البحث في...
إسم البحث
الباحث
اسم المجلة
السنة
نص البحث
 أسلوب البحث
البحث عن اي من هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على كل هذه الكلمات
النتيجة يجب أن تحتوي على هذه الجملة

فرقانية الثورة الحسينية

الباحث :  د.عبد الاله نعمة الشبيب
اسم المجلة :  العقيدة
العدد :  15
السنة :  شهر جمادى الثانية 1439هـ / 2018م
تاريخ إضافة البحث :  April / 12 / 2018
عدد زيارات البحث :  1174
تحميل  ( 432.328 KB )
خلاصة البحث

إن القرآن يعدّ الرابط الاساس لثورة الامام الحسين بكل ثورات الأنبياء ومن رافقهم من الربيين في طريق الجهاد في سبيل الله عز وجل ، والبحث الذي تناولناه تعرض الى كل صور ونماذج هذا الارتباط القرآني من خلال نصوص الآيات الشواهد أو من خلال الاشارات الخطابية لها أو اللطائف والحقائق القرآنية فيها ومن خلال مفردات بحثها . والحقانية والفرقانية التي ركز عليها البحث تعدّ جامعاً مشتركاً بين الثورة التي هي فرقان الجهاد الأصغر والاكبر وبين القرآن الذي هو كذلك في مسيرة الانسان.

وقد وقف البحث من خلال مباحثه على هذه العلاقة والربط وانتهى الى نتائج ثلاثة هي:

إن القرآن يمثل الثقافة الأصيلة في بحث الثورة الحسينية ، وإن قراءة نصوصه يضع البحث أمام العنصر الأول في القداسة ، وأخيرا إن المعالم القرآنية الحقانية والفرقانية للثورة الحسينية كانت واضحة في نفوس وعقول كل المشاركين في الثورة وضوحا يجعلهم يسيرون بإيمان كامل بها. وإنّ الذين وقفوا أمامها إنما وقفوا جحودا رغم ما استيقنتها انفسهم.

المقدمة

ثورة الحسين (ع) ثورة فرقانية، لأنها فرقت الحق عن الباطل وجعلته متميّزاً بالسيف ، والقرآن ، والمكان ، والأهداف.

فالسيف حينما وقع كانت أمة الحسين (ع) أمة. وأمة يزيد أمة أخرى. والقرآن الذي كانت تتلوه حنجرة الثورة الحسينية كانت تتلى آياته الفرقانية التي أرادت أن يتميز الخبيث من الطيب والمؤمن من الكافر، والمكان هو كربلاء وقد انتصف صعيدها إلى شقّين فقط. شق وقفت فيه رجالات الهدى والإيمان، والآخر وقفت فيه حثالات الباطل والضلال.

وأما الأهداف فيكفي فيها أنّ الفريقين أولهما وضع يده على الخير كلّ الخير وهو الحسين (ع)، وثانيهما وضع يده على الشرّ كلّ الشر وهو يزيد.

وقد كتبتْ الثورة فرقانيتها هذه بقلم العصمة والبقاء والخلود وبالقرآن ذلك هو قلم الإمام والعالم والشهيد، لكي تبقى فرقانيتها شاهدة ومشهودة إلى آخر الدنيا والى يوم يقوم الأشهاد.

وقبل أن نستعرض صفة الفرقانية والقرآنية في الثورة من خلال شواهدها وعبر مباحث عدّة نتعرّف على المعنى اللغوي للفظة الفرقانية من خلال كتب اللغة.

الفرقانية لغة واصطلاحا:

يقول الشيخ الطريحي في مجمع البحرين:

"الفرقان: هو القرآن. وكل ما فرّق به بين الحقّ والباطل فهو فرقان وقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ ([1]) من هذا ([2]).

ومن هذا قوله: ﴿يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾ ([3]) أي نصراً، ويقال أي هداية من قلوبكم تفرّق بين الحق والباطل.

ويوم الفرقان: يوم بدر وعن الفرّاء يوم الفتح. ([4]) وفي تفسير جوامع الجامع : يوم الفرقان لأنه يفرق بين الحق بإعزاز أهله والباطل بإذلال أهله ([5]) .

وقوله: ﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا﴾ ([6]) الملائكة تنزل تفرق بين الحلال والحرام([7]).

وقوله: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ ([8]) أي فرّق ([9]).

وفي أساس البلاغة للزمخشري انه قال:

سطع الفُرقان: إذا طلع الفجر([10]). وفي تاج العروس : "ومن المجاز: وقّفته على مفارق الحديث أي على وجوهه الواضحة"([11]).

والفرقانية ليست هي مجرد تفريق شيء عن شيء وإنّما ذلك مع الوضوح والبيان فيقال في الطريق البيّن طريق أفرق([12]).

ومن خلال هذه الظلال اللغوية في مادة الكلمة يتضح أن البحث يريد أن يقول أن الحالة الفرقانية للثورة والتي سيتم تسليط الضوء عليها من خلال شواهدها هي حالة مفادها وضع العلامات الفارقة والبينات الواضحة التي من خلالها يتحقق الفرق ويتضح.

فالتفرقة بين الحق والباطل ليست مجرد تفرقة تصورية وإنما هي بإضافة تبيان الحق تبياناً _ تصديقيا واضح المصاديق ـ يجب معه الاتباع وتحرم معه المخالفة، وتبيين الباطل- كذلك -تبيينا يجب معه الاجتناب ويحرم الإتباع، وهذا ما حصل أو أولته الثورة الحسينية جلّ اهتمامها وأعظمه.

وقد لا تقف على حد التفرقة المشار إليه أعلاه ، بل ترتقي الى أعلى من ذلك إذا ما سار المريد على طريقها فإنها تأخذ بيده قطعا الى النجاة والمخرج من كل أودية الضلال والتيه نظير قوله تعالى : ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانَاً﴾ ([13]) ([14]) .

والثورة الحسينية لسيت فريدة في تجلّيها على هذا الوصف (وصف الفرقانية)، بل أن معركة بدر التي خاضها الرسول (ص) ضد جبهة الوثنية والكفر هي فرقان قرآني واضح بشهادة القرآن المجيد، حيث قال تعالى: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ ([15])، وكذلك المعارك التي خاضها أمير المؤمنين علي (ع) في صفين والنهروان والجمل هي فرقانية أيضاً في واحد من صفاتها. ذلك لأن بدر فرّقت بين المؤمنين بالله والكافرين والمشركين نظرياً وعملياً، ومعارك علي (ع) ـ وعلي نفسه هو الفاروق الأكبر ـ كانت على الأثر سوى أنها بالتأويل لا بالتنزيل، وهكذا ثورة الإمام الحسين (ع) كانت تنطق بالتنزيل ويعمل بالتأويل مع خصومها ومناوئيها لأنّهم خصوم رسالة ومناوؤا خط محمّد (ص) نظرياً وعملياً أيضاً.

