌ بِالْمُغَيَّبَاتِ، خَصًّا مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَصًّا مِنَ الصَّادِقِ الْأَمِينِ،‏ وَهَذَا كُلُّهُ لِآلِ مُحَمَّدٍ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ مُشَارِكٌ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْدِنُ التَّنْزِيلِ، وَمَعْنَى التَّأْوِيلِ، وَخَاصَّةُ الرَّبِّ الْجَلِيلِ، وَمَهْبِطُ الْأَمِينِ جَبْرَئِيلَ، صَفْوَةُ اللَّهِ وَسِرُّهُ وَكَلِمَتُهُ، شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنُ الصَّفْوَةِ، عَيْنُ الْمَقَالَةِ، وَمُنْتَهَى الدَّلَالَةِ، وَمُحْكَمُ الرِّسَالَةِ، وَنُورُ الْجَلَالَةِ، جَنْبُ اللَّهِ وَوَدِيعَتُهُ، وَمَوْضِعُ كَلِمَةِ اللَّهِ، وَمِفْتَاحُ حِكْمَتِهِ، وَمَصَابِيحُ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَيَنَابِيعُ نِعْمَتِهِ، السَّبِيلُ إِلَى اللَّهِ، وَالسَّلْسَبِيلُ، وَالْقِسْطَاسُ الْمُسْتَقِيمُ، وَالْمِنْهَاجُ الْقَوِيمُ، وَالذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَالْوَجْهُ الْكَرِيمُ، وَالنُّورُ الْقَدِيمُ، أَهْلُ التَّشْرِيفِ وَالتَّقْوِيمِ، وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّعْظِيمِ وَالتَّفْضِيلِ، خُلَفَاءُ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ، وَأَبْنَاءُ الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ،‏ وَأُمَنَاءُ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ‏ (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏)» [7].

ولأنّه ورد في الأحاديث أنّ مقام الإمام المعصوم لا يعرفه غير المعصوم، ولا يستطيع أنْ يصف مقام المعصوم إلّا المعصوم، قد اكتفى راقم السطور في وصف مقام المعصوم بتعبير المعصوم، حتى ينير نور كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) القلوب والعقول لتزداد المعرفة.

التجلّي الكامل للحياة الطيّبة بعد ظهور الإمام الحجّة بن الحسن المهدي (عليه السلام)
لقد اشتاق الإنسان إلى العيش في المدينة الفاضلة، وقد ورد مضامين عن ذلك في الكتابات اليونانية القديمة أنّ هذا الحلم الذي طال انتظاره للإنسانية سوف يتحقّق علی ید مهدي اخر الزمان ومخلصه من ظلم الحياة وقساوتها وشر الظالمين .

والآيتان القرآنيتان (105 و106) من سورة الأنبياء تدّلان على ذلك، وقد بيّنه الأئمّة المعصومون (عليهم السلام) في أحاديثهم.

فترة ما بعد ظهور الموعود في القرآن
وتشير الآيتان 105 و106 من سورة الأنبياء المباركة إلى ميراث الأرض للصالحین في فترة ما بعد الظهور. قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ في‏ هذا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عابِدينَ).

وفي الآية 55 من سورة نور، وعد الله المؤمنين أنّهم سيرثون الأرض. قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الأَرْضِ کمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَیمَکنَنَّ لَهُمْ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَی لَهُمْ وَلَیبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا یعْبُدُونَنِي لَایشْرِکونَ بِي شَیئًا).

قول الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في أنّ ابنه المهدي (عليه السلام) سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا
في الحديث الآتي، جعل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ابنه المهدي الموعود (عليه السلام) وريثًا لإمامته، الذي سيملأ اللهُ به الأرضَ عدلًا، فيكون عصره العصر الذهبي لحياة البشرية:

روى الشيخ أبو جعفر بن بابویه، عن علي بن عبد الله بن الورّاق، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال: دخلت علی أبي محمد الحسن بن علب العسکري، وأنا أرید أنْ أسأله عن الخَلَف من بعده، فقال لي مبتدئًا: «یا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارک وتعالی لم یُخلِ الأرضَ منذ خلق آدم، ولا یُخلیها إلی أنْ تقوم الساعة من حجّة الله علی خلقه؛ به یدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه یُنزل الغیث، وبه یُخرج برکات الأرض». قال: فقلتُ له: یا ابن رسول الله، فمن الخلیفة والإمام بعدک؟ فنهض مُسرعًا فدخل البیت، ثمّ خرج وعلی عاتقه غلامٌ کأنّ وجهه القمر لیله البدر، من أبناء ثلاث سنین، وقال: «یا أحمد بن إسحاق، لولا کرامتک علی الله، وعلی حججه ما عرضتُ علیک ابني هذا، إنّه سَمِيُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وکَنیّه الّذی یملأ الأرض قسطًا وعدلًا، کما مُلئت جورًا وظلمًا»[8].

أحاديث الأئمّة المعصومین عن فترة ما بعد الظهور
عصر ما بعد الظهور هو العصر الذي اشتاقت إليه البشرية عبر التاريخ. في الوقت الذي يلي الظهور، لن يتحقق العدل في العالم بيد الله فحسب، بل ستتم إزالة آثار الظلم والبدع والفقر والعيوب من الأرض أيضًا. وتعطى كنوز الأرض وثرواتها للناس بنحوٍ لم يكن له مثيلٌ في العصور السابقة كلّها.

