البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

الطريقة الصوفية البكتاشية

الباحث :  أ.د.عامر عبد زيد الوائلي
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  15
السنة :  شهر جمادى الثانية 1439هـ / 2018م
تاريخ إضافة البحث :  April / 12 / 2018
عدد زيارات البحث :  5325
تحميل  ( 583.026 KB )
مقدمة

إنّ أي نص، كان  يحمل أساساً ، في بنائه معنى حصلَ له من تفاعل مفاهيمه، وأفكاره، وأدوات الربط فيه، ومن هنا يأتي المعنى بوصفه حاصلاً لما يضفيه النص من معنى على أجزائه فيمنحها نسقاً موحداً.

فالبحث عن الطرق الصوفيّة مبحث يحاول تناول ظاهرة ثقافيّة ودينيّة أو سياسيّة ؛لأنّ الأوضاع السياسيّة تركت أثرها في التصنيف أو الانحياز السياسي.

فالطرق الصوفيّة هي محل نقد من قبل الإسلام التيولوجي العالم أي المؤسّسة الدينيّة وحاكميّة المنهجيّة والشرعيّة على اختلاف مذاهبها و منطلقاتها العقديّة.

 إلى جانب هذا الموقف  ثمّة موقف آخر يتمثّل في كون هذه النقود الدينيّة وأشدّها السلفيّة قد تختلف في تصنيف تلك الطرق على أساس مذهبي فتصنف على كونها طرقاً مقبولةً؛ لإنّها متوافقةٌ مع الدولة، وأخرى مرفوضة؛ لأنها على تعارض مع الدولة . ويتم إرجاع هذا التعارض الى أسس مذهبيّة؛ وهذا جعل من الطريق البكتاشيّة تصنّف على التشيُّع الباطني.

على الرغم من أنّ لهذه الطريقة أثرها الكبير في التاريخ الرسمي للدولة العثمانيّة وفي نشأة هذه الدولة وفي اضمحلالها  أيضاً. إلا أنّ هذه الطريقة تعرّضت الى النقد العنيف من قبل التاريخ الرسمي للدولة والامتدادات السلفيّة المعاصرة؛ وتمّ ارجاع ذلك إلى مواقفها من السلطة .

الا أنّ هذه الطريقة  قد تعرّضت الى النفي العثماني والسلفي معاً  مثلما دفعت ثمن التحديث التركي العلماني، فتمّ مصادرة ممتلكاتها من الدولة العلمانية  في تركيا ومصر في أيام الثورة، وتتعرض اليوم الى النقود المتشددة للسلفيّة  .

وفي ظل تلك التحولات نجد أنّ لهذه الطريقة مواقف  من تلك الاحداث العنيفة؛ إذ أحدثت تحولات في سلوكها في تركيا العلمانيّة ،وقد ظهر هذا من ضمن مؤسساتها في صفوف العلويين الأتراك، مثلما كان لها حضورها الفعال في ألبانيا من تاريخ ما قبل الاستقلال، وحتى ما بعد الشيوعيّة، وهي تقدم اسلاماً متسامحاً مقابل الاسلام الأصولي في ألبانيا اليوم.

حاولنا في هذا المبحث ان نقدم تأصيلاً مفهومياً ووصفاً لظهور الطرق الصوفيّة وأصولها التركمانيّة في أثناء الغزو المغولي والدولة السلجوقيّة؛ وصولا الى التعريف بالطريقة وسماتها ثم حضورها في المشهد السياسي العثماني والتركي العلماني والمصري والألباني.

في هذا البحث نحاول أن نتطرق إلى دراسة إحدى أهم الطرق الصوفيّة التي ظهرت في القرن الثالث عشر الميلادي وهي الطريقة البكتاشيّة تعد من أهم الطرق الصوفيّة من حيث انتشارها بعد أن استوعبت طرقاً عدّة أخرى مثل الابدال والقلندريّة والحيدريّة.

كان مؤسسها الحاج بكتاش الذي عدّ أحد تلامذة بابا إسحاق الذي قاد تمرد عام 1241 م . وقد نشط الحاج بكتاش خلال النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي في الأناضول السلجوقي.

المبحث الاول

التصوّف و إشكاليّة القراءة والتلقي

في مجال البحث في هذا الإطار هناك تصنيف ابتدعه بعض الباحثين في التعامل مع الطرق الصوفيّة التي تميل إلى العرفان والتشيع بوصفها تمثل تصوفاً شعبياً يميزون هذا التصوف عن التصوف السني الذي ينتمي الى المدرسة السنيّة، ويبدو أنّها قراءة تتمركز حول مركزيّة الثقافة العالمة، تنظر الى نفسها كمركز مدني عالم خاضع إلى خطاب الدولة فيما الخطاب الشعبي هو بمثابة خطاب أطراف وهذا الخطاب لا ينتمي الى المركز العالم المدني، وثقافة الأطراف هي ثقافة ريف تهيمن عليها الرؤيّة الاسطوريّة .

تنطلق هذه النظريّة من وجود ثقافة مركز دينيّة تشكّلت في ظل الدولة السلجوقيّة التي حلّت محل السلطة البويهيّة التي كانت تتمتع الثقافة في زمنها بالتعدد الفكري، وهو أمرٌ زال مع ظهور السلاجقة وثقافتهم التي قدّمت نفسها كأصوليّة دينيّة .فهذه الأصوليّة القائمة على تحديد الاسلام على وفق مجموعة من القواعد يفترض تحققها فيمن يدّعي الانتماء الى الاسلام ومطالبة  الفرق الأخرى المتبقيّة بالالتزام بتلك القواعد التي هي بمثابة الصراط المستقيم، فهذه الأصوليّة يتفرّع عنها ملحظان مهمّان أوّلاً :نشوء الخطاب، جاء مع الدولة السلجوقيّة، وتناسَلَ مع الدول التي أعقبتها واعتمدت على فكرها كأساس للعصبيّة الدينيّة التي توحد الداخل بوصفها تدافع عن الاسلام الحق أمّا في الخارج فهي تواجه خصومها من الطوائف الأخرى أو المنشقين عليها من داخل تأويلها أحياناً، وهذه العصبيّة التي أقامتها الدولة السلجوقيّة الأشعريّة يدرك بها لحظتين هما :

أوّلاً: نشوء الخطاب جاء مع الغزّالي: الذي نظر لها عبر تكفير أهل الباطن، وما يتعلق بسياسة التكفير أو اقتصاد التكفير .والتي كانت قد أقصت كل المخالفين للقواعد التي رفعها الخليفة العباسي ابو العباس القادر بالله(ت 422هـ) ([1])؛ لكنّ الغزالي أعاد النظر في التصوف فيما بعد وجعله ينتمي الى الثقافة المركزيّة بعد أن وضع له قواعد وقد امتدّت هذه السياسة من المشرق الى المغرب على يد ابن تومرت ونصوص المتوحش الموحدي، ولذة الجهاد واعزما يطلب من التكفير .

وبهذا أصبح الفكر الأشعري هو المركز العالم ومعه  تم إدخال التصوف الى التسنن من خلال كتب الغزّالي فأصبح هذا التصوف هو التزامه بالقواعد الفقهيّة .بالمقابل بقيت خارج الخطاب الأصولي كل فرق التشيع والطرق الصوفيّة التي تأثّرت به ،وقد وصفت بكونها: (تصوف شعبي).

امّا اللحظة الثانيّة فقد جاءت مع ابن تيميّة والتكفير المملوكي، وهي لحظة تتجاوز لحظة الغزّالي والكلام الأشعري، والرجوع إلى السلطة في صدر الاسلام، وهي اكثر تشدداً ويقال؛ إنّها لم تجد لها تطبيقاً في التوحيد؛ إلّا في فكر محمد بن عبد الوهاب .، وهذه الأخرى أخرجت التصوف والتّشيع وجزءً كبيراً من المدرسة الأشعريّة، من هنا تظهر تلك النقود العنيفة ضد التصوف والفرق الصوفيّة([2]) كل  الأطراف ومن ضمنها الفقه الشيعي ذاته الذي له موقف رافض للتصوف والفرق الصوفيّة .

انطلاقاً من هذا نستطيع تصنيف الموقف من التصوف عامّة والطرق الصوفيّة خاصّةً بالشكل الآتي :

نظرة عامة منتشرة في الجامعات العربيّة ومنها التي تنتمي الى الأشعريّة كأصل كلامي فهي تفصل بين التصوف والفرق الصوفيّة اذ تقسم الفرق الصوفيّة على تصوف ملتزم بشكل عام وبعض الفرق الصوفيّة، وفرق صوفيّة تعدها شعبيّة، مثل (القلندريّة والحيدريّة والباكتاشيّة)، وعذرها؛ لأنّها كانت متأثرةً بالتشيع عامة والمغالي خاصّةً([3]).

ورأي آخر يرفض التصوف بشكل عام ويعترف بأنه خروج على الشرع وهذه الرؤيّة تجدها عند السلفيّة، وعند الأصوليّة الشيعيّة . وهنا ليس هناك تفريق بين التصوف والطرق الصوفيّة .

ورأي ثالث يرى أنّ هناك صلة بين التصوف والتشيع وخصوصاً المغالي وهذا يتجلى في الفرق الصوفيّة([4]).

سوف نعرض الى هذه الآراء في أثناء عرضنا للأفكار وتأصيلها في مجال بحثنا عن الفرقة البكتاشيّة، و الظروف التي ظهر فيها التصوف الشعبي في ايران والأناضول من الدولة السلجوقيّة الى الدولة الالخانيّة، في هذه الحقبة نجد أنّ هناك تأثيرات كبيرة تركت أثرها في الدين ودوره في الحياة السياسيّة، اذ (أصبح مقرراً في علم الاجتماع الديني أنّ ثمة فروقاً جوهريّة بين الدين في صورته النظريّة المجرّدة ... والدين حين يمارس علمياً في التاريخ، أي حين يتحول إلى عمل من أعمال الاجتماع البشري، فتنتج ممارسته صوراً من التدين أو التجارب الدينيّة .... لا تقع بالضرورة مطابقة ً للوحي ... مما يعني أننا بإزاء تمثّلات متنوعة ومستويات شتى للتجارب الدينيّة التي يعدها بعض علماء الاجتماع الشيء الوحيد الثابت في الدين)([5]). الذي نفهمه أنّ القراءات الدينيّة واشتباكها بالسياسة تمثل نمطاً من أنماط التمثّلات التاريخيّة عن الدين وليس الدين بذاته، فما ظهر في ظل الدول السلجوقيّة كانت تمثّلات منحت الدول مشروعيّة سياسيّة وهو الهدف الأوّل منها، والثاني أنّها تمثل قراءة تم تحويلها الى قراءة عابرة للتاريخ متمثِّلة بكل اجتهاداتها بحق الآخر المختلف في تمثّلاته للدين([6]).

إلا أنّها أصبحت القراءة العالمة والمقياس على الرغم من تاريخيتها وأثر الظروف التي كانت تعيشها تلك الدولة، وهذا ما نجده في موقف الغزّالي الذي كان متشدداً في قراءته على وفق حاجه الدولة الى مواجهة أعدائها في الداخل والخارج وخصوصاً الفاطميين، في  هذا الصدد يأتي تقويم روزنثال للفكر السياسي عند الغزّالي، أنّه فكر واقعي ينطلق من أرضيّة سياسيّة براغماتيّة معاشة في زمانه، طرحتها جملة من الظروف الحاكمة والمتحكِّمة بذلك الوضع، بقوله: (إنّ الثغرة التي تفصل النظريّة التقليديّة للخلافة المستندة على الشرع عن الواقعيّة السياسيّة للخلافة العباسيّة المهيمن عليها السلطان السلجوقي رُبّما بدت جليّة وواضحة بأقوال الإمام اللاهوتي الشافعي المشهور والفيلسوف الديني والمتصوف أبي حامد الغزالي)([7]). إذ (ينطلق إرفن روزنثال في تحليله للفكر السياسي عند الغزّالي من مرجعيّات غزّاليّة بالأساس، وهي مجموعة مؤلفاته التي تناول فيها موضوع الخلافة والإمامة وأشكال الحكم، وطبيعة الحكم السياسي زمانه "=الخلافة العباسيّة، والحكم السلجوقي")([8])؛ لكنّ الغزّالي في هذا الموقف سرعان ما تغير في موقفه خصوصاً من التصوف – كما اشرنا سابقا - اذ (بفضل الغزّالي لم يعد الصوفيّة طائفة مضطهدة يلقاها فريق من الناس ساخطين منكرين؛ بل عزوا هم أصحاب الدين أكثر من سواهم وأصبح التصوف جزءاً عضوياً من الإسلام النصي)([9]).

هذا التأويل يمثل الموقف الأوّل الذي يحاول قبول التصوف ورفض الطرق الصوفيّة التي جعلها شعبيّة وعدّها متأثرةً في التشيع، والذي يحاول دراسة أسباب ظهور هذا التدين (الشعبي ) فهو هنا يعود الى قنواتي بقوله: (اتجاه ذو نزعة شعبيّة تمثّل في تأسيس الطرق الصوفيّة التي انتشرت في كافة أرجاء العالم الاسلامي)([10]) اذ يعود ظهور هذا التدين الى تفكك "مملكة الإسلام" على المستوى السياسي، وتحولها إلى كيانات قطريّة متنازعة، على نحو فسح المجال لطغيان التقاليد المحكيّة على حساب الهويّة الإسلاميّة الجامعة (الرسميّة السلجوقيّة).

ثم تزايد الأخطار الخارجيّة التي تمثّلت في الحروب الصليبيّة ثم الغزو المغولي؛ إذ أصبحت السياسة الإسلاميّة مجرد رد فعل لتلك التحديّات الطارئة .

واتساع القاعدة الشعبيّة للتصوف الذي استقطب جمهوراً غفيراً من المسلمين البسطاء، ممن قصرت معارفهم الدينيّة عن تمثل الصورة المعياريّة للإسلام تمثلاً صحيحاً .([11]) ثم إنه يميز هذا التصوف بسمات وكأنّه يميزه عن التصوف كما عرفة الغزّالي فيقول في سمات التصوف الشعبي إذ يقول في صفاته :( كان التصوف الشعبي مؤمناً بقدرات الأولياء الصالحين على التدخل والتوسط نيابة عن البشر، وعلى نقل قدرات الله الإعجازيّة الخارقة إلى العالم عبر أوليائه ...)([12]) وان هذا التصوف الشعبي كان مشبعا بالقيم والمعتقدات الشيعيّة ومن مظاهر ذلك ما دأب عليه الصوفيّة من الإعراب عن تقديرهم لآل البيت وأئمه الشيعة واحتراماً بلغ درجة التقديس، وهو ما أضحى بمرور الوقت ركناً أساسياً من أركان التصوف الشعبي . ([13]) نعم إنّ التصوف كان انعكاساً الى مشاكل وأزمات ثقافيّة وحضاريّة كما يقول تونبي (إن الحضارة لا تنهار لأسباب خارجيّة أبدا بل لأسباب داخليّة ذات طابع اجتماعي واضح؛ وإذا انهارت الحضارة نتيجة غزو خارجي مثلاً، فلا يجب أن تشتت هذه الواقعة انتباهنا عن أن الغزو لم يكن ليحطم حضارة ما لم تكن قد ضعفت من الداخل، وهذا الضعف الداخلي هو ضعف للمجتمع نفسه ولمؤسساته)([14]) وهذا الأمر لا ينطبق على التصوف الشعبي بل هو حالة تعود إلى حالة الازدهار التي كان يعيشها الاسلام كان الفكر العقلاني الاعتزالي والتعدديّة الثقافيّة والدينيّة والتعامل الحر مع النصوص بتأويلها في زمن البويهيين، لكن مع السلاجقة أخذت الأمة تنكمش على نفسها وتميل الى التفسير الحرفي للنصوص مع الأشاعرة الذين كانوا يلتزمون بحرفيّة النصوص والتمسك بالشعائر، ومع التصوف ازداد التقشف وحياة الزهد وهم أصحاب اتجاه عرفاني يعتقد في إمكانيّة اتصال المريد أو المتصوف بالحقيقة الإلهيّة إذا انعزل عن الماديّات وسيطر على جسده بالزهد والتقشف والصيام والبتوليّة، وهم عرفانيون مثل ابن عربي والسهروردي والحلّاج([15]).  بمعنى إنّ التصوف ليس وحده هو الدليل على الأزمة بل السلفيّة هي أكبر دليل على الاضمحلال والضعف .