وما قامت به الثورة الحسينية في إحدى مهماتها أنها فرّقت بين الحق والباطل والحلال والحرام والطيّب والخبيث والمؤمن والكافر والمطيع والعاصي فلم يعُدْ الأمر بعدها خافياً على ذي سمع وبصر أو فؤاد، ولم يعد الأمر بعدها قابلاً لأن يزيفّ. لأنه ختم بدماء لا يمكن ان تكون هناك دماء أطهر ولا أوفى ولا أولى ولا أبرّ ولا أوصل منها إلى يوم القيامة. ولأنه طبع بطابع الآيات الفرقانية والدلائل القرآنية التي أخذت أنوارها بقلوب العاشقين عن قرب وعن بعد فذاك غلام حسنين الكنتوري المتوفى حدود (1340) ممن سبقنا في البحث في هذا المجال في فرقانية الإمام الحسين (ع) من آيات القرآن وبيان دلالتها على شهادته في كتابه (الحسينية القرآنية) (الفرقانية) والذي طبع بالهند في قائمتين إحديهما بالعربية والأخرى باللغة الأردوية ([16]). يقول : "وكيف لا يضع المحبّون أقلامهم وأفكارهم في خدمة نسل الفاروق الأكبر ([17]) الذي لا يتقدمه أحد إلا أحمد (ص) " ([18]).

المبحث الاول

معالم الحالة الفرقانية من خلال الآيات القرآنية

 وبعد ما تقدم من التعريف اللغوي والاصطلاحي للمفردة الأهم في عنوان البحث نتطرق الآن إلى ما يهتم به وهو إلقاء الضوء في هذا المبحث على معالم الحالة الفرقانية من خلال الآيات القرآنية .

فالحسين (ع) ربط ثورته بخط الأنبياء من خلال خطاباته وخطابات أصحابه وأهل بيته مرّة، وأخرى من خلال تبني أهداف هذا الخط المبارك لكي تكون لهذه الثورة الحالة الفرقانية التي عليها خط الأنبياء.

والبحث في هذه النقطة لا ينصبّ بالتفصيل إلاّ على الآيات الفرقانية التي رافقت الثورة من أوّل خطواتها إلى آخرها.

أما فرقانية السيف التي مرّت الإشارة إليها فواضحة وقد تجلّت في خطبة زهير (رضوان الله عليه) وهو ينصح أهل الكوفة حيث قال لهم فيما قال: "إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن إخوة، وعلى دين واحد، وملة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف" ([19]). لأن وقوع الحرب يفصل الناس إلى مُحِقّ ومبطل بلا شك..

وأما فرقانية المكان فهي واضحة أيضاً حيث انقسم إلى شقيّن إلى جنة ونار وقد تجلّت بموقف زهير أيضاً وهذا شطر من المحاورة التي وقعت بين زهير (رضوان الله عليه) وعزرة بن قيس مما يشهد لذلك:

زهير: أنشدك الله يا عزرة ان تكون ممّن يُعين الضلاّل على قتل النفوس الزكية.

قال: يا زهير ما كنت من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانياً.

قال: أفلست تستدلّ على موقفي هذا أنّي منهم؟ ([20])، بل وكان المكان فارقاً للحر بن يزيد الرياحي في آخر لحظاته عن جيش عمر بن سعد.

فها هو يقول في لحظة الاختبار الصعب: «إنّي والله أخيرّ نفسي بين الجنة والنار، والله لا اختار على الجنة شيئاً ولو قُطِّعت وحُرِقّت»([21]). وكان المكان فارقاً لعمر بن سعد حيث اختار منه جهة النار والشقاء والحرمان الأبدي حيث وقف بجيشه قبالَ أبي عبد الله الحسين (ع) يقاتلُ الطيبين ويقتلّهم.

أمّا الآيات القرآنية التي أحببنا أن نفصِّل الكلام فيها فهي الآيات التي وردت في خطابات الثورة عموماً.

فقد كانت هذه الآيات منذ البداية علامة على فرقانية حركة الحسين (ع)، لأنها كانت تدلّ بوضوح على ارتباط هذه الحركة بخط الأنبياء الذي تشخصت فرقانيته عن خط الباطل والشرك والفساد والعدوان.

فالحسين (ع) منذ البدء ربط خروجه من المدينة باتجاه مكة بخروج موسى(ع) من قبل حينما خرج من مصر الفرعونية باتجاه مدين خائفاً يترقب.

ومما رواه المؤرخون كشاهد على هذا الربط ما يأتي:

روى الطبري والمفيد أيضاً: أنّ الوليد أرسل إلى ابن الزبير بعد خروج الحسين فطاوله حتى خرج في جوف الليل إلى مكة وتنكّب الطريق فلما أصبحوا سرّح في طلبه الرجال فلم يدركوه فرجعوا وتشاغلوا به عن الحسين (ع)، فلما أمسوا، أرسل إلى الحسين، فقال لهم: أصبحوا ثم ترون ونرى، فكفوّا عنه فسار الحسين من تحت ليلته إلى مكة وهو يتلو: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([22]) وأبى أن يتنكّب([23]) الطريق الأعظم مثل ابن الزبير ([24])، الذي سلك فرع الطريق عند خروجه كيلا يلحقه الطلب([25]).

وفي تاريخ الطبري وغيره ما يلي: «وسار الحسين حتى دخل مكة يوم الجمعة لثلاث مضين من شعبان ([26]) وهو يقرأ ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ﴾([27]).

وهكذا ظلّ الحسين في كل مرحلة من مراحل تحركه يختار لربط حركته بخط الأنبياء الآيات الفرقانية التي تلقي بالأضواء الفاصلة بين الحق والباطل، فمما اختاره عند خروجه من مكة قوله تعالى: ﴿فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ([28]) يخاطب به رسل الوالي عمرو بن سعيد بن العاص إليه عند ممانعتهم إيّاه أثناء خروجه من مكة. وقد تأوّل هذا القول المجيد لأنه حسب التنزيل يتحدث عن المشركين وعن المواجهة المرتقبة التي سيخوضونها مع النبي محمد (ص) ولكن بما أن القوم هم مصداق من مصاديق الآية ومجرى من مجاريها وتطبيق لها تأوّلها معهم لأنهم كما نوّهنا خصوم رسالة ومناوؤ خط. كل ذلك من أجل ان يشعر المخاطبين ومن حولهم أنّ من لم يلتف حول تحركه أو من يقف أمام تحركه فهو يقف منه (ع) على حدِّ البراءة، وعلى حدّ الفصل والطرفية التي لا تقبل الالتئام والانسجام مع طرفها الآخر. ولكي يشعر الأمة ان دوره (ع) هو حفظها من الاجتماع على الضلال فافترق عن هذه الجماعة التي بايعت الضلال وتدعو إلى الضلال باسم الإسلام ووحدة الجماعة وطاعة الخليفة (الإمام الفاسق).

وكلتا الآيتين إنما تتحدثان عن بداية تحرك موسى ، هذا التحرك الذي برزت علامات افتراقه عن جو الظلم والاستعباد السائد في محيطه من خلال الهجرة والفرار من الظالمين .