وقد نقل حذيفة قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في كثرة النعمة زمن الظهور: «وَتُمَدُّ الْأَنْهَارُ وَتَفِيضُ الْعُيُونُ، وَتُنْبِتُ الْأَرْضُ ضِعْفَ أُكُلِهَ»[9].
إنّه عصر ازدهار العلم والثقافة القادم؛ فقد روي في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قَالَ‏: «الْعِلْمُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا« فَجَمِيعُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ حَرْفَانِ، فَلَمْ يَعْرِفِ النَّاسُ حَتَّى الْيَوْمِ غَيْرَ الْحَرْفَيْنِ، فَإِذَا قَامَ قَائِمُنَا أَخْرَجَ الْخَمْسَةَ وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا فَبَثَّهَا فِي النَّاسِ، وَضَمَّ إِلَيْهَا الْحَرْفَيْنِ حَتَّى يَبُثَّهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ حَرْفًا»[10].
وبظهور المهدي القائم الموعود (عجّل الله تعالی فَرَجَه الشريف) تكتمل العقول والأخلاق. وفي حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُءُوسِ الْعِبَادِ، فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ، وَأَكْمَلَ‏ بِهَا أَخْلَاقَهُمْ‏»[11].

بسبب كمال عقول الناس وأخلاقهم، يتجنبون الناس المعاصي والخطایا ويتّجهون نحو النمو والتفوق، وتزول عوامل الفساد من العالم. وفي حديث ورد في کتاب (الخرائج و الجرائح) وفي (بحار الأنوار) حديثٌ متواترٌ، عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّ الأمراض تزول بظهور المهدي الموعود (عجّل الله فَرَجَه) ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ‏: «مَنْ أَدْرَكَ قَائِمَ أَهْلِ بَيْتِي مِنْ ذِي عَاهَةٍ بَرَأَ وَمِنْ ذِي ضَعْفٍ قَوِي‏»[12].
ومن خلال دراسة بعض الأحاديث التي قالها الأئمة المعصومون (عليهم السلام) عن فترة ما بعد الظهور يتبين أنّ هذه الفترة هي العصر الذهبي لحياة الإنسان، وهو ما أطلق عليه حكماء اليونان القديمة اسم المدينة الفاضلة وسيتحقق حلم البشرية هذا بوعد الله الأكيد على يد المهدي الموعود (عجل الله فرجه)؛ لأنّ لتحقيق مثل هذا المثل الأعلى فلا بد من حجة الله الحاكم العادل.
«اَلسَّلامُ عَلَیْکَ أیُّهَا الْمُقَدَّمُ الْمَأموُلُ»

المصادر
- القرآن الکریم
- الإربلي، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح، كشف الغمة في معرفة الأئمة، ترجمه و شرح زواره ‏اى، تهران، انتشارات إسلامية، الطبعة الثالثة، 1382 ش.
- البروجردي، سید محمد إبراهیم، تفسير الجامع‏، طهران، صدر، 1366ش.
- الحافظ البرسي، رضي الدين رجب بن محمد بن رجب الحلّي، مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين (عليه السلام)، بيروت، الأعلمي، الطبعة الأولی، 1422 ق.
- الراوندي، قطب الدين سعيد بن هبة الله، الخرائج والجرائح، ثلاث مجلدات، قم، مؤسسة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فَرَجَه الشريف)، الطبعة الاولی، 1409 ق.
- الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، الأمالي، تصحیح استاد ولى و حسین غفاری، المجلد1، طهران، كتابچى، الطبعة السادسة، 1376ش.
- الصدوق، محمد بن علي ‏بن بابويه، علل الشرائع‏، قم‏ المقدسة، داورى‏، 1385 ش.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى، طهران، دار الکتب الإسلامیة، 1390.
- عماد الدين الطبري، أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبرى الآملي، بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، المجلد الواحد، المكتبة الحيدرية، النجف الاشرف، الطبعة الثانية، 1383 ق.
- الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1407ق.
- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1403ق.
- المفيد، محمد بن محمد، الاختصاص، قم، الموتمر العالمى لألفية الشيخ المفيد، طبعة الأولی 1413ق.


----------------------------------
[1] تفسير الجامع، المجلد ‏4: 64 – 63.
[2] راجع أمالي الصدوق، 332 – 331، وبشارة المصطفى لشيعة المرتضى، المجلد‏2/ 55.
[3] الكافي، المجلد 1‏/178.
[4] علل الشرائع، ‏1/ 196- 195.
[5] علل الشرائع، ‏1/ 195.
[6] بحار الأنوار، المجلد ‏25/ 174 – 169، مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين A 181 – 177.
[7] مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين (عليه السلام)، الصفحة 178.
[8] كشف الغمة في معرفة الأئمة، المجلد‏2، الصفحة 526، إعلام الورى بأعلام الهدى، الصفحة 440 – 439.
[9] الإختصاص، الصفحة 209 – 208، بحار الأنوار، المجلد ‏52، الصفحة 304
[10] بحار الأنوار، المجلد ‏52/ 336
[11] الخرائج والجرائح، المجلد ‏2/840 ، بحار الأنوار، المجلد ‏52/ 336.
[12]- الخرائج والجرائح، المجلد ‏2/ 839.