بل نجد أنّ الدولتين العثمانيّة والصفويّة([16]) قد اعتمدتا على التصوف الطرقي في بناء دولتيهما بوصفه عصبيّةً دافعةً معنوياً في الجهاد من أجل بناء الدول، ولكن بعد حصول الاستقرار تتّجه الدول الى عزل تلك القوى والتقرب من السلفيّة ؛إبعاداً للتنافس وهنا تبدأ حملات الإبادة والتكفير للطرق الصوفيّة، حتى يحقق الملك التمسك بالسلطة بمفرده .

من الأمثلة على اعتماد العثمانيين على التصوف الشعبي في بناء ملكهم ما يذكره المصدر نفسه، وغيره اذ نجد أنّ العثمانيين قد احتضنوا التصوف بل اعتمدوه كآصرة او بتعبير ابن خلدون كعصبيّة وقوة معنويّة في توسعهم على حساب الدولة البيزنطيّة، فقد (ظهرت دول تركمانيّة فتيّة قبيل سقوط السلاجقة وبعد سقوطهم مضت في الدفاع عن كياناتها غير آبهة بسيطرة المغول الإيليخانيين)([17]) هذا الأمر حدث في الأناضول قبل دخولها من قبل المغول وكانت الدولة العثمانيّة منذ قيامها في أواخر القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) تعتمد على سياسة توسعيّة تقوم على التغلغل في الأناضول والتوسع في أراضيها على حساب القوّة المسيحيّة المتمثلة فيما بقى للبيزنطيين من أراض وممتلكات، ثم على حساب القوى الاسلاميّة المتمثلة بالإمارات التركيّة الصغيرة ابتغاء توحيد الأناضول تحت السيادة العثمانيّة . ولما كانت العشائر التركمانيّة هي القاسم الأساسي لبنية الإمارة العثمانيّة (في مرحلة تكوينها) سكانياً واجتماعياً، فقد بدا من الطبيعي أن تكون السيادة الدينيّة لأنموذج الاسلام الشعبي أو التصوف الشعبي .وأن يكون لأقطابه ودراويشه صلات وثيقة بالبكوات العثمانيين(وقد حلّت في الأراضي الحدوديّة ثقافة شعبيّة شاعت فيها الهرطقة الدينيّة والطرق الصوفيّة والآداب الملحميّة والقانون العرفي محل الحضارة المتقدمة في المناطق الداخليّة إذ تسود فيها المذاهب الدينيّة المعتمدة، علم الكلام المدرسي، وآداب البلاط المكتوب بلغة أدبيّة تتصف بالصنعة و التفنن، و أحكام الشريعة، وفي هذه الإمارات الأناضوليّة أصبحت اللغة التركيّة لأول مرة لغة الإدارة والأدب، ومن ناحية أخرى فقد كان المجتمع الحدودي يتّسم بالتسامح و التعقيد معاً)([18]) .

وكان لهؤلاء الدراويش أثرهم في توجيه الحياة الدينيّة عند العشائر التركمانيّة البدويّة التي يطلق على كبار مشايخها بـ "الأبدال و "البابات"([19]). والدراويش  عادة ً" كانوا يحملون الأجراس والعظام حول أعناقهم، يحلقون لحاهم ويرسلون شواربهم، في أيديهم يحملون السيوف الخشبيّة، أو النبوتات المعقوفة في نهاياتها . وكانت تصاحبهم الطبول والمزامير التي يرقصون على أصواتها بحركات قويّة . وكانت الأشياء التي يحملونها حول أعناقهم تثير نوعاً من الضجة مما يدفع المشاهدين إلى الابتعاد عن طريقهم . ولم يكن هؤلاء يبالون بالصلاة أو الصيام . أما بابا براق فقد كان يوزِّع الصدقات التي يحصل عليها على هؤلاء الدراويش والفقراء"([20]).

وكان لهذا التحالف بين الأمراء العثمانيين الأوائل مع أولئك الدراويش كان أمراً ضرورياً للإمارة العثمانيّة الناشئة وفيه فائدتان هما:

الأولى: الانتفاع بالقدرات القتاليّة لأولئك الدراويش و مريديهم في غزو الأراضي البيزنطيّة.

والثانية :إسباغ الشرعيّة الدينيّة على الحكم العثماني في مجتمع قبلي كان ينظر إلى الدراويش نظرة ملؤها التقدير والاحترام([21]).

ويبدو أنّ لهذا التعاون أثره الكبير في انتصارات الدولة العثمانيّة ورسوخها بفعل البعد المعنوي الذي جاء به الدراويش وقدراتهم في ترسيخ الايمان بالنصر بمواقفهم الشجاعة وإقدامهم حتى قدّمت السرديات  صوراً عنهم تقترب من الاسطورة في توسُّع السيطرة على الأرض والبشر الداخلين في الاسلام .لكن  على الرغم من كل هذا فإنّ هناك تصنيفاً للطرق الصوفيّة بين مؤيد للدولة ومقبول من قبلها وآخر معارض لها ويرفض أن يأخذ منها الصدقات والدولة ومؤرخوها يقصوه ويقللون من شأنه وفي ذلك يقول المؤرخ " إينا لجيك خليل" الطرق الصوفيّة في الدولة العثمانيّة قسمين:  القسم الاول يتضمن الطرق الصوفيّة المعروفة و(القريبة من السلطة ) التي لها تكايا تدعمها من قبل الأوقاف المؤسسة من قبل السلطات وكبار رجال الدولة والتي لها تنظيم واضح وشعائر محدّدَة، مثل: (النقشبنديّة، والمولويّة، والخلوتيّة) وفروعها المختلفة التي تتمركز في المدن وتستقطب أتباعها من الشرائح العليا في المجتمع، ولكل طريقة من هذه الطرق لها رايتها الخاصّة .والطاقيّة المميزة والأذكار والشعائر الخاصة بها . لكل طريقة من هذه الطرق الراعي او الحامي الخاص بها الذي تختاره من بين الأولياء أو الصحابة وتضع له شجرة نسب.

أمّا القسم الآخر فكان يضم الطرق الباطنيّة التي كانت تعرف عادة باسم الملاميّة أو الملامتيّة .فقد كانت هذه الطرق معارضةً للدولة، فقد اعتاد اعضاء هذه الطرق على العيش من عملهم ولم يتقبّلوا أيَّ مساعدةٍ أو صدقةٍ  تدفع لهم من قبل الدولة أو الافراد.

ومن ضمن هذا القسم كان الدراويش المتجولون، الذين عرفوا بالقلندريّة والحيدريّة والأبدال... الخ وقد كانت هذه الطرق التي انضمّت اليها مجموعة اجتماعيّة معينة معارضة للنظام السياسي([22]).

وقد ظهرت البكتاشيّة كوريث لتلك الطرق واحتلّت مكانةً متميزةً وتحديداً في الطريق التجاري المهم الرابط  بين (أنقره وقيصريّة )و الممتد إلى المراعي الصيفيّة المرتفعة، وهي المنطقة التي تقطنها بكثافة قبائل تركمانيّة ."([23]) في ضوء هذا يمكن أن نفهم دعوة السلطان العثماني حاجي بكتاش إلى مباركة الانكشاريّة ؛فالرجل عرف بشجاعته في الحروب التي خاضها في تلك الحقبة السابقة الى جانب رسوخ اسمه في عالم التصوف .وهذا يدفعنا الى الدخول في تأصيل الطريقة البكتاشيّة.

المبحث الثاني

الحفر في تكوين الطريقة البكتاشيّة

في هذا المبحث الذي يخوض غمار البحث عن الجذور نجد أنفسنا عند تأويلات مختلفة يطرحها مؤرخون ينتمون الى مرجعيّات متنوعة مرة أخرى وكل طرف يحاول تعداد ما هو متشابه وما هو مختلف انطلاقاً من خلفيته العقائديّة في التصنيف والتعريف لهذه الطريقة التي انتاب تاريخها تأويلات متنوعة تولد كثيراً من سوء الفهم الذي يتعارض مع التعريف السائد مذهبياً وعقائدياً إذ يظهر الحاج بكتاش وهو الولي، ومؤسس الطريقة وتنسب له البكتاشيّة، وهو صوفي تركي عاش في القرن العاشر الهجري(السادس عشر الميلادي)([24]) وهنا تأتي تأصيلات النسب كما تُعرض في بعض المدوّنات البكتاشيّة وخصوصاً في مصر التي دوّنت تاريخ الطريقة ([25]) فتقول عنه إنّه: هو  السيد محمد بن إبراهيم آتا الشهير بالحاج بكتاش، وهو ولي تركي قَدِم إلى الأناضول من خراسان في القرن الثالث عشر الميلادي، وترجع بعض الدراسات نسبه إلى خنكار الحاج محمد بكتاش الخراساني النيسابوري، المولود في نيسابور (1210 - 1270 ميلاديّة تقريبا)، ويعد خنكار  من أولاد إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ([26]).

فيما يؤرخ الشيخ جعفر الشيخ آل محبوبة بالهامش (تكيّة البكتاشيّة يقول: (البكتاشيّة نسبةً الى الشيخ العارف بالله السيد محمد الرضوي من أولاد الإمام الرضا "ع" و قيل من أولاد الكاظم "ع" من صلب ابراهيم الثاني، جاء من بلاد خراسان إلى بلاد الروم وهو المعروف بـ(بكتاشي) الولي الصوفي المشهور، وتنسب إليه هذه الطائفة القلندريّة الموسومة بالبكتاشيّة ...وكان الولي بكتاش المذكور من أصحاب الكرامات و أرباب الولايات وقبره ببلاد التركمان وعليه قبة عظيمة؛ وله زاوية يتبرك بها . وقد اعتكف مدّة من الزمن في النجف الأشرف ومكة المعظّمة وله أياد عظيمة على السلطان أورخان بن عثمان الغازي، توفي سنة 738 هـ  .([27])

كان من تلامذة  أحمد يسري ويونس أمره (ت 1321 م ) في آسيا الوسطى، وهو الذي دفعه للذهاب الى النجف الاشرف لدراسة الفقه، (واعتكف في النجف في زاوية الصحن، وبعد توسعة الصحن، جعل للبكتاشيّة (تكيّة)([28]) أي مقراً لهم وعمّرت تعميراً فخماً واسعاً، وحتّى سنة (1296هـ) كانت فيها آثار الدروشة تقع بجوار مرقد أمير المؤمنين (ع))([29])، فإنّ مدرسة الصحن هذه ربّما هي التي ذكرها الرّحالة ابن بطوطة عند زيارته لمدينة النجف عام 727 هـ وقد وصفها بقوله: «إنّها تقع حول مرقد الامام علي (ع) المدارس) والزوايا والخوانق معمورة احسن عمارة وحيطانها مزدانة بالقاشاني وهو شبه الزليج عندنا لكنّ لونه أشرق ونقشه أحسن ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفيّة من الشيعة»([30]).

وتُصنّف عادةً لدى بعض المؤرخين الاسلاميين على إنّ هذه الطريقة هي بمثابة  طريقة صوفيّة شيعيّة الحقيقة والمنشأ،  بمعنى يريد إخراجها الى خارج الطائفة والمذهب ويسقط عليها أحكاماً جاهزةً بحق الآخر وبعدها يصف تحولاتها التاريخيّة فيقول : (ولكنّها مع ذلك تربّت وترعرعت في  تركيا ومصر واستقرّت في ألبانيا. في أول الأمر استطاعت الطريقة البكتاشيّة أن تنتشر إذ أقام مريدوها من جنود الجيش الانكشاري ...

وقد شهدت الطريقة البكتاشيّة حالات مد وجزر في تركيا فبينما ناصرها بعض السلاطين، عارضها آخرون مفضلين طريقة صوفيّة أخرى عليها إلى أن أمر السلطان محمود الثاني بإلغاء الانكشاريّة وقد صدر مرسومٌ في  من قبل الحكومة التركيّة في سنة 1925م بإلغاء جميع الطرق الصوفيّة ومن ضمنها الطريقة البكتاشيّة، وكان آخر مشايخها هو صالح نيازي الذي سافر إلى ألبانيا، وانتخبه الدراويش البكتاشيون ليكون (دده بابا) أي شيخ المشايخ وهي أعلى منـزلة في الطريقة)([31]). وهناك من يريد إرجاعها الى جذور خارجيّة فيقول كما ورد هذا التعريف في الموسوعة عربيّة التي أكّدت فيه على: (وقد اعتنق البكتاشيّة مذهب التصوف في الأعداد ولاسيّما عقيدتهم في العدد 4، وهو مذهب متأثر بالفيثاغوريّة، وقد نقلوا ذلك عن كتاب "جاويدان" لفضل الله الحروفي..([32]).

يبدو أنّ البكداشيّة تواءمت مع طبيعة المكان والمكوِن الثقافي له ففي الوقت الذي نجدها في تركيا إذ التنوع الثقافي أوسع مما هو في ألبانيا فقد لاحظت إحدى الدراسات (واذا كانت البكتاشيّة في ألبانيا حافظت على نفسها كطريقة صوفيّة بالدرجة الأولى، فإنّ البكتاشيّة المتماهية مع "العلويّة الأناضوليّة" في تركيا، قد ضعف فيها الرابط الطرقي التقليديّ، ولم يعد "الدده" هو المرجعيّة الفعليّة لها، بقدر ما انتقلت المرجعيّة للقيادات السياسيّة ورؤساء الجمعيات المطالبة بـ"حقوق العلويين" الدينيّة والثقافيّة والسياسيّة، مثل تشريع دور عبادة خاصة بهم، وهو أمرٌ تحفّظ عليه رجب طيب أردوغان بشكل قوي قبل مدّة، والمطالبة بحق أبنائهم في تعليم ديني مختلف في المدرسة العموميّة، عن التعليم الديني السني الحنفي الذي تقدّمه المدرسة العلمانيّة في تركيا اليوم)([33]).

هذا التوصيف لا يراعي الأحداث وما تركته من أثر في منهجها في تركيا فبعد الانقلاب عليها وعلى الانكشاريّة دفعها الى التقيّة وجاء الانقلاب العلماني واستولى على المؤسّسات الدينيّة وهو من جعلها تحدث تحولاً عميقاً في سلوكها فهي مجبرةٌ عليه وليست مخيّرةً ثم جاء الاخوان وهم يتعارضون كثيراً معها؛ لهذا تحفّظ رجب طيب اردوغان.

·  تأسيس الطريقة البكتاشيّة:

ولما انتقل الحاج بكتاش ولي الى بلاد الأناضول ليؤسس فيها الطريقة البكتاشيّة، بعد انتشار اسمه بفعل كراماته التي تروى عنه من قبل أتباعه، فظهرت الى الوجود هذه الفرقة الصوفيّة في تركيا، فعرفت بانتسابها الى مؤسسها السيد محمد بن إبراهيم آتا الشهير بالحاج بكتاش، ويعرف في المرويّات التاريخيّة بأنّه ولي تركي قَدِم إلى الأناضول من خراسان في القرن الثالث عشر الميلادي، وأنشأ الخانقاه المعروف(بيير ادى) ببلدة (صوليجة قارا أويوك)، وشرع في الدعوة إلى طريقته وعندما يقفون على أصول الطريقة يقولون إنّها: خليط من الطرق التي تقدمتها وهي (القلندريّة، واليسويّة، والحيدريّة) ... واتّصلت بفرقة الانكشاريّة، وصار السلطان أورخان سنة(1326 ــ 1389م) مع فرقته الانكشاريّة إلى الحاج بكتاش، فأطلق الانكشاريّة على أنفسهم بالبكتاشيّة، إذ أقيمت تكيّة بكتاشيّة قرب كل معسكر للانكشاريّة ([34]).