هذا هو ربط بدايات تحركه (ع) أمّا نهايته فُربط من خلال مقطعين قرآنيين عند آخر لحظات تحكيها حركة موسى (ع) وقد ورد هذان المقطعان في كلمة له (ع) قالها ساعة زحف الأعداء نحوه، والكلمة هي: «لا واللهِ لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أُقِرُّ أقرار العبيد. عباد الله إني عذت بربي وربكم ان ترجمون، أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب» ([29]) 

إذ المقطع الأول من الآية (20) في سورة الدخان: ﴿وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون﴾ والمقطع الثاني من الآية (27) في سورة غافر ﴿وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب﴾ باختلاف لفظي حيث استعمل لفظة أعوذ بدل «إني عُذْت» القرآنية، وكلاهما يتحدثان عن صراع موسى(ع) مع فرعون ، وعن أحلك ساعات الصراع وأخطرها، حيث التصميم على القتل كما هو نصّ المقطعين الشريفين وما تعطيه الآيات البعدية من هذا المعنى فذكر هذين المقطعين في خطبته يوم عاشوراء. لا يشير إلاّ إلى وصول الحركة الحسينية إلى الحالة الفرقانية الواضحة التي تفترق فيها من دون رجعة أمة الحسين (ع) عن أمة يزيد.

ولم يكتف الإمام الحسين (ع) من أجل توضيح وتجسيد هذه الصفة الفرقانية في حركته بربطها بحركة نبيّ واحد، بل راح (ع) يربطها بحركة جميع الأنبياء: لأن قضيته إنما هي قضية رسالة يمتد عمرها الرسالي من آدم (ع) إلى محمد (ص).

فها هي مرتبطة بوضوح بقضية نوح (ع)، ومما يشهد لهذا الربط الفرقاني ما أشار به في خطبته يوم عاشوراء حيث ورد فيها: «أيّها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعطيكم بما هو حق لكم عليّ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي هذا واعذر فيكم، فان قبلتم عذري، وصدقتم قولي، وأعطيتموني النصف من أنفسكم كنتم بذلك أسعد، ولم يكن لكم عليّ سبيل، وان لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوا النصف من أنفسكم ﴿ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾([30])  ﴿ إِنَّ وَلِيِّـيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ ([31]).

إذ إنّ قوله (ع): «فاجمعوا أمركم وشركاءكم» إلى قوله: «ولا تنظرون» هو قول نوح (ع) على ما حكاه القرآن الكريم، وهو منطق التحدّي للخصم كما ترى. ولو أردنا متابعة هذه الآية من خلال قراءة ما قبلها وما بعدها لنجد الاُمور الآتية:

1- ان نوحاً وهو واحد واجه قومه وتحدّاهم بأن يفعلوا ما بدا لهم، إنْ كان كبُر عليهم مقامُه وتذكيره ونهضتُه لأمر الدعوة إلى التوحيد والإيمان بالله.

2- انه لا يأسف ولا يتضرر من إعراضهم عنه عند تذكيرهم وإسماعهم الحقّ؛ لأنّه لا يفوته شيء من الأجر بإعراضهم.

3- ان خاتمة الصراع بينه وبين قومه انتهت لصالح الحقّ والهدى حيث نجّاه الله ومن معه في السفينة وجعلهم خلائف في الأرض.

4- ان هذه الصور من الصراع تكررت بعده (ع) مع سائر الرسل.

والحسين (ع) يريد أن يشير إلى أن قضيته في التذكير والدعوة إلى الحق والعدل مع قومه لا تختلف بشيء عن قضية نوح (ع) ونبأه الذي قصّه القرآن في الآيات (71 -74) من سورة يونس. فكما أن نوحاً كان واحداً في أمته وفي مقامه فكذلك الحسين (ع)، وكما أنّ نوحاً كان متحدّياً للكافرين من قومه وقد أبى أن يعطيهم يده ويقرّ لهم بما يشاؤون، فكذلك الحسين (ع) وكما أن قوم نوح (ع) أعرضوا عن تذكير نوح (ع) ومواعظه وما عرضه عليهم من أدلة داحضة لضلالهم وكفرهم ، فكذلك كانت الأمة التي وقفت أمام الحسين أعرضت عنه وعن كل نصائحه أيّما إعراض. وحتى النتيجة هي واحدة. فكما ان نوحاً انتهى إلى النجاة هو ومن معه في الفلك، والى جعلهم من قبل الله تعالى خلائف في الأرض، فكذلك الحسين (ع) حيث انتهى إلى النجاة بثقله في الأرض علي زين العابدين (ع) بمشيئة الله وإرادته رغم ما أحيط به من بلوى وما أحيط به من أعداء . هذا الثقل الذي سيتّم الاستخلاف في الأرض كل الأرض على يد الثامن من ولده الإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ([32]).

وقد ربط الإمام الحسين قضيّته بقضية هود وقضية يونس : من خلال ما اقتبسه من آيتين فرقانيتين في خطبته الثانية ([33])، وهو قول الله تعالى: ﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ ([34]).

ولو ذكرنا ما قبل هذا القول المبارك لوجدنا أنّ القرآن يشير إلى هذه اللحظة الفرقانية بكل صراحة وفصاحة ، معبراً عنها بلغة البراءة التي أعلنها هود من قومه مشهداً الله عليها ومشهداً الذين يخاطبهم من المشركين.

وهذا هو المقطع المبارك ، فلنقرأه: ﴿قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ . إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ . مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ . إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾([35]).

وربط الإمام الحسين (ع) قضيته بقضية إبراهيم (ع) أيضاً من خلال ما ذكره من دعاء يحكي مضمون الآية القرآنية التي انتهى إليها إبراهيم (ع) في قصة صراعه مع قومه، وهو قوله (ع): " كذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا، عليك توكلنا واليك المصير" ([36]) المستوحى من قوله تعالى في حكاية ذلك الصراع الإبراهيمي النمرودي:

قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ ([37]).

والكلام الشريف في هذا المقطع القرآني كما ترى يُظهر هو الآخر صورة المواجهة بين الحق والباطل بشكل واضح، وهو يظهر أيضاً صورة البراءة الأبدية من الباطل وممارسات أهله ضدّ الحق وأهله. ولعلّ هذه الصورة الفرقانية هو ما كان الإمام الحسين (ع) يروم الإشارة إليها من خلال ما ارتبط بها آخر الآية الكريمة، إضافة إلى ما يظهر من المعنى الوارد فيه وهو واضح.

ومن المقاطع الفرقانية التي اختارها الحسين لإبراز هذه الصفة في ثورته المقطع القرآني التالي:

 ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ ([38])، وهو مقطع له ربط وثيق بما قبله وما بعده من الآيات الواردة في سورة الأعراف، وها هي الآيات فلنذكرها أولاً:

 ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ *إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ * إِنَّ وَلِيِّـيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾([39]).

والغرض من ذكر هذه الآيات التي تتضمن الآية الفرقانية التي تخصّ البحث فهو ما سننقله من كلام السيد الطباطبائي في تفسيره الآية حيث قال: "لكي تبيّن كم هو مدى التحدّي الذي ابرزه (ص) لخصومه وآلهتهم من الشركاء ليستبين سبيله من سبيلهم ويظهر أن ربّه هو الله الذي له العلم والقدرة وان أربابهم لا يملكون علماً ليهتدوا به إلى شيء ولا قدرة لينصروهم في شيء فقال: قل لهم ادعوا شركاءكم لنصركم عليّ ثم كيدوني فلا تنظرون ولا تمهلون. إنّ ربي ينصرني ويدفع عني كيدكم فإنه الذي نزّل الكتاب ليهدي به الناس، وهو يتولى الصالحين من عباده فينصرهم، وهو القائل ان الأرض يرثها عبادي الصالحون وانا من الصالحين فينصرني ولا محالة، وأما أربابكم الذين تدعون من دونه فلا يستطيعون نصركم ولا نصر أنفسهم ولا يسمعون ولا يبصرون فلا قدرة لهم ولا علم.

وفي الآيات أُمِرَ النبي (ص) أن يخبرهم أنّه من الصالحين ولم يعهد فيما يخبر صلاح الأنبياء مثل ذلك في غيره (ص) ([40]).

أقول: لو نقلنا مواضيع هذا الكلام إلى قضية الحسين (ع) فإننا سنجدها تنطبق على مواضيعها انطباقاً كاملاً.

فالحسين ـ بتحدّيه الذي عرفت به مسيرته وثورته وعرف به هو ـ يريد أن يستبين سبيله من سبيل أعدائه الطالحين الذين اجتهدوا في التلبيس على الناس بأنهم ممن لزم الطاعة والجماعة وثبت على الحق في قتل من مرق على الدين وخالف الإمام وذلك الذي فرّق هو الحسين (ع) بزعمهم وها هي أقواله الهادفة لتحقيق هذا الاستبيان والفرقانية لسبيله (ع) عن سبيل يزيد.

قال (ع): "ألا وإن الدعي ابن الدعي ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منا الذلة" ([41]).

وقال (ع): " ولا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل ولا أقر إقرار العبيد"([42]).

وقال أيضاً مستشهداً بقوله عزّ وجلّ: ﴿أَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ﴾.

وبيّن (ع) لأعدائه رغم كثرة عددهم وعدّتهم أن النصر بيد الله، وان الله لايعطيه إلاّ للصالحين من عباده لا للمفسدين والظالمين والمجرمين والكافرين من أمثال يزيد واتباعه وأشياعه مهما اجتهدوا في الغي وبالغوا في الكيد والعدوان، وأشار للناس ان الصالحين الذين يتولاهم الله حسب نصّ الآية الكريمة التي استشهد بها في خطبته يوم السادس من محرم على ما نقله ابن نما هم شخصه المطّهر ورجالات حزبه وأنصاره، مَثَلُه في ذلك مثل رسول الله (ص) وهو يخاطب مشركي قريش بتلك الآيات الكريمة. إذ لا فرق بين أولئك الذين وقفوا بوجه الإسلام أيام جدّه (ص) وبين هؤلاء الّذين وقفوا بوجه الإسلام والصالحين أيامه هو (ع) 

أقول: ان هذه الاشارات الفرقانية التي أوردها الإمام الحسين (ع) في خطبه لتوضّح بلاشك هوية الجانب الثاني من الصراع وتضعه في فريق الباطل المحض. ولم يقتصر الإمام الحسين (ع) على هذه الموارد من الربط، بل كثيراً ما كان يربط ثورته وقضيته بقضية يحيى بن زكريا الذي أهدي رأسه إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

ذكر صاحب معالم المدرستين الأمر في هذا الصدد فقال: « وكذلك كان يكرر التصريح بأمثال هذه الأقوال، قال علي بن الحسين: خرجنا مع الحسين (ع) فما نزل منزلاً ولا ارتحل منه إلاّ ذكر يحيى بن زكريا ومقتله، وقال يوماً: ومن هوان الدنيا على الله أنّ رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل»([43]).

ولم ترد قصة مقتل يحيى في القرآن ولكن الذي يفهم من الروايات ان الذي قتله هو أحد ملوك بني إسرائيل من أجل شهوة محرّمة قذرة فكان (ع) شهيد النهي عن المنكر الذي كان يرتكبه هذا الملك المتهتك ([44]).

ولا شك في انّ الحسين حينما كان يذكر يحيى بن زكريا فانه يذكره بما يذكره به القرآن. وقد ذكره القرآن بهذه الأوصاف الفارقة التي يتميز بها وهي كالآتي:

كان مصدّقاً بكلمة من الله، وكان سيّداً حصوراً، وكان نبيّاً ومن الصالحين، وانه كان من المهديين، وان الله لم يجعل له من قبل سميّا. وأمره بأخذ الكتاب بقوة، وان الله آتاه الحكم صبيّاً، وسلّم عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيّاً، وانه كان من بيت يسارع أهله في الخيرات، ويدعون الله رغباً ورهباً وكانوا خاشعين([45]).

فكان (ع) إذاً يشير بذكر قضية يحيى وقضية قتله إلى هذه اللوحة الفرقانية التي وقف يحيى تحت ظلالها المباركة الكريمة وانفصل بها عن ظلال الملك الشهواني المتهتك الفاسد الغادر الذي ذكرت الروايات فعلته الشنيعة مع يحيى، ويشير إلى أن أمثال هؤلاء الملوك ـ ويزيد أبرز مصاديقهم ـ لا يتورعون عن قتل الناس من أجل شهواتهم ونزواتهم وان كانوا أنبياء أو صالحين أو أهل هدى وسيادة حقيقية أو شرف أو حكمة وحكم وقوة في عقل إلى غير ذلك من الصفات المقدسة والمحرمة.

ثم إنّ الحسين حيّاً وميتاً لم يترك وضع الخطوط الحمراء والفواصل الفارقة بين مبادئ الحق والخير وأهله وبين مبادئ الشر والباطل وأهله، بل راح يؤكّد عليها حتى أثناء المعركة. ويؤكّد على انتمائه إلى هذا الخط المقدس ـ خط الأنبياء ـ المفترق عن خط الكفر والضلال.

يقول الخوارزمي عندما عزم أهل بيت الحسين (ع) على الحرب: وتقدم علي الأكبر إلى ساحة القتال: صاح الحسين يا عمر بن سعد: مالك قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك وسلّط عليك من يذبحك على فراشك، كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله، ثم رفع صوته وقرأ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ .ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾([46]).

وراح الحسين (ع) أيضاً يؤكّد عليها وهو رأس مقطوع مرفوع على قناة أهل الباطل وذلك من خلال تلاوته لآيات سورة الكهف، وآيات أخرى غيرها تثير هذا المعنى بلغة البيان والقرآن.

وهذه هي الآيات المباركة التي ورد ذكرها في ألسنة الروايات.

1 - آيات سورة الكهف من الآية الأولى إلى الآية الثالثة عشر.

2- الآية (137) من سورة البقرة، والمقطع الأخير من الآية (227) من سورة الشعراء.

أما الروايات التي تضّمنت تلك الآيات وذكرت تلاوة رأس الحسين (ع) لها فهي كما في رواية اللهوف كالآتي:

قال السيد ابن طاووس في اللهوف، قال زيد بن أرقم: "أنه مر عليّ به _ برأس الحسين (ع) _ وهو على رمح، وانا في غرفة لي، فلما حاذاني سمعته يقرأ: ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ فقفّ والله شعري وناديت: رأسك والله _ يا ابن رسول الله (ص) _ وأمرك أعجب وأعجب، فلما فرغ القوم من الطواف به في الكوفة ردّوه إلى باب القصر" ([47]).