مناقشة هذا النص في هذا النص أمران: الاول ربطها بطرق سابقة عليها هي (القلندريّة، واليسويّة، والحيدريّة) والامر الثاني يتناول علاقة البكتاشيّة بالانكشاريّة :

الأمر الأوّل: من هي هذه الطرق الثلاث (القلندريّة، واليسويّة، والحيدريّة)؟ في سبيل البحث عن اجابة لابدّ من تعريف هذه الطريقة وبيان ما قيل عنها ثم تحديد ملامح البكتاشيّة:

أوّلاً - القلندريّة:

هذه الطريقة تمثِل تياراً صوفياً ظهر في خراسان، في القرن العاشر . أسس هذه الطريقة الإيراني الصوفي "جمال الدين ساوي " ت 1233، وهو من الملامتيّة([35]) إنّ الشيخ المذكور لا يعد أن يكون أحد ممثلي تلك الطريقة التي نشأت وتشكّلت مبادؤها في إيران وآسيا الوسطى([36]). خراسان، ثم انتقل دراويش القلندريّة إلى الأناضول أفواجاً، فراراً من الغزو المغولي . وهذه الطائفة منقسمة على قسمين الأوّل: طائفة من الدراويش الهائمين على وجوههم في قرى  الأناضول ومدنها، سواء كانوا جماعات أم فرادى، ويطلق عليهم أسماء عدة منها: الإباحيّة، الزنادقة، جوالقة القلندريّة، أو الأبدال، وأطلق الايرانيون اسم الأبدال على الدراويش الذين انحرفوا عن الدين، ثم تلقب بالأبدال دراويش القلندريّة، والحيدريّة في الأناضول على وجه الخصوص حتى نهايّة القرن الثاني عشر للميلاد.

والقسم الآخر تنتسب إلى المذهب الصوفي المتميز كمذهب أبي بكر نقساوي وشمس تبريزي([37]) .([38])وذُكر عن القلندريّة أنّها فرقة صوفيّة لها آدابها وقواعدها؛ طرحت التقليد بآداب المجالس، وخرجت على المعتاد واكتفت بالفرائض من صلاة وقيام وانصرفت عن زينة الحياة الدنيا .كانت الطائفة هائمة على وجهها في أرجاء البلاد الإسلاميّة في (مصر وسوريا والعراق والهند واسيا الوسطى والاناضول ...) اتسمت بالتمرد على النظام الاجتماعي والأخلاقي بعد أن تسرّبت إليها افكار مبهمة عن الوجود والنزعة الشيعيّة المغاليَة .([39]). وقيل إنّ هذه الطريقة كان لها وجود في خراسان مثلما كان لها وجود في الأناضول ؛ولهذا كان هناك لقاء بين الحاجي بكتاش وجماعة من قلندريّة خراسان في مستقره بقير شهر([40]).

ثانياً- اليٌسويّة:

مؤسس هذه الطريقة هو: أحمد اليوسوي (ت 1167م)، وهو أول من نهج نهجا صوفيا ذاع بين الاتراك وكانت لطريقته الصوفيّة مكانة في النفوس في الحقبة المبكرة من دخولهم في دين الله.

والدراويش اليسويّة من قبائل القبجاق والاوغوز، كانت منزلتهم عند الناس أرفع منزلةً من دراويش الطريقة الكبراويّة .

بسبب حروب الخوارزميين مع المغول، وقد (ترك الدراويش موطنهم في بلاد ما وراء النهر، متعلقين بأذيال الفرار أمام جحافل جيوش جنكيز خان إلى الأناضول مع عدد من القبائل التركيّة)([41]).

وقد نقلوا تراثهم التركي وكل المعتقدات التي تتمحور حول مناقب الأولياء من وسط آسيا إلى الأناضول، فضلاً عن كون هؤلاء الدراويش الملقبين بـ "بابا" كانت لهم صفة رجل الدين عند الشعب التركي .وقد حكوا على غرار القصص الاسلاميّة قصصاً عن أحمد يسري، ومناقب الأولياء المسلمين ونشروها بين شعب الأناضول ويحتوي كتاب الولايّة للحاج بكتاش على قسم من هذه المناقب والروايات اليسويّة([42]).

وقد ذهب عددٌ من الباحثين إلى أنّ الطريقة اليسويّة مشتقة من ملامتيّة خراسان، وإنّها اختلطت بعقائد تركيّة قديمة([43]).

ثالثاً- الحيدريّة :

تنسب الى قطب الدين حيدر ت 1225م الذي عاش معظم حياته في عزلة شديدة فوق أحد الجبال .وهو بهذا السلوك يختلف عن تلك الدراويش الجوالة التي جاءت بعده وانتمت الى طريقته . لقد اصاب طريقته انتشار واسع في جميع أنحاء ايران، وهناك مصادر تشير إلى وجود صلة قويّة بين قطب الدين حيدر، وحاجي بكتاش، ومن هنا دأب البكتاشيّة بعد تشكيل طريقتهم واستقرار نظامها على إحياء ذكرى شيوخ الحيدريّة؛ تأكيداً لعمق الصلات بين الطريقتين([44]).

وقد دأب الحيدريّة على التنقل بين بلدان المشرق الإسلامي في صورة جماعيّة.([45])، وهناك مشابهة كبيرة بين القلندريّة والحيدريّة في (العادات الدينيّة ومظاهر السلوك وقيم الزهد المتطرف)، حتى عدّ بعضٌ من المؤرخين الحيدريّة امتدادا للقلندريّة او فرعاً من فروعها .

الحيدريّة في الأناضول:

دخلت الطريقة الحيدريّة بلاد الأناضول في القرن الثاني عشر الميلادي، أبان حقبة السيادة المغوليّة إذ انتشرت في بعض القرى والمناطق الآهلة بالعشائر التركمانيّة، كما كان لها وجود ملحوظ في بعض المدن، وتشير المصادر التركيّة إلى شيخين من شيوخ الحيدريّة في الأناضول .  في منتصف القرن المذكور، وهما: حاجي مبارك حيدري، الذي كان يقيم بزاوية في قونية، والشيخ محمد حيدري، الذي كان يعمل بستانياً وروي أنّهما  كانا على صلة وثيقة بمولانا جلال الدين الرومي، الذي كان يعده أحد مريديّة المقربين([46]).

ومن سمات الحيدريّة أنهم (كانوا يحلقون لحاهم ويبقون شواربهم على عادة الحيدريّة، على كتف كل واحد منهم جوكان)([47])، ومعهم أجراس، وكل واحد مخلوع الثنيّة العليا، وبالجملة فقد كان منظرهم بشعاً وهيأتهم مستقذرة ([48]).

وكان الشيخ براق ملازماً للعبادة (خلافاً لجمهور الحيدريّة )، وله أوراد وأذكار ومعه محتسب يؤدِّب أصحابه، فمن ترك الصلاة أو أخرها عن وقتها ضربه أربعين سوطا، وحين عوتب على هيأته المنكرة قال أردت أن أكون سخريّة للفقراء([49]).

الحيدريّة بين التصوف والتشيع:

تقوم الفلسفة الصوفيّة للطريقة الحيدريّة على أساس من التجرد الكامل عن كل ما يربطهم بالحياة الدنيا من علائق وصلات ماديّة، ومن هنا فلم يكن لهم موطن ثابت أو مكان يستقرون فيه؛ إذ المكان في تصورهم إحدى العلائق الدنيويّة التي يعين التجرد منها ولذا فقد عاشوا حياتهم هائمين على وجوههم .كانوا يعلِّقون في أعناقهم أطواقاً حديديّة باعتبارها رمزاً إلى التحرر المطلق من كل رغبة ماديّة.كذلك فلم تكن لهم طقوس دينيّة أو شعائر خاصة تميزهم عن غيرهم([50]).

وللحيدريّة ميول للتشيع قويّة كزعمهم أن طريقة الإمام علي بن ابي طالب(ع) هو الطريق المفضي الى الله، وأنّ معرفة ذلك الطريق تعني بلوغ السر الإلهي، وشدّة اعتقادهم في أئمة الشيعة الاثني عشر ([51]).

القلندريّة والحيدريّة (المبادئ والطقوس):

كان القلندري يرتدي ثوباً متواضعاً من الصوف أو اللباد، أسود اللون أو أبيض . و آخرون كانوا يكتفون بارتداء سترة قصيرة فضفاضة  تشبه بالجوالق (الشوال)؛ ولذلك قيل عنهم الجواليقيّة .

كانوا يسيرون حفاة حاملين: إناء (طاسة) يضعون فيها ما يتسولونه من الناس، وعصا خشبيّة، فضلاً عن الحلي المعدنيّة كـ(الأساور والخواتم والعقود والأحزمة والخلاخيل)، ومعلقتهم الخشبيّة الطويلة([52]).

ولم يكترث أولئك الدراويش بالمجتمع، فاستوى عندهم إرضاؤه أو اغضابه، بل إنّهم كانوا حريصين على اغضابه، احتقاراً له، واستهانةً بما تواضع عليه من رسوم وتقاليد([53]).

وكانت الحيدريّة تتخذ من الحديد عادة شعاراً يعرفون به، فكان الصوفي الحيدري يلبس في يده سوارين ويضع في أصابعه خواتم، ويحمل في عنقه طوقاً من حديد كالغل، أو يعلق في أذنيه حلقتين من حديد([54]).

عقيدة الحيدريّة :

حقيقة الإنسان الإلهي: إن هذه العبارة: لا يمكن للإنسان من الوصول إلى سر الإمام علي (ع) لدى الحيدريّة، بل يجب على الإنسان التخلص من الطمع والسعي إلى الجذب الروحي والقبض العميق .

الفيض العميق يعني التطهر من الأنانيّة والغرور، والكبر والتكلف، الإنسان لم يخلق للمظاهر الخدّاعة، بل هو مصدر انبعاث الحب، ويجب عليه ان يتعامل مع الآخرين بقلب رقيق . والدنيا ليست متاعاً يخص فئة معيّنة من الناس، بل إنّها ملك للجميع وترى الحيدريّة أن الملكيّة الخاصة للإنسان، وتقسّم الأراضي على حدود، يتنافى مع طبيعة الإنسان .كما أن الزواج التقليدي لا لزوم له .

الحب لديهم يعني رؤيّة الله في وجوه النّاس والشعور بوجوده وعظمته، فإنّ الإنسان عندما يتّحد بالله يتحقق له الجذب الصوفي والعرفان، ومن ثم يصل الإنسان إلى الوحدة والكمال الروحي والخلوة.

رابعا - البكتاشيّة:

كانت تلك هي البدايّة التي منحت الطريقة طابعها الرمزي والعسكري فكانت زاد الانكشاريّة الذي يدفعهم إلى القتال وكانوا آلتها(أي الطريقة البكتاشية)، في التبشير بطريقتها وما تحمله من منهج ورؤيا سواء كانت للإنسان أو الكون، تلك الرؤيّة التي وجد بها الاتراك وغيرهم ميراث روحي مشترك له مقاربات كثيرة تعبِّر عن بنية روحيّة تجمع بين التجربة الفرديّة واقتباسات رمزيّة وطرقيّة تسهم في نمو شجرة الأمل بالنجاة الروحيّة التي أرستها تلك المدارات او الطرق التي تتقاسم تراث مشترك صوفي يعبر عن لوعة عابر سبيل يبحث عن النجاة الروحيّة التي تتقاسمها نقطة "شوق وحرف أنين"([55]). التي تناغمت مع الطريقة المولويّة الصوفيّة  لمؤسسها جلال الدين الرومي – ومع بابا الياس الذي كان يعمل قاضياً في مدينة قيصري العثمانيّة وشعراء الساز - وهي آلة موسيقيّة وتريّة يستعملها الشعراء الشعبيون - الذين يطلق عليهم بـ( الشعراء العشّاق ) أيضاً، ومعظمهم من الشعراء، لتكتمل بذلك مذاهب التصوف الاسلامي في الدولة العثمانيّة.

فإنّ روح التصوف التركيّة التي امتزجت بالإسلام فشكلت رؤيّة للوجود، دخلت تركيا مع الفتح العثماني، أي إنّها جاءت مع السلاجقة التركمان فهم من حملها الى بلاد الأناضول ، وكان لهما أثر في انتشارها؛  على الرغم من  أنّ البكتاشيّة – كطريقة صوفيّة – قد تكاملت بعد بكتاش ولي بقرن تقريباً . وقد التزم الشيخ بكتاش ولي في آماسيا - التي استقر فيها - الشيخ بابا اسحاق الذي ثار مع أتباعه التركمان ضد السلاجقة عام 1240 ميلادي، غير أنّ السلاجقة قبضوا عليه واعدموه([56])؛ فهذا التراث ينتمي الى منهج صوفي يتّخذ من الانسان بوصفه أثراً من آثار الله الخالق وما يعيشه من تجارب روحيّة هي انعكاس محض لله، وهذا ما نستدل عليه من سؤال الشيخ بكتاش ولي في مقالاته (1971/12 ) " فاذا سألت المحبّين: كيف عرفتَ الله ؟ اجابك: عرفناه من أنفسنا؛ لأنه كامنٌ فينا، ودليلنا الى ذلك هو قول رسولنا الكريم 9: من عرف نفسه فقد عرف ربّه . ويعني المحبون بذلك أنّ الله كامن في الذات البشريّة، فكيف يستطيع الوصول اليه من يبحث عنه في مكان آخر؟ ". لأنّ فلسفة الأخلاق البكتاشيّة تنظر الى الله والإنسان بعين القلب، ولذلك فإنّها تقيم الدنيا على أسس المحبة والعشق كأسلوب جديد في الحياة. ومن هنا فإنّ التفسير - او التأويل -  الباطني للقرآن الكريم قد أضاف شيئاً كثيراً الى فهم الاسلام وطراز حياة المسلمين([57]).

إلا أنّ العاشق الذي يعرف شروط الشريعة، يعرف ـ أيضاً ـ معنى الطريقة. وأنّ من يؤدي شعائر الطريقة، يخوض في بحر الحقيقة؛ لأن البكتاشيّة تؤمن بأنّ الطريقة قرينة الحقيقة والشريعة معاً .([58])، إن أحوال الصوفيّة ومقاماتها ترتكز بشكل أساسي على القرآن والحديث وأقوال الصحابة وسلوكهم وأقوال مشايخهم في ترك الدنيا والتوجه إلى الله كليًّا .([59]) وفي هذا يقول الغزاليّ (سر القرآن ولبابه الأصفى، ومقصده الأقصى دعوة العباد إلى الجبار الأعلى، رب الآخرة والأولى، خالق السماوات العلى والأرضين السفلى وما بينهما وما تحت الثرى )([60])، وقد تجلّت العلاقة بين التصوف والإسلام في الآتي: الإسلام الإيمان والإيقان، وإذا كانت الشريعة والحقيقة والطريقة مراتب للمعرفة في طبيعتها، فالإسلام والإتقان مراتب لها من حيث حصولها للعارف، فالمراتب هذه قد لوحظت فيها الذات التي تحصل لها،  و إنّها مراتب للمعرفة و مراتب للشرع إذ (الدين الإلهي والوضع النبوي المسمّى بالشرع مشتمل على الإيمان بالله وبرسوله وملائكته وكتبه، والأحكام التي جاءت من عند الله على يدي رسله وأنبيائه، ولهذا الدين مراتب، أوّلها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإيقان([61]).