وعن طرف الزمان عن سلمة بن كهيل قال: «رأيت رأس الحسين (ع) على القنا وهو يقرأ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ ([48]).

وقد صحح الشيخ الصدوق عدداً من هذه الروايات التي تنطق في هذا السياق بل وقواها سندا ([49]).

فكل الآيات التي تقدم ذكرها أخيراً تشير إلى وجود ظالم ومظلوم، وأن الحسين (ع) وهو يتلو هذه الآيات إضافة إلى أنه يثير مظلوميته ومظلومية عياله، وأنّه سينتصر من بعد ظلمه هذا، وتدل من جهة أخرى على تشخيص الظالم، والإخبار بقرب منقلبه وهلاكه. فهي إذن آيات فرقانية فرقت بين الظالم والمظلوم من حيث المواصفات والنتائج، وعليه فلم تبق بعد هذه الآيات الكثيرة التي سرت في شرايين ومفاصل الحركة الحسينية حجة للناس على الله بأن يقولوا إنّ الباطل لازال ملتبساً علينا ولا زال الأمر غامضاً. كلا، فان ثورة الحسين (ع) وضعت كل نقاط الفرز وكل العلامات الفارقة التي تفرّق بين الحقّ والباطل حتى غدا فيه أمر الحق والرشد كالبدر الساطع في سواد الليل. بل كما هو صريح قوله تعالى الآتي الذي اختاره هو (ع) في تلاوته ليلة العاشر من المحرم كما رواه الطبري عن أبي مخنف عن الضحاك بن عبد الله المشرقي، قال: فلما أمسى الحسين وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون، قال: فمرّ بنا خيل لهم تحرسنا، وان حسيناً (ع) ليقرأ ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ ([50])... الخ الرواية» ([51]).

فقد تميزّ الحق من الباطل، والطيبّ من الخبيث، والمؤمن من الكافر، ولم يبق لمتعلّل علّة، ولا لمجادل مخاصمة أو سبيل، وليس هذه الاختيارات القرآنية التي اختارها الإمام الحسين (ع)، بل وما دار على منطق أصحابه رضي الله عنهم أيضاً. أمثال حنظلة بن أسعد الشبامي ([52]) ممن تمثل موقف مؤمن آل فرعون في تذكيره ووعظه هناك وغيره ليس من باب الصدفة أبداً، وإنما لتكون صورة الصراع واضحة بين الجبهتين كوضوح فريقي الآية الأخيرة وهما يتميزان إيمانا وكفراً وطيباً وخبثاً. وقد استمر علي بن الحسين (ع) في إبراز معالم الفرقانية في الثورة وكذلك زينب (ع) من خلال الآيات القرآنية التي تناسب المقام.

ومما نقلته السيرة عن الإمام زين العابدين (ع) في هذا الصدد هو ذكره للآيات القرآنية الفرقانية الآتية في ضمن محاورة جرت بينه وبين شيخ على رواية صاحب البحار وسننقل الرواية أيضاً من أجل إزاحة كل محاولات اللبس التي اعتمدها أهل الباطل لإضاعة معالم الحق وستره وعدم ظهوره.

يقول العلاّمة المجلسي في البحار: " وجاء شيخ فدنا من نساء الحسين وعياله وقد أقيموا على درج باب المسجد، وقال الحمد لله الذي قتلكم، وأراح البلاد من رجالكم، وأمكن أمير المؤمنين منكم، فقال علي بن الحسين يا شيخ هل قرأت القرآن؟ قال: نعم. فقال: هل قرأت هذه الآية: ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ قال الشيخ: قد قرأت، قال (ع): فنحن القربى، فهل قرأت هذه الآية: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ قال : نعم. قال علي (ع): نحن القربى يا شيخ. فهل قرأت هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ قال الشيخ: قد قرأت، قال علي (ع): نحن أهل البيت الذين خُصِّصْنا بآية التطهير يا شيخ. فبقى الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلّم به. وقال بالله إنكم هم؟ فقال عليّ بن الحسين: تالله، إنا لنحن هم من غير شك وحقّ جدّنا رسول الله إنا لنحن هم. فبكى الشيخ ورمى بعمامته ورفع رأسه إلى السماء وقال اللّهم أبرأ إليك من عدو محمد (ص) من الجنّ والإنس ثم قال: هل لي من توبة؟ فقال له: نعم ، إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا. قال أنا تائب فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل" ([53]).

وهكذا فعلت زينب (ع) فقد جاء في مثير الأحزان واللهوف ما يأتي: "فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب فقالت الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله سبحانه حيث يقول: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون﴾ أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض... الخ ثم قالت: أنسيت قول الله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾" ([54]).

فقد وضَّـحت (ع) ان يزيد هو الكافر، وانه ممن أساء السوأى وممن كذب بآيات الله واستهزأ بها لا كما يصوره الإعلام الأموي بأنه الخليفة الشرعي وان الحسين خارجيّ..

وليس من نافلة القول أن نقول: ان الذين خذلوا الحسين (ع) إنما خذلوا كل الأنبياء لأنه كلّمهم بمقاطع من كلام الأنبياء: في حالات مواجهاتهم.

فتصوَّر كم هي الحجة الملقاة على عاتق أولئك الذين حاربوه (ع) إنّها أكبر الحجج بلا شك، وكم هي همجية هذا الذي وضع سيفه على قفا الإمام الحسين (ع) ليحتزّ حنجرته التي تكلمت بصدق ونصيحة ووفاء بكلّ كلمات الأنبياء في حالات المواجهة. انه بلا شك واضع لسيفه وخنجره على قفا نوح وهود وإبراهيم وموسى ومحمد (ص) وجميع الأنبياء والصالحين يحتزّها جميعاً، ألا لعنة الله عليه وعلى أوليائه ومتابعيه والراضين بفعله ومن انتهج نهجه إلى قيام يوم الدين.

انتهى الحديث بالتفصيل عن معالم الحالة الفرقانية التي أبرزتها الآيات القرآنية الواردة في إعلام الثورة الحسينية.

والآن نسلط الضوء على جانب تفصيلي آخر يؤكّد على إبراز معالم الصفة الفرقانية للثورة ولكن من خلال الأهداف والدواعي التي تحركت بها الثورة الحسينية.

المبحث الثاني

معالم الحالة الفرقانية من خلال الأهداف والدواعي الحسينية

ان دواعي الثورة التي تحرك بها الإمام الحسين (ع) هي نفس دواعي رسالات الأنبياء: وقد استطاع الإمام الحسين (ع) أن يربط ثورته بتلك الرسالات ربطاً كاملاً من خلال تبنّي أهدافها جميعاً. والذي يطالع الآيات الآتية أرقامها:

10 - 11 / الشعراء وهي المتن القرآني لرسالة موسى (ع).

106 - 107 / الشعراء وهي المتن القرآني لرسالة نوح (ع).

124- 131 / الشعراء وهي المتن القرآني لرسالة هود (ع).

142- 152 / الشعراء وهي المتن القرآني لرسالة صالح (ع).

161- 166 / الشعراء وهي المتن القرآني لرسالة لوط (ع).

177- 184 / الشعراء وهي المتن القرآني لرسالة شعيب (ع).

123 - 126 / الصافات وهي المتن القرآني لرسالة إلياس (ع).

يجد أن هذه المتون القرآنية التي تعدّ خلاصة رسالات الأنبياء : التي تعرضت لها تانك السورتان الشعراء والصافات تشترك بمفردات أربعة هي:

1 - مقاومة الظلم والانحراف.

2 - مقاومة الكفر والشرك.

3 - مقاومة الفساد والمنكر.

4 - مقاومة البطش والعدوان والجبروت.

وهذه بعض من مقاطع تلك المتون الكريمة:

المقطع الأول: ويتناول مقاومة الظلم

 ﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ﴾([55]).

المقطع الثاني: ويتناول مقاومة الكفر والشرك:

قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ . أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ﴾ ([56]).

المقطع الثالث: ويتناول مقاومة الفساد:

قال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ. وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ . وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين . وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ﴾([57]).

المقطع الرابع: ويتناول مقاومة العدوان والبطش والجبروت

قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ ([58]).

وهذه المحاور الأربعة التي تدور حولها رسالات الأنبياء في التغيير والإصلاح هي نفسها أهداف الحركة الحسينية، وقد أشار الإمام (ع) إلى ذلك من خلال بعض النصوص القرآنية التي استشهد بها أثناء تحركه ومن خلال بعض النصوص التي وردت على لسانه الشريف.

ففي أثناء خروجه (ع) إلى مكة على ما يرويه الطبري والمفيد كان يتلوا قوله تعالى: ﴿وخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ فهذه الآية تدل بالصراحة على أن الجهة الثانية التي بدأ تحركه ضدها هي جهة ظالمة وان مسيرته الرسالية لا تختلف عن مسيرة الرسالات السماوية التي تحركت ضد الظلم والباطل أمثال رسالة موسى (ع).

ومما رواه الطبري أيضاً بخصوص محور التحرك ضد الظلم والباطل قال: "قال عقبة بن أبي العيزار قام الحسين (ع) بذي حسم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: انه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وان الدنيا قد تغيرّت وتنكّرت، وأدبر معروفها، واستمرّت جذاء، فلم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإنّي لا أرى الموت إلاّ شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلاّ برما.." ([59]).

فجاء ـ أي قرّة بن قيس ـ حتى سلّم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد، فقال له الحسين: كتب إليّ أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنهم، قال، ثم قال له حبيب بن مظاهر ويحك يا قرة بن قيس أين ترجع ؟ إلى القوم الظالمين ؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيّدك الله بالكرامة " ([60]).

وأما الشاهد التاريخي الذي يؤكّد التقاء حركة الحسين (ع) بحركة الأنبياء في محور مقاومة الكفر والشرك فهو ما ورد من محاورة بين الحسين (ع) ورسل والي يزيد في مكة عند خروجه منها، والتي وردت فيها البراءة الصريحة مما يعمل يزيد وأولياء يزيد إشارة إلى كفرهم وضلالهم. وقد مرّ ذكر هذه المحاورة في بحث النقطة الأولى.

وأما الشاهد التاريخي الذي يؤكد الالتقاء في محور مقاومة الفساد فهو ما رواه الطبري من قول الإمام الحسين (ع) أثناء وصول خبر استشهاد مسلم بن عقيل: حيث قال (ع): "كل ما حمّ نازل وعند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمتنا"([61]). هذا الفساد الذي عمّ جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والإدارية والأخلاقية والمالية والدينية.

وأما الشاهد الذي ورد بخصوص المحور الرابع فهو ما رواه الطبري أيضاً وابن الأثير بعد أن سارّ ابن الزبير الحسين (ع) بالبقاء في المسجد الحرام وبتعهده بجمع الناس له فقال (ع): "والله لئن اقتل خارجاً منها أحبّ اليّ من أن أقتل داخلاً فيها بشبر. وأيم الله لو كنتم في جحر هامّة من الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيَّ حاجتهم، والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت" ([62])، وكذلك ما ورد في خطبة الإمام الحسين (ع) لأصحابه بالبيضة خلال الطريق إلى كربلاء، قال فيها: "أيّها الناس إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، فلم يغّير عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، واظهروا الفساد، وعطلّوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غَيَّر.... الخ الخطبة" ([63]).

بل وهذا شاهد تاريخي ينقله الطبري يمثل ان الجبهة التي تحرك الحسين ضدها هي مستوفية لهذه الصفات التي تجب الثورة عليها، قال في ذكر قتل عروة ابن أديّة وغيره من الخوارج وهو من أحداث عام (59 هـ.ق )، قال:

"حدّثني عمر، قال: حدثني زهير بن حرب. قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عيسى بن عاصم الأسديّ، أن ابن زياد خرج في رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع الناس وفيهم عروة بن ادية اخو أبي بلال. فأقبل على ابن زياد فقال: خمس كنّ في الأمم قبلنا، فقد صرن فينا.

﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾.

وخصلتين أخريين لم يحفظهما جرير. فلما قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يجتريء على ذلك إلاّ ومعه جماعة من أصحابه. فقام وركب وترك رهانه. فقيل لعروة ما صنعت! تعلمن والله ليقتلك. قال: فتوارى، فطلبه ابن زياد، فأتى الكوفة، فأخذ بها، فقدم به على ابن زياد، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثم دعا به فقال: كيف ترى؟ قال: أرى أنك أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك، فقتله، وأرسل إلى ابنته فقتلها" ([64]).

هذا واقع الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية آنذاك وقد ازداد سوء عند مجيء يزيد إلى الخلافة وذلك بعيد سنتين أي سنة (60 هــ.ق).

ومن هذا النص وأمثاله نستطيع أن نقول ان المحاور التي انطلقت ضدها ثورة الحسين (ع) هي نفس المحاور التي كانت مبرراً لرسالات الأنبياء : وعليه فان الدفاع عن ثورة الحسين والسير على نهجها والإيمان بها يمثل دفاعاً عن الدين والسير على نهجه والإيمان به والعكس هو الصحيح. ومنه نفهم أن كل من يحارب ثورة الحسين أو يقف أمام قضية الحسين إنما يقف على صعيد الطف على قدمي شمر قدماً على قدم ورسماً على رسم بل على قدمي قابيل من دون ان تختلف ليلة هذا عن بارحة ذاك.