فإنّ كلام الحاج بكتاش ينتمي الى تلك المرجعيّة الصوفيّة في نظرتها وتأصيلها واتقانها؛ إلا أنّ الحدث الدينيّ بانفتاحه على التجارب العرفانيّة يبقى عميق الحضور في الوعي الانساني وكان من تجلياته تلك العلاقة الأفقيّة بين السماء والأرض، والتي تمظهرت بأشكال متنوعة من التعبير الإنسانيّ إزاء المقدس وكان السبب في ظهور الفنون على تنوعها الحدث الديني ومنها الموسيقى، إذ أدّت الموسيقى والغناء دوراً مهما في التصوف والعشق للطريقة، أعتقد أنَّ ظهور الخطاب الصوفيّ أولا، والطرق الصوفيّة ثانياً، كان لهما أثرهما في تطور العلاقة بين الدين والتصوف. لقد تركت الموسيقى حضوراً فعّالًا في الممارسات الطقوسيّة الدينيّة عامة. إذ نجد أن المقام كان له حضور واضح في كثير من الممارسات الدينيّة . ومنها الأجواء الصوفيّة وما يرافقها من طقوس وموسيقى ومن الممكن تلمس آثارها في أكثر من مكان و لها لون خاص وسمات خاصّة تختلف عن غيرها .

قانون الطريقة البكتاشيّة الخاص:

كان هذا القانون قد أظهر تلك الأفكار التي عرضناها عن التصوف والسلوك العاشق، وقد استلهم كل هذه المبادئ "أحمد سري دده بابا" آخر شيوخ البكتاشيّة في مصر الذى صاغ القانون وهو قانون يشرح الطريقة بأنها: (أخويّة ديمقراطيّة منزّهة عن الأغراض الشخصيّة، خاليّة من التعصب الديني .اذ تصدّرت المادة الثانية من قانون البكتاشيّة، عبارة: يحظر على رجال الطريقة الاشتغال بالسياسة، وكل من يثبت خروجه على مبادئ الطريقة يفصل نهائياً، وتتكون مراتب الطريقة البكتاشيّة من العاشق وهو الذي يميل إلى الطريقة ويهيم في مبادئها  إذ تسيطر عليه الروح البكتاشيّة وتكون لديه الرغبة الأكيدة في الانضمام إلى الطريقة وهو مرشّح بعد التزكيّة لدرجة " طالب " وهو الذى يقضي مدّة في درجة العشق، يعلن بعدها رغبته في الانتساب، بصفة رسميّة، ويزكيه ثلاثةٌ من الإخوان، ويبقى في انتظار موافقة الشيخ، لأخذ إقراره وإعطائه عهد الطريقة، والمرتبة الثالثة تسمى المريد أو المحب، وهو الطالب الذى ينتسب إلى الطريقة، في حفل عام ويتوب توبة نصوحاً، ويتقبل تعاليم الشيخ ونصائحه وشروطه، وبعد الإقرار والقبول يعطى العهد ويدخل في زمرة المريدين، وهو المحب الذى يرقى إلى رتبة درويش، والدرويش فى البكتاشيّة نوعان:

متجرِّد: وهو الذى يهب نفسه لخدمة الطريقة، بصفة دائمة، فيتجرّد عن الدنيا ونوازع نفسه، ويقيم في التكية مكرِّساً حياته للعبادة والخدمة، ويتقدم على الدرويش المتأهل، في حلقات الذكر.

المتأهل: أي المتزوج هو الذى يقوم بالخدمة في أوقات فراغه ويحظر عليه ارتداء الملابس والعلامات البكتاشيّة، خارج التكية.

يرتفع في المرتبة الخامسة من المراتب البكتاشيّة البابا "الشيخ" ،ولا يرقى إليها الدرويش إلا بعد مدّة طويلة يحصل خلالها على علوم الشريعة والطريقة وتذوق معاني التصوف وفهم غوامضه وأسراره، ويقع في المرتبة السادسة الدده "الجد"، وهو البابا الذى يرتقي إلى درجة خليفة وهذه الدرجة لا يمنحها إلا شيخ المشايخ أو "الدده بابا" وهو المرشد الأعظم، الذى يُنتخَب للرئاسة العامة للطريقة، وهو الذى يرقى على الباباوات وله حق تعيين مشايخ التكية وعزلهم..([62])، يبدو أنّ هذا التصنيف قد كان حاضراً في ممارسات كثير من الطرق الصوفيّة التركيّة، وكانت في البكتاشيّة ممارسة تحوّلت الى قاعدة مع آخر شيوخها قبل اغلاقها في مصر زمن الثورة.

انتشار أثر الطريقة:

لقد كان لها اثرها في الطرق الصوفيّة التي امتدت في أماكن كثيرة في العالم الاسلامي، ومنها نجد أنّ مجالس السماع الصوفيّ  كان حضورها طاغياً في بلاد المغرب العربيّ، إذ تعددت الطرق الصوفيّة والرباطات والزوايا التي مثّلت مسرحاً واسعاً لممارسة الإنشاد الدينيّ والذكر والسماع قديماً. ومع ظهور السلالات الفارسيّة والتركيّة ظهرت كثير من الطرق الصوفيّة  في الشرق وصولا الى الهند، وفي المغرب العربي الإسلامي وقد صار لكل طريقة صوفيّة مُريدون وأشعارها وأورادها الخاصة بها، فضلاً عن أسلوبها في الغناء والرقص. بل إننا سوف نجد أنَّ لهذا التراث أثراً عميقَ الحضور في الموسيقى العربيّة اليوم، ولكنَّ الأثر العثمانيَّ في الموسيقى الصوفيّة كان كبيراً، فقد كانت تركيا تسيطر على الشرق العربي سياسيَّاً وثقافيَّاً، وذلك في حقبة الدولة العثمانيّة الشهيرة للعالم العربيّ، وكان السماع العثمانيّ قد بلغ شأناً كبيراً على أيدي مجموعة من الطرق الصوفيّة، التي ازدهرت في أنحاء الدولة العثمانيّة كالمولويّة([63]) (الدراويش) والبكداشيّة. التي انتشرت مع الجنود الانكشاريّة  في الجزائر حيث كانوا يتخذون من الموسيقى باباً من ابواب الورود اذ (كان الجنود الماهرون في الموسيقي والغناء يسمّون (العشّاق) وكانوا يؤدّون غالبا الأناشيد والأغاني الصوفيّة التي أخذوها عن الطريقة البكداشيّة... حيث تدور أغانيهم غالباً حول مواضيع الحب والعشق الصوفي إضافة إلى ذكر أيّامهم الجهاديّة وحروبهم وانتصاراتهم وأحيانا خيباتهم....لا شك في أنّ التصوف بوجه عام والطرق الصوفيّة بشكل خاص، كان لها تأثير كبير في الثقافة الشعبيّة والفنون، وقد توسّلت المرجعيات الصوفيّة من (الزهاد والعارفين وشيوخ الطرق)، منذ وقت مبكر بالفنون والثقافة الشعبيّة لتقوم بوظيفتها في نشر و تجذير خطابها الديني والروحي والاجتماعي وحتى السياسي أحيانًا في الطبقات السفلى من المجتمع (البسطاء والفقراء) التي شكّلت الخزّان الذي لا ينضب والمحرِّك الأقوى لدواليب الحركة الصوفيّة من خلال تركيز شيوخ الطرق عليها والتصاقهم بها في  المعيش اليومي([64]).

الصلة بين البكتاشيّة والانكشاريّة:  

لقد ارتبطت الطريقة بالدولة وقد تحوّلت الى رأس مالٍ معنوي يتم انشاء جيش خاص هم بمثابة حرس خاص من عبيد السلطان، وقد تحوّلت الطريقة الى دين الدولة الرسمي وقد ارتبط هذا الدين بالانكشاريّة فأثّرت في موقع الطريقة في الدولة من ناحية فاحتلت مكانةً وحاكميّةً في الدولة، وانتشرت في ربوع الأراضي الخاضعة الى الدولة فكان الانكشاريّة يجدون بها زاداً  ورأس مالٍ معنوي يقومان بتوحيدهم، أمّا من ناحية ثانية فقد تأثّرت بالعلاقة الصراعيّة بين الدولة والانكشاريّة اذ تأثرت الطريقة بتلك العلاقة مثلما جنت مكاسب منها في أوّل الأمر، إذ تحوّلت فيما بعد الى سبب دمار مكان الطريقة وعلاقته بالدولة؛ لهذا  تعرّضت ـ أي الطريقة ـ الى هزّات عنيفة بفعل سلوك الانكشاريّة وموقف الدولة حتى تم القضاء عليها مع القضاء على الانكشاريّة فأصبحت مطرودةً خارج الدولة تعمل في ألبانيا ومصر إلا أنّها اعتمدت على التقيّة داخل الدولة ومع سقوط الدولة لم يتغير الحال فقد تعرّضت الى التضييق بفعل مشروع العلمنة. ويمكن تقسيم المراحل التي مرّت بها العلاقة بين الدولة العثمانيّة والطريقة البكتاشيّة على ثلاث مراحل، هي:

المرحلة الاولى الانكشاريّة كحرس خاص: بعد اعتماد الدولة على رابطة العصبيّة القبيلة العثمانيّة وقتالها العنيف مع خصومها استطاعت القبيلة أن تتحوِّل الى دولة خلافة تحتكر الإرث الرمزي للخلافة الاسلاميّة خصوصاً وإنّ النفوس كانت تعاني من فقدان الأندلس وتضخم دور العدو الغربي المسيحي فجاءت خلافة العثمانيين من أجل استثمار هذا الفراغ المعنوي، ومن ناحية ثانية أرادت أن تفارق الصراع العشائري الى عقيدة جامعة فوجدت في الجمع بين الفقه السني والروح التركيّة الميّالة الى العرفان والتصوف، فظهر التحالف بين الدولة القائمة على أساس القبيلة العثمانيّة التركيّة والطريقة البكتاشيّة من خلال الاتفاق بين السلطان مع الحاج بكتاش، الذي كان قد ذاع صيته حتّى وصل الأمر إلى السلطان أورخان العثماني المتوفى سنة 761هـ عمد هذا السلطان إلى الشيخ خنكار ليكون بمثابة المرجع الروحي ومؤسس العقيدة او الطريقة التي يتربّى على اساسها عبيد السلطان من أسرى الحروب مع الدول الغربيّة المسيحيّة أو من أفراد الأسر المسيحيّة الخاضعة للسلطنة يؤخذ واحد من خمسة من الأولاد من ابناء الأسر المسيحيّة .

وقد توجّه السلطان العثماني اورخان، بالفرقة الاولى من المجندين الجدد إلى الدرويش حاجي بكتاش، وترجاه  أن يباركهم ويخلع عليهم اسماً، فما كان من الولي بكتاش؛ إلّا وضع كمه فوق رأس أحد الواقفين في أول الصف الأول، ثم قال للسلطان :"إن القوات التي أنشأتها ستحمل اسم (يني حري) وستكون وجوههم بيضاء وضّاحة، وستكون أذرعهم اليمنى قويّة وسيوفهم بتارة وإبهامهم حادّة، وسيوفقون في المعارك ولن يبرحوا ميدان القتال؛ الا وقد انعقدت لهم ألويّة النصر". وقد قدّم بكداش علماً أحمر للسلطان يتوسطه هلال وسيف، ليصبح العلم الرسمي للإنكشاريّة.

وتخليداً لبركة بكتاش كان الانكشاريّة يضعون على رؤوسهم قلنسوة من لباد الابيض، شبيهة بالقلنسوة التي يضعها بكتاش، تتدلى منها من خلف قطعة من الصوف، باعتبارها رمزاً لكم الولي الذي بارك به رقبة زميلهم،  من هنا نكتشف أمرين:

الأوّل: إنّ السلطان يريد شكلاً جديداً من الجيوش يطلق عليهم بـ(جيوش العبيد) ، وهو نظام خاص موجود في روما، وفي الدولة العباسيّة في عهد المعتصم يوم قربت الترك وفي المماليك في الدولة الفاطميّة والعصر الأيوبي الذي خلف حكم  المماليك . وهو يمثِل نهايّة العصبيّة القبليّة التي أوصلت السلطان الى الحكم إلا أنّها خلقت نزاعات بين أفراد القبيلة ؛لأنهم يرون أنفسهم جميعاً متساوون في الانتساب الى القبيلة ويحملون الدم والعرق والشرف ذاته، فلم يتسيّد فرع على باقي الفروع وهو أمرٌ عانت منه الدولة العربيّة الاسلاميّة التي تفرّعت عن حاكميّة قريش والتي انقسمت عرقياً إلى: (العلويين والعباسيين الأمويين )وكلهم من قريش.

والأمر نفسه يذكره المؤرخون بوصفه كان يكمن خلف مطلب السلطان يوم أراد تأسيس جيش من العبيد يكون بمثابة السيد وهم العبيد له، إذ أراد توحيدهم خلف عصبيّة هي الرأسمال الرمزي الذي يوحدهم على الرغم من تنوعهم العرقي .اذ ارجع المؤرخون تأسيس الإنكشاريّة إلى السلطان أروخان غازي، ثاني سلاطين الدولة العثمانيّة. وكانت الفكرة تتمحور حول إنشاء فرقة عسكريّة مدربةً تدريبًا خاصًا، تعمل على حماية السلطان بشكل خاص، وتتلقى منه الأوامر المباشرة، فهي لا تدين بالولاء أو التبعيّة لأي من نبلاء العثمانيين أو أمرائهم.

الأمر الثاني: وهو كيف احتلت الطريقة البكتاشيّة هذا الموقع إذ تحوّلت الى عقيدة يتم تلقينها بالقوة حتى ينصهر الأطفال بها فيتحولون الى جنود في دولة أسرتهم واستعبدتهم وهم يدافعون عنها بعد أن جمعت الدولة بين العقيدة والتدريب الصارم. وقد تم صياغة قانون ينظم هذا التنظيم الجديد على وفق قانون “الدويشرمه” عمليّة جمع وإعداد أفراد الإنكشاريّة، إذ يتم جمع الصبيّة والشباب العُزاب من أبناء العائلات المسيحيّة، ويتم إحداث قطيعة تامة بينهم وبين أسرهم بل أصولهم الجغرافيّة والدينيّة، وذلك لضمان الولاء الكامل للسلطان فقط ،ومن هذا تربيتهم تربيّة إسلاميّة  على وفق البكداشيّة، وتعريضهم لتدريبات شاقّة ومكثّفة على فنون القتال المختلفة، فضلًا عن تعليم بعضهم فنون السياسة والإدارة، وهؤلاء ينتقون لشغل المناصب السياسيّة في القصر السلطاني، وبهذا يضمن السلطان العثماني تحكمه في زمام الأمور، من دون أي محاولة للتسلق وتوسيع النفوذ عبر تلك المناصب.

وقد حرص السلطان على تعليمهم على تعاليم الإسلام الصحيحة، وتنشئتهم على القتال وحب الشهادة والولاء للسلطان. في حين يدّعي بعض المؤرخين الأجانب أنّ العثمانيين وبموجب قانون سلطاني يطلق عليه ضريبة الغلمان أو الأبناء، قد عمدوا إلى أخذ الأطفال المسيحيين من عائلاتهم، ويتضمن القانون المزعوم وجوب أخذ خُمس أطفال كل مدينة مفتوحة، وضمّهم إلى الجيش العثماني. وهذا الطرح مخالف للحقائق، ويشهد بخلافه ما عرف في كل العالم، عن تسامح الدولة العثمانيّة مع رعاياها من جميع الأديان([65]).

كيف ولد هذا الاتفاق وجعل من الطريقة بمثابة الرأسمال المعنوي الذي يوحد الجنود خلف سلطانهم مشكلين الجيش الانكشاري، بزيهم الأحمر، ولاطيّتهم البيضاء الكبيرة، تميّز جنود الإنكشاريّة عن بقيّة أفراد القوات العسكريّة في الإمبراطوريّة العثمانيّة على مرّ تاريخها. إنّ معنى الاسم الانكشاريّة يرجع الى الكلمة بالتركيّة الحديثة (بالحروف اللاتينيّة)، تكتب هكذا: yeniçeri، وهي مُكوّنة من مقطعين، المقطع الأوّل “يني” ويعني الجديد، والمقطع الثاني “تشري” ويعني العسكر، إذ تشير الكلمة إلى “العسكر الجديد”، ثمّ بدخولها إلى العربيّة تحوّلت اللفظة إلى “الينيجاريّة” (بتعطيش الجيم)، ثم “الإنكشاريّة”. ويذهب بعضهم إلى أنّ أوّل من نطقها الإنكشاريّة هم بعض علماء الأزهر في مصر. وفي بدايات تكوينها، كانت تسمّى هذه الفرقة بعبيد السلطان.. ولهذه حكايّة.