وهكذا نستطيع القول في مجموع هذه الشواهد النقلية في الآيات والروايات والأخبار التاريخية والنصوص الحركية الحسينية التي تخللت إعلام الثورة وبلاغاتها أن الثورة التحمت مع رسالات الأنبياء التحاماً كاملاً في جميع أهدافها. مما يدعونا ذلك إلى القول إلى أن هذا الالتحام في الأهداف والدواعي كان آية فرقانية جعلت الحركة متميزة المعالم في كل مساراتها كما هي مسارات الأنبياء:، فلا غبش ولا ضباب يستطيع ان يتكثّف على سمائها وأرضها ليكون حجة لمن يريد أن يناور ويجادل بالباطل ، وهي ملحمة كتبت بقلم العصمة والشهادة والعلم هذه الأقلام الخالدة الباقية المقدسة بنَفَس قرآني رسالي يستوعب كل مفردات الرسالة الإلهية العامة في الثورة ضد الباطل والكفر والفساد والعدوان.

ثم ان هذه المعالم القرآنية الفرقانية كانت واضحة في نفوس وعقول كل المشاركين في الثورة وقد صرّحوا بذلك وبيّنوها معاً، وكانت الشواهد التي يختارونها في هذا الصدد تمثل اختيار الحالة الفرقانية في مرحلة الحسم والقطع، لان القضية التي وقفوا من أجلها هي قضية المبدأ الذي لا يعرف روح المساومة والمداهنة والتخلي عن بعضهم من أجل بعضهم. وبقيت هذه الحالة الفرقانية سمة الساحة التي استشهد عليها الحسين والأنصار وأهل بيته، وسمة الناس، ولا حالة وسطى بين هذين الفريقين المتصارعين، والى يومنا هذا. ومن تلك اللحظة عرف الناس أهل الباطل؛ بل عرف أهل الباطل أنفسهم، وعرفوا أنهم لا يستطيعون بعدُ أن يزيّفوا أمرهم إلاّ على أمثالهم.

نتائج البحث

أولاً: إن القرآن يمثل الثقافة الأصيلة في بحث الثورة الحسينية كما هو حال الرواية وحكاية التاريخ .

ثانياً: إن القراءة الواعية لنصوص الثورة الحسينية من خلال العدسة القرآنية يضع البحث أمام العنصر الأول في القداسة وفي عرض عنصر الاعتماد على أقوال العترة الطاهرة العنصر الثاني فيها.

ثالثاً: إن المعالم القرآنية الفرقانية للثورة الحسينية كانت واضحة في نفوس وعقول كل المشاركين في الثورة ذلك لأنهم رافقوا القرآن الناطق والصامت في كل خطوة من خطوات سيرهم الجهادي وقد صرّحوا بذلك وبيّنوا تلك المعالم على أحسن وجه وأتمه.

* هوامش البحث *

 ([1]) الأنبياء / 48.

 ([2]) الطريحي ، فخر الدين : مجمع البحرين : ج3 ص393وهكذا نقل في المختار من صحاح اللغة لمحمد عبد الحميد ومحمد السبكي : 363.

 ([3]) الأنفال / 29.

 ([4]) الطريحي ، فخر الدين : مجمع البحرين : ج3 ص393

 ([5]) الطبرسي : ج3 ص19

 ([6]) المرسلات/ 4.

 ([7])الطريحي ، فخر الدين تفسير غريب القرآن:ص425

 ([8]) المائدة/ 25.

 ([9]) الطريحي، مجمع البحرين: ج3 ص393 مادة فَرَقَ.وفي تفسير غريب القرآن : ص426

 ([10])الزمخشري ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل : ج4 شرح ص300

 ([11])الزبيدي ، محمد مرتضى، تاج العروس: 13 ص393

 ([12]) المصدر نفسه: ج13 ص401

 ([13]) الأنفال / 29

 ([14])راجع : الطبرسي ، مجمع البيان : ج1 ص14

 ([15]) التوبة : 103

 ([16]) آقا بزرگ الطهراني ، الذريعة: ج 7 ص 22

 ([17]) أي قسيم من الله بين الجنة والنار أي أهليهما وذلك لان حبه موجب للجنة وبغضه موجب للنار ، فيه يقسم الفريقان وبه يفترقان وانا الفاروق الأكبر إذ به يفرق بين الحق والباطل و أهليهما .الكليني ، الكافي : ج 1 - هامش ص 196

 ([18]) الصفار ،محمد بن الحسن ، بصائر الدرجات : ص219

 ([19]) الطبري ، تاريخ الطبري، ج4 ص324، ابن كثير ، البداية والنهاية:ج8 ص194.

 ([20]) نفس المصدر ، ج4 ص316، أبو مخنف ، مقتل الحسين، ص105.

 ([21]) نفس المصدر، ج4 ص325.

 ([22]) القصص / 21.

 ([23]) يتنكب : يتجنب، الجوهري، الصحاح :ج1 ص228

 ([24]) راجع : الطبري، تاريخ الطبري :ج4 ص253 ، العسكري ، مرتضى ،معالم المدرستين :ج3 ص50

 ([25]) شرف الدين ، عبدالحسين ، المجالس الفاخرة :ص183

 ([26]) الطبري ،تاريخ الطبري : ج4 ص286

 ([27]) نفس المصدر : ج3 ص51 ، القصص / 22.

 ([28]) يونس / 41.

 ([29]) أبو مخنف، مقتل الحسين، ص118.

 ([30]) يونس / 71.

 ([31]) الأعراف / 196.

 ([32]) هذا إضافة إلى انتصار مبادئه على مبادئ يزيد. لأنه مما لا شك فيه ان مبادئ الحسين كانت منتصرة وكذلك ثقل الحسين وامتداده الشخصي الذي أراد يزيد أن يدفنه ويستأصله بالكامل لم يحصل وبذلك انتصرت إرادة الله على إرادة الطاغوت.

 ([33])ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين: ص319

 ([34]) هود / 56

 ([35]) هود / 53 -56.

 ([36]) ابن طاووس ، اللهوف في قتلى الطفوف : ص60

 ([37]) الممتحة / 4.وراجع الزخرف : 26

 ([38]) الأعراف / 196.

 ([39]) الأعراف / 193 ــ 198.

 ([40]) راجع تفسير الآيات 193 ــ 198 من سورة الأعراف من الميزان في تفسير القرآن للسيد الطباطبائي.

 ([41]) ابن طاووس ، اللهوف في قتلى الطفوف :ص59

 ([42]) القاضي النعمان المغربي، شرح الاخبار : هامش ص149

 ([43]) العسكري، مرتضى، معالم المدرستين 3: 68 والرواية جاءت في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، ج2 ص 132، وأعلام الورى: ج1 ص429، وذكر ذلك صاحب نظم درر السمطين، ص 215، وثورة الإمام الحسينB للقرشي، ص 54.