المرحلة الثانيّة الانفصال عن السلطان: ومن المواقف الفارقة في تاريخ الإنكشاريّة، الفرمان الذي أصدره سليمان القانوني، بإلغاء تبعيتهم المباشرة إلى السلطان، وجعل قيادتهم منهم. ذلك الفرمان أسس لاستقلالهم وتطوّر تطلعاتهم نحو مزيد من السلطة. وبالفعل استطاع الإنكشاريّة الحصول على امتيازات عدّة عززت من سلطتهم، من بينها الاعتماد عليهم لأداء مهام الشرطة داخل المدن والولايات العثمانيّة. وبالجملة، فإن طبيعة البنية التنظيميّة للإنكشاريّة، ثمّ أساليب تدريبهم وتربيتهم، جعلت منهم طائفةً أو طبقةً مستقلة بذاتها، بعيدة عن أنماط العلاقات والتحالفات داخل الدولة العثمانيّة، وأسرتها الحاكمة، ولذلك كان السلاطنة حريصين على إغداق الإنكشاريّة بالأموال والعطايا؛ درءًا لأي تمرد مُحتمل.

الصوفيّة على الطريقة البكداشيّة:

كما قلنا في المقدمة ظهرت علاقة الدولة بالطريقة من خلال موقع الانتشاريّة في الدولة وأثرها قوّةً أو ضعفاً ، يبدو في الطريقة اذ ارتبطت الإنكشاريّة بالطرق الصوفيّة، وتحديدًا الطريقة البكداشيّة، والتي التحق بعض كبار مشايخها بألويّة الإنكشاريّة، حتى تم ضم الطريقة رسميًّا إلى الكتيبة 99 من فرقة الإنكشاريّة. وكان أعضاؤها يتقدّمون العروض العسكريّة للفرقة بأزيائهم الخضراء مرددين ابتهالات صوفيّة. وبذلك استطاعت الطريقة البكتاشيّة أن تنتشر إذ أقام مريدوها من جنود الجيش الانكشاري المقامات على قبور من مات من مشايخها في مناطق مختلفة. (وقد بلغت هذه الطريقة أوجها في عصر السلطان سليمان القانوني وهو العصر الذي دخل فيه العثمانيون العالم العربي والجزائر. وكان رئيس البكداشيّة آنذاك يسمّى (شلبي) ويقيم في اسطنبول. وكانت لهم مراكز ونظم سريّة وعلنيّة في مختلف أنحاء الدولة العثمانيّة وخصوصًا في أناضوليا ورومينيا. وقد أصبحت الدولة العثمانيّة في تلك المرحلة تخشى الطريقة البكداشيّة التي أسهمت في تأسيس هذه الدولة مساهمة فاعلة، لذلك كان العثمانيون يساندون معها طريقة أخرى هي المولويّة ـ نسبة إلى مولانا جلال الدين الرومي ـ لتحفظ بها التوازن)([66])  وقد أسهم انتصار الانكشاريّة في السلطنة الى انتشار الطريقة اذ كان الجنود هم الدعاة لها (وقد كان الفنانون من الجنود الانكشاريّة يتنقّلون في أوقات فراغهم من المشاغل العسكريّة، من مقهى إلى مقهى وفي الأعراس حاملين معهم آلاتهم (الطبل، الكمان، المندولين، وآلات أخرى) إذ تدور أغانيهم غالبا حول مواضيع الحب والعشق الصوفي فضلاً عن ذكر أيّامهم الجهاديّة وحروبهم وانتصاراتهم وأحياناً خيباتهم)([67]).

مثلما كان الانكشاريّة مجال انتشار الطريقة ايضا كانوا مجال دمارها وانقراض اثرها في الدولة بشكل علني ومؤثر اذ ظهرت كثير من التناقضات بين السلطنة التي تحاول الخروج من تدهورها وانحلالها عبر اتباعها وسائل التحديث ومنها الدولة والمؤسسات الاداريّة والماليّة والعسكريّة عبر اعتماد مستشارين وانشاء جيش جديد إلا أنّ الإنكشاريّة كانوا يخالفون هذه السياسة منذ تحولهم الى جسم مستقل له ميزاته ومكانته في الدولة وبهذا خرجوا على الدولة منذ زمن الخروج عن سيطرة الباب العالي، وثمّة اتفاق بين المؤرخين على أن الإنكشاريّة كما كانوا أحد أهمّ عوامل قوة الإمبراطوريّة العثمانيّة، كانوا أيضًا أحد أهم عوامل تدهورها:

يُفسّر ذلك باستغلالهم المُسيء لنفوذهم، وبخاصة تسلطهم على سكان المدن والولايات من المدنيين، الذين عانوا من إساءات الإنكشاريّة المتكررة، والتي وصلت إلى حد الاستيلاء على المحاصيل والأراضي، مما جعل السكان يضيقون ذرعًا بهم وبما يمثلونه من سلطة.

 أنهكت هذه الفرقة العسكريّة خزينة الدولة العثمانيّة، بسبب ازدياد أعدادهم بشكل كبير، حتى وصلوا في أوجهم إلى نحو 150 ألفًا، وفي تلك الحقبة كانت الدولة العثمانيّة بطبيعة الحال تمر بضائقة اقتصاديّة تسببت فيها الحروب، فضلًا عن انخفاض قيمة النقد (فضّة) بسبب تدفق الفضة من القارة الأمريكيّة المُكتشفة حديثًا.

يُضاف إلى ذلك تدخل الإنكشاريّة في تعيينات المناصب العليا، بل وتدخلهم في منصب السلطان نفسه. وقد قادوا تمردًا على أكثر من 6 سلاطين، خلعوهم ثمّ قتلوهم.منهم: الصدر الأعظم ديلاور باشا ديار بكر، والصدر الأعظم حسين باشا 1032م والسلطان كيخ عثمان (1618-1622م)؛لأنّه فكّر بإلغاء الانكشاريّة وقتلوا السلطان ابراهيم بعد فتح جزيرة كريت ([68]) 17و 18وفرضوا وصايتهم على السلطان مراد (1623-1640م) في بدايّة سلطنته 1632م.

يبدو أنهّم كانوا يحتلون موقعاً مؤثراً في إدارة الدولة وقد كانت سلوكياتهم لاتختلف عن سلوكيّات الأمراء السلاجقة مع الخليفة العباسي ولا تختلف عن سلوكيّات المماليك في مصر، فهم كانوا يحافظون على نفوذهم مثلهم مثل باقي القوى العثمانيّة .

إلا أنّهم كانوا يمثلون قوى عثمانيّة كان لها اثرها في توسع السلطنة وتحقيق الانتصارات الباهرة يومها، إلا أنّ الحال لا يدوم بل الزمن رهن وقائع متجددة ومتغيرة وهؤلاء الدراويش سوف يجدون أنفسهم في نهايّة المطاف يجزرون على يد السلطان وخبرائه الغربيين الذين يقودون جيشه الحديث الذي ارتهنت له أموال السلطنة ولم يحل من دون سقوطها المدوي ..

المرحلة الثالثة علاقة الدولة بالبكتاشيّة والانكشاريّة القطيعة التامة:

حاول السلطان محمود الثاني تدارك تدهور قوات جيش إمبراطورتيه، والحد من نفوذ الإنكشاريّة. إذ بدأ بإقرار إدخال إصلاحات على قوات الجيش، وتطويرها، لكن الإنكشاريّة رفضوا أن يتم المساس بأسلوبهم ونمطهم القتالي، أو حتى بأسلحتهم المعتادة. وقد كانت من بين مقترحات الإصلاح التي سعى محمود الثاني إلى تنفيذها، الحد من نفوذ الإنكشاريّة، عبر إلزامهم بالبقاء في معسكراتهم في أوقات السلم كفرق الجيش الأخرى، وهذا يعني انحسار دورهم الشرطي.

على مدار أكثر من 18 عامًا لم يستطع السلطان محمود الثاني تنفيذ ما يرمي إليه ؛بسبب عناد الإنكشاريّة، حتى حسم أمره أخيرًا في اجتماع حضره كبار قادة الدولة والجيش، إلا أنّ الإنكشاريّة لم يلتزموا بما تم الاتفاق عليه، وعاثوا في الأرض فسادًا، مدمرين المنازل والمحال، ما دفع السلطان إلى حشد الجيش والشعب لقتال الإنكشاريّة، ودارت معركة “الواقعة الخيريّة” التي قضى فيها أكثر من 6 آلاف من جنود الإنكشاريّة، وعلى إثرها ألغيت الفرقة تماماً ([69]).

اثر هذا على علاقة الدولة بالطريقة البكتاشيّة: وقد شهدت الطريقة البكتاشيّة حالات مد وجزر في تركيا فبينما ناصرها بعض السلاطين، عارضها آخرون مفضلين طريقة صوفيّة أخرى عليها إلى أن أمر السلطان محمود الثاني بإلغاء الانكشاريّة وصدر في سنة 1925م مرسوم الحكومة التركيّة بإلغاء جميع الطرق الصوفيّة ومن ضمنها الطريقة البكتاشيّة، وكان آخر مشايخها هو صالح نيازي الذي سافر إلى ألبانيا، وانتخبه الدراويش البكتاشيون ليكون (دده بابا) أي شيخ المشايخ وهي أعلى منـزلة في الطريقة([70]).

ولكنّ على الرغم من كل تلك المساعي التي اتبعها السلطان عبد الحميد الثاني إلا أنّ الدولة العثمانيّة فقدت كل جوانب استقلالها، وقد أدرك السلطان عبد الحميد الثاني خطورة الوضع ولكن جاء إدراكه هذا متأخراً ([71]).

انتقلت الطريقة الى مكانين إذ كان لها اثر في مسيرة التحديث الوطني في تلك البلدان الأولى كانت البانيا والثانية مصر في زمن محمد علي ومشروعه التحديثي في بناء مصر الحديثة  ففي (عام ١٨٥٩م صدرت أوامر ملكيّة في مصر، بتخصيص المغارة التي دفن فيها "قبو غوسز" مقراً للبكتاشيّة، وفى ١٩٥٧م أمرت حكومة الضباط الأحرار، بإخلاء تكيّة المقطم في عهد آخر باباوات البكتاشيّة، أحمد سرى دده بابا الذى تولّى تكيّة المقطم فى ٣٠ يناير ١٩٤٩م، حيث أقام بها وأنشأ بها العديد من المنشآت والنافورات الجميلة وأضاء حجرات الدراويش بالكهرباء)([72]).





المبحث الثالث

رؤيته للطريقة الاصلاحيّة في ألبانيا 



ومن أجل التركيز على مكانة الطريقة البكتاشيّة في ألبانيا يتطلب منا عرضاً  لأمرين، الأوّل منهما: تحديد طبيعة المجتمع الألباني أي المتغيرات التي جاءت بالإسلام الى ألبانيا، والثاني:التحولات في المجتمع الألباني الحديث والمعاصر، لأنّ الطريقة البكتاشيّة عندما انتقلت من تركيا الى ألبانيا كانت قد تعرّضت الى مضايقات جعلتها تواجه حركةً لتحديث السلطنة وموقفها من الانكشاريّة، وحركة التتريك وفرض اللغة التركيّة على الشعوب الاسلاميّة المتبقيّة وبعد سقوط السلطنة واجهت عنف العلمانيّة التركيّة، التي أغلقت كل المؤسسات التابعة للطريقة، والأمر مختلف فقد كانت في مصر مدعومةً من قبل محمد علي باشا وأسرته الحاكمة من بعده الى أن جاءت الثورة فأغلقت الطريقة وصادرت ممتلكاتها، أمّا في البانيا فكان المكان البديل عن تركيا أوّلاً ومصر ثانياً، في بدايّة حركة النهضة والاستقلال كانت هناك مطالب ومواقف مميزة للطريقة من الحركة القوميّة الألبانيّة، إلا أنّ الاحتلال الفاشي ثم تحول الحكم الى دكتاتوريّة شيوعيّة شموليّة صادرت جميع ممتلكات المؤسسات الدينيّة ومنها الطريقة، ثم جاء التحول المعاصر؛ فهو الموضوع الذي سوف نقف عنده بعد تأصيل امرين :

من الناحيّة التاريخيّة: تعدُّ ألبانيا جزءاً من البلقان اذ (تضم دول البلقان بشكل رئيسي كلاً من ألبانيا، وبلغاريا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، ومقدونيا، والجبل الأسود، وتمثل منطقة البلقان حدًّا جغرافيًّا وثقافيًّا ودينيًّا بين الشرق والغرب، وتعرف في الغرب بأنها ميراث عثماني، كما يراها البعض حدًّا فاصلًا بين المسيحيّة الأرثوذكسيّة، والمسيحيّة الكاثوليكيّة، بينما يراها آخرون فاصلة بين الإسلام وأوروبا)([73]).

المسلمون في جنوب شرق أوروبا (البلقان) سكان أصليُّون شاركوا بفعاليّة في تشكيل الهويّة الأوروبيّة وصناعة حضارتها، وقد واجهوا في السابق - وما زالوا-  مظالم وتحديات كبيرة في محيطهم الأوروبي العام المختلف عنهم دينيًّا وثقافيًّا؛ الرَّافض في أغلبه لهم أو للاعتراف باختلافهم عنه، ويُشَكِّك في نواياهم، فهم - بحسب إحدى التفسيرات الأوروبيّة الأكثر شيوعًا- "من مخلَّفات الإمبراطوريّة العثمانيّة"؛ التي يجب مسح كلِّ آثارها عن القارَّة الأوروبيّة "المسيحيّة". ومن التحديات الأخرى أمام المسلمين القدرة على الجمع بين الولاء الوطني وبين الولاء القومي المتداخل مع انتمائهم الديني، والجمع بين متطلَّبات أوروبا ذات المرجعيّة المسيحيّة مع متطلَّبات خصوصيتهم الدينيّة. وفي السياق نفسه تشهد المنطقة عدَّة أنماط من التديُّن؛ تتراوح بين الانتماء التقليدي لثقافتهم الخاصة، وبين أنماط أخرى وافدة؛ كحالات التديُّن السلفيّة أو الحركيّة؛ فضلاً عن تعرُّضهم لمحاولات التنصير دينيًّا. ويسعى مسلمو البلقان ليكونوا مواطنين في بلدانهم الأوروبيّة مهما كانت الاختلافات، ويخشون أن تنتقل اختلافات العالم إلى مجتمعاتهم فتُضعفها؛ ليجمعوا ما بين وصف الأقليّة والانقسام([74]).

دولة ألبانيا: من ضمن هذا الفضاء الثقافي والسياسي تقع دولة ألبانيا موضوع بحثنا عن الطريقة البكتاشيّة؛ فدولة ألبانيا، التي تبلغ مساحتها 28,784 كيلومترًا مربعًا، تحتل في تاريخ شبه جزيرة البلقان مكانة جيوستراتيجيّة بالغة الأهميّة؛ فأراضيها تمتد على طول الساحل الجنوبي للبحر الأدرياتيكي 316 كيلومترًا، ونحو الداخل، إلى جهة الشرق، تتسع مساحتها عرضًا بين 100 إلى 150 كيلومترًا. مرَّت بها تاريخيًا كل الطرق البحريّة الرابطة بين موانئ اليونان وإيطاليا، ولاحقًا بين موانئ البندقيّة وتركيا. عرفت موانئ ألبانيا منذ العصور القديمة تطورًا مهمًّا أسهم بشكل مباشر في تنميَة الاقتصاد الألباني وتنوع الحياة الثقافيّة للألبان.و من المعروف تاريخيًا أنّ ألبانيا، وكل الفضاء الواقع في جنوب شبه جزيرة البلقان، كان أرضاً يسكنها الإيليرويين منذ القرن التاسع قبل الميلاد، وهم شعوب من أصول هندو-أوروبيّة تعرّضوا باستمرار لمحاولات احتواء وإخضاع من قبل اليونانيين ثم الرومان اللذين سعيا إلى فرض ثقافتيهما على تلك الشعوب. و منذ القرن السابع قبل الميلاد، وعلى إثر قدوم السلافيين إلى شبه الجزيرة البلقانيّة، بدأت أعداد الإيليريين في تناقص، فالأغلبيّة من السكان اليوم هم أسلاف في البلقان؛ إلا أنّ الإيليريين، متميزون عرقياً عن الأسلاف .

خضعت ألبانيا إلى الحكم التركي منذ العام 1385م (أم: 1389بعد معركة كوسوفو) وحتى عام 1501م، وقد لاقت القوات التركيّة مقاومة شرسة من قبل القائد العسكري الألباني غيارغ كاستريوتي، المعروف باسم إسكندر بيك في الوثائق التركيّة، وكان ذلك ما بين أعوام (1446-1468م).

خلال القرون الأربعة للاحتلال التركي لألبانيا اعتنق غالبيّة الألبان الإسلام، وبلغت نسبتهم حوالي 80%. وتبعًا لذلك تأسست داخل المجتمع الألباني مؤسسات تعليميّة ودينيّة وإداريّة جديدة إذ أفرزت شخصيات شهيرة من أمثال: غيديك أحمد باشا، الذي كان أحد الجنرالات المميزين في جيش السلطان محمد الفاتح، وكبير الوزراء محمد باشا كوبرولو (1656-1702م)، ومحمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، والعالم الإسلامي المعروف ناصر الدين الألباني، وكثيرين آخرين. حصلت ألبانيا على استقلالها عام 1912م مع سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة، قبل أن تحتلها إيطاليا الفاشيّة قبيل الحرب العالميّة الثانيّة عام 1939م وخلعت ملكها  على يد أحمد بيك زوغوا. عام 1944م قاد ثوار الجبهة الوطنيّة المعاديّة للفاشيّة بالتعاون مع منتسبي الحزب الشيوعي الألباني معارك الاستقلال ضد بقايا القوات الألمانيّة  المحتلة وطردوها من الأراضي الألبانيّة وسيطروا على مقاليد الحكم في البلد في 28 نوفمبر من العام 1944م، واستلم أنور خوجة رئاسة ألبانيا وأرسى ديكتاتوريّة شيوعيّة استمرت حتى العام 1991م.وكان أنور خوجة قد أعلن عام 1967م أنّ ألبانيا "أول دولة مُلحدة في العالم"، وأغلق أو هدّم كل المؤسسات الدينيّة والتي كان يبلغ عددها 2169، ومنع كل نشاط ديني وسجن مئات الأئمة والعلماء المسلمين والمسيحيين وقتل منهم من كانوا يُظهرون مقاومة له ولنظام حكمه([75])

على إثر تهاوي المنظومة الشيوعيّة وانهيار الحلف السوفيتي تخلّصت ألبانيا من الأيديولوجيا الشيوعيّة وبدأت تشق طريقها نحو تأسيس دولة مدنيّة ديمقراطيّة تحترم حقوق الإنسان والحريات العامة. انضمت ألبانيا إلى حلف شمال الأطلسي عام 2010م، وهي مرشح قوي لعضويّة الاتحاد الأوروبي. كما لا يفوتنا التذكير بأنّ ألبانيا عضو كامل العضويّة في منظمة التعاون الإسلامي منذ عام 1992م ([76]).

ولقد انقسمت إليريا على قسمين فالاجزاء الشماليّة منها حملت اسم صربيا واسم كرواتيا  Hrvatskaواقتصر اسم ألبانيا على الجزء الجنوبي منها الممتد إلى حدود اليونان ويبلغ عدد السكان على وفق إحصاء 1975م 2752300نسمة([77]).

 بنية المجتمع المسلم في ألبانيا:

لم تُفصح الإحصائيات السكانيّة الأربعة الأخيرة التي أُجريت في ألبانيا عن توزيع واضح للسكان بحسب انتمائهم الديني، إلا أنّ جُلّ المصادر المحليّة والأجنبيّة تقدِر نسبة المسلمين في ألبانيا بحوالي 70%، مقابل 20% من الأرثوذكس و10% من الكاثوليك،. وجدير بالذكر في هذا الإطار أن الجماعة الباكتاشيّة في ألبانيا، تحت اسم "المركز العالمي للباكتاشيّة" تُصنّف باعتبارها جزءاً من المجتمع المسلم الألباني، وذلك في كل الإحصائيات الرسميّة.

قانونيًا وفعليًا تتمتع الجماعة الباكتاشيّة منذ  عام 2001 م باستقلاليّة كاملة باعتبارها مؤسسةً دينيّةً لها وضع المؤسسات الدينيّة الأخرى نفسها: من أمثال الجماعة المسلمة في ألبانيا والكنيسة الأرثوذكسيّة والكنيسة الكاثوليكيّة، وتتحدث أكثر التقديرات وثوقاً عن بلوغ نسبة الباكتاشيين في المجتمع المسلم الألباني حوالي 15% أو حوالي 316000 نسمة. ويضمن الدستور الألباني حريّة مطلقة للألبانيين في اختيار انتمائهم الديني، ويمنح للمؤسسات الدينيّة حقًّا كاملاً في إدارتها من دون أي تدخل من الدولة التي لا تمدها بالتمويل، وتسمح لها بالحصول على التمويل والمساعدات الماليّة من تبرعات المؤمنين والمساعدات الماليّة القادمة من الدول الأجنبيّة والمنظمات الدينيّة والكنائس، ويحرِّم القانون التعليم الديني داخل المدارس العموميّة ولا يسمح به إلا داخل المؤسسات الدينيّة التابعة لكل ديانة. على وفق إحصائيات إعلاميّة ورسميّة فإنّ المؤسسة الدينيّة تتوزع: 873 مؤسسة إسلاميّة، منها 700 مسجد/جامع سني، و173 زاويّة بكتاشيّة. و 794 كنيسة، بينها 450 أرثوذكسيّة، و196 كنيسة كاثوليكيّة، و148 كنيسة بروتستانتيّة.

اذ تنشط الطرق الصوفيّة في ألبانيا أكثر من أي بلد آخر في دول منطقة شبه جزيرة البلقان، ويظهر ذلك في أشكال التقاليد الصوفيّة وجماعات الدراويش التي تهيمن عليها طريقة الدراويش الباكتاشيين، ونذكّر هنا بأنه على إثر منع كمال أتاتورك نشاط جماعات الدراويش عام 1925م، فإن شيخ الطريقة الباكتاشيّة رحل من تركيا ليستقر في ألبانيا التي أعلنها مركزاً عالمياً للباكتاشيّة. وقد شيّد الباكتاشيون في ألبانيا 173 زاويّة، في حين يُعرف عنهم عبر التاريخ أنّهم لم يهتموا في الغالب ببناء المساجد([78]).

التأثير الخارجي وردود الفعل الداخليّة:

يبدو أنّ هناك صراعاً اقليمياً كان يحيط بألبانيا، كل طرف يحاول التأثير في هويّة البلد من خلال إحياء جزء منها، بين التأثير العربي عبر نشر السلفيّة والإيراني([79]) عبر تأكيد البكتاشيّة والتركي عبر دعم مؤسسات تابعة له، والغربي عبر دعم المجتمع المسيحي عبر دعم الكنائس الجديدة الاصلاحيّة، وكانت اهم ردود الأفعال الداخليّة والخارجيّة :

بعد خمسة عقود من الحملات الإلحاديّة الشرسة التي شنتها الديكتاتوريّة ،بين  إسهام جيل جديد حديث السن في كسب ذلك الرهان وهو ما لم يكن متوفراً في ألبانيا. وبين قرار الرئيس المنتخب حديثاً عام 1992م، صالح بريشا، تمّت إعادة جزء من الهويّة الإسلاميّة المقموعة للمجتمع الألباني. اذ استطاع إلحاق ألبانيا بعضويّة منظمة التعاون الإسلامي؛ وبذلك يسمح لها بتطوير مشاريع تعاون سياسي واقتصادي وثقافي مع العالم الإسلامي.

دخول التفسير السلفي الى المجتمع الألباني المسلم من خلال الشباب منذ العام 2006م، فقد تلقّى (1.357) طالبًا ألبانيًا التعليم الإسلامي في جامعات (تركيا ومصر وليبيا والأردن وماليزيا والإمارات العربيّة المتحدة وسوريا ولبنان وقطر وعمان واليمن والسعوديّة). عودة هؤلاء الطلبة إلى بلدانهم وتوظيفهم للعمل في المؤسسات الإسلاميّة تزامنت مع جلب العائدين من الطلبة تفسيراً سلفياً للإسلام، وممارسة شعائريّة غريبة عن التقاليد التي درج عليها المجتمع الألباني المسلم.

هذه التحول السلفي جلب اهتمام النخب السياسيّة المحليّة كما جلب أيضاً اهتمام الدبلوماسيين الأجانب ووكالات الاستخبار وممثلي الاتحاد الأوروبي والعسكريين الأميركيين المقيمين في البلد.

3-1- لم تلق عودة مظاهر الحياة الإسلاميّة في المجتمع الألباني ترحيباً واسعاً من طرف النخبة السياسيّة والثقافيّة، بل على العكس من ذلك فقد لاقت عودة الإسلام كثيراً من الريبة والمعاداة، وكان يُنصب له أكثر من كمين؛ حتى إن الرئيس الألباني في ذلك الوقت، ألفريد مُوِيسِيُو، قال في إحدى محاضراته التي ألقاها في منتدى بأكسفورد عام 2005: "ليس الإسلام دينًا أصيلاً في ألبانيا، بل لقد تم جلبه إلى بلدنا عن طريق جيوش العثمانيين... وليس صحيحاً أن المسلمين يشكِّلون أغلبيّة السكان في ألبانيا"([80]).

3-2- وقد كان أحد الكتّاب الألبان المغمورين، إسماعيل قداري، دعا إلى نقاش عام حول الهويّة الثقافيّة والدينيّة للألبان، مؤكداً على أن "الألبان كشعب ينتمون إلى الثقافة المسيحيّة والحضارة الأوروبيّة من دون غيرها"، ومتهماً مسلمي ألبانيا بتنفيذ حملات أسلمة مفتوحة للألبان المسيحيين، مضيفاً: إن رئيس الوزراء صالح بريشا يسعى لتحويل ألبانيا إلى دولة إسلاميّة من خلال إلحاقها بعضويّة منظّمة التعاون الإسلامي([81]).

لاحظ المراقبون الموضوعيون للساحة الدينيّة الألبانيّة وجود الممارسات نفسها أو ما يشبهها لدى مسيحيي ألبانيا خاصة فيما يتعلق بالنشاط الواضح للمنظمات الخيريّة الكاثوليكيّة والإنجيليّة والبعثات التبشيريّة وتعدد المؤسسات المسيحيّة الغنيّة التابعة لدول غربيّة؛ وتهدف تلك النشاطات إلى إعادة تمسيح الألبان المسيحيين، وفي أحيان كثيرة إلى التبشير بالمسيحيّة بين الملحدين من مسلمي ألبانيا من دون أن تثير تلك النشاطات التبشيريّة قلقاً أو ردة فعل الرأي العام الألباني أو الملاحظين المقيمين في ألبانيا.

موقف البكتاشيّة من الأحداث:  

يبدو أنّ للطريق رؤيّة تحديث ،وهي أقرب الى الخطاب الوطني الألباني اذ اقتربت من رؤيّة اكثر وطنيّة وتحديثية في انفتاحها على الحوار وقبولها المختلف مذهبياً ودينياً ومعارضتها الى الأصوليّة والسلفيّة المتزمتة، فهي كانت أمينة الى تراثها الصوفي وانفتاحها المذهبي وحبها الى (آل بيت)، ومعارضتها للمنهج المتسلط للدولة العثمانيّة ومناصرتها للتحديث والإصلاح وهذا ما يمكن متابعته في انتشارها في ألبانيا، اذ يبدو أن مجال انتشار الطريقة كان أكثر رحابا في ألبانيا سواء كان ذلك في الوسط والجنوب الألباني أم في غيره إذ تأسست تكايا عدّة مهمة في نهايّة القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر الميلاديين كما في إلباسان، وأسس تكيّة كرويا حوالي سنة 1790 م ،والتي أصبحت بعد ذلك أهم مركز روحي للبكتاشيّة في ألبانيا([82]).

وقد كانت هذه الطريقة بعد تجربتها القاسيّة مع الدولة العثمانيّة هي اقرب الى التجديد السياسي والديني الذي كانت من أبرز ملامحه يومها انتشار المد الاصلاحي وهو مدٌ ترك تأثيره في كل المناطق التابعة للدولة العثمانيّة التي كانت تعاني من الضعف والتردي بفعل سياستها الداخليّة والخارجيّة ،ومنها البانيا  اذ الطريقة البكتاشيّة تعدًّ أولى الطرق الداعيّة الى الاصلاح في  الخلافة العثمانيّة .وقد دعمت حركات مقاومة الاستبداد والتتريك فيما بعد من خلال دعمها  حركة تركيا الفتاة)([83]).

وقد أشار الأستاذ ج. كايتانوا في كتابه (تاريخ الحركات الدينيّة في البلقان) إلى أنّ البكتاشيّة مثلها مثل الحركات الدينيّة قامت في شكل أحزاب معارضة للحكم العثماني وتعاونت فيما بينها واقتبست كل واحدة من مبادئ الأخرى([84]).

فضلاً عن موقفها التجديدي في قضايا الدين في انفتاحها على المذاهب الاسلاميّة المتنوعة ومنها ميلها الى أهل البيت، وهذا يجعل منها كباقي طرق الصوفيّة لها نظرة خاصة الى النبي وال بيته ، خصوصا في مجالات العقيدة والمعرفة القلبيّة يقول أحمد سري (دده بابا) شيخ مشايخ الطريقة: "الطريقة العليّة البكتاشيّة هي طريقة أهل البيت الطاهرين رضوان الله عليهم أجمعين"، ويقول أيضاً: "والطريقة العليّة البكتاشيّة قد انحدرت أصولها من سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وعن أولاده وأحفاده إلى أن وصلت إلى مشايخنا الكرام يداً بيد، وكابرا عن كابر، وعنهم أخذنا مبادئ هذه الطريقة الجليلة". وفي دعائهم يقولون في أورادهم: "اللهم الْعن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك" وفي ختام الأوراد، على المريد البكتاشي والسالك أن يشهد هذه الشهادة ويقول: "وأشهد أن الأئمة الأبرار. والخلفاء الأخيار. بعد الرسول المختار: علي قامع الكفار. ومن بعده سيد أولاده الحسن بن علي. ثم أخوه السبط التابع لمرضات الله الحسين. ثم العابد علي ثم الباقر محمد. ثم الصادق جعفر. ثم الكاظم موسى. ثم الرضا علي ثم التقي محمد. ثم النقي علي. ثم الزكي العسكري الحسن. ثم الحجة الخلف الصالح القائم، المنتظر المهدي المرجى، الذي ببقائه بقيت الدنيا، وبيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، به يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وأشهد أن أقوالهم حجة وامتثالهم فريضة، وطاعتهم مفروضة، ومودتهم لازمة مقضيّة، والاقتداء بهم منجية، ومخالفتهم مردية، وهم سادات أهل الجنة أجمعين، وشفاء يوم الدين، وأئمة أهل الأرض على اليقين وأفضل الأوصياء المرضيين"([85]). كرّست البكتاشيّة المعاني الثوريّة من ثورة الحسين بن علي رضي الله عنهما لتجمع بين التشيع والانفصال عن الخلافة العثمانيّة، ومن هذا القبيل ما كتبه شاعر الأدب الألباني البكتاشي نعيم فراشري والذي عكف على كتابة ملحمة (كربلاء) بعشرة آلاف بيت من الشعر إذ قسّمها على خمسة وعشرين فصلا مرقمة من دون عناوين .([86])، فيقول:

يا الله لأجل كربلاء

لأجل الحسن والحسين

لأجل الأئمة الاثني عشر

الذين عانوا ما عانوه في الحياة

لا تترك ألبانيا

تسقط أو تدمر

لتبق خالدة

وليكن لها ما تريد

ليبق الألباني بطلاً كما كان

ليحب ألبانيا

ليمت في سبيل وطنه  

كما مات المختار في سبيل الحسين([87])!