 وقد ورد الحديث الفرقاني بينه وبين عبد الله بن عمر بعد ان حذّر هذا الأخير الحسينB من القتل والقتال، فقالB: يا أبا عبد الرحمن أما علمت ان من هوان الدنيا على الله تعالى، أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل أما تعلم أنّ بني إسرائيل كانوا يقتلون بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً؟ ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً فلم يعجّل الله عليهم، بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام، إتّق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعنّ نصرتي. نقله صاحب اللهوف، ص22، ومقتل الخوارزمي، ج1ص192 ــ 193، وبحار الأنوار ، ج44 ص 365، ومن الواضح ان الحسينB في ذكره لهذه الحادثة المأساوية وربطها بقتل أنبياء بني إسرائيل يريد ان يقول ان الطريق الذي أسير عليه هو ذات الطريق هو طريق الأنبياء وطريق يحيىB. ورغم تشخّص معالم هذا الطريق واتضاح فرقانيته أحجم بعض الشيعة من الالتحاق به. ومنهم الفرزدق الذي قال له عبد الله بن عمرو بن العاص بعد ما ذكر له لقاءه بالحسين: فهلاّ اتّبعْتَه، فو الله ليملكن، ولا يجوز السلاح فيه ولا في أصحابه، قال: فهممت والله ان ألحقَ به ووقع في قلبي مقالته ثم ذكرت الأنبياء وقتلهم فصدّني ذلك عن اللحاق بهم. الطبري، ج4 ص290.

 ([44]) راجع: البداية والنهاية، ابن كثير، ج2 ص66.

 ([45]) وهذه الصفات مأخوذة من الآيات القرآنية التالية: آل عمران / 39، الأنعام / 85 ــ 87، مريم / 1-2، الأنبياء / 90، راجع الميزان في تفسير القرآن، ج 14ص 18 .

 ([46]) العسكري ، مرتضى ، معالم المدرستين : ج3 ص122والآية هي 33 ــ 34 من سورة آل عمران.

 ([47]) المفيد، الإرشاد، ج2 ص117، وقد نقل الرواية العلامة المجلسي في البحار في ، ج 45 ص 121، والأمين محسن في لواعج الأشجان، ص214.

 ([48]) البقرة / 137. الصدر، حسن، نهاية الدراية، ص217.

 ([49]) الصدوق ، محمد بن الحسين ، الهداية / مقدمة لجنة التحقيق : ص164

 ([50]) آل عمران / 178.

 ([51]) راجع: الطبري ، تاريخ الطبري :ج 4 ص 319، أبو مخنف ، مقتل الحسين: ص 112 .

 ([52]) راجع: نفس المصدر:ج4 ص338، تجد نداءاته القرآنية والفرقانية.

 ([53]) بحار الأنوار، ج 45 ص 129.

 ([54]) مثير الأحزان، ص80 ، اللهوف، ص105.

 ([55]) الشعراء / 10 ــ 11.

 ([56]) الصافات / 123 ــ 126.

 ([57]) الشعراء / 177 ــ 184.

 ([58]) الشعراء / 152.

 ([59]) تاريخ الطبري، ج4 ص305.

 ([60]) الإرشاد، ج2 ص85، بحار الأنوار، ج 44 ص 384.

 ([61]) تاريخ الطبري، ج4 ص281، ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3 ص396. وبدل لفظة حمّ جاءت لفظة [قُدِّر]

[62])) نفس المصدر : ج4 ص289، ابن الأثير، ج3 ص400.

[63])) نفس المصدر ، ج4 ص403، ابن الأثير، الكامل، ج3 ص408.

 ([64]) الطبري ،تاريخ الطبري، ج4 ص232.

* المصادر والمراجع *

القرآن الكريم

الطريحي ، فخر الدين (ت1085هــ) ، تفسير غريب القرآن ، تحقيق وتعليق : محمد كاظم الطريحي، انتشارات زاهدي – قم .

الطريحي ، فخر الدين (ت1085هــ) مجمع البحرين، تحقيق : السيد أحمد الحسيني، الطبعة : الثانية، تاريخ الطبع : 1408 - 1367 ش، نشر : مكتب النشر الثقافة الإسلامية.

محمد عبدالحميد ومحمد السبكي ، المختار من صحاح اللغة ، انتشارات ناصر خسرو ،طهران -1363 ه-ش .

الزبيدي ، محمد مرتضى (ت 1205هـ )، تاج العروس ، تحقيق : علي شيري ، سنة الطبع : 1414 - 1994م ، المطبعة : دار الفكر - بيروت ،الناشر : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت .

الزمخشري ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل (ت 538هـ) سنة الطبع : 1385 - 1966 م الناشر : شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ، عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاهم – خلفاء.

الطبري (ت 310هـ) تاريخ الطبري ، تحقيق : مراجعة وتصحيح وضبط : نخبة من العلماء الأجلاء ، الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت – لبنان .

ابن كثير (ت774هـ) البداية والنهاية، تحقيق : تحقيق وتدقيق وتعليق : علي شيري ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1408 - 1988 م الناشر : دار إحياء التراث العربي - بيروت – لبنان .

أبو مخنف الأزدي (ت 157هـ) مقتل الحسين (ع) تحقيق : تعليق : حسين الغفاري ، المطبعة : مطبعة العلمية – قم .

ابن عساكر (ت 571هــ) ترجمة الإمام الحسين (ع) ، تحقيق : الشيخ محمد باقر المحمودي ، الطبعة : الثانية ، سنة الطبع 1414 ،المطبعة : فروردين الناشر : مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم - ايران .

ابن طاووس (ت 664هـ) اللهوف في قتلى الطفوف ، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1417 ، ا لمطبعة : مهر، الناشر : أنوار الهدى - قم – ايران .

القاضي النعمان المغربي (ت363 هـ )شرح الأخبار ،تحقيق : السيد محمد الحسيني الجلالي ، المطبعة : مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة .

العسكري ،مرتضى (معاصر) معالم المدرستين ،سنة الطبع : 1410 - 1990 م ، الناشر : مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – لبنان .

شرف الدين (ت 1377هـ) المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة ،تحقيق : مراجعة وتحقيق : محمود بدري ،الطبعة : الأولى ،سنة الطبع : 1421،المطبعة : عترت ، الناشر : مؤسسة المعارف الإسلامية – قم.

ابن عساكر (ت 571 هـ )ترجمة الإمام الحسين (ع) ،تحقيق : حمد باقر المحمودي ،الطبعة : الثانية ،سنة الطبع : 1414 ،المطبعة : فروردين ،الناشر : مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم – ايران.

الخوارزمي، مقتل الحسين ، أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي، (484-568هـ)، مقتل الحسين $، تحقيق وتعليق الشيخ محمد طاهر السماوي، منشورات مكتبة المفيد / إيران ـ قم المقدسة، طبعة عام 1367هـ..

المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان (413 هـ )، الإرشاد ، تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث، نشر وطبع دار المفيد.

آقا بزرگ الطهراني (ت1389هــ) الذريعة ، الطبعة : الثالثة، نشر وطبع : دار الأضواء - بيروت – لبنان.

الصفار ، محمد بن الحسن بن فروخ (ت 290هــ) بصائر الدرجات، تحقيق : تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي ،سنة الطبع : 1404 - 1362 ش ، المطبعة : مطبعة الأحمدي - طهران ، الناشر : منشورات الأعلمي - طهران .

الكليني ، محمد بن يعقوب (ت329هــ) الكافي ،تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري، الطبعة : الخامسة، سنة الطبع : 1363 ش، مطبعة : الحيدري، نشر : دار الكتب الإسلامية – طهران.

الطبرسي (ت 548هـ) تفسير جوامع الجامع ،تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة : الأولى ، سنة الطبع : 1420 ناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.