موقفها من الأصوليّة والسلفيّة:

في الموقف المعاصر نجد أنّ الطريقة البكتاشيّة قد كان لها موقف مميز في المجتمع الألباني وهي اليوم من دعاة الإصلاح والتعايش بين مختلف المكونات المحليّة بعيداً عن التصلب الأصولي الاسلامي او المسيحي .

لم تتقبل جماعة الباكتاشيين بدورها هذا التوجه الجديد الداعي إلى إعادة إحياء الإسلام لكن ليس بالطريقة السلفيّة في ألبانيا؛ فالباكتاشيّة حققت انتشاراً واسعاً في البلد ؛بسبب مزجها بين التعاليم الدينيّة الإسلاميّة والتجديد، وكل ذلك يتوافق تماماً مع طبيعة المجتمع المحلي من سكان الجبال والقرى.

وقد تمكّنت الجماعة الباكتاشيّة من احتلال موقعها المتقدم داخل النسيج المجتمعي وشاركت بفعاليّة في الحركة الوطنيّة لاستقلال ألبانيا، وحظي أتباعها بمكانةٍ مرموقةٍ داخل النخبة الألبانيّة، وقدّموا أنفسهم قادة للإصلاح والتسامح داخل المجتمع الألباني. وقد كان لمثقفي الجماعة الباكتاشيّة قبيل الحرب العالميّة الثانيّة دوراً رائداً في النقاشات العامة المطالبة بإجراء إصلاحات داخل المنظومة الإسلاميّة، لكن مطالباتهم الإصلاحيّة تلك تراجعت قبل ظهور المذهب السلفي في ألبانيا.

لما كان مفهوم التجديد لديها يتسم بالتسامح والانفتاح وهذا ما ظهر في نظرتها للدين إذ تختلف بشكل واضح مع المواقف المتزمّتة التي تطرحها الحركات السلفيّة والأصوليّة من الإسلام والمسيحيّة، لهذا كانت الطريقة تجد اذناً صاغيّة من الاتجاهات المعتدلة عند الآخر الغربي، الذي وجد فروقاً واضحةً بين الاسلام المحمدي والحركات الصوفيّة التي لا تعتمد العنف في التعامل مع المختلف .

وهذه تغيض المختلفين معها من التيارات السلفيّة والأصوليّة التي تشنع عليها وعلى موقفها المعتدل بطرق كثيرةٍ متهمة إياها في مواقعها ومن قبل كتّابها بأنها تتساهل في أمور الدين و تتحاور مع النصارى وقد قيل (إنّ تكايا البكتاشيّة الموجودة في ألبانيا كانت تضم إليها حوالي خمسين إلى ستين مريدا نصرانيا، كما أنهم لا يرون ضرورة لوجود الخلافة، بل إنها ترفضها وتعتقد أنه ينبغي ألا توجد خلافة من الأساس، لأنها – باتفاقهم – تجلب المظالم والطغيان والجور).([88]) وقد قيل فيها من قبل تلك المواقع أيضاً (تطويع مبادئ الدين لقيم الحضارة الغربيّة وفق آليات تعتمدها الجهات المستفيدة من هذا التطويع وهي حتماً لا تلبس لبوس الإسلام افتقرت الحركة إلى مطيّة تصلح لهذا الغرض) ،وغيرها .

بالمقابل وجد الغرب منها موقفاً مثل باقي الطرق الصوفيّة والإسلام المعتدل شركاء في الحوار حول آليات التسامح والاعتراف .

 في ظل تغول الارهاب الأصولي طرحت كثير من المؤسسات البحثيّة محاولةً دعم التيّارات الاسلاميّة المعتدلة من أجل مواجهة الارهاب والسلفيّة بكل تنظيماتهما المتشددة فكانت هناك توصيات من أجل دعم تلك التيّارات ومنها الطرق الصوفيّة.

فأخذت الحركات الأصوليّة من تلك البحوث منقصة بحق الاعتدال واخذت تمارس التخوين له وتتهمه بالرجعيّة على الرغم من أنّ أغلب التيارات التكفيريّة كانت متحالفةً مع الغرب وتجد فيه شريكاً في افغانستان وغيرها من البلدان وخصوصا البوسنة ولم تجد في هذا منقصة، لكن اليوم اختلفت فاتهمت غيرها بالخيانة والتبعيّة .وفي هذا يقول الدكتور أحمد عبد الرحمن القاضي: "وهو أسلوب ينتهجه الغرب لمواجهة المد السلفي، في محاولة لنفخ الروح في الرمم البائدة للطرق الصوفيّة؛ لمزاحمة التيار السلفي الفطري. فلم يزل أعداء الإسلام، يجدون في الصوفيّة، مأوى لكل حدث، ونجس. موَّلوا بناء أضرحتهم، وأعادوا طباعة كتبهم، وأقاموا لأجلهم الندوات والمؤتمرات، وأنشؤوا لهم المراكز التعليميّة.

هذه اللغة العنيفة بدل من مراجعة منهجها المتشدد تمضي الى ما هو أشد من العنف الى التكفير الى التوحش . على الرغم من أنّ الأصوليّة ليسوا كل المسلمين بل هم قلّة الى جانب كثرة من السنة الأحناف المعتدلين وتقول ميرندا فكرز: "تاريخيا، كان هناك نوعان من الإسلام المعتدل في ألبانيا - البكتاشيون – والسنة (الأحناف).

لكن الأمر يبدو  قد أخذ بالاختلاف بفعل التعليم المتشدد الذي أخذ يغزو في السنوات القليلة الماضيّة النزاعات بين كبار مؤيدي المذهب الحنفي، والشبّان الذين عادوا من التعليم الديني في البيئات الإسلاميّة الراديكاليّة على نحو متزايد، من أنصار المدرسة السلفيّة الأقل تسامحاً والأكثر تطرفاً للإسلام. وقد أقلقت هذه المشاكل أعضاء المشيخة البكتاشيّة الألبانيّة التي تمارس الأنموذج الأكثر اعتدالاً للإسلام، إذ وضعتهم في مواجهة مباشرة مع أنصار السلفيّة - وإن كانت لا تزال قليلة نسبياً.  



الخاتمة

هناك تصنيف ابتدعه بعض الباحثين في التعامل مع الطرق الصوفيّة التي تميل للعرفان والتشيع بوصفها تمثل تصوفاً شعبياً يميزون هذا التصوف عن التصوف السني الذي ينتمي الى المدرسة السنيّة، ويبدو أنها قراءة تتمركز حول مركزيّة الثقافة العالمة.

تنطلق هذه النظريّة من وجود ثقافة مركز دينيّة تشكلت في ظل الدولة السلجوقيّة التي حلّت محل السلطة البويهيّة التي كانت تتمتع الثقافة في زمنها بالتعدد الفكري، وهو أمر زال مع ظهور السلاجقة وثقافتهم التي قدّمت نفسها كأصوليّة دينيّة .

أصبح الفكر الأشعري هو مركز العالم ومعه تم ادخال التصوف الى التسنن من خلال كتب الغزّالي؛ فأصبح بهذا التصوف هو التزامه بالقواعد الفقهيّة .

ورأي آخر يرفض التصوف بشكل عام ويعترف بأنه خروج على الشرع وهذه الرؤيّة تجدها عند السلفيّة، وعند الاصوليّة الشيعيّة . وهنا ليس هناك تفريق بين التصوف والطرق الصوفيّة.

ورأي ثالث يرى أنّ هناك صلة بين التصوف والتشيع وخصوصا المغالي وهذا يتجلّى في الفرق الصوفيّة.

نجد أنّ هناك تأثيرات كبيرة تركت أثرها في الدين ودوره في الحياة السياسيّة، اذ (أصبح مقرراً في علم الاجتماع الديني أنّ ثمة فروقاً جوهريّة بين الدين في صورته النظريّة المجردة ... والدين حين يمارس علمياً في التاريخ، أي حين يتحوّل إلى عمل من أعمال الاجتماع البشري، فتنتج ممارسته صوراً من التدين أو التجارب الدينيّة .... لا تقع بالضرورة مطابقةً للوحي ... مما يعني أننا بإزاء تمثّلات متنوعة ومستويات شتى للتجارب الدينيّة التي يعدها بعض علماء الاجتماع الشيء الوحيد الثابت في الدين).

يحاول أصحاب الرؤيّة السلفيّة أن يصوروا اتِّساع القاعدة الشعبيّة للتصوف الذي استقطب جمهوراً غفيراً من المسلمين البسطاء، ممن قصرت معارفهم الدينيّة عن تمثل الصورة المعياريّة للإسلام تمثلاً صحيحاً .متناسين أنّ هذا النمط من التصوف شغل مكانة واسعة بين صفوف الثقافة التركيّة ومنهم أصحاب الرؤيّة المدنيّة .

فلا يجب أن تشتت هذه الواقعة انتباهنا عن أن الغزو لم يكن ليحطم حضارة ما لم تكن قد ضعفت من الداخل، وهذا الضعف الداخلي هو ضعف للمجتمع نفسه ولمؤسساته بسبب هيمنة الرؤيّة السلفيّة لدى الاشعريّة التي رفضت  الانفتاح على كل جديد، اذ أخذت الأمّة تنكمش على نفسها وتميل الى التفسير الحرفي للنصوص، ومع التصوف ازداد التقشف وحياة الزهد وهم أصحاب اتجاه عرفاني يعتقد في إمكانيّة اتصال المريد أو المتصوف بالحقيقة الإلهيّة إذ انعزل عن الماديّات وسيطر على جسده بالزهد والتقشف والصيام والبتوليّة، وهم عرفانيون مثل ابن عربي والسهروردي والحلاج .

في وقت كانت الطرق الصوفيّة مجالاً للفتوحات والجهاد وليست استلاباً وضعفاً وكان لهذا التحالف بين الأمراء العثمانيين الأوائل مع أولئك الدراويش؛ كان أمراً ضرورياً للإمارة العثمانيّة الناشئة فائدتان هما ،الأولى: الانتفاع بالقدرات القتاليّة لأولئك الدراويش و مريديهم في غزو الأراضي البيزنطيّة . والثاني إسباغ الشرعيّة الدينيّة على الحكم العثماني في مجتمع قبلي كان ينظر إلى الدراويش نظرةً ملؤها التقدير والاحترام .

الحب لديهم يعني رؤيّة الله في وجوه ؛فإنّ الناس والشعور بوجوده وعظمته، عندما يتحد الإنسان بالله يتحقق له الجذب الصوفي والعرفان، ومن ثم يصل الإنسان إلى الوحدة والكمال الروحي والخلوة .ويدرك من هذا  .

إنّ روح التصوف التركيّة التي امتزجت بالإسلام شكّلت رؤيّةً للوجود، إذ دخلت تركيا مع الفتح العثماني، أي انها جاءت مع السلاجقة التركمان فهم من حملها إلى بلاد الأناضول ، وكان لهما أثرٌ في انتشارها؛ على الرغم من أنّ البكتاشيّة – كطريقة صوفيّة – قد تكاملت بعد بكتاش ولي بقرن تقريباً .

إنّ كلام الحاج بكتاش ينتمي الى تلك المرجعيّة الصوفيّة في نظرتها وتأصيلها واتقانها؛ إلا أنّ الحدث الدينيّ بانفتاحه على التجارب العرفانيّة يبقى عميقاً لدى حضورهِ في الوعي الانساني وكان من تجلياته تلك العلاقة الأفقيّة بين السماء والأرض، والتي تمظهرت بأشكال متنوعة من التعبير الإنسانيّ إزاء المقدّس وكان السبب في ظهور الفنون على تنوعها الحدث الدينيّ ومنها الموسيقى إذ أدّت الموسيقى والغناء دوراً مهماً في التصوف للطريقة وعشقها، وأعتقد أنَّ ظهور الخطاب الصوفيّ أولاً  و الطرق الصوفيّة ثانياً، كان لهما أثرهما في تطور العلاقة بين الدين والتصوف .

لقد ارتبطت الطريقة بالدولة وقد تحوّلت الى رأس مال معنوي يتم انشاء جيش خاص هم بمثابة حرس خاص من عبيد السلطان، وقد تحوّلت الطريقة الى دين الدولة الرسمي وقد ارتبط هذا الدين بالانكشاريّة فأثّرت في موقع الطريقة لدى الدولة من ناحيّة فاحتلت مكانةً وحاكميّةً في الدولة، وانتشرت في ربوع الأراضي الخاضعة الى الدولة فكان الانكشاريّة يجدون بها زاداً ورأس مالٍ معنويين يقومان بتوحيدهم، أمّا من ناحيّة ثانية فقد تأثّرت بالعلاقة الصراعيّة بين الدولة والانكشاريّة اذ تأثرت الطريقة بتلك العلاقة مثلما جنت مكاسب منها في أول الأمر، وقد تحوّلت فيما بعد الى سبب دمار مكان الطريقة وعلاقته بالدولة؛ لهذا  تعرّضت هذه الطريقة الى هزات عنيفة بفعل سلوك الانكشاريّة وموقف الدولة حتى تمّ القضاء عليها مع القضاء على الانكشاريّة فأصبحت طريدةً إلى خارج الدولة تعمل في ألبانيا ومصر إلا أنّها اعتمدت على التقيّة داخل الدولة ومع سقوط الدولة لم يتغيّر الحال فقط  بل تعرّضت الى المضايقةِ بفعل مشروع العلمنة.

*  هوامش البحث  

([1]) قال ابن الجوزي في المنتظم (4326):أخبرنا سعد الله بن علي البزار أنبأ أبو بكر الطريثيثي، أنبأ هبة الله بن الحسن الطبري قال: وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر بالله الخليفة فقهاء المعتزلة، فأظهروا الرجوع وتبرأوا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام، وأخذت خطوطهم بذلك، وأنهم متى خالفوا أحل فيهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم، وامتثل محمود بن سبكتكين أمر أمير المؤمنين في ذلك واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها، في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيليّة والقرامطة والجهميّة والمشبهة، وصلبهم وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على المنابر، وأبعد جميع طوائف أهل البدع، ونفاهم عن ديارهم، وصار ذلك سنّة في الإسلام. انظر :

 http://www.bani-alabbas.com/articles.php?action=show&id=84

([2]) نماذج من النقود السلفيّة للتصوف والفرق الصوفيّة: انظر ،عبد القادر حبيب الله السندي، في ميزان البحث والتحقيق والرد على ابن عربي الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، مكتبة ابن القيم، ط1، المدينة النبويّة، 1990م.وانظر، فلاح بن اسماعيل بن احمد، العلاقة بين التشيع والتصوف، اطروحة دكتوراة، السعوديّة، 14011هـ .

وانظر، جورج مقدسي، الإسلام الحنبلي، ترجمة سعود المولى، الشبكة العربيّة للطبع والنشر، ط1، بيروت، 2017. وانظر، إدليرا عصماني، الله في بلد النسور الطريقة البكتاشيّة، مركز المسبار للدراسات والبحوث.

([3]) نماذج من هذا الاتجاه هنا كتابان نعتمد عليهما هنا هما: الإسلام الموازي في تركيا البكتاشيّة وجدل التأسيس، كتاب شهري 113، مايو (أيار) يصدر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2016م.  وانظر: بديعة محمد عبد العال، الفكر الباطني في الأناضول، الدار الثقافيّة للنشر، طذ، القاهرة، 2010م.

([4]) انظر :كامل مصطفى الشيبي، الصلة بين التصوف والتشيع، دار الاندلس ،ط3،بيروت، 1982م. كامل مصطفى الشيبي ،الفكر الشيعي والنزعات الصوفيّة حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري، مكتبة النهضة، ط1، بغداد، 1966م.

([5]) أكو افيفا سابيلو، علم الاجتماع الديني الإشكالات والسياقات ،هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث، كلمة، ط1، ابو ظبي، 2011م، ص9.

([6]) ومن الكتب التي تناولت الاصوليّة في العهد السلجوقي: انظر في هذا: علي أحمد الديري، التفكير من أرثوذكسيّة السلاجقة إلى سلفيّة ابن تيميّة، مركز أول للدراسات والتوثيق، ط1، بيروت، 2015م.

(7) See. E,I,J, Rosenthal, Political Thought In Medieval Islam, Cambridge 1968, P38.

([8]) See. E,I,J, Rosenthal, Political Thought In Medieval Islam, Cambridge 1968, P38.

([9] ) الإسلام الموازي في تركيا البكتاشيّة وجدل التأسيس، ص 12.

([10]) انظر: شحاته قنواتي جورج، التصوف، فصل بكتاب، تراث الإسلام، تحرير شاخت وبوزورت ،عالم المعرفة، ط2، الكويت، 1988م، ص 107-116.

([11]) أحمد محمود إبراهيم تأسيس الإسلام الموازي في تركيا البكتاشيّة وجدل التأسيس ،ص 12.

([12] ) المصدر نفسه، ص13.

([13] ) المصدر نفسه، ص14-15.

([14] ) أشرف منصور، الرمز و الوعي الجمعي، دار رؤيّة ،ط1، القاهرة، 2009م، ص 89-90.

([15]) انظر أحمد محمود إبراهيم تأسيس الإسلام الموازي في تركيا البكتاشيّة وجدل التأسيس، ص 92-93.

([16]) علاقة الدولة الصفويّة بالطريقة الصفويّة: كولن تيرنر، التشيع و التحول في العصر الصفوي، ترجمة، حسين علي عبد الساتر، منشورات الجمل، ط 1، كولونيا ،2008م.وانظر :حيدر عبد المناف البياتي، المشهد الصوفي والفلسفي في العهد الصفوي، مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2008م. وانظر: كامل مصطفى الشيبي، الطريقة الصفويّة ورواسبها في العراق المعاصر، مكتبة النهضة، ط1، بغداد، 1967م.

([17] ) أحمد محمود إبراهيم تأسيس الإسلام الموازي في تركيا البكتاشيّة وجدل التأسيس، ص 76 وانظر: 198

([18]) إينا لجيك خليل، تاريخ الدولة العثمانيّة من النشوء إلى الانحدار، ترجمة، محمد .م. الأرناؤوط، دار المدار الاسلامي، ط1، بنغازي، 2002 م،ص16.

([19]) فؤاد كوبرلي، قيام الدولة العثمانيّة، ترجمة، احمد السعيد سلمان، الهيأة المصريّة للكتاب، القاهرة، 1983م، 151-152 .

([20] ) إينا لجيك خليل، تاريخ الدولة العثمانيّة من النشوء إلى الانحدار ،ص 281.

([21]) المصدر نفسه  ،ص 278.

([22]) المصدر السابق، ص 288.

([23] ) المصدر السابق، ص 292.

([24]) لوئيس معلوف، المنجد في الاعلام، الطبعة 23 مجددة، انتشار ذوي القربى  قم .

([25]) أحمد سري البكتاشي، الرسالة الأحمديّة في تاريخ الطريقة البكتاشيّة، القاهرة، 1959م

([26]) انظر: أحمد سري البكتاشي، الرسالة الأحمديّة في تاريخ الطريقة البكتاشيّة، ص11.

([27]) جعفر الشيخ باقر آل محبوبة، ماضي النجف وحاضرها، دار الاضواء ج1، ط2، بيروت، 2009م، هامش (1)، ص 91.

([28]) تكيّة كلمة مجهولة الأصل، قيل يرجع معناها كما يعتقد المستشرق الفرنسي "كلمان هوار" من "تكيّة" الفارسيّة والتي تعني جِلد، ذلك أن شيوخ الزوايا الصوفيّة كانوا يجعلون جلد الخراف أو غيرها من الحيوانات شعارا لهم. ثم استخدم اللفظ للتعبير عن موضع انقطاع الصوفيّة للعبادة ومساعدة عابري السبيل، تعدّ التكايا اليوم من العمائر الدينيّة التي ترجع نشأتها إلى العصر العثماني، سواء في الأناضول أو في الولايات التابعة للدولة العثمانيّة.

([29]) عبد المطلب الخرسان، مساجد ومعالم، ص 33.

 http://www.imamali-a.com/?id=4433

([30]) ابن بطوطة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن ابراهيم اللواتي (ت 779 هـ)، رحلة أبن بطوطة (المسماة تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار)، مطبعة مصطفى محمد، مصر، 1357هـ/ 1938 م، ص 127.

([31]) عبد الرحمن عبد الخالق، الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، مكتبة ابن تيميّة،ط3، الكويت، 1986 م، ص 409 – 411.

([32]) تعدّى إلى الأعلى: أ ب محمود عكّام. "البكتاشيّة". الموسوعة العربيّة. هئيّة الموسوعة العربيّة سوريّة- دمشق. اطلع عليه بتاريخ شبعان 1436 هـ.

([33]) وسام سعادة، البكتاشيّة، دار المنار، بيروت، 2011 م، ص 1

([34]) سعاد ماهر، مشهد الإمام علي،  ص157 .

 http://www.imamali-a.com/?id=4401

([35]) الملامتيّة او الملاميّة (بحسب ما يقول ابن عرب ي): هذه الطريقة تقوم على ترك الشهوة فيما يقع فيه التمييز من الخلق في اللباس والمشي والجلوس والسكون . الموسوعة الحرة .

([36]) ه أ.رجب، الموسوعة الإسلاميّة الميسرة، ترجمة راشد البرواري، الهيئة المصريّة العامة للكتاب، القاهرة، 2013، ص 842.

([37]) شمس الدين التبريزي محمد بن ملك داد التبريزي (مواليد 1185 تبريز- 1248 خوي)، (582-645 هـ) هو عارف ومتصوف وشاعر فارسي مسلم صوفي يُنسب إلى مدينة تبريز. يُعتبر المُعلم الروحي لجلال الدين الرومي (مولانا). كتب ديوان التبريزي (الديوان الكبير) الذي كتبه في مجال العِشق الإلهي.الموصوعة الحرة .

([38]) بديعة محمد عبد العال، الفكر الباطني في الأناضول، الدار الثقافيّة للنشر، ط1، القاهرة، 2010م، ص 15 .وانظر :أحمد محمد إبراهيم، تأسيس الإسلام الموازي: التصوف الشعبي في الأناضول، مركز المسبار للدراسات والبحوث، كتاب 113، 2016 م، ص80-83.

([39]) بديعة محمد عبد العال، الفكر الباطني في الأناضول الامام علي في معتقد البكتاشيّة نموذجا، الدار الثقافيّة للنشر، ط1، القاهرة، 2009م، ص17. وانظر: محمد فؤاد كوبريلي، تاريخ الدولة العليّة العثمانيّة، ص157-158.

([40]) أحمد محمد إبراهيم، تأسيس الإسلام الموازي: التصوف الشعبي في الأناضول، ص 86 وانظر:

 Ahmet t.karamustafa,op,cit,p62.

([41]) بديعة محمد عبد العال، الفكر الباطني في الأناضول الإمام علي في معتقد البكتاشيّة نموذجا، ص 19،20.وانظر: Ahmer yasar Ocak :Babailar lsyani.S.71

([42] ) نفس المصدر، ص20.

([43]) نفس المصدر، ص21.

([44]) نفس المصدر،  ص 24,

([45]) أحمد محمد إبراهيم، تاسيس الإسلام الموازي، ص 87. وانظر: محمد بن محمد العبدري المالكي ابن الحاج،  مدخل الشرع الشريف على المذاهب، المعروف بكتاب:المدخل، القاهرة، دار التراث، بدون تاريخ،ج3، ص199 . .

([46] ) المصدر نفسه، 88.

([47] ) المصدر نفسه، ص 89،هامش 233: (الجوكان )هو الصولجان الذي تضرب به الكرة.

([48] ) المصدر نفسه، ص 89 وانظر: Ahmet T. Karamustafa, op. cit., p. 62.

([49] ) المصدر نفسه ، ص 90.

([50]) بديعة محمد عبد العال، الفكر الباطني في الأناضول الامام علي في معتقد البكتاشيّة نموذجا، ص25.

([51]) نفس المصدر، ص26.

([52] ) أحمد محمد إبراهيم، تاسيس الإسلام الموازي، ص93. Karamustafa, God's Unruly Friends, p.19.

([53]) المصدر نفسه، ص 94.انظر لاين جورج، عصر المغول، ص 268.

([54]) المصدر نفسه، ص95.

([55]) انظر: أديب كمال الدين، مواقف الألف، الدار العربيّة ناشرون، ط1بيروت، 2012م، ص 11.شاعر يستثمر المرموزات الصوفيّة بلغة شعريّة شفافة .

([56]) العلويون: أصحاب دين جديد أم طريقة تصوف او مذهب سياسي لعصر العولمة ؟ابراهيم الداقوقي -  مدير مركز الدراسات الاكاديميّة وتواصل الثقافات -  فيينا .

([57]) المصدر نفسه .

([58]) المصدر نفسه .

([59]) أحمد خواجه، الله والإنسان في الفكر العربي الاسلامي، منشورات عويدات، ط1، بيروت، 1983م،  ص174.

([60]) جواد علي كسار، فهم القران، مؤسسة العروج، ط1، 2000 م ،ص115.

([61]) خنجر علي حمية، العرفان الشيعي، دار الهادي ،ط2، بيروت، 2008م، ص366.

([62]) أحمد حامد الجمال ، البكتاشيّة الطريقة التى دعمها محمد على وطردتها ثورة يوليو، المصري اليوم وتاريخ العدد الجمعة ١٧ ابريل ٢٠٠٩ م عدد ١٧٦٩ .

 http://www.coptichistory.org/new_page_7412.htm

([63]) المولويّة: المولويّة إحدى الطرق الصوفيّة السنيّة. مؤسسها الشيخ جلال الدين الرومي (1207 هـ- 1272 هـ). وهو أفغاني الأصل والمولد، عاش معظم حياته في مدينة قونية التركيّة، وقام بزيارات إلى دمشق وبغداد. وهو الذي نظم معظم الأشعار التي تنشد في حلقة الذكر المولويّة. واشتهرت الطريقة المولويّة بتسامحها مع أهل الذمّة ومع غير المسلمين أيّاً كان معتقدهم وعرقهم، ويعدها بعض مؤرخي التصوف من تفرعات الطريقة القادريّة .

([64]) المصدر: موقع جدل:

http://www.jadal.org/news.php?go=fullnews&newsid=606

([65]) تقرير : فرقة “الانكشاريّة”.. تاريخ عظيم ونهايّة مؤلمة، هيأة الإذاعة والتلفزيون التركيّة.



([66]) المصدر: موقع جدل:

http://www.jadal.org/news.php?go=fullnews&newsid=606

([67]) المصدر نفسه .

([68]) محمود السيد الرغيم، محمد على باشا وجهة نظر عثمانيّة، كليّة الدراسات الشرقيّة والافريقيّة، جامعة لندن، ص13 13. وينظر تبعا له تاريح الدولة العثمانيّة، ص 288.

([69]) محمد العتر، الإنكشاريّة وعبيد البخاري: تاريخ جيوش العبيد في العالم الإسلامي، موقع

([70]) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة، عبد الرحمن عبد الخالق، ص 409 – 411.

([71] ) قيس جواد العزاوي، الدولة العثمانيّة قراءة جديدة لعوامل الانحطاط، الدار العربيّة للعلوم، ط1، بيروت، 1994م، ص 75.

([72]) محمود السيد الرغيم، محمد علي باشا وجهة نظر عثمانيّة، ص23.

([73]) التاريخ المنسي.. المسلمون في منطقة البلقان:

http://www.albawabhnews.com/2509116

([74]) كريم الماجري، مسلمو جنوب شرق أوروبا.. أصالة الهُويّة وملامح المستقبل :

http://studies.aljazeera.net/ar/files/musliminbalkan/2014/06/20146199351315948.htm

([75]) انظر: محمود علي التايب، ألبانيا عبر القرن العشرين،دار الكتب الوطنيّة – بنغازي،  ص15.

([76]) نصرت تشانشار، مسلمو ألبانيا ..عودة الهويّة الدينيّة، الجمعة, 11 يوليو, 2014 م 24:39 مكة:

http://studies.aljazeera.net/ar/files/musliminbalkan/2013/09/201391695991513.html

([77] ) محمود علي التايب، ألبانيا عبر القرن العشرين،  ص ،17 وانظر تبعا له:

National Geographic Magozine N 4 Volume 158.p.52.

([78]) نصرت تشانشار، مسلمو ألبانيا ..عودة الهويّة الدينيّة

([79]) يبقى أن نشير في هذا الصدد إلى أن إيران أبدت اهتماماً كبيراً بدعم الجماعة الباكتاشيّة وإتباع المذهب الشيعي في ألبانيا، ويظهر ذلك من خلال تقديم منح دراسيّة لكوادر الجماعة الباكتاشيّة وترجمة المؤلّفات الشيعيّة وتعليم اللغة الفارسيّة.  

([80]) المصدر نفسه ،وانظر تبعا له: www.zeriislami.com

([81]) المصدر نفسه، وانظر تبعا له: يمكن مشاهدة الجدال بين إسماعيل قداري ونشطاء في منتدى مسلمي ألبانيا على الموقع التالي:   www.forumimusliman.org

([82]) محمد موفاكو، مداخلات عربيّة بلقانيّة، ص 59.

([83]) انظر :كانت حركة وطنيّة تدعو في البدايّة الى مقاومة الاستبداد السلطنة العثمانيّة عن طريق إثارة القوميات لكل الأمم التي كانت تحكمها السلطنة العثمانيّة. نتج عن الحركة تأسيس جمعيّة الاتحاد والترقي في 1906م، حيث ضمت الجمعيّة معظم أعضاء تركيا الفتاة.

([84]) محمود علي التايب، ألبانيا عبر القرن العشرين، ص 19-20.

([85]) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.

([86]) نعيم فراشري (1846- 1900م) من أكبر الشعراء في الأدب الألباني، ولد في فراشر في جنوب ألبانيا وتعلم الفارسيّة والعربيّة في التكيّة البكتاشيّة هناك وقد عمل على نشر إبداعاته الأدبيّة باللغة الفارسيّة ثم تخلى عن ذلك كله ليتوجه للمشاركة في حركة النهضة القوميّة الألبانيّة ومارس من خلال أشعاره تاثيرا واسعا على جيله والجيل الذي بعده. 

([87]) محمد موفاكو، ملامح عربيّة إسلاميّة في الأدب الألباني، (9) المنشورة في مجلة التراث العربي الصادرة عن إتحاد الكُتّاب العرب بدمشق سنة أولى عدد 3 سنة 1980م ص 62.

([88]) هدى درويش، المنهج الصوفى للطريقة البكتاشيّة وتأثيره على السلطة الحاكمة فى تركيا،. نشر فى مجلة كليّة الآداب جامعة الزقازيق، مجلة علميّة محكمة، نوفمبر 2001